غسان بن جدو: سادتنا مشاهدينا المحترمين، سلام الله عليكم...
لو كنا تحدثنا الى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد قبل سنوات، لكان الكلام غير الكلام، لأن سورية كانت غير سورية.. في الواقع، العالم كله وفي قلبه وطننا العربي كان غير العالم وغير الوطن وبالتأكيد غير العربي، فنحن أمام بعض ، نؤكد بعض عربي من طينة أخرى. أخرى تماما...لوتحدثنا مع بداية وفي خلال الازمة السورية الكارثة بدمائها ودمارها وضحاياها وعمرانها وتاريخها ومقدساتها، لكان الحديث كما مشهده غامضا محيرا وفي كل حال ، هو بالتأكيد مبكيا.. لوتحدثنا عن سورية في رمضان الاول والثاني مع الازمة، لكان حديثنا ربما في صلاة العيد في الجامع الاموي بامامة علامة غير العلامة لملوك وامراء ورؤساء غير سوريين وغير ما يمثلون. لو تحدثنا قبل التهديدات الاميركية الاخيرة، لكان الحديث عن مشهد عالمي مختلف، من هو مع سورية ومن ضدها لكن الجميع على أرضها.. لو تحدثنا الاسبوع الماضي بعد التراجع الاستراتيجي لكنا أمام واشنطن هي للاسد مداحة، قبل ان تنقلب اليوم له هجاءة.. أما وأننا ، نتحدث اليوم الى الرئيس الأسد، فأسئلة الزمن السوري العربي القاسي تفرض نفسها بلا تحفظ الا السهو العام المألوف عن بعضها.. نتحدث عن عمق الازمة السورية وأفاق حلها..عن العرب وجامعة دولهم بلا سورية، وعن الاقليم والمحور الجديد والمواجهة الاستراتيجية...عن المقاومة بل المقاومات فعلا او شعارا... ربما من الاهم، نفهم من الرئيس الأسد الخيارات المحددة والمواقف المترقبة، نتمناه حديث الزمن الصعب...
لو كنا تحدثنا الى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد قبل سنوات، لكان الكلام غير الكلام، لأن سورية كانت غير سورية.. في الواقع، العالم كله وفي قلبه وطننا العربي كان غير العالم وغير الوطن وبالتأكيد غير العربي، فنحن أمام بعض ، نؤكد بعض عربي من طينة أخرى. أخرى تماما...لوتحدثنا مع بداية وفي خلال الازمة السورية الكارثة بدمائها ودمارها وضحاياها وعمرانها وتاريخها ومقدساتها، لكان الحديث كما مشهده غامضا محيرا وفي كل حال ، هو بالتأكيد مبكيا.. لوتحدثنا عن سورية في رمضان الاول والثاني مع الازمة، لكان حديثنا ربما في صلاة العيد في الجامع الاموي بامامة علامة غير العلامة لملوك وامراء ورؤساء غير سوريين وغير ما يمثلون. لو تحدثنا قبل التهديدات الاميركية الاخيرة، لكان الحديث عن مشهد عالمي مختلف، من هو مع سورية ومن ضدها لكن الجميع على أرضها.. لو تحدثنا الاسبوع الماضي بعد التراجع الاستراتيجي لكنا أمام واشنطن هي للاسد مداحة، قبل ان تنقلب اليوم له هجاءة.. أما وأننا ، نتحدث اليوم الى الرئيس الأسد، فأسئلة الزمن السوري العربي القاسي تفرض نفسها بلا تحفظ الا السهو العام المألوف عن بعضها.. نتحدث عن عمق الازمة السورية وأفاق حلها..عن العرب وجامعة دولهم بلا سورية، وعن الاقليم والمحور الجديد والمواجهة الاستراتيجية...عن المقاومة بل المقاومات فعلا او شعارا... ربما من الاهم، نفهم من الرئيس الأسد الخيارات المحددة والمواقف المترقبة، نتمناه حديث الزمن الصعب...
سيدي الرئيس، نحن في أزمة طاحنة على مستوى سورية والعالم العربي، ولكن نحن نتحدث عن سورية بشكل أساسي، لو سمحتم لي سأعود لما قبل الأزمة، قبل ربما سبعة أو ثمانية أسابيع.. فقد تحدثتم لصحيفة وول ستريت جورنال وقتذاك عندما سُئلتم عمّا إذا كان ما حدث في تونس يمكن أن يحدث في سورية أجبتم بالنفي.. هل أخطأتم في حساباتكم وتقديراتكم؟
الرئيس الأسد: عملياً ما حصل منذ عامين ونصف، منذ تلك المقابلة حتى اليوم، يؤكد تماماً بأن ما قلته كان صحيحاً.. فما حصل في سورية يختلف تماماً عما حصل في تونس ومصر.. وخاصة لناحية التدخل الأجنبي.. لناحية إرسال الإرهابيين من الخارج ودفع الأموال من أجل خلق الفوضى في سورية... في تلك المرحلة التي سبقت الأزمة في سورية وتحديداً قبل الأزمة بحوالي شهرين أي في كانون الثاني وشباط 2011 كان هناك تحريض شبه يومي في كل وسائل الإعلام من أجل القيام بمظاهرات، وسؤال تلك الصحيفة بُني على أن ذلك التحريض لم يتمكّن من إخراج شخص سوري واحد إلى الشارع حتى ضُخّت الأموال بشكل مباشر وحُرّك المرتزقة في سورية، فعملياً كل يوم يُثبت بأن ما يحصل في سورية هو شيء مختلف تماماً، وذلك لخصوصية سورية كما هي خصوصية مصر وتونس وغيرها من الدول، وللوضع الجيوسياسي في سورية، وللسياسة الخارجية وبنية الدولة وسياستها عبر خمسين عاماً في سورية. كل هذا يؤكد بأن ما قلته كان صحيحاً.
غسان بن جدو: لكن ألا تعتبرون سيادة الرئيس أن هناك جزءاً لا بأس به من الشعب السوري كان أيضاً يرنو إلى التغيير والإصلاح.. لم يكن بالضرورة مدفوعاً بمال أو مرتزقة وغير ذلك، وبالتالي ربما طلباته كانت محقّة ومشروعة وطبيعية؟
الرئيس الأسد: هذا صحيح، وأنا قلت هذا الكلام في أكثر من خطاب وفي أكثر من مقابلة، ولكن من تحرّك في البداية لم يكن هؤلاء، وإلا لماذا لم يتحركوا عندما بدأ التحريض ولماذا لم يتحرّكوا في الأسابيع الأولى.. تحرّكوا لاحقاً بعد أسابيع أو بعد أشهر واعتقدوا بأن هناك تغييراً وكان هناك تشويش وانخداع بما يحصل، اعتقدوا أن ما يحصل هو حركة باتجاه الأفضل أو الديمقراطية ولكن نفس هذه القوى عندما اكتشفت الحقيقة تراجعت وانكفأت وتركت الشارع للمرتزقة ولاحقاً للإرهابيين والمتطرفين.
غسان بن جدو: كيف تطورت الأمور من وجهة نظركم، أو من معلوماتكم طبعاً؟
الرئيس الأسد: الأزمة مرت بمراحل.. المرحلة الأولى كما قلت لم يكن هناك تأثير للتحريض، المرحلة الثانية بدأت من خلال دفع الأموال للمظاهرات مع دخول مسلحين بشكل خفي من أجل إطلاق النار على الشرطة وعلى المتظاهرين بهدف خلق حالة من الصدام وسفك الدماء وبالتالي تنتشر هذه الفوضى بشكل عفوي وطبيعي، ونجحوا في عدة أماكن بهذا الشيء. مع ذلك لم تتطور المظاهرات بالشكل الكافي لإسقاط الدولة السورية بعد ستة أشهر وتحديداً بعد رمضان 2011 فبدأ في ذلك الوقت العمل من أجل زيادة التسليح والنزول المسلّح إلى الشارع بشكل علني. هذه هي المرحلة الثانية. حتى نهاية العام 2012، وبعد توجيه ضربات قاسية من القوات المسلحة للإرهابيين أو الذين سمّوا بالجيش الحر، وهي مجموعة من عصابات مختلفة، عندها دخلت القاعدة على الخط وأصبحنا الآن في مرحلة الصراع مع القاعدة وتفرعاتهاالمختلفة، ما يسمى داعش وجبهة النصرة وغيرها من المسمّيات. هذه هي المراحل الرئيسية لما حصل.
غسان بن جدو: في هذه المراحل كان هناك في رأيكم أو معلوماتكم مواكبة خارجية لها أو هي انطلقت من الداخل وربما تم استثمارها من الخارج؟
الرئيس الأسد: بدايات الأزمة ابتدأت من الخارج.. التحريض ابتدأ من الخارج ولم يبدأ من الداخل، والدليل عدم الاستجابة الداخلية في البداية.
غسان بن جدو: والسلاح منذ البداية أيضاً؟
الرئيس الأسد: السلاح موجود في سورية، منذ حصل غزو العراق تم دخول كميات كبيرة من السلاح إلى سورية، فالسلاح متوفر بشكل طبيعي، ولكن المشكلة هي الظروف المهيئة لاستخدامه بالإضافة إلى توريد كميات أخرى من الخارج، دفع الأموال، المظاهرات في البداية التي تحدثنا عنها والتي نسميها المرتزقة، كانت مظاهرات من أجل المال فقط، يخرج المتظاهر لمدة نصف ساعة يقبض المال على هذه الصورة أو الفيديو ويعود لمنزله، هذه كانت الأمور بكل بساطة، وكانت المجموعات المسلحة، مجموعات مختلفة، تأتي لهذه المظاهرات تحت عنوان الحماية وتقوم بإطلاق النار.
غسان بن جدو: سيادة الرئيس، يمكن أن يفهم المشاهد كأنه لا يوجد الآن معارضة في سورية؟ لا يوجد اعتراض، لا يوجد عدم رضا عما هو حاصل، بينما نحن نعرف أن هناك مثقفين معارضين، هناك معارضة حقيقية، وهي بالمناسبة ذات مواقف وطنية وتتناغم معكم بشكل كبير خصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل، وبالصراع العربي العام بشكل أساسي؟
الرئيس الأسد: كل ما قلتُه لا ينفي أبداً وجود معارضة، ولا علاقة بين الأمرين، أن تكون هذه الأحداث تمّت لا يعني بأنه لا يوجد معارضة، ولا يمكن أن ندّعي في أي دولة في العالم، مهما كانت صغيرة وعدد سكانها محدود، أن يكون كل الناس فيها على إجماع حول سياسة واحدة، من الطبيعي أن يكون هناك تيارات مختلفة ومتناقضة أحياناً، ولكن المعارضة هي مفهوم سياسي، المعارضة هي بنية سياسية لها قاعدة شعبية ولها برنامج سياسي واضح، هي بنية داخلية، ليست مرتزقة من الخارج ولا تأخذ أوامرها من الخارج، برامجها ليست من الخارج، لا تقبل بالتدخل الخارجي ولا تحمل السلاح، لا يمكن أن تكون معارضة سياسية وتحمل السلاح، بمجرد أن حُمل السلاح تحوّلت التسمية إلى تمرّد أو إرهاب وليست معارضة. هذا هو تعريفنا للمعارضة، أما المعارضة فهي موجودة دائماً في سورية.
غسان بن جدو: طبعاً المعارضة موجودة دائماً في سورية، ولكن أنا أتحدث عن هذا المخاض الذي حصل في سورية، نحن نتحدث بعد عامين ونصف العام وما لاحظناه الآن أولاً أن مساحات جغرافية لم تعد في يد الدولة.. وثانياً درجة الاعتراض تكثّفت تماماً، كما أن الذين تراجعوا عن اعتراضهم الأول كُثر أيضاً، الذين انشقوا عادوا بشكل كبير. سؤال بعد عامين ونصف العام، عندما يشاهدك المشاهد السوري والعربي يقول: سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد.. تحدثتم قبل فترة عن بعض المؤامرات الخارجية التي حصلت وعن التسليح الخارجي، إلى كل ذلك، ألا يمكن الإقرار بأن هناك أزمة ونحن مدعوون إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة بشكل واضح؟
الرئيس الأسد: طبعاً، من البديهي عندما يكون هناك تدخل خارجي فهو يستند على خلل داخلي، لو لم يكن لديك خلل داخلي لا يمكن أن ينجح التدخل الخارجي، مجرد نجح فهذا يعني بأنه لديك خلل داخلي، وأنا دائماً أتحدث عن مسؤوليتنا نحن كسوريين أولاً فيما يحصل، نستطيع أن نلوم الغرب ودول الخليج وتركيا ولكن بالمحصلة النهائية نحن المسؤول الأول، الوطن هو المنزل... عندما تفتح أبوابك للصوص فلا تستطيع أن تلوم اللص لأنه لص، هو يقوم بما تعلّم أو تربّى عليه، فإذاً نحن لدينا مشاكل داخلية، هذا موضوع آخر، طبعاً لدينا حاجة للإصلاح، لدينا فساد، لدينا الكثير من الأشياء التي طُرحت قبل الأزمة وفي بداية الأزمة، لكن كم من هذه الأشياء طُرح بشكل صادق وجدّي، وكم من هذه الأشياء طُرح كقناع من أجل خلق الفوضى، هذا سؤال آخر.
غسان بن جدو: هل تعتبرون بأن سورية مستهدفة بشكل أساسي بسبب استراتيجيتها الخارجية ومواقفها المعروفة؟
الرئيس الأسد: هذا جانب مؤكد لا نستطيع أن ننفيه، وإلا هناك الكثير من الدول المحيطة بنا والقريبة منا، الأنظمة فيها تعود لقرون إلى الوراء في تطورها ومع ذلك لا يتحدث الغرب عنها ولا يقول كلمة حول الديمقراطية فيها.
غسان بن جدو: كيف نؤكّد هذا الأمر، كيف نؤكد أن استراتيجيتكم الخارجية هي التي كانت تقلقهم وتزعجهم بشكل أساسي حتى تدخّلوا بهذا الشكل المعروف؟
الرئيس الأسد: لسبب بسيط... لأن سورية تحت الضغط والتهديد منذ عقود.. لم يأت الضغط والتهديد بشكل مفاجئ، نحن دائماً تحت الضغط، حتى بمراحل الانفتاح مع الغرب كنا تحت الضغط، وليس كما يبدو للمشاهد بأنه شهر عسل أو فترة ارتخاء. سورية دائماً تحت الضغط وتحت التهديد في كل المفاصل بدون استثناء، فهذا جزء من هذه المراحل، نحن نتحدث عن سياق كامل، هي ليست حالة منعزلة لكي تقول بأن الغرب قرر فجأة أن ينقلب على سورية لأسباب ترتبط بسياساتها الخارجية، فإذاً هناك سياق.
غسان بن جدو: الحقيقة ليس الغرب فقط وإنما دولٌ عربية، وحتى دول إقليمية وصديقة، ودول كانت حليفة ولكن سنتحدث عن هذا الأمر لاحقاً، عندما تحدثتم سيادة الرئيس عن هذه الجماعات التي وصفتموها بأنها متطرفة سواء من جبهة النصرة أو داعش والتي أتت من الخارج إلى غير ذلك، ولكن نحن نعلم أيضاً بأن هناك سوريين عددهم لابأس به قد انخرط في هذه الجماعات المتطرّفة وحتى التكفيرية. إذاً، كيف يمكن أن البيئة السورية التي تتباهون دائماً بأنها ليست بيئة أمان فقط ولكن حتى بيئة مدنية تسمونها علمانية، ولكن هي بيئة مدنية في حكمها وتشريعاتها وعلاقاتها، هذه البيئة أوجدت كل هذا النمط وهذا الكمّ من التطرف والتكفير؟
الرئيس الأسد: هذا صحيح، أن نتحدث عن البيئة العلمانية في سورية ونتباهى بها لا يعني بأنه لم يكن لدينا بؤر تطرف موجودة في سورية، وهذا التطرف أيضاً عمره عقود ولكن اشتد بشكل كبير وتسارع بصورة كبيرة تحديداً بعد 11 أيلول، وبعد الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، لذلك نحن كنا دائماً نعارض هذه الحروب ونريد أن نمنع وقوعها لأننا كنا نخشى من انتشار التطرف، وأنا قلت هذا الكلام لأكثر من مسؤول غربي في ذلك الوقت، فإذاً كنا في حالة صراع مع هذا التطرف، ولكن عندما حصلت الأزمة فمن الطبيعي عندما يكون لديك فوضى ويضعف تأثير الدولة في عدد من المناطق الجغرافية في سورية فلابد أن يأتي التطرف ويملأ هذا الفراغ ويخلق الحاضنة الضرورية لنموّه ولتوسّعه. هذا ما حصل. لكن هذا لا يعني بأن التطرف لم يكن موجوداً في سورية فنحن جزء من هذه المنطقة، وهذه المنطقة تعاني، كما قلت، منذ عقود.. منذ أكثر من عقد من الزمن من دخول الإرهاب إلى أقصى المغرب وإلى أقصى المشرق في المنطقة العربية.
غسان بن جدو: أشرتم الآن إلى 11 أيلول، وقلتم أنكم حاربتم التطرف وقتذاك، هل تعاطيتم مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية في هذه النقطة بالذات؟ ليس فقط الولايات المتحدة الأميركية، ربما حتى دول أوروبية أخرى.. تعاطيتم أمنياً وسياسياً مباشرة في محاربة ظاهرة التطرف؟
الرئيس الأسد: في عام 1985 على خلفية العمليات الإرهابية التي قام بها الأخوان المسلمون في سورية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، طرحنا موضوع التحالف لمكافحة الإرهاب، في ذلك الوقت لم يهتم أحد في العالم بهذا المصطلح، ما هي أهمية الإرهاب بالنسبة لهم، لا شيء في ذلك الوقت..
غسان بن جدو: كانت حرب أفغانستان وقتذاك وكان الإرهاب ربما يعتبر جهاداً..
الرئيس الأسد: تماماً، كان الإرهاب جهاداً.. وكانوا يُسمَّون من قبل ريغن "مقاتلو الحرية".. أو شيء من هذا القبيل.. فعندما بدأ العالم يتحدّث عن الإرهاب لم نتردّد في التحالف مع كل الدول الساعية من أجل مكافحة الإرهاب بما فيها الولايات المتحدة، هذا لا يعني بأننا نتفق معهم حول الوسائل المتبعة.. ولكن كمبدأ، نعم نحن تعاملنا مع معظم الدول في العالم بشأن مكافحة الإرهاب..
غسان بن جدو: مع الولايات المتحدة الأميركية؟..
الرئيس الأسد: نعم، والولايات المتحدة الأميركية..
غسان بن جدو: بعد أحداث 11 أيلول؟..
الرئيس الأسد: بعد وقبل، لكن طبعاً توسّع التعاون بعد أحداث 11 أيلول..
غسان بن جدو: وكان الأميركيون منفتحين عليكم أمنياً في هذا التعاون بشكل أساسي؟..
الرئيس الأسد: لا، هم لا ينفتحون حتى على أقرب حلفائهم، هم يعتمدون دائماً على مبدأ أن كل الدول والأجهزة تعمل من أجل خدمتهم، وهنا كانت نقطة الخلاف بيننا وبينهم، هم يتعاملون مع مكافحة الإرهاب وكأنك تجلس أمام الحاسوب وتمارس لعبة، فكلما ظهر عدوّ على الشاشة تقوم بقتله.. نحن نتصرف بطريقة مختلفة، مكافحة الإرهاب هي مكافحة شاملة، وحتى الموضوع الأمني يعتمد على المعلومات وعلى اختراق المجموعات الإرهابية وبحاجة لنَفَس طويل، كنا نقول لهم عندما تقتل شخصاً بهذه الطريقة عليك أن تتوقّع تكاثُر عشرة أشخاص بالمقابل كما يحصل في الحاسوب، لم يقتنعوا بهذا الكلام، اليوم بعد إثني عشر عاماً تقريباً على مرور 11 أيلول نكتشف بأن الإرهاب أكثر قوةً وأكثر انتشاراً في العالم من قبل.
غسان بن جدو: هل الولايات المتحدة الأميركية تقدّم دعماً مباشراً أو غير مباشر لهذه الجماعات التي تصفونها بالإرهابية، وهي في عُرفهم أيضاً إرهابية؟
الرئيس الأسد: لا يوجد لدينا دليل بأنهم قدموا دعماً مباشراً لجماعة القاعدة، وأعتقد بأن هذا الموضوع صعب عليهم، ولكن بالممارسة عندما تدعم الفوضى، فأنت تدعم هذه المجموعات... عندما تقف ضد الدولة التي تكافحهم فأنت تدعم هذه المجموعات، أعني الإدارة الأميركية... عندما تؤمن الغطاء السياسي للفوضى والإرهاب في سورية، فهي تدعم بشكل مباشر الإرهاب الآخر... هم يدعمون.. سياسة الولايات المتحدة وسياسة أوروبا، أو بعض الدول الأوروبية والقسم الأكبر من الأوروبيين، وبعض الدول العربية والإقليمية، هي التي ساهمت في مجيء القاعدة إلى سورية، في بعض الحالات عن قصد، وفي بعض الحالات عن غير قصد.
غسان بن جدو: إذا كان هذا التعاون قد تمّ على مدى سنوات بينكم وبين الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الإرهاب وهذه الجماعات، ألديكم تفسير لماذا -لا أقول لم تكافئكم- ولكن لم يتمّ تعاون معقول ومقبول بينكم وبين الإدارة الأميركية في هذا الشأن؟
الرئيس الأسد: هذا جزء من طبع الإدارات الأميركية المتعاقبة، هم لا يقدّرون شيئاً، هم أنانيون جداً يفكّرون بمصلحتهم، حتى التعاون مع طرف آخر بالنسبة لهم هو تعاون من أجل مصالحهم وليس من أجل المصالح المشتركة.. بالنسبة لنا نحن نبحث عن مصالح مشتركة بشكل دائم، وهذا الشيء قطعي بالنسبة لنا، لكن هم ينظرون للموضوع بشكل أناني، وعندما تنتهي هذه المصلحة فأنت لا تشكّل شيئاً بالنسبة لهم، هذا بالنسبة لدولة لا يتفقون معها ومع سياساتها كسورية، لكن هذا بديهي عندما نقارن ما فعلوا بحلفاء لهم من شاه إيران حتى برويز مشرف مروراً بكثيرين الآن في الدول العربية.. حلفاء قدموا لهم كل شيء على مدى عقود، وفي اللحظة المحدَّدة، ألقوا بهم..
غسان بن جدو: بمن فيهم عرب..
الرئيس الأسد: طبعاً بمن فيهم عرب، لكي لا نتحدث الآن عن الوضع العربي، فهو أصبح معروفاً.. ولكن هذه حالة عامة بالنسبة للولايات المتحدة، من يبحث عن الوفاء لدى الإدارات الأميركية واهم، نحن نتحدّث معهم فقط من خلال مصالح مشتركة، هم لا تجمعهم المبادئ مع كثير من دول العالم وإنما مجموعة مصالح..
غسان بن جدو: وأنتم حريصون على هذا الأمر حتى في المستقبل، إذا سويّت الأمور هنا في سورية، أنتم حريصون على علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة الأميركية تقوم على المصالح المشتركة؟
الرئيس الأسد: طبعاً، لا شك بأن الولايات المتحدة دولة عظمى وتؤثّر في مسار الأحداث في العالم، فإذا كنت قادراً على خلق علاقة تخدم مصالحك فهذا الشيء جيد، ولا يجوز أن نتردّد به بغض النظر عن الاختلافات، ولكن من الخطير أن تبني معهم علاقة تعمل من أجل مصالحهم فقط، لأنهم سيطلبون منك أن تعمل من أجلها ضد مصالحك، وهذا شيء مرفوض بالنسبة لنا.
غسان بن جدو: بصراحة سيادة الرئيس هناك أيضاً من يقول أنكم تتحملون مسؤولية مباشرة.. أنتم كدولة، كحكومة، كسلطة، كنظام، في تنامي هذه الجماعات التي تصفونها بالإرهابية والتكفيرية.. لا شك بأنكم ساعدتم وسهّلتم الطريق أمام هذه الجماعات من أجل الدخول إلى العراق فيما كانت تسمى بالمقاومة العراقية، هل انقلب سحركم عليكم؟
الرئيس الأسد: هذا الكلام يعني أو يحمل في طياته بأن سورية كانت تستخدم الإرهابيين كورقة تضعها في الجيب لكي تستخدمه في مكان ما لهدف ما، نحن قلنا بشكل واضح في أكثر من مناسبة بأن الإرهاب لا يُستخدم كورقة، وأنا أشبّه الإرهاب دائماً بالعقرب، إذا وضعته في جيبك، فعندما يصل إلى الجلد سوف يقوم بلدغك مباشرة.. هذا غير ممكن.. نحن دائماً ضد الإرهاب وكان هذا أحد نقاط الخلاف بيننا وبين العراقيين، بأن سورية ضد الإرهاب، ولكن لا يمكن ضبط الحدود، اليوم مثلاً هناك إرهاب يأتي عبر الحدود العراقية بشكل مكثّف، كميات كبيرة، ولكن سورية لا تتّهم الحكومة العراقية، لأننا نقدّر بأن ضبط الإرهاب يكون في الداخل وليس على الحدود، الحدود هي مظهر من مظاهر الضبط، وليست الضبط، لا تُغلَق الحدود، أنت تقضي على الإرهاب في الداخل، فعندما يكون هناك فوضى في سورية وهناك فوضى في العراق لا يمكن لسورية والعراق أن يضبطا الحدود، فلذلك أؤكد مرة أخرى بأننا لم نكن في يوم من الأيام مع الإرهاب، نحن دائماً في حالة حرب مع الإرهاب، ولكن لم نكن نعلن هذا الشيء، نقوم بعمليات عسكرية، أمنية، استخباراتية، سمّها ما شئت، ولكن لم نكن نعلن ذلك.
غسان بن جدو: على الحدود؟
الرئيس الأسد: على الحدود وفي الداخل، لأن الإرهابيين كانوا يستخدمون سورية كممر ما بين لبنان والعراق..
غسان بن جدو: في ذلك الوقت؟..
الرئيس الأسد: قبل هذه الازمة كان التمركز الأساسي للإرهابيين من لبنان إلى العراق وبالعكس..
غسان بن جدو: بعد حرب العراق..
الرئيس الأسد: نعم.. كان بشكل أساسي من لبنان إلى العراق وبالعكس، وكانت سورية مجرّد ممرّ، فكنا دائماً نعمل على إغلاق هذا الممرّ من خلال عمليات استخباراتية، طبعاً هذا الكلام مستحيل أن يكون بشكل مطلق، ولكن عندما بدأت الأزمة في سورية، وتغيّرت الأحوال الأمنية في سورية انتقلت القاعدة إلى سورية كهدف، وحوّلتها لهدف رئيسي كأرض للجهاد.
غسان بن جدو: إذاً، بصراحة سيادة الرئيس، أنتم لم تقدموا تسهيلات بشكل رسمي أو غير رسمي لهذه الجماعات حتى تدخل العراق بصفتها جماعات مقاومة؟
الرئيس الأسد: لو كنّا نريد أن نقوم بهذا الشيء فهذا يعني بأننا نعمل ضد مصلحتنا بشكل مباشر، لأن انتشار الإرهاب في العراق سيأتي إلى سورية وهذا ما نراه الآن، انتشار الإرهاب في لبنان سيأتي إلى سورية وهذا ما نراه الآن أيضاً، وانتشار الإرهاب في أي بلد مجاور سيؤثر عليك بشكل مباشر، فهذا يعني أن نطبق المثل الذي يقول بأنه يطلق النار على قدمه، وهذا مستحيل.
غسان بن جدو: لكنكم كنتم مع المقاومة في العراق وأعلنتم هذا الأمر، أنتم كنتم تعتبرون بأن هناك مقاومة، ومقاومة الاحتلال هي أمر مشروع في العراق..
الرئيس الأسد: أولاً الإرهاب غير المقاومة، والإرهابيون الذين تتحدّث عنهم، وتحديداً جماعة القاعدة لم يقوموا بعملية واحدة ضد الأميركيين، كل العمليات كانت ذات طابع طائفي في العراق، كانوا يقتلون المدنيين وليس الأميركيين، المقاومة كانت تقوم بعمليات ضد الأميركيين، هذا أولاً.. ثانياً نحن ندعم المقاومة بالمعنى السياسي، نحن لا نعرف من هي المقاومة في العراق ولا يوجد أي تواصل بيننا وبينها، لأنها لم تأت إلينا، ولم تطلب منا، ولم تتواصل معنا، فنحن نقول المقاومة ضد الاحتلال حق في أي بلد، هذا ما كنا نقوم به.
غسان بن جدو: تعرف سيادة الرئيس، موضوع العراق هو موضوع مفصلي، لا أتحدّث عنه الآن ولكن مرحلة غزو العراق هي مرحلة مفصلية، الولايات المتحدة الأميركية تعاطت معها على أساس أنها تحوّل استراتيجي، ويؤكد انتصارها التاريخي في المنطقة وربما يثبّت هيمنتها في العالم، والحقيقة أنها تعاطت مع مختلف الدول على هذا الأساس ومن بينها سورية.. إذاً محطة الغزو العراقي كانت محطة أساسية وقتذاك.. كيف تعاطت الولايات المتحدة الأميركية معكم في غزو العراق؟
الرئيس الأسد: حاولت الولايات المتحدة كثيراً أن تقنع سورية بأن تكون جزءاً من الحملة على العراق، كان ذلك قبل قمة شرم الشيخ التي انعقدت في بداية شهر آذار في عام 2003، ومن خلال مجيء المسؤوليين الأميركيين إلى سورية، كان هناك محاولات ترهيب وترغيب -على الأقل بالحد الأدنى- من أجل أن نصمت، طبعاً في قمة شرم الشيخ كان موقفنا واضحاً ومعلناً وكان ربما الصوت الأعلى في رفض الحرب، لأننا رأينا بأن قمة شرم الشيخ كانت قمة التسويق لحرب العراق، أو للغزو الأميركي للعراق، فكان لا بدّ من أن تدفع سورية الثمن، وكانت زيارة كولن باول المشهورة في ذلك الوقت بعد 3 أسابيع من غزو العراق وكان العالم في ذلك الوقت من دون استثناء قد انبطح أمام ما اعتقدوا بأنه النصر الأميركي، وبدأوا بتقديم فروض الطاعة والولاء، فأتى كولن باول في ذلك الوقت وكان مزهوّاً بنفسه ويتحدّث عن كيف دخلت القوات الأميركية خلال أسابيع إلى بغداد، ويلمّح إلى أن الكونغرس الأميركي يحضّر لقانون آخر لمحاسبة سورية، أكثر شدّة وقسوة من القانون السابق، وكل الكونغرس ينتظر عودة كولن باول لكي يقرّر ما الذي سيفعله مع سورية..
غسان بن جدو: هكذا كان يحدثكم؟
الرئيس الأسد: تفصيلياً.. حرفياً..
غسان بن جدو: أي بلغة التحذير والتهديد؟
الرئيس الأسد: تماماً.. قال إنه لم يبق لكم صديق أو أمل سوى أنا وزيارتي.. وهي الزيارة الأخيرة، ومبنيّة على عدة مطالب.. وهي بشكل أساسي إخراج الفصائل الفلسطينية أو قياداتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، خارج سورية..
غسان بن جدو: أي جبهة شعبية؟
الرئيس الأسد: الجبهة الشعبية القيادة العامة.. إخراجها خارج سورية إلى أي مكان يختارونه في العالم، هذا البند الأول..
غسان بن جدو: لم يعطكم مكاناً؟..
الرئيس الأسد: لا.. أي مكان..
غسان بن جدو: لم يسمّ مكاناً؟
الرئيس الأسد: قلت له عادة عندما تُخرج شخصاً تعيده إلى وطنه، هل مسموح لهؤلاء أن يعودوا لوطنهم، إذا كان مسموحاً لهم أن يعودوا لوطنهم، نحن نريدهم أن يعودوا إلى فلسطين بدون طلب من أي دولة، وهم يريدون ذلك أيضاً، ولكن أن يُطرد شخص إلى أي مكان في العالم هذا كلام مرفوض بشكل قطعي..
النقطة الثانية، هي منع دخول وتسليم أي من القيادات العراقية المطلوبة للولايات المتحدة، وللقيادة العسكرية بعد الغزو.. طبعاً إيقاف التعامل مع حزب الله والمقاومة في لبنان ووقف كل أشكال الدعم.. ولكن الطلب الأخطر الذي لم أذكره سابقاً هو أنهم طلبوا منا منع دخول أي من الكفاءات العلمية والعلماء وأساتذة الجامعات إلى سورية.
غسان بن جدو: العراقيون؟
الرئيس الأسد: نعم العراقيون.. وهذا ما فُسِّر لاحقاً بعمليات الاغتيال المنهجية للكفاءات العلمية في العراق.. أنا أعتقد بأن هذا الطلب كان أخطر من الطلبات الأخرى، طبعاً كان ردّنا بأننا استقبلنا من تمكّن من المجيء إلى سورية من هذه الكفاءات، وقمنا بإيجاد شواغر لهم في الجامعات السورية، الجامعات الخاصة والجامعات العامة، هذه هي المطالب الرئيسية..
غسان بن جدو: إذاً أربعة طلبات أساسية وقتذاك، أولاً ألا يتم استقبال القيادات السياسية والعسكرية العراقية السابقة، والنقطة الثانية هي أن تخرج القوات المقاومة الفلسطينية وتحديداً حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة، وثالثاً عدم التعاون مع حزب الله وعدم تمرير السلاح له وقطع العلاقات معه، قطع العلاقات تماماً معه..
الرئيس الأسد: تماماً.
غسان بن جدو: والنقطة الرابعة التي تكشفها لأول مرة عدم السماح بدخول الكفاءات العلمية، يعني هذا الطلب كان طلباً أميركياً أم طلب طرف آخر؟..
الرئيس الأسد: طلب أميركي.. وتمّت عمليات التصفية لاحقاً كما تعلم، قتلوا مئات من العلماء، أي أنها عملية تجهيل حقيقية، وهو ما كان مطلوباً لتدمير العراق حقيقة.. تدمير هذه العقول.
غسان بن جدو: سيادة الرئيس قبل لحظات تحدّثتم عن أنه قبل الغزو كانت هناك محاولات الترغيب والترهيب، هل نستطيع أن نفهم ما هي محاولات الترغيب والترهيب، من قدمها لكم.. رجال سياسة.. رجال أمن.. أميركيون مباشرة.. أوروبيون.. أصدقاء عرب.. مَن؟..
الرئيس الأسد: بشكل أساسي وليم بيرنز معاون وزير الخارجية في ذلك الوقت.. الترغيب كان من خلال أن الولايات المتحدة ستقوم بإطلاق عملية السلام، قلنا أن هذه الوعود سمعناها في عام 1991، على خلفية مشاركة سورية في حرب تحرير الكويت، ولم يحصل شيء، لم تقم الولايات المتحدة بأي عمل جدّي من أجل إنجاح عملية السلام.. تهربّت من كل التزاماتها، فنحن بالنسبة لنا أي وعد أميركي هو مجرد وعد وهمي، لا نثق بالولايات المتحدة، وهناك تجارب سابقة طبعاً في عدم الثقة بيننا وبينهم..
غسان بن جدو: على أساس أن يكون لكم دور...أي أن تعاد عملية السلام وأن يكون لكم دور محوري أنتم كسورية أم ماذا؟..
الرئيس الأسد: تماماً.. أي أن نستعيد أرضنا في الجولان، ويتم إنجاز عملية السلام، وهو كان مطلباً سورياً قديماً منذ ما بعد حرب 1973، ولكن هي مجرد وعود وهمية كما قلت.. الترهيب طبعاً يحتمل كل المعاني بأن الوضع سيكون صعباً، ستكون سورية معزولةً.. هناك أشخاص معادون لسورية في الولايات المتحدة.. وغير ذلك من الكلام الذي لا يعطي - لنقل - طريقة معينة لمعاقبة سورية لاحقاً ولكن يوحي بالعقوبة.
غسان بن جدو: عفوا سيادة الرئيس.. ربما هذا سؤال كان يمكن أن أطرحه في النهاية، ولكن منهجياً حتى نفهم هذا السياق... الآن، عندما تتحدث عن هذه الإشارات وربما ستحدثنا عن تفاصيل أخرى ونحن حريصون بصراحة أن تحدّثنا عن بعض التفاصيل وبعض الكواليس. ترغيب وترهيب قبل غزو العراق وبعد غزو العراق.. كانت الولايات المتحدة الأميركية القوة الأعظم، كانت متباهية بأنها انتصرت على الإرهاب في أفغانستان، غزت العراق وباتت تستأثر على كل شيء... الروس، الصينيون، العالم كله كان دونياً أمامها ومع ذلك كله كنتم تتصرفون بهذه الطريقة، ترفضون الطلبات وتعاندون... على أي قاعدة فكرية سياسية استراتيجية.. واسمح لي أيضاً بكل صراحة على أي قاعدة شخصية.. من هو بشار الأسد مع الاحترام حتى يرفض ويعاند الأميركيين بهذه الطريقة وتصلون لما وصلتم إليه؟
الرئيس الأسد: لو عدت للسياسة السورية عبر عقود، فليس من سمات السياسة السورية العنتريات، هذا أولاً. ثانياً هي سياسة مؤسسات تعكس مصلحة الشعب... هنا نتحدث عن القاعدة التي تُبنى عليها السياسة السورية... هذا السياق العربي الذي كانت سورية جزءاً منه خلال عقود -على الأقل منذ أن تشكل وعيي على هذه الدنيا- هو سياق سيئ ينتقل من سيئ إلى أسوأ ولا ينتقل من سيئ إلى أقل سوءاً.. فكنّا دائماً كدول عربية أمام الخيارين السيئين أو مجموعة خيارات سيئة في القضايا المختلفة.. فهنا عليك أن تختار الخيار الأقل سوءاً.. والخيار الأقل سوءاً في مثل هذه الحالة هو أن تعارض هذه المشاريع.. أي أننا لو سرنا معها لكان الوضع أسوأ.. هذه النقطة الأساسية. النقطة الأخرى نحن لا نعاند مصالح الولايات المتحدة، نحن نقف مع مصالحنا بمعنى لو وقفنا معهم في حرب العراق... نحن الآن نرى أنه بعد عشر سنوات ثبت بأن ما كانت تخشاه سورية يحصل... عدم الاستقرار في العراق... المزيد من سفك الدماء... احتمالات التقسيم التي ما زالت تلوح في الأفق والتي نراها من وقت لآخر، والبعض يقول بأنها على الواقع موجودة... هناك شيء من التقسيم موجود بفعل الأمر الواقع... هذه الأشياء ستؤثر مباشرة على سورية.
نفس الشيء عندما تدخلت سورية في لبنان منذ بضعة عقود... أيضاً كانت لأهداف مختلفة، واحد منها هو حماية المصالح السورية.. فإذاً القضية ليست أنه كان أمامك خيار جيد ولكنك اخترت الخيار الأصعب.
غسان بن جدو: عفواً سيدي الرئيس توصف بأنك عنيد... عنيد جداً... لا تؤاخذني بهذه الكلمة.. الرئيس حافظ الأسد أيضاً تعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في عاصفة الصحراء عندما احتُلت الكويت...
الرئيس الأسد: نعم.. ولكنه لم يتعاون من أجل دعم الولايات المتحدة... تعاون من أجل تحرير الكويت، وكان الموقف واضحاً كان انطلاقاً من فكرة أنه لا يجوز لبلد عربي أن يحتل بلداً عربياً، ولا يجوز أن تقوم الولايات المتحدة بتحرير الكويت والدول العربية غير موجودة... هذا للذاكرة، للتاريخ غير جيد، فكان هناك مبادئ مختلفة.. لم يكن الهدف هو دعم الولايات المتحدة، هي لم تكن بحاجة لدعم سورية على كل الأحوال... كانت بحاجة لغطاء عربي.. ولكن نحن رأينا بأن هذه العلاقة العربية العربية ستتأثر بالمستقبل إن لم تساهم سورية وطبعاً مصر ودول عربية أخرى.. هذا هو المبدأ.
غسان بن جدو: أنا الآن عربي معك، ولكن لو سألك شخص أميركي أو غير أميركي، وحتى نحن العرب معنيون بهذا الأمر... أعطني عنواناً واحداً كنتم فيه مرنين، متعاونين، براغماتيين؟
الرئيس الأسد: أولاً: مكافحة الإرهاب.. عندما تعاونّا مع الاستخبارات الأميركية في موضوع مكافحة الإرهاب، لأن مكافحة الإرهاب مصلحة مشتركة وهي تحقق مصلحتنا... ضرب الإرهاب في أي مكان في العالم ينعكس علينا بشكل مباشر أو غير مباشر حسب الحالة. عملية السلام تعاونّا معها في التسعينيات وكنّا في خضمّ عملية السلام قبل الأزمة بشكل مباشر على خلفية الوساطة التركية في عام 2008 والتي استمرت لاحقاً ودخلت الولايات المتحدة على خط هذه الوساطة واستجبنا وبدأنا بالتعاون وكان هناك اتصالات وزيارات بيننا وبينهم... فإذاً كان هناك تعاون، سورية مرنة وليست متعنتة، فالتعنت شيء، وأن تكون متمسكاً بحقوقك شيء آخر.. نحن متمسكون بحقوقنا وبمصالحنا... لايمكن أن نذهب بعكس هذه المصالح، وإلا نعود للنقطة الأولى بين السيئ والأسوأ... نكون قد اخترنا الأسوأ وليس السيئ.
غسان بن جدو: سيادة الرئيس عندما كنا نتحدث عن كولن باول وفترة الـ 2003 وقلت وقتذاك كانت هناك محاولات للترغيب والترهيب وقدم لكم تلك الشروط والتي رفضتموها.. ولكن الجانب الفرنسي أيضاً دخل على الخط.. كان الرئيس جاك شيراك آنذاك، وفي شهر تشرين، على ما أعتقد، غوردو مونتان كان موجوداً هناك.. بين هاتين الفترتين كأن هناك مخاضاً قد حصل.. وحتى عين الصاحب قد حصلت آنذاك.. ما سرّ العلاقات بينكم وبين فرنسا وكل هذه المحاولات التي حصلت ويقال أنها كانت جزءاً من التهديدات ومن التحذيرات التي لم تستجيبوا لها ؟
الرئيس الأسد: جاك شيراك بعد دخول القوات الأميركية إلى بغداد اعتبر بأن الوقت قد حان لكي يغيّر سياسته بالشكل الذي يوافق الولايات المتحدة، كما قلت في بداية المقابلة بأن الكل تعامل مع الولايات المتحدة كمنتصر وأصبح المطلوب أن يقدم أوراق اعتماده للإدارة الأميركية.. أهم ورقة اعتماد يقدمها شيراك هي السياسة السورية.. فأتى في ذلك الوقت مبعوث من قبل الرئيس جاك شيراك في شهر تشرين الثاني عام 2003 وبدأ يتحدث حول المخاطر التي تحيق بسورية وبأن الرئيس جورج بوش الابن غاضب جداً من سورية ومن الممكن أن يقوم بأي عمل "حتى ذكر كلمة حرفية.. قال لي بأن الرئيس بوش قال لجاك شيراك بأنني "أمناستي".. بمعنى مؤذي أو شرير أو ما شابه وعلينا أن نقوم بشيء ما من أجل أن نؤمّن حماية لسورية" .. ماهي هذه الحماية؟ أن تقوم سورية بالاعتراف بإسرائيل أوما سمّاه بالاعتراف بالدولتين، طبعاً لم يذكر عملية السلام ولم يذكر كل هذا الكلام.
غسان بن جدو: الدولتين، بمعنى الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية ؟
الرئيس الأسد: الدولة الإسرائيلية.. وبمعنى أن ندعم خارطة الطريق، نحن رفضنا أن نتدخل في موضوع خارطة الطريق لا سلباً ولا إيجاباً، على اعتبار أن خارطة الطريق كانت تهدف للتركيز على المسار الفلسطيني، فكان موقف سورية بأنه لا يمكن أن نكون جزءاً من خارطة الطريق إن لم تتحدث بشكل واضح حول استعادة الجولان أو ما نسميّه المسار السوري، فكانت زيارة مونتان في هذا الإطار.. عندما فشلت الزيارة ولم يأخذ ولم يلحظ أي استجابة تجاه هذا الموضوع بدأ التحوّل السريع في السياسة الفرنسية.. وكما هو معروف بدأ الاتفاق بين شيراك وبوش في العام 2004 من أجل العمل للضغط على سورية في لبنان من أجل إخراج لبنان، ولاحقاً، كما كانوا يتوقعون، سقوط الدولة في سورية على خلفية الخروج من لبنان، هكذا كانت البدايات في ذلك الوقت.
غسان بن جدو: فيما يتعلق بالمحور الداخلي.. نعلم أن الداخلي والخارجي كله مرتبط طبعاً طبقاً لتصوركم ولما هو أصبح مكشوفاً بشكل كبير.. أنتم أشرتم سيادة الرئيس بأن السلاح هنا في سورية كان موجوداً وحتى دخل من الخارج.. منذ متى بدأ إدخال السلاح.. متى استُخدم السلاح في سورية وبدأ إدخاله؟
الرئيس الأسد: في الأزمة؟
غسان بن جدو: نعم في الأزمة
الرئيس الأسد: كما قلت، السلاح موجود من قبل على خلفية غزو العراق، وربما موجود قبل ذلك، فتهريب السلاح ممكن دائماً وهناك الكثير ممن يرغب باقتناء السلاح.. أما استخدامه في الأزمة فتم من الأيام الأولى لأنه سقط شهداء من الشرطة ومن الأمن منذ الأيام الأولى.. كيف يسقط شهداء من خلال المظاهرات؟
غسان بن جدو: لكن نُقل عنكم أيضاً أنكم قلتم إن السلاح بدأ استخدامه بعد ستة أشهر
الرئيس الأسد: لا.. أنا قلت الحرب المعلنة بدأت بعد ستة أشهر، وقلت هذا الكلام قبل قليل عندما ذكرت المراحل، عندما ظهر إلى العلن كحرب مع صور ومع سيارات عليها مختلف أنواع الأسلحة بعد ستة أشهر.. بعد رمضان 2011.. لكن السلاح كان موجوداً منذ الأيام الأولى ولكن كان يُستخدم ويقال بأن من قَتل هو الأمن أو الدولة أو الجيش وكان يُستخدم ويسوَّق بأن كل ما يحصل هو سلمي ولكن الدولة تقمع المظاهرات السلمية.
غسان بن جدو: سيادة الرئيس.. هؤلاء الذين استخدموا السلاح منذ البداية هم كانوا بأنفسهم أم كانوا أيضاً بتعاون مع الخارج؟
الرئيس الأسد: بتعاون مع الخارج.. حتى الإخوان المسلمين في أكثر من تصريح لمسؤولين تحدثوا بشكل واضح كيف جلبوا السلاح قبل الأزمة إلى سورية وكيف ساهموا في هذا الموضوع.. هذا كلامهم هم.
غسان بن جدو: أي خارج تعاون معهم؟ أنا أسأل أي خارج ساعد أو سهّل أو ساهم في ..
الرئيس الأسد: الآن نتحدث عن بديهيات.. قطر كانت تدعم علناً هذه المجموعات.. قطر تكفّلت بهذا الموضوع في بداياته حتى مرور سنتين أو أقل بقليل حتى دخلت السعودية على الخط، ولكن كانت قطر بالدرجة الأولى وتركيا بالدرجة الثانية.. قطر بالتمويل وتركيا بالدعم اللوجستي.
غسان بن جدو: والأردن؟ كان بعيداً عن الجانب ... ؟
الرئيس الأسد: الأردن ممر.. في المراحل الأولى الأردن كان بعيداً، لكنه دخل على الخط مؤخراً منذ أقل من عام.
غسان بن جدو: فيما يتعلق أيضاً بالجانب الداخلي.. قبل قليل سيادة الرئيس قلتم نعم، هناك معارضة في سورية.. حالة اعتراض في سورية قبل الأزمة وخلالها، وبالتالي أنتم تقرّون بشكل صريح وواضح بأن هناك معارضات وتعتبرون بأنها موجودة.. سؤالي بوضوح هل تعتبرون هذه المعارضة شريكاً في نحت سورية المستقبل أم لا؟
الرئيس الأسد: المعارضة الخارجية تقصد ؟
غسان بن جدو: أنتم إذا تميّزون بين المعارضات؟
الرئيس الأسد: لا أنا لا أميز ولكن المصطلحات تميّز
غسان بن جدو: أنتم تفرّقون بين المعارضات؟
الرئيس الأسد: لا، أنا لا أفرّق.. المصطلحات المستخدمة بالنسبة لي - كما قلت قبل قليل - المعارضة لكي تكون معارضة وطنية شرطها أن تكون معارضة داخلية، جذورها بالداخل.. كلمة معارضة خارجية تعني بالدرجة الأولى أنها ترتبط بالخارج.. هذا ما نفهمه.. تعني أنها شُكِّلت في الخارج.. تعني أن جذورها في الخارج وليس لها قواعد شعبية في الداخل.. فهذه لا نسمّيها معارضة، لذلك أنا أقول المعارضة الخارجية بالمصطلح المتداول وليس بمفهومنا نحن في سورية.
غسان بن جدو: وإذا قلنا هي معارضة في الخارج وليست خارجية.. اضطُرّ هؤلاء لأن يكونوا في الخارج.. في النهاية تعرف هناك أناس لوحقوا، هناك أناس قبل الأزمة وحتى خلال الأزمة سُجنوا واضطروا بعد ذلك أن يخرجوا وبالتالي هم معارضة داخلية سورية حقيقية ولكنها اضطرت لأن تكون موجودة في الخارج..
الرئيس الأسد: دعنا نسأل سؤالاً منطقياً.. لماذا نطارد معارضة ولا نطارد معارضة أخرى.. لماذا نسمح لمعارضة أن تكون في سورية وتعارض ونطارد أخرى لكي تهرب للخارج؟
غسان بن جدو: بكل صراحة لأنها توصف بأنها ديكور وبأنها مرتبطة بكم
الرئيس الأسد: لا، أنت تحدثت عن جزء من المعارضة يُتَّهم بهذا الشيء وهناك جزء لا يتَّهم.. هناك جزء معارض بشكل حقيقي وليست له أي علاقة بالدولة ويرفض العلاقة مع الدولة وهم موجودون في سورية.. هناك لدينا أنواع متهم وغير متَّهم.
غسان بن جدو: واستنتاجكم بهذا الطريقة ما هو؟ أي انكم حتى المعارضة الموجودة في الخارج يمكن أن تتعاطوا معها.
الرئيس الأسد: الملاحق هو شخص خرق القانون، والجزء الأكبر من هؤلاء هم الإخوان المسلمون.. والإخوان المسلمون بالعرف السوري والقانون السوري وبمفاهيمنا هي مجموعة إرهابية
غسان بن جدو: حتى الآن؟
الرئيس الأسد: حتى الآن وهي الآن أكثر إرهاباً من قبل.
غسان بن جدو: يا ساتر..أي أن الوضع لم يتغير سيادة الرئيس
الرئيس الأسد: لا، بالنسبة للإخوان المسلمين هم يسيرون من إرهاب إلى إرهاب أشدّ.
غسان بن جدو: نظرتكم أنتم لم تتغير تجاه الإخوان المسلمين؟
الرئيس الأسد: بالعكس.. تثبَّتت نظرتنا أن هذه المجموعة هي مجموعة إرهابية وانتهازية.. والسنوات منذ مجيئي لهذا المنصب حتى الأزمة السورية أثبتت في أكثر من مفصل بأنها مجموعة انتهازية تعتمد على النفاق وليس على الدين.. تستخدم الدين من أجل مكاسب سياسية.. وثبت هذا الشيء في مصر مؤخراً ويثبت في سورية كل يوم.. هذه وجهة نظر لا تتغيّر.. تثبتها أحداث، ليس لأننا متمسكون بها ولكن الواقع لا يتغيّر،فكيف نغيّرها.
