‏إظهار الرسائل ذات التسميات حماس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حماس. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 24 أكتوبر 2022

رغم الاعