‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلفية الجهادية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلفية الجهادية. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 19 أغسطس 2022

الدين والثقافة ، الإسلام الشيشاني الناشئ: المسلمون في روسيا يعيدون إلى الوطن شجرة زيتون مرتبطة بالنبي محمد ويخرجون أول مصحف مكتوب بخط اليد

    أغسطس 19, 2022   No comments


زار رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف مفتي الجمهورية صلاح خاجي مجييف. قال الرئيس إن الزيارة "تتم عندما تكون هناك حاجة إلى توجيه حكيم. إنه يشاركني معرفته ، ويقدم المشورة ، ويخبرني بالكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام حول ديننا. بالنسبة لي ، مثل هذه اللقاءات قيمة للغاية."


وعلم أنه بعد أداء فريضة الحج ، زار المفتي الأردن من أجل نبت شجرة زيتون "يستريح فيها الرسول الكريم محمد". وقال قديروف إنه من خلال جهود الشيخ صلاح خاجي ، فإن "قطعة من هذه الشجرة الجميلة التي عمرها قرون أصبحت الآن في جمهوريتنا. ولا شك أن عمله لصالح مسلمي جمهورية الشيشان هو عمل نبيل لا يقدر بثمن". .

كما أطلع المفتي الرئيس على نتيجة العمل الشاق الذي قام به الخطاط السوري الشهير من أصل شيشاني ، شكري خراشو ، الذي كلفه الرئيس بإعداد مصحف مكتوب بخط اليد ، ومصمم على الطراز الشيشاني. نجح شكري خراشو في إدراك الأسلوب الفريد للكتابة العربية وفي نفس الوقت الحفاظ على بساطة القراءة. وأوضح الرئيس أنه بعد التحقق من السلطة والمراجعات من قبل لجنة مستقلة ، سيذهب هذا العمل إلى الطباعة الجماعية.




اقرأ المقال الأصلي ...


الأربعاء، 20 فبراير 2019

مراجعات سلفية: «النصرة» تبحث عن جلد جديد: ثوب «الإخوان» في الخدمة

    فبراير 20, 2019   No comments

 صهيب عنجريني

بدّلت «جبهة النصرة» جلدها مرات عديدة على امتداد السنوات السابقة، من دون أن يغيّر ذلك شيئاً في جوهرها المتطرف. اليوم، تتسارع جهود أبو محمد الجولاني لإعادة تصدير جماعته في صورة جديدة، تطمح إلى التشبّه بـ«جماعة الإخوان المسلمين». وإذا ما رأت خطط الجولاني النور، فإنها لن تعدو كونها «تكتيكات ضرورية» وفق ما يروج في الكواليس، مع التشدّد في التزام «الجهاد» استراتيجية ثابتة.

لا تجد «هيئة تحرير الشام/ النصرة» حرجاً في تغيير أزيائها. كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، أثبت زعيم الجماعة المتطرفة، أبو محمد الجولاني، استعداده لتعديل التكتيكات و«المنهجيات»، وقدرته على ضبط التناقضات داخل جماعته. ولا يعدم الجولاني الوسائل والأدوات الناجعة، وخاصة حين تمنحه تعقيدات المشهد السوري «كتفاً إقليمياً» يتّكئ عليه، وهو أمرٌ لم تُحرم «النصرة» منه، باستثناء فترات مؤقتة، كانت أشدّها وطأة فترة الانكماش القطري في مستهلّ الأزمة الخليجية الأخيرة.


البراغماتية في نظر الجولاني حصان تمكن الاستعانة به دائماً، و«فقه الضرورة» جاهزٌ لتقديم «المسوّغات الشرعية». بالاستفادة مما تقدم، لا يزال مشروع «النصرة» مستمرّاً في تسجيل «النقاط»، والقفز درجات إلى أعلى السلم، في خضمّ المشاريع «الجهادية» التي انخرطت منذ مطلع العام الحالي في سباق جديد على رسم مشهدية إدلب. وتحظى «النصرة» بمكانة «فريدة» وسط الصراع المذكور، بوصفها قاسماً مشتركاً بين مشاريع متناقضة، تتباين رؤاها في النظر إلى الدور الوظيفي الذي يمكن للجماعة لعبه، وتتوافق على أهميتها في المعادلة.

دعم «التمكين» المستتر
توحي المعطيات المتتالية بأن السباق راهناً قد حُسم لمصلحة المشروع القطري، الذي يلحظ أهمية دعم الجولاني ومدّ يد العون لجماعته على طريق تحقيق «التمكين». وباشرت الأدوات الإدارية للجولاني نشاطاً مكثّفاً في سباق مع الوقت، لرسم ملامح «التمكين» المنشود، في صورة تتوخّى تورية «الراية السوداء» خلف ستار «مدني»، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن «تحكيم الشريعة» بوصفه جوهر المشروع. وسمح تعزيز القبضة العسكرية لـ«تحرير الشام» بتكريس هيمنة «إدارية» لـ«حكومة الإنقاذ» على كثير من تفاصيل الحياة اليومية في إدلب، وبشكل خاص قطاعات التعليم والاقتصاد والطاقة.

اللافت أن هيمنة «الإنقاذ» على قطاع التعليم ركّزت تحديداً على التعليم الجامعي الخاص، فيما تركت مهمة تعليم الأطفال لـ«المكاتب الدعوية» في الدرجة الأولى. وتطالب «الإنقاذ» الجامعات والمعاهد الراغبة في مواصلة عملها بتسديد مبالغ باهظة مقابل منحها «التراخيص» اللازمة. وبالتوازي، كثّفت «سلسلة المكاتب الدعوية» في الشهرين الأخيرين «نشاطاتها التعليمية»، فافتتحت عشرات المراكز والمكاتب و«حلقات العلم» الجديدة المخصّصة للأطفال واليافعين، إضافة إلى توسيع عدد «المدارس القرآنية» التابعة لـ«دار الوحي الشريف». ودشّنت «سلسلة المكاتب الدعوية في بلاد الشام» حملة توزيع مجاني لمعونات غذائية، وسلع استهلاكية، علاوة على توزيع معونات مالية في بعض القرى والبلدات.

«الجهاد» استراتيجية ثابتة
رغم حرص «تحرير الشام» على إظهار بعض التفاصيل التي توحي باستعدادها لالتزام الاتفاقات الخاصة بإدلب («سوتشي» على وجه الخصوص)، إلا أنها تعمل على أرض الواقع بطريقة مغايرة. وراجت أخيراً صور لوحات إعلانية عملاقة في بعض الطرق والأوتوسترادات، وقد أزيلت عنها العبارات الداعية إلى «الجهاد»، وطُليت باللون الأبيض محلّ الأسود. في المقابل، وجّهت «وزارة الأوقاف» في «حكومة الإنقاذ» رسالة إلى أئمة وخطباء المساجد، تنصّ على وجوب التزام «بث روح الجهاد في الأمة، وتحريض المسلمين على البذل والعطاء في سبيل الله... والدعوة لتحكيم الشريعة والاعتصام ورصّ الصفوف». كذلك، كثّف «المكتب الشرعي» التابع لـ«الجناح العسكري» في «تحرير الشام» أعماله «الدعوية»، وضمّ في الأسابيع الأخيرة عشرات «الدعاة» إلى كوادر «فريق العمل الدعوي/ الفاتحون»، فيما بوشرت حملة أعمال موسّعة لحفر وتجهيز سلاسل خنادق جديدة في كثير من مناطق سيطرة «تحرير الشام»، التي يُراد لها أن «تستلهم تجربة غزة»، وفقاً لما يتم تداوله في الكواليس.

قرى «جهادية» نموذجية!
تعوّل «تحرير الشام» على نجاح مشروع «القرى النموذجية»، الذي باشرت تنفيذه قبل فترة «الإدارةُ العامة للخدمات الإنسانية»، بتمويل قطري معلن. ويتوخّى المشروع كسب «الحواضن الشعبية»، وجمع مئات العائلات في تجمعات سكنية تُدار بـ«أحكام الشريعة»، من دون الحاجة إلى «تحكيم السيف». وأُنجز بناء أولى القرى في منطقة سرجيلّا في جبل الزاوية، وتضمّ 500 شقة سكنية، فيما يستمر العمل على تشييد تجمعات مماثلة، وعلى تحسين ظروف تجمعات أخرى (موجودة سابقة) وإعادة تأهيل بناها التحتية.
واعتُمدت «منهجية» أولية لإدارة «القرى النموذجية» وفق «الشريعة الإسلامية»، وقد بوشر تنفيذها أخيراً على سبيل التجربة، استعداداً لتحويلها إلى آلية شاملة تُطبّق في كل التجمعات المماثلة. وعمّمت «إدارة القرية» التعليمات على السكان وأصحاب المحال، وعلى رأسها «إلزامية التعليم الشرعي» وإلحاق الأطفال ببرنامج «صلاتي حياتي»، والتزام أصحاب المحال بعدم بيع التبغ، وبإغلاق محالّهم في مواقيت الصلوات الخمس. ويتوخّى «المشروع» التحول إلى «نموذج ناجح للتنمية الجهادية، وتكريس العمل على أساس خدمي دعوي». ويضع على رأس أهدافه «تعزيز البيئة الحاضنة للجهاد، وامتلاك قلوب الناس، وإشراك الأهالي في تبني المشروع، والقضاء على المعاصي، وإنشاء جيل مسلم يحارب الروس والمجوس ومرتزقة النظام من خلال الدعاة العاملين في المشروع».

نحو «الأخونة»؟
لم يأتِ صبّ الاهتمام على «التمكين» من فراغ؛ إذ تعدّه بعض «الاجتهادات الشرعية» شرطاً أساسياً من شروط «حكم الشريعة» و«إقامة الحدود». وترى تلك «الاجتهادات» أنه إذا «كان في إقامة الحدود فساد يربو على مصلحة إقامتها لم تُقم»، وأن «تطبيق الحدود في حال انعدام السلطان أو ضعفه هو فرض كفاية». ويبدو أن «تحرير الشام» في مرحلتها الراهنة باتت تسعى إلى «بلوغ التمكين بالموعظة الحسنة»، على ما تلاحظه مصادر «جهادية» مواكبة للمشهد في إدلب. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن كواليس إدلب تشهد في الفترة الراهنة جهوداً حثيثة لتطعيم «منهجية النصرة» بسلوكيات «سياسية» تستلهم تجارب «جماعة الإخوان».

وربّما تقدم هذه التفاصيل تبريراً مفهوماً لإبعاد أبو اليقظان المصري عن الواجهة «الشرعية». وكان المصري «شرعياً في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام»، قبل أن يستقيل في مطلع الشهر الحالي، عقب خلاف بينه وبين «قيادة الهيئة»، التي وجّهت له إنذاراً لأنه «يخالف أوامر الجماعة ولا يلتزم بالضوابط الإعلامية التي تقدّرها». وعُرف المصري بوضوحه في التعبير عن روح «المشروع الجهادي» المتطرف، خلافاً لتيارات أخرى داخل «الهيئة» لا تجد مانعاً في المواربة إذا ما «دعت الضرورة».

ولا تمثّل هذه التغييرات سابقة في سجل «جبهة النصرة»، بل هي في الواقع تأتي إحياءً لمرحلة مماثلة عرفتها «النصرة» عقب سيطرتها مع «جيش الفتح» على كامل محافظة إدلب، وفي خضم النقاشات التي كانت مستعرة وقتذاك حول «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة». وراجت في تلك الفترة أحاديث عن ضرورة «تشكيل جسم سياسي لجيش الفتح» يستلهم تجربة «حركة طالبان»، الأمر الذي أعيد إلى التداول أخيراً مع تغيير المسميات (إذ لم يعد لتحالف «جيش الفتح» وجود). وكانت «الأخبار» قد تناولت المشروع الجاري إحياؤه إبّان طرحه أول مرة قبل أربعة أعوام .
______________
عن «الأخبار» 

الأحد، 2 سبتمبر 2018

ظاهرة الانتحار والتطرف عند "الجهاديين الجدد"

    سبتمبر 02, 2018   No comments
 د. هيثم مزاحم

يلاحظ الباحث الفرنسي أوليفييه روا أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

نشر الباحث الفرنسي المعروف والمختص بالشؤون الإسلامية أوليفييه روا، قبل سنتين كتابه المعنون "الجهاد والموت" باللغة الفرنسية ونقله إلى العربية صالح الأشمر ونشرته دار الساقي عام 2017. وقد حاول روا فهم ظاهرة التطرف الذي يقوم به تنظيما "داعش" و"القاعدة" وخاصة في الدول الغربية وهل سببها الدين الإسلامي أو الظلم السياسي والاجتماعي في الدول العربية والإسلامية أو الاستعمار والغزو الغربيان لهذه الدول؟ هل السبب هو العقيدة السلفية التي تحولت إلى سلفية جهادية؟ هل يعود السبب إلى عدم اندماج هؤلاء الشبان المسلمين في المجتمعات الأوروبية التي نشأوا فيها أو هاجروا إليها وإلى التمييز والعنصرية اللذين يعاملون بهما في هذه الدول؟.

يسعى الباحث إلى فهم هذه الظاهرة وتفسيرها استناداً إلى فكرة الانتحار، المتمثلة بالعمليات "الجهادية" المزعومة، والتي يبدو أن هدفها الأول هو موت المنفذ أكثر من تحقيق أي أهداف سياسية أو عسكرية استراتيجية. لكن هذه الدراسة تختص بالمجتمعات الأوروبية وبشكل خاص "المقاتلين الجهاديين" الفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية. وعلى أساس هذه القاعدة، أرسى الباحث تحليله، خصوصاً أنها معززة بقواعد البيانات الأخرى، وهو يعتبر أن مسارات "الجهاديين" متقاربة جداً وتنتمي إلى الفئات نفسها.

يقول روا إن من الشائع جداً النظر إلى الجهادية على أنها امتداد للسلفية. وليس كل السلفيين جهاديين، لكن كل الجهاديين سيصيرون سلفيين. إذن، السلفية ستكون ممراً للولوج إلى الجهادية. وبعبارة أخرى، سيكون التطرف الديني المرحلة الأولى للتطرف السياسي. لكن روا يرى أن الأمور أكثر تعقيداً. "فمن الواضح أن هؤلاء المتطرفين مؤمنون حقاً، يظنون أنهم سيذهبون إلى الجنة ومرجعيتهم إسلامية خالصة. فهم ينضمون إلى تنظيمات تريد إقامة نظام إسلامي، بل إعادة الخلافة بالنسبة إلى "داعش"". ويعتبر روا أن الخطأ يكمن في التركيز على اللاهوت ومن ثم على النصوص في فهم التطرف الإسلامي. لكن الجهاديين لا يقدمون على العنف بعد التأمل في النصوص، إذ ليس لديهم العلم الديني المطلوب، وقلّ ما يهتمون باكتسابها. فهم لا يصبحون متطرفين لأنهم أساؤوا قراءة النصوص، بل لأنهم اختاروا أن يكونوا متطرفين.


الدواعش جهلة بالإسلام


فبين أربعة آلاف مجنّد غربي في "داعش" تظهر سجلاتهم أنهم ذوو مستوى تعليم جيد، معظمهم أنهوا الثانوية العامة، لكن 70% منهم صرّحوا أن ليس لديهم سوى معرفة أولية بالإسلام. لكن ما يعمل هنا هو التديّن وليس الدين، أي الطريقة التي يعيش بها المؤمن الدين، من العقيدة، والممارسات، والمتخيّلات، والشعائر، لكي يبني تساميه الذي يدفعه إلى احتقار الحياة، حياته وحياة الآخرين. وعلى الرغم من اعتماد "داعش" على التفاسير للحديث النبوي، إلا أن المتطرفين الغربيين المنتمين إلى التنظيم لا يعمدون إلى هذه الشروح المطوّلة. فهم أقل كلاماً عن الدين من السلفيين، وصفحاتهم الالكترونية ونصوصهم أكثر تركيزاً على العمل منها على الدين.

يرجع الإرهابيون دوافعهم للقيام بأعمالهم الإرهابية إلى الانتقام من الغرب بسبب الفظاعات التي ارتكبتها الدول الغربية ضد المسلمين، حيث يلعب الجهادي دور البطل المنتقم، إضافة إلى دافع الموت المودي إلى الجنة واستقبال النبي له والدرجة التي ينالها.

يلاحظ الباحث الفرنسي أن الغريب أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

ارتباط الإرهاب والجهادية في السعي المتعمد إلى الموت، هو محور الكتاب، ومنها استمدّ عنوانه. فمن عملية الجزائري خالد كلكال من "الجماعة الإسلامية المسلحة"، منفذ تفجيرات مترو باريس في 29 أيلول سبتمبر 1995 إلى تفجيرات مسرح باتكالان في باريس في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2015، نجد أن هؤلاء الإرهابيين أقدموا على تفجير أنفسهم أو الاشتباك مع الشرطة حتى الموت، من دون أن يحاولوا الهرب، بل حتى لم يكن موتهم ضرورياً على الدوام لإنجاز عملياتهم.

يقول روا إن العنف الإرهابي و"الجهادي"، الآخذ في الانتشار منذ عقدين من الزمن، ينطوي على حداثة متأصلة، برغم أن الإرهاب والجهاد ليسا بظاهرتين جديدتين، إذ ظهرت أنواع "الإرهاب العالمي" الذي "ينشر الرعب باختياره لأهداف ذات رمزية رفيعة، أو على العكس باستهداف مدنيين "أبرياء" من دون أن يعبأ بالحدود"، منذ سبعينيات القرن الماضي، حين نشأ تحالف بين عصابة "بادر" الألمانية وأقصى اليسار الفلسطيني والجيش الأحمر الياباني.

 السعي إلى الموت: انتحار أم شهادة؟

لتأكيد مقاربته عن سعي "الجهاديين" إلى الموت، يستشهد روا بكلام أحد "الجهاديين" الفرنسيين دافيد فالا، الذي اعتنق الإسلام وكان قريباً من خالد كلكال وزوّده بسلاحه، إذ يقول: "كانت القاعدة هي ألا يؤخذ حياً. فعندما رأى كلكال رجال الدرك علم أنه سيموت، وأراد أن يموت". وردد أحدهم قولاً منسوباً لمؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن: "نحن نحب الموت، أنتم تحبون الحياة".

إذاً، لم يعد موت الإرهابي مع "الجهاديين" احتمالاً بل أصبح في صلب مشروعه، وبخاصة مع المنضمين إلى تنظيم داعش الذين يعتبرون الهجوم الانتحاري الغاية المثلى لالتزامهم.

هذا الاختيار المنهجي للموت من قبل الجيل الجديد للجهاديين أمر مستجد، إذ كان منفذو الهجمات بين عامي 1970 و1980، سواء كانوا من الشرق الأوسط أم لا، يساريين أو إسلاميين، يرتبون عملية فرارهم بعناية، لأن الفقه الإسلامي وإن كان يقر بفضل الشهيد الذي يقتل في الجهاد، إلا أنه يحرّم الانتحار. من هنا يطرح الباحث روا أسئلة عن سبب اختيار هؤلاء "الجهاديين" الجدد الموت المنهجي، وتفسير ذلك بشأن التطرف الإسلامي المعاصر؟

يتبنى روا مقاربة جديدة في هذا الخصوص تربط بين حب الموت والسعي له، وبين كون "الجهادية" في الغرب والمغرب وتركيا هي حركة شبّان، لا تنفصل عن "الثقافة الشابّة" لهذه المجتمعات. فهذا البُعد الجيلي جوهري، لكنه على حداثته، ليس وقفاً على الجهاد الحالي. ويذهب بعيداً إلى أن التمرد الجيلي قد نشأ مع الثورة الثقافية الصينية، فهي للمرة الأولى في التاريخ لم تكن ثورة ضد طبقة، بل ضد فئة عمرية معيّنة، باستثناء زعيم الثورة ماو تسي تونغ. وقد استعاد كل من "الخمير الحمر" في كمبوديا بين عامي 1975 و1979، و"داعش" هذه الكراهية للآباء ذات البعد المرضي والكوني، الذي يتجلى في ظهور الجنود الأطفال وتدمير الآثار الثقافية. فلا يقتصر الأمر هنا على تحطيم الأجساد، بل كذلك على إتلاف التماثيل والهياكل والكتب، أي تدمير الذاكرة.

يرى روا أن بُعد إماتة الجسد لا علاقة له البتة بالصراعات الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، وهو غير منتج سياسياً واستراتيجياً. لكن هذا البُعد الانتحاري مرتبط بـخلافة "داعش"، وقبلها مشروع الجهاد العالمي مع "القاعدة"، التي ترفض أي حل سياسي أو تفاوض، لأن من يسعى إلى الموت لا يفاوض على شيء.

ويذهب الباحث الفرنسي إلى أن خلافة "داعش" وهم وخرافة وحدة أيديولوجية في توسع إقليمي مستدام، واستحالتها الاستراتيجية تفسّر لماذا كان أولئك المتماهون بها متعاقدين على الموت، بدلاً من نذر أنفسهم لمصلحة المسلمين، فلا وجود لأي أفق سياسي أو غد مشرق.

يرفض روا فكرة أن الإرهاب "الداعشي" أو "القاعدي" سببه الحرمان الاجتماعي والمظالم السياسية، لأن هذا الإرهاب يقتل السياسة قبل التساؤل عن الأسباب السياسية للنزوع نحو التطرف. وهذا الإرهاب "الانتحاري" ليس فعالاً من وجهة نظر عسكرية، بينما الإرهاب "البسيط" يتضمن بعض العقلانية المتعلقة بالحرب غير المتكافئة، حينما يقوم بعض الأفراد بإلحاق خسائر كبيرة بعدو أقوى منهم بكثير. بينما الإرهاب الانتحاري غير عقلاني بسبب استخدامه المقاتلين مرة واحدة وأخيرة، وهو يدفع المجتمعات الأوروبية إلى التطرف المضاد، ويقتل من المسلمين عدداً أكبر من عدد القتلى الغربيين.

يعتقد الكاتب أن الارتباط المنهجي مع الموت هو أحد المداخل لفهم التطرف الراهن، فالبُعد العدمي مركزي هنا، والعنف ليس وسيلة بل غاية، وهو عنف بلا مستقبل. يقول روا إنه بدلاً من اعتماد مقاربة عمودية تنطلق من القرآن لتصل إلى "داعش"، مروراً بإبن تيمية، وحسن البنا، وسيّد قطب، وابن لادن، على افتراض وجود ثابت "العنف الإسلامي" يظهر بانتظام، فقد فضّل اللجوء إلى مقاربة تحاول أن تفهم العنف الإسلامي المعاصر بالتوازي مع أشكال أخرى من العنف والتطرف، قريبة جداً منه(تمرّد جيلي، وقطيعة جذرية مع المجتمع، وجمالية الموت، واندراج الفرد المنقطع في سردية عالمية كبرى، وبِدع عالمية). فالإرهاب الانتحاري والظواهر من طراز "القاعدة" و"داعش" هي حديثة العهد في تاريخ العالم المسلم، ولا يمكن أن تفسّر بمجرد صعود الأصولية، ولذلك اعتبر روا أن "الإرهاب لا يتأتي من تطرف الإسلام، بل من أسلمة التطرف".

 هل الإسلام ينتج العنف؟
وإذ يقر الكاتب الفرنسي بوجود أصولية إسلامية تنتشر منذ أربعين عاماً، لكنها لا تكفي لإنتاج العنف. وقد تعرّضت هذه المقاربة لنقد كثير من زملائه بينهم الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا الذي أخذ عليه أنه لم يلحظ الأسباب السياسية للتمرد، وهي الإرث الاستعماري، والتدخلات العسكرية الغربية ضد شعوب الشرق الأوسط، والتهميش الاجتماعي للمهاجرين وأبنائهم. كما اتهمه الباحث الفرنسي جيل كيبل بأنه يتجاهل العلاقة بين العنف الإرهابي والتطرف الديني للإسلام متجلّياً في السلفية.

لكن روا يقول إنه لا يتجاهل أياً من هذه الأبعاد، لكنها لا تكفي لتفسير الظواهر التي يدرسها، لأننا لا نجد أي صلة سببية انطلاقاً من المعطيات التجريبية التي يملكها. فالباحث يرفض مسألة "التطرف الديني" لأن إلصاق عبارة تطرف بالدين أمر سيء، إذ يترتب على ذلك أننا نحدد حالة معتدلة للدين، فلا توجد أديان معتدلة. أكان كالفن ولوثر معتدلين؟ بالتأكيد لا فالكالفانية مثلاً في المفهوم اللاهوتي تعد "متطرفة". وتقوم فرضيته على أن التطرف العنيف ليس نتيجة التطرف الديني، وإن اقتبس منه الطرق والنماذج، وهذا ما يسمّيه "أسلمة التطرف". فالأصولية الدينية موجودة طبعاً وتطرح مشكلات اجتماعية مهمة، لأنها ترفض القيم القائمة على مركزية الفرد وحريته في جميع المجالات، لكن هذه الأصولية لا تُفضي بالضرورة إلى العنف السياسي. فيهودي أو مسيحي متزمتان هما مؤمنان "مطلقان" بدلاً من أن يكونا متطرفين، ويعيشان نوعاً من الانفصال الاجتماعي لكنهما ليسا عنيفين سياسياً، وغالبية السلفيين تندرج في هذا السجل غير العنيف.

وينتقد روا فرضية فرانسوا بورغا بأن المتطرفين تحفّزهم معاناة المسلمين، المستَعمرين سابقاً، أو ضحايا العنصرية والتمييز، وعمليات القصف الأميركية.. إلخ، وبالتالي فإن التمرد هو أولاً تمرد الضحايا. لكن روا يعتقد أن الصلة بين المتطرفين والضحايا صلة خيالية أكثر منها واقعية، والذين ينفذون التفجيرات في أوروبا ليسوا سكن قطاع غزة ولا الليبيين أو الأفغان، وما هم بالضرورة الأكثر فقراً، ولا الأقل اندماجاً. ويستدل الباحث بوجود 25% من المتحوّلين إلى الإسلام في صفوف "الجهاديين" على أن الصلة بين المتطرفين و"شعبهم" هي أيضاً من قبيل المتخيّل. فالثوريون لا ينحدرون مطلقاً من طبقات معذبة، إنما في تماهيهم في البروليتاريا و"الجماهير" والمستَعمرين، هي إعادة بناء خيالية لوجودهم في العالم وبلاغة للتعبير عنه. فقلة من المناضلين ينتمون إلى هذه البروليتاريا الافتراضية التي هم على استعداد للموت في سبيلها. فالمتمردون يعانون من معاناة الآخرين، وهم ليسوا ضحايا الظلم والاحتلال الإسرائيلي أو الغزو أو القصف الأميركي في أفغانستان أو العراق، لكنهم شاهدوا هذه المعاناة وتأثروا بها.

ولم تبدأ منهجة العمل الانتحاري إلا عام 1995، فقبل الثمانينيات، كان "الإرهاب العادي" سلاحاً تستخدمه مجموعات علمانية، قومية أو ثورية، بحسب تعبير روا، حيث اتسمت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بسلسلة هجمات في أوروبا، مرتبطة باستراتيجيات دولية، فكانت هجمات مؤيدة لفلسطين أو سوريا أو ليبيا أو إيران، في سياق الرد على السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط. حتى الهجوم الانتحاري ليس ابتكاراً إسلامياً، لقد بدأت منهجته منذ الثمانينيات على أيدي "نمور التاميل"، مخترعي الحزام الناسف.

ويلاحظ روا أن "الجهاديين" لا يترددون في ابتكار أشياء غير موجودة في العقيدة ويبتعدون عن النصوص المقدسة والتفاسير المجازة. فهذا النمط العملياتي للهجوم، أي موت المهاجم، يصير المعيار، وهو يتداخل مع إخفاق سياسي وتشاؤم عميق في الوقت نفسه، متأتٍ من مؤلفات سيّد قطب حول الجاهلية وتكفير المجتمع، وإضافة بُعد قيامي كامل وعدمي، والتفكير بالخلاص الشخصي بدلاً من التفرغ لبناء مجتمع أفضل، وهو خلاص يمر بالموت الانتحاري لأنه الطريق الأقصر والأضمن.

 المتطرفون الجدد
حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان الجهاديون الدوليون أفراداً قادمين من الشرق الأوسط، قد مارسوا الجهاد في أفغانستان قبل أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية لكي يباشروا العمل فيها، أو بحثاً عن أراضٍ جديدة للجهاد بعد سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان عام 1992. هؤلاء هم الذين نفذوا أول موجة تفجيرات عالمية. هؤلاء هم الجيل الأول من الجهاديين التابعين لأسامة بن لادن. لكن ابتداء من عام 1995، نشأ جيل جديد يسمّونه في الغرب "أبناء البلد"، ليس لهم علاقات مع بلدانهم الأصلية، وبينهم نسبة متزايدة من معتنفي الإسلام ومن النساء، ومجال عملهم عالمي تماماً. هم الجيل الثاني من الجهاديين، من خالد كلكال إلى الأخوين كواشي وعبد الحميد اباعود، ولهم الملامح نفسها. فهم قُتلوا كلهم أثناء العمل، إما قتلوا أنفسهم أم قتلوا خلال مواجهتهم مع الشرطة، ولم يهتموا بتدبير فرارهم.

يقول روا إن الإرهابيين الغربيين الذين نفذوا هجمات في أوروبا كلهم معروفون نتيجة وجود سجلات لهم لدى الشرطة وأجهزة الأمن الغربية، ويشير إلى وجود ملفات تضم أسماء 4118 جهادياً أجنبياً جنّدهم "داعش" بين عامي 2013 و2014. وهو يهتم في كتابه هذا خصوصاً بالفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين، دون أن يغفل نظراءهم الأوروبيين. وهو يجد خصائص مشتركة بينهم وبعض الاختلافات. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية.

ولا يجد روا صورة نمطية للإرهابيين، لكنه يقع على مميزات متواترة. فخالد كلكال أول إرهابي من أبناء البلد(عملية ليون، 1995)، والأخوان كواشي (عملية صحيفة شارلي ايبدو، 2015)، بينهم أوجه شبه محددة: هم من الجيل الثاني، ومندمجون جيداً في المجتمع الفرنسي، ومروا بمرحلة جنوحية قصيرة، وصاروا متطرفين في السجن، قاموا بهجمات وقتلوا، وشهروا أسلحة في وجه الشرطة.

كانت الصورة النمطية للإرهابيين ثابتة حيث نجد فئتين أساسيتين: الجيل الثاني (60% منهم)، والمتحولون إلى الإسلام يشكلون 25% منهم، وعلى نطاق أضيق الجيل الثالث(25%). أما الجيل الأول فمحدود (محمد الحويج بوهلال، منفذ مجزرة نيس في يوليو 2016). يفسّر روا غلبة الجيل الثاني بحقيقة أن التطرف قد ظهر في الوقت الذي بلغ فيه أبناء المهاجرين سن الرشد، بعد جمع شمل العائلات عام 1974. فعلى مدى عشرين سنة ظلت الغلبة للجيل الثاني، فيما كان الجيل الثالث يقترب من سن الرشد.

ثمة ميزة أخرى مشتركة بين جميع البلدان الأوروبية هي أن المتطرفين فيها جميعهم تقريباً من "المولودين الجدد" الذين بعدما عاشوا حياة دنسة (ملاهٍ، وكحول، وجنوحية)، اهتدوا فجأة إلى الممارسة الدينية، بصورة فردية أو في نطاق مجموعة صغيرة، وليس في إطار منظمة دينية. ونجد أن معظم المتطرفين غائصون عميقاً في "الثقافة الشابة" المعاصرة، في تقنيات الاتصالات، وبكونهم قد قصدوا علب الليل، وغازلوا الفتيات، واحتسوا الكحول، وارتكب نحو نصفهم جنحاً صغيرة، وأزياؤهم مماثلة لأزياء أترابهم، ملابس الشارع من قبعات وبرانس وعلامات، وما عادت اللحية علامة على التقوى. فهم لا يرتدون أبداً اللباس السلفي، ويحبون الراب، ويتابعون أفلام العنف الأميركية وربما ألعاب الفيديو، وارتياد صالات الرياضة وخاصة بعض الرياضات العنيفة كالكونغ فو والملاكمة، وركوب الدراجات النارية. كما أن لغة المتطرفين هي لغة بلد الإقامة، وهي الفرنسية في هذه الحالة، وهم يتحدثون بلغة "شابة"، لغة الضواحي المحوّرة سلفياً.

لا شك أنه لا يمكن تعميم استنتاجات الباحث روا على جميع "الجهاديين" وبخاصة في الدول العربية والإسلامية، فدوافعهم مختلفة عن دوافع نظرائهم الغربيين، وتلعب العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقدية الدينية، فضلاً عن التحريض الإعلامي والمذهبي، والتوظيف السياسي الدولي والإقليمي لبعض التنظيمات "الجهادية"، كل ذلك تلعب دوراً في تغذية هذا التطرف وتوحشه، حيث يكون "الجهادي" العربي والمسلم ضحية لهذا الفكر المتطرف حيناً، وللتوظيف السياسي والتحريض المذهبي حيناً آخر.

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

آل سعود والمؤسّسة الدينية: تبدّلات السِّياسة وانقلاب الفتوى

    ديسمبر 27, 2017   No comments
 قاسم شعيب

قائمة المُحرّمات في المملكة السعودية ثلاثة أصناف. الأول اجتماعي والثاني تكنولوجي والثالث سياسي. لكن تلك الفتاوى المُحرِّمة لكل جديد ازدادت حِدّة وتواتراً منذ ثمانينات القرن الماضي. وهي اليوم تنقلب من الحرمة الى إباحة. في بداية الثمانينات، انتشرت الفتاوى المُتشدّدة مع ظهور "تيار الصحوة". وأصبحت محاضراتهم وكتبهم تُباع بالملايين وهو ما عكس مزاجاً شعبياً عاماً تم توظيفه في هذا الاتجاه.


عاش مجتمع الجزيرة العربية ومِن ورائه كل الجغرافيا السلفية، منذ أكثر من قرن من الزمان، داخل سياج ديني مُغلَق. قصص كثيرة تُروَى عن معاناة أشخاص بسبب فتاوى شيوخ وهّابيين متشدّدين. في مرحلة ماضية كانت الفنون والتكنولوجيا الجديدة ونقد السلطة والكثير من النظريات العلمية مُحَرَّمة. وبعض تلك المُحرّمات لا يزال مستمراً حتى الآن.

قائمة المُحرّمات في المملكة السعودية ثلاثة أصناف. الأول اجتماعي والثاني تكنولوجي والثالث سياسي. لكن تلك الفتاوى المُحرِّمة لكل جديد ازدادت حِدّة وتواتراً منذ ثمانينات القرن الماضي. وهي اليوم تنقلب من الحرمة الى إباحة. في بداية الثمانينات، انتشرت الفتاوى المُتشدّدة مع ظهور "تيار الصحوة". وأصبحت محاضراتهم وكتبهم تُباع بالملايين وهو ما عكس مزاجاً شعبياً عاماً تم توظيفه في هذا الاتجاه.

منذ نشأة الدولة السعودية الأولى عام 1744 بدأ التحالف الذي قام بين شخصيّتين هامتين هما: محمّد بن سعود، مؤسّس العائلة الحاكِمة، ومحمّد بن عبد الوهاب، مؤسّس المذهب الوهّابي، وقد رسمت العلاقة بين الرجلين المسار التاريخي للدولة السعودية.

كانت هناك، منذ البداية، نزعة جامِحة لغلق كل المنافذ أمام المجتمع ليغدو منفصلاً عن الواقع الذي يعيش فيه. جسده في هذا الزمان وروحه معلّقة في التاريخ. لم يستثن تحريمهم شيئاً مهمّاً من الحياة المُعاصرة. حرّموا التلفزيون، والتلفون المزوَّد بالكاميرا، والسفر للسياحة، والخروج للنزهة، والاقتراب من المرأة، وقيادة المرأة للسيارة، واستقبال البثّ الفضائي.. حتى الورد الأحمر بات مُحرّماً، لأن إهداءه تَشبّه بعادات "الكفار"، والقصص والقصائد لأنها خليعة، وشبكة الإنترنت لأنها تقود إلى الفساد.

يتعلّق هذا الجانب بحياة الناس العامة. وهو يمثّل انعكاساً لتصوّرات بسيطة تملك، من ناحية، رؤية جامدة للعالم وللواقع، وتحيل، من ناحية أخرى، إلى بساطة التجربة المُنغلقة والمحدودة بحدود واقعها الخاص. وقد تم تجاوز ذلك في فترة الستينات والسبعينات. لم تعد التكنولوجيا حراماً وسُمِح بظهور الفنون. إلا أن عودة التشدّد الديني بقوّة منذ أربعة عقود أرجعت الأمور إلى المربع الأول.

كان لابد للتشدّد الديني الذي مارسه شيوخ الوهّابية من أن ينتج انفجارات متتالية بدأت سنة 1979 عندما قرّر جهيمان العتيبي قيادة تمرّد ضد سلطة آل سعود. كانت فرصة لتحريم التظاهرات، وفَرْض نسق من التشدّد الصارِم على المجتمع اعتماداً على قاعدة فقهية استخدمت في غير محلها لمحاصرة حياة الناس وتقول "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح".

كان مجتمع الجزيرة، يعيش حالة من التوازن الدّيني مقارنة بما حدث في العقود الأربعة الأخيرة. هذا الأسلوب في الحياة استمر في منطقة الجنوب والحجاز والمنطقة الشرقية، والتي تعيش بحكُم موقعها تبادلاً اجتماعياً مع دول أخرى والتي تتبنّى مذاهب مختلفة في أغلبها.

لم يكن ظهور العتيبي نتاج فكر ديني متشدّد فحسب، بل كان انعكاساً للسلوك السياسي السعودي. فقد سبقه، بأربع سنوات، اغتيال الملك فيصل على يد الأمير خالد بن مساعد في سبتمبر 1965 ثأراً لمقتل شقيقه أثناء اقتحامه لمبنى التلفزيون احتجاجاً على ما يُعرض فيه من أفلام وأغانٍ.

كان الحل بالنسبة إلى الحكومة البدء بفرض قيود كما لو كانت تنتظر مبرّراً لفعل ذلك. أصبحت هيئة الأمر بالمعروف أكثر قوّة وبدأت تُغلق المحال وقت الصلاة، وتراقب سلوك الأفراد.

قد تكون عبارة "دين بلا ثقافة" التي استخدمها الباحث الفرنسي أوليفييه روا في كتابه "الجهل المقدّس" أفضل وصف لطبيعة "تيار الصحوة" الذي هيمنت تمثّلاته الأيديولوجية في المملكة السعودية على مدى أربعة عقود ماضية. لكن ذلك لا يفسّر التحوّلات الحاليّة التي تشهدها المملكة بأنها ردود فعل طبيعية تجاه ذلك التيّار، الذي يختلف عن المؤسّسة الدينية الرسمية، بقدر ما يعكس الانتقال من مرحلة منتجة للعنف وحاضنة له إلى مرحلة جديدة مبرّرة للارتماء في الحضن الصهيوني علناً.

ما يحدث الآن في المملكة، ليس، فقط، نتيجة للانسدادات النظرية والتأويلات النسقيّة لمفهوم الصحوة، عبر خليط هائل من الكتابات المُتشابهة، والأفكار النمطية الفقيرة، لدُعاة غلبت عليهم الدعوة على العِلم، والوعظُ على البحث، فلم يتوفروا على فكر موضوعي يأخذ مسافة من تلك التأويلات النسقية للأيديولوجيا الوهّابية، بل هو، بالأساس، جزء من استحقاق خارجي.

وما يؤكّد ذلك انقلابُ المُفتين على أنفسهم بسرعة كبيرة، كما فعل، مثلاً، مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ الذي انتقل من تحريم مشاركة النساء في الانتخابات البلدية إلى إباحتها في ظرف ثلاثة أسابيع فقط من على منبر الجامع نفسه وهو جامع "الإمام تركي". أظهر ذلك للكثير من الناس تبعيّة المؤسّسات الدينية الكاملة للقصر الملكي وعملها منبراً لخدمة مصالحه وتوجّهاته السياسية. وهو ما تسبّب في فقدان ثقة الناس والمُثقّفين المستقلّين بشكل خاص في رجال الدّين. فهم لا يرون أن الفتاوى تغيّرت بسبب تغيّر رؤية المفتي ووصوله إلى اجتهاد جديد، بل لأن مزاج الحاكِم وتوجّهاته السياسية تغيّرت وليس للمفتى إلا أن يلاحق التغيّرات الجديدة.

من غير الممكن عدم ربط هذا المسار بمسار آخر أنتج تنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش اللذين أظهرا تشدّداً لا نظير له اعتماداً على فتاوى تكفير المختلفين. فقد تزامن ظهور القاعدة مع بداية ظهور العودة إلى التشدّد بعد هدنة الستينات والسبعينات. وهذان التنظيمان تم استخدامهما بفعالية من طرف المخابرات الأميركية والإسرائيلية لتنفيذ أجندة دموية وتخريبية مؤلمة بدأت في أفغانستان وانتهت في العراق وسوريا..

ومع وصول سلمان بن عبد العزيز وابنه محمّد، الأكثر نفوذاً، إلى السلطة، اتُّخذ قرار بتصفية إرث "تيار الصحوة" من الفتاوى المتشدّدة ليس فقط من أجل الانتقال إلى علمَنة الدولة، ولكن، بالأساس، من أجل الاستجابة لمطالب أميركية مستحدثة تخصّ هذه المرة الموقف من القدس والحق الفلسطيني باعتباره جزءاً مما سُمِّي بـ"صفقة القرن". وكان من الطبيعي أن تنقلب الفتاوى على نفسها لتصبح القدس، فجأة، مدينة غير مهمّة للعرب والمسلمين.. وفلسطين مشكلة الفلسطينيين وحدهم. كانت الفتاوى تؤكّد على حُرمة قتل اليهود الصهاينة كما هي فتوى الداعية الوهّابي علي الحلبي مثلاً، وانتهت إلى التقليل من أهمية القدس وتهميش القضية الفلسطينية من خلال حال الصمت الرسمي الديني والسياسي المُطبَق والتي لم تخرقها سوى أصوات بعض الكُتّاب السعوديين المُستهدِفة للفلسطينيين.
________

 قاسم شعيب كاتب وباحث تونسي

الأحد، 29 أكتوبر 2017

الوهابية والعلمنة ويخت سيرين

    أكتوبر 29, 2017   No comments
قاسم شعيب *

يسابق محمد بن سلمان الزمن لإعلان نفسه ملكاً قبل حدوث أية منغصات. وهو يفعل كل شيء من أجل حرق المراحل وتحقيق أهدافه. ولعل أخطر الخطوات التي يريد إنجازها التخلّص من الكهنوت الوهابي الذي حكم المملكة منذ تأسيسها والانتقال إلى دولة علمانية بالشكل القائم في دول عربية أخرى.

يريد أمير البلاط السعودي الانتقال من الدولة الدينية إلى الدولة العلمانية كما هو مطلوب منه، ليس لأن الملك كان خاضعاً لسلطة رجال الدين، فهذا لا واقع له لأن المؤسسة الدينية كانت دائماً تقدم فتاوى تحت الطلب، بل لأن المطلوب، اليوم، الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها التخلي عن إيديولوجية دينية متشددة لصالح أخرى ليبرالية مخففّة سماها "إسلاماً منفتحاً" بعد أن أدّت النسخة القديمة دورها التخريبي كما خُطّط لها. وهذا الانتقال يحتاج إلى جانبين. الأول نظري يتعلق بالأيديولوجية الوهابية. والثاني عملي يتعلق بالإجراءات التنفيذية للحكومة.

في الجانب النظري تحتاج عملية الانتقال إلى تصفية الإرث السلفي الوهابي في مستويين. الأول: هو التعليم. وبالفعل فقد تم تأسيس مركز لتنقيح ومراجعة مناهج التعليم. وهو قائم الآن، ويعمل القائمون عليه، تحت إشراف أميركي، على وضع كتب دراسية جديدة تدرّس في المدارس وتحل محل الكتب القديمة التي تروج للفكر الوهابي العنيف والتي تعارض "روح الإسلام".. كان التعليم ومناهجه الحاضنة الأولى لتفريخ الآلاف من المشوهين فكرياً وأخلاقياً والذين يمارسون القتل والذبح. وقد اعترفت وسائل إعلام سعودية أن 60% من منفذي العمليات الانتحارية في العراق هم سعوديون بينما أظهرت احصاءات أخرى أن السعوديين هم ثاني أكبر جنسية تشارك في الحرب السورية ضد الجيش النظامي. والعمل على تغيير المناهج الدراسية اليوم ليس بسبب اتّضاح دورها في تدمير عقول الكثير من الشباب والكوارث التي أنتجها ذلك، بل لأن مرحلة "الدعوشة" انتهت الآن ويريد الأميركيون الدخول في مرحلة جديدة كما قال الرئيس الأميركي ترامب.

والمستوى الثاني هو الثقافة. وقد كشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن من نتائج القمة التي عقدها ترامب مع القيادة السعودية في ماي الماضي، إنشاء مركز لمكافحة الخطاب الوهابي المتطرف وتغيير المناهج والإشراف على أئمة المساجد وتأهيلهم. وهو يشمل التخلص من الكتب السلفية والوهابية وبالأساس كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب وسائر شيوخ السلفية المؤثرين، مقابل إفساح المجال لكتب من نوع آخر بعيدة التوجهات السلفية. كما يشمل هذا المستوى السماح بافتتاح دور للسينما، وتنظيم حفلات موسيقية مختلطة، وتنظيف وسائل الإعلام من الخطاب السلفي الوهابي.

أما في الجانب الإجرائي، فهناك أولاً المؤسسات الحامية للوهابية. وثانياً الشخصيات المعارضة للتحوّل من أمراء ورجال دين وكتّاب ومثقّفين. وكلاهما تمّ التعامل معه بطرق مختلفة.

بدأ ابن سلمان بقوات المطاوعة أو هيأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي "شرطة دينية" كانت تابعة لوزارة الداخلية التي كانت بيد نايف بن عبد العزيز وورّثها لابنه محمد قبل عزله. ورغم ذلك العزل فإن نايف كان قد بنى معهم علاقات قوية، ومن الطبيعي أن يقفوا ضد محمد بن سلمان في أي نزاع قادم. نقل ولي العهد الجديد بعض صلاحيات الهيأة إلى الشرطة وألغى أخرى. وبذلك خلخل أحد الأذرع الأمنية لحكم آل سعود الذي طالما تمتع دوره بشرعية دينية. وهي مغامرة قد ترتد عليه. وفي السياق نفسه، ينوي ولي العهد التخلي عن لقب خادم الحرمين، وحلّ هيئة العلماء والاحتفاظ فقط بمفتي للمملكة كما هو الحال في بقية الدول العربية.

تبدو الدولة، التي طالما وصفت بمملكة الصّمت، على صفيح ساخن. يخشى محمد بن سلمان أية معارضة للمشروع الذي ينفذه، ولا يريد أيّة أصوات مزعجة توقف طموحه الجامح. وهو لذلك يحتاج إلى كسر الكثير من البيض لصناعة عجّته التي لا يمكنها أن تستوي دون ذلك. سلّة البيض السعودي، التي تحتاج كسراً قبل أن تفقّس، تضم الكثير من الأمراء مثل محمد بن ناف وتركي بن بندر وعبد العزيز بن فهد وسعود بن سيف وسلطان بن تركي الذين تم اعتقالهم.. والدعاة المحسوبين على ما سمي "تيار الصحوة" مثل سلمان العودة وعوض القرني، وحتى كتّاباً وإعلاميين ومسؤولين من مستويات مختلفة مثل الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت والكاتب مصطفى الحسن ورجل الأعمال عصام الزامل. وكذلك قضاة وأكاديميين مثل القاضي في المحكمة الجزائية في الخبر، خالد الرشودي، وعميد كلية حوطة سدير، يوسف المهوس.

تم اعتقال أمراء ورجال دين بارزين دفعةً واحدة بينما مُنع كتاب ومغرّدون من الكتابة والتغريد.. ورغم احتجاز الكثير من "الأمراء الصغار" في الأسرة الحاكمة، فإن الخوف الأكبر يأتي من "الأمراء الكبار".

يتبنّى محمد بن سلمان حلولاً انشطارية. فكل قرار يتّخذه يتسبّب في انقسام داخل العائلة الحاكمة وفي المجتمع بين مؤيد ومعارض. قد يبدو هذا طبيعياًَ أمام خطواته المتسارعة للتخلص من سلطة الكهنوت الوهابي، غير أن ذلك يعكس خللاً في البنية السياسية للدولة والتركيبة الاجتماعية للشعب الذي طالما عايش الاستبداد والقمع باسم الدّين.

لم تكن الحرّيات شيئاً معترفاً به في المملكة المترامية، وكان هناك قليل من الآراء المختلفة، من داخل العائلة، يسمح لها  بالتعبير عن نفسها. انتفى ذلك اليوم ولم يعد هناك أي صوت مخالف مقبولاً. بل إن الصمت ذاته أصبح جريمة اعتقل بسببها دعاة، فالمطلوب هو التعبير عن مواقف مؤيدة لولي العهد، وليس الاكتفاء بالصمت.

هذه الخطوات، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالصراع على السلطة داخل العائلة الحاكمة، جعلت محمد بن سلمان يعيش منعزلاً بين يخته "سيرين" وقصوره. أصبح أكثر رعباً واضطراباً ولم يعد يظهر بكثرة. فهو يشعر أن أكثر آل سعود ضده وأنه مستهدف بقوة.

ولعل أحدث تعبير عن تلك المعارضة تعرّض قصر السّلام في جدّة إلى هجوم قُتِل فيه عنصران من الحرس الملكي والأرجح أن أبناء الملك فهد والملك عبد الله والأمير نايف الذين يشكلون تحالفاً ضد الملك سلمان وابنه هم من يقف وراءه لإيصال رسالة.

تبدو العائلة السعودية اليوم في مفترق طرق. فقد حكمت لعقود طويلة بقبضة حديدية وسط صحراء الفكر الوهابي، لكنها، اليوم، وهي تحاول تغيير المسار، وصلت إلى مستوى من التصدع الداخلي غير المسبوق، ينذر بالانفجار في أي لحظة.

يستعجل ابن سلمان استواء طبخته لكن ذلك قد يؤدي إلى احتراقها!
 ________
قاسم شعيب كاتب وباحث تونسي

الخميس، 28 سبتمبر 2017

مشايخ الوهابية والمراجعات المفروضة من ولي الأمر: هل الدين في خدمة الساسة أم الساسة في خدمة الدين

    سبتمبر 28, 2017   No comments
بعد ان كان رجال الدين في السعودية يفتون بتحريم السياقة على المرأة ها هم الآن يقولون انها مباحة.

ففي خطوة تفصح عن مدى هيمنة السياسة على التشريع في السعودية انبرى عدد من كبار العلماء المستشارين في الديوان الملكي والدعاة وعلماء الدين السعوديين إلى تبرير قرار الملك سلمان المتأخر بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. 

 وخصصت العديد من وسائل الإعلام السعودية الرسمية وغيرالرسمية حيزاً هاماً من تغطياتها للقاء مشايخ كانوا وقبل فترة زمينة قليلة من أهم معارضي قيادة المرأة السعودية للسيارة، ومن أهم مشرعي هذا المنع الذي طالما لجأوا والسلطات الرسمية إلى تبريره بأدلة وأحكام نسبوها إلى الشريعة الإسلامية.

فبعد كل تلك الأحكام التي تذرعت بها لمنع قيادة المرأة نفت "هيئة كبار العلماء" وجود فتاوى شرعية سابقة صادرة عن الهيئة بتحريم قيادة المرأة السعودية للسيارة.

وقال الأمين العام للهيئة فهد الماجد لقناة العربية: "لا وجود لفتوى أو بيان أو قرار واحد صادر عن الهيئة العامة للهيئة حول تحريم قيادة المرأة للسيارة"!!!

لكنه أكد أنه هناك فتاوى لبعض الأعضاء في الهيئة، مستطرداً إلى أنها لا تعني "أن الهيئة بكامل أعضائها مع الموضوع".

ورأى الماجد أن النقطة المهمة في الموضوع هو أن: علماء الشريعة السعوديين كلهم قرروا أن تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة العامة للرعية.. وعليه فإن السلطان لن يختار إلا الأنفع والأصلح بكل قراراته.

وحذر الماجد من يقوم بالإفتاء بالقول إن "الفتوى مناطة اليوم بهيئة كبار العلماء فقط، ولا يجوز لأحد أن يزايد عليها في هذا الموضوع، أو غيره".

من جانبه وصف عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله بن محمد المطلق قرار الملك سلمان السماح بقيادة المرأة للسيارة على أنه من الأمور المباحة.

وقال المطلق، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية: كانت المرأة تركب البعير، وتسافر، ونحن الآن نرى في الأرياف والبادية النساء يقدن السيارة، ولا أحد يقول إن قيادة المرأة للسيارة في الصحراء وفي الأرياف لا تجوز.

من جانبه أوضح عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله المنيع، أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة، لانتفاء النص الشرعي المانع لها.

وقال "لولي الأمر اختيار ما فيه الخير للمجتمع وما تقتضيه المصلحة العامة"، مؤكداً أن "ولي أمرنا - حفظه الله- يستشعر بأن مجتمعه أمانة في عنقه فيحرص على كل ما من شأنه أن يكون سبباً في راحة وتنمية المجتمع".

هذا فيما قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي إن "المملكة دستورها القرآن والسنة، وقرار السماح بقيادة المرأة للسيارة لا يتعارض معهما، حيث إنه وفق الضوابط الشرعية."

وأكد الشيخ التركي أن "القيادة حريصة على الخير وتنمية المجتمع مع صيانة الدين الإسلامي الذي هو دستورها. وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية عدم الضرر في السماح للمرأة بالقيادة. وهذا القرار فيه خير كثير، وسوف يعالج سلبيات كثيرة كما بينت الدراسات."

وقال وزيرالعدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ وليد بن محمد الصمعاني، في تصريح صحافي اليوم الأربعاء، إن قرار الملك سلمان إصدار رخص القيادة للنساء إن "خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حريص كل الحرص على الرجوع لأهل العلم فيما يصدره من قرارات وأوامر تحرياً منه لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة في كل شؤون الدولة."

وأضاف أن "أمر قيادة المرأة جاء بعد تأنٍ ودراسة من هيئة كبار العلماء والجهات التنظيمية في الدولة، وأفتت هيئة كبار العلماء بغالبية أعضائها بإباحة مسألة قيادة المرأة للمركبة، مؤكداً أن تذليل العقبات أمام المرأة سياسة وطنية وشرعية يقودها ولاة الأمر بحزم وثبات."

هذا ووصف مدير "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" عضو هيئة كبار العلماء سليمان بن عبدالله أبا الخيل، الأمر الملكي بالقيادة للرجال على أنه "قرار حكيم وصائب وموفق وإيجابي، جاء في وقته".

وقال: "إن هذا الأمر الملكي انطلق من حيثيات تنظيمية ومعطيات وحقائق ووثائق وأرقام ووقائع اجتماعية واقتصادية سلبية".

كما رأى أبا الخيل، في الأمر الملكي: درءاً لمفاسد متعددة دينية واجتماعية وسلوكية وأخلاقية لا تخفى على كل متابع ومباشر، لما يتعلق بوجود السائق الأجنبي، والمخاطر العظيمة المترتبة على خلوته بالنساء ودخوله إلى المنازل وخروجه منها دون رقيب ولا حسب ولا متابعة.

فمن يمعن النظر في التصريحات هذه يستغرب لكيفية تبدل ما كان يراه هؤلاء "العلماء" استنباطاً فقهياً، بين ليلة وضحاها.

إذ لايمكن قراءتها سوى أن الحكم الشرعي في السعودية لايتعدى كونه حكماً حكومياً، يقرره حد سيف "السلطان".. وعادةُ السيْفِ أن يستخدِمَ القلم.

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

مشايخ الوهابية والمراجعات الوهمية: السديس يقول “السعودية، والولايات المتحدة، هما قطبا هذا العالم”

    سبتمبر 18, 2017   No comments
"مشايخ" الوهابية  بارعون في تلميع الساسة وحشد السذج. فبعد انشاء جيل "المجاهدين الافغان" لحرب امريكا الاولى بالوكالة, هاهم يقومون بمراجعات لفكرهم الخرافي لتلميع صورة حكامهم وطغات العالم وهم من قتل ودمر وشرد.
 

امتدح إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ عبد الرحمن السديس، الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسها دونالد ترامب. وقال السديس في لقاء مع قناة “الإخبارية” السعودية، إن "السعودية والولايات المتحدة هما قطبا هذا العالم للتأثير، يقودان بقيادة خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأمريكي، العالم والإنسانية إلى الأمن والسلام والاستقرار... لله الحمد والمنة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، والرئيس الأمريكي، العالم والإنسانية، إلى مرافئ الأمن والاستقرار، والرخاء."

كلام السديس جاء أثناء مشاركته في مؤتمر"أمريكا والعالم الإسلامي" المنعقد في نيويورك برعاية الملك السعودي ونجله محمد بن سلمان ورابطة العالم الإسلامي. 

وأثار حديث السديس جدلا واسعا بين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي.

#تصًريح_السديس_لا_يمثلني  

و  
و
 
 

 


الاثنين، 17 يوليو 2017

أنقرة وواشنطن تُسرجان «الحصان الصيني الأسود»؟ | «مجاهدو» تركستان: «دواعش سوريا الجدد»... الجيش وحلفاؤه يقودون «داعش» نحو «المعركة الأخيرة»

    يوليو 17, 2017   No comments
«داعش» الجديدة... صينية!
صهيب عنجريني

تنظيم «داعش» آخذٌ بالانكماش. «جبهة النصرة» وتنظيمها الأم (القاعدة) خسرا ويخسران الكثير من كوادرهما، سواء في اقتتالات داخليّة، أو عبر سلسلة استهدافات دقيقة. لكنّ ثمة تنظيماً مهماً وقوياً لم يطاوله «النزف الجهادي»، بل هو آخذ في تنمية قدراته وتوسيعها، استعداداً لمهمة قادمة خارج سوريا ربّما. ما جديد «الحزب الإسلامي التركستاني»؟ ولماذا حضر على طاولة البحث الأميركي ــ التركي؟



في كتابه «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، يتحدث المنظّر الجهادي الشهير أبو مصعب السوري (مصطفى ست مريم) عن ولادة «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي كان شاهداً على نشأته وصديقاً لمؤسسه (حسن مخدوم الشهير بأبو محمد التركستاني). يشير أبو مصعب إلى نقطة غاية في الأهميّة، مفادها أنّ «أبو محمد التركستاني كان يعوّل على دعمٍ من الولايات المتحدة تقدمه لحركته في إطار برنامج سري أقرّه الكونغرس عام 1995 لتفكيك الصين باستخدام النزعات العرقيّة والدينيّة فيها».

ورغم أن الولايات المتحدة صنّفت لاحقاً «التركستاني» من بين التنظيمات الإرهابيّة (عام 2009)، غيرَ أنّ هذا التصنيف لا يبدو حاجزاً حقيقيّاً يحول بينها وبين دعمه، سواء عبر إحياء البرنامج المذكور، أو من خلال قنوات أخرى «وسيطة». وتؤكّد مصادر تركيّة معارضة لـ«الأخبار» تحصيلها معلومات تفيد بأنّ «ملف الأويغور جرت مناقشته بين أنقرة وواشنطن عبر القنوات الأمنيّة، من بين ملفات أخرى متشعبة». وخلافاً لما توحي به المجريات السياسيّة المُعلنة، فإنّ التنسيق الأمني بين أنقرة وواشنطن لم يتأثّر على الإطلاق في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب. وعلى العكس من ذلك، فقد قرّرت واشنطن في أيار الماضي «توسيع التعاون الاستخباري مع تركيا» وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية .

مسار تصاعدي

يُعد «الحزب الإسلامي التركستاني» اليوم أقوى واجهة «جهاديّة» تتبنّى قضيّة «إقليم تركستان» بعدما تصدرت الواجهة سابقاً «حركة تركستان الشرقيّة». والإقليم المذكور هو إقليم «شينغ يانغ» الصيني، وسكّانه من أقليّة الأويغور التي تدين بالإسلام. وينادي «الحزب التركستاني» باستقلال الإقليم عن الصين ويعتبره قضيّته المركزيّة. منذ ظهوره في سوريا، لفت «التركستاني» الأنظار بسبب تمتّعه بمزايا كثيرة تمنحه اختلافاً عن سواه من الحركات «الجهاديّة» المنخرطة في الحرب، ويأتي التنظيم العالي على رأس تلك المزايا واحداةً من أبرز المجموعات التي نُظّمت بطريقة تضمن لها استدامةً ليست الحرب السوريّة غايةً لها، بل وسيلة. وإذا كانت أفغانستان قد شهدت ولادة «الحركة الجهاديّة التركستانيّة» قبل عقود، فإنّ سوريا كانت مكاناً لهيكلة هذه الحركة، وتأطيرها، ومنح منتسبيها مسرحاً ملائماً للتدريب في معسكرات متنوّعة الاختصاصات، علاوةً على توفير بيئة قتاليّة حقيقيّة يخوض فيها المسلّحون حروباً تكسبهم خبراتٍ عاليّة في التعامل مع أحدث صنوف الأسلحة والتكتيكات الهجوميّة المختلفة 
. وقد رُصد في خلال سنوات الحرب تصاعدٌ في نوعيّة الأسلحة التي وصلت إلى أيدي مقاتلي الأويغور، وبينما كان السلاح الأقوى في يد «الحزب الإسلامي» خلال معارك مطار أبو الضهور مثلاً (2015) هو التفجيرات الانتحارية، فقد ظهرت في حوزته لاحقاً أسلحة نوعيّة مثل صواريخ ميلان الفرنسيّة وتاو الأميركية.

«كتيبة أشبال تركستان»

في خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، لاحظت مصادر «جهاديّة» زيادة في استحداث معسكرات تدريب الأطفال «الجهاديين» الأويغور تحت اسم «معسكرات أشبال تركستان الإسلاميّة». عرّاب المعسكرات هو الشيخ السلفي السعودي عبدالله المحيسني الذي يتنقّل بحرية بين المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية وتركيا. ويأتي هذا النشاط بوصفه جزءاً من سلسلة معسكرات مماثلة سبق للمحيسني أن أنشأها، لكن الجديد هو تخصيصها لتدريب أطفال عرق بعينه. تتوزّع معسكرات «أشبال تركستان» بين جسر الشغور، والزنبقي، وإحسم، وتستقطب أطفال العائلات الأويغورية المنتشرة هناك من عمر 8 سنوات وما فوق. وينقسم الإعداد الذي يخضع له هؤلاء إلى قسمين: شرعي، وعسكري. ويقوم الإعداد الشرعي على غرس فكرة «الجهاد» في نفوس الأطفال، وتنمية الحس العقائدي لديهم يشرف عليها المحيسني شخصياً بمساعدة «دعاة» أويغور يتقنون اللغة العربية.
أنشأت أجهزة الاستخبارات التركيّة «مراكز استقطاب وإعادة تأهيل للجهاديين»

كما يهتم «الإعداد الشرعي» بإحياء الشعور العرقي لدى الأطفال عبر إفراد محاضرات خاصة لقضية «تركستان الإسلاميّة» وخطط تحريرها من الصين. ولا تستنثي هذه الدورات الفتيات، بل تخصص لهنّ حلقات منفصلة عن الذكور، وتوفر لهنّ علاوة على الإعداد الشرعي دورات تعليم للسلاح الفردي الخفيف. أما الذكور، فيخضعون لدوراتٍ قتاليّة بمستويات متقدمة تبعاً لأعمارهم على مختلف فنون القتال وصنوف الأسلحة. وخلال شهر آذار الماضي، تمّ «تخريج» دفعة من الفتيان، واستحدثت لهم كتيبة حملت اسم «كتيبة أشبال تركستان الإسلاميّة» بإشراف عسكري مباشر من «الحزب الإسلامي التركستاني». وحتى الآن، لم يُسجّل أي نشاط قتالي لهذه الكتيبة التي يُقدّر عدد أفرادها بـ 400 طفل تراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً.

من «داعش» إلى «الحزب»

عكس معظم المجموعات المسلّحة، سارع «داعش» إلى استقطاب المقاتلين الأويغور. وتجاوز عقبة اللغة بالاستفادة من وجود عدد كبير من القياديين التركمان في صفوفه. كانت الدعاية التي أتقن «داعش» ترويجها بخصوص «عولمة الجهاد» عاملاً مؤثّراً في نجاحه باستقطاب المقاتلين غير العرب، ومن بينهم الأويغور. وتقوم هذه الدعاية على فكرة أنّ «الجهاد واجب على كل مسلم، من دون أي اعتبار للقوميّة». وعزّز وجود بعض القياديين من غير العرب في صفوف التنظيم من فعالية هذه الفكرة. كذلك، لعبت سيطرة التنظيم على مناطق واسعة من الحدود السورية التركيّة دوراً فاعلاً في استقطابه للمقاتلين الأويغور الذين وفد معظمهم عبر الأراضي التركيّة، وتحوّلت مدينة تل أبيض (ريف الرقة الشمالي) خلال عام 2014 إلى نقطة تجمّع أولى لـ«أويغور داعش». أقام التنظيم في المدينة معسكرات خاصّة بالأويغور كرّر فيها تجربة أفغانستان، حيث ركّز على «الجهاديين الفتيان»، قبل أن يوزّع الدفعات التي تُنهي تدريبها على «الولايات» التابعة له في كل من سوريا والعراق. لكنّ العام الأخير شهد حالات تسرّب متتالية للأويغور من صفوف «داعش» والتحاقهم بـ«التركستاني»، بالتناسب مع ازدياد وتيرة الحرب على «داعش». وعلى وقع الانكسارات المتتالية للتنظيم في كل من العراق وسوريا، قرّر كثير من الجهاديين الأجانب أنفسهم مضطرّين إلى البحث عن آفاق أخرى لـ«جهادهم». وفيما اختارت نسبةٌ قليلةٌ من هؤلاء الانسحاب من المشهد الجهادي مؤقّتاً، مال معظمهم إلى التوجّه نحو تنظيمات بديلة لا تعاني ما يعانيه «داعش». بدأت هذه الحركة عشوائيّاً أوّل الأمر، لكنّ أجهزة الاستخبارات الداعمة لأنشطة الجهاديين سرعان ما تنبّهت إليها، وبدأت في توجيهها واستغلالها. وتأتي على رأس تلك الأجهزة الاستخبارات التركيّة التي أنشأت «مراكز استقطاب وإعادة تأهيل» داخل الأراضي السوريّة وفي بعض المدن الحدوديّة التركيّة. كانت الاستخبارات الأميركيّة بدورها قد أنشأت برنامجاً سرّياً متفرّعاً عن برامج «دعم المعارضة المعتدلة» مهمّته الأساسيّة العمل على تشجيع «الجهاديين» المنضوين في صفوف «داعش» على الانشقاق عن التنظيم بصورة منظّمة تضمن استقطاب المنشقّين، لا عشوائيّة تؤدّي إلى تسربهم في اتجاهات شتّى. وُضع البرنامج قيد التنفيذ في مطلع عام 2016 بتنسيق كامل بين الاستخبارات الأميركيّة ونظيرتها التركيّة، واختيرت مجموعات عدّة من «المعارضة المفحوصة» للقيام بمحاولات الاستقطاب مثل: «فرقة الحمزة»، «فيلق الشام» و«جبهة الشام» . عملت الاستخبارات التركيّة على تجيير هذا البرنامج لخدمة مشروعها في دعم «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي تتبناه بشكل كامل. حظي الأويغور المنشقون عن «داعش» بأولوية لدى أنقرة، بحيث يتم فرز هؤلاء عن سواهم من المنشقيّن، وإخضاعهم لجلسات طويلة تعمل على تنمية الشعور القومي لديهم، وتركّز على ضرورة «تجيير جهادهم لخدمة قضيّة تركستان المسلمة، بدلاً من خدمة أجندة تنظيم مثل داعش يتعامل معهم كأدوات فحسب، ولا يوليهم حتى مناصب قياديّة». ووفقاً لتقديرات مصادر سوريّة من داخل المجموعات المسلّحة التي كُلفت بمهمات الاستقطاب، فإن عدد الأويغور الذين انشقّوا عن «داعش» بلغ منذ منتصف العام الماضي حتى شباط قرابة 400 منشق، وجدوا طريقهم إلى صفوف «الحزب الإسلامي». كان انسحاب تنظيم «داعش» من مدينة الباب السوريّة (شباط 2017) محطّة مهمّة ولافتة في سجل «الحزب الإسلامي التركستاني»، فقد أفلح الأخير في تسهيل عقد صفقة بين «درع الفرات» (ومن خلفه أنقرة) وبين «داعش» نصّت بنودها على انسحاب مقاتلي «داعش» الأجانب من الباب، ومنح مقاتليه من أبناء المنطقة أماناً لأنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، كما نصّت على بند خاص بمقاتلي «داعش» من الأويغور الموجودين في منطقة الباب، يتيح لهم الاختيار بين الانسحاب مع أقرانهم، أو الانتقال إلى المراكز المؤقتة تمهيداً لانضوائهم في صفوف «الحزب الإسلامي». ووفقاً لمصادر سوريّة من فصائل «درع الفرات»، فإن 72 مقاتلاً أويغوريّاً كانوا في صفوف «داعش» في الباب اختاروا الانتقال إلى المراكز المؤقتة، في مقابل 11 مقاتلاً فضلوا البقاء في صفوف «داعش» والانسحاب معه نحو ريف حلب الجنوبي الشرقي، ومنه نحو الطبقة ثم الرقّة. أما الأويغور الذين لم ينشقوا عن «داعش» فقد انقسموا إلى قسمين: قسم لا يزال حاضراً في صفوف التنظيم ومعاركه بين سوريا والعراق، ويتمركز جزء كبير من هؤلاء في محافظة دير الزور، وتحديداً في مدينة البوكمال الحدوديّة. بينما وجد القسم الآخر طرقاً للعودة إلى جبال أفغانستان بحثاً عن ملاذٍ آمنٍ في كنف «حركة طالبان» التي وُلدت الحركة «الجهادية» التركستانيّة بفضلها.

أويغور «القاعدة»

ثمّة مئات من المقاتلين الأويغور ينضوون في صفوف «القاعدة». بعضهم يقاتل تحت راية «جبهة النصرة» بشكل مباشر، وبعضهم يرتبط بها من خلال «لواء المهاجرين». وهو مجموعة يدين مقاتلوها بالبيعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وتعمل تحت إشراف «النصرة»، ويضم إضافة إلى التركستان مقاتلين طاجيك وعدداً قليلاً من القوقازيين. يتمركز هذا «اللواء» في جبل الزاوية في محافظة إدلب وتسكن عائلات مقاتليه في بعض قرى المنطقة، بينما يرابط المقاتلون في النقاط القتالية، ويحصلون على إجازات لزيارة عائلاتهم دوريّاً، بواقع زيارة واحدة شهريّاً. ومن الملاحظ أنّ القرى التي تسكنها عائلات أويغور «النصرة» هي ذاتها التي تسكنها عائلات «الحزب الإسلامي التركستاني». وبشكل عام، فإنّ العلاقة بين أويغور القاعدة وأويغور الحزب هي علاقة ممتازة. ولا يعدو انقسام الأويغور بين الطرفين كونه مظهراً «تنظيمياً» بحتاً، وسببه أن أويغور القاعدة كانوا قد وفدوا إلى سوريا منذ بدايات الظهور «الجهادي» فيها وفي وقت سابق لظهور «الحزب الإسلامي التركستاني». وثمة ملاحظة جديرة بالانتباه، مفادها أنّ جزءاً كبيراً من أويغور القاعدة ليسوا متزوجين، أو تزوجوا بفتيات من غير جلدتهم (سوريات، أفغانيات). وتجدر الإشارة إلى أن المقاتلين الأويغور، سواء المنضوين في صفوف «لواء المهاجرين/ النصرة» أو صفوف «الحزب الإسلامي» يحظون بثقة وتقدير كبيرين لدى عدد من أبرز مرجعيّات القاعدة مثل الأردني – الفلسطيني أبو محمد المقدسي (عصام طاهر البرقاوي)، والقيادي أبو الخير المصري (عبدالله رجب عبد الرحمن) الذي كان حتى مقتله نهاية شباط الماضي الرجل الثاني لتنظيم «القاعدة» في سوريا، وقد خصّه «الحزب الإسلامي» ببيان ينعاه فيه ويعزي باستشهاده. خلافاً لما يظنّه البعض، لا يرتبط «التركستاني» ببيعة لتنظيم «القاعدة»، لكنّ العلاقة بين الطرفين قويّة ووطيدة وهي علاقة قائمة على مبدأ «أخوّة الجهاد»، وعلى نحو مماثل توطدت العلاقة بين «التركستاني» و«جبهة النصرة». من جهة أخرى، يدين «التركستاني» ببيعة لحركة «طالبان» تعود إلى زمن وفود مؤسس «التركستاني» على الملا محمد عمر في أفغانستان (أواخر تسعينيات القرن الماضي).

«تمدّد» في إدلب

بدأ «الحزب الإسلامي التركستاني» حصاد ثمار التوتر الذي ساد مناطق عدة من ريف إدلب في خلال الأيام الأخيرة. وعلى الرغم من أن «التركستاني» لم يكن طرفاً في اندلاع شرارة التوتر التي اقتصرت أول الأمر على مناوشات بين «حركة أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام/ النصرة»، غير أنّ تطورات الأمور تبدو ذاهبة نحو مزيد من «التمدد» لمناطق سيطرة «التركستاني». وأفادت مصادر محليّة عن دخول الأخير إلى مدينة جسر الشغور (ريف إدلب الغربي)، علاوة على أنباء عن تسييره أرتالاً نحو مدينة أريحا. وكانت مدينة جسر الشغور قد شهدت توتراً بين كل من «التركستاني» و«حركة أحرار الشام» بعد اعتقال الأخيرة عناصر من «الحزب». ووصفت مصادر «جهادية» التطورات الجارية بأنها عملية تبادل مواقع بين «التركستاني» و«النصرة» تهدف إلى منح الأخيرة فرصة للتفرغ لجولة جديدة من فصول سباق النفوذ المستمر بينها وبين «أحرار الشام».

__________

الرقّة ما بعد «داعش»: فصل جديد من فصول «الفوضى الخلاقة»؟
من المسلَّم به أنّ اندحار «داعش» من الرقة بات مسألة وقت، فماذا عن اليوم التالي؟ تبدو إجابة هذا السؤال كفيلة بتقديم مؤشرات تتعلق بملف الشمال السوري برمّته انطلاقاً من الرقة. وتتضافر معطيات عدّة في ترجيح كفة «الفوضى الخلاقة» عنواناً لمرحلة قادمة تبدأ غداةَ إعلان «تقويض عاصمة الخلافة» ويصعب التنبؤ بخواتيمها، أو بانعكاساتها على مختلف الأطراف، وعلى رأسهم «أبطال المعركة»!
      
في السادس من حزيران أعلنت «قوّات سوريا الديمقراطية» انطلاق معركة «تحرير مدينة الرقة». مع انقضاء أسبوع من العملية، كانت «قسد» قد بسطت سيطرتها على أجزاء من المدينة، وشارفت على عزل قوات «داعش» في مركزها عن تجمعاته في أطرافها وعلى وجه الخصوص في مقر الفرقة 17.

قبل إطلاق «المعركة الكبرى» بسبعة أشهر، كانت «قسد» قد أعلنت بدء عملية «غضب الفرات»، التسمية التي اعتُمدت لمعارك محافظة الرقة بأكملها. لكنّ ذلك لا يعني أن الأشهُر السبعة كانت بأكملها أشهُر عمليات عسكريّة، إذ انقسمت العمليات إلى جولات فصلت بينها فترات ركود ميدانيّة، وفقاً لإيقاع فرضته أحداث سياسيّة حيناً (مثل الانتخابات الأميركية)، وتطورات خفيّة وراء الأبواب على خطوط مختلفة من موسكو إلى أنقرة وواشنطن وسواها. ومن المتوقع أن «يشهد النصف الثاني من حزيران إعلان السيطرة على المدينة بشكل كامل، والاستمرار في ملاحقة فلول التنظيم في أريافها»، وفقاً لثلاثة مصادر كردية بارزة تحدثت إليها «الأخبار» كلّاً على حدة. ويؤكد أحد المصادر أنّ «المعارك التي تخوضها (قوات سوريا الديمقراطيّة) عنيفة، لكنّها أشدّ ضراوة من معارك سابقة خضناها ضد (داعش)». تتشارك المصادر الثلاثة التكتّم ذاته حول «الخطوة التالية» بعد الرقّة، والأرجح أنّ التحفظ حول الخوض في هذا الحديث نابعٌ من أن الخطوة ليست قراراً في يد «قسد» التي تخوض معاركها بوصفها الذراع البرية لـ«التحالف الدولي». ويبدو شبه محسوم أنّ الخريطة السورية بعد الرقة ستشير إلى دير الزور بوصفها «المعقل الأخير للتنظيم»، علاوة على احتفاظه بمناطق سيطرة في أجزاء من ريف الحسكة. أما الجيوب الباقية في أرياف حمص وحماه وحلب، فستكون على الأرجح قد صُفّيت على يد الجيش السوري وحلفائه، أو عُزلت في انتظار قطافها. ويخوض الجيش وحلفاؤه معارك متسارعة الخطى على امتداد البادية السورية تهدف إلى توجيه «داعش» نحو «المعركة الأخيرة» في دير الزور. ويحرص الجيش في خلال عملياته على محاذاة مناطق سيطرة «قسد» في الرقة بأكبر مساحات ممكنة، على نحو يُذكّر بعملياته السريعة التي واكبت معركة الباب التي شنّتها القوات التركية الغازية في إطار عملية «درع الفرات». وباستثناء حوادث الحسكة الشهيرة، فإنّ خطوط التماس بين الجيش السوري و«قسد» لم تتحوّل مسرحاً لمعارك بينهما. وعلى العكس من ذلك، تشارك الطرفان في رسم مسارات المعارك ضد أطراف أخرى (كما حصل في ريف حلب الشمالي، وفي مدينة حلب ذاتها). كذلك شكّلت منبج ساحة لاتفاق أتاح تسلم الجيش السوري مناطق من ريفها الشرقي ليتحول بمشاركة القوات الروسية إلى ما يشبه «قوات فصل» بين «قسد» و«درع الفرات». ولن يكون مستغرباً أن ينخرط الجيش و«قسد» في عمليات تنسيق لمعارك أرياف دير الزور، ولا سيّما ريفها الغربي المتصل بريف الرقة الشرقي. في المقابل، من المنتظر أن يشكل إعلان نهاية معركة الرقة مقدمة لمعركة إعلامية جديدة تشنها أنقرة لمطالبة بانسحاب «قسد» وتسليم «المدينة لأبنائها». وكما أن الوجهة العسكرية التالية لـ«قسد» ليست قراراً عائداً لها، تبدو خطوتها التالية لتحرير الرقة قراراً أكبر من قدرتها على الانفراد به. وتحضر تداخلات كثيرة في ما يخص «رقة ما بعد داعش»، من بينها الطبيعة العشائرية للمنطقة، وما يعنيه ذلك من تأثيرات محتملة لكل من السعودية والإمارات. ورغم أن الأخيرتين تتشاركان «استراتيجيات» واحدة في ملف إقليمي بارز هو الكباش مع قطر (حليف تركيا القريب)، غير أنّ الأمر يختلف لدى دخول البعد العشائري على الخط، كما يختلف في ما يخص العلاقة مع تركيا نفسها.

وفيما عرفت العلاقات السعودية التركية مدّاً وجزراً و«تحالفات مصالح» في الملف السوري تحديداً، فإن العلاقات الإماراتية التركية تنحو منحى أقرب إلى «العداء الوجودي». وكان هذا التفصيل سبباً وراء دخول الإمارات على خط تمويل «قسد»، الأمر الذي تحول بدوره إلى مناسبة لسباق على النفوذ بين الإمارات والسعودية. وإذا أضيفت إلى ذلك إمكانية تأثير الدوحة في المكون العشائري أيضاً، ازدادت التعقيدات أكثر فأكثر. إلا أن كل ما تقدّم يظل مجرّد تأثيرات جانبيّة تدور في فلك الهيمنة الأميركية على قرارات «قسد» وتحركاتها. وحتى الآن تبدو واشنطن حريصةً على تمكين «قسد» من بسط السيطرة على أكبر مساحات ممكنة من الجغرافيا السورية، ولا سيما أن تلك المساحات تحولت إلى مناطق نفوذ أميركي مؤثرة في موازين المنطقة بأكملها وبما يتجاوز الساحة السورية. ولا تمكن قراءة النهج الأميركي المتوقع في ما يخصّ «رقة ما بعد داعش» في معزل عن مقدمات معركة الرقة والترتيبات التي سبقتها. وسيكون لزاماً انتظار تسريبات من هنا وهناك أو رفع غطاء رسمي عن وثائق ما لفهم ما جرى في الكواليس الأمنية والسياسية في خلال الأشهر السبعة منذ بدء «غضب الفرات». وحتى ذلك الوقت، يمكن عدّ «ترتيبات معركة الرقّة» جزءاً من أسرار الحرب السوريّة الكثيرة، ولا سيّما ما توافق عليه رؤساء أركان الولايات المتحدة وروسيا وتركيّا غداةَ اجتماعهم الشهير في أنطاليا (7 آذار 2017). الثابتُ أنّ الضجيج الذي طالما أثارته أنقرة حول معركة الرقة قد انخفض كثيراً منذ ذلك الوقت، وأن أي محاولات تركية حقيقية لـ«تعكير» العمليّة لم تُسجّل، بما في ذلك محاولات «تغذية داعش» وإعانته على خوض المعركة (رغم أنه دور أجاده الأتراك طويلاً).
ومن غير الواضح ما إذا كان التحول في الأداء التركي نابعاً من عجزٍ وتسليم بالأمر الواقع، أو أنه جاء على خلفيّة «ثمنٍ ما» ضمنت أنقرة الحصول عليه من الحليف الأميركي. وكانت الإدارة الأميركية السابقة قد أدارت ملف الصراع بين أنقرة والأكراد بصورة توحي بحرصها على تنامي مخاوف كلّ من الطرفين، وهو ما واصلته الإدارة الحاليّة مع ميلٍ ظاهري نحو الأكراد. ومثّل شهر أيّار محطّة بارزة في هذا الإطار، حيث شهد إقرار واشنطن «تزويد المقاتلين الأكراد في سوريا بالسلاح». وأُعلن القرار قبل أيام من أول لقاء جمع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والتركي رجب طيب أردوغان لـ«بحث العلاقات الثنائية ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله» (عُقد اللقاء في 16 أيار، وكان مُبرمجاً منذ 21 نيسان). ثمّة تفصيل بارزٌ شهده شهر أيار أيضاً في هذا الإطار، لكنه لم ينل نصيباً وافياً من الضوء، فبالتزامن مع الحدثين المذكورين قررت الولايات المتحدة «توسيع التعاون الاستخباراتي مع تركيا». وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد نقلت في الثاني عشر من أيار عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ «تعزيز جهود المخابرات المشتركة مع تركيا يأتي لمساعدتها على استهداف الإرهابيين في المنطقة بنحو أفضل، وفي محاولة لتخفيف القلق التركي إزاء تسليح الأكراد في سوريا». ولم تقتصر تلك الأنباء على أحاديث فضفاضة، بل تضمّنت معلومات لافتة عن قيام واشنطن بمضاعفة قدرات «مركز الاندماج الاستخباراتي في أنقرة»، و«إضافة مزيد من المساعدات الاستخبارية التي تقدمها (لتركيا) مثل الطائرات من دون طيار». ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن المسؤولين الأميركيين، فإن الخطوات تأتي بغية «مساعدة المسؤولين الأتراك على تحديد حزب العمال الكردستاني وتعقّبه بنحو أفضل».

___________

الجيش وحلفاؤه يقودون «داعش» نحو «المعركة الأخيرة»
  • لقراءة مسارات معارك تحرير البادية السورية تلزم خمس خرائط لخمس محافظات. يتقدم الجيش السوري وحلفاؤه على محاور عدة، متباعدة جغرافية، مترابطة استراتيجياً. المعارك الدائرة في أرياف حمص وحماة وحلب والرقة تندرج جميعاً في إطار معارك تحرير البادية، وتضع الجيش في سباق مع الزمن نحو «المعركة الأخيرة» ضد التنظيم المتطرف، والتي تبدو دير الزور مسرحها الحتمي
  
       
منذ انطلاقتها، بدا واضحاً أن عمليّات تحرير البادية السوريّة من تنظيم «داعش» تنحو نحواً مختلفاً، لا عن عمليات الجيش وحلفائه السابقة فحسب، بل عن كل ما شهدته الجغرافيا السوريّة من معارك خلال السنوات الماضية. وحتى الأمس القريب كانت معظم المعارك تقوم على تخيّر أهداف محصورة في بقعٍ جغرافيّة محدّدة تضيقُ لتكون مجموعة قرى وبلدات أحياناً، وتتسع لتكون مدينةً أو قطاعاً جغرافيّاً من محافظة في أحيانٍ أقل.

أما معارك تحرير البادية الأخيرة فقد أخذت الخطط العسكريّة في حسبانها تسييرها في اتجاهات ومسارات شتّى تتوّزع بين محافظات عدّة وبتزامن مدروس. تستند الخطط في الدرجة الأولى إلى تكتيك «تشتيت الجبهات» الذي سبق للجيش وحلفائه أن اعتمدوه في مناسبتين سابقتين: غداة الدخول العسكري الروسي المباشر نهاية أيلول 2015، وفي الشهور الأخيرة من معارك ريف حلب وصولاً إلى خواتيمها. ورغم أن معارك 2015 قد شملت مساحات واسعة متوزعةً على غير محافظة في وقت واحد، غير أن الهدف في تلك المرحلة كان توسيع هوامش الأمان حول مناطق سيطرة الدولة السورية وضرب البنى التحتيّة للمجموعات المسلّحة تمهيداً لتثبيت خطوط سيطرة جديدة، فيما تختلف أهداف عمليات البادية الراهنة جذريّاً، من حيث كونها تهدف إلى التقدم البري وبسط النفوذ على مساحات شاسعة من الأراضي، وربط مدن ومحافظات بعضها ببعض، لتتحول بالتالي المساحات التي لطالما وُصفت بأنها «مجرّد مناطق شاسعة لا تمثل ثقلاً استراتيجياً» إلى مفاصل شديدة الأهمية في موازين الحرب.
تعتبر السخنة واحداً من أقوى تجمعات «داعش» في البادية

ومن شأن عمليات الربط أن تؤدي بطبيعة الحال وظائف ثنائيّة المنحى: دفاعيّة بالنسبة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة السوريّة عبر توسيع محيط الأمان، وهجوميّة بالنسبة إلى المناطق الخارجة عن السيطرة والتي يُنتظر أن تكون أهدافاً تالية لعمليات التقدم البري. استناداً إلى ما سبق، تصبح أهمية التقدم الذي حققه الجيش وحلفاؤه أمس على محور «أثريا ــ الرصافة ــ الرقة» مثلاً، أكبر من مجرّد تأمين طريق «أثريا ــ خناصر ــ السفيرة» (على أهميته بوصفه شريان حلب). ويبدو جليّاً أن تحقيق هذا الهدف يأتي بمثابة تحصيل حاصل، في الوقت الذي يمهّد التقدم لإحكام طوق حول الجيوب المتبقيّة للتنظيم في ريف حلب الجنوبي الشرقي أو إجباره على الانسحاب منها (الجيوب عبارة عن قرى ومزارع صغيرة ومتناثرة مثل الزكية، وهيبة كبيرة، وهيبة صغيرة، رسم الحميد، الثريا، اللواشي، مصنعة القصر... ويقتضي إحكام هذا الطوق بسط السيطرة على حوالى 35 كيلومتراً، هي في معظمها أراض مكشوفة). في الوقت نفسه تكتسب عمليّات الجيش المستمرّة في ريف سلمية الشرقي بعداً أكبر من تحصين مدينة سلميّة ومعالجة مشكلة الخاصرة الشرقيّة الرخوة التي شكّلت في خلال السنوات الماضية نقطة تهديد مستمرّة. وعلى نحو مماثل سيكون تحقيق هذا الهدف أمراً مفروغاً منه حالَ دخول منطقة عقيربات (ريف حماة الشرقي) على خط المناطق المحررّة. وتحظى عقيربات بأهميّة إضافيّة نظراً إلى كونها أكبر منطقة سيطرة للتنظيم في الجزء المتاخم من ريف حماة لأطراف سلسلة الجبال التدمريّة الشرقيّة (جنوب عقيربات، ويصل امتداد السلسلة إلى محمية البلعاس في ريف سلمية الشرقي). وبفعل التماس بين ريفي حمص وحماة، تكتسب مزامنة عمليات ريف حماة الشرقي مع عمليات محيط تدمر الشمالي أهميّة إضافيّة. وعلاوة على كون مغاور الجبال التدمرية مناطق تحصّنٍ لجأ إليها التنظيم منذ وصوله المنطقة، تحولت السلسلة أخيراً مقصداً لمعظم مقاتلي «داعش» المنسحبين أمام تقدم الجيش المستمر في محيط تدمر (ريف حمص الشرقي). ويبدو مرجّحاً أن خطط الجيش في ما يخصّ الجبال التدمرية تلحظُ في الوقت الراهن ضرورة تطويقها وعزلها عن أي تأثير محتمل قد يسعى التنظيم المتطرف إلى إحداثه في خارطة السيطرة، سواء في محاولة شنّ هجمات جديدة نحو تدمر، أو في محاولات شنّ هجمات انطلاقاً من الجبال تستهدف الخطوط الخلفية للقوات السورية التي يُنتظر أن تنطلق نحو السخنة. ويواصل الجيش عملياته في محيط تدمر الشمالي الشرقي، مولياً أهميّة خاصة للوصول إلى مدينة السخنة الاستراتيجيّة (70 كيلومتراً شمال شرق تدمر) التي تعتبر صلة وصل بين الحدود الإدارية لمحافظتي حمص ودير الزور. وتعتبر السخنة واحداً من أقوى تجمعات «داعش» العسكرية في البادية السورية.

وسيكون من شأن سيطرة الجيش عليها فتح الطريق أمام تهاوٍ قد يكون سريعاً ودراماتيكياً يقود القوات المتقدمة نحو قصر الحير الشرقي لعزل جبل بشري، ثم الانطلاق نحو كباجب والشولا (ريف دير الزور الجنوبي الغربي) في زمن قياسي. وكانت الأخيرتان قد شكلتا مفتاحاً لتمدّد التنظيم المتطرف من دير الزور نحو وسط البلاد إبّان صعوده على حساب «جبهة النصرة» قبل ثلاثة أعوام. وتشكل دير الزور في موازين الجيش السوري الهدف الاستراتيجي الأكبر الذي تسعى خطط ومسارات معارك البادية إلى تحقيقه في أسرع وقت ممكن. ويقود هذا التفصيل إلى ملاحظة أهميّة إضافيّة لعمليات الجيش في ريف الرقة الجنوبي، قوامُها السعي للانطلاق بمحاذاة الحدود الإدارية الجنوبية للرقة شرقاً نحو دير الزور أيضاً. ومن الملاحظات الجديرة بالانتباه في دخول الجيش وحلفائه الريف الرقّي سعي القوات المتقدمة إلى تثبيت نقاط سيطرة تحقق أكبر تماس ممكن مع «قوات سوريا الديمقراطيّة»، على نحو يذكّر بالعمليات العسكرية التي شنّها الجيش ضد التنظيم جنوب منبج (ريف حلب الشمالي الشرقي). ولا يمكن فصلُ كل هذه المسارات عن العمليات العسكرية المستمرة على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، ومن الجانبين. ورغم المسافة الشاسعة التي تفصل بين كل تلك الجبهات، غير أنّ الترابط الاستراتيجي يبدو وشيجاً بينها. ومن نافلة القول إنّ معركة تحرير محافظة دير الزور باتت في نظر معظم أطراف الحرب السوريّة بمثابة «المعركة الأخيرة لداعش». وهو أمرٌ بدأت الصحف الغربيّة في الإشارة إليه أخيراً بالتزامن مع انسحابات «داعش» المتتالية من الرقة أمام «قسد»، وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى «نيويورك تايمز» الأميركية التي عنونت قبل يومين «بعد الرقة، معركة أكبر تلوح في الأفق لهزيمة داعش والسيطرة على سوريا».
_________

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | sohaibenjrainy@
 

   
http://www.al-akhbar.com/
  
 

الجمعة، 23 يونيو 2017

خطة السعودية لتجريد قطر من أسلحتها الثلاثة

    يونيو 23, 2017   No comments
بقلم قاسم عزالدين
 
لمطالب السعودية - الإماراتية التي تخرج إلى العلن بموافقة أميركية، تكشف التصعيد السعودي أملاً بهزيمة قطر والعودة بها إلى حجم إمارة تحت مرمى المملكة. لكن هذا التصعيد الضاغط ربما يفتح أمام قطر طريق مراجعة خياراتها السياسية في محاور المنطقة. 

لائحة المطالب والشروط السعودية، جرى تداول بنودها الأساس بينما كانت الإدارة الأميركية تدرس تدخلها لحل الأزمة الخليجية، ولم تخرج اللائحة إلى العلن بشكلها الحالي إلا بعد أن أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الموكل بالملف أن الإدارة تدعم الجهود الكويتية لحل الأزمة وهو أمر يدل على أن واشنطن تختار المماطلة. فوزير الخارجية الموكل بحل الأزمة، كان قد تميّز عن دونالد ترامب الذي يميل إلى السعودية، يحثّ السعودية على تقديم أدلّة على اتهاماتها، وفق تعبير المتحدثة باسم الخارجية هيذر نورت.

وقد أعرب تيلرسون بعدها عن ثقته بحل قريب، بحسب تصريح جاء في ختام جولة مباحثات مع وفود خليجية في واشنطن، ولا سيما لقاءه بمستشار أمير دولة قطر لشؤون الاستثمار محمد بن حمد آل ثاني.

هذه الأجواء التي تغيّب عنها وزير الخارجية القطري عبد الرحمن آل ثاني، أتاحت المراهنة القطرية على مبادرة أميركية يحملها تيلرسون تستند إلى غربلة الأسماء التي ينبغي أن تغادر قطر، وإلى ضبط الإعلام القطري وتشذيب الدعم القطري للإخوان المسلمين وحماس من دون قطع الأوصال وقلب ظهر المجنّ.

وفي هذا السياق قال تيلرسون ينبغي أن تكون المطالب السعودية معقولة وقابلة للتنفيذ، لكن هذه المراهنة سرعان ما يلقيها تيلرسون جانباً، كما يدل نشر اللائحة في الصحافة الأميركية، على الرغم من أن الوزير الإماراتي أنور قرقاش اتهم قطر بإفشاء المطالب لإفشال الوساطة الكويتية.

 التهديد بمهلة عشرة أيام للتنفيذ، قد يشي بأن السعودية تمهّد لانقلاب أو غزو محتمل. لكن هذا الأمر قد يكون في غير أوان بعد الدخول التركي إلى القاعدة العسكرية في الدوحة والمناورة الأميركية - القطرية المشترّكة.

وفي هذا الإطار قد لا يبقى أمام الضغط السعودي - الإماراتي أكثر من طريق الغاز القطري إلى الإمارات؛ ففي مقابل ورقة الضغط الأخيرة في أيدي السعودية والإمارات تشمل لائحة المطالب إقفال القاعدة التركية، ما اعتبره وزير الدفاع التركي تدخلاً في علاقات أنقرة مع الدول الخليجية.

وتشمل في المقام الأول ليس فقط التخلي عن الإخوان المسلمين، بل محاربتهم وملاحقتهم وتسليم اللوائح بأسمائهم وملفاتهم، والتخلي بذلك عن نفوذ قطر في المنطقة العربية وخارجها أشبه بطلب الانتحار السياسي.

المطالب والشروط الأخرى المدرجة في اللائحة، تبدو تمويهاً للمطلب الأساس الذي يمدّ قطر بالنفوذ وطموحات المصالح، فالمطالبة بوقف دعم حزب الله وأنصار الله والقطيعة مع إيران قد تكون من باب التحريض المجاني وذرّ الرماد في العيون.

أمّا المطالبة بوقف دعم وتمويل النصرة والقاعدة و"داعش" وغيرها، فهي ما يمكن أن تكون سهاماً موجهة للسعودية وتحالف واشنطن، وفق تعبير وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم الذي أفصح عن شراكة تحالف واشنطن في السراء والضراء لدعم هذه الجماعات عبر غرفتي عمليات "موك" و"موم" في اسطنبول والأردن.

لعلّ أفضل ما يلخّص شروط السعودية وهدفها، هو إعلامي سعودي "من عظام الرقبة" كما يُقال، فهو يقول إن أسلحة قطر الثلاثة هي الإعلام والمال والدبلوماسية النشطة.

وفي السياق يكاد الإعلامي الشهير أن يفصح عن آمال السعودية لتجريد قطر من هذه الأسلحة لتحجيمها من دور إقليمي كبير إلى ما هي عليه في قلّة سكانها وصغر مساحتها وضعف جيشها. وفي وراء الآمال السعودية قد لا تكون قطر وحدها هدفاً للسعودية في الخليج، وربما تنتقل السعودية في المدى المنظور أو الأبعد إلى اتهام سلطنة عمان أيضاً بدعم الإرهاب.

وما يشير إلى ذلك ويفسّر ربما المماطلة الأميركية في حل الأزمة الخليجية، هو ما كشفه موقع "بلومبيرغ" الممدعوم من قطر بحسب الاتهامات المتبادلة بين قطر والإمارات في واشنطن. فهو يذكر أن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي "رايك واديل" ذهب إلى السلطنة الأسبوع الفائت لهذا الغرض بصحبة "مايك بومبو" من وكالة الاستخبارات الأميركية.

الحصار السعودي على قطر يعوّل على مزيد من الضغط لكسر أضلع نفوذ الإمارة وطموحاتها الإقليمية، لكن هذا الضغط قد يولّد خيارات سياسية قطريّة لكسر الحصار في الانفتاح على تقاطعات إقليمية ودولية منعتها الخيارات السياسية القطرية مع تحالف واشنطن.

الأربعاء، 14 يونيو 2017

السعودية تزعزع استقرار العالم

    يونيو 14, 2017   No comments
كتب ستيفن كينزر في بوسطن غلوب

قبل أشهر قليلة بدا حاكم جاكرتا، أكبر مدن اندونيسيا متجهاً نحو فوز سهل للمرة الثانية بالرغم من كونه مسيحياً في بلد ذي غالبية مسلمة. فجأة ساء الوضع على نحو جدي. وخرجت حشود من المسلمين الغاضبين في الشوارع رفضاً له متذرعة بملاحظة عفوية أبداها حول القرآن. وخلال وقت قصير خسر الانتخابات، اعتقل، اتهم بالإساءة للدين، وحكم عليه بالسجن لعامين.
 


هذه الحادثة تثير القلق على وجه الخصوص لأن أندونيسيا، التي تعد أكبر دول العالم الإسلامية، لطالما كانت أكثرها تسامحاً. الإسلام الاندونيسي كما معظم النظم العقائدية في هذا الأرخبيل الشاسع سمح ومنفتح، بيد أن السقوط المذهل لحاكم جاكرتا يؤشر للعكس: عدم التسامح والكراهية الطائفية ونبذ الديمقرطية. الأصولية آخذة في التنامي في إندونيسيا، الأمر الذي لم يحدث من تلقاء نفسه.

عملت السعودية لعقود على فصل اندونيسيا عن الإسلام المعتدل وتوجيهها نحو النموذج الوهابي الذي يعدّ الديانة الرسمية في المملكة. الحملة السعودية كانت بطيئة، متعددة الوجوه، ومموّلة بسخاء. لقد أكد الرؤساء الأميركيون المتعاقبون لنا أن السعودية صديقتنا وتتمنى لنا كل الخير، لكننا نعلم أن أسامة بن لادن وغالبية منفذي هجمات 11 أيلول كانوا سعوديين، وأن "المانحين السعوديين يشكلون المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم" وفق ما كتبت هيلاري كلينتون في وثيقة دبلوماسية قبل ثماني سنوات.  

الأحداث الأخيرة في إندونيسيا تسلط الضوء على مشروع سعودي أكثر ضرراً من تمويل الإرهابيين. فقد استخدمت السعودية ثروتها التي يأتي جزء كبير منها من الولايات المتحدة، لتحويل مجتمعات بكاملها إلى بؤر للإسلام الراديكالي. من خلال رفض التظاهر أو حتى الاعتراف رسمياً بهذا المشروع بعيد المدى نموّل قتلتنا والإرهاب العالمي.

إن مركز الحملة السعودية لتحول الإندونيسيين نحو الإسلام الوهابي هو عبارة عن جامعة مجانية في جاكرتا تعرف اختصاراً باسم "ليبيا" LIPIA حيث يعطي دروساً باللغة العربية دعاة من السعودية والدول المجاورة. في هذه الجامعة يتم الفصل على أساس الجنس، وفرض قواعد اللباس الصارمة، ويمنع استخدام التلفزيون وسماع الموسيقى والضحك بصوت عال. يتعلم الطلاب شكلاً محافظاً ومتشدداً للإسلام يجيز قطع يد اللصوص ورجم الزناة وقتل المثليين جنسياً والذين يهينون الذات الإلهية.

الكثير من طلاب هذه الجامعة يأتون من أكثر من 100 مدرسة داخلية تدعمها السعودية في اندونيسيا أو أنهم من الذين يرتادون أحد المساجد الـ150 التي شيدتها السعودية هناك. ويحصل أكثر الطلاب الواعدين على منح للدراسة في السعودية التي يعودون منها مستعدين على نحو كامل لنشر الفوضى الاجتماعية والسياسية والدينية في وطنهم. ويروّج البعض لمجموعات إرهابية مثل حماس إندونيسيا أو جبهة المدافعين عن الإسلام اللتين لم تكونا موجودتين قبل قدوم السعوديين.
حرصاً على تكريس هذا الحضور، قام ملك السعودية سلمان برحلة إلى إندونيسيا استمرت 9 أيام في آذار/ مارس محاطاً بـ1500 من الحاشية. سمح السعوديون لأكثر من 200 ألف اندونيسي بالسفر لأداء مناسك الحج في مكة سنوياً، أكثر من أي دولة أخرى وسعت للحصول على تراخيص لافتتاح فروع جديد لجامعة "ليبيا".

يحاول بعض الاندونيسيين منع الاعتداء السعودي على قيمهم التقليدية لكن من الصعب منع التراخيص للمدارس الجديدة حين تكون الدولة عاجزة عن تقديم البدائل العلمانية اللائقة. 
في إندونيسيا كما في الدول الأخرى التي ينشط فيها السعوديون في الترويج للوهابية، بما في ذلك باكستان وأفغانستان والبوسنة، يؤدي ضعف وفساد الحكومات المركزية إلى خلق أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل الذين يسهل إغواؤهم عن طريق وعود بالحصول على الغذاء مجاناً أو أن يكونوا جزءاً من جيش الله.

دروس كثيرة يمكن استخلاصها من تنامي الأصولية التي تتسبب بتحوّل اندونيسيا. أولها ما يجب أن نكون سبق أن أدركناه وهو طبيعة الحكومة السعودية، القائمة على المكلية المطلقة المدعومة من قبل واحد من أكثر المذاهب الدينية رجعية في العالم. تدفع الحكومة السعودية مبالغ مالية ضخمة لرجال الدين من أجل الترويج لمذهبها المتشدد المعادي للغرب والمسيحية والسامية في الخارج. في المقابل يمتنع رجال الدين عن انتقاد المملكة أو الآلاف من أمرائها الذين يعيشون في مستويات معيشية مرتفعة.

السعوديون الذين تربطهم علاقات وثيقة بالعائلة الحاكمة يقدمون دعماً رئيسياً لجماعات مثل القاعدة وطالبان وداعش. هذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة في أذهاننا كأولوية لدى إعادة النظر في سياستنا تجاه الشرق الأوسط بما في ذلك حين نقرر اذا ما كنا سننحاز للسعوديين في خلافهم الجديد مع جارتهم قطر.

إن نجاح السعودية في إعادة تشكيل إندونيسيا يظهر أهمية خوض معركة فكرية شاملة. كثيرون في واشنطن يعتقدون أن الإنفاق على مشاريع ثقافية وتلك التي تندرج في خانة "القوة الناعمة" هو بمثابة هدر للمال . لكن السعوديين يفكرون على نحو مختلف. فهم ينفقون الأموال والموارد بكثرة من أجل الترويج لوجهة نظرهم ويجب علينا القيام بالمثل.
    
الدرس الثالث من واقع اندونيسيا اليوم مرتبط بضعف الديمقراطية. في عام 1998 مهدت الديكتاتورية العسكرية القمعية في إندونيسيا الطريق لنظام جديد قائم على الانتخابات الحرة التي وعدت بمنح الحريات المدنية والسياسية للجميع. عندها وجد الدعاة، المتشددون الذين كانوا يسجنون في السابق لتأجيجهم الكراهية الدينية، أنفسهم أحراراً في نشر سمومهم. الديمقراطية مكنتهم من استقطاب حشود كبيرة من الذين يؤمنون بعقوبة الموت للمرتدين. أحزابهم السياسية تخوض الانتخابات الديمقراطية من أجل ممارسة حقها في الوصول إلى السلطة ومن ثم سحق الديمقراطية. هذه هي الحقيقة المرّة للذين يظنون أنه يجب أن يكون هناك نظام سياسي واحد لكل البلدان في كل الظروف.


الحملة السعودية لجعل الإسلام متطرفاً على مستوى العالم تظهر أيضاً أن الأحداث التي تهز العالم تحدث ببطء وهدوء في كثير من الأحيان، فالإعلام الذي يركز باهتمام على التقارير اليومية غالباً ما يفتقد للقصص الأعمق والأكثر أهمية. في بعض الأحيان يشير مؤرخو الصحافة إلى الهجرة الكبيرة للأميركيين الأفارقة بعد الحرب العالمية الثانية شمالاً بوصفها قصة معاصرة لم يلتفت إليها سوى قلة من الصحفيين لأنها كانت عبارة عن عملية بطيئة أكثر من كونها حدثاً يومياً.


الأمر نفسه ينطبق على الحملة السعودية الطويلة الأمد لإعادة 1.8 مليار  مسلم في العالم إلى القرن السابع. لا نكاد نلاحظ ذلك لكننا في كل يوم نشعر بآثاره من مومباي إلى مانشستر.  
____________

الثلاثاء، 13 يونيو 2017

«الحشد الشعبي»: من الفتوى إلى الدولة

    يونيو 13, 2017   No comments
كان الترقّب سيد الموقف. آلاف العراقيين ينتظرون موقف المرجعية الدينية بعد أيّامٍ على سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم «داعش»، وبعد يومٍ من وقوع مجزرة في تكريت، راح ضحيتها نحو 1700 متدرب في الشرطة. لم يطل الانتظار، وسمع الجميع الفتوى الداعية إلى «الدفاع الكفائي».

في تلك اللحظة من ظهر يوم الجمعة 13 حزيران 2014، بدأت حكاية «الحشد الشعبي»، وبدأ العراق كتابة فصل جديد من رواية «الحرب على الإرهاب». من حزام بغداد، إلى وسط البلاد وشمالها، فالأنبار وصحرائها، حقّق «الحشد» انتصارات متتالية، بجهد محلي وتضحيات جسيمة، وبمدٍّ استشاري من خبراء إيرانيين ولبنانيين. على مدى السنوات الثلاث الماضية، انتقل «الحشد» تدريجياً من عباءة فتوى المرجعية إلى كنف الدولة العراقية. إلا أنّ العام الرابع الذي ندخله اليوم، لن يكون أسهل مما سبقه. فاللعبة السياسية مغرية أمام بعض أطراف «الحشد»، في وقت أنّ أولويات الدولة لمرحلة «ما بعد داعش»، في مكان آخر. العراق اليوم أمام الامتحان الأكبر: المصالحة المجتمعية! فهل ينجح «الحشد» في السياسة كما فعل في الميدان؟

________________________
«الحشد الشعبي»: حيث أخفق الآخرون
 محمد بدير

يدْأَبُ أكثر الإعلام الغربي على وصفه بالميليشيات، ويصرّ الإعلام الخليجي على إضافة عبارة «الطائفية» إلى هذا الوصف. أغفل كلاهما - في البدايات، عندما كان الأمر لا يزال ممكناً - إنجازاته الميدانية الصريحة في مواجهة المغولية الداعشية لمصلحة تكريس صورة نمطية عنه، تقدمه على أنه عصابات شيعية دَأبُها ممارسة التطهير المذهبي ضد السنّة وارتكاب المجازر بحقهم.

وأخذاً بالمنطق الخليجي - الإسرائيلي - الأميركي السائد، لا ينبغي للمرء أن يستبعد وصول مساعي الشيطنة القائمة بحقه حدّ وسْمِهِ مستقبلاً بالإرهاب وضمّه إلى اللوائح ذات الصلة، كما هو حال المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. كل ذلك الكيد وربما أكثر... لكن أحداً في هذا العالم لن يكون بمقدوره التنكر لحقيقةٍ موضوعية سيسجلها التاريخ بالرغم من كل شيء، وهي أن «الحشد الشعبي»، دون غيره، أنقذ (بكل المداليل التي يمكن هذه الكلمة أن تتضمنها) الدولة والشعب العراقيَين خلال الأشهر القليلة التي تلت حزيران 2014 من السقوط بين فكَّي الوحش الداعشي، الذي استولده التآمر الخليجي ـ الأميركي ـ التركي.
دون غيره، لأن القوات النظامية العراقية، ممثلةً بالجيش والشرطة الاتحادية وغيرهما، كانت في تلك الأسابيع المصيرية تحت وقع صدمة وجودية أفقدتها التوازن والفعالية والدور. صدمة بحجم انهيار نحو ثلث الهيكلية التنظيمية للجيش العراقي (ما يقارب خمس فرق) في غضون أيام وانتقال كامل عتادها وأسلحتها إلى سيطرة «داعش»، وبحجم الإجهاز الوحشي المُصوّر على نحو 1700 جندي ورتيب وضابط في مجزرة سبايكر، وبحجم الركون إلى تسريبات موجّهة وسط جهات قيادية عسكرية تحدثت عن عبثية القيام بأي تحرك في ضوء الرعاية الإقليمية والدولية لما يحصل.
القوات النظامية كانت تحت وقع صدمة وجودية أفقدتها الفعالية والدور

في تلك الأيام الفارقة، وفيما كان بالإمكان أن يشمّ المرء رائحة الهلع تتفشى في شوارع بغداد التي حزم الكثير من أهلها أمتعتهم للرحيل جنوباً، تداعى «الحشديون» المستقبليون بعفوية كاملة إلى جبهات القتال، وكان بعضهم لا يعرف كيف يحمل البندقية. فتوى المرجعية في النجف شكلت منصةً تعبويةً أكيدة لهؤلاء، بقدر ما لعب التهديد الوجودي دوره في تحفيزهم، فيما تلقفت الحكومة سريعاً هذا الاندفاع الشعبي الاستثنائي لتعطيه إطاراً ناظماً أُطلق عليه «الحشد الشعبي». ويذكر عارفون كيف أن قواعد الاستيعاب المستحدثة التي غصّت بالمتطوعين عانت من كم هائل من التعثر والتخبط وسوء الإدارة، وكيف أن مئات الشهداء سقطوا في الأسابيع الأولى من احتواء المد «الداعشي» جراء الجهل الكبير في معرفة التكتيكات القتالية أو استخدام السلاح. بيد أن القافلة انطلقت بالرغم من كل شيء، وكان للبنية التحتية الخاصة بفصائل المقاومة التي نشطت إبان فترة الاحتلال، قبل أن يحُلّ معظمها نفسَه في أعقاب الانسحاب الأميركي، دورها الحيوي على صعيد التنظيم والخبرة القتالية. هذه الفصائل تداعت في ما بينها، وكان للراعي الإيراني السابق دوره الحاسم في إعادة إحيائها بعد أن أخذت طهران قراراً استراتيجياً بوضع ثقلها وراء العراق - دولة وشعباً - لتمكينه من التصدي لـ«داعش» بنحو مستقل وإحباط الأهداف التآمرية الكامنة وراء اجتياحه.
بعد ذلك، كان العراق ومن يعنيه الأمر في الإقليم والعالم على موعد متجدد - وطوال ثلاث سنوات - مع انتصارات متعاقبة سجّلها الحشد، انتقل فيها الجهد الميداني من الصد والاحتواء في الأسابيع الأولى إلى التحرير الموضعي لأماكن محاصرة أو معالجة تهديدات داهمة (سامراء، آمرلي، جرف الصخر). فالعمليات الكبرى التي جرى فيها تحديد مساحات واسعة تتضمن غالباً مدناً أساسية (الفلوجة، تكريت، بيجي) وتركيز الجهد عليها دفعة واحدة بهدف تحريرها. وعلى امتداد هذه الفترة، لم يُسجل المراقبون أية انتكاسة ميدانية لعمليات «الحشد»، بل كان يكفي أن يَشيع نبأُ عزمه على تحرير منطقة معينة، حتى تصبح في حكم المحررة، رغم مساعٍ ظلّت تبذل إقليمياً وداخلياً لوضع عراقيل من لونٍ طائفي أمام حركته الميدانية بخلفيات سياسية مفضوحة.
ويمكن مَن لم يطّلع على الواقع الفعلي لإمكانات «الحشد»، في ضوء إنجازاته الاستثنائية، أن يقع في اشتباه، فيظن أنه أمام قوة نظامية نخبوية تتوافر على تجهيز عالي الحرفية والتقانة. لكن الحقيقة شيء آخر. فالإمكانات الذاتية لـ«الحشد» شديدة التواضع بحسب المعايير العسكرية المعتمدة، وهو يستند في الكثير منها إلى «الاستعارة» من الجيش العراقي، خصوصاً على صعيد المدرعات والأسلحة الثقيلة، وبالأخص على صعيد الغطاء الجوي، الناري أو الاستعلامي. يعني ذلك أن قوته الحقيقية تكمن في مكان آخر غير التجهيز والعتاد، وهي تتصل تحديداً بعنصرين متكاملية: الحافزية العقائدية وسط وحداته المقاتلة، والتخطيط القيادي الجريء المستند إلى عمل أركاني منسق وسليم. وإذا كان للمستشارين الأجانب، الإيرانيين واللبنانيين، الذين استقدمهم «الحشد» بعلم الحكومة العراقية وموافقتها دورهم التأسيسي والتشغيلي المهم في الجانب التخطيطي والتدريبي، فإن روحية الإقدام والجرأة التي تحلى بها أفراده نبعت بشكل خاص من حالة الاستنهاض العام التي سادت أوساط الشارع العراقي جراء فتوى المرجعية ومن خصائص ثقافية كامنة لدى الفئات الشعبية التي تفاعلت مع هذه الفتوى.
هذه الروحية هي التي غطّت على النقائص الأخرى التي عانى منها «الحشد» في أشهره الأولى، على صعيد الخبرة والتجهيز، وهي التي جعلت شخصيات سياسية من الصف الأول، مثل هادي العامري أو أبو مهدي المهندس تهجر قاعات البرلمان المبردة والانتقال للعيش كالبدو الرحل في الميادين بين ساحة عمليات وأخرى، وهي التي شكلت رافعة معنوية لبقية القوات النظامية العراقية التي كان أداؤها المتردد يختلف بمجرد أن تشعر بوجود الظهير «الحشدي» في أيٍّ من ساحات المعارك التي شاركت فيها.

______________________________

«الحشد الشعبي» وانتخابات 2018: فخّ السياسة!
نور أيوب

اليوم، يُتمّ «الحشد» عامه الثالث، في وقتٍ بدأت فيه القوى والتيّارات السياسية تفعيل مروحة علاقاتها إيذاناً بدنوّ موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، في نيسان 2018. وفيما تتأنّى كبرى فصائل «الحشد» في إعلان قرارها بالدخول إلى الميدان السياسي، وحجز مقاعد في البرلمان، فإن القوى والتيارات السياسية تبحث عن وجوهٍ جديدة تُطعِّم بها لوائحها.

ولا يمكن للقوى السياسية تحقيق هدفها الأخير، إلا من خلال فصائل «الحشد»، لأسبابٍ عدّة: أولاً، تسعى القوى السياسية إلى استثمار انتصارات «الحشد» على «داعش»؛ ثانياً، تحاول تلك القوى تلميع صورتها أمام الشارع العراقي الذي يعتبرها بغالبيته «طبقة فاسدة»؛ ثالثاً، نية بعض فصائل «الحشد» المشاركة في العملية السياسية، وخوض المعترك الانتخابي، لإدراكها بأن أسهم «الحشد» لدى الشارع العراقي في ارتفاع مستمر؛ رابعاً، تحاول بعض القوى السياسية، من خلال التحالف مع «الحشد»، تطعيم طاقمها النيابي بوجوه جديدة يمكن أن يتآلف معها الشارع، فتكسر بذلك «تمسّكها» ببعض الوجوه «المستفزّة» لمختلف الشرائح والفئات.
المشاركة في الانتخابات المقبلة، هي مشاركة «الفصائل المكوّنة، وليس المؤسسة عسكرية»

من جهة قيادة «الحشد»، فهي ترفض دخول المعترك السياسي أو الانتخابي، باعتبار أن دورها محصورٌ في الشّق العسكري ــ الأمني. إلا أنه يُنقل عن قيادات بعض الفصائل التي تريد المشاركة في الاستحقاق المقبل، أن المقصود من المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، هو مشاركة «الفصائل المكوّنة، وليس الحشد بصفته مؤسسة عسكرية... فمن الطبيعي أن يكون لنا طموحٌ وجمهورٌ سياسي، وأن نكون ممثّلين في البرلمان».
ماذا عن التحالفات إذاً؟ «حتى هذه اللحظة لم يحسم أي فصيلٍ وجهة تحالفه»، في ظلّ وجود مسعى حقيقي لخوض الانتخابات في إطار لائحة واحدة. وتفيد مصادر مطلعة بأن «اللائحة (إن شُكّلت) ستضم مختلف فصائل الحشد، باستثناء حركة النجباء، وكتائب حزب الله اللذين لن يدخلا السباق الانتخابي»، لافتةً إلى أن «تحالف أغلب الفصائل مع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، هو الأقرب إلى التحقّق». مصادر الفصائل نفسها تبدي تفاؤلاً متبايناً حول إمكانية تحقّق ذلك، وذلك لأسباب عدّة. وممكن اختصار تلك الأسباب بوجود صعوبات كثيرة وضغوط كبيرة، من أكثر من جهة سياسية. وهو الأمر الذي دفع ببعض الفصائل إلى عقد جلسات مع بعض الأحزاب، والعمل على صياغة تفاهمات أُحاديّة الجانب، أساسها التحالف الانتخابي، كي يكون لتلك الفصائل خيار بديل، إذا تعذّر طرح «اللائحة الواحدة».

وأمام شكل التحالفات الانتخابية، فإن تحالفاً آخر ينتظر تلك الفصائل تحت قبّة البرلمان. بمعنى أن التحالف الانتخابي لن يُلزم الفصائل بالتحالف السياسي لاحقاً، وخصوصاً أن الحديث الآن هو عن حجم تمثيل الفصائل ليس فقط في البرلمان، إنما في «التحالف الوطني»، المختصر حالياً بسبعة أعضاء.

______

مقالات «الأخبار»

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.