‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 6 نوفمبر 2016

اللهجة العريبة عبر الموسيقى

    نوفمبر 06, 2016   No comments
اللهجة العريبة عبر الموسيقى, أو اللهجة الموسيقية العربية
النغم العربي: أوجه المثل والإختلاف


الجمعة، 20 مايو 2016

حركة النهضة تراجع منهجها: حكم الدولة بلا عباءة «الإخوان»

    مايو 20, 2016   No comments

محمود مروة
تنطلق في تونس، اليوم، أعمال المؤتمر العاشر لـ «حركة النهضة»، وهو «استثنائي» إذ سيجري خلاله «الفصل بين الجانب الدعوي (بصفتها حركة إسلامية) والعمل السياسي»، وهو يشمل «نوعا من المصارحة التاريخية... إذ المطلوب أن نكون عند مستوى انتظارات مجتمعنا، والعمل على كسب ثقة الرأي العام والدولة للتأهل لتسييرها»، كما يلخص أحد قادتها في حوار أخير

كان يُحكى في تونس، من باب التندر، أنّه حين وصل رجل (تنظيم) «النهضة» القوي في زمن زين العابدين بن علي، علي العريّض، إلى باب وزارة الداخلية لاستلام مهماتها نهاية عام 2011، كاد أن يُخطئ وجهته فيدخل من باب غرف التحقيقات بدل الصعود إلى الأعلى، حيث مكتب سلفه، الوزير الحبيب الصيد.

وزارة الداخلية نفسها (أداة قمع النظام الأمني السابق)، تناولها رئيس «النهضة»، راشد الغنوشي، قبل أقل من عامين، حين وقف أمام مناصريه في وسط العاصمة (في شارع الحبيب بورقيبة حيث مقر الداخلية) ليقدّم مرشحي حركته في استحقاق الانتخابات التشريعية المحتدمة آنذاك، فتساءل، من باب المزاح ربما: أخلفنا الوزارة أو أمامنا؟
لا بد أن يطول سرد رمزيات كثيرة مشبعة بالدلالات، تخللت دخول «النهضة» إلى السلطة في تونس منذ 2011، قبل أن تتحول راهناً إلى القوة الأولى برلمانياً عقب تفكك كتلة خصمها «نداء تونس»، فتظهر بمظهر المتعفف عن استلام الحكومة، والراضي بأطر خريطة القوى السياسية الناتجة عن انتخابات 2014، دون فرض أي تعديل عليها. لكن، هل يمثّل المؤتمر الحالي، بما يحمله من معان ودلالات، لحظة دخول الحركة الفعلي في الدولة ومرحلة تكريس الموقع؟

الإسلام الحركي: مفاهيم جديدة

يحتل الحديث عن «الفصل بين الدعوي والسياسي» (أو التخصص في العمل السياسي، وفق العبارة التي يفضلها راشد الغنوشي) مساحة كبيرة ضمن الإعلام المحلي والعربي، ويُقدّم الأمر كما لو أنّ ما سينتج من المؤتمر سيمثّل قفزة كبرى تقوم بها «حركة النهضة» في مسار تطورها. ويدفع هذا الأمر إلى طرح عدد من الأسئلة، من بينها: كيف يمكن لحركة إسلامية نشأت في سبعينيات القرن الماضي مرفودة بالفكر «الإخواني» (وانتهج قادة منها العنف في بعض المراحل) أن تشهد تغيراً مماثلاً؟ هل سيعني ذلك خروجها على عالم «الإسلام الحركي»؟ وخصوصاً أن بعض قادتها يذهبون أبعد من ذلك، ليتحدثوا حتى عن أن التطور الحالي «سيشمل مسألة الانخراطات، بمعنى أن الدين لن يكون شرطاً للإنخراط في النهضة، وأنّه بإمكان أي شخص مهما كانت ديانته الإنخراط شريطة الموافقة على برنامج الحركة».
في حوار صحافي أخير، يجيب الغنوشي بصورة أو بأخرى عن السؤالين، فيقول: «نحن بدأنا نواة تختزن المشروع الإسلامي... والحركة الإسلامية في بلادنا وفي غيرها، كانت ردا على مشروعات شمولية أخرى... والإسلامية كانت أيضا من هذه الزاوية مشروعا شموليا. الآن لم يعد هناك مبرر... ولم يبق مبرر لرد شمولي بعدما فتحت الحرية مجالات العمل السياسي... بل الدستور نفسه لم يعد يسمح بهذه المشاريع الشمولية».
وبما أنّ تغيرّا مفترضا كهذا (لا تبدلاً) قد يؤثّر بشكل كبير على مجمل الحراك الإسلامي في العالم العربي، فإنّ أستاذ علم الاجتماع ومدير مخبر علم الاجتماع الديني في جامعة الجزائر، عروس الزبير، يجيب ضاحكاً عند طرح السؤالين عليه: «أنا مدعو للمشاركة في افتتاح المؤتمر، وسأذهب إلى تونس للحصول على إجابة، لأنّ الحدث مهم». ويبدي الزبير اعتقاده بأنّ هذا «التحوّل ليس مفاجئاً على صعيد النهضة، إنما جاء بعد مراحل من التجربة»، مشيراً إلى أنّ ما بعد عام 2011 جعل قادة الحركة يدركون أنه «لا مجال للربط بين الانتماء الديني وممارسة السياسة». ويذكّر الأستاذ الجامعي الجزائري بواقع أنّ «النهضة» نشأت بطبيعتها كحركة «نخبة» وأنها «نشأت في مناخ ثقافي يختلف عن المناخ الذي تأسست فيه حركة الإخوان المسلمين في مصر»، مضيفاً في سياق الحديث أنّ ما تمرّ به المنطقة العربية راهناً في ظل صعود حركات التطرف يدفع الحركات الإسلامية أكثر نحو التغيير والتأقلم، وربما نحو تكريس ما يمكن تسميته تجاوزاً: مرحلة الأحزاب الإسلامية اللائكية (العلمانية).

البراغماتية... وواقع «التسلّف»

أثناء السير باتجاه «وسط البلاد»، يقدّم أحد الباحثين الشباب (الصاعدين) نصيحة: «اسأل عبدالفتاح مورو حين ستلتقيه ثانية عن مغزى حديثهم بشأن الفصل بين الدعوي والسياسي... هل ما زال النهضويون ملتزمين أصلاً الجانب الدعوي؟... أليس من الأدعى العبور مثلاً إلى الحديث عن التحدي السلفي الذي يأكل بعضاً من قاعدة الحركة؟».
لم يتم اللقاء مع مورو بسبب «الانشغال في محكمة التعقيب (التمييز)»، إذ هو الشيخ (نائب رئيس الحركة ونائب رئيس البرلمان) المواظب حتى يومنا على ممارسة مهنته. وهو الشخص، البسيط، الذي قد يبقى فكرك لساعات عالقاً في مكتبه الكائن عند مشارف «المدينة العربي» في باب بحر، في مبنى يظهر أن تاريخ بنائه يعود إلى زمن الاستعمار الفرنسي، وحيث يحيلك كل شيء، من لباس الشيخ التقليدي مروراً بجليسه (الكاتب المساعد) فالمكتبة واللوحات، إلى «تونس الثلاثينيات»، كما تقول مرافقتك خلال لقاء التعارف الأول.

عقل النهضة سياسي،
والأمر يتجاوزها ليشمل كل الحركات الإخوانية


لكن، من باب البحث عن إجابة، فلا بدّ أن يُقرأ إعلان الحركة عن فصل السياسي والدعوي في إطار «مسار عام شهد تحولها من حركة احتجاجية إلى حركة مارست السلطة وطرحت على نفسها ممارسة الحكم بعد سقوط بن علي في إطار ديمقراطي»، يقول الباحث التونسي، حمزة المؤدب.
يشرح المؤدب أنّ العملية الديموقراطية كانت مهمة «لناحية أنها وضعت أدبيات النهضة السياسية والفكرية... على المحك، بمعنى أنّ تطبيع وضع النهضة وإدماجها في النظام السياسي الوليد (كان) رهين تقديمها تنازلات، وشاهدنا هذا من خلال المعارك التي عرفتها مختلف مراحل كتابة الدستور، سواء أكانت مسألة التنصيص على الشريعة، أو قضية المساواة، أو التكامل بين الرجل والمرأة، أو حرية الضمير، الخ..».
ويرى الأكاديمي التونسي أنّ «النهضة قدمت تنازلات لأن عقلها بالأساس هو عقل سياسي بامتياز، بمعنى أنه عقل براغماتي يمارس السياسة بحساباتها ومناوراتها وتنازلاتها»، مشدداً في الوقت نفسه على أن «من المهم الانتباه إلى أن كل الوجوه البارزة في النهضة هي وجوه سياسية ولا تملك أنشطة دعوية. حتى إنّ الصادق شورو، والحبيب اللوز، أي الوجهين المعبرين عن تيار متشدد داخلها، جرت إزاحتهما تدريجيا من المشهد، ومن القوائم الانتخابية في 2014. وعبد الفتاح مورو (أيضاً) لم يعد يخطب في المساجد».
ويكمل المؤدب شرحه قائلاً: «إنّ فصل الدعوي جرى عمليا منذ مدة لسبب مهم آخر، يتجاوز النهضة ليشمل كل الحركات الإخوانية. فالواقع أن هذه الحركات لم تعد تنتج خطاباً دينيا يلقى اهتماما لدى الشباب، ولم تعد تحتكر أيضا المجال الديني، إذ دخلت في منافسة مع التيارات السلفية التي نجحت في استقطاب الشباب وفي بناء خطاب متناسق مع تطلعات الطبقات الشعبية والصاعدة. وصل الأمر في مصر إلى حد تكلم فيه الراحل، حسام تمام، عن تسلّف الإخوان، بمعنى أن القيادة إخوانية، لكنّ القواعد صارت تميل أكثر فأكثر إلى الخطاب السلفي. وفي حالة النهضة، فإنّ الحركة غائبة عن النشاط الدعوي، فهي لا تنتج شيئا في هذا الخصوص: لا خطابا دينيا ولا كتابات (ماعدا كتابات الغنوشي التي تعد نخبوية وتستهدف جمهورا مثقفا ومطلعا، لا شبابا يبحث عن تكوين ديني)، ولا أنشطة دينية شعبية خاصة، وأن الدستور أغلق أمامها باب المساجد».
في المحصلة، يرى حمزة المؤدب أن الفصل المشار إليه هو «تكريس لمسار سياسي، لكنه أيضا تكريس لأمر واقع يتمثل في غياب النهضة وتراجع تأثير التيارات الاخوانية على الساحة الدينية ليس في تونس فقط بل أيضا حتى في مصر وغيرها من الدول العربية»، لافتاً إلى أنّ «هناك رفضا من جانب جزء كبير من قواعد الحركة لهذا التوجه، ولذلك (سيشار إلى) أن الحزب ذو مرجعية إسلامية... أي التمسك بالمرجعية الإسلامية كنوع من التسوية بين مختلف تيارات الحركة. وضمنياً، هناك إقرار بأن المهم هو أصوات الناس في الانتخابات، لا ضمائرهم».

تمايز نهائي عن «الإخوان»؟

في حوار مع جريدة «لوموند» الفرنسية، كرر راشد الغنوشي، أمس، ما معناه أنّ «الإسلام السياسي» فقد الظرف الذي وُلد خلاله، وخاصة أنّ التطرف بات أكبر تهديد يواجه وجود الحركات الإسلامية نفسها.
يُضاف إلى ما يشير إليه الغنوشي (الذي يصنّفه بعض الباحثين ضمن الجيل الخامس لمفكري الحركات الإسلاميية في القرن الماضي)، أنّ حركته كانت تصرّ خلال الفترة الماضية على تمييز نفسها عن «جماعة الإخوان المسلمين»، وخصوصاً ما يُسمى «التنظيم الأم»، أي الجماعة في مصر. لا يعيب معظم المنتمين إلى «الإخوان» ذلك على راشد الغنوشي وعلى حركته، بل يشبّه بعضهم الواقع بأنه يأتي في سياق «اتباع سياسات غير مُحرجة، في ظل الحرب الإقليمية التي تواجهها الجماعة، في مصر خاصة».
أحد الباحثين الناشطين البارزين ضمن «جماعة الإخوان» المصرية يشرح أنّ «النهضة متمايزة فعلاً بخلفيتها الفكرية، لكن منذ انطلاق الربيع العربي، جرى اتهامها، كما كل الأطراف الإخوانية إقليمياً، بأنها تتبع لطرف خارجي، على اعتبار أنها تنتمي إلى التنظيم العالمي للإخوان، الذي ليس حقيقة سوى إطار تنسيقي وتشاوري بين مختلف الأقطاب، وبالتالي فإنّ قرار كل طرف مستقل». ويرفض الباحث مقولة أنّ «النهضة تترك الإخوان وحدهم»، ويضع ما يجري ضمن قرار يقضي بعدم الارتماء في «الحرب الإقليمية ضد كل الإسلاميين (المنضوين تحت عباءة الإخوان)... وتأكيداً على ذلك، فحتى حركة حماس تقول اليوم إنّه ليس لها علاقة بالإخوان!».
قد يغيّب الحديث أعلاه «ما كان يُحكى عن مشروع الإخوان منذ 2011 بقيادة تركيا وقطر»، يعلّق أحد السياسيين العرب. الأمر الذي يدفع أيضاً بمفكر تونسي بارز إلى رفض الحديث في موضوع «النهضة»، على اعتبار أنّ «تبدّل ظروف السياسة الإقليمية سيكون جديراً بإعادة الحركة والإسلاميين جميعاً إلى حيث كانوا»... لكنه حديث، وإن صحّ، فإنه يهمّش دراسة ديناميّات التحوّل التي شهدتها الحركة خلال الفترة الماضية، باعتبارها طرفاً سياسياً.

مؤتمر «للمصالحة» أيضاً

رأي آخر تتداوله أوساط بحثية في تونس بخصوص مؤتمر «حركة النهضة»، إذ تبدي باحثة اعتقادها بأنّه لن يكون مؤتمر «الفصل بين الدعوي والسياسي، إذ جرى الفصل عمليا بينهما». وتضيف: «هو مؤتمر لتكريس خيار المصالحة الشاملة (مع عهد النظام السابق)، إذ ستستفيد النهضة من جهتين: العفو والتعويض، والمصالحة مع رجالات النظام السابق ورجال أعمال كبار، ما يسهّل عليها الدخول في مرحلة سياسية جديدة، تسمح لها بتركيز موقعها ضمن المجتمع السياسي والدولة».
وتصب أدلة كثيرة في هذه الاتجاه، إن لناحية الخلافات التي ظهرت أخيراً ضمن «شورى النهضة» عقب طرح «المصالحة»، أو لناحية تصريحات الغنوشي نفسه عن «المصالحة الشاملة»، التي بررها مستشاره، لطفي زيتون (الصورة)، قبل أيام، قائلاً: «إنّ مبادرة (الغنوشي) من شأنها إزالة التوتر بين القديم الذي لا يمكن إلغاؤه، والجديد الذي أتت به الثورة».
 
_________
 «الأخبار»

الثلاثاء، 21 يوليو 2015

حوار شامل مع محمد حسنين هيكل: ايران بعد الاتفاق النووي وصورة المنطقة والعلاقات مع أميركا

    يوليو 21, 2015   No comments

 طلال سلمان


بقميص أبيض مفتوح الصدر وبنطال أسود استقبلنا "الأستاذ" متوكئاً على "الووكر" لكسر في ساقه، في الشاليه القائم في منتجع الروّاد على الساحل الشمالي الذي يمتد بامتداد الشاطئ بين الاسكندرية ومرسى مطروح عند الحدود مع ليبيا.
البحر الهادئ فيروزي بسطحه الهادئ يمتع النظر ويغري بالتأمل. قال وهو يلاحظ انبهارنا بالمشهد الجميل: هنا كان الماريشال مونتغمري يقيم مركز قيادته أثناء معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية.. وكان يبدأ نهاره مع أول شعاع للشمس فيسبح عارياً.

بدأ يستجوبنا عن أحوال لبنان بتفاصيله التي لا تنتهي، وبدأنا نسأله عن أحوال مصر في محاولة لفهم ما يجري فيها من تطورات يختلط فيها القرار السياسي المفرد في غياب المؤسسات التي تحمي هذا القرار بالزخم الشعبي مع الدماء التي يسفحها الإرهاب في نواح عدة من مصر، أخطرها سيناء التي ظلت متروكة لدهور، والتي اتخذها الإرهاب قاعدة خلفية، مسنداً ظهره إلى العدو الإسرائيلي.


وباشرنا الحوار يواكبنا إحساس من يجلس إلى موسوعة: فالتجربة عريضة والثقافة مميزة، والمتابعة دقيقة، والتحليل يستند إلى معلومات تفصيلية تتجاوز الأخبار والمعرفة المباشرة بأصحاب القرار، والذاكرة المميزة التي تحتفظ بشبابها... كل ذلك يحضر مع "الأستاذ" فإذا هو دائرة معارف: يعرف الكثير الكثير من المرجعيات السياسية معرفة مباشرة، ويعرف عن البلاد وأحوالها، لا سيما العربية وبعض الغرب البريطاني والأميركي وبعض الشرق، روسيا أساسا ثم الصين والهند وصولا إلى اندونيسيا، اقتصاداً وثقافة وتوجهات، لهذا كله فهو "الأستاذ".

وبلغة "البدو" هو العارفة. ذاكرته نضرة، ومعلوماته شاملة، فضلاً عن أنها تستند إلى معرفة مباشرة بأصحاب القرار وصانعي السياسة.. ثم انه متابع دقيق وخزينه المعرفي يسهل عليه تحليل الحاضر واتجاهات الريح، ما يمكّنه من استقراء المستقبل.
يعرف البلاد وحكامها، يعرف نخبها الثقافية والقادة المؤثرين في التوجهات وفي القرار، ثم ان له ذاكرة فيل، فهو نادراً ما ينسى قائداً أو قيادات سبق له أن عرفها، عن قرب، في هذا البلد أو ذاك. يعرف الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ. يعرف قادة مفكرين مؤثرين في الغرب، بريطانيا وأميركا وفرنسا، وفي الشرق. ثم ان له صلات بالنخب، يتابع حركتها ونتاجها الفكري والثقافي حتى اليوم. ويعرف معظم القياديين من الساسة العرب... والأهم انه قارئ نهم ومتميز، تمكنه صلاته بكبريات الصحف العالمية برؤساء تحريرها والكتّاب فيها أن يعرف كثيراً عن الآفاق الثقافية وحركة التجديد فيها.
يعرف مصر كلها، بتاريخها القديم وبصناع تاريخها الحديث، من زعماء أحزاب العهد الملكي والنخب الثقافية، إلى القائد الذي تجاوز معه الراوية إلى موقع الصديق والمستشار ومبلور الأفكار والمفسر والشارح للقرارات، جمال عبد الناصر.
عرف السادات جيداً واختلف معه إلى حد الذهاب إلى السجن، وعرف مبارك إلى حد القطيعة بعدما اكتشف عبثية الحوار معه، وعرف كل من كان له موقع في العهود الثلاثة السابقة على "الميدان"، كما كان يعرف بعض المجلس العسكري. وحاور الإخوان الذين يعتبرونه خصماً. واجتهد في نصح محمد مرسي، فلما يئس ابتعد، ثم انحاز إلى "الميدان" وتفهم أسباب حركة الجيش التي انتهت بتولي المشير عبد الفتاح السيسي قمة السلطة عبر استفتاء شعبي كان محكوم النتائج.
..ولقد ذهبنا إليه للحديث عن إيران، التي عرفها امبراطورية بالشاه وإحدى زوجاته شقيقة الملك فاروق، ورئيس الحكومة الذي قاد عملية تغيير ثوري الدكتور محمد علي مصدق سنة 1951، والذي قاتله الاميركيون والغرب والامبراطور، ولم تتيسر الحماية لهذا الزعيم الشعبي الذي لعب دوراً تاريخياً وصار بطلا وطنيا لا منازع له في شعبيته حين أقدم على تأميم البترول، وواجه الامبراطور والغرب والرأسمالية الإيرانية وأجبر الشاه على التنازل عن كثير من صلاحياته... ثم قاتله الغرب عموماً وتمكنوا من "أسره" ثم تصفيته سياسياً.
كذلك فهو قد واكب الثورة الإسلامية في إيران، فكان بين أوائل من حاوروا الخميني الإمام بمنطق المتفهم والمساند ولكن من موقع عربي... كما عرف الكثير من قيادات الثورة ومن متابعي نهج الخميني بعد رحيله وأبرزهم هاشمي رفسنجاني رئيساً وركناً في قيادة الحكم لفترة طويلة... وما يزال يقرأ التطورات في إيران بعيون عربية.
ربما لكل هذه المعارف اخترنا ان نحاوره حول التطورات الأخيرة، وتحديداً حول اتفاق فيينا وما بعده، ورؤيته لإيران ما بعد هذا التطور، وكيف سيكون موقف الغرب منها وكيف سيتصرف الحكم المصفح بالشعار الثوري في المرحلة الجديدة التي سيقبل فيها الغرب عليها... ثم أين روسيا والصين؟ قبل أن نتوقف أمام محطة العرب وإيران من اليمن إلى لبنان مروراً بالسعودية إلى الخليج.
البداية: أوباما وقدراته..
بدأنا بمحاولة استعادة رأي "الأستاذ" بالرئيس الأميركي باراك أوباما، انطلاقاً من خطابه أمام جامعة القاهرة سنة 2009 ثم الانطباعات التي تكوّنت لديه بعد ولايتين له:
ـ ألم أكن على حق في ما قلته يومها؟ انه خطيب مفوّه، لكن تكوينه ضده، أصوله ولون بشرته، وموقع السود في النظام الأميركي.
بماذا يتحدى أوباما الكونغرس؟ علينا التمييز بين أن يختلف مع الكونغرس ويمارس اللعبة في إطار نصوص معينة أو بين أن يتحدى الكونغرس. أنا لا أراه يتحدى الكونغرس وقد اقتربت ولايته الثانية من نهايتها. سيمر الاتفاق، سيحدث الكونغرس ضجيجاً كبيراً حوله ولكنه يبقى من اختصاص الرئيس وإدارته. لا يمكن في أميركا أن يتم توقيع اتفاق ولو بالحروف الأولى ضد إرادة الكونغرس حيث إن هناك دائما توافقا بين الكونغرس والإدارة في هذه المسائل.
التحدي الوحيد الموجود في المنطقة بالنسبة إلى السياسة الأميركية هو إيران. فالعالم العربي كله كما نرى! وفي تركيا من هم مثل أردوغان لا يُبنى على مواقفهم. هذا هو التحدي الوحيد حيث لن ترضى أميركا عن طيب خاطر بنظام كالنظام الإيراني: أن تقر بوجوده كحقيقة واقعة وهي لا تملك حلاً آخر! ولكنه لن يكون النظام الأفضل بالنسبة إليها.
سحب هيكل نفساً من سيكاره، ثم استأنف كلامه فقال:
ـ لو كان هناك "سلاح اقتصادي" قد يؤذي إيران لكان آذاها في السنوات التي اشتد فيها الحصار الاقتصادي عليها.
هناك أمر جديد حصل نتيجة المفاوضات بين أميركا وإيران وهو أن حاجزاً كبيراً كان قائما بين أوروبا وافريقيا وآسيا وبين إيران قد انكسر من غير محاذير بعد فك الحظر الأميركي. وذلك برغم ان العداء الأميركي لإيران سيستمر. وبعد أن وصلوا الآن إلى نوع من الاتفاق لن تضطر دول كثيرة إلى مراعاة الحظر الأميركي الذي كان قائماً.
توقف عن الكلام لحظات ونظر إلينا يتفحصنا ثم عاد إلى تحليل شخصية أوباما وقدرته على القرار:
ـ لا يمكن أن تأتي بأحد من خارج سياق القوى الحقيقية وتتوقع منه أن يصل إلى التفرد بالقرار. مجيء أوباما هو دليل بحد ذاته على أزمة قرار وأزمة قوى في أميركا، فليس من الطبيعي أن تأتي برئيس "أسود" وبأغلبية الأصوات في الانتخابات.. فالأغلبية هي للبيض (WASP). إذا جئت برئيس من أقلية ضدها تمييز تاريخي ولا تملك مفاتيح القوة ومضطهدة فأنت تريده أن يحقق لك هدفاً. السود حتى هذه اللحظة في أميركا 12ـ 14% وليست لديهم أي من مفاتيح القوة، وهناك تمييز عنصري بحقهم. القوى الحقيقية في أميركا لديها هدف في هذه اللحظة. وبغض النظر عما إذا كان أوباما قد نجح أو فشل فهو لم يحقق الهدف. حتى لو كانت هناك محاولة من قبله بشكل معين فليس معنى ذلك انها قد تنجح. لا أعتقد انه غيّر صورة أميركا كثيراً وهو أمر صعب للغاية بالنسبة له. الذي يغير أميركا هي الصدمات المتوالية في فيتنام وإيران وأماكن أخرى.
تسألني عن الدليل؟ أعطني دليلاً واحداً أن أوباما غيّر سياسة في منطقة ما. نتكلم هنا عن تغيير حقيقي وليس لعبة العلاقات العامة في الشكل (كيف يدخل أوباما ويفتحون له الأبواب ويتراقص في مشيته وهو طويل، ويتكلم بثقة)...
واستنتج "الأستاذ":
ـ تقدم أميركا نفسها أمام الخارج بوجه آخر يمكن ان يكون مقبولاً في العالم، بأنه ليس لديهم تمييز عنصري ومشاكل إنسانية من هذه الطبيعة. فشلت سياسة الاحتواء الأميركية السابقة. ما غيّر الأوضاع ليس أوباما، بل ما غيرها هو أن كوبا وقفت وإيران وقفت. فلم يصل رئيس في أميركا إلى السدة واتخذ خيارات جديدة وغيّر الأوضاع. بل كان يأتي "الرئيس" ويجد أمامه حقائق مختلفة تسقط خياراته القديمة. يمكن أن نقول إن الحصار الذي كان مفروضا على إيران سيخف. لكن الحرب على النظام في إيران، وإن لم تعد موجودة في الشكل الذي كانت عليه سابقاً، لا زالت مستمرة. والإيرانيون يدركون ذلك. تراهن أميركا على تحولات انفتاحية داخل النظام الإيراني. لكن النظام الإيراني لم يفعل مثل ما فعلناه في مصر حيث قرر السادات ليلاً السفر إلى تل أبيب وركب الطائرة في الصباح فكان ظهر اليوم التالي في مطار بن غوريون. هذا أمر لم يفعله ولن يفعله أحد غيره.
[Media:202804]
الزيارة الأولى: 1951..
صمت لحظة ثم عاد يستذكر تاريخ علاقته بإيران، قال:
ـ أوّل زيارة لي إلى طهران كانت سنة 1951 أيام مصدّق، وعرفت الشاه وعرفت أشرف (شقيقة الشاه)... ثم عرفت الخميني والخامنئي ورفسنجاني وخاتمي الذي تكرم فزارني في برقاش.
وفي تقديري أن علينا ألا نبالغ في مدى تأثير الاتفاق النووي. هو مهم جداً ولكن أميركا لن تترك العالم كله يجري مباشرة الى إيران بل تريد أن تتصل مع إيران علنا بقدر معلوم لكنها لا تريد لأحد غيرها أن يتصل. ما تمثله إيران هو الطموح المستقل الذي وصل إلى حد المعرفة النووية (وتباعا السلاح النووي)، وهذا غير مقبول من أميركا. هناك فرق بين ان تتعامل لفترة مع حقائق تدرك انه ليس بإمكانك ان تغيرها الآن، ولكن تتعامل معها مع افتراض أنك قد تكون قادراً على تغييرها في مرحلة لاحقة. فلو نجح النموذج الإيراني ورُفع عنه الحصار وتركته ينمو، تكون الخطة قد فشلت. وما تقوم به أميركا اليوم هو انها تشغل إيران الى ان تكون قد استولت بالكامل على سوريا، وتشغل إيران الى ان تكون قد استولت بالكامل على الأردن. العامل النفسي يلعب دوراً وقد بات الجميع يخاف من إيران وفي هذه الحالة تسقط كل التحفظات. والمعركة تدور حالياً في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران. والرئيس السيسي يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب أو الانفتاح. الدول القوية قد تقوم ببعض الأشياء التي تستسهل أن تقدم عليها هي، ولكن لا تسمح لك أن تفعلها أنت. فهي قد تسمح لبعض الدول التي يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم على ذلك، ولكن ان تقوم بها أنت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحة، فهذا لن يكون مقبولا.
وخلص "الأستاذ" إلى الاستنتاج:
- لم ينتهِ التناقض الإيراني الأميركي ولن ينتهي بوجود هذا النظام في إيران. فإما ان يتغير النظام فيها أو يتم إسقاطه. فأميركا أمام نظام في إيران رافض للهيمنة الأميركية وملاصق لروسيا وللصين، وهو في منطقة وموقع جغرافي يشكل نقطة ارتكاز مشرفة على روسيا والصين وتركيا... يمكن ان تقبل أميركا بترتيبات في هذه اللحظة، ولكن لن ينتهي عداء أميركا مع هذا النظام مهما كان، إلا اذا غيّر النظام طريقته أو غيرت أميركا مطالبها منه. التناقض الحالي بين الاثنين أكبر من ان يحل، ولن توفر أميركا أي قيد تقدر ان تفرضه على تمدد النووي الإيراني. نحن هنا أمام علاقة قوة: هل تستطيع اميركا ان تقبل بقوة في المنطقة قادرة على الانتشار والتأثير خارج حدودها ولا تكون حليفة لها؟... ان التناقض بين الدولتين كبير جدا ويجب ان يغير أحدهما طبيعته. هل ستغير الثورة الإيرانية رأيها في مفهومها للاستقلال؟ ولو تواضعت اميركا قليلا او لو روّضت إيران تنتهي المشكلة. ما نشهده اليوم هو الاستمرار للوضع الذي جاء بعد الثورة الإيرانية، والحيرة بين إمكانية احتواء الثورة وهي ترفض أن تُحتوى، وبين ضربها وهذا أمر لا يقدر عليه أحد ولا يرغب فيه احد، فلا يستطيع أحد ان يتحمل حرباً في هذه الظروف. هناك طرف متمرّد وطرف آخر يريد أن يروّضه وهنا تدخل في صراع دون ان "يمسكوا في هدوم بعض"، وإذا جلسوا إلى الطاولة فهم قد جلسوا لطرح موضوع محدد. هناك دولة محورية بين 5+1 وهي أميركا، فهل تستطيع اميركا ان تقبل في هذه اللحظة نظاماً ثورياً خارجاً على طاعتها ويمارس سياسة مستقلة؟
إيران بعد الاتفاق..
سألنا عما بعد الاتفاق النووي، فقال هيكل:
ـ أميركا لن تقبل بوجود أي نظام في إيران يسمح بوجود دولة قوية. فإيران وتركيا تشكلان قاعدة المواجهة الأميركية الأمامية مع روسيا، بصرف النظر عما إذا كان في روسيا قيصر أو زعيم شيوعي. في العودة إلى التاريخ والجغرافيا، تشكل روسيا خطراً حقيقياً على أوروبا، ويتحسب الأميركيون من روسيا بحد ذاتها وليس من النظام الشيوعي فيها. هزيمة أميركا في إيران ستكون مدوّية، كما كان لوقع سقوط الشاه والعائلة البهلوية، ثم ان فشل أميركا حتى الآن في تطويع الثورة الإيرانية أو استبدالها بنظام آخر يضعها أمام نزاع خطر قد يدخل في مرحلة يقلم فيها الطرفان أظافر بعضهما بعضا، ويصعب على أميركا أن تقبل بنظام قوي في إيران. هذه مسألة في غاية الأهمية.
واستنتج "الأستاذ":
ـ الاتفاق سيجعل إيران أقل شعوراً بالعزلة. لأن الغرب قد نجح، ولو بالفوضى، في أن يجعل العراق بؤرة عزل لإيران، وسوريا كانت تشكل نقطة ارتكاز لإيران في المنطقة... أما اليوم فإيران وحدها في الإقليم وليس لديها حلفاء طبيعيون لما تمثله الآن، ولا حتى تركيا.
وكان بديهيا أن يستدرك هيكل ليتوقف أمام عنصر مؤثر في التطورات المحتملة، فقال:
ـ أما الحركات والتنظيمات التي تعتمد عليها، فكلها ضعيفة. يشكل "حزب الله" قوة كبيرة في لبنان، ولكن لبنان كله (مع احترامي لكم) له حدود في التأثير، فكيف إذا كانت سوريا مدمرة بهذه الطريقة التي هي عليها اليوم؟ وإذا كان العراق يعيش أو يموت بالطريقة التي نشهدها. نحن أمام مأزق حقيقي، فلا تحمل الناس أكثر مما تطيق. صحيح أن لدى السيد حسن نصر الله إشعاعاً معيناً في لبنان وخارجه، لكن لا تحمّله أكثر مما يطيق، فليست لديه القدرة على التحرك والحركة خارج حدود لبنان. صحيح أن لديه سمعة جيدة، ولكن السمعة لا تشكل بحد ذاتها قوى تقاتل على الأرض. قتال "حزب الله" في سوريا هو للدفاع عن نفسه، وليس في معركة إثبات نفوذ. إذن فهو بحالة دفاع عن النفس في سوريا لأنه مستهدف، فمن يريد أن يضرب إيران اليوم يحاول ان يقص أجنحتها في أي مكان لديها فيه نفوذ. وقتال "حزب الله" هو من أجل بقائه ودفاعا عن نفسه وعما يمثله في لبنان، وهذا ما يؤكد مشروعيته في انه يقاوم، وليس في انه جزء من مشروع إيراني. إيران قد تستفيد من ذلك، وكذلك مصر برغم اننا لا نعترف بذلك: فنحن نستفيد من كل بؤرة مقاومة معطِّلة لتسوية شاملة في لحظة ضعف العالم العربي وتهاويه بهذه الدرجة.
ـ وماذا عن مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق، إذا ما حاولنا استكشاف الآفاق المحتملة؟
قال "الأستاذ":
ـ ليس صحيحاً أن كل الملفات قد طُويت وتم فتح الملف النووي وحده. لقد فتحت كل الملفات. والموقف الأميركي يهتم بإيران أكثر من اهتمامه بما حولها. إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة. وعندما تكون الطريق إلى إيران مفتوحة، فسيدخل فيها الاميركيون إلى آخر مدى. الشيخ راشد بن مكتوم كان شاطراً في هذه المسألة وكان مستعداً أن يضرب من يحاول الاستهانة بإيران. هناك حقائق في الجغرافيا، فالسعودية تهيمن على الخليج وهناك إيران وتأثير الهند وباكستان، ولكن لإيران التأثير الأكبر في المنطقة.
ثم استدرك فأضاف:
ـ لقد فتحت كل الملفات بين أميركا وإيران، وقد لامسوا المواضيع من دون أن يجدوا لها الحل. كل من لديه مصالح متشابكة يدخل الى المفاوضات وقد وضع أجندة بالمواضيع المطروحة، وهي تتضمن تلك التي لها أولوية في هذه اللحظة.
رأينا العقوبات والحصار في مصر خلال عهد عبد الناصر، وكذلك واجهت كوبا هذا المصير. إيران تتعرض لما تعرضت له كل حركة تمرد في وجه الهيمنة الأميركية. ذلك حصل لعبد الناصر وحصل لكاسترو وللصين وآخرين كثيرين، وإيران تعلمت من تجربة الآخرين ودرست تلك التجارب جيداً، ولن يعيد أحد تجربة ما قام به السادات في مصر فينقلب على ذاته. ونتيجة تجربة السادات وحسني مبارك واضحة أمام الجميع.
واستنتج "الأستاذ": ـ ليس هناك أقوى من شعب على أرضه مع حضارة مستمرة. الإيرانيون لم يفعلوا سوى أنهم كانوا أنفسهم. هناك حضارة فارسية على هذه الأرض وفي هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمة كبيرة. فمصر مثلا وبرغم كل ما أصابها مارست هذا الأمر في فترة ما.
عن مصر وروسيا والسعودية..
ـ وماذا عن مصر؟.. طالما قد استذكرت تجربتها في الماضي؟
ليت هناك رؤية واضحة بالنسبة إلى ما ستكون عليه مصر مستقبلا، ولكنها بدأت تستعيد توازنها حيث ان فترة الفوضى التي سادت في مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت. والمصريون اليوم مرهقون بما يواجههم ويتخيلون أن هناك إنقاذاً سيأتي من العالم العربي، لكن لا مفر أمامهم من أن يعتمدوا على أنفسهم.
روسيا كانت قد دخلت في صميم الشرق الأوسط. ولُسعت فيه ودفعت فيه خسائر برغم حسن نياتها، ثم انتكست بعد أن خرجت مصر من المعادلة الإقليمية فيه، والآن تقف سوريا عند باب الخروج.
هناك تناقض، تاريخياً، بين إيران وروسيا، وهناك شك طبيعي روسي. التجربة الشيوعية في روسيا لم تكتمل ولكنها تركت مواريث ثقافية أثرت في أمور كثيرة، ما قام به ستالين وخروشوف أو غورباتشوف أنهم نظروا إلى مطالب روسيا في المنطقة بمقدار قوتها. والصراع التاريخي بين روسيا وإيران طويل جداً وكذلك التداخل بينهما، وصيغ التعايش في ما بينهما لم تعش كثيراً، فالشاه حاول ومن قبله، والروس يرغبون في فترة من غير مشاكل كما يرغبون بسلام مع كل حدودهم (مع أوروبا أو مع الجنوب) لأنهم يشعرون انهم يحتاجون إلى إعادة بناء واسعة جداً، فأحوالهم ليست جيدة. روسيا لا تزال بلد عالم ثالث، وهي غنية بالموارد، وقد دخلت في ثورة صناعية حقيقية، برغم انها "عالم ثالث" ولكنها في أفضل حالات العالم الثالث، ولو أن واحدة من جمهورياتها لديها كل مظاهر العالم الأول ولديها قوة. لو امتلكت إيران مثلاً القنبلة النووية فلن يجعلها ذلك دولة من دول العالم الأول.
انتقلنا إلى الأبعاد العربية لهذا التطور المؤثر دولياً، وكذلك انعكاسها على الجوار الإيراني، فقال هيكل:
ـ في نقاط الارتكاز في المنطقة، باكستان ليست نقطة ارتكاز بل هي نقطة تواجد فقط. فلا يكفي ان تحتل أميركا بلداً ليكون نقطة ارتكاز. نقاط الارتكاز (pivots) في المنطقة هي تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد ما والهند إلى حد ما. أما باكستان فلديها مشاكل كثيرة وخطيرة. أما الدول العربية، فمصر مشغولة  ولا يوجد هناك تحالف عربي يمكن ان يحل محلها في الدور الذي يمكن ان تلعبه، والسعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة.
وإذا عدنا إلى أساس الموضوع فالسعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها. أما البدائل فلا بدائل! ولا أحد عنده سلطة تخوله ان يكون البديل. هناك مشكلة حقيقية وهذا هو ما يبقي السعودية.
الجيش يتحكم به هم أمراء الأسرة. هم أذكياء إلى درجة ان الوحدات الرئيسية في الجيش هي بقيادة أمراء. هل هناك من يملك المصداقية المطلوبة؟ لا أدري. كلهم يتساوون ولا أحد يظهر انه البديل، حالة الصراع الموجودة هي مع البرجوازية الناشئة.
عن سوريا والعراق واليمن.. والوضع العربي
وكان بديهيا أن نسأل عن سوريا التي تقلق أوضاعها المضطربة الجميع... فقال هيكل:
ـ سوريا لم تكن مركزاً لدعم بؤر المقاومة في المنطقة بل حاولت أن تفيد منها لمصلحتها. إذا تحدثنا عن مشروع تقسيم في سوريا فذلك يعني اننا نتحدث أيضاً عن مشروع تقسيم في العراق، وتأثيرات ذلك في شبه الجزيرة العربية كبيرة جداً، ولا أظن ان الاميركيين يريدون ذلك. ما يريدونه هو ان يتخلصوا من النظام الحاكم حالياً وان يأتوا بنظام يناسب مصالحهم (وليس مصلحة إيران بطبيعة الحال).
العراق الحالي كان تركيبة جديدة، والقوى التي أنشأته لم تعد تهتم فيه اليوم وتركته لأهله الذين يرغبون في الحفاظ على التماسك الداخلي فيه.
والأكراد المشكلة الأكبر فيه، وهم جادون في محاولتهم لتحقيق مطالبهم فيه بصرف النظر في ما إذا كانت محقة. هناك قاعدة للدولة الكردية وهي موجودة على ارض موجودة، وسيكون في منتهى الصعوبة ان تمنع قيام الدولة. وإذا استطعت ان تمنعها فستلقى مقاومة كبيرة من الأكراد لفترة طويلة. والحقيقة ان للأكراد الحق في ان تكون لهم دولة تمثل قوميتهم بلغتها وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، ولو تركهم العرب ليقيموا هذه الدولة فسيقاومها آخرون (تركيا وإيران).
واستدرك الأستاذ فقال:
لا أعرف كيف ومتى ستنتهي المصائب التي يقع فيها العالم العربي، والكارثة أن كل ذلك يحدث في اشنغال مصر.
 سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن. عندما تدخّل عبد الناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا على محافظتين فيها. اليمن مرهق وسترهق السعودية حتماً في دخولها في حرب مع اليمن ولكنها حذرة جداً. فالقبائل يعرف بعضها بعضاً جيداً. ولن يتوغل السعوديون في الداخل اليمني سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجودة هناك.
السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي، ولكن يمكنها أن تشكو الى الأميركيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابياً حتى الآن. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة. كلهم يتساوون في الخوف من إيران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض على إيران في الفترة الأخيرة والتشكيك في نياتها.
إذا أكملت أية دولة دورة تخصيب اليورانيوم يكون لديها القدرة على صناعة القنبلة النووية خلال 6 أشهر. ما قامت به إيران هي انها تعهدت ألا تطور سلاحاً نووياً وقد امتلكت المعرفة النووية. هناك دول في الخليج (الامارات وقطر) تبرز في محطات معينة أن لها علاقة في تمويل ودعم التكنولوجيا في مجالات مختلفة، ولكن يبقى هناك فرق بين ان تشتري التكنولوجيا وتستخدمها دون القدرة على استيعابها وبين أن تستوعبها.
وخلص هيكل إلى الاستنتاج بعد هذا الاستعراض والمقارنة بين إيران والدول العربية:
ـ الدول هي التي تصنع عقول الحكام وليس العكس لأن المجتمعات هي التي تترك أثراً.
هناك من كان وضعه أسوأ منا وهي ألمانيا، فقد تقسمت ودمرت وتبهدلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن كان لدى شعبها نواة الإرادة المستقلة. مشكلتنا في العالم العربي أنك لا تجد بين المسؤولين من لديهم الإرادة لصنع تاريخهم. المنطقة الأغنى هي الخليج، والمنطقة الأهم وهي مصر والشام عندها مشاكل كثيرة، أما المغرب العربي فهو غارق في مشاكله و "زهقان" من المشرق العربي... فأين يبقى الأمل؟ في السودان؟
لقد دخل العالم العربي كله في فراغ. هناك فكرة انهارت وهناك قوى إقليمية ظهرت، لم تظهر لدينا قوة بديلة او فكرة بديلة. ولكي يبادر أحدهم عليه ان يتمتع بإمكانية القبول أو مصداقية القبول، ولا يملك أحد المصداقية المطلوبة في العالم العربي، أبداً. المصداقية تائهة في مكان ما وهي خارج العالم العربي. كلهم يتكلم بكلام جيد ولكن لا أحد منهم يعني ما يقوله، ولا يملك أحداً تشخيصا حقيقيا للمنطقة أو لأحوال العالم من حولها.
في إيران هم قادرون على ان يفهموا ما يجري في العالم ومن حولهم. لقد استطاعت الثورة الإيرانية ان تأخذ ثوابت الثقافة والحضارة الفارسية باستمرار. هناك أمة كانت تتقدم واستمرت في ذلك وكان الانتقال سلساً. وهذا أمر يمكن أن يحدث في بلدين: عندنا هنا في مصر، وفي إيران، وإلى حد ما تركيا طبعا. فهذه أوطان حقيقية والباقي كله يشكل فسيفساء بين أوطان حقيقية.
ـ ومتى تنتهي الفوضى في العالم العربي؟
ـ نحتاج بين 12 إلى 15 سنة.
عن مصر والإخوان وإسرائيل
عدنا إلى المنطقة العربية ومآسيها والتعثرات السياسية الخطيرة، وانكشاف الأنظمة وعجزها ضمن الفراغ السياسي الذي تعيش فيه عن مواجهة "داعش"، واضطرارها إلى طلب النجدة الأميركية. سألنا "الأستاذ":
ـ لقد ربطت الحديث عن "داعش" بالفراغ، هل هناك خوف على مصر؟
ورد جازماً: لا خوف على مصر. "داعش" لا تعيش في مصر. طبيعة مصر مختلفة. هناك جماعات إرهابية خطرة موازية لداعش لكن التنظيم لم يصل إلى هنا، ولا ينجح "داعش" في مصر. لقد نجح الإخوان مثلا، كحركة محلية. داعش والبغدادي لا أحد يقبل بهما في مصر. حسن البنا ممكن أما البغدادي فلا أحد يقبل به.
سألنا: قلت ان تنظيم الاخوان نشأ، في الأصل، محلياً، لماذا لا يزال مستمرا حتى الآن؟
ـ قوته في انه ورث التنظيمات الصوفية. الطرق الصوفية لها نفوذ قوي في مصر. حسن البنا كان صوفيا، وهو استخدم البنية التحتية للصوفيين. حسن البنا وفي مكتبي في "اخبار اليوم" سلمني البيان ذاته الذي جاء فيه ان المتطرفين في التنظيم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين. التنظيم (الاخوان) متأثر بالطرق الصوفية ولكن هذا التأثير هو الذي يجعل له جذوراً في مصر. الناس في مصر عندها عشق للدين. وهناك يسار حقيقي في مصر. هناك أحزاب في مصر وعندها برامج سياسية وخصوصا الوفد له برنامج، ويمكن ان يقوم ائتلاف.
مصر تمشي إلى مستقبل ما. أنا أرى أن أحوال مصر لا بأس بها. هناك اقتصاد مأزوم ومرهق جداً. التعليم ليس مدمرا تماما. أنا أخشى من الأحكام المطلقة. التعليم ليس مدمرا الى هذا الحد. التعليم الخصوصي طول عمره موجود. من يأتي بالمعلم الخصوصي هو من طبقة معينة. النظام التعليمي معمول لاستيعاب 6 ملايين واليوم يتم تحميله من 30 إلى 35 مليوناً، من دون تحديثه بذريعة ان نصف علم أفضل من جهل كامل. النصف الجاهل كارثة. أنا أراهن على أنه في التصنيع ليس بالضرورة ان نحتاج الى مستوى علمي معين. الوظائف العامة في الدولة لا تتحمل أكثر من 9 أو 10 ملايين. علينا الاتجاه الى التعليم المهني لغايات واضحة مثل الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات. عليك ان تخلق وظيفتك. استنفدنا الوظائف العامة. لازم نسلم ان مصر كلها في ازمة. وهي في مرحلة الانتقال من حال إلى حال. أنت امام بلد لا يزال يدعي انه كويس وهو مفلس.
... وكان لا بد ان نستعيد ما يجسد الواقع المأساوي الذي نعيش. قلنا: لقد كدنا ننسى فلسطين..
ـ فلسطين تجسد تردي الواقع العربي. ومن باب الطرافة لا أكثر، أستذكر أنني ذهبت مع احمد بهاء الدين مرة للقاء القائد الراحل ياسر عرفات في تونس، وكان معنا ادوارد سعيد على أساس انه خبير في المجتمع الإسرائيلي، وهذا تخصصه، وطلب إلينا "أبو عمار" ان نذهب للقاء محمود عباس (ابو مازن) فذهبنا إليه... ولقد حاول الرجل ان يقنعنا وبحماسة، بأن المجتمع الإسرائيلي ليس كتلة صماء بل فيه كتل وجماعات وتنوعات ويمكن النفاذ منها وسمعناه أنا وبهاء قد أصابنا الاستغراب أمام هذا التحليل.
وكان بديهيا أن نسأل عن إسرائيل وموقفها من الاتفاق.. فقال "الأستاذ":
ـ إسرائيل لا تتأثر كثيراً، طالما يعتبر الطرف الأميركي حمايتها من مسؤولياته المباشرة. كانت إسرائيل تراهن على صدام اميركي مع إيران وهي لا تستطيع ان تتصادم مع إيران، ثم أصيبت بخيبة ما عند توقيع الاتفاق.
ـ إسرائيل في اية مرحلة من عمرها الافتراضي؟
ـ المرحلة التي يبدأ فيها العد التنازلي لإسرائيل هي عندما يكون هناك عالم عربي قوي. الآن إسرائيل مهيمنة على المنطقة كلها.
ـ وماذا عن أميركا.. ألا يمكن ان تكبر التناقضات الداخلية، في الولايات المتحدة الأميركية عندما تلملم انتشارها في العالم؟!
ـ لن يحصل ذلك. بالمصالح لا أحد يمكن ان ينسحب. اميركا لم تعد قادرة على الانسحاب. بلد تجارته وموارده الأولية كلها في العالم الخارجي. لا يمكن لأميركا ان تخرج من عندك ومن عند غيرك ما لم يكن عندك قدرة على التعايش معها من خلال نموذج معين. لنأخذ نموذج إيران: إيران إرادة واحدة. العالم العربي إرادات كثيرة وليس إرادة واحدة.
أما في الأفكار والثقافة فإن النموذج الأوروبي العلماني (الفرنسي) هو أقدر على التأثير من النموذجين الأميركي والروسي، وهو نموذج ثقافي أولا واقتصادي ثانيا. انه البحر الأبيض المتوسط.
ـ وماذا عن تركيا؟
ـ تركيا إلى المأدبة المتوسطية والأوروبية والأردوغانية. أما عن أردوغان، فكل واحد منا يعبّر في النهاية بطباعه عن طبيعته. كيف تطلب من مخلوق يفترض ان طبعه لا يعبر عن طبيعته وطبيعته لا تعبر عن طبعه انه تركي عثماني بالتأكيد!
وبعد لحظات استدرك "الأستاذ" فقال: ـ في أي حال، لقد ظلمنا الاتراك. هم لعبوا دوراً مهما في حماية الإسلام وأرض الإسلام بعد انهيار العصر المملوكي. محمد علي من داخل الإسلام كان فريدا في بابه.
بين الأمبراطوريتين..
وعاد الأستاذ إلى إيران والاتفاق ليستنتج:
ـ لا اميركا يمكنها ان تتجاهل إيران ولا إيران تتجاهل اميركا. قدر من التطبيع جيد، لكنّ هناك قدرا كبيرا من التناقضات بينهما.
أعتقد ان الكوبيين تصرفوا بطريقة جدية مع أميركا وليس هناك أي نوع من أنواع التبعية.
وختمنا بسؤال من واقع الحال في عالمنا:
ـ هل أميركا أعظم امبراطورية في تاريخ البشرية؟
ورد بسرعة: لا، أبداً. إنكلترا هي أعظم واكبر. في النفوذ والاقتصاد والتحول والعصر الصناعي. هي نشأت في وقت مثالي. فترة التجارة والصناعة والبحر. لا امبراطورية وافقت زمنها وعصرها بقدر الإمبراطورية البريطانية. أميركا قوية جدا لكن "ده كلام ساكت" كما يقولون. الحقيقة ان الإمبراطورية الحقيقية في التاريخ بعد الإمبراطورية الرومانية هي الإمبراطورية البريطانية.. لكل امبراطورية نهاية بالسيطرة ولكن ليس بالنفوذ. الإمبراطورية البريطانية باقية بقوة ما دامت اللغة الإنكليزية باقية. الإنكليزية صارت لغة التكنولوجيا وهذا من حظهم. الإمبراطورية باقية باللغة. ليس بالضرورة ان تبقى بالقواعد والجغرافيا. لازم نسلم ان الإمبراطورية البريطانية والرومانية هما نموذجان مهمان ومختلفان تاريخيا. الوعاء لكل حاجة هو اللغة. حظ الإنكليز ان الثورة التكنولوجية قد منعت سقوطهم. فالانكليزية هي اللغة المعتمدة في وسائل التواصل والتقنيات والإعلام واللغة السائدة هي اللغة الإنكليزية. قلت مرة لمارغريت تاتشر: أنتم فقدتم امبراطورية في الجغرافيا ولكنكم وجدتم امبراطورية في اللغة. قالت لي: ما أصح هذا الكلام!
كنا نود أن نسأل أكثر فنعرف أكثر ولكننا لم نشأ أن نستبق حواراُ أوسع عن أحوال العرب بعنوان مصر في المقبل من الأيام.
 وستكون لنا عودة إلى " الأستاذ " لاستكمال الحوار المفتوح مع عقله وثقافته السياسية البلا حدود.

_______________
السفير

طباعة    
جريدة السفير 2015©

الخميس، 2 يوليو 2015

الصادق المهدي - زعيم حزب الأمة السوداني-- يدعو إلى مراجعات شاملة

    يوليو 02, 2015   No comments

إسلاميون وبعد | المحور الأول







_________

إسلاميون وبعد | المحور الثاني



السبت، 21 فبراير 2015

نصائح وتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد

    فبراير 21, 2015   No comments
إصدار مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين .

أمّا بعد : فليعلم المقاتلون الأعزّة الذين وفّقهم الله عزّ وجلّ للحضور في ساحات الجهاد وجبهات القتال مع المعتدين:

   1 ـ أنّ الله سبحانه وتعالى ـ كما ندب الى الجهاد ودعا إليه وجعله دعامةً من دعائم الدين وفضّل المجاهدين على القاعدين ــ فإنّه عزّ اسمه جعل له حدوداً وآداباً أوجبتها الحكمة واقتضتها الفطرة، يلزم تفقهها ومراعاتها، فمن رعاها حق رعايتها أوجب له ما قدّره من فضله وسنّه من بركاته، ومن أخلّ بها أحبط من أجره ولم يبلغ به أمله .

   2 ـ فللجهاد آدابٌ عامّة لابدّ من مراعاتها حتى مع غير المسلمين، وقد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله ) يوصي بها أصحابه قبل أن يبعثهم إلى القتال ، فقد صـحّ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : ( كان رسول الله – صلّى الله عليه وآله ــ إذا أراد أن يبعث بسريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها).

   3 ـ كما أنّ للقتال مع البغاة والمحاربين من المسلمين واضرابهم أخلاقاً  وآداباً  أُثرت عن الإمام علي ( عليه السلام ) في مثل هذه المواقف ، مما جرت عليه سـيرته وأوصى به أصحابه في خطـبه وأقواله، وقد أجمعت الأمّة على الأخذ بها وجعلتها حجّة فيما بينها وبين ربّها ، فعليكم بالتأسي به والأخذ بمنهجه، وقد قال(عليه السلام) في بعض كلامه مؤكّداً لما ورد عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ـ في حديث الثقـلين والغدير وغيرهما ــ : (انظروا إلى أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لَبدُوا فالبدُوا ([1])، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ).

   4 ـ فالله الله في النفوس، فلا يُستحلّن التعرّض لها بغير ما أحلّه الله تعالى في حال من الاحوال، فما أعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وإنّ لقتل النفس البريئة آثاراً خطيرة في هذه الحياة وما بعدها ، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) شدّة احتياطه في حروبه في هــذا الأمر ، وقد قـال في عهـده لمالك الأشـتر ــ وقد عُلِمت مكانتـُه عنده ومنزلـتُه لديه ــ (إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها فإنّه ليس شيء ادعى لنقمة واعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها والله سبحانه مبتدأ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة ، فلا تقويّن سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لانّ فيه قود البدن).

   فإن وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم ، فقدّموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف أو لا يؤدّي إلى الهلاك، معذرةً إلى ربّكم واحتياطاً على النفوس البريئة.

   5 ـ الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم ، فإنّه لا تحلّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم.

   وقد كان من سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه كان ينهى عن التعرّض لبيوت أهل حربه ونسائهم وذراريهم رغم إصرار بعض من كان معه ـــ خاصّة من الخوارج ــ على استباحتها وكان يقول : ( حارَبنا الرجال فحاربناهم ، فأمّا النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهم لأنهن مسلمات وفي دار هجرة ، فليس لكم عليهن سبيل، فأمّا ما أجلبوا عليكم واستعانوا به على حربكم وضمّه عسكرهم وحواه فهو لكم ، وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض الله تعالى لذراريهم ، وليس لكم عليهنّ ولا على الذراري من سبيل).

   6 ـ الله الله في اتهام الناس في دينهم نكاية بهم واستباحة ً لحرماتهم ، كما وقع فيه الخوارج في العصر الأول وتبعه في هذا العصر قوم من غير أهل الفقه في الدين، تأثراً بمزاجياتهم وأهوائهم وبرّروه ببعض النصوص التي تشابهت عليهم، فعظم ابتلاء المسلمين بهم.

   واعلموا إنّ من شهد الشهادتين كان مسلماً يُعصم دمُه ومالُه وإن وقع في بعض الضلالة وارتكب بعض البدعة، فما كلّ ضلالة بالتي توجب الكفر، ولا كلّ بدعة تؤدي إلى نفي صفة الاسلام عن صاحبها،  وربما استوجب المرء القتل بفساد أو قصاص وكان مسلماً .

   وقد قال الله سبحانه مخاطباً المجاهدين : (يا أيّها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا). واستفاضت الآثار عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نهيه عن تكفير عامّة أهل حربه ـ كما كان يميل إليه طلائع الخوارج في معسكره ــ بل كان يقول انهم قوم وقعوا في الشبهة، وإن لم يبرّر ذلك صنيعهم ولم يصح عُذراً لهم في قبيح فعالهم ، ففي الأثر المعتبر عن الامام الصادق عن ابيه (عليهما السلام): (أنّ علياً (عليه السلام) لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكن يقول: هم اخواننا بغوا علينا )، (وكان يقول لأهل حربه: إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا).

   7 ـ وإياكم والتعرّض لغير المسلمين أيّاً كان دينه ومذهبه فإنّهم في كنف المسلمين وأمانهم، فمن تعرّض لحرماتهم كان خائناً غادراً، وإنّ الخيانة والغدر لهي أقبح الأفعال في قضاء الفطرة ودين الله سبحانه، وقد قال عزّ وجلّ في كتابه عن غير المسلمين ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم إنّ الله يحب المقسطين ). بل لا ينبغي ان يسمح المسلمُ بانتهاك حرُمات غير المسلمين ممّن هم في رعاية المسلمين، بل عليه أن تكون له من الغيرة عليهم مثل ما يكون له على أهله، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام ) أنه لما بعث معاوية (سفيان بن عوف من بني غامد) لشن الغارات على أطراف العراق ـ تهويلاً على أهله ـ فأصاب أهل الأنبار من المسلمين وغيرهم، اغتمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذلك غمّاً شديداً ، وقال في خطبةٍ له: ( وهذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار وقد قتل حسان بن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها ، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقـُلَبها ([2]) وقلائدها ورعاثها ([3])، ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام ، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم ، ولا أريق لهم دم، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً ).

   8 ـ الله الله في أموال الناس، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم لغيره إلاّ بطيب نفسه ، فمن استولى على مال غيـره غصـباً فإنّما حاز قطـعة من قطـع النيران، وقد قال الله سبحانه : (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً). وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: (من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقه لم يزل الله معرضاً عنه ماقتاً لأعماله التي يعملها من البرّ والخير لا يثبتها في حسناته حتى يتوب ويردّ المال الذي أخذه إلى صاحبه).

   وجاء في سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه نهي أن يُستحّل من أموال من حاربه إلاّ ما وجد معهم وفي عسكرهم ، ومن أقام الحجّة على أن ما وجد معهم فهو من ماله أعطى المال إيّاه، ففي الحديث عن مروان بن الحكم قال : (لمّا هَزَمنا عليٌ  بالبصرة ردّ على الناس أموالهم من أقام بيّنة أعطاه ومن لم يقم بنيّة أحلفه).

   9 ـ الله الله في الحرمات كلّها، فإيّاكم والتعرّض لها أو انتهاك شيء منها بلسان أو يد ، واحذروا أخذ امرئ بذنب غيره، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، ولا تأخذوا بالظنّة وتشبهوه على أنفسكم بالحزم ، فإنّ الحزم احتياط المرء في أمره، والظنة اعتداء على الغير بغير حجّة، ولا يحملّنكم بغض من تكرهونه على تجاوز حرماته كما قال الله سبحانه: ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم ٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) .

   وقد جاء عـن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال في خطبة له في وقعة صفّين في جملة وصاياه : ( ولا تمثّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا ستراً ولا تدخلوا داراً ، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذىً وان شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم )، وقد ورد أنه (عليه السلام) في حرب الجمل ـــ وقد انتهت ــ وصل إلى دار عظيمة فاستفتح ففُتحت له، فإذا هو بنساءٍ يبكين بفناء الدار، فلمّا نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن هذا قاتل الأحبّة، فلم يقل شيئاً، وقال بعد ذلك لبعض من كان معه مشيراً إلى حجرات كان فيها بعض رؤوس من حاربه وحرّض عليه كمروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير: (لو قتلت الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة).

  كما ورد أنه (عليه السلام) قال في كلام له وقد سمع قوماً من أصحابه كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق يسبّون أهل الشام أيّام حربهم بصفين: (اني أكره لكم ان تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم ( اللهم احقن دماءنا ودمائهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ من جهله  ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به) فقالوا له يا أمير المؤمنين: نقبل عِظتك ونتأدّب بأدبك.

   10 ـ ولا تمنعوا قوماً من حقوقهم وإن أبغضوكم ما لم يقاتلوكم، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه جعل لأهل الخلاف عليه  ما لسـائر المسـلمين ما لم يحـاربوه، ولم يبدأهم بالحرب حتّى يكونوا هم المبتدئين بالاعتداء ، فمن ذلك أنّه كان يخطب ذات مرّة بالكوفة فقام بعض الخوارج وأكثروا عليه بقولهم ( لا حكم إلاّ لله ) فقال : (كلمة حقّ يراد بها باطل ، لكم عندنا ثلاث خصال : لا نمنعكم مساجد الله ان تصلّوا فيها ، ولا نمنعكم الفيء ما كانت ايديكم مع أيدينا ، ولا نبدأكم بحربٍ حتى تبدؤونا به).

   11 ـ واعلموا أنّ أكثر من يقاتلكم إنّما وقع في الشبهة بتضليل آخرين ، فلا تعينوا هؤلاء المضلّين بما يوجب قوّة الشبهة في أذهان الناس حتّى ينقلبوا أنصاراً لهم، بل ادرؤوها بحسن تصرّفكم ونصحكم واخذكم بالعدل والصفح في موضعه، وتجنب الظلم والإساءة والعدوان، فإنّ من درأ شبهة عن ذهن امرئ فكأنّه أحياه ، ومن أوقع امرئ في شبهة من غير عذر فكأنه قتله.

   ولقد كان من سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عنايتهم برفع الشبهة عمّن يقاتلهم، حتّى إذا لم تُرج الاستجابة منهم، معذرة منهم إلى الله، وتربيةً للأمة ورعايةً لعواقب الأمور، ودفعاً للضغائن لاسيّما من الأجيال اللاحقة، وقد جاء في بعض الحديث عن الصادق (عليه السلام) أنّ الامام عليّاً (عليه السلام) في يوم البصرة لما صلا الخيول قال لأصحابه : ( لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم ، فقام اليهم، فقال: يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورة في الحكم؟  قالوا : لا ، قال : فحيفاً في قسم ؟ قالوا: لا . قال: فرغبة في دنيا أصبتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي ؟  قالوا: لا ، قال فاقمت  فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا: لا ). وعلى مثل ذلك جرى الإمام الحسين ( عليه السلام ) في وقعة كربلاء، فكان معنيّاً بتوضيح الأمور ورفع الشبهات حتّى يحيا من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بيّنة، بل لا تجوز محاربة قوم في الإسلام أيّاً كانوا من دون إتمام الحجّة عليهم ورفع شبهة التعسّف والحيف بما أمكن من أذهانهم كما أكّدت على ذلك نصوص الكتاب والسنة .

   12 ـ ولا يظنّن أحدٌ أن في الجور علاجاً لما لا يتعالج بالعدل، فإنّ ذلك ينشأُ عن ملاحظة بعض الوقائع بنظرة عاجلة إليها من غير انتباه إلى عواقب الأمور ونتائجها في المدى المتوسط والبعيد، ولا إطّلاع على سنن الحياة وتاريخ الأمم ، حيث ينبّه ذلك على عظيم ما يخلفه الظلم من شحنٍ للنفوس ومشاعر العداء مما يهدّ المجتمع هدّاً، وقد ورد في الأثر: (أنّ من ضاق به العدل فإنّ الظلم به أضيق)، وفي أحداث التاريخ المعاصر عبرةٌ للمتأمل فيها ، حيث نهج بعض الحكّام ظلم الناس تثبيتاً لدعائم ملكهم، واضطهدوا مئات الآلاف من الناس ، فأتاهم الله سبحانه من حيث لم يحتسبوا حتّى كأنّهم أزالوا ملكهم بأيديهم .

   13 ـ ولئن كان في بعض التثبّت وضبط النفس وإتمام الحجّة ــ رعاية للموازين والقيم النبيلة ــ بعض الخسارة العاجلة أحياناً فإنّه أكثر بركة وأحمد عاقبة وأرجى نتاجاً، وفي سيرة الأئمة من آل البيت ( عليهم السلام ) أمثلة كثيرة من هذا المعنى، حتّى أنهم كانوا لا يبدؤون أهل حربهم بالقتال حتى يبدؤوا هم بالقتال وإن أصابوا بعض أصحابهم ، ففي الحديث أنه لما كان يوم الجمل وبرز الناس بعضهم لبعض نادى منادى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : (لا يبدأ أحدٌ منكم بقتالٍ حتّى آمركم) ، قال بعض أصحابه: فرموا فينا، فقلنا يا أمير المؤمنين: قد رُمينا ، فقال: (كفّوا) ، ثم رمونا فقتلوا منّا ، قلنا يا أمير المؤمنين : قد قتلونا، فقال : (احملوا على بركة الله)، وكذلك فعل الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء.

   14 ـ وكونوا لمن قِبَلكم من الناس حماة ناصحين حتى يأمنوا جانبكم ويعينوكم على عدوّكم ، بل أعينوا ضعفاءهم ما استطعتم، فإنّهم إخوانكم وأهاليكم، واشفقوا عليهم فيما تشفقون في مثله على ذويكم، واعلموا أنّكم بعين الله سبحانه، يحصي أفعالكم ويعلم نياتكم ويختبر احوالكم.

   15 ـ ولا يفوتنكم الاهتمام بصلواتكم المفروضة، فما وفد امرئٌ على الله سبحانه بعمل يكون خيراً من الصلاة، وإنّ الصلاة لهي الأدب الذي يتأدّب الانسان مع خالقه والتحية التي يؤديها تجاهه، وهي دعامة الدين ومناط قبول الأعمال، وقد خففها الله سبحانه بحسب مقتضيات الخوف والقتال، حتى قد يكتفى في حال الانشغال في طول الوقت بالقتال بالتكـبيرة عن كل ركـعة ولو لم يكن المرء مسـتقبلاً للقبلة كما قال عزّ من قائل : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون ).

    على أنه سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ولا يجتمعوا للصلاة جميعاً بل يتناوبوا فيها حيطةً لهم. وقد ورد في سيرة أمير المؤمنين وصيته بالصلاة لأصحابه، وفي الخبر المعتبر عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة: (يصلّي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه وإن كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صلى ليلة صفّين ـ وهي ليلة الهرير ـ لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ـ عند وقت كل صلاة ـ إلاّ التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، فكانت تلك صلاتهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة).

   16 ـ واستعينوا على أنفسكم بكثرة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه واذكروا لقاءكم به ومنقلبكم اليه، كما كان عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد ورد انه بلغ من محافظته على وِرده أنه يُبسط له نطعٌ بين الصفين ليلة الهرير فيصلّي عليه وِرده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً  فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته.

   17 ـ واحرصوا أعانكم الله على أن تعملوا بخُلُق النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) مع الآخرين في الحرب والسلم جميعاً، حتّى تكونوا للإسلام زيناً ولقيمه مَثَلاً ،فإنّ هذا الدين بُنِيَ على ضياء الفطرة وشهادة العقل ورجاحة الأخلاق ، ويكفي منبّهاً على ذلك أنه رفع راية التعقل والأخلاق الفاضلة، فهو يرتكز في أصوله على الدعوة إلى التأمل والتفكير في أبعاد هذه الحياة وآفاقها ثم الاعتبار بها والعمل بموجبها كما يرتكز في نظامه التشريعي على إثارة دفائن العقول وقواعد الفطرة ، قال الله تعالى: (ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) وقال أمير المؤمنين (ع): ( فبعث ـ الله ـ فيهم رسله وواتر انبياءه اليهم ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّرهم منسيّ نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول)، ولو تفقّه أهل الإسلام وعملوا بتعاليمه لظهرت لهم البركات وعمّ ضياؤها في الآفاق، وإياكم والتشبّث ببعض ما تشابه من الاحداث والنصوص فإنّها لو ردّت إلى الذين يستنبطونه من أهل العلم ــ كما أمر الله سبحانه ــ لعلموا سبيلها ومغزاها.

   18 ـ وإيّاكم والتسرّع في مواقع الحذر فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، فإنّ أكثر ما يراهن عليه عدوّكم هو استرسالكم في مواقع الحذر بغير تروٍّ واندفاعكم من غير تحوّط ومهنيّة، واهتموا بتنظيم صفوفكم والتنسيق بين خطواتكم ، ولا تتعجّلوا في خطوة ٍ قبل إنضاجها وإحكامها وتوفير ادواتها و مقتضياتها وضمان الثبات عليها والتمسك بنتائجها، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا) ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) ، وكونوا أشدّاء فوق ما تجدونه من أعدائكم فإنكم أولى بالحق منهم ، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، اللهم إلا رجاءً مدخولاً وأماني كاذبة واوهاماً زائفة كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً، حجبتهم الشبهات بظلمـائها وعميت بصائرهم بأوهامها .

   19 ـ هذا وينبغي لمن قِبَلكم من الناس ممّن يتترس بهم عدوّكم أن يكونوا ناصحين لحماتهم يقدّرون تضحياتهم ويبعدون الأذى عنهم ولا يثيرون الظنة بأنفسهم ، فإنّ الله سبحانه لم يجعل لأحد ٍ على آخر حقّاً إلاّ وجعل لذاك عليه حقّاً مثله ، فلكلّ ٍ مثل ما عليه بالمعروف.

   واعلموا أنكم لا تجدون أنصح من بعضكم لبعض إذا تصافيتم واجتمعتم فيما بينكم بالمعروف حتى وان اقتضى الصفح والتجاوز عن بعض الأخطاء بل الخطايا وإن كانت جليلة ، فمن ظّن غريباً أنصح له من أهله وعشيرته وأهل بلده ووالاه من دونهم فقد توهّم، ومن جرّب من الأمور ما جُرّبت من قبل أوجبت له الندامة. وليعلم أن البادئ بالصفح له من الاجر مع أجر صفحه أجر كل ما يتبعه من صفح وخير وسداد، ولن يضيع ذلك عند الله سبحانه، بل يوفيه إيّاه عند الحاجة إليه في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة. ومن أعان حامياً من حماة المسلمين أو خلفه في أهله وأعانه على أمر عائلته كان له من الأجر مثل أجر من جاهد.

   20 ـ وعلى الجميع أن يدعوا العصبيات الذميمة ويتمسّكوا بمكارم الأخلاق، فإنّ الله جعل الناس أقواماً وشعوباً ليتعارفوا ويتبادلوا المنافع ويكون بعضهم عوناً للبعض الآخر, فلا تغلبنّكم الأفكار الضيقة والانانيات الشخصيّة، وقد علمتم ما حلّ بكم وبعامّة المسلمين في سائر بلادهم حتّى أصبحت طاقاتهم وقواهم وأموالهم وثرواتهم تُهدر في ضرب بعضهم لبعض، بدلاً من استثمارها في مجال تطوير العلوم واستنماء النعم وصلاح أحوال الناس. فاتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة، أمّا وقد وقعت الفتنة فحاولوا إطفاءها وتجنّبوا إذكاءها واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، واعلموا أنّ الله إن يعلم  في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم، إنّ الله على كلّ شيء ٍ قدير .

صدر في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر عام 1436 هـ
_____________________

([1])لبد : أقام ، أي إن أقاموا فأقيموا .


([2])اي سوارها .

([3])اي قرطها .

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الانتخابات البرلمانية في تونس: «النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم || «الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً || السبسي: رجل أسقط «النهضة» || سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة || «خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب

    أكتوبر 28, 2014   No comments
«النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم
 نور الدين بالطيب


بعد أقل من عامين ونصف على التأسيس، نجح حزب «حركة نداء تونس» في حصد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاصداً 83 مقعداً (نتائج غير نهائية) من أصل 217 ضمن البرلمان الأول بعد هرب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فتقدم بذلك على كل الأحزاب الأخرى، بما فيها حركة «النهضة» التي تأسست فعلياً قبل نحو أربعين عاماً وحصدت، أول من أمس، 68 مقعداً.

نجاح «نداء تونس» بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الذي ستكون ولايته لخمس سنوات تشكل خلالها الحركة حكومتها، يطرح مجموعة من الأسئلة في الشارع التونسي، وذلك لتزامن ما حدث مع اضمحلال أحزاب أخرى برز نجمها منذ سقوط النظام السابق، وسبق أن تفوّقت في الانتخابات الماضية، كحزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي لم يحصل إلا على مقعدين بعدما حاز المرتبة الثالثة في عدد الأصوات والمقاعد عام 2011.

ومن بين تلك الأطراف، الرئيس المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، الذي لم يحصل حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» إلا على أربعة مقاعد بعدما حاز المرتبة الثانية في عدد الأصوات والمقاعد خلال الانتخابات الماضية.
أما «الحزب الجمهوري»، بزعامة نجيب الشابي، فلم يحصل إلا على مقعد واحد، مبدئياً، بعدما حاز ١٦ مقعداً في الانتخابات الماضية، علماً أن هذه النتيجة تأتي بعد سنوات من تزعم هذا الحزب المعارضة التونسية في زمن الحبيب بورقيبة وبن علي، كذلك كان أيضاً وراء «إضراب الجوع» (الإضراب عن الطعام) الشهير في تشرين الأول ٢٠٠٥، وكان النواة الأساسية لتشكيل حراك مناهض للنظام السابق.
كل ذلك يقود إلى السؤال: ماذا حدث ليفوز «نداء تونس» بأعلى عدد من الأصوات والمقاعد؟ القول إن هذا الانتصار يعود إلى استعادة أنصار النظام السابق المبادرة، وتشكلهم في ثوب جديد، لا يمكن أن يفسر الانتصار، ولا يمكن تفسيره بكاريزما زعيم «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، فقط.
من الواضح أنه التقت مجموعة من العوامل الأساسية في تحقيق هذا الانتصار، أولها إخفاق «الترويكا» (النهضة ـ المؤتمر ـ التكتل)، التي حكمت بعد الانتخابات السابقة، في تحقيق أي مكسب للتونسيين.
ويوم أمس، برز اعتراف المتحدث الرسمي باسم «النهضة»، زياد العذاري، بأنّ حركته دفعت ثمن تولّيها الحكم خلال المرحلة الانتقالية، وبأنها ارتكبت «أخطاءً كانت نتيجتها ستكون أكبر بكثير مما حدث».
خلال حكم «الترويكا»، لا يمكن إنكار انتشار «الإرهاب والتهريب والجريمة»، وهو ما أغرق التونسيين في الإحباط إلى حد التحسر لدى قطاعات كثيرة على النظام السابق. في هذا المناخ من الظلام و«الإرهاب الأسود» وغياب الأمل، ظهر أن السبسي نجح في أن يؤسّس حركة سياسية شعارها الأساسي بسيط هو «الأمل» و«استعادة تونس»، وأيضاً إعادة الاعتبار إلى الراية الوطنية والنشيد الوطني، وتحقيق مطالب المحتجين الذين أسقطوا النظام السابق.
في النتيجة، صارت هناك ضرورة الالتفاف حول الحزب الجديد وزعيمه «البورقيبي» لاستعادة تونس، كما يقول قادة «النداء»، ومواجهة محاولات «أفغنة البلاد» عبر التعليم الديني على طريقة باكستان، ومنع الاختلاط في بعض الأماكن العامّة، والتساهل مع الإرهابيين، وليس أخيراً التمويل المشبوه للجمعيات الدينية والاجتماعية.
كل ذلك كان يجري إلى جانب المحاباة والسيطرة على الإدارة والمرافق العامّة، ما خلق قناعة لدى قطاعات واسعة من التونسيين بأنّ «الحكام الجدد» يعيدون أساليب النظام السابق مع تغيير نمط المجتمع ونشر ثقافة «وهابية» غريبة على التونسيين.
أمام هذه الانتكاسة، ومع بروز كابوس الاٍرهاب والاغتيالات، أدرك الناخبون أنّ ما ينتظرهم أبشع مما عاشوه زمن حكومتي الاستقلال، لذلك وجد الباجي في هذا المناخ خير سند لانتشار حزبه الذي يصل عدد المنخرطين فيه رسمياً إلى أكثر من ١١٠ آلاف مواطن، وهو عدد لم يحققه أيّ حزب آخر، باستثناء حزب بن علي المنحل، الذي كان الانتماء إليه شبه إجباري لأغلب موظفي الدولة.
هكذا يمكن التأكد من أن الإحباط الذي عاشه التونسيون منذ صعود «الترويكا» إلى الحكم في كانون الأوّل ٢٠١١ حتى كانون الثاني ٢٠١٤ هو الذي صنع من «نداء تونس» القوة السياسية الأولى في الوقت الذي اندثرت فيه، أو تكاد، الأحزاب الأخرى، كما تراجعت «حركة النهضة».
وفي غمار ما يعيشه التونسيون من خطر التهديد الأمني، وفي وقت يموت فيه كل يوم شباب البلاد في العراق وسوريا، يبحث «التوانسة» المعروفون بالاعتدال والوسطية عن حزب يذكرهم بتونس، حتى إن كان فيه قياديون من العهد السابق، لأنهم لا ينكرون مكاسب حكومتي الاستقلال، رغم أنهم عانوا الديكتاتورية والفساد، وهو ما لم تقطعه «الترويكا» التي لم تقدم إلّا أساليب متجددة من آليات الحكم القديم.
وليس مبالغة تقدير أن التونسيين عاقبوا «الترويكا» والأحزاب التي اقتربت من الإسلاميين، وكذلك «الأحزاب الصغيرة»، لأنهم يبحثون عن مركب نجاة، وإن فاحت منه رائحة الزمن القديم.
______________
«الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً
 محمود مروة

نجحت لعبة الاستقطاب بين «العلمانيين» و«الإسلاميين» في قلب معادلات المشهد السياسي التونسي، المبني على تراكمات حراك تاريخي شاركت في صنعه شخصيات هي اليوم من معارضي حكم «النهضة»، ومن خلفها «الترويكا». فقطعاً، أن تحصل أطراف مثل «الجبهة الشعبية» (حمة الهمامي أبرز وجوهها)، و«الحزب الجمهوري» (بزعامة المرشح الرئاسي أحمد نجيب الشابي)، على 15 مقعداً (في أفضل الأحوال) من أصل 217، لا يمثل انتصاراً، بل يوجه ضربة قاسية إلى مكونات سياسية عريقة.

وبعيداً عن شعارات مثل «سقوط آخر معاقل الإخوان في العالم العربي»، فإن لتداعيات الانتخابات التونسية آثاراً داخلية أكثر من تلك المفترضة عربياً، وخصوصاً أن خسارة «النهضة» لا تعني خروجها من الحكم. وتشير النتائج غير النهائية إلى مشهد تقاسم السلطة بين «قطبين» قد تعْرفه البلاد في المرحلة المقبلة، لأن الفارق مثلاً بين «النهضة»، التي حلت ثانية، وبين الطرف الذي حاز المركز الثالث، قد يصل إلى نحو خمسين مقعداً.
يصعب تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الجمهوري» مية الجريبي

وكان مشهد تقاسم السلطة بين «نداء تونس» و«النهضة» قد اقترب من التحقق نهاية العام الماضي إثر الأزمة السياسية الأعتى التي عرفتها البلاد، لتجسده اليوم خريطة البرلمان الجديد المفترض فيه تشكيل الحكومة المقبلة.
ويُحسب، ربما لمن بنى استراتيجية تظهير الانقسام الداخلي على أنه بين «علمانيين» و«إسلاميين»، تحقيق مكاسب انتخابية في وجه «النهضة»، لكن الثمن دفعته فعلياً أطراف يمكن تسميتها «المعارضة التونسية التقليدية»، على اعتبار أنها تضم قوى وشخصيات شاركت منذ السبعينيات في الحراك ضد نظام بورقيبة، ومن بعده بن علي.وحتى لا تقدم الصورة على أساس أن تلك القوى كانت، فقط، ضحية لمخططات ما، فمن الواجب الاعتراف والتذكير بأنها سقطت قبل نحو عامين في «فخ الاستقطاب»، وتحديداً حينما دخل «الحزب الجمهوري» في تفاهمات غامضة مع «نداء تونس» ضمن ما عرف آنذاك بائتلاف «الاتحاد من أجل تونس». وما لبث «الجمهوري» أن سحب نفسه في غضون أشهر قليلة.
أيضاً، ربما كانت تلك القوى قد أوقعت نفسها، عن دراية أو لا، في الفخ عينه حينما حاولت نهاية العام الماضي تصوير الأزمة المتنامية مع «النهضة» على أنها كالأزمة المصرية المنتهية بعزل الرئيس الإسلامي، في واقع عرف «نداء تونس» التصرف خلاله، كما يقول أحدهم، كمثل «فيل في متحف خزف صيني»، فيما حشّدت «النهضة» مناصريها للدفاع عن «وجودها».
برغم كل الأخطاء المفترضة والقابلة للنقاش، من الصعب مثلاً تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الحزب الجمهوري»، مية الجريبي، ففي ذلك لمن يحبها مشهد خيالي، ومن الصعب كذلك قبول رؤية «شيخ السياسيين»، أحمد نجيب الشابي (الصورة)، في موقع ضعف. لكن الأكيد أن الصراع المفترض مع «النهضة» كانت طريقه أسهل.
ناشطة سياسية مقربة من «الجمهوري» ـ تختصر بحماستها صوراً تونسية عديدة ـ تقول إن «الحزب يتحمل مسؤولية كبرى لأنه من بين من أعطوا شرعية لهذا الاستقطاب»، وتستدرك: «برغم عودة الوعي المتأخرة نسبياً في هذا الخصوص، فإن كسر هذا الوهم يبدأ الآن من حملتنا الرئاسية»، فهل فات القطار؟
_______________

السبسي: رجل أسقط «النهضة»

نورالدين بالطيب

تونس | لن ينسى التونسيون يوم ٢٦ تشرين الأول ٢٠١٤، ولن ينسوا أيضاً رجلاً كان وراء سقوط «النهضة» اسمه الباجي قائد السبسي. ففي لحظة عاصفة من تاريخ تونس، ٢٧ شباط ٢٠١١، كانت الدولة فيها تواجه مخاطر الفوضى، أعلن الرئيس المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، تعيين السبسي (١٩٢٦) رئيساً للحكومة خلفاً لآخر رئيس وزراء لبن علي، محمد الغنوشي، الذي أطاحه اعتصام القصبة الثاني.

إلى حدود ذلك الوقت، كان الباجي، سليل أرستقراطية تونس العاصمة، اسماً مجهولاً لمعظم الشبان التونسيين، أما بالنسبة إلى الحركة الديموقراطية والنقابية والأحزاب السياسية، فقد كان «سي الباجي» وزيراً بارزاً في عهد الزعيم بورقيبة واسماً يحظى بالتقدير في الحركة الديموقراطية. وفي وقت قياسي نجح في فك الحصار الذي ضربه الشبان الغاضبون على قصر الحكومة في القصبة، كما نجح في فتح حوار مع كل الأحزاب السياسية، وأعلن أن أولويته المطلقة هي المحافظة على الدولة، وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وتسليم الحكم لمن سيختاره الشعب مهما كانت هويته، الأمر الذي منحه مصداقية استثمرها في ما بعد عندما قرر العودة إلى الحياة السياسية بعد انتصار «حركة النهضة» وحلفائها.
غادر الباجي قصر الحكومة في القصبة في أواخر كانون الأول ٢٠١١ وسط إشادة الحكام الجدد، الذين سرعان ما انقلبوا عليه، بعدما أسّس حزبه الجديد «نداء تونس» في حزيران ٢٠١٢ بعد أشهر من إطلاق مبادرته لتجميع الحركة الديموقراطية في ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢.وفي وقت قياسي، وبشخصيته الكاريزماتية التي ربما تذكّر بعض التونسيين بالزعيم الحبيب بورقيبة، نجح الباجي، خريج «جامعة السوربون» الفرنسية والمحامي منذ ١٩٥٢، والذي التحق بأول ديوان لرئيس حكومة تونس الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال الداخلي في ١٩٥٥ حتى قبل إعلان الجمهورية، في أن يجعل من حزبه الحزب الأول في كل استطلاعات الرأي منذ أكثر من عام، ويملك «البجبوج» اليوم، كما يسميه أنصاره، كل صفات الزعماء الكبار برغم شيخوخته: شرعية في النضال من أجل الديموقراطية، مؤسّس أول منبر إعلامي مستقل، وهي مجلة «ديموقراطية» الناطقة بالفرنسية، مسيرة حافلة في أهم حقائب الدولة، وصولاً إلى رئاسة أول برلمان بعد ما عرف بـ«التغيير» في ١٩٨٧ لينسحب بعدها تماماً من الحياة السياسية التي لم يعد إليها إلا في أواخر شهر شباط ٢٠١١.

________________
سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة

أمينة الزياني

تونس | تمثلت إحدى مفاجآت الانتخابات التونسية في اكتساب «الاتحاد الوطني الحر»، بزعامة رجل الأعمال المرشح الرئاسي سليم الرياحي، 17 مقعداً في البرلمان الجديد (نتائج غير نهائية) ليحل ثالثاً، بفارق شاسع عن «نداء تونس» و«حركة النهضة».
ولا يبلغ الرياحي، رجل الأعمال ورئيس أحد أكبر الفرق الرياضية (النادي الأفريقي)، من العمر إلا 42 عاماً. هو ظهر فجأة على الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فيما يعلق أحدهم على ذلك بالقول «ظهر حاملاً معه أكياساً لا تحصى من المال ويوزع الوعود يميناً ويساراً حتى ظن التونسيون أنه سيطعمهم من ماله الخاص ويشغلهم في شركاته».
رئيس حزب «الاتحاد الوطني الحر» (تأسس عام 2011)، أو كما يلقبه التونسيون بـ«حزب توة»، أي الآن، وهو شعاره الانتخابي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 عندما لم يحصد إلا مقعداً واحداً عززه بانضمام النائبة حنان ساسي، شارك في جلسات الحوار الوطني الأخير، ولم يتوقف في سعيه إلى تدعيم صفوفه النيابية، عبر استخدام العامل المادي. غياب القاعدة الجماهيرية تداركه الرياحي في بعض الجوانب بترؤس نادي كرة القدم «الأفريقي». وكان لا بد للوجه السياسي الشاب من منبر إعلامي لتسويق صورته واحتلال حيّز من المشهد الاعلامي، لذلك اقتنى «قناة التونسية» المصادرة.

صنع سليم الرياحي الحدث خلال الانتخابات، لكن تماماً كالانتخابات السابقة رافقت حملة حزبه الانتخابية وعود هي أقرب إلى الخيال، فيما تعددت زياراته الى الأحياء الشعبية وقد رافقتها شهادات من المواطنين بتلقّيهم أموالاً انتخابية. وتعتبر المعلومات الشخصية حول رجل السياسة والرياضة والإعلام شحيحة، عدا أنه كان يقيم في ليبيا وعُرِف بعلاقاته الوطيدة بعائلة القذافي. ورغم محاولاته المتعددة للظهور في وسائل الإعلام كرجل الأعمال الشاب صاحب المشروع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تسعى أطراف سياسية عدة لقمعه، برز خلال أواخر عام 2013 كرجل المصالحة، حيث تمكن من لمّ شمل زعيم «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، بخصمه الباجي قائد السبسي في باريس. اليوم، يرى البعض أن الرياحي وحزبه لن يكونا إلا نسخة أكثر ثراءً من الهاشمي الحامدي وحزبه «العريضة الشعبية» الذي صنع مفاجأة في انتخابات 2011، واندثر خلال الانتخابات التشريعية الحالية.

____________
«خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب

حسان العيادي

تونس | أقل من عشر ساعات، هو الوقت الذي احتاجت إليه «حركة النهضة» لتعدّل موقفها المشكك في خسارتها الانتخابات التشريعية وتحوّله إلى مباركة لخصمها اللدود «حركة نداء تونس»، في إعلان عن بدء مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.وبالتوازي مع بدء إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية، اتضحت الخريطة الانتخابية الجديدة، التي أظهرت انحسار نفوذ «حركة النهضة»، بفقدانها ٢٧ مقعداً (نتائج غير نهائية) مقارنة بانتخابات ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١ (89 مقعداً من أصل 217).

وتتركز المقاعد التي خسرتها الحركة في الساحل التونسي الذي يضمّ أربع محافظات ممثلة بـ٤٠ مقعداً في مجلس النواب، وهي سوسة والمنستير والمهدية ونابل التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين. وفي هذه الدوائر الخمس، فقدت «النهضة» خمسة مقاعد، لينخفض تمثيلها من ١٣ إلى ثمانية مقاعد، وهو ما يعادل خسارتها لحوالى ٢٠٠ ألف صوت.
وشملت خسارة «النهضة» تونس الكبرى، التي تضم أربع محافظات، والتي تتمثّل ضمن المجلس النيابي بـ٤٢ نائباً، كان نصيب «النهضة» منهم في الانتخابات الماضية ١٣ نائباً، أما في الانتخابات الحالية فقد انخفض هذا التمثيل إلى عشرة مقاعد، أي ما يعادل خسارة تجاوزت ٦٠ ألف صوتاً.وكانت الحال نفسها في الشمال الشرقي والشمال الغربي، حيث فقدت الحركة ثقلاً انتخابياً مهماً، بخسارتها أربعة مقاعد مقارنة بالانتخابات السابقة التي فازت فيها بـ١٦ مقعداً، فانخفضت الى ١٢ مقعداً، بخسارة حوالى ١٠٠ ألف صوت انتخابي.
هذا الانهيار الانتخابي لم تسلم منه مناطق نفوذ تاريخية للحركة، التي تأسست فعلياً في سبعينات القرن الماضي. فقد خسرت من ثقلها الانتخابي في وسط البلاد، وانخفضت حصتها من ١٢ مقعداً من أصل 32، إلى تسعة مقاعد.
وواصلت «حركة النهضة» خسارتها في محافظة صفاقس التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين تتمثلان بـ١٦ مقعداً في المجلس النيابي، فانخفض نصيب الحركة فيهما من ٧ مقاعد إلى ٦، لمصلحة خصمها الأبرز «نداء تونس».
في مقابل ذلك، توقّف مؤشر فقدان «النهضة» لمقاعدها في الجنوب التونسي في ولاياته الخمس، حيث وصلت نسبة أصوات الحركة التي حازتها إلى حوالى 40 في المئة، مكّنتها مبدئياً من الحفاظ على مقاعدها الخمس عن مدينة مدنين والمقاعد الثلاثة عن مدينة تطاوين، إضافة إلى مقاعد قابس الأربعة ومقعدي توزر وقبلي.
وتعتبر هذه المحافظات التي حفظت ماء وجه حركة «النهضة» الإسلامية، من أبرز مواقع انتشار «التيار السلفي الوهابي» والتيارات الإسلامية، التي يبدو أنه كان لها تأثير في دعم الحركة أثناء الانتخابات الحالية، من دون القطع في ذلك بانتظار المعطيات التي ستظهر تباعاً.

_____________

الغنوشي يهنّئ السبسي
مصر تراهن على مستقبل العلاقات بعد «الإخوان»

علّق مصدر ديبلوماسي مصري على نتائج الانتخابات التونسية، مشيراً إلى أنّ «وزارة الخارجية المصرية لن تصدر بياناً رسمياً في هذا الخصوص، احتراماً لعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى».
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»، إن «وزارة الخارجية المصرية تابعت الانتخابات التونسية والمنافسة بين التيارات السياسية بترقّب، نظراً إلى التوتر في العلاقات بين البلدين» منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. كما أعرب عن تفاؤله «بمستقبل تونس، في ظل التجربة الجديدة وسعيها لتحقيق نظام ديموقراطي».
وأشار المصدر الديبلوماسي إلى أن «الخارجية المصرية تأمل تطوّر العلاقات المصرية ـ التونسية في ظل الحكومة الجديدة، والسعي إلى إعادتها إلى سابق عهدها، مع الأخذ في الاعتبار تشابه الظروف بين البلدين في ما يتعلق بالربيع العربي والرغبة في التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين».
ولكن المصدر أوضح في الوقت ذاته أن «تطوّر هذه العلاقة مرتبط بتوجّه النظام التونسي الجديد وطريقة تعامله مع الملفات الخارجية»، لافتاً الانتباه إلى أن هذا الأمر «لم يتّضح بعد، ومن ثم من السابق لأوانه الحديث عن انعكاس نتائج الانتخابات على العلاقات بين البلدين».

_____
«الأخبار»


الخميس، 25 سبتمبر 2014

رسالة مفتوحة وجهها 126 عالما ومفكرا واكاديميا اسلاميا من مختلف دول العالم الى ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "ابو بكر البغدادي" والى جميع المقاتلين والمنتمين الى ما يسمى تنظيم داعش

    سبتمبر 25, 2014   No comments
https://docs.google.com/a/reasonedcomments.org/viewer?a=v&pid=sites&srcid=cmVhc29uZWRjb21tZW50cy5vcmd8cmVhc29uZWQtY29tbWVudHN8Z3g6Mzg1OTBlNzM2NjEyMDRlNQ

اكد علماء ومفكرون واكاديميون اسلاميون ان الله كتب على نفسه الرحمة لقوله تعالى "كتب ربكم على نفسه الرحمة"، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف "ان الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي"، وبالتالي فلا يجوز المساواة بين السيف والغضب والرحمة، ولا يجوز ان تكون الرحمة منوطة بجملة "بعث بالسيف".

وفي رسالة مفتوحة وجهها 126 عالما ومفكرا واكاديميا اسلاميا من مختلف دول العالم الى ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "ابو بكر البغدادي" والى جميع المقاتلين والمنتمين الى ما يسمى تنظيم داعش .اكد وا انه "من المستحيل ان يكون إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم منوطا ببعثه بالسيف لأنه يجعل (خطأ) السيف بمستوى الرحمة الإلهية"، ومؤكدين ان "الجهاد بدون سبب مشروع ليس جهادا بل حرابة وإجرام".

وفصل هؤلاء العلماء رأيهم من خلال 24 محورا، هي: الاصول والتفسير، اللغة، الاستسهال، الاختلاف، فقه الواقع، قتل الأبرياء، قتل الرسل (السفراء)، الجهاد، التكفير، أهل الكتاب، الرق، الإكراه، النساء، الأطفال، الحدود، التعذيب، المُثلة، نسبة الجرائم الى الله تعالى تحت عنوان التواضع، تدمير قبور الأنبياء والصحابة ومقاماتهم، الخروج على الحاكم، الخلافة، الانتماء الى الأوطان، وأخيرا الهجرة.

وشدد هؤلاء العلماء في محور التفسير على "ان جميع ما جاء في القرآن حق، وكل ما في الحديث الصحيح وحي، فلا يجوز ان يترك البعض، وبالتالي يجب التوفيق بين النصوص قدر المستطاع او ان يكون هناك سبب واضح لترجيح امر على امر".

وأضافوا ان "من اهم أركان الاصول فهم اللغة العربية، وهذا يعني فهم علوم اللغة والقواعد والنحو والصرف والبلاغة والشعر وأصل الكلمات والتفسير، وبدون هذه العلوم فإن الخطأ محتمل، بل مؤكد"، مشيرين الى ان إعلان ما سميتموه (الخلافة) كان بعنوان (هذا وعد الله) وقصد صاحب الإعلان "بوعد الله" الآية الكريمة "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأؤلئك هم الفاسقون".

وفي تفنيدهم لهذا الرأي قالوا انه "لا يجوز ان تُحمل آية من آيات القرآن الكريم بشكل خاص على حدث حصل بعد 1400 عام من نزول القرآن، فكيف يقول ابو محمد العدناني بأن وعد الله هو الخلافة المزعومة، فعلى صحة زعمه كان عليه أن يقول (هذا من وعد الله)".

واستشهدوا على خطأ الفكر الداعشي في هذه المسألة بقوله تعالى "عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون"، موضحين ان الاستخلاف يعني "انهم حلوا في الارض بدل قوم آخرين ولم يعن أنهم حكام على نظام معين سياسي".

وبينوا انه لا يجوز ان يؤخذ مقتطف من القرآن بدون فهمه في سياقه الكامل خاصة في مسألة الجهاد، ولذلك كانت قلة قليلة فقط من الصحابة مؤهلة للإفتاء، لقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، مشيرين الى انه "حينما يوجد اختلاف في الرأي فينبغي الأخذ بالأرحم ولا يشدد، ولا يظن ان الشدة هي معيار التقوى لقوله تعالى "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم".

ولفتوا الى ان "معظم الناس الذين اسلموا عبر التاريخ اسلموا بالدعوة الحسنة مصداقا لقوله تعالى "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن"، مشيرين الى ان هناك دولا كبيرة اسلمت بدون فتوحات نتيجة الدعوة مثل اندونيسيا وماليزيا وافريقيا الغربية والشرقية.

واكدوا ان كلمة الجهاد مصطلح اسلامي لا يصح ان يستعمل ضد اي مسلم، وهذا اصل وأساس، مشيرين الى ان الجهاد مشروط بإذن الوالدين.

وقالوا ان الجهاد في الاسلام نوعان: الجهاد الاكبر وهو جهاد النفس، والجهاد الاصغر وهو الجهاد ضد العدو، لافتين الى انه ربما يأتي وضع معين على المسلمين لا يُستلزم فيه قتال ولا يجب فيه جهاد، وبالتالي فإن الجهاد بدون سبب مشروع وغاية مشروعة ومن غير اسلوب مشروع ومن دون نية مشروعة ليس جهادا بل حرابة وإجرام.

واشاروا الى شدة حرمة قتل النفس بصفته من اكبر الموبقات لقوله تعالى "من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا".

وأما في مسألة التكفير فقد اجمع هؤلاء العلماء على ان "الأصل في الاسلام ان من قال لا إله الا الله محمد رسول الله لا يجوز تكفيره"، لافتين الى ان التكفير من اخطر المسائل لأن فيه استحلالا لدماء المسلمين وحياتهم وانتهاكا لحرمتهم واموالهم وحقوقهم لقوله تعالى "ومن يقتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".

___________

الاثنين، 4 أغسطس 2014

تفكّك «الجبهة الإسلامية» في سوريا: الإعلان عن تحالف جديد من 18 فصيلاً

    أغسطس 04, 2014   No comments
عبد الله سليمان علي  
يدخل المشهد «الجهادي» في سوريا مرحلة جديدة من الفرز وإعادة الهيكلة. وإذا كان عنوان المرحلة السابقة هو الطلاق بين «جبهة النصرة» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فعنوان هذه المرحلة سيكون طلاقا آخر بين «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، ليصل بذلك التحالف الذي حمل اسم «الجبهة الإسلامية» إلى نهايته بعد فقدانه الغطاء الإقليمي لاستمراره.
ويسير «جيش الإسلام»، بقيادة زهران علوش، بخطى حثيثة على طريق إكمال إجراءات الطلاق مع «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي اضطر إلى الاقتران بها تحت مظلة «الجبهة الإسلامية»، التي كانت في حينها مطلباً سعودياً، أرادت الرياض من خلاله مواجهة مسار مؤتمر جنيف ومنع اتخاذه منصةً لإعلان الحرب على الإرهاب كما كانت تريد كل من دمشق وروسيا.

http://www.google.com/reviews/polls/display/7754288029976286359/blogger_template/vote?lnkclr=%2355850d&hideq=true&font=normal+normal+13px+Arial,+Tahoma,+Helvetica,+FreeSans,+sans-serif&txtclr=%23333&chrtclr=%2355850dفي ذلك الوقت، أي قبل مؤتمر جنيف، كانت أهم الفصائل المسلحة ـ باستثناء «داعش» و«النصرة» ـ تندرج في إطار جبهتين اثنتين هما «جبهة تحرير سوريا الإسلامية»، التي كان ينتمي إليها «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام»، و«الجبهة الإسلامية السورية» التي كانت تهيمن عليها «حركة أحرار الشام» وتضم «لواء الحق». ويبدو أن الأمور تسير باتجاه استعادة ذلك الواقع، مع تغييرات تفرضها التطورات الميدانية والتحديات العسكرية المركبة التي تعيشها الساحة السورية.
فلم تمض 24 ساعة على إعلان الاندماج الكامل بين «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» حتى تبين أن خطوة الاندماج هذه لم تكن سوى تمهيد لخطوة أشمل، من شأنها توسيع الفجوة بين مكونات «الجبهة الإسلامية» والسير بها على طريق «المفاصلة الثانية» بعد المفاصلة الأولى بين «داعش» و«القاعدة». وتمثلت هذه الخطوة بالإعلان يوم أمس عن ولادة تحالف عسكري جديد ضمّ 18 فصيلاً من أكبر الفصائل الموجودة على الأرض.
والأمر المهم في هذا التحالف الجديد أنه لا يخفي سعيه إلى أن يكون الواجهة الجديدة للنشاط العسكري الموحد في سوريا، وبالتالي الاستيلاء على مسمى «الثورة السورية» والعمل باسمها، رغم أن فصائل كبيرة أخرى غير ممثلة فيه، مثل «أحرار الشام» و«جبهة النصرة».
ونص البند الأول من اتفاق هذه الفصائل على «تشكيل مجلس قيادة الثورة السورية، ليكون الجسم الموحد للثورة السورية». وحدد الاتفاق مهلة 45 يوماً يتم خلالها اختيار قائد للمجلس، وتشكيل المكاتب التابعة له، وخصوصاً المكتب العسكري والقضائي. وسيتوزع تشكيل المجلس الجديد، بحسب الجبهات التي كان يتوزع عليها تشكيل «هيئة أركان الجيش الحر» وهي الجبهة الشمالية، والشرقية والجنوبية، والغربية، والوسطى، بحيث يكون لكل جبهة من هذه الجبهات فرع يقودها، مؤلف من ممثلين عن جميع الفصائل المشاركة في تشكيل «مجلس القيادة».
وأهم الفصائل الموقعة على الاتفاق، هي «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» و«جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» و«جيش المجاهدين» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» و«فيلق الشام» و«لواء الحق» و«هيئة دروع الثورة» وفصائل أخرى غيرها. وإذا كان غياب اسم «جبهة النصرة» عن الاتفاق يبدو طبيعياً، لأنها لم تدخل رسمياً من قبل في أي تحالف عام بين الفصائل، فإن غياب اسم كل من «أحرار الشام» و«لواء التوحيد» يطرح تساؤلات عديدة حول مصير «الجبهة الإسلامية»، اللذين يعتبران من مؤسسيها مع كل من «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» و«لواء الحق».
ورغم أن الاتفاق ترك الباب مفتوحاً لانضمام فصائل أخرى إليه، مشيراً بذلك على نحو خاص إلى «أحرار الشام»، إلا أنه من المستبعد أن يحدث ذلك، من دون أن يكون مستحيلاً، لاسيما وأن «أحرار الشام» تعيش تحت ضغط هائل من الاستقطاب والتجاذب بين نهجها ذي الميول «القاعدية»، وبين مقتضيات الميدان وما تفرضه من تحالفات تخالف نهجها، وما يتفرع عن ذلك أحياناً من حالات صراع داخلية بين قيادة الحركة وبين قاعدتها العسكرية.
وقد سبق لـ«أحرار الشام» أن رضخت للضغوط، ووافقت على بعض المواثيق والاتفاقات التي كانت ترفضها من قبل، ومثال ذلك التوقيع على «ميثاق الشرف الثوري» الذي أحدث جدلاً واسعاً، وأثار اتهامات متبادلة مع كل من «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية»، بسبب تلميحه إلى موضوع استبعاد «المهاجرين» من خلال تأكيده على العنصر السوري في العمل الثوري. وأكد مصدر من داخل «أحرار الشام»، لـ«السفير»، أن قيادة الحركة رفضت «ميثاق الشرف الثوري» عندما عرض عليها أول مرة، لأنها اعتبرته يتضمن بنوداً تشكل انحرافاً عن ثوابتها ومخالفةً لمنهجها. لكن الحركة عادت ووافقت على الميثاق من دون أي تعديل، بسبب التطورات الميدانية التي فرضتها حرب الفصائل «الجهادية» ضد بعضها البعض.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن «حركة أحرار الشام» لا تنطلق في تحديد موقفها بناءً على التطورات الميدانية فحسب، بل إن عامل التمويل يلعب دوراً كبيراً في تحديد الكثير من مواقفها، لاسيما بعد أن خسرت القسم الأكبر من مواردها المالية، التي كانت تدرها عليها آبار النفط في المنطقة الشرقية أو بعض المعابر الحدودية التي كانت تحتكر إدارتها قبل فقدانها السيطرة عليها، مثل معبر تل أبيض في ريف الرقة. لذلك تجد الحركة نفسها أسيرةً نوعاً ما لمصدر التمويل، المتمثل بتبرعات رجال الأعمال الخليجيين، والذين يسيرون في فلك أجهزة استخبارات بلادهم، وعلى رأسهم السعوديون والكويتيون.
وبذلك يكون زهران علوش قد نجح في حشر «أحرار الشام» في زاوية ضيقة لا تملك فيها الكثير من الخيارات. فإما أن تسير معه في تحالفه الجديد، متخليةً بذلك عن منهجها وثوابتها وما قد يترتب عنه من تزايد حالات الانشقاق عنها، وإما أن ترفض الانضمام إليه مخاطرةً بفقدان جزء آخر من مصادر تمويلها، الأمر الذي سيضعف من فاعليتها على الأرض ويضعها أمام تحديات جديدة.
في كافة الأحوال، وأياً كان قرار «أحرار الشام»، فإن هذه التطورات تعني أن «الجبهة الإسلامية» قد وصلت إلى نقطة النهاية بعد ثمانية أشهر فقط من تأسيسها، وأن الطلاق بين مكوناتها قد يصبغ المرحلة المقبلة بألوان جديدة من الصراعات والمعارك.

السبت، 28 يونيو 2014

مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة || البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني ... ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟

    يونيو 28, 2014   No comments
مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة
جان عزيز

مع انتفاضة «داعش» العنفية الدموية من شمال غرب العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى قلب لبنان، تحركت الماكينة البروباغاندية السعودية لمعالجة الأضرار الجانبية التي يمكن للتنظيم التكفيري الإرهابي أن يكون قد ألحقها بصورة الدولة العائلية. خطة شاملة وممنهجة وضعت في الرياض، طالبة من ممثلياتها الدبلوماسية في العواصم المعنية، التحرك بسرعة وفاعلية.

الأهداف المعلنة هي إدانة ارتكابات «داعش» أولاً، تأكيد رفض مملكة العائلة السعودية لها ثانياً، العمل ثالثاً بكل الوسائل المتاحة على «تبييض» صورة العائلة ونظامها أياً كان الثمن. مع رصد إمكانات هائلة وضعت بتصرف حملة العلاقات العامة تلك، للتعاون مع صحافيين ووسائل إعلام وأقلام وصفحات ومواقع، وألسن وسياسيين وصانعي رأي عام... دفاعاً عن دولة العائلة.

وفي هذا السياق تشدد الحملة السعودية المضادة، على عدد من العناوين التسويقية لمعركتها الصعبة، خصوصاً في بيروت، وبالأخص بعد انكشاف التابعيات السعودية لعدد من المشتبه بارتكابهم الجرائم الداعشية الإرهابية. عنوان أول عام، هو أن مملكة العائلة تمثل إسلام الاعتدال في مواجهة إسلام الضلال الإرهابي. ثانياً، أن نظام العائلة نفسها كان قد صنف «داعش» تنظيماً إرهابياً منذ آذار الماضي. إضافة إلى سواها من التنظيمات، مثل «جبهة النصرة» و«الإخوان المسلمون» و«حزب الله السعودي» وغيرها. ثالث عناوين بروباغاندا العائلة السعودية، أنه من المرجح أن تكون خلايا الإرهاب الداعشي في بيروت تخطط لاستهداف مصالح العائلة السعودية نفسها، وعلى خلفية هذا التصنيف الإرهابي بالذات. مع تفصيل بليد مكمل لهذا العنوان، يحاول الإيحاء بأن «داعش» وأخواتها باتت متضررة جداً من قرار نظام العائلة المذكور. ذلك أنه حظر على أي سعودي تقديم أي دعم مالي لتلك الحركات. علماً أن هذه الحجة السمجة، تعتبر إدانة للعائلة أكثر مما هي إنجاز لسياساتها في مكافحة الإرهاب. وفي السياق نفسه، يأتي العنوان الأخير الذي تسعى الحملة الدعائية إلى تسويقه، وهو أن أي تحقيق لم يظهر مرة واحدة، منذ بدء الموجات التكفيرية والإرهابية، بأن أياً منها قد نال أي دعم مالي رسمي من العائلة السعودية كنظام دولة. مع ما يعني ذلك من إقرار بقنوات تمويل أخرى، ظلت تعتبر فردية وشخصية ومبادرات تلقائية لا علاقة لدولة العائلة بها.
اللافت في هذه الحملة، أنها تخاطب العقل الغربي، وخصوصاً الأميركي منه، في سطحيته وفي أحادية فكره السياسي. كأنما الفكر التكفيري والإرهابي هو مجرد عبوة، أو عبارة عن مادة «سي 4» وصاعق لا غير. وبالتالي كأنما الإرهاب التكفيري هو مختزل ومقتصر على حفنة البترو ـــ دولار التي اشترت المادة المتفجرة، أو دفعت ثمن الصاعق، أو أمنت بدل أتعاب الأصولي المفجر أو المتفجر. ولذلك نرى الأبحاث الغربية عموماً والأميركية تحديداً، تركز على الجانب التمويلي للإرهاب التكفيري لا غير. منذ 11 أيلول وإجراءات «باتريوت آكت»، وصولاً إلى كل تحقيقات وزارة الخزانة الأميركية، انتهاء بدراسات مراكز الأبحاث. فيما الحقيقة المركزية في مكان آخر.
 
وهي أن الإرهاب لا يبدأ في الذراع التي فجرت. بل في العقل الذي كفّر. وفي هذه النقطة الجوهرية بالذات تظهر المسؤولية الجرمية والجنائية، المعنوية والمادية الكاملة لنظام العائلة السعودية. من مصر إلى لبنان تتضح تلك الكارثة التي خلفتها ذهنية تلك المملكة وسلوكيتها. مصر ولبنان بالذات، لأنهما أبرز نموذجين لحداثة العالم العربي وحضارته وانفتاحه وثقافته وصحافته وتلاقحه مع العالم ومع العصر ومع رفاه الإنسان وحقوقه. فالقاهرة كانت ولا تزال وستظل رائدة العالم العربي وقاطرة فكره وسياسته وثقافته. ومن يشاهد فيلماً سينمائياً لمصر الخمسينات، يسأل نفسه أي كارثة حلت بهذا البلد في غضون نصف قرن، على صعيد حضارته وثقافته وفنونه وكل أنشطة العقل والحياة فيه. يروي الشاهد على كل حياة مصر، علاء الأسواني، أن تلك الكارثة بدأت بعد العام 1973. بعد الحرب وأزمة النفط واضطرار القاهرة إلى أموال الرياض، وسط بهلوانيات السادات ومنهجية النظام السعودي في اختراق الأفكار والعقول. دخل المال السعودي إلى مصر، ودخل معه العقل الوهابي إلى إسلام مصر. وبدأ الانهيار. بعدها جاءت الطامة الكبرى طبعاً، مع تنافس قطر والسعودية على سرعة العودة إلى الخلف وعلى تسارع التخلف. فصارت الكوارث العربية تتوالى بسرعة انقطاع الضوء.
في لبنان، العنوان نفسه، والانهيار نفسه. يروي الكاتب محمد أبي سمرا، في كتابه البحثي الموثق، «طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة»، كيف أن النواة الأولى للأصولية هناك بدأت بدعم سعودي وتمويل سعودي وإيعاز ونموذج سعوديين. من جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الوهابية السعودية، إلى «نواة الجيش الإسلامي» في لبنان، أول تسمية مذهبية عنفية دخلت تركيبة الشخصية اللبنانية، مثل فيروس معلوماتي لم يلبث أن شاع وشلع وشنع... حتى أن وزيراً طرابلسياً يروي طرفة أن أحد المتنورين الطرابلسيين ترشح قبل أعوام لانتخابات بلدية طرابلس. فجعل لبرنامجه الانتخابي عنواناً وحيداً: «أعدكم العمل على إعادة طرابلس نصف قرن إلى الوراء»!
مسؤولية نظام العائلة السعودية؟ ليست في التمويل ولا في جنسيات الإرهابيين ولا في إلغاء سمات الدخول ولا في الصراع المذهبي مع الشيعة ولا في التنافس الجيو استراتيجي مع إيران. مسؤولية نظام تلك العائلة هي أولاً وأخيراً في الفكر. هي في أن تكون دولة في الألفية الثالثة باسم عائلة، وأن يكون شعب رعية بلا هوية، وأن يكون الآخر ملغى، والعقل ملغى، والفن ملغى، والرب ملغى، والمرأة ملغاة... في الفكر والواقع، بالقوة وبالفعل. هنا تكمن الكارثة السعودية، التي لا بروباغاندا تنفع معها ولا دعاية تشفع في تسويقها.

______________
البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني 
محمد بلوط

أبو بكر البغدادي قريبا في عقر دار شقيقه اللدود أبو محمد الجولاني. فخلال الساعات الماضية وصلت طلائع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» إلى شمال الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، معقل «أمير جبهة النصرة».
والشحيل ليست معقل الجولاني وحصنه الأخير فحسب، بل هي مسقط رأسه أيضا، وهو ما يجعل المعركة من اجلها بين الجولاني والبغدادي، أمّ المعارك بين أخوة «الجهاد»، إذ لم يعد كافيا وحده، تفسير المذابح الواسعة التي يرتكبها بحق مقاتلي «النصرة» و«مجلس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية» ـ «مشمش»، بحاجة «داعش» إلى دير الزور ممرا بين جناحيها الشامي والانباري.
وبات مؤكدا أن معركة الشحيل ثأر شخصي للبغدادي مع الرجل الذي شد على يده ثلاثا خلال ثلاثة أعوام، لينقض ثلاثا «بيعته» على الولاء والطاعة. والأرجح ألا يسري إبهام الألغاز وضباب الألقاب التي يتخفى خلفها الرجلان إلا على الآخرين. أما أبو بكر البغدادي فليس سوى أبو دعاء، أو إبراهيم عواد السامرائي. أما أبو محمد الجولاني، فلا يناله من الجولان شيء، لأن كنيته الحقيقية قد تكون أسامة الحداوي «الشحيلي»، وهو ما يعرفه البغدادي.
فقبل أن يتفرغ الجولاني لبناء «أسطورته» خلال الحرب السورية، لم يكن سوى أسامة الحداوي، الطالب في كلية الطب الدمشقية حتى العام 2005، فيما كان شقيقه البكر سامر، ينال من علوم التجارة والاقتصاد في كلية مجاورة، على ما يقوله معارضون سوريون يتابعون مسارات «النصرة». والأرجح أن طريد «داعش»، وحبيس الشحيل، رجل لم يتجاوز الثلاثين من العمر بعد.
لم يتقمص طالب الطب الدمشقي في لثام الجولاني بالصدفة، فـ«الجهادية» السلفية مذهب أكثر مسقط رأسه الشحيل. فقبل أن يسقط الطب الدمشقي من سلة الحداوي، كان أكثر من 20 رفيقا له على ضفة الفرات، قد «انتحروا» بأحزمتهم في «الجهاد» العراقي، في ظلال «بيعة» أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم «القاعدة».
وكانت الشحيل قد فزعت لحماه في الثمانينيات، فقاتل العشرات من أبنائها قرب نواعيرها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، والطليعة المقاتلة، قبل أن يتفرقوا في السجون، وفي المنافي لمن أسعفه الحظ منهم. وعاد منها عمار الحداوي شيخ السلفية ورئيس «الهيئة الشرعية» في دير الزور اليوم، ليجعل منها، مع آخرين، بؤرة «جهادية»، بعد نفي دام نيفا وعقدين في العراق المجاور.
وخلال الحرب الأميركية على العراق اختارت المدينة، برضى دمشق، أن تكون ساحة تجمع لـ«الجهاديين» في دير الزور، قبل العبور إلى العراق. ومنها دخل مئات المقاتلين إلى معارك الانبار وتدفقت عبرها الأسلحة والعبوات والأحزمة الناسفة لقتال المحتل الأميركي أولا و«الصحوات» ثانيا. والحال، أن المدينة، التي تعد 30 ألف نسمة، وآلاف «الجهاديين» لم تشهد هدنة، ولا استراحة «مجاهد» في الأعوام التي سبقت اندلاع الحرب السورية. وعندما قامت «الثورة» المنتظرة في تخوم الشام، لم يفعل جهاديوها سوى إدارة بنادقهم نحو الداخل السوري، أسوة بأسامة الحداوي (أبو محمد الجولاني).
ولما بسط له أبو بكر البغدادي يد المبايعة في الأنبار في أيار العام 2011، للإتصال بخلايا الشام «القاعدية» النائمة، وإنشاء فرع شامي «للدولة» في أيار العام 2011، تحت مسمى «جبهة النصرة»، كان الحداوي قد أمضى ستة أعوام في معارك العراق. ويرجح معارضون سوريون أن يكون سامر، شقيقه البكر، الذي قاده نحو العراق قد استشهد قبل ذلك.
ووضع أبو مسلم التركماني، شيخ «الدولة» يده في البيعة، مزكيا لدى البغدادي «مجاهده» السوري الشاب، الذي بايع البغدادي على «جبهة نصرة» مؤقتة، تكون رهن إشارته، يعود بها إلى حضن «الدولة» الأم، عندما تحين الساعة. وكان أبو مسلم قد زكاه في العام 2009، للمرة الأولى، عندما دفع البغدادي لتعيينه «شيخا شرعيا لولاية نينوى»، رغم صغر سنه.
وراوغ الجولاني كثيرا قبل أن ينشق نهائيا عن البغدادي. وأرسل إلى «أميره» نهاية العام الماضي رسائل عدة تعد بحل «النصرة»، قبل أن يقرر أخيرا أن «حل النصرة لن يجعل أهل الشام ينضمون إلى الدولة».
وكان رئيس استخبارات «الدولة» أبو علي الانباري، وهو ضابط استخبارات بعثي عراقي سابق، قد أرسل تقارير كثيرة، ينصح فيها سيده بتصفيته. وكانت الشكوك قد ثارت عندما بدأ الجولاني بتعقب المقربين من البغدادي، كابي عمر القحطاني، وسجنهم. وعندما طلب أبو ماريا القحطاني إجازة من «الجهاد» لنقل زوجته إلى مستشفى في سوريا، أيقن البغدادي أن الجولاني لن ينصاع لطلبه، إذ اكتشفت استخباراته أن المتحدث باسم الجولاني، قد حمل معه إلى سوريا أموالا كثيرة تعود إلى «الدولة الإسلامية».
لم ينتظر البغدادي معركة الشحيل للتخلص من الجولاني، فعندما فشل في نيسان الماضي في إقناعه بالالتحاق بـ«الدولة»، أشار عليه رئيس «المجلس العسكري لـ«داعش» العقيد السابق في الجيش العراقي حجي بكر، ببدء عمليات اغتيال، واستجلاب فتاوى من مشايخ في السعودية، نجحت بقتل بعض المقربين من الجولاني، والاستيلاء على بعض مخازن الأسلحة، وشق «النصرة» نصفين.
ونجا الجولاني نفسه من القتل في الاجتماع، بعد أن تدخل أبو علي الانباري، ومنع أبو أيمن العراقي من قتله. وانضم إلى «داعش» المئات من «الجهاديين» القوقازيين والعرب. وفي الريف الشرقي لدير الزور، معقل «النصرة»، استجاب عامر الرفدان، عامل مصلحة المياه السورية السابق، لنداء البغدادي، وانشق عن الجولاني، ليصبح «والي ولاية الخير» (دير الزور) في «الدولة»، والمشرف على استغلال نفط المنطقة.
ويبدو أن البغدادي نفسه يشرف على المعركة الأخيرة في الشحيل، فليس حكم ناقض البيعة في عرف «الدولة» و«النصرة» سوى الذبح. وكلما اقتربت المعارك من الشحيل، شحذت السكاكين وسنت السيوف. فخلال اليومين الماضيين، ذبح «داعش» أربعة من المجلس العسكري في مدينة الموحسن رفضوا مبايعته، أما «النصرة» فردت بذبح من بايع منهم، فقطعت رؤوس قائد «لواء الصاعقة» أبو راشد، و«قائد المجلس العسكري» العقيد أبو هارون، وأبو عبد الله شلاش.
ويبدو البغدادي قريبا جدا من الإمساك بخصمه، وإنهاء «النصرة»، إذ لم يتبق للجبهة في دير الزور، معقلها الأساسي، أكثر من جيوب محاصرة، حيث يحاصر «داعش» أحياء دير الزور ومقاتلي المعارضة فيها، فيما يواجه هؤلاء الجيش السوري.
ومع تساقط قرى الريف الغربي، واختراق البوكمال، ومعظم الريف الشرقي، لم تعد «النصرة» تملك أكثر من نصف القورية، وجزء من الميادين. وكان «داعش» وجه انذارا ينتهي عصر اليوم يخير فيه «النصرة» وحلفاءها من ألوية «القادسية» و«عمر المختار» و«الله اكبر» بين التوبة او الموت. ويجنح وجهاء الميادين لتسليمها من دون قتال. واستطاع قائد «داعش» العسكري عمر الشيشاني إقناع «أميري النصرة» في البوكمال فراس السلمان وأبو يوسف المصري بخيانة الجولاني وتسليم المدينة وكتائبها من دون قتال.
وسلم «داعش» ولاية بادية حمص، التي تضم جزءا من دير الزور، إلى أبي أيمن العراقي، احد ألد أعداء الجولاني في «الدولة الإسلامية»، وأكثرهم دموية وعنفا، إمعانا في الحصار، والتهديد بأن معركة الشحيل ستكون معركة حياة أو موت لـ«النصرة» والجولاني.

_____________

ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟  

رضوان مرتضى

راية «العُقاب» ترفرف. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تحوّلت إلى «خلافة إسلامية على كل الأرض». ١٤ شهراً استلزمت أبو بكر البغدادي كي يُنصّب نفسه حاكماً بأمر الله. لم يعد أميراً للمؤمنين فحسب، بل بات الخليفة. خلَف النبي محمد، بخطاب أعلن عنه في بداية شهر رمضان عام ١٤٣٥ هجري، سُجّل الحدث التاريخي. أصحاب الرايات السود يريدون تسليم راية دولتهم لعيسى بن مريم

لم يتأخّر «أبو بكر البغدادي» في إعلان خلافته. لم يكتف الشيخ العراقي بلقب «أمير المؤمنين» على «الدولة الإسلامية في العراق والشام». لم يستطع الانتظار أكثر من أربعة عشر شهراً حتى زفّ المتحدث باسم دولته «أبو محمد العدناني» خبر إعلان «الخلافة الإسلامية». أعلن الرجل عن «تحقّق حُلُم الجهاديين». ومعه تحقّق، ربما، حُلُم البغدادي الذي أصبح «خليفة المسلمين»، الحاكم بأمر الله على كل الأرض. ولأول مرة، أُعيد إعلان «الخلافة» منذ سقوطها على يد أتاتورك قبل نحو تسعين عاماً. هكذا كسر بضعة آلاف من جنود «الدولة» حدود «سايكس ــــ بيكو». أُلغيت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتُستبدل بـ«الدولة الإسلامية» في كل الأرض. وبعدما كانت «راية الدولة خفّاقة تضرب بظلالها من حلب إلى ديالى»، أصبحت خلافة عامة لا حدود لها. سلطتها مطلقة على كل بلاد المسلمين.

وباتت مبايعة الخليفة واجباً على كل مسلم. ومن لا يبايع يُعتبر مارقاً. من يتخلّف أو يرفض، يُحارب ويُضرب عنُقه. وهذا ما جاء صريحاً واضحاً بتهديد العدناني للمتخلّف عن البيعة بقوله: «إياكم وشقّ الصف. ومن أراد شق الصف، فافلقوا رأسه بالرصاص وأخرجوا ما فيه ولا كرامة لأحد».

فماذا تعني «الخلافة الإسلامية»؟ يجيب أحد المشايخ السلفيين أنها تعني أن «الحدود والسدود بين البلاد الإسلامية لاغية. وأن النظام الاقتصادي سيكون واحداً وستكون عملة واحدة تحمل شعار الإسلام ولديها جيش يدافع عنها». ويضيف: «وتعني أيضاً عدم التبعية لأي دولة، وتستوجب إنشاء مراكز وجامعات ومعامل تمهيداً لجعل المسلمين قوة عظمى في شتى المجالات». وفي الحالة الراهنة، قررت «الدولة»، ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، بعدما باتت تمتلك كل المقومات، إعلان قيام «الخلافة الإسلامية» وتنصيب «خليفة» للمسلمين. والمقوّمات بالنسبة إليها، هي المقومات نفسها التي كان يمتلكها الخلفاء منذ نحو ١٤٠٠ عام. وبحسب المشايخ السلفيين، المقومات تفرض أن يكون الخليفة حاكماً على أرض بكل معنى الكلمة، وليس بحكومة مؤقتة. ويرى هؤلاء أن «الدولة» انطلقت من سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة واعتبارها أن امتلاك المال والجيش والشعب، يخوّلها إقامة الخلافة، من دون أن تأخذ في الاعتبار أن كل زمن له مفهوم لمقومات الدولة. وقد حدد العدناني ذلك بفك الأسرى وتعيين الولاة والقضاة وجباية الضرائب ونشر التعليم الديني.

وهنا يؤخذ عليها إعلان الخلافة من دون حيازة «إجماع علماء الأمة». فهل فعلاً وافق أهل الحل والعقد أي العلماء والوجهاء على إقامتها؟ من هم هؤلاء؟ وإذا كان البغدادي خليفة على كل بلاد المسلمين، فهل تكفيه مبايعة علماء العراق والشام له، رغم انها لم تحصل؟ بالتأكيد إعلان قيام «الخلافة»، هي إحراج لجميع الفصائل الإسلامية المقاتلة. وقد خاطبت «الدولة» جنود الفصائل والتنظيمات قائلاً: «بطُلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم أن يبيت من دون أن يُبايع». ثم أضاف: «لا يؤخر النصر إلا مثل وجود هذه التنظيمات لأنها سبب للفرقة».

يتساءل أحد أنصار «جبهة النصرة» عن معنى إعلان «الخلافة». ثم يجيب نفسه قائلاً: ذلك يعني أن «حركة طالبان» و«تنظيم القاعدة» بكل فروعه وكل الحركات المجاهدة على مختلف الجبهات آثمة وقتالها وقتلها واجب إن لم تُبايع خليفة المسلمين البغدادي. بدوره، يروي أحد أفراد «كتائب عبدالله عزام» لـ«الأخبار»: «لا مصلحة في إعلان الخلافة في هذه الظروف بل يترتب عليها مفسدة توجب بطلانها». ويرى الشاب اللبناني المطلوب بمذكرات توقيف «لانتمائه إلى تنظيم إرهابي» أن «قيامها في هذا التوقيت تدمير لما بناه مجاهدو الإسلام في كل مكان»، كاشفاً أن «الإعلان يعني أن كل من لا يبايعهم سيُحكم عليه بالردة والقتل». وردّاً على سؤال إن كان سيُلبي الدعوة لبيعة الخليفة، قال: «لا أشق الصف، لكن بالتأكيد لا أبايع. ليُضرب عنقي ألف مرة أهون علي من أن أبايع، لأني لا أرضى بشريعة تستبيح دماء ألوف مؤلفة من المسلمين بغير وجه حق». وفي السياق نفسه، يرى أحد القياديين في «جبهة النصرة» أن «البغدادي حكم على الشيخ الجولاني بأنه مرتد لمجرّد تركه بيعة أمير الإمارة عندما كانت البيعة سنّة وليست فريضة»، كاشفاً أنهم بـ«إعلان الخلافة يفرضون على جميع تنظيمات العالم الإسلامي أن تكون مع «الدولة» في كل شيء، ومنها قتال «الجبهة» أو ستُعتبر متخلّفة مرتكبة لفعل الردّة يجب قتالها من قبل جنود الدولة نفسها». شيخ سلفي ثالث يعتبر أن «إعلان الخلافة قمة الغباء، إذ لا تمتلك «الدولة» مقومات دولة حقيقية. هل القوة العسكرية تقيم الدولة؟ أين خبراء الاقتصاد والتربية؟ بنظري هذا انتحار سيعجّل في انهيارها». ويسأل آخر: «فهمنا أن الأموال تتحصّل من بيع النفط، لكن إذا حوصرت وضُربت ماذا سيحصل. أين هذه الخلافة التي لا يعرف أحدٌ رأسها؟».

هكذا، وبعدما باتت «الخلافة الإسلامية» أمراً واقعاً، يقول جهاديون لـ«الأخبار» إن قبلة الأنظار ستكون مكة. كذلك الأمر هي مدينة رسول الله. وبالتالي، سيعين الخليفة مندوباً في كل ولاية. ومن يدري؟ قد يكون لـ(ولاية) لبنان أمير (مستقبلاً، لأن ما نُشِر أمس عن تعيين رجل يدعى عبد السلام الأردني اميراً لداعش على لبنان، غير صحيح، بحسب مصادر أمنية). وقد يكون الجواب في جعبة «حزب التحرير»، الحزب الإسلامي الذي يدعو منذ سنوات لإقامة الخلافة.

 


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.