غسان بن جدو: هل استنتاجي دقيق، أنكم مستعدون للتعاون مع كل المعارضات ماعدا من تصفونهم بالجماعات الإرهابية التكفيرية، وحددتم الآن أيضاً الاخوان المسلمين؟
الرئيس الأسد: لا، هذا الكلام ليس دقيقاً، لأننا بعد أزمة الأخوان المسلمين في سورية في الثمانينيات حاورنا الأخوان كمجموعة، كتيار، كحزب، بغضّ النظر عن التسمية، أو كجماعة كما يسمّون أنفسهم.. وأثبتوا بأنهم غير صادقين بالعودة للخط الوطني. مع ذلك حاورنا شخصيات منهم وقرروا الانسحاب من الجماعة والعودة للعمل الوطني، وعادوا إلى سورية. البعض منهم عاد إلى العمل الدعوي في المجال الديني، وهذا شيء جيد، ولكنهم خرجوا من العباءة السياسية للإخوان. فنحن لايوجد لدينا مشكلة أن نحاور أي جهة بشرط أن تبتعد عن السلاح، تبتعد عن الإرهاب، تبتعد عن دعوة الأجانب للتدخل في سورية عسكرياً أو سياسياً أو بأي شكل من الأشكال، أي مجموعة تريد أن تأتي للمساهمة في بناء الوطن وليس في تهديمه تحت أي عنوان.
غسان بن جدو: أي جهة؟
الرئيس الأسد: أي جهة..
غسان بن جدو: أي جهة تبتعد عن مسألتين الارتباط بالخارج، واستخدام السلاح؟
الرئيس الأسد: تماماً.
غسان بن جدو: أما عن الاخوان المسلمين؟
الرئيس الأسد: هناك جانبان.. أولاً، تجربتنا مع الاخوان المسلمين، وهي تجربة مليئة بالإرهاب منذ الخمسينيات حتى هذه اللحظة لم تتغير هذه التجربة بمضمونها الحقيقي. هناك جانب آخر هو أنه في الدستور السوري وبقوانين الأحزاب في سورية وبقانون الأحزاب الحالي غير مسموح لأي جهة تشكيل حزب على أساس عرقي أو ديني لأنه يضرّ بالمصلحة الوطنية، فحتى لو كان هناك حزب غير الاخوان المسلمين لا يوجد لديه هذا التاريخ الإرهابي، لا يمكن له أن يتواجد في سورية على أساس ديني لأسباب لها علاقة ببنية المجتمع السوري. القبول بهذا الشيء يعني القبول بتفتيت المجتمع السوري ربما على المدى المتوسط.
غسان بن جدو: معذرة سيدي الرئيس، ألا تعتبرون الآن بأن جزمكم وحسمكم بعدم التعاون مع الأخوان المسلمين، وعدم السماح لهم بالنشاط كجماعة يعسّر سبل الحل، هذه في النهاية جماعة موجودة فرضت نفسها، وجماعة موجودة ومسلحة، وهناك جماعات أيضاً لهذه الحركات الإسلامية موجودة ومنتشرة في العالم العربي.
الرئيس الأسد: لا.. في سورية محدودة جداً، لم تكن منتشرة.
غسان بن جدو: الآن؟
الرئيس الأسد: لا الآن ولا في السابق، كانت دائماً محدودة.. والآن هي محدودة أكثر من قبل، لأن الحاضنة الاجتماعية ترفضها، لأنه في البدايات، في السبعينيات كان هناك انخداع في حقيقة هذه الجماعة، وكان البعض يعتقد بأنها تعمل من أجل نشر الدين، وثبت بأن هذا الكلام غير صحيح. الأهم من ذلك أن هذه الأزمة فصلت ما بين العمل السياسي والعمل الدعوي في عقول الناس. فالعمل الدعوي هو عمل جيد وضروري لأي مجتمع من المجتمعات، ولكن لا يجوز الخلط بين الدين والسياسة. الدين في مقام والسياسة في مقام آخر، لا يجوز أن نخلط بين الموضوعين، فعندها نضرّ بالدين ونضرّ بالسياسة.
غسان بن جدو: حول الجماعات المعارضة بشكل عام، هل "الجيش الحر" أو العناصر التي انشقت من الجيش السوري وشكل جزء منها عناصر وضباط "الجيش الحر"، هل أنتم مستعدون لمعاودة احتضانهم من جديد؟
الرئيس الأسد: طبعاً أنا دائماً دقيق في التعريف، هؤلاء فارّون. الانشقاق هي قضية أكبر، الانشقاق هو جزء مرتبط بالمؤسسات وليس هروب شخص. هروب شخص لوحده لا يُسمّى انشقاقاً، ولكن لو أردنا أن نستخدم هذا المصطلح تجاوزاً لا يوجد مشكلة. نقول كل هؤلاء الذين هربوا لأسباب مختلفة.. فمنهم من فرّ بسبب الخوف، ومنهم من فرّ تحت التهديد المباشر له أو لعائلته، ومنهم من فرّ عن قناعة. جزء كبير من هؤلاء- لا أريد أن أبالغ- لكن جزءاً لابأس به قرر العودة أيضاً لأسباب مختلفة لسنا في صدد شرحها الآن، فكنا مرحبين بهذا الشيء، البعض منهم عاد إلى عمله في كنف الدولة، البعض من هؤلاء الذين تتحدث عنهم يقاتل مع الجيش وسقط منهم شهداء خلال الأشهر الأخيرة.
غسان بن جدو: عادوا إلى عملهم فعلاً؟
الرئيس الأسد: عادوا إلى الجيش، وسقط منهم شهداء.
غسان بن جدو: عناصر وضباط عادوا واستقبلتموهم؟
الرئيس الأسد: عناصر، مجندون، متطوعون، ضباط بمختلف الأشكال عادوا إلى الجيش ويقاتلون معه الآن. البعض منهم طبعاً يتعاون مع الجيش، لا يجرؤ على العودة خوفاً من انتقام المجموعات الإرهابية، ولكن يتعامل بشكل ممتاز.
غسان بن جدو: التهديدات التي تعرضتم لها.. نحن كنا قاب قوسين أو أدنى من عدوان حقيقي.. من حرب هنا على سورية. أولاً هل تستطيع أن تعطينا سرّ تراجع الإدارة الأميركية عن ما حصل، وهل أن المبادرة الروسية فيما يتعلق بالكيماوي فعلاً كانت مبادرة مفاجئة سريعة، حتى أنه قيل أن سورية هرولت، فعندما كان السيد وليد المعلم هناك في موسكو تحدث جون كيري في لندن.. السيد لافروف يجيب إيجابياً.. ثم السيد وليد المعلم.. في يوم واحد وجدنا كل الأمر حصل هرولة.. كأن سورية كانت تشعر بحالة من الجذع ومن الخوف ما اضطركم أن تقدّموا كل هذه التنازلات؟
الرئيس الأسد: حتى لو أردنا أن نهرول، هل يمكن أن نهرول في موضوع من هذا النوع بساعة واحدة، نحن بحاجة لعدة أيام لكي نهرول.. لايمكن بساعة واحدة.. الفاصل بين تصريح جون كيري وتصريح وزير خارجيتنا كان ساعة أو أقل ربما من ساعة، هذا الكلام يدل على أن الأمور محضرة مسبقاً، كله كان معروفاً مسبقاً.. هذا الموضوع مناقَش.. حتى لو أردت أنا أن آخذ قراراً كرئيس في موضوع كبير واستراتيجي من هذا النوع.. كيف آخذ هذا القرار والفريق السياسي والدبلوماسي كله موجود خارج سورية.. لا الزمن يسمح ولا وجود الفريق في الخارج يسمح.. هل ناقشته مع نفسي وأخذت قراراً في دقائق؟! هذا كلام غير منطقي، من ناحية أخرى، جون كيري أعطانا في التهديد مهلة أسبوع.. كنا نستطيع أن ننتظر بضعة أيام على الأقل، ولكن الجواب المباشر يعني بأن الأمور كانت محضّرة مسبقاً وقبل ذلك بأسابيع.. الحقيقة، هذا الشيء كان متفقاً عليه من قبل، ولكن جون كيري اعتقد في تصريحه بأن هذا التهديد لسورية، وهي غير محضّرة لهذا الموضوع، سيجعلها ترفض، أي أن كيري كان يتوقّع رفضاً سورياً للموضوع، لم يكن يتوقع بأن الأمور محضّرة.
غسان بن جدو: كان يتوقع رفضاً؟
الرئيس الأسد: بكل تأكيد.. الطريقة التي طرح بها بأن سورية أمامها أسبوع، فهذا إما أن يعني الرفض بالدرجة الأولى.. وإن لم يكن رفضاً فعلى الأقل سورية خضعت للتهديد الأميركي وهذا يعطيه داخل الولايات المتحدة نوعاً من المبرّر ليقول أنه انتصر.. هدّد وحقّق ما يريد ولم يعد هناك من داعٍ للحرب، أما أن نقول بأن موضوع الكيماوي أوقف الحرب فهذا كلام غير دقيق تماماً.. أولاً لأن الولايات المتحدة دولة عدوانية وتستطيع كل يوم أن تبحث عن مبرّر لكي تشنّ حرباً، والدليل هو كيف شنّت الحرب على العراق، عندما أخرج كولن باول العبوة المزيّفة وكذب على كل العالم وقال لدينا دليل بأن صدام يصنع أسلحة دمار شامل، فلو أنقذت نفسك بهذه المبادرة، بعد شهر سيكون هناك مبرر آخر تخترعه الولايات المتحدة من أجل التهيئة لحرب جديدة على سورية، لكن بنفس الوقت، قبل المبادرة الروسية بأقل من أسبوعين أتانا خبر من بعض الأصدقاء في إحدى الدول وأخبار مؤكدة بأن الضربة ستكون في اليوم المحدد غداً الساعة المحددة صباحاً، فحضّرنا أنفسنا على هذا الأساس ولم تحصل الضربة.
غسان بن جدو: حضّرتم أنفسكم وقتذاك، وكنتم مهيئين للرد؟
الرئيس الأسد: هذا موضوع آخر، الموضوع العسكري لن نعلنه، سنبقي خططنا عسكرية طي الكتمان، لايمكن أن تعلن، ولكن حضّرنا أنفسنا بحسب إمكانياتنا لهذه الضربة ولم تحصل.. لو أردنا أن نهرول لهرولنا قبل ذلك التاريخ وليس بعده، فإذاً موضوع المبادرة الروسية أتى في إطار مختلف تماماً.. طبعاً لا شك بأن جانباً من هذه المبادرة كان يهدف إلى استبعاد أي عمل عسكري، ليس فقط هذه الضربة وإنما أي عمل عسكري بشكل عام، لنقلِ القضية السورية من الإطار العسكري إلى الإطار السياسي.. هذا لا شك كان جانباً، ولكن هناك جوانب أخرى، الجانب الأهم، لاحظ بأن دخول الروسي إلى قمة العشرين كان دخولاً منعزلاً ومن خرج منعزلاً من هذه القمة هو الرئيس الأميركي وليس العكس، نحن الآن أمام توازن دولي جديد، وكانت المبادرة الروسية جزءاً من الأدوات السورية والروسية لتعزيز هذا التوازن الدولي الجديد بالشكل الذي يخدم مصالح سورية، فأن نقول بأن هذه المبادرة أوقفت الحرب هي نظرة محدودة وضيقة جداً وبعيدة عن الواقع وساذجة، هناك توازن دولي عُزز بعد هذه المبادرة.. كان من الضروري لسورية أن تقوم بالاستجابة لهذه المبادرة مع الأخذ بعين الاعتبار بأن السلاح الكيماوي تم إيقاف إنتاجه في سورية منذ عام 1997، وسورية في عام 2003 طرحت مبادرة لنزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط، أي أن سورية منذ ذلك الوقت مستعدة للتخلي عن هذا السلاح ولكن كان المطلوب أن نستخدم هذه الورقة في إطار آخر، أتت هذه الظروف المستجدة الآن لكي تجعلنا نستخدم هذه الورقة لموضوع مختلف ولكن يخدم الوضع السوري بشكل إيجابي.
غسان بن جدو: سيادة الرئيس، هل تعتقدون بأن مؤتمر جنيف2 سيحصل، وما قيل عن موعد في الثالث والعشرين والرابع والعشرين من تشرين الثاني. هل أُبلغتم به بشكل رسمي؟
الرئيس الأسد: لا، رسمياً لا يوجد أي موعد حتى هذه اللحظة.
غسان بن جدو: هل تعتقدون أن مؤتمر جنيف سينعقد.. سيتم؟
الرئيس الأسد: لا يوجد موعد، ولا يوجد عوامل تساعد على انعقاده الآن إذا أردنا أن ينجح. بمعنى من هي القوى المشاركة فيه؟ ما هي علاقة هذه القوى بالشعب السوري؟ هل هي قوى ممثِّلة للشعب السوري أم قوى ممثِّلة للدول التي صنعتها؟ إذا إرادت هذه القوى المساهِمة في المؤتمر أو في الحوار لاحقاً أن تطرح طرحاً ما، على أي أساس نستجيب لها كدولة.. من تمثِّل، هل تمثِّل شعباً؟ هل تمثِّل جزءاً من الشعب؟ ما هو الدليل على ذلك؟ هل لديها قواعد انتخابية واضحة ساهمت في تقديم ممثّلين لها في انتخابات أوصلت ممثلين لها في هذه الانتخابات. كيف يمكن لهذه القوى أن تكون ممثّلة للشعب وهي تعيش في الخارج.. لا تجرؤ على المجيء إلى سورية.. وهي تدّعي بأنها تسيطر على 70 بالمائة من الأراضي السورية؟ أسئلة كثيرة مطروحة حول المؤتمر.. ما هي هيكلية المؤتمر؟
غسان بن جدو: لكن معترف بها في الخارج. الائتلاف الوطني أليس هو الائتلاف المعترف به الذي يعبّر عن المعارضة في الخارج؟
الرئيس الأسد: الحل السوري هو حل سوري بامتياز، وليس حلاً أجنبياً لقضية سورية.
غسان بن جدو: هل لديكم تحفظ حيال حضور بعض الأطراف مؤتمر جنيف؟
الرئيس الأسد: أولاً، نتحدّث عن بنية المؤتمر قبل أن نتحدّث عن التحفّظات، الحلّ يجب أن يكون حلاً سورياً سواء اعترف بها الخارج أم لم يعترف.. لايهمّ. المهم أن يعترف بها الشعب السوري. فلا قيمة لكل الاعترافات الخارجية بالنسبة لنا، سواء اعترفوا أو رفضوا لا يعنينا. القضيّة قضيّة سوريّة، وبيان جنيف نصّ في الفقرة الأولى على أن يكون الحل حلاً سورياً وتحدث عن رغبات الشعب السوري وإرادة الشعب السوري.. هذا ما يحدد هذا المؤتمر. فأن يعقد هذا المؤتمر أو لا يعقد ليست هي القضية الأساسية، القضية الأساسية إذا عُقد المؤتمر هل ينجح أم لا ينجح؟ هذا هو السؤال. حتى الآن عوامل نجاحه غير متوفرة.
غسان بن جدو: لكن في كل الأحوال سيادة الرئيس، إذا كان سيعقد مؤتمر جنيف، هل ستشاركون؟
الرئيس الأسد: المشاركة ليس فيها مشكلة، وليس فيها محاذير، وليس لها شروط.
غسان بن جدو: هل تعتبرون بأن مخاض مؤتمر جنيف سيشكّل الحلّ السياسي بغطاء دولي للأزمة في سورية؟
الرئيس الأسد: إذا تضمّن مؤتمر جنيف وقف تمويل الإرهابيين فلا يوجد مشكلة في سورية. عندما يتوقّف تمويل الإرهابيين بالمال وإمدادهم بالسلاح ومساعدتهم على المجيء إلى سورية لا يوجد أي مشكلة في حلّ الأزمة في سورية. المشكلة السورية ليست معقّدة كما يحاول البعض إظهارها. التعقيدات تأتي من التدخّل الخارجي.. والحقيقة هي ليست تعقيدات.. هي إذكاء النار المشتعلة.
غسان بن جدو: السيد الأخضر الإبراهيمي يفترض أن يزورك هنا في دمشق، تتوقعون منه شيئاً، تطلبون منه شيئاً؟
الرئيس الأسد: نطلب منه أن يلتزم بمهامه. أن لا يخرج عن إطار مهامه.
غسان بن جدو: بمعنى؟
الرئيس الأسد: هو مكلّف بمهمة وساطة، الوسيط يجب أن يكون حيادياً في الوسط، لا يقوم بمهام مكلّف بها من قبل دول أخرى، وإنما يخضع فقط لعملية الحوار بين القوى المتصارعة على الأرض، هذه هي مهمة الأخضر الإبراهيمي.
غسان بن جدو: حين تقولون هذا الكلام، هل بدر منه شيء في الماضي لا يوحي بوساطته وحياديته؟
الرئيس الأسد: الزيارة الأولى والثانية، كانت زيارات حوار ..
غسان بن جدو: لم يعرض شيئاً.. لم يقدّم شيئاً؟
الرئيس الأسد: في الزيارة الأولى والثانية.. لا.. في الزيارة الثالثة حاول أن يقنعني بضرورة عدم الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة عام 2014، وهذا الكلام كان في نهاية 2012، طبعاً كان جوابي واضحاً، هذا الموضوع موضوع سوري غير قابل للنقاش مع أي شخص غير سوري.
غسان بن جدو: حاول أن يقنعك كشخص أو هذه مبادرة من الخارج.. طلبٌ من الخارج؟
الرئيس الأسد: هذا سؤال يُسأل للإبراهيمي..
غسان بن جدو: ماذا فهمتم؟
الرئيس الأسد: لم أحاول أن أفهم. الجواب كان واضحاً. سواء أكان منه أو من غيره. ولكن غالباً من الآخرين، لأن الولايات المتحدة تطرح هذا الكلام. والدول المعادية لسورية تطرح هذا الكلام. ماهذه المصادفة أن يطرح الإبراهيمي نفس الكلام؟ نأمل في هذه المرة أن يأتي الإبراهيمي ويعرف تماماً كيف يتم التعامل مع سورية، ويعرف تماماً حدود المهام المكلّف بها.
فاصل...
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات