غارة جوية إسرائيلية على الدوحة تثير إدانة عالمية وزلزالاً إقليمياً
سبتمبر 10, 2025الدوحة، قطر – في تصعيد دراماتيكي وغير مسبوق هزّ الشرق الأوسط والعالم، شنّت إسرائيل أمس ضربة عسكرية على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة وقتلت قادة بارزين من حركة حماس. وقد اعتُبرت هذه الضربة، التي انتهكت أجواء عدة دول ذات سيادة، خرقاً صارخاً للقانون الدولي وألحقت ضرراً بالغاً بالجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة، بما قد يشير إلى إعادة اصطفاف كبرى في ميزان القوى العالمي بالمنطقة.
العملية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "قمة النار"، شهدت تحليق طائرات حربية لمسافة تقارب 1800 كيلومتر للوصول إلى الدوحة. وبحسب تقارير إعلامية عربية، اخترقت الطائرات الإسرائيلية أجواء الأردن والسعودية والعراق وسوريا للوصول إلى هدفها. وعند وصولها إلى العاصمة القطرية، أطلقت الصواريخ على مجمّع سكني يضم أعضاء من المكتب السياسي لحركة حماس الذين كانوا في البلاد للمشاركة في محادثات. كما أفيد بمقتل مسؤول أمني قطري في الهجوم.
ويرى كثير من المراقبين أن توقيت الضربة بالغ الأهمية، إذ جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان الرئيس الأميركي مقترحاً جديداً لوقف إطلاق النار في غزة، حاثّاً حماس على قبوله أو "مواجهة العواقب". ومع وجود قيادات حماس في الدوحة – التي لعبت دور الوسيط الرئيسي في النزاع – لمناقشة المقترح، اتهمت أطراف عديدة إسرائيل بنصب "فخ" هدفه القضاء على قيادة الحركة دفعة واحدة.
وقال دبلوماسيون: "هذا يوحي بأن الأمر ربما كان فخاً لقتل جميع قيادات حماس، وهو ما يدمّر مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه للسلام". وقد وضع الحادث واشنطن في موقف حرج للغاية، مثيراً تساؤلات جدية حول علمها المسبق ودورها في العملية.
وتعمّق الأزمة سؤالٌ أكثر خطورة: ماذا عن الوجود العسكري الأميركي الضخم في قطر؟ فقاعدة العديد الجوية، أكبر منشأة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، تضم أنظمة دفاع متطورة. لكن فشل هذه الأنظمة في اعتراض الطائرات الإسرائيلية أو حتى تحذير قطر مسبقاً أثار أزمة ثقة عميقة في الدوحة.
وقال مراقبون: "عدم استخدام الولايات المتحدة لهذه الموارد الدفاعية لحماية قطر أو حتى تحذيرها، يعني أن الوجود الأميركي في قطر بلا جدوى ولا يوفّر أي حماية". هذا الشعور أكدته واشنطن ضمنياً عندما أعلن الرئيس أنه أمر وزارة الخارجية بتوقيع اتفاق دفاعي استراتيجي جديد مع قطر، في خطوة فسّرها كثيرون بأنها محاولة لاحتواء الضرر الذي أصاب التحالف.
الانعكاسات الاستراتيجية بدت فورية. فقد سارعت روسيا والصين إلى إدانة الهجوم بشدة، محذّرتين من تصعيد خطير، واتهمتا إسرائيل بتخريب مفاوضات السلام عن عمد. ويشير محللون إلى أن قطر، التي باتت تشكك في قيمة مظلة الحماية الأميركية، قد تتجه بسرعة نحو موسكو وبكين للحصول على أنظمة دفاع متقدمة، وهو ما قد يغيّر جذرياً معادلة الأمن في الخليج ويهدد بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في قطر.
كما أضرّ الهجوم بعلاقات مجلس التعاون الخليجي الذي يَعِد أعضاؤه بالأمن الجماعي. فبانتهاك إسرائيل لأجواء السعودية – العضو في المجلس – من أجل ضرب عضو آخر، وضعت هذه الدول المتحالفة مع واشنطن في موقف بالغ الحرج، مجبرة إياها على مواجهة انتهاك صارخ لسيادتها.
موجة استنكار عالمي
جاءت ردود الفعل الدولية سريعة وحادة:
-
الأمم المتحدة: الأمين العام أنطونيو غوتيريش أدان الهجوم "دون أي لبس"، واصفاً إياه بأنه "انتهاك صارخ لسيادة قطر" وضربة للجهود الوساطية.
-
روسيا: وزارة الخارجية قالت إن الهدف من الهجوم هو "تقويض الجهود الدولية للتوصل إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط".
-
الصين: أعربت عن "استياء شديد من التخريب المتعمد لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة"، وحثت الدول الكبرى على لعب دور "بناء في تهدئة التوترات الإقليمية".
-
الاتحاد الأوروبي: وصف الضربة بأنها "انتهاك للقانون الدولي" و"تهديد خطير قد يزيد من تفاقم العنف في المنطقة".
-
تركيا: الرئيس رجب طيب أردوغان ندد بـ"حكومة نتنياهو المتهورة" وتحميلها مسؤولية التصعيد.
-
منظمة التعاون الإسلامي: أدانت العدوان "بأشد العبارات".
أما قطر فأصدرت بياناً غاضباً أكدت فيه أنها "لن تتسامح مع هذا السلوك الإسرائيلي المتهور"، مشددة على أن "الاعتداء الإجرامي انتهاك لكل القوانين الدولية وتهديد خطير لأمن وسلامة المواطنين والمقيمين".
تمثل هذه الضربة فصلاً خطيراً جديداً في حرب غزة، إذ نقلت ساحة المعركة إلى قلب عاصمة وسيط محايد، ما يهدد بإشعال حرب إقليمية أوسع. ولم تستهدف قيادة حماس فحسب، بل أضعفت أيضاً مكانة الولايات المتحدة كحليف أمني ووسيط سلام، فاتحة الباب أمام روسيا والصين لملء الفراغ.