‏إظهار الرسائل ذات التسميات التغيير العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التغيير العربي. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 12 مارس 2023

الاردن : "دعوات “نخبوية” لـ”مراجعة سريعة” وإرسال “سفير إلى إيران

    مارس 12, 2023   No comments

دعا كاتب صحفي بارز في الأردن إلى وقف قضية مجاملة الأحزاب لصالح الأطراف الأخرى وإعطاء الأولوية للغة المصالح التي أصبحت أساس التحالفات والصداقات والعلاقات بين الدول فيما بينها اليوم ، مبينا أن استئناف  العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية خلطت كل الأوراق في المنطقة وقد تكون مختلطة في العالم.

الكاتب محمد حسن التل تحدث في مقال جريء عن ضرورة وقف سياسة الدبلوماسية الأردنية في إطار المجاملات على حساب المصالح الخاصة والوطنية.


وقال في مقال نشره على موقعه على الإنترنت وصحيفة عمون ، إن عمان سحبت في وقت سابق سفيرها من طهران لاسترضاء الرياض بعد حادثة معروفة. اعتبر محمد التل ذلك في مقاله شكلاً من أشكال المجاملة لصالح المملكة العربية السعودية.


وقال إن الوضع السياسي اليوم يفترض أن الدبلوماسية الأردنية ووزارة الخارجية ستراجعان سياسات التهدئة والمجاملة في العلاقات الدولية ، ملمحا إلى أن الدبلوماسية الأردنية في الماضي كان لها وزن كبير في تقريب وجهات النظر.


وبدا واضحا أن الإعلان المفاجئ عن استئناف العلاقات في حضن دولة كبرى في العالم مثل الصين بين طهران والرياض كان بمثابة صدمة لكثير من النخب السياسية والإعلامية الأردنية ، لا سيما في ظل الاقتناع بأن الأردن مستمر في ذلك. نثني على السعودية على حساب مصلحتها عندما تعلق الأمر بسحب سفيرها قبل سبع سنوات احتجاجًا على حرق القنصلية السعودية في جنوب إيران.


على أي حال ، لم يكن مقال التل هو الوحيد. وتحدثت عن مراجعة ضرورية أصبحت الآن أداء الدبلوماسية الأردنية ، وزير الثقافة والشباب الأسبق ، والكاتب والباحث البارز الدكتور محمد أبو رمان.


وفقًا لمعظم التقديرات ، صدرت دعوات في البرلمان الأردني بعد فترة وجيزة من الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران لإعادة النظر في الصيغة الدبلوماسية التي عادة ما يتبعها الأردن أو وزارة الخارجية الأردنية في صياغة العلاقات والتحالفات.



والأرجح أن الاتفاق الإيراني السعودي الذي لم تعرف وزارة الخارجية الأردنية شيئاً محدداً عنه ، بل فوجئت به الحكومة الأردنية. الصيغة والمعادلة التي تقوم على أساسها العلاقات بين الأردن وباقي الدول.


   ظهرت مؤخرا الكثير من الاعتبارات النقدية الحادة في وسائل الإعلام الأردنية لأداء وزارة الخارجية ووزيرها أيمن الصفدي ، خاصة بعد ما يسمى بالقمة الأمنية في العقبة.


الأمر الذي فشل من جهة ، وكبار الكتاب المقربين جدا من السلطات ظهروا في إطار هذه الدعوة للمراجعة والنقد. تحدث مقال بارز للكاتب والمؤرخ السياسي المعروف أحمد سلامة بشكل حصري عما أسماه مغامرة أيمن الصفدي في قمة العقبة.


على أية حال ، فإن تسارع الأحداث اليوم في المنطقة يشكل ضغطًا عنيفًا على الدبلوماسية الأردنية ، خاصة وأن المقاطعة مع إيران لم تكن عمليًا مبررة أو مفهومة. لأكثر من سبع سنوات كان الوزير الصفدي يصر خلف الكواليس على عدم تسمية سفير جديد بعد أن كان الوزير السابق الدكتور عبد الله أبو رمان. آخر سفير تم تعيينه للأردن لدى الجمهورية الإيرانية ، لكنه تم تعيينه لاحقًا في دولة آسيوية ولم يغادر لتولي مهامه في طهران.


مما يثير الدهشة في المملكة العربية السعودية ، أن وتيرتها أصبحت سريعة للغاية. بل إنها تفاجئ المؤسسات الأردنية من وقت لآخر. وما يدل على عدم التنسيق أو تبادل المعلومات هو أن العلاقات السياسية بين الأردن والسعودية عمليا في حالة باردة غير مفهومة منذ أكثر من عامين ، حيث لا توجد روابط عالية ولا دعم استثماري ولا تنسيق في الملفات. مرفوعة وأساسية.


كما بدا الشعور العام وكأن غياب العلاقات مع إيران والعلاقات السلبية مع السعودية من بين العناصر الأساسية التي تكشف ظهر الأردن وتؤكد خطأ حساباته الدبلوماسية.


بل إنه يضعفها ، كما جاء في قرارات وتوصيات ندوة مغلقة عقدت مؤخرًا في البحر الميت أمام الحكومة الإسرائيلية اليمينية ومخاطر التكيف معها ، رغم أن العلاقات بين الأردن والمنطقة تبدو متوازنة ، لكنهم مرتبكون مع العراق ، ومترددون مع النظام السوري ، وسيئون مع السعودية.


وتثير الجدل بحكم تحالفها مع دولة مثل الإمارات التي لديها مشاكل كثيرة مع قطر ، والتحديات هنا أمام الدبلوماسية الأردنية أصبحت كبيرة ، والأضواء حصرية على الوزير أيمن الصفدي ، وحالة البحث. تكثف نهجا جديدا في الدبلوماسية الأردنية بعد العلاقات الإيرانية السعودية.


أمير الكويت: الاتفاق بين السعودية وإيران خطوة مهمة نحو تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي وسيكون في مصلحة شعوب المنطقة


أكد أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ، اليوم الأحد ، أن الاتفاق بين السعودية وإيران يعد خطوة مهمة لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.


جاء ذلك في برقيتي تهنئة بعث بها أمير الكويت إلى كل من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ، أعرب فيها عن خالص التهاني على البيان الثلاثي المشترك الذي أصدرته المملكة العربية السعودية وإيران والصين بشأن الرياض و. توصل طهران إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وإعادة فتح سفاراتهم.


وأشاد الصباح بحرص البلدين وسعيهما المشترك الذي تجسد من خلال هذه الاتفاقية البناءة والمهمة والتي تعد خطوة مهمة نحو تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي والدولي ودفع التعاون بين البلدين في المنطقة. مصلحة كل شعوب ودول المنطقة.


الثلاثاء، 21 فبراير 2023

السعودية تراجع سياساتها تجاه سوريا: عزل دمشق لم يعُد ممكناً

    فبراير 21, 2023   No comments


 لمدة عشر سنوات ، قال الحكام السعوديون أن الأسد يجب أن يذهب بالحرب أو بالسلام. اليوم تقول السعودية إن عزل دمشق لم يعد ممكناً.

من عمان

عقد الأسد وبن طارق جلسة مباحثات رسمية في قصر البركة العامر بمسقط ، بحضور الوفدين الرسميين ، حيث جدد الأخير تعازيه للرئيس الأسد والشعب السوري في الضحايا. عن الزلزال المدمر ، مؤكدا استمرار دعم بلاده لسوريا لتجاوز آثار الزلزال وتداعيات الحرب والحصار المفروض على الشعب السوري.

من جانبه ، أعرب الأسد عن عميق شكره للسلطان والحكومة والشعب العماني الشقيق على تضامنهم ووقوفهم مع سوريا وعلى إرسال المساعدات الإغاثية ، مشيرا إلى أن أعظم الشكر هو وقوف عمان إلى جانب دمشق خلال الإرهاب. الحرب ضدها.



في خطوة تندرج ضمن مسار عربي «انفتاحي» على دمشق، تتصدّره معظم دول «مجلس التعاون الخليجي» وتُعارضه قطر، زار الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس، سلطنة عُمان، حيث التقى السلطان هيثم بن طارق في أجواء مشابهة لزيارة سابقة أجراها الأسد للإمارات، وتبعتْها خطوات «تطبيعية» من قِبل أبو ظبي. وبينما ترتبط سوريا وعُمان بعلاقات متينة، تأتي هذه الزيارة بعد أيام من إعلان الرياض انفتاحها على دمشق، من خلال حديث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، عن وجود إجماع خليجي وعربي على عدم القبول باستمرار الأوضاع في سوريا على ما هي عليه الآن، وتشديده على ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقات مع الحكومة السورية. الوزير السعودي، الذي رفض التعليق على الأنباء التي تحدّثت عن زيارة مرتقبة سيجريها إلى العاصمة السورية، قال خلال مشاركته في المؤتمر المذكور، السبت الماضي: «سترون أن إجماعاً يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن في سوريا غير قابل للاستمرار»، مشيراً إلى أنه «في ظلّ غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي، فإنه بدأ يتشكّل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين، وخاصة بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا (...) لذا، ينبغي أن يمرّ ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقلّ بتحقيق الأهداف الأكثر أهمّية، وخاصة في ما يتعلّق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين».

وبينما يشكّل الانفتاح السوري - السعودي أحد عوامل الاستقرار في المنطقة التي تعيش اضطرابات متعدّدة، سواء في الداخل السوري الذي ما زال يعاني من التمزق نتيجة وجود مناطق خارجة عن سيطرة دمشق (الشمال الشرقي الخاضع لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) بإشراف أميركي، والشمال الخاضع لسيطرة الفصائل المدعومة تركياً، والشمال الغربي الخاضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام» – «جبهة النصرة»)، أو حتى بالنسبة إلى دول الجوار، بما فيها لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية وفراغاً رئاسياً، يمكن النظر إلى الخطوة السعودية على أنها بداية مرحلة جديدة في تاريخ الحرب السورية المشتعلة منذ 12 عاماً، والتي أدّت خلالها المملكة دوراً بارزاً في دعْم المعارضة، وشكّلت في سنواتها الأولى منصّة عمل مباشر للفصائل الناشطة على الأرض، ممِدّةً الأخيرة بالمال والسلاح حينها، قبل أن تتراجع بشكل تدريجي عن هذا الدعم. ولا يعدّ التطبيع السوري – السعودي، إذا جرى كما هو مخطَّط له، حدثاً طارئاً أو مفاجئاً؛ إذ إن إرهاصاته تأتي بعد نحو أربع سنوات من عمل مستمرّ تصدّرتْه في البداية روسيا التي عملت على تدفئة الأجواء، وانضمّت إليها في وقت لاحق كلّ من الإمارات وسلطنة عمان اللتين تتمتّعان بعلاقات ممتازة مع سوريا، تُخوّلهما القيام بدور وسيط بين دمشق والرياض، وهو ما يجري الحديث عنه في الوقت الحالي.


ومنذ وقوع الزلزال، شهدت الساحة السياسية العربية انفتاحاً متزايداً على دمشق من دول كانت تتّخذ موقفاً متردّداً، أبرزها مصر التي بادر رئيسها، عبد الفتاح السيسي، إلى الاتّصال بنظيره السوري بُعيد وقوع الكارثة معزياً، في أوّل تواصل رسمي بين زعيمَي البلدين منذ اندلاع الحرب في سوريا. وتبع ذلك إرسال القاهرة مساعدات إغاثية وإنسانية، ما زالت مستمرّة إلى الآن. وعلى المنوال نفسه، بادر الملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى الاتّصال بالأسد وتعزيته بالضحايا، قبل أن يوفد وزير خارجيته، أيمن الصفدي، إلى دمشق، للقاء الأسد ووزير الخارجية السوري، فيصل المقداد. وفيما خرج المقداد إثر اللقاء بتصريحات تشكر الجهود الأردنية، وتشيد بموقف الجارة الجنوبية لسوريا، أعلن الصفدي استكمال بلاده العمل على محاولة إيجاد حلّ للأزمة السورية بعد خطّتَين سابقتَين أعلنت عنهما عمّان، عنوانهما الانفتاح على دمشق، إثر تعثّر جميع الجهود التي قادتها العواصم المناوئة للأخيرة لإحداث تغييرات في هيكلية السلطة فيها، ما يعني عدم وجود بديل من محاورة الحكومة السورية.

وفي محاولة واضحة لتجنّب الدخول في مواجهة مع واشنطن، التي تعلن بشكل مستمرّ رفْضها قيام أيّ دولة بالتطبيع مع دمشق، وتهدّد بين وقت وآخر بالعقوبات المفروضة على سوريا، بادرت السعودية، بُعيد وقوع الزلزال، إلى إرسال مساعدات متوازنة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وتلك الخارجة عن سيطرتها في شمال البلاد، قبل أن تعلن في وقت لاحق مساعدات بقيمة نحو 50 مليون دولار للبلدَين المنكوبَين لمواجهة الكارثة. وأمام المشهد «الانفتاحي» العربي المتتابع على دمشق، تبقى قطر وحيدة، من بين الأطراف الإقليمية، في تصدُّر قائمة الدول التي تُتابع نشاطها المعادي للحكومة السورية، بعدما خسرت موقف حليفتها (أنقرة) التي تخوض، بدورها، جولات من المحادثات المستمرّة مع دمشق للوصول إلى صيغة توافقية للتطبيع بين البلدين، ومعالجة جملة من المشكلات العالقة، تسبّبت بها الحرب، وقامت فيها تركيا بدور بارز. ولعلّ ذلك يمكن أن يفسّر الحملة الإعلامية الشرسة على دمشق، والتي جاءت بعد إعلان واشنطن تقديم دعم مالي بقيمة 25 مليون دولار لوسائل إعلام غرضها دعم الموقف الأميركي من سوريا.


«شعرة معاوية» بين سوريا والسعودية: التبادل التجاري مدخل للتطبيع

فتَح إرسال السعودية طائرات محمَّلة بمواد إغاثية إلى مطار حلب الدولي، في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرَب سوريا، باب التوقّعات بفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين البلدَين، ولا سيما في ظلّ وجود تسريبات عن زيارة قريبة لوزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، لدمشق، وحديث الأخير، في «مؤتمر ميونخ»، عن ضرورة البدء بحوار مع الحكومة السورية. وكانت سوريا سمحت لتجّارها، منذ ما قبل وقوع الكارثة، بالاستيراد مباشرة من المملكة، ما رَفع سقف الآمال بزيادة التبادل التجاري البَيني، الذي لم ينقطع، للمفارقة، على مرّ سنوات الحرب، وإنْ تراجعت أرقامه.

وسجّلت الصادرات السورية إلى السعودية رقماً كبيراً قبل اندلاع الأزمة، وصل إلى 140 مليار ليرة، لكنّ هذا الرقم بدأ بالتراجع بعد سنوات، ومع ذلك، ظلّت البضائع السورية تَدخل من دون منْع إلى السوق السعودية، لتسجّل في الربع الثالث من العام الفائت 279 مليون ريال، بينما صدّرت الرياض إلى دمشق بقيمة 105.4 ملايين ريال، بحسب «مكتب الإحصاء السعودي». ولا تتوافر أرقام محدّثة عن حجم التبادل التجاري بين البلدَين، إلّا أنه بحسب آخر تصريح لوزير الاقتصاد السوري، فإن حركة الصادرات إلى السعودية «جيّدة»، وإن الاستيراد من المملكة هدفه «تحقيق كلفة أقلّ».

ويُرجع إياد أنيس محمد، رئيس مجلس إدارة «موسوعة المصدر السوري»، رقم الصادرات السورية الكبير إلى السعودية، إلى كوْن الأخيرة تُعدّ بالنسبة إلى سوريا ثاني سوق رئيسة بعد العراق، وميزاتها النسبية تكمن في قربها واتّساعها وتنوّعها، فضلاً عن أن المنتَج السوري يفضّله السعوديون نتيجة مزاياه الطبيعية وعدم تعديله وراثياً، كالفواكه والخُضر ولحم العواس وزيت الزيتون والتوابل والبقوليات وغيرها. ويُضاف إلى ما تَقدّم أن الصناعيين السوريين يَعرفون أذواق السعوديين وتصاميم الألبسة التي يفضّلونها أكثر ممّا يعرفه نظراؤهم من أيّ جنسية أخرى.


ماذا بعد؟

بدأت الصادرات السورية إلى السعودية بالانخفاض بعد عام 2013، جرّاء إغلاق معبر نصيب ومشاكل منْح «الفيزا» للسوريين. ولذا، كان المُصدّرون يناورون عبر تصدير منتَجات ذات مزايا نسبية ولا منافس كبيراً لها. ويبيّن محمد أن المستورَدات من السعودية إلى سوريا كانت تأتي عن طريق الأردن أو مصر، «وهذا يرتّب تكاليف عالية؛ فالمصدّر أو التاجر كان مضطرّاً لنقل البضائع عبر سيّارات أردنية أو إماراتية أو سعودية، ليَجري تحميلها بالبضائع السورية أيضاً عند عودتها»، مضيفاً أن «المملكة تفرض اشتراطات فنّية معيّنة على السيّارات الداخلة إليها، وهذه الاشتراطات لا تمتلكها كلّ الشاحنات السورية، وبالتالي يمكن القول إن هدف قرار السماح بالاستيراد مباشرة من السعودية، هو التسهيل على المصدّر والمستورِد، وتخفيف التكاليف». ويتمنّى محمد عودة التبادل التجاري بين البلدَين إلى سابق عهده، لكون السعودية سوقاً واعدة وذات خصوصية عند المصدّرين، «الذين يَعرفون تفاصيلها بدقّة متناهية»، معتبراً إرسال المملكة طائرات مساعدات إلى سوريا «فرصة لاستئناف هذه العلاقات».

ويتّفق معه فايز قسومة، رئيس لجنة التصدير في «غرفة تجارة دمشق»، لناحية أهمّية استعادة العلاقات الثُّنائية، وخاصة بعد قرار السماح بالاستيراد من السعودية، والذي «سيريح الأسواق ويخفّض الأسعار بحُكم القرب الجغرافي، كوْن البضائع بين البلدَين معفاة من الجمارك»، موضحاً أن «البضائع السورية كانت تُصدَّر طيلة سنوات الحرب ولم تتوقّف، لكنها كانت تَدخل إلى الأراضي السعودية بشاحنات غير سورية، وهذا يزيد التكلفة على المصدّرين والمستورِدين». ويشدّد قسومة على ضرورة اتّخاذ الحكومة السورية، في المقابل، قرارات مرنة تدعم التصدير والإنتاج اللذَين «يُعدّان الحلّ الوحيد لإنقاذ الاقتصاد المحلّي المتعَب وتحديداً بعد وقوع كارثة الزلزال، مع التركيز على تخفيض التكلفة وجودة المنتَج والاهتمام بالتغليف والتوضيب».

وفي الاتّجاه نفسه، يؤكد هامس عدنان زريق، المدير السابق لـ«مركز دمشق للأبحاث والدراسات»، أن «العلاقات التجارية بين البلدَين لم تتوقّف يوماً، وازدادت أخيراً مع إعادة فتْح الجانب الأردني معبر «نصيب» الحدودي». ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة الاقتصاد في أيلول 2021، حلّت السعودية في المرتبة الثانية بعد العراق في قائمة مستورِدي البضائع المصدَّرة من سوريا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2021، وإنْ كان من الصعوبة بمكان تقييم هذه العلاقات الاقتصادية استناداً إلى الإحصاءات الرسمية؛ ذلك أنه، منذ بدء الحرب، اتّخذت الحركة التجارية من وإلى سوريا طابعاً غير رسمي، وباتت جزءاً من اقتصاد الحرب، فيما البضائع السورية لم تنقطع يوماً عن الأسواق الخليجية. ويرى زريق أن «استناد القرار السوري الأخير إلى إيضاح وزارة الخارجية والمغتربين، أنه «لا مانع سياسياً» من السماح بالاستيراد من السعودية، وتظهيره إعلامياً، يعطيه البعد الأهمّ وهو البعد السياسي، ولا سيما أنه يأتي في أجواء محاولات التقارب الخليجي مع الدولة السورية». ويلفت إلى أن «دمشق تدرك جيّداً أن اقتصادها المنهَك، خصوصاً بعد فاجعة الزلزال، لن يتمكّن من النهوض مجدّداً من دون التعاون مع محيطها العربي وخصوصاً الخليجي»، مضيفاً أن «ممّا يعزّز الضرورة الحيوية لهذا التقارب، اضطراب سلاسل التوريد العالمية بعد أزمة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا»، مستدركاً بأن «التقدّم في هذا المسار منوط بمآلات الحراك السياسي الإقليمي والدولي البالغ التعقيد». ولا يستبعد الباحث الاقتصادي، سنان ديب، بدوره، حصول انفراج في مسار العلاقات السورية - السعودية، على اعتبار أن «أسلوب المقاطعة أثبتَ عدم جدواه»، مشدّداً على «ضرورة كسْر الحصار الاقتصادي عربياً ودولياً لتمكين الدولة السورية من مساعدة مُواطنيها وإعمار المباني المهدَّمة».


____________________


مستمدة من المقالات التي كتبها رحاب الإبراهيم  وعلاء حلبي

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

العراق الجديد... التظاهر السلمي في العراق والساسة

    أكتوبر 29, 2019   No comments

نشرت صفحة "صالح محمد العراقي" المقربة من الصدر، اليوم (4 تشرين الأول 2019)، على موقع فيسبوك، وثيقة للصدر قال فيها: "احقنوا الدم العراقي الشريف باستقالة الحكومة (شلع قلع)، ولنبدأ بانتخابات مبكرة باشراف أممي، فما يحدث من استهتار بالدم العراقي لايمكن السكوت عليه". 

____________

جاء ذلك في رسالة نشرها المكتب الاعلامي لعبد المهدي ردا على تصريحات الصدر طالب فيها الاول باعلان انتخابات مبكرة.

وهذه هي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة السيد مقتدى الصدر حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طالبتني بالذهاب الى مجلس النواب والاعلان من تحت قبته لانتخابات مبكرة تحت اشراف الامم المتحدة ومفوضية جديدة. وانني اشكرك فمن حق اي قائد واي مواطن ان يطالب رئيس الوزراء بما يراه مصلحة وطنية وقد يكون المقترح المقدم احد المخارج للازمة الراهنة للاسباب الاتية:

قد تأتي نتائج الانتخابات حاسمة وبالتالي يمكن تشكيل حكومة اغلبية سياسية واضحة تتمتع بدعم برلماني واضح.
قد يساهم الحراك الشعبي نتيجة التظاهرات الاخيرة الى مشاركة واسعة من الشباب في الانتخابات القادمة وقد تقود التعديلات الدستورية والاصلاحات المطروحة لتغيير كامل المناخ السياسي في البلاد ويحدث تجديداً في القوى السياسية الحاملة لمشروع المرحلة المقبلة.

هناك خطوات استطيع انا القيام بها واخرى تتعلق باطراف اخرى، كذلك هناك تحفظات على اختيار هذا المخرج للازمة.
لا يكفي ذهاب رئيس مجلس الوزراء الى البرلمان لاعلان الانتخابات المبكرة ليتحقق الامر، بل هناك سياقات دستورية (المادة 64) يجب علي رئيس مجلس الوزراء الالتزام بها. فالانتخابات المبكرة تستدعي ان يوافق رئيس الجمهورية على طلب من رئيس مجلس الوزراء على حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوماً، وهذا لن يتحقق الا بتصويت مجلس النواب على حل المجلس بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، اي باغلبية 165 صوتاً، وتعتبر الحكومة مستقيلة وتتحول الى حكومة تصريف اعمال يومية.

او ان يقدم بموجب (المادة 64) ثلث اعضاء مجلس النواب اي 110 صوتاً طلباً لحل مجلس النواب، واذا صوت مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه فان انتخابات تشريعية جديدة يجب ان تتم خلال 60 يوماً وتعتبر الحكومة مستقيلة وتتحول الى حكومة تصريف اعمال يومية.
وكما كتبت في رسالة سابقة الى سماحتكم هناك بعض التحفظات.

اذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة فهناك طريق اكثر اختصاراً وهو ان يتفق سماحتكم مع الاخ العامري لتشكيل حكومة جديدة، وعندها يستطيع رئيس مجلس الوزراء تقديم استقالته واستلام الحكومة الجديدة مهامها خلال ايام ان لم نقل ساعات من تحقق هذا الاتفاق. واعتقد ان الكتل السياسية ستتعاون بشكل واسع لتحقيق التصويت اللازم. اما الانتخابات المبكرة فمجهول امرها. فمتى سيتسنى اجراؤها؟ وهل سيتم الاتفاق على كامل شروطها؟ وهل ستأتي نتائجها حاسمة؟ وغيرها من امور قد تتركنا امام مجاهيل كبيرة.

ان تحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال يومية معناه عدم تمرير الموازنة، ومعناه التوقف عن التوقيع على المشاريع الجديدة والقوانين المطلوب تشريعها باسرع وقت والتي بها نحقق خطوات تم الاتفاق عليها للاصلاح وتوفير فرص العمل وتشجيع الاستثمارات والاعمال الجديدة، ناهيك عن امور اخرى كثيرة يجب الالتفات اليها. فكم ستستغرق عملية حل مجلس النواب؟ او تغيير المفوضية؟ فالمستثمرون يهربون بسبب المجهول والاحداث الدامية، وهناك دماء تسيل مما يتطلب اجراءات واضحة لتستطيع الدولة القيام بواجباتها، وتحفظ النظام العام وتطبق القانون على الجميع.
تطالبون بعدم مشاركة الاحزاب الحالية الا من ارتضاه الشعب.

واشير الى انني ذكرت في خطابي الاخير ان الاحزاب السياسية قد تخلفت عن فهم المعادلات الجديدة للبلاد فلم تقم بواجبها كما يجب، كما تخلفت عن ذلك الدولة، فنزل الشعب الى الشوارع يعبر عن رأيه. وهذه نتيجة اجتماعية/سياسية تمر بها كل التجارب والامم. لكن من سيعرف الاحزاب التي يرتضيها الشعب ؟ فالحريات والحقوق التي يجب ان تكفل للجميع لا تقررها اجتهادات شخصية، حتى وان كانت ستبرهن عن صحتها في نهاية المطاف. فصناديق الاقتراع هي الوسيلة الافضل للتعبير عن رأي الشعب شريطة ان نقترب اكثر ما يمكن من توفير كافة الشروط ليتطابق رأي الشعب مع نتائج الانتخابات.

هكذا كان الامر تاريخياً ولدى بقية الشعوب، وهكذا هو الان وبالنسبة للشعب العراقي. فالشعوب ليست حالات هلامية او افترضية سيدعي كل منا تمثيله. لذلك رفض امير المؤمنين عليه السلام بيعة في ليل. ولذلك يجب ان تظهر ارادة الشعب واضحة جلية. فاذا كان هناك استبداد فان الثورات هي الحل.

واذا كان هناك نظام ديمقراطي يوفر الوسيلة للتعرف على رأي الشعب فان صناديق الاقتراع هي الحل. اما ان يحتكر فرد او حزب السلطة ويفرض ارادته على الشعب، او يأتي ملثمون ويغلقون جامعة من الجامعات ويكتبون على الابواب مغلقة باسم الشعب، او ان يقوم مدير مدرسة باخراج المراهقين الى الشوارع باسم الشعب، فهذا انحراف واحتكار وتصرف تعاقب عليه في النهاية السنن الالهية والبشرية، كما يعاقب عليه القانون ولا يمثل رأي الشعب.

انني اتفهم تماماً مشاعر شبابنا من قضايا بلدهم واهمية مشاركتهم فيها. فلقد كان لنا ايضاً شبابنا وحماسنا. وقد لا تعلمون بانني فصلت من مدرستي في الصف الرابع ثانوي وعمري يومها 14-15 عاماً، لانني شاركت بمظاهرات بورت سعيد والعدوان الثلاثي على مصر وضد الانتخابات التي اسميناها يوماً بالمزورة عام 1956-1957. ان حماس شبابنا وحرصهم هو عامل اطمئنان ان اجيالنا الصاعدة تتمتع بحس وروح وطنية عالية. وسيتعلمون بتجربتهم الخاصة الطريق الصحيح الذي يجب ان يرسموه لبلدهم. وان واجبنا ليس قمعهم وردعهم بل احترامهم والاستماع اليهم ومساعدتهم بكل ما يمكن من وسائل. لقد قمنا بما يمليه علينا واجبنا فاصبنا واخطأنا، وهم سيستلمون المسؤوليات وادعو العلي القدير ان لا يعيدوا ارتكاب اخطائنا بل ان يتعلموا منها، وسيتفهم الشعب عندها اخطاءهم عند تحملهم المسؤولية، ان كانت مخلصة وفي طريق الاصلاح وتجديد دماء الشعب والبلاد.

"لا يكلف الله نفساً الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.. ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا.. ربنا ولا تحمل علينا اصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به. واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا.. انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين."

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عادل عبد المهدي
رئيس مجلس الوزراء
٢٩-تشرين الأول-٢٠١٩


________________

 وجه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الدعوة لزعيم كتلة سياسية منافسة للعمل معه بشأن إجراء تصويت في البرلمان على الثقة في رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.

وأضاف الصدر في بيان ”جوابا على كلام الأخ عادل عبد المهدي كنت أظن أن مطالبتك بالانتخابات المبكرة فيها حفظ لكرامتك .. أما إذا رفضت فإنني أدعو الأخ هادي العامري للتعاون من أجل سحب الثقة عنك فورا“.

الاثنين، 13 أغسطس 2018

بغداد والعقوبات الأميركية: العبادي يدفع ثمن موقفه؟

    أغسطس 13, 2018   No comments
بغداد والعقوبات الأميركية: العبادي يدفع ثمن موقفه؟ 

 نور أيوب

«تصريحه حُرّف»، هذا ما يؤكّده مقربون من حيدر العبادي، في تعليقهم على موقفه من العقوبات الأميركية على إيران. موقفٌ «كان بالغنى عنه»، إذ تسبّب بفتح اشتباكٍ سياسي محليّ يحمل بُعداً إقليمياً، تحت عنوان: من «الوفي» لطهران؟ حربٌ من البيانات «خوّنت» العبادي أمس، وإذا ما جُمعت مع أحداث الأيّام الماضية، فإن ما جرى يدور في فلك «الولاية الثانية»، والتي تبتعد عن الرجل شيئاً فشيئاً، فهل يدفع العبادي ثمن موقفه الرمادي؟

مفاجئاً كان موقف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إزاء العقوبات الأميركية على إيران. حلفاء الأخيرة في «بلاد الرافدين» لم يستسيغوا موقف رئيسهم، متخذين من عبارة الشاعر الأموي الفرزدق «قلوبهم معك... وسيوفهم عليك» توصيفاً لقرار العبادي الداعي إلى الالتزام بالعقوبات الأميركية من دون أن «يتعاطف» معها. العبادي، الطامح لنيل «الولاية الثانية»، والمدرك جيّداً أن حلمه مرهونٌ بتوافقٍ غير مباشر بين واشنطن وطهران على شخصه، بات بعيداً نوعاً ما من السباق الرئاسي، ليس من موقفه الأخير فحسب، وتداعياته، بل إنّ الرجل أبدى أمام عددٍ من زوّاره «تفهّمه» للموقفين الإقليمي والدولي، إذ وقع «الخيار» على شخصٍ آخر لتبوّؤ منصبه، الأمر الذي فسّره البعض شعور العبادي بأن «أيّامه معدودة».

العبادي، وفي مطالعةٍ أمام زوّاره لتجربة سلفه نوري المالكي، أكّد أن «عهداً مليئاً بالإنجازات» أفضل من «ولايةٍ ثانية قد تأتي بكارثة»، في إشارةٍ منه إلى القضاء على «داعش» مطلع العام الحالي من جهة، وخوفاً من أن تكون ولايته الثانية كارثيّةً كسقوط مدينة الموصل، في حزيران 2014. كذلك، فإن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حرص قبيل إجراء الانتخابات النيابية (12 أيّار الماضي) على إطلاق حملةٍ للقضاء على الفساد والفاسدين في مؤسسات الدولة، إلا أنّه اكتفى بالشعارات حينهاـ ليعود مطلع الأسبوع الحالي إلى إطلاقها مجدّداً، في محاولةٍ منه لامتصاص غضب الشارع المتزايد (تدخل التظاهرات اليوم شهرها الثاني) والمندّد بسوء الخدمات الحكومية، والفساد المستشري في أجهزة الدولة وإداراتها، وارتفاع نسبة البطالة، عدا عن أن الموقف الأخير لـ«المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) كان حازماً بضرورة تلبية المطالب الشعبية، والقضاء على الفساد والفاسدين، وإلا فإن «الغضب السلمي» سيأخذ مساراً تصاعدياً و«عندئذٍ سيكون للمشهد وجهٌ آخر مختلفٌ عما هو عليه اليوم».

إذاً، موقف العبادي لا يُحسد عليه: محليّاً، و«شرعيّاً»، وإقليميّاً أيضاً. محليّاً، بات واضحاً أن الشارع ناقمٌ على أدائه في الفترة الأخيرة، محمّلاً إيّاه مسؤولية الفشل في تحسين الواقع المعيشي بمختلف جوانبه. الأزمة الكهربائية والمائية كانت «القشّة التي قسمت ظهره». انفجر الشارع الجنوبي، وما زال؛ حيث كان لافتاً أمس، تظاهر العشرات من جرحى الجيش، في محافظة الديوانية، للمطالبة بحقوقهم المالية والإدارية، مهددين بـ«الاعتصام المفتوح» إن لم تستجب الحكومة لمطالبهم. وفي تطوّرٍ لافتٍ أيضاً، قرّرت وزارة الداخلية أمس، «حظر تنظيم الاعتصامات المخالفة للقانون»، من دون أن تقدّم تفاصيل إضافية، ما ينذر بإمكان وقوع مواجهةٍ بين القوى الأمنية والمتظاهرين، الأمر الذي سيزيد المشهد الجنوبي تعقيداً وخطورة. «شرعيّاً»، وهو ما يمكن أن يُستشّف من المطّلعين على موقف «المرجعية»، أن الأخيرة غير راضيةٍ عن أدائه، وأداء الطبقة السياسية أيضاً. خطاباتها تشي بذلك، والمعايير التي حدّدتها للرئيس المقبل (شخصية قوية، حازمة، شجاعة) لا تنطبق على شخص العبادي الباحث دائماً عن حلولٍ ترضي جميع القوى (محليّاً، وإقليميّاً، ودوليّاً)؛ وعليه، فإنّ الرجل بات خارج «خيارات» النجف. إحالة العبادي الأخيرة لعددٍ من المسؤولين إلى «هيئة النزاهة» حاول فيها إثبات «قوّته وعزمه»، وأنّه المرشح «الأنسب» لرئاسة الوزراء، إلا أن حديث «الأروقة السياسية» يؤكّد أن «الوقت قد فات... والحديث عن خياراتٍ أخرى قد انطلق».

إقليميّاً، موقف العبادي إزاء العقوبات الأميركية جاء مخالفاً لما اشتهاه. حلفاء إيران ــ ومنافسوه ــ من قوى «البيت الشيعي» في بيانات الأمس، سعوا إلى استثمار موقف العبادي للطعن في «وفائه» للعرفان الإيراني، وتحريضاً ناعماً لطهران على رئيسٍ يتماشى مع الرغبات الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية. فموقف «حزب الدعوة» (الحزب الحاكم، وينتمي العبادي إليه) جاء مخالفاً لموقف العبادي، وموقف المالكي أيضاً ودعوته لخلفه أن «لا يكون طرفاً في العقوبات على إيران»، إلى جانب مواقف الفصائل المقاومة التي أعربت عن «صدمتها» تجاه موقف الحكومة الاتحادية، وتأكيدها أن «هذا الموقف هو غير ملزم للحكومة العراقية المقبلة».
طهران، لم تخرج بموقفٍ رسمي تردّ فيه على بغداد، إلا أن العارفين بطبيعة العلاقة القائمة بين بغداد وطهران، يؤكّدون أن دوائر قرار الأخيرة «متأسفة» على موقف العبادي، في وقتٍ ينفي مقربون من العبادي أي حديثٍ من هذا النوع، بل يلفتون إلى أن العبادي «ملتزمٌ بالعقوبات الخاصّة بالتعامل بالدولار»، لأن «التعامل بالدولار مع إيران سيعرضنا للعقوبات، ويضر بشعبنا... ولا يمكن أي دولةٍ أن تتحدى ذلك، حرصاً على ثبات عملتنا».

_____________

العبادي في أنقرة: لماذا لم تفتح إيران أبوابها؟



بعدما أَعلن عن زيارتَين إلى كل من طهران وأنقرة، يزور حيدر العبادي الأخيرة دون الأولى، بعدما بدا أن إيران غير مُرحِّبة به. موقف فسّره البعض على أنه ردّ على موقف العبادي إزاء العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية. وأياً تكن خلفية ذلك، إلا أن حراك العبادي لا يمكن عزله عن السياق السياسي في بلاد الرافدين، والذي تشكل هوية رئيس الوزراء المقبل عنوانه الرئيس راهناً

حراك دبلوماسي غير مفهوم يقوده رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. زيارة إلى العاصمة التركية أنقرة، وعزم على زيارة العاصمة الإيرانية طهران. الزيارة الأولى حُدّد موعدها غداً الثلاثاء، أما الثانية فقد ألغيت لـ«عدم تكامل استعدادات الزيارة، وزحمة جدوله»، وفق ما نقلته وكالة «فرانس برس» عن مسؤول عراقي رفض الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن «العبادي سيبحث قضايا اقتصادية مع الحليف الاقتصادي الذي يتعرّض لعقوبات أميركية جديدة». الساعات الماضية حملت «سخونة» في التصريحات المتبادلة بين طهران وبغداد. الأخيرة أعلنت أن العبادي سيزور العاصمتين التركية والإيرانية، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، نفى علمه بذلك، مؤكداً أن بلاده «ليست لديها معلومات عن زيارة مماثلة». نفي سرعان ما عادت بغداد على إثره لـ«توضح» أن الزيارة المرتقبة ستقتصر فقط على أنقرة.

تحرك العبادي تجاه الجارين له دلالاته ومقدماته المرتبطة بالمشهد السياسي المعقد في بلاد الرافدين. وفق معلومات «الأخبار»، ثمة إجماع إقليمي ــ دولي على أن تشكيل الحكومة المقبلة، من تسمية رئيسها حتى توزيع حقائبها الوزارية، مسألة «تحتمل التأجيل»؛ فـ«لا واشنطن ولا طهران، ولا العواصم الدائرة في فلكيهما، حاضرة لإنجاز هذا الاستحقاق»، بتعبير مصدر دبلوماسي مطلع. يدرك المسؤولون الأتراك والإيرانيون أن الزيارة «شكلية»؛ فالرجل على رأس حكومة تصريف أعمال، وعليه فإن أي نقاش أو توقيع اتفاق سيكون بمثابة «حبر على ورق».

قبل شهر تقريباً، ومع اندلاع الحراك المندّد بسوء الواقع المعيشي والخدمي في المحافظات الجنوبية، أخبر عدد من قادة «حزب الدعوة الإسلامي» الفاعلين على خطّي النجف وطهران، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، أن إمكان نيله ولاية ثانية بات ضعيفاً. قال له أحدهم إن الظرف السياسي «لا يدعو إلى بقائكم في منصبكم لسنوات أربع أُخر». حينها، أدرك العبادي أن النقمة الشعبية تَرجمت ــ بشكل أو بآخر ــ السخط المتراكم للمرجعية الدينية (آية الله علي السيستاني) على أداء حكومته والحكومات السابقة، وهو الذي يعرف جيداً أن طهران لا يمكن أن تسير بخيار لا ترضاه النجف. إدراك العبادي هذا لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليه، إذ إنه يعلم أن لحظة سطوع نجمه في آب/ أغسطس 2014 جاءت نتيجة رفض «المرجعية» التمديد لسلفه نوري المالكي.

منتصف تموز/ يوليو الماضي، طلب العبادي - وفقاً لمعلومات «الأخبار» - موعداً لزيارة العاصمة الإيرانية، لكن المعنيين في طهران رفضوا استقباله، لجملة من الأسباب:
- أوّلاً: توقيتها السيّئ، والمتزامن مع اشتعال المحافظات الجنوبية بالتظاهرات الشعبية من جهة، والجدل حول الانتخابات التشريعية التي لم تكن نتائجها قد حُسِمت بعد من جهة ثانية.
-ثانياً، الحرج الايراني من زيارة قد تُفسرّ على أنها تنسيق لمنح العبادي ولاية ثانية، بأسلوب يتعارض مع «السياقات الكلاسيكية».
- ثالثاً، طبيعة منصب العبادي بوصفه رئيس حكومة تصريف أعمال، وما تستشعره طهران والحال هذه من أن مستقبل الضيف بات مجهولاً فعلاً.
تبريرات لم يستسغها العبادي، الذي ظلّ يحاول بشتى الطرق التمسك بـ«حبل النجاة»، وإثبات حضور أمام الشارع الهائج، وهو ما دفعه في وقت من الأوقات إلى تكليف وزيرَي الكهرباء والتخطيط بالتوجه إلى السعودية لتوقيع مذكرة تعاون في مجال الطاقة، قبل أن يُعلَن تأجيل الزيارة حتى إشعارٍ آخر. ومع دخول العقوبات الأميركية على إيران حيّز التنفيذ، أدلى العبادي بتصريحه الشهير الأسبوع الماضي، والذي أعلن فيه الالتزام بتلك العقوبات. بدا ذلك ردّاً على «الجفاء» الإيراني، ومحاولة من قبل رئيس الوزراء لإعادة الاعتبار لنفسه، والتأكيد أنه ما زال مرشحاً من البوابة الغربية. «نتعاطف مع طهران، ولكن سنلتزم بالعقوبات، حفاظاً على المصلحة العليا للبلاد». موقف كان كفيلاً بتوتير العلاقة بين العبادي وطهران، رغم رفض الأخيرة الردّ بأي تصريحٍ من شأنه تعزيز الشرخ، إلا أن ما خرج به ممثل المرشد الإيراني في العراق، مجتبى الحسيني، أمس، يترجم حجم «الصدمة» من موقف العبادي، إذ وصف تصريحاته بـ«اللامسؤولة»، معتبراً أنها «لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرّفة للجمهورية الإسلامية التي قدمت للدفاع عن العراق، وتطهير أرضه من داعش». وقال في بيان له إن «العبادي يعبّر عن انهزامه تجاه أميركا».

حتى اللحظة، يبدو العبادي أكثر المتضررين. خسر الاحتضان الإيراني، وأظهر شرخاً في الرؤى بين الأجهزة الرسمية، التي سارعت إلى «توضيح» موقف رئيس الوزراء، فضلاً عن أن قوى «البيت الشيعي» المحسوبة على طهران أخرجته بدورها من خياراتها لمنصب يأمل الرجل الحفاظ عليه. أما أميركياً، وإن راهن العبادي على أنه «الخيار الأنسب» لواشنطن، إلا أن الإدارة الأميركية ــ في الوقت الحالي ــ «لا يعنيها الشخص، بقدر ما يعنيها تقاطع المصالح، والحفاظ على قواعد الاشتباك الحالي بين طهران وواشنطن في العراق بالدرجة الأولى، والعملية السياسية بالدرجة الثانية»، وفق مصادر دبلوماسية تؤكد أن الإدارة الأميركية لن تدخل في لعبة التسمية، بل «ستقبل بخيار العراقيين، شرط الالتزام بقواعد الاشتباك تلك». وما بين واشنطن وطهران، وتصارع مشروعَيهما في العراق، ثمة في النجف من يُعتبر قادراً على حسم الوجهة النهائية، ولذا يظهر الجميع داخل الإدارتين في انتظاره.
_______________

«الأخبار»

الاثنين، 6 أغسطس 2018

مسارات خطاب حركة النهضة التونسية منذ تأسيسها

    أغسطس 06, 2018   No comments

 محمد محمود مرتضى -- باحث وأكاديمي لبناني

مسارات خطاب حركة النهضة التونسية منذ تأسيسها ( حركة الاتجاه الإسلامي) وخطاب قياداتها الأوائل المُتمثّلة براشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر، تشير إلى تغييرات جذرية تتعلّق بأدبيات المؤسّسين، سواء منها الأدبيات الدينية أو السياسية. على أن التغيير الأكبر الذي طرأ على خطاب الحركة جاء بعد ثورة ك1/ ديسمبر 2010.

لقد كان الانعطاف الكبير في تاريخ الحركة هو فوزها في انتخابات تشرين أول/ أكتوبر 2011، لكن ذلك لم يمنعها من مشاركة الحُكم في إطار ما عُرِفَ بالترويكا ضمن حكومتين مُتعاقبتين هما حكومتا حمادي الجبالي وعلي العريضي القياديان في حركة النهضة، حتى انتخابات تشرين أول/ 2014، حين حلّت الحركة بالمركز الثاني وشاركت في حكومة الحبيب الصيد ويوسف الشاهد(الحالية).

قد يُرجِع البعض تطوّر الخطاب "النهضوي" لما شهدته الساحة العربية من تطوّرات، وعلى رأسها السقوط المدوّي للإخوان المسلمين في مصر، وأن التطوّر "المزعوم" اقتضته ضرورات ما بعد "السقوط الاخواني المصري" لا "القناعة النهضويه"، إلا أن هذا الادّعاء، على فرض صحّته، يصبّ في مصلحة النهضة لا ضدّها؛ لأنه يُشير إلى قيام الحركة بتقديم المصلحة التونسية على حساب المصلحة الحزبية، وأن هذا "التجديد" في الخطاب قد أنجى تونس من السقوط. وإن كان يحلو للبعض القول إن تونس ربما نجت من السقوط في الفوضى الأمنية لكنها لم تنجُ من السقوط الاقتصادي، فإنه من الموضوعية بمكان عدم تحميل هذا السقوط الاقتصادي لحركة النهضة، وأن ما تعانيه تونس تعود جذوره لحقبة ما قبل "الثورة"، وإن كان أداء ما بعد "الثورة" لم يكن مُلائماً ولا هو ينسجم مع تطلّعات الشعب التونسي وطموحاته، لكن ذلك لا تتحمّله حركة النهضة، كما لا يعفيها من ضرورة لعب دور إنقاذي أكثر مما تقوم به الآن، ولا يعفيها أيضاً من أنها ترتكب نوعاً من "المبالغة" في "لبرلة" ( من الليبرالية) الخطاب الاقتصادي لا سيما المتعلّق منه مع الغرب وأدواته الاقتصادية والمالية. ومع ذلك فإننا لا يمكننا تحميل الحركة وحدها مسؤولية "السقوط" الاقتصادي خاصة وأن الكثير من المُنتقدين لم يقدّموا حلولاً أو برامج اقتصادية واجتماعية إنقاذية بقدر ما قدّموا خطابات وشعارات ، تُذكّرنا بمرحلة بائِدة من الجماعات التي أغرقت الساحة في متاهات الجدالات المفاهيمية والاصطلاحية البعيدة عن الحلول العملية والواقعية.

وبالعودة إلى "الخطاب النهضوي" فإنه يُسجّل للنهضة تطوّر خطابها السياسي الواضح والذي لم يقتصر على الخطاب بل تعداه إلى الفعل، وقد برز ذلك في قبولها للآخر ومشاركتها للحُكم معه بل وعدم ترشيح أحد قياداتها للرئاسة التونسية ( رغم الاحتمال الكبير في قدرتها على إيصاله) رغم حقّها في ذلك، أسوة بأيّ حزب أو شخصية تونسية.

كما لا يمكننا أن نمرّ مرور الكِرام على قيام رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي على الترحّم على الرئيس الراحل "الحبيب بورقيبة" (مع ما يعنيه ذلك في الأدبيات الإسلامية) والذي وإن كان رمزاً من رموز مقاومة الاستعمار إلا أنه أيضاً رمز من رموز "علمَنة تونس".

وفي المقابل، يعمد "بعض العلمانيين" لتوجيه النقد بشكلٍ عشوائي لحركة النهضة في خطاب لا يقلّ إقصائية عن الخطاب "الإسلاموي المُتشدّد". ولئن كان هؤلاء يحملون على  كل "الإسلام السياسي" بأنه إقصائي ( ولا نوافق على التعميم)، فإن أداء هؤلاء "العلمانيين" ليس بأفضل حال.

إن مقتضى الموضوعية، بل والحنكة السياسية، هو في شدّ اليد والثناء على تطوّر خطاب "النهضة" لا التشنيع عليه، ودفعهم نحو المزيد منه لا ممارسة الابتزاز معه.

والحقيقة إن حركة النهضة في وضع لا تُحسَد عليه، فهي تقع بين سندان "بعض مُتطرّفيها" ومطرقة بعض "العلمانيين". ففيما بعض "الداخل الحزبي" يتّهم قيادته بازدياد منسوب الخطاب الليبرالي عنده، يتّهمها بعض "خارج الحزب" بالسعي "لأسلَمة تونس" بناء على إرث أدبي قديم يعود لفترة "الخطابات الثورية" في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

فلنقلها صراحة وبكل شفافية، إن نجاة تونس وكل العالم العربي إنما تكون بنبذ الخلافات والتوحّد حول مشروع إنقاذي واحد بعيد عن إملاءات الغرب وشروط البنك الدولي، و"إصلاحات التخريب" لصندوق النقد الدولي، والعمل على إنتاج مشروع وطني سياسي- اقتصادي- اجتماعي، وتونس، بلا شك، لديها الكفاءات والعقول القادِرة على إنتاج ذلك. ولتكن المحاسبة على أساس الخطاب والسلوك الحاليين لا أدبيات الماضي "الثورية"؛ لأن العودة إلى "أرشيف" كل حزب أو سياسي سيجعل الجميع، ربما، تحت مقصلة الاتهام، ولن ينجو من هذه المقصلة أحد.

وعلى أية حال، إن كان لا بدّ من محاولة لتشبيه وضع حركة النهضة مع بعض معارضيها، فإنه سيكون مع وضع هذه المقالة، والتي وإن كانت لن تنجو من نقد بعض قواعد "حركة النهضة" لأنها ستعتبرها تحتوي على نقدٍ مُبطّن ، فإنها لن تنجو أيضاً من مُعارضي النهضة لأنها ستعتبرها دفاعاً عنها. والحال إنها مجرّد رأي ليس دفاعاً عن النهضة ولا هجوماً.

الجمعة، 15 سبتمبر 2017

مراجعات فكرية داخل السجون: ”إعادة تأهيل المتشددين“

    سبتمبر 15, 2017   No comments
 يرى باحثون وعلماء دين أن مشروعا أطلقته دار الإفتاء المصرية تحت عنوان (تشريح عقل المتطرف) ويهدف إلى وضع دليل لكيفية ”إعادة تأهيل المتشددين“ قد يكون نواة لإطلاق مراجعات فكرية داخل السجون على غرار ما حدث في التسعينيات وساهم في إخماد موجة عنف عاتية.

المشاركون في المشروع لديهم قناعة بأن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي للتصدي للعنف المتصاعد وإنما لا بد أن تمضي جنبا إلى جنب مع المواجهة الفكرية حتى لا تصبح السجون ”مفرخة للإرهابيين“.

ويهدف مشروع دار الإفتاء إلى إعداد دليل استرشادي يوضح ما يصفه بأنماط ”الإرهابيين“ ومراحل نشأتهم وتحولهم إلى العنف والتعرف على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المصاحبة لذلك.

وتخوض مصر معركة ضارية مع متشددين إسلاميين منذ عزل الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه.

وقُتل المئات من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها بعد عزل مرسي في مواجهات أمنية. وسُجن آلاف بتهم من بينها التظاهر وممارسة العنف والانتماء لجماعات تأسست على خلاف القانون.

وتحذر تقارير ومراقبون من اعتناق العديد من المحتجزين أفكارا متطرفة نتيجة الإحساس بالظلم أو اختلاطهم بمتشددين داخل السجون أو تعرضهم لانتهاكات وإساءة المعاملة.

ولا يقتصر تركيز مشروع (تشريح العقل المتطرف) على تحديد كيفية التعامل مع السجناء الإسلاميين فحسب، بل يهدف إلى وضع منظومة متكاملة للتعامل مع المتطرفين بشكل عام والحيلولة دون وقوع آخرين فريسة للتطرف. ... رويترز

السبت، 12 أغسطس 2017

الجزائر بين يومين وكل الخوف من اليوم الثالث

    أغسطس 12, 2017   No comments
اسماعيل القاسمي الحسني

التحذيرات مما هو قادم على الجزائر دولة و شعبا، ليست وليدة هذه المرحلة التي تميزت بالمناكفات على مستوى هرم السلطة، و صراعات أجنحة و إن اختلفت من ناحية التصنيف، فهي مجتمعة على قاسم مشترك و هو السلوك المافيوي، منعدم روح الانتماء للوطن، منسلخ من كل قيم الشخصية الجزائرية؛ و يحضرني هنا أنني كتبت في صحيفة القدس العربي مقالات
عديدة منها “هل رفع دعوة الحق يستدعي إذنا من رئاسة الجمهورية (07/09/2010) و قبل ذلك :”من يحمي الشعوب من إساءة الرؤساء” (08/10/2009)، و “من البلطجة السياسية الى هاوية العربدة” (16/11/2009) و “فلاح يستنفر جهاز المخابرات” (15/12/2009)؛ كتبنا ذلك و غيره كثير في تلكم السنوات بين 2008 و 2011 أيام كانت أغلب النخب الجزائرية بين متملق متسلق و بين ما لي و لهذا. و لن أنس مقالا تحت عنوان:” لو كنت جنرالا، لأمرت بإعدامه”؛ يدعو فيه كاتبه و هو صحفي جزائري مخضرم، له اسمه و تاريخه الى التصفية الجسدية للفلاح، بحجة أنه إرهابي يعيش بين زوريخ و لندن، باعتبار أن جرأة النقد لا يملكها في تقديره إلا إرهابي يعيش خارج الجزائر.
 

اليوم تقف الجزائر دولة و شعبا على واقع بالغ الخطر لطالما حذرنا النخب منه و دعوناها منذ عشر سنوات للعمل جديا و بوعي لتجنبه.

في مرحلة الرئيس هواري بومدين، كانت شخصيات كثيرة مرشحة لخلافته، اتفقنا حولها أم اختلفنا، لا يمكن أن نغفل خصائصها و منها الحضور و التاريخ الثوري و غيرهما؛ مع ذلك حين توفي الرئيس 1978 و لحظة وجود صدام بين الشخصيات على وراثة الحكم، تمكن النظام من اختيار شخصية لا تختلف بشأنها أطراف الصراع، و عاد القرار ساعتها الى جهاز المخابرات الجزائرية. اليوم يختلف عن ذلكم الأمس، لا نتكلم عن المحيط الإقليمي و العربي الملتهب، وإنما نكتفي بحالة الداخل التي تفتقر لأي شخصية قيادية، فالرئيس الحالي عمل بكل جهده على إخلاء السلطة من أي رجل تشتم فيه إمكانية التأهل للقيادة، جنون العظمة من جهة و بطانة التأليه من جهة ثانية،مسحت بشكل لافت تخلّق هذه الضرورة الحتمية لصيرورة النظام.

أما اليوم الثاني فهو حالة تونس قبيل 07/11/1987، فالرئيس الجزائري الحالي، الذي دعوناه مرارا لعدم تقطيع الدستور وفق هواه، و نددنا بقوة حين طبّل له مرتزقة السلطة و الإعلام و غيرهما لما اجتث المادة الدستورية التي تنص على عهدتين فقط؛ قد بلغت به الحال وضعا صحيا أكثر تعقيدا من حالة الرئيس بورقيبة 1987، و لا نتصور عاقلا يصدّق بأنه هو من يدير شؤون البلد منذ أربع سنوات على الأقل؛ لا نلتفت لتعليقات مرتزقة السلطة و طفيلياتها التي تلتف حول سيقان قصب سُدّتها؛ لكن الفارق بين يوم تونس و يوم الجزائر هذا الذي نعيش ساعاته المقلقة، هو شلل جهاز المخابرات الجزائرية، الذي على ما يبدو تعرض لحالة تصحّر مخيفة، ذلك أنه يعدم شخصية مركزية قوية من ناحية، و من ناحية أخرى حصر تقدير الأمن القومي في الشق الخارجي، و هذا تقدير أصاب أنظمة عربية في مقتل، و انتهى بها لحروب داخلية و تمزق جغرافي مروّع.

بقي اليوم الثالث، هذا اليوم الذي لا تريد النخب أن تواجه أسئلته استباقا، ماذا لو غاب الرئيس اليوم؟ هذا الأمر مؤكد الوقوع في أي دقيقة، ماذا سيحدث؟ و الحال أن رئيس مجلس الأمة (الرجل الثاني) غير مقبول لأسباب يعرفها رجال السلطة أنفسهم، فضلا عن كونه في العقد التاسع هو كذلك، و لا وجود لجهاز مخابرات قوي يمكنه أن يضبط وقع الصراع بين الطامعين في الوراثة، و أخطر من ذلك كلّه، هو لا وجود لشخصيات تحظى بقليل من احترام الشعب، و لا توجد شخصية من طراز زين العابدين بن علي لها الجرأة و القدرة على إمساك زمام الأمر.

بل ما هو ظاهر على سطح الطبقة السلطوية ليس أكثر من شخصيات مافيوزية أقل شرفا و أخطر جرما من La Cosa Nostra و التي نشأت عام 2000 بظاهرة “الخليفة”، و لم تتطور بعد الى حالة La Cosa Nuova  مع ظاهرة “حداد”.
 
لقد أشرت سابقا لحالة الابتزاز التي مارستها الطبقة السياسية الجزائرية بشقيها الحاكم و ما يسمى بالمعارضة، ابتزاز وعي الشعب الجزائري بخطورة أي تحرك جدي خشية أن يستغله الطرف الخارجي، و يجعل منه كما فعل مع بقية الشعوب العربية، وسيلة للتدخل و العبث بالأمن الداخلي و سلامة الوطن، هذا الابتزاز الحقير و الإجرامي في آن واحد الى أين سيأخذ الوطن؟ هذا اليوم الثالث الذي يجعلني أضع يدي على قلبي، لأن “القيادة” الجزائرية تعوّل على تقدير مُتَوَهَّم، و هو أن أوسع طبقات الشعب تعيش حالة سبات سياسي؛ هذا “الوهم” لا يستقر إلا في عقول محنطة متكلّسة، فكما رصد زبيغنيو بريجنسكي في كتابه رؤية إستراتيجية،هناك ظاهرتان جديدتان قلبت التاريخ البشري المعاصر، و من لم يعي ذلك فقطعا هو منفصل عن الواقع.

الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

مراجعات سياسية: هل تفكر السعودية بالنزول عن الشجرة؟

    أغسطس 08, 2017   No comments
قاسم عز الدين

مؤشرات عديدة تدل على أن السعودية باتت مقتنعة بأن مراهناتها في المنطقة تصطدم بحائط مسدود. لكنها ربما تأمل أن تتجاوز أزماتها بهدوء من دون أن يظهر عليها تراجع يقلّل من مكانتها التي تتصورها لنفسها. وهو ما ينذر بانتقال السعودية من فاعل في الأزمات إلى شلل سياسي.
 
المصافحة باليد بين عادل الجبير ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ربما أرادها الجبير مصحوبة بابتسامة على هامش مؤتمر "آسيان" في تركيا للإشارة إلى متغيّر سياسي على الرغم من اللقاء العابر. فالجبير كان يبدي في مؤتمرات سابقة عدائية ناتئة تتخطى الدماثة الدبلوماسية على الرغم من أن إيران كانت تحاول باستمرار فتح كوّة في جدار الدبلوماسية السعودية المصفّح بالفولاذ ظنّاً منها أن العدائية البارزة تدلّ على تصميم يشدّ عصب المؤيدين والمترددين.

هذه المصافحة لم تكن بيضة ديك على ما تتصف به أحداث الصدفة من خارج السياق ومن دون مقدمات ونتائج. فقد سبقتها دعوة رسمية وجهتها السعودية إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لبحث توطيد التعاون بين الرياض وبغداد بحسب البيان الرسمي وهو ما قام به رئيس الوزراء حيدر العبادي وفق البيانات الرسمية نفسها. لكن دعوة السيد مقتدى الصدر جاءت إثر قطيعة استمرت 11 عاماً ما يشير إلى أن السعودية تسعى إلى وصل ما تقطّع بينها وبين المنطقة عبر طرق لا تدل على تراجع مفاجىء في سياستها الإقليمية. فالتيار الصدري يتميّز بفكر نقدي تجاه معظم سياسات دول المنطقة، ويتميّز بنقد أشدّ تجاه السياسة السعودية في المنطقة وبعزيمة كبيرة لمواجهة استراتيجية الولايات المتحدة راعية السعودية.

الإعلام السعودي يحاول تغطية هذه الانعطافة بتضخيم ما يظنّه "خلافات عميقة" بين التيار الصدري والتيارات السياسية في المنطقة التي تواجه الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. لكن التيار الصدري الذي يدعو إلى مواجهة أميركا وإسرائيل يفترق عن السعودية في الأسس ولا يتقارب معها إلاً في حدود تقاربها مع دعوته لوقف الحروب. ففي هذا السياق تتخلى السعودية عن صلب سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا"، معربة بمجرد اللقاء مع السيد مقتدى الصدر عن ميل لتغيير سياستها الإقليمية وعن استعداد للبحث في الكفّ عن إذكاء نار الحروب. وربما تقصد السعودية من وراء تغيير السلوك الصلف محاولة تحسّس حرارة المناخ الإقليمي من دون تنازلات سياسية ملموسة.

في مأزق الحرب على اليمن، تأمل السعودية أن تنجح بنقل المفاوضات المرتقبة بين الأطراف اليمنية من سلطنة عمان إلى الأردن بعد أن اشتدت الضغوط على السعودية لوقف الدمار وجرائم الإبادة الجماعية بالجوع والكوليرا. وفي هذا السبيل يلتقي عبد الملك المخلافي مع رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقى ووزير الخارجية أيمن الصفدي وقت زيارة اسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى الأردن. لكن الأطراف المواجهة للتحالف السعودي ترفض التفاوض في الأردن وتضغط بذلك على ولد الشيخ وعلى المسؤولين الأردنيين للتراجع عن هذا الخيار.

في مأزق التحالف الأميركي في سوريا، تحاول السعودية تجديد شباب هيئة التفاوض في الدعوة إلى لقاء في الرياض مع منصات موسكو والقاهرة. لكن المنصات ترفض اللقاء في الرياض وتصر على اللقاء في جنيف. فهيئة التفاوض التي أقالت خالد المحاميد لأنه أفصح عن أن "المعارضة أصبحت تعتمد على الدور العربي وخاصة المصري في حل القضية السورية"، تبحث عن تعويم نفسها بين معارضات أكثر واقعية في النظر إلى موازين القوى السورية في تسجيل مواقف الاعتراض على الأقل. فهي إلى جانب الراعي السعودي الذي يعلن عن "موقف المملكة الثابت" في رفض بقاء الرئيس السوري بحسب بيان الخارجية السعودية، لم يعد لها دور على طاولة المفاوضات بعد أن انتهت اللعبة وبعد تراجع ماكرون وأوروبا عن السياسة السابقة.

الخيارات والمراهنات السعودية تجاوزتها الأحداث الميدانية في سوريا والعراق واليمن، وفاتها القطار السياسي الإقليمي والدولي. ولا ريب في أن السعودية تشعر بما يفقأ العين، وهي تحاول أن تتغيّر بهدوء طويل أملاً بحفظ ماء الوجه حرصاً على ادعاء مزعوم بالهيبة والمكانة في قيادة تحالف مقابل محور. لكنها في هذا الادعاء تهرب من أزمة إقليمية إلى مأزق في عقر دارها كما تدل محاولة تطويع قطر. ففي بعض الأحيان يتوقف بقاء الدول على حكمة اعترافها بهزائمها.
_____________
المصدر: الميادين نت


الجمعة، 23 يونيو 2017

مطالب دول حصار قطر

    يونيو 23, 2017   No comments
الكويت سلمت قطر قائمة بمطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
 
__________
1- إعلان قطر رسميا عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دوليا وأمريكيا على إيران، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران.

2- قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشؤها، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.

3- إعلان قطر عن قطع علاقاتها مع "كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية"، وعلى رأسها (الإخوان المسلمين — داعش — القاعدة — فتح الشام — حزب الله)، وإدراجهم ككيانات إرهابية وضمهم إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع، وإقرارها بتلك القوائم.

4- إيقاف كافة أشكال التمويل القطري لأي أفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية، وكذا المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع، وكذا القوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها.

5- قيام قطر بتسليم كافة العناصر الإرهابية المطلوبة لدى الدول الأربع، وكذا العناصر الإرهابية المدرجة بالقوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها، والتحفظ عليهم وعلى ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة لحين التسليم، وعدم إيواء أي عناصر أخرى مستقبلا، والالتزام بتقديم أي معلومات مطلوبة عن العناصر، خصوصا تحركاتهم وإقامتهم ومعلوماتهم المالية وتسليم كل من أخرجتهم قطر بعد قطع العلاقات وإعادتهم إلى أوطانهم.

6- إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها.

7- وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية، ومنع التجنيس لأي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع، وإعادة كل من تم تجنيسه في السابق بما يخالف قوانين وأنظمة هذه الدول وتسليم قائمة تتضمن كافة من تم تجنيسه وتجنيده من هذه الدول الأربع، وقطع الاتصالات مع العناصر المعارضة للدول الأربع، وتسليم كل الملفات السابقة للتعاون بين قطر وتلك العناصر مضمنة بالأدلة.

8- التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر.

9- أن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي، على كافة الأصعدة بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي، وقيامها بتفعيل اتفاق الرياض لعام 2013 واتفاق الرياض التكميلي لعام 2014.

10- تسليم قطر كافة قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين الذين قاموا بدعمهم، وإيضاح كافة أنواع الدعم الذي قدم لهم.

11- إغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر.

12- كافة هذه الطلبات يتم الموافقة عليها خلال 10 أيام من تقديمها وإلا تعتبر لاغية.

13- سوف يتضمن الاتفاق أهداف واضحة وآلية واضحة، وأن يتم إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.

الخميس، 26 يناير 2017

هل يستطيع ترامب إقامة "منطقة آمنة في سورية"؟... هل نشهد تقاربا بين “النصرة” و”الدولة الإسلامية”؟ وصداما روسيا أمريكيا؟ وما دور مؤتمر استانة في كل ذلك؟

    يناير 26, 2017   No comments
هل يستطيع ترامب إقامة "منطقة آمنة"؟

 قاسم عزالدين

قد لا يكون حديث ترامب في المنطقة الآمنة أجدى من الأماني التركية بخصوصها وما إحالتها للدراسة ووضع الخطة سوى من علامات المماطلة. فالدراسات والخطط التي أعدّتها وزارتا الخارجية والدفاع في عهد باراك أوباما لا تشوبها شائبة على الورق. لكنها في كل مرّة كان يتم البحث في وضعها على الأرض، كانت تواجهها معضلات تتجاوز قدرة الولايات المتحدة في أولوياتها.
ما تناوله دونالد ترامب بصدد رغبته في إقامة منطقة آمنة في سوريا، جاء في سياق حديث عن شاغله الشاغل لمحاربة المهاجرين. فما وعد به أثناء حملته الانتخابية يحاول أن يقدمه بطابع التزام جدي في إدراجه ضمن ما يُعرف بتقليد أول تسعين يوماً بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية.
في هذا السياق تطرّق ترامب في حديثه مع قناة "أي بي سي نيوز" الأميركية، إلى التأكيد على إقامة منطقة آمنة وأن وزارتي الدفاع والخارجية "ستعدّان الدراسة لوضع الخطة". لكن ما أشار إليه هو فرع من أصل عدائية للهجرة أسهب فيها ظناً أنها علّة العلل في أميركا والعالم. وسرعان ما وقعت إشارة ترامب في وزارة الخارجية التركية موقعاً طيّباً، إذ تلقفها الناطق الرسمي باسمها حسين مفتي أوغلو مذكّراً بالفضائل التركية السبّاقة منذ زمن طويل في مضمار المنطقة الآمنة. لكنه لم يشأ المغامرة في الإشادة بما تطرّق إليه ترامب منتظراً "نتيجة الدراسة ومقاصدها" كما قال.
وفي أغلب الظن أن ما يتناوله ترامب بشأن المنطقة الآمنة، لا يتقاطع مع الدعوات التركية بأكثر من التشابه في اللفظ ولا سيما في لحظة تدعو فيها واشنطن رعاياها في تركيا إلى توخّي الحذر "على خلفية تصعيد الخطاب المعادي للولايات المتحدة". بل ربما أن مقاصد الطرفين متناقضة تماماً من وراء القصد. فبينما يتوخّى البيت الابيض إقامة المنطقة الآمنة مع وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، تأمل أنقرة أن تكون ضدها في التمام والكمال.
وقد لا يكون حديث ترامب في المنطقة الآمنة أجدى من الأماني التركية بخصوصها وما إحالتها للدراسة ووضع الخطة سوى من علامات المماطلة. فالدراسات والخطط التي أعدّتها وزارتا الخارجية والدفاع في عهد باراك أوباما لا تشوبها شائبة على الورق. لكنها في كل مرّة كان يتم البحث في وضعها على الأرض، كانت تواجهها معضلات تتجاوز قدرة الولايات المتحدة في أولوياتها. ومنها عدم استعداد واشنطن لمغامرة عسكرية على الأرض في مواجهة موسكو، كما قال جون كيري سابقاً وكما يقول دونالد ترامب اليوم ولاحقاً. ومنها أيضاً عدم استعداد واشنطن لفرض حظر طيران والتفريط بالتنسيق مع موسكو في الأجواء السورية، وهو ما يأمل ترامب توطيده في مواجهة "داعش" والنصرة كما يقول.
ما توقفت عنده إدارة أوباما من معضلات حاولت تخطيها في الاعتماد على حرب بالوكالة، لا تحظى بمثله إدارة ترامب المنكفئة على نفسها من دون أن يبقى لها الكثير من الأوراق لحرب بالوكالة على الأرض. فمعظم الأوراق في الأزمة السورية باتت في أيدي الثلاثي الراعي لمحادثات آستنة روسيا وإيران وتركيا، على ما يتقاطع عليه الثلاثي وليس على ما يرغب كل من جانبه.المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أشار إلى هذا المتغيّر فيما يدل على أن الادارة الاميركية ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار المستجدات وعليها "دراسة العواقب المحتملة كافة". فقطار الثلاثي يتحرّك من محطة الأزمة السورية السابقة بتوأدة لكن بشكل محسوس. وقد شعرت بتحركه دول أوروبية كثيرة تحاول أن تحجز لها مقعداً، وفي مقدمها فرنسا بمرشحها الاشتراكي المحتمل "بنواه هامون" ومرشحها اليميني "فرنسوا فييون" فضلا عن مرشح اليسار الراديكالي "جون لوك ملنشون" ومرشحة اليمين الشوفيني مارين لوبان.
تشعر بالتحرك أيضاً دول مجلس التعاون الخليجي التي أوفدت وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الصباح إلى طهران "من أجل حوار يتحلّى برؤية مستقبلية لمواجهة الأخطار التي تهدد المنطقة" كما نُقل عن رسالة الأمير. ولا ريب أن ما يتواتر عن اتصالات بين عمان ودمشق لمواجهة مخاطر "داعش" في البادية السورية وحوض اليرموك، قد لا يكون جلّه محض ادّعاء في ظل نقلة نوعية بين موسكو وعمان. وفي هذا السياق تدعو موسكو حزب الاتحاد الديمقراطي بين منصّات سياسية أخرى في اتجاه مرجعية مفاوضات جديدة في جنيف، وربما لقطع الطريق على الفيدرالية في اتجاه حلول أخرى.
قد تكون تعقيدات الأزمة السورية شديدة التشعّب، لكن القطار يتحرّك نحو ضوء آخر النفق.
______________

ترامب يفاجئ الروس بقرار إقامة “مناطق آمنة” في سورية.. و”الجيش السوري الحر” يتآكل لمصلحة “احرار الشام” الاخوانية المدعومة تركيا.. فهل نشهد تقاربا بين “النصرة” و”الدولة الإسلامية”؟ وصداما روسيا أمريكيا؟ وما دور مؤتمر استانة في كل ذلك؟

عبد الباري عطوان
نتائج مؤتمر استانة الذي اختتم اعماله قبل يومين فقط، بدأت تنعكس توترا وصدامات دموية على الأرض السورية بين الفصائل المسلحة، حليفة الامس، ودخول دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد الى الحلبة “مبكرا”، بإعلانه عن إقامة “مناطق آمنة” في سورية “للأشخاص الفارين من العنف”.
التطور الأول، أي الاشتباكات الدموية بين فصائل الجيش الحر التي شاركت في مؤتمر استانة، وجبهة “النصرة” كان متوقعا، لان هذه الفصائل التزمت بإتفاق يحولها الى “صحوات” تنخرط في تصفية الأخيرة المدرجة على قائمة الإرهاب روسيا وامريكيا، وأخيرا تركياً، لكن ما لم يكن متوقعا هو “المناطق” الآمنة التي يريد ترامب اقامتها داخل الأراضي السورية على الأرجح.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اكد على لسان ديمتري باسكوف المتحدث باسمه صباح اليوم انه فوجيء بالموقف الأمريكي الجديد، واكد انه لم ينسق مع موسكو حول هذه المسألة، ودعاه الى دراسة العواقب التي يمكن ان تترتب على هذا القرار في تحذير واضح”.
***
انعقاد مؤتمر استانة كان احد ابرز إنجازات “الدهاء الروسي”، لانه حقق الفصل بين جبهة “النصرة” وفصائل الجيش السوري الحر أولا، وبين جبهة “النصرة” وحليفتها الاستراتيجية حركة “احرار الشام”، ووظف الطرفين الأخيرين في اطار مخطط لتصفية الأولى، أي “النصرة”، في شمال سورية، ثم الانتقال لتصفية “الدولة الاسلامية” في غربها.
بعد “اكمال” عملية الفصل على الأرض، جرت عملية الغاء لـ”الجيش الحر” كمظلة للفصائل المعتدلة، وتوحيد معظم فصائله تحت مظلة كيان قديم جديد عنوانه “احرار الشام” التنظيم الموالي لتركيا، ويعتقد انه الذراع العسكري لحركة “الاخوان المسلمين” السورية.
حركة “احرار الشام” أعلنت الحرب، وبإيعاز من تركيا، عسكريا وسياسيا، على جبهة “النصرة” وفي منطقة ادلب على وجه الخصوص:

  
   عسكريا: تحت ذريعة حماية الفصائل التي وقعت على اتفاق استانة، وتعرضت لتصفية دموية من قبل جبهة النصرة، مثل جيش المجاهدين، صقور الشام، جيش الإسلام، (قطاع ادلب)، ثوار الشام، الجبهة الشامية، وحركة استقم.
    سياسيا: من خلال وضع الحكومة التركية جبهة “النصرة” على قائمة الارهاب رسميا اليوم الى جانب “الدولة الإسلامية”، وبعد تلكؤ استمر ست سنوات، وإصدار الائتلاف الوطني السوري المعارض بيانا بعد اجتماعه الطارئ بإسطنبول، وبإيعاز تركي أيضا، ادان فيه الجبهة (النصرة)، ووصفها بأنها تنظيم إرهابي عابر للحدود، يتبنى فكرا منحرفا، وسلوك متطرف، ورفض البيان تغيير الاسم الى “فتح الشام”، واصر على ربطه بتنظيم “القاعدة”، وهذا تطور جديد أيضا.

حتى قبل استانة كانت هذه الفصائل تقاتل الى جانب جبهة “فتح الشام” النصرة، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” والجيش السوري، وشكلت معها جيشا مشتركا تحت اسم “جيش الفتح” الذي يسيطر على مدينة ادلب حاليا، فماذا حدث لتنقلب الأمور رأسا على عقب في غضون أيام او أسابيع على الأكثر؟
جبهة “فتح الشام” او “النصرة” كانت البادئة بالهجوم الشرس لتصفية الفصائل التي ذهبت الى استانة، وخاصة صقور الشام، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية، بضغط او تنسيق تركي لسببين:

    الأول: وصول معلومات مؤكدة ان بعض هذه الفصائل هي التي قدمت معلومات للتحالف الأمريكي عن تحركات عناصرها وقياداتها، مما أدى الى استهدافها ومقتل 13 في غارات أمريكية.
    الثاني: تعهد هذه الفصائل في الانخراط في حرب ضدها في استانة باعتبارها حركة إرهابية.

جبهة “النصرة” تواجه المصير نفسه الذي واجهته “الدولة الإسلامية” ومن قبلها الفصائل المذكورة نفسها، وبالذريعة نفسها، أي تجاهل “فتح الشام” الدعوات للاحتكام الى المحكمة الشرعية التي دعت لانعقادها حركة “احرار الشام” لحقن الدماء، الامر الذي دفع هذه المحكمة وداعميها الى وصفها، أي جبهة النصرة، بـ”الفئة الباغية” وتحميلها مسؤولية هذا التجاهل.
***
لا نعرف ما هو موقف منظري الحركات الجهادية في داخل سورية مثل الشيخ عبد الله المحيسني القاضي الشرعي لحركة “احرار الشام” و”المجاهدين”، وكذلك مواقف الشيخين ابو محمد المقدسي، وعمر عثمان ابو عمر “ابو قتادة”، اللذين انتصرا لجبهة النصرة، او بالأحرى الذراع العسكري لتنظيم “القاعدة” في سورية، في خلافها مع “الدولة الإسلامية” كما لا نعرف أيضا موقف الدكتور ايمن الظواهري، زعيم “القاعدة”، تجاه هذا التطور الذي ستترتب عليه نتائج خطيرة جدا.
اختلطت الأوراق سريعا على الساحة الميدانية السورية، وتبخرت بعض الآمال في تحقيق تسوية سياسية تحقن الدماء، وبث الحياة مجددا في العملية السياسية التفاوضية، وانعقاد مؤتمر جنيف في الأسبوع الثاني من شهر شباط (فبراير) المقبل.
لا نستبعد، او نستغرب، حدوث نوع من التقارب بين جبهة “النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” باعتبارهما في دائرة الاستهداف، مثلما لا نستبعد بداية خلاف وربما تصادم بين “الصديقين” بوتين وترامب على الارض السورية.
فإعلان ترامب عن اصراره لاقامة مناطق آمنة، واعطائه صقور وزارة الدفاع 90 يوما لوضع هذه الخطة والبدء في تنفيذها لاحقا، وترحيب تركيا السريع، كلها تتطلب فرض حظر جوي، وجود قوات ومعدات أمريكية بأعداد ضخمة على الأرض، وزيادة اعداد الطائرات الحربية، فهل ستسكت موسكو على هذا التدخل العسكري المباشر الذي سيهدد تفردها بالساحة السورية، وكيف سترد؟
الازمة السورية تنتقل الى “مربع″ جديد، وسحب التفاؤل التي سادت مؤتمر استانة مرشحة للتبدد لمصلحة سحب سوداء اكثر تشاؤمية، مما يضع الجميع امام معادلات جديدة، ونأمل ان نكون مخطئين.

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

«عصا» البشير والانقلابات الخاسرة: من كتف إيران إلى كنف السعودية

    نوفمبر 04, 2015   No comments
خليل كوثراني


 كأن البدايات منحت عمر البشير ليونة فريدة في إدارة الظهر لرفاق الأمس. حين أنجز الرئيس السوداني آخر الانقلابات العسكريّة في العالم العربي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أتبعه بانقلاب على الحليف والداعم الرئيس لإطاحته نظام الصادق المهدي، حسن الترابي. تجربة المشير الانقلابيّة في الداخل، يستنسخها الأخير في علاقات السودان الخارجية. بمرونة وخفة ينقل البشير «عصاه» من كتف إيران إلى كنف السعوديّة، معيداً تموضع الخرطوم لحظة اشتباك إقليمي

لم يرصد لإيران في العالم العربي، بعد سوريا، صديق أكثر قرباً من نظام عمر البشير. كان السودان حتى وقت متأخّر شريكاً غير معلن في «محور الممانعة»، تثير علاقاته الاستراتيجية بإيران حنق كل من السعودية وإسرائيل على السواء. كثيراً ما اتهمت تل أبيب الخرطوم بنقل أسلحة إيرانية إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتوّجت اتهاماتها بالغارة الشهيرة على مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في العاصمة السودانية عام 2012.

يربط البعض بين هذا الهجوم وواحدة من الوثائق السعودية التي كشفتها «ويكيليكس» في حزيران الماضي. في البرقية المذيّلة بعبارة «سرّي جداً» يخطر دبلوماسيون سعوديون سفارة بلادهم في السودان بمزاعم عن وصول معدات نووية إلى مطار الخرطوم، بينها أجهزة طرد مركزي، مصدرها إيران.

المحطة الأبرز زمن التباعد السوداني ــ السعودي، كانت في آب عام 2013، حين اعترضت الرياض طائرة الرئيس المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف، وهي في طريقها إلى طهران. إهانة لم تمنع عمر البشير، بعد قرابة سنة، من إرسال أولى إشارات الانفضاض عن طهران، وتلقّف مغريات خصم البارحة، طمعاً بدعم اقتصادي يعيد ترتيب البيت الداخلي للبلد الفقير والخارج من الحرب ومخاض انفصال الجنوب.

أحكم البشير التصويب على هدف يقنع النظام السعودي بصدق «توبته». في أيلول عام 2014، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية إغلاق المركز الثقافي الإيراني بحجة أنه «أصبح مهدداً للأمن الفكري والاجتماعي في السودان». هذا العزف على وتر «نشر التشيّع» عبّد طريق البشير إلى قصور جدة والرياض. بالتزامن مع الإعلان عن إقفال المركز الإيراني، حطّت طائرة الرئيس السوداني في مطار جدّة، في زيارة هدفها المعلن أداء مناسك الحج. من المدينة المنورة أطلق البشير، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط»، مواقف دشّنت شبه قطيعة مع إيران، مقابل استدارة نحو المحور السعودي.

لم يكتف الرجل وقتها بإسداله الستار على حالة الفتور في علاقة الخرطوم بالرياض على خلفيّة تقارب الأولى مع طهران ورواسب دعم السودان لبغداد إبّان حرب الخليج، بل ذهب البشير بعيداً لدى إجابته عن سؤال الصحيفة السعودية إذا ما كان إغلاق المركز الإيراني من باب التقيّة السياسيّة والتمويه بالقول «الحقيقة أننا ضدّ التشيّع تماماً».

رأى عمر البشير في الحرب السعودية على اليمن فرصة سانحة لإثبات ولائه للرياض، وبالتالي استدرار ما ينتظره من رفع لحجم استثمارات الأخيرة في بلاده. إثبات سيحتاج إليه البشير، كما ستظهر وثيقة تداولتها وسائل إعلام سودانية تكشف ارتياب الرياض من نيات النظام السوداني. في نص الوثيقة السرية الموقّعة بخط رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، بعد أيام على انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، والحاملة عنوان: «السودان وعاصفة الحزم»، يخاطب الحميدان جهة لم يسمّها بالقول: «وكان السودان لفترات طويلة حليفاً قوياً لإيران في المنطقة، ومهدّداً لأمن المملكة العربية السعودية وللمنطقة العربية بأسرها بهذا التحالف المشبوه، وقد تم رصد مساعدات عسكرية كبيرة للحوثيين، قدمت لهم من قبل إيران، وقامت حكومة البشير بإيصالها عبر جيبوتي... واتضح بعد مراجعة الكثير من التقارير الاستخباراتية أن (عمر) البشير شخصيّة لا يمكن الاعتماد عليها، وأنه يودّ الإمساك بكل أوراق اللعبة في يديه، من إعلان تحالفه مع المملكة العربية السعودية على الملأ والاحتفاظ بعلاقات سريّة مع إيران من جهة أخرى». ويخلص تقرير المخابرات السعودية إلى التوصيات الآتية: «توصي اللجنة العليا المكلفة بمتابعة ملف السودان ودوره في عاصفة الحزم، بتوخي الحذر البالغ في كشف أي أسرار حربية تتعلق بمخططات المملكة لمحاربة الحوثيين للجانب السوداني، كما توصي بمسايرة السودان واتخاذ سياسة النفس الطويل معه، ومراقبة قياداتهم العسكرية بالمملكة...».

بالتوازي مع إطلاق الحرب على اليمن، استدعى الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الرئيس عمر البشير، وسحب منه موافقة الخرطوم على الانخراط في العمليات العسكرية. أياماً معدودة وأرسلت الرياض وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي إلى السودان، مغدقاً وعود توسيع التعاون بين البلدين، ورفع الاستثمارات السعودية في قطاع الزراعة السوداني. استثمارات توقعت حكومة الخرطوم أن تصل إلى قيمة 15 مليار دولار أميركي بحلول 2016.

ضمان استجرار البترودولار السعودي صوب حقول ضفاف النيل وفدادينها، في ظل التشكيك السعودي في نيات البشير، يلزمه تعدّي الإعلان المساير للرياض عن الانضمام إلى حرب اليمن ووضع طائرات سودانية غير فاعلة تحت تصرف السعوديين وإغراءات وزير دفاع الخرطوم للمملكة بالحديث عن موقع بلاده الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، نحو مشاركة قوات برية في العمليات الحربية.

منتصف تشرين الأول وصلت إلى ميناء عدن، جنوبي اليمن، كتيبة مقاتلة من الجيش السوداني عبر البحر الأحمر، قدرت بـ300 ضابط وجندي. خطوة علّقت طهران عليها على لسان مساعد وزير خارجيتها، حسين أمير عبداللهيان، باعتبارها «لن تجدي نفعاً». رغم دبلوماسية التصريح، اختارت الخرطوم أن تخلق سجالاً مع الإيرانيين عبر الرد على كلام عبداللهيان، فوصف وزير خارجيتها إبراهيم غندور موقف بلاده بأنه يأتي ضمن «موقف عربي موحد ساندته الجامعة العربية، وبعد أن شعرنا بخطورة الوضع من استيلاء الميليشيات على السلطة الشرعية».

البشير هو الآخر تصدّى للدفاع عن مشاركة السودان، مانحاً موقف بلاده من الحرب صفات «ثابت ومبدئي ووفي لالتزامات أخلاقية»، ومؤكّداً ــ أثناء تخريج دفعة جديدة من القوّات المسلّحة الأسبوع الماضي ــ أنه «ما كان للسودان أن يقف موقفاً سلبياً تجاه قضايا أمته العربية».

وتفيد المعلومات أن المطلوب من السودان، سعودياً، لا يقتصر على تعزيز الوضع في عدن بعد أن قويت شوكة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في المدينة. القوات الموالية للرياض على الأرض ترتقب وصول دفعات جديدة من القوات السودانية للالتحاق بمعركة تعز. معركة يجري الحديث عن توسيعها، في موازاة حديث سياسي عن عدم وثوق الإمارات بالرئيس عمر البشير ذي الأصول الإسلامية. ما بين الإماراتيين والبشير أكثر من عدم وثوق؛ فصاحب الجذور الإخوانية سيتخذ من مساحة تمركز حزب «الإصلاح»، أي محافظة تعز، مساحة لعمل قواته. أمر يصطدم بأجندة أبوظبي لإقصاء الإسلاميين، وهو ما ترجم حالة توتر بين القوات الإماراتية المتمركزة في عدن والجنود السودانيين الواصلين حديثاً، وفق بعض الأنباء.

نجح البشير، عبر إرساله قوات إلى اليمن، في إحراج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. تجديده التداول في ملف مثلث حلايب الحدودي الخلافي مع القاهرة، في هذا التوقيت، وطلبه وساطة الرياض، يقولان للنظام السعودي إنه أولى بـ«الرز» من جاره الذي لم يبع السعودية سوى الكلام. لكن ربما لم يكن في متوقع الزعيم السوداني أن أموال الخليجيّين لن تبقى «زي الرز» عن قريب، وفق أرقام صندوق النقد الدولي. المفارقة أن وزير البترول، في الدولة التي يطمع بخزائنها عمر البشير، علي النعيمي، يبشّر مواطنيه برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية. يذكر البشير تماماً ماذا يعني قرار مماثل، وهو الذي قتل جنوده المواطنين السودانيين في الشوارع وهم يحتجّون على تخفيض الحكومة دعم المحروقات عام 2013، فيما عرف «بانتفاضة سبتمبر».

توقيع أربعة اتفاقات اقتصادية بين الرياض والخرطوم

بحث الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز أمس، في الرياض، مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير والوفد المرافق، العلاقات الثنائية وأوجه التعاون بين البلدين في المجالات كافة، وسبل تطويرها وتعزيزها، إضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة.

وعقب جلسة المباحثات، وقّعت أربع اتفاقيات بين الحكومة السعودية والسودانية في حضور سلمان والبشير.
وشملت الاتفاقية الأولى مشروع اتفاق إطاري بشأن المشروع الطارئ لمعالجة العجز الكهربائي، محطة كهرباء البحر الأحمر 1000 ميغاواط مع الخط الناقل، فيما شملت الاتفاقية الثانية مشروع اتفاق إطاري بشأن الإسهام في خطة إزالة العطش في الريف السوداني وسقيا الماء للفترة من 2015 إلى 2020، والاتفاقية الثالثة مشروع اتفاق إطاري بشأن تمويل مشروعات سدود (كجبار والشُريك ودال). ووقع الاتفاقيات الثلاث التي جرت بين وزارة المالية، وزير المالية إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، وعن الجانب السوداني وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود عباس.
أما الاتفاقية الرابعة فتتعلق بالشراكة في الاستثمار الزراعي بين وزارة الزراعة السعودية ووزارة الموارد المائية والكهرباء في السودان، في مشروع أعالي عطبرة الزراعي، ووقّعها وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي ووزير الموارد المائية والكهرباء السوداني معتز موسى سالم.

_______
(الأخبار)

الأحد، 11 أكتوبر 2015

«أصدقاء روسيا» الأوروبيون: أعطوا بوتين فرصته في الحل السوري!

    أكتوبر 11, 2015   No comments
وسيم ابراهيم
داخل أروقة الأمم المتحدة، كانت الاتصالات جارية بكثافة. الهواتف ترن من دون توقف، والمبعوثون يجولون في لقاءات لم يخرجوا منها بوجوه منشرحة. الأمر طارئ، الهجمات الروسية استهدفت معاقل للمعارضة، منها مجموعات درّبتها وسلحتها واشنطن. إنه المحكّ الذي سيبيّن معدن الصداقة المزعومة، قوّتها، وإلى أي مدى يمكن الاتكال عليها.
كان المنتظر، بالحد الأدنى، أن يحضر ممثلون عن 11 دولة، شكلّوا ما يسمى نواة «مجموعة أصدقاء سوريا». كانوا عملياً يقفون خلف المعارضة السورية. برغم اللحظة الاستثنائية الروسية، وخسائرها على المعارضة في كل اتجاه، خاب أمل من تولّوا الاتصالات الاستنفارية: سبع دول لا غير! هذه الدول هي: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، المانيا، السعودية، تركيا وقطر.
العمليات الروسية وضعت مجموعة الأصدقاء المقربين على مفترق، لتصير «مجموعة السبع». أمكن توقّع بعض المنسحبين، لمقدمات معروفة، لكن آخرين بدا اعتكافهم لافتاً بالفعل. لم تلبِّ نداء الاستنفار للتوقيع كل من: إيطاليا، الإمارات، الأردن ومصر.
مصدر أوروبي، على تواصل مستمر مع الخارجية الايطالية، قال لـ«السفير» إن موقف حكومة رئيس الوزراء ماثيو رينزي كان واضحاً تماماً حيال هذه القضية: «شرح ممثلو إيطاليا أن دولتهم لها موقف مختلف حيال روسيا، لا تشارك الآخرين موقف المواجهة معها»، قبل أن يضيف «ببساطة قالوا إن موقفهم يعني أنه لا يمكنهم التوقيع على هذا البيان، إيطاليا تنظر للدور الروسي بطريقة مختلفة».

اللافت أن بيان «مجموعة السبع» لم يحمل تلك النبرة القاسية جداً، قياساً بالصدمة التي أحدتثها الغارات الروسية على مجموعات مدعومة غربياً. لم يتضمن كلمات شجب وإدانة مباشرة، تبرّر جديّاً القلق من استعداء موسكو. اعتبر البيان أن الضربات الروسية تمثل «مزيداً من التصعيد، ولن تحقق سوى تأجيج التطرف والتشدد»، مطالباً روسيا بالتركيز على «داعش» ووقف عملياتها «على المعارضة والمدنيين فوراً».
الجميع الآن أمام واقع جديد: روسيا تقاتل في سوريا حتى إشعار آخر. هذا يرجّح أن تصدّع نواة أصدقاء المعارضة السورية لن يكون ظرفياً، ما دام أي بيان لها سيصطدم بما يجب قوله عن دور موسكو. هذا التطور يشكّل أكبر انحدار تعيشه «مجموعة أصدقاء سوريا». أول من أعلن ولادتها كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، بعدما استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد مشروع قرار أممي قدمته باريس مع لندن لإدانة عمليات النظام السوري. بعدها، انعقد اول مؤتمر للمجموعة في تونس، في شباط 2012، معترفاً حينها بـ «المجلس الوطني السوري» بوصفه «الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري». لم يبقَ من الأصدقاء من يمكن جمعه الآن، ولم يبقَ منهم من يعترف، بالقول والفعل، بوحدانية التمثيل التي وُرِّثت لـ«الائتلاف الوطني المعارض».
انعكاسات ذلك لطالما كانت واضحة في مرايا السياسة الأوروبية المشتركة، مع جدالات لم تتوقف في عاصمتها بروكسل. التدخل الروسي، والموقف منه، أحدث «صدعاً جديداً» في الموقف الاوروبي المشترك. هذا ما يؤكده لـ«السفير» ديبلوماسي رفيع المستوى، واسع الاطلاع على المداولات الأوروبية. يشرح أن الانقسام الأوروبي حول طريقة التعاطي مع موسكو في الأزمة الأوكرانية، صارت ظلاله تغطي أيضاً الملف السوري. بات «المعسكر المعتدل» حيال روسيا يشكّل «تقريباً نصف دول الاتحاد الأوروبي».

بحسب شرح الديبلوماسي، يعتمد معسكر «الاعتدال» مرافعة قائمة على حجج عدة. البعض يعتبر أن التدخّل المباشر بهذا الزخم «يعطي روسيا أوراقاً أقوى، ما يعني إمكانية الانخراط معها للحصول على تنازلات أكبر من النظام» السوري. هؤلاء يدعمون موقفهم بالحديث عن «منافع» أن تكون روسيا «المحاور الأساسي الذي يجلس على الطرف المقابل»، بخصوص الملف السوري، وليس إيران التي يفرز تصدرها الصورة حساسيات عديدة.
بالنسبة لآخرين، فهم يحذرون من «الإفراط في انتقاد روسيا»، على اعتبار أن ذلك يصبّ في مصلحة «خطاب المنظمات المتطرفة التي تتحدث عن غزو صليبي، ولا تفرق بين روسي وأوروبي». إضافة إلى ذلك، يتساءل بعض الأوروبيين إن كان من الحكمة معارضة عمليات عسكرية «تجعل الحرب على داعش أكثر فعالية».
كل هذا يجعل الأوروبيين الآن يخوضون جدالات شاقة، محاولين الوصول إلى صياغة مشتركة لموقفهم من قضيتين أساسيتين: ما الذي يمكن قوله حول التدخّل الروسي، إضافة إلى مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
لسان حال مؤيدي «الاعتدال» بات لا يمانع في أن تعطى روسيا الفرصة، ثم يمكن رؤية أي تسوية يمكن أن تجلبها إلى الطاولة ما دام التفاهم مع موسكو هو أنه «لا حل عسكرياً» يمكنه حسم الصراع. يذكرون أنه سبق لموسكو، حينما اقتضت الضرورة بالنسبة لها، أن جلبت الاتفاق على نزع السلاح الكيميائي، الأمر الذي وفّر سُلَّماً لواشنطن للنزول عن شجرة الضربات الجوية.


في سياق مواز، يقول المصدر الديبلوماسي إن السؤال الذي كان يحيط بالدور الروسي لطالما كان: هل هم قادرون على إلزام دمشق بتسوية ما، ثم هل هم راغبون بذلك. واقع التدخّل المباشر «أزال السؤال الأول، لأنها على الأقل باتت قادرة الآن، وهذا بالمبدأ يسرّع عملية الحل السياسي»، يوضح المصدر، مضيفاً أن «السؤال الآن هو هل هي راغبة بفرض تسوية، ثم أي تسوية لأن التدخل بالتأكيد يغيّر موازين القوى».
من جهة موسكو، هناك مؤشرات عديدة تدعم هذا الطرح. أول ذكر رسمي لاحتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرّة في سوريا، كجزء من الحل، خرج من موسكو لا من دمشق. عملياً، ما يدعو له الداعمون الاوروبيون لمنح موسكو فرصتها كاملة، هو انتظار ترجمة رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المباشرة إلى حليفه السوري.
حينما أعلن إطلاق العمليات العسكرية، اعتبر بوتين أن «حلاً نهائياً وطويل الأمد في سوريا ممكن فقط على أساس الإصلاح السياسي وعلى أساس الحوار بين القوى الطبيعية في البلاد»، قبل أن يرسل «أمنيات» شخصية بالقول «أعرف أن الرئيس الأسد يدرك ذلك وجاهز لعملية كهذه. نأمل أنه سيكون فعالاً ومرناً ومستعداً للقيام بتسوية من أجل بلده وشعبه».
سياسي أوروبي منخرط في مناقشات الملف السوري، ويلتقي مختلف الفاعلين فيه، يقول لـ «السفير» إن روسيا «لم تكن لتتدخل أصلاً لولا أن التهديد لمصالحها وصل إلى المنطقة الحمراء». يتساءل بلهجة مشككة «هل هم هناك لإنقاذ الأسد أم لإنقاذ النفوذ الروسي؟»، قبل أن يوضح وجهة نظره بالقول «قبل تدخلهم كان ذهاب الأسد سيعني ذهاب النفوذ الروسي معه، أما الآن فيمكن لروسيا، حينما تريد، أن تقوم بتنظيم الانتقال السياسي بما يضمن الحفاظ على نفوذها».
المصدر الذي التقى مؤخراً مسؤولين خليجيين، ينقل تشكيكاً واضحاً بوجود «تفاهم نهائي» بين واشنطن وموسكو حول خطوتها السورية الكبيرة. يقول إن «الأميركيين حذروا روسيا من أنها تنزل في مستنقع. لكنهم ليسوا منزعجين من ذلك»، قبل أن يضيف «هم يراهنون على أن روسيا ستتورط، أكثر وأكثر، خصوصاً حينما تصل الأسلحة الأكثر تطوراً للمعارضة».
مع ذلك، البعض يشككون في أن موسكو راغبة، أو قريبة، من فرض التسوية. مسؤول أوروبي رفيع المستوى، قال رداً على أسئلة «السفير» إن الحديث عن خلافات أوروبية لا يلغي أن «ما هو واضح أن هناك إجماعاً (اوروبياً) على أن الأسد لن يكون جزءاً من الحكم المستقبلي لسوريا»، معتبراً أن «هذا ليس الخط الروسي في الوقت الحالي، لكننا نناقش معهم حتى نقرّب مواقفنا».

الجمعة، 11 سبتمبر 2015

خطاب أحد أحفاد الملك عبد العزيز: نذير عاجل لكل آل سعود

    سبتمبر 11, 2015   No comments

نشر المغرد السعودي "مجتهد" النص الكامل لخطاب أحد أحفاد الملك عبد العزيز، بعنوان "نذير عاجل لكل آل سعود"، والذي جرى تداوله بالـ”واتس اب” بين أفراد العائلة المالكة، والذي تحدث فيه عن تهميش أبناء الملك عبد العزيز، والانحراف عن الأسس والمبادىء التي وضعها في بناء الدولة السعودية الثالثة، وطالب الـ 13 من أولاد الملك عبد العزيز الذين مازالوا على قيد الحياة، بالتحرك وانقاذ الوضع، وقال “بينهم كفاءات وخبرات كبيرة”، و”نخص منهم الأمراء طلال بن عبد العزيز وتركى بن عبد العزيز وأحمد بن عبد العزيز، بما لهم من باع طويل، و خبرات سياسية و إدارية يعرفها الجميع،  يجب استثمارها فى صالح الدين والمقدسات والشعب”.

وقال “على هؤلاء الثلاثة بصفة خاصة، وعلى أبناء المؤسس ال 13 بصفة عامة أن يحملوا الراية وأن يجمعوا الآراء، وأن يحشدوا الصفوف من آل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، بقيادة الأكبر والأصلح منهم ومن أبنائهم القادرين، الذين هم كنز لا يفنى بإذن الله، للتحرك وتنفيذ ذات ما فعله الملك فيصل وأخوانه و أبناؤهم و أبناء إخوتهم عندما عزلوا الملك سعود “.

وفي بداية خطابه قال “حفيد الملك عبد العزيز” أنها “نصيحة ونذير لكل من تصله الرسالة من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله”، واضاف في خطابه قائلا “أخاطبكم بإخلاص الإمام محمد بن سعود وإصرار الإمام فيصل بن تركي ومنهجية الملك عبد العزيز وخيرية سعود ودهاء فيصل و تديّن خالد وموازنة فهد و عقل نايف، بعيداً عن حُمْقِ عبد الله و (..) سلطان و(..) سلمان”.

وأضاف  في خطابه قائلا “أخاطبكم مستحضراً هذا كله، ومدركا مسؤوليتنا تجاه الله أولا ثم تجاه شعبنا ثم تجاه أنفسنا. أخاطبكم آملا أن نضع الاسترخاء واللا مبالاة جانبا وننظر إلى التحديات الخطيرة بعين الجد والقلق ونفكر بأمانة وصدق ونتصرف بمسؤولية وحزم”.

وتابع الخطاب “إن العاقل هو الذي يتعلم من التاريخ ويستفيد من دروسه ويتفادى الخطر من معرفة أسبابه، والأحمق هو الذي لا يلتفت إلى حوادث التاريخ ولا تجاربه. لقد تعلمنا من التاريخ كيف تجاوز الملك عبدالعزيز تحدي السبلة وأم رضمة، وكيف استطاعت العائلة لم شملها بكفاءة بعد الخلاف بين سعود وفيصل رحمهما الله، وكيف صمدت أمام عاصفة الناصرية ثم أزمة الكويت. لكن كذلك تعلمنا من التاريخ أن الدولة الأولى لم تصمد أمام الغزو المصري وأن الدولة الثانية تمزقت بسبب الخلافات”.

وفيما يلي  نص هذا الخطاب كما أورده مجتهد..
___________________




بسم الله الرحمن الرحيم
نذير عاجل لكل آل سعود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين و بعد.
هذه نصيحة ونذير لكل من تصله الرسالة من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله.
أخاطبكم بإخلاص الإمام محمد بن سعود وإصرار الإمام فيصل بن تركي ومنهجية الملك عبد العزيز وخيرية سعود ودهاء فيصل و تديّن خالد وموازنة فهد و عقل نايف، بعيداً عن حُمْقِ عبد الله و سرقات سلطان و عجز سلمان.
أخاطبكم مستحضراً هذا كله، ومدركا مسؤوليتنا تجاه الله أولا ثم تجاه شعبنا ثم تجاه أنفسنا. أخاطبكم آملا أن نضع الاسترخاء واللا مبالاة جانبا وننظر إلى التحديات الخطيرة بعين الجد والقلق ونفكر بأمانة وصدق ونتصرف بمسؤولية وحزم.
إن العاقل هو الذي يتعلم من التاريخ ويستفيد من دروسه ويتفادى الخطر من معرفة أسبابه، والأحمق هو الذي لا يلتفت إلى حوادث التاريخ ولا تجاربه. لقد تعلمنا من التاريخ كيف تجاوز الملك عبدالعزيز تحدي السبلة وأم رضمة، وكيف استطاعت العائلة لم شملها بكفاءة بعد الخلاف بين سعود وفيصل رحمهما الله، وكيف صمدت أمام عاصفة الناصرية ثم أزمة الكويت. لكن كذلك تعلمنا من التاريخ أن الدولة الأولى لم تصمد أمام الغزو المصري وأن الدولة الثانية تمزقت بسبب الخلافات.
لا نزكي أنفسنا ولا ندعي الكمال، وكثير ممن كان في أعلى المناصب كان عليه ما عليه من المآخذ، لكننا كنا نجتهد أن لا نقترف ما يقوض الحكم ويهدم الدولة. وأفضل من ذلك أنه حين تحصل تجاوزات على مستوى القرار السياسي يكون في العائلة من يعيد القرار لجادة الصواب أو يتدارك المسألة من أصلها حتى لو كان في ذلك تضحية بمناصب كبيرة في الدولة.
لقد ربانا المؤسس على مجموعة مباديء تديم الحكم وتقوي الدولة وتبقي البلد متجانسا بين حاكميه ومحكوميه. لقد تعلمنا منه أن دوام الحكم يقتضي أن لا يصل للسلطة إلا الأكبر والأصلح، وأن يشرك الباقين في قراراته، وأن تبقى صبغة الدولة إسلامية صافية، وأن لا نتساهل في تطبيق الشرع، وأن نحترم العلماء ونحفظ لهم دورهم في المجتمع، وأن نعطي وجهاء الناس قيمتهم.
كما علمنا رحمه الله أن لا نخلط بين الحكم والتجارة، وأن نأخذ نصيبنا من المال العام بشكل رسمي ولا نمد يدنا بتحايل وتدليس وغش مما يسمونه الآن الفساد والاختلاس. كما تعلمنا منه أن نحرص على الاستقامة في الأخلاق والدين، وإن ابتلينا بشيء أن لا نجاهر به ولا نتحدى. وتعلمنا منه أن ننزل الناس منازلهم ونتواضع في المجالس ونقبل النصيحة ولا نرد طالباً ولا نقفل باباً ولا ننهر سائلاً ولا نخذل متظلماً ولا ننصر ظالماً.
لقد بدأ التفريط ببعض هذه النصائح، ولم يتحرك العقلاء للأخذ على يد المفرطين، مما أدى للتساهل في بقيتها حتى فرطنا فيها جميعا، فصرنا قريبين من انهيار الدولة وخسارة السلطة، حتى توشك الكارثة أن تحل علينا وعلى غيرنا. وكان آخر ما فرطنا فيه هو تهميش الكبار وأصحاب الخبرة وتسليم الأمر لحدثاء الأسنان سفهاء الأحلام الذين يتصرفون خلف واجهة ملك عاجز.
آن الأوان أن نعترف بأخطائنا ونسعى لعلاجها بجد ومسؤولية وأمانة. كما آن الأوان أن نقر بأن المعطيات السياسية الإقليمية والعالمية تغيرت، وأن تطلعات الشعوب تختلف عما كانت عليه سابقا. وإذا أردنا أن نستدرك الوضع وننقذ الحكم والوطن فعلينا ان نتحلى بالجرأة والصراحة والاستعداد لكسر الحواجز المصطنعة والممنوعات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إن مواجهة هذه الأخطاء القاتلة ليس إثارة فتنة ولا سبب فوضى، بل هو الذي يحمينا من الفتنة ويعصم الوطن من الفوضى، ولو سكتنا بحجة تفادي الفتنة فالبلد كله سينزلق في أتون الفتنة والفوضى ونكون أول من انزلق معه. ولذلك أتمنى من كل من تصله هذه الرسالة أن يتقبلها بصدر رحب، حتى لو لم يعجبه كل ما فيها، ويقبل من حيث المبدأ أن التناصح الصريح الجريء وبيان الأخطاء هو الطريق الصحيح لتدارك المخاطر.
لقد بدأ الوضع يتدهور باتجاه خطير منذ أكثر من عشر سنوات حين تجرأ الملك عبدالله -غفر الله له- على سياسات خلخلت ثوابتنا ومنهجنا، وحين سكتنا عنها فتحنا المجال لمزيد من التدهور لمن جاء بعد وفاته.
كيف -مثلا- رضينا بتهميش أبناء عبدالعزيز سواء في السلطة أو بالمشاركة بالقرار؟ وكيف رضينا بموقف سلبي وعدم التدخل تجاه وضع الملك العقلي الذي يجعله غير مؤهل للاستمرار في الحكم؟ وكيف رضينا لشخص قريب من الملك بالتحكم بالبلد سياسيا واقتصاديا وتركه يخطط كما يريد؟
ثم كيف رضينا بسياسة خارجية تضعف ثقة شعبنا فينا وتؤلب علينا الشعوب الأخرى؟ وكيف رضينا الدخول في مخاطرات عسكرية غير محسوبة مثل الحلف العسكري لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن؟ وكيف رضينا أن يكون مصيرنا رهين نزوات مراهقين وتطلعات مستعجلين؟
وكيف رضينا كذلك بتمكين شخصيات معروفة بفسادها وتوجهها المحارب للدين في مناصب حساسة في الوقت الذي ندرك حساسية الدين عند شعبنا وعلمائنا؟ وكيف رضينا بالنزيف الهائل من أموال الدولة بما يزيد عن ضعف الإنفاق في السنوات الماضية؟
إن سكوتنا الأول هو الذي سمح بتراكم المخاطر، وعلينا أن نتحرك بجرأة على أن يكون هذا التحرك على مستوى صناعة القرار وإيجاد حل حقيقي لمشكلة الملك العاجز سلمان الذي يستغل وضعه شاب مراهق. ولن يمكننا إيقاف النزيف المالي والمراهقة السياسية والمجازفات العسكرية إلا بتغيير آلية القرار حتى لو استدعي الأمر تغيير الملك نفسه.
ثم علينا أن نستحضر أن شعبنا صار على درجة عالية من الوعي وقد توفرت لديه الأدوات التي يستطيع أن يتابع فيها الأوضاع، ومن الحمق والصفاقة أن نتصرف في الحكم كما لو كان الشعب مغيبا جاهلا عاجزا عن متابعة الأحداث والشؤون. ولذلك لا نريد أن نتحمل مسؤولية استغفال المواطنين والاستخفاف بهم، و لا نريد أن نتحمل مسؤولية التصرف سياسيا وإعلاميا دون استحضار تطورات وسائل الاتصال والمعلومات فضلا عن نشاطات المعارضين الذين يرصدون بكفاءة ما نحاول إخفاءه أو تضليل الشعب عنه.
أكتب لكم وأنا أدرك أن الوقت يمضي بسرعة، وكل يوم يمضي يجعل تدارك الأمر أصعب من اليوم الذي قبله، وأنا أعلم أن الكثير منكم يؤيدني فيما كتبت، لكن كلٌ يقول من الذي يرفع الراية. وها أنا قد رفعت الراية وأقولها بصوت مرتفع: لا يمكننا أن ننجح إلا بأعلى درجات المصارحة حتى لو خارج دائرة الأسرة ، وأقوى مستويات الجرأة والشجاعة في مواجهة المستغلين للوضع الخاطيء.
أرجو ممّن يصله كلامي هذا أن ينظر له بعين المسؤولية تجاه الدين والوطن، فإن لم يكن فلينظر بعين المسؤولية تجاه قوة وتماسك الأسرة وبقائها في الحكم، فإن لم يكن فلينظر بعين القلق على نفسه، فوالله لئن لم نتحرك ستمزقنا الأحداث جميعا ولآت ساعة مندم.
و فى ظل التدهور الحاد للأوضاع السياسية والإقتصادية، والإنخفاض الحاد فى أسعار النفط، والزيادة الهائلة فى الدين العام، نناشد جميع أبناء الملك عبد العزيز، من أكبرهم الأمير بندر، إلى أصغرهم سناً الأمير مقرن، تبنى الدعوة إلى عقد إجتماع طارىء لكبار الأسرة، لبحث الموقف، و إتخاذ جميع ما يلزم لإنقاذ البلاد، و إجراء تغييرات فى المناصب الهامة، و تولية أصحاب الكفاءات من العائلة الحاكمة، سواء كانوا من الجيل الأول أو الثانى أو الثالث أو الرابع. و نقترح أيضاً جمع توقيعات من أبناء وأحفاد الملك المؤسس بشأن الإجراءات المقترحة، و تنفيذ ما تُقِرّه الأغلبية للصالح العام.
و ما زال 13 من أولاد عبد العزيز على قيد الحياة، و بينهم كفاءات و خبرات كبيرة، و نخص منهم الأمراء طلال بن عبد العزيز و تركى بن عبد العزيز وأحمد بن عبد العزيز، بما لهم من باع طويل، و خبرات سياسية و إدارية يعرفها الجميع،  يجب استثمارها فى صالح الدين والمقدسات والشعب.
وعلى هؤلاء الثلاثة بصفة خاصة وعلى أبناء المؤسس ال 13 بصفة عامة أن يحملوا الراية وأن يجمعوا الآراء وأن يحشدوا الصفوف من آل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، بقيادة الأكبر والأصلح منهم ومن أبنائهم القادرين، الذين هم كنز لا يفنى بإذن الله، للتحرك وتنفيذ ذات ما فعله الملك فيصل وأخوانه و أبناؤهم و أبناء إخوتهم -عندما عزلوا الملك سعود- والقيام بعزل الثلاثة الملك العاجز سلمان بن العزيز، والمُفَرّطْ المستعجل المغرور ولى العهد الأمير محمد بن نايف، والسارق الفاسد المُدَمّرْ للوطن ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ليتولى الأصلح والأكبر إدارة شؤون البلاد و العباد.
و ليتم تنصيب ملك جديد وولى عهد، و أخذ البيعة من الجميع على ذلك، و إلغاء المنصب المستحدث المستغرب و هو ولى ولى العهد. و نرجو أن يجد الخطاب آذاناً صاغية، و إيجابية فى التحرك، و نتمنى التوفيق و السداد للجميع، بإذن الله الواحد الأحد الفرد الصمد سبحانه وتعالى.
ونبتهل إليه سبحانه أن يصل آل عبد العزيز ببعضهم و أن يوحد صفوفهم، و أن يوفق لدعم الاجراءات بوعى و ادراك من السعوديين لما يحقق تطلعات الشعب ومراعاة مصالحه وتقدير وعيه وإدراك إحساس الشعب.
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب}.آل عمران:26-27
و ما توجهت إليكم بهذه الرسالة والنصيحة إلا عملاً بالهدى الشريف، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
رواه الإمام مسلم.
و تحذيراً مما وصفه الشاعر العربى الحكيم القديم نصر بن سيار بقوله:
أرى تحت الرماد وميض جمر   ***   ويوشك أن يكون له ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكى   ***   وإن الشرّ مبدؤُهُ كلام
فإن لم يطفئوها تجن حربا   ***   مشمّرة يشيب لها الغلام
وقلت من التعجب ليت شعري   ***   أأيقاظٌ أميّة أم نيام
فإن يقظت فذاك بقاء ملك   ***   وإن رقدت فإنى لا ألام

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
و(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ )
توقيع
ابنكم المخلص
أحد أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، الذى يزيده شرفا الانتساب إلى المُؤسّس، و المملكة العربية السعودية خادمة الحرمين الشريفين.
تحريرا فى يوم االجمعة
20 من ذى القعدة عام 1436 هجرى،
الموافق الرابع من سبتمبر عام 2015 ميلادى.



ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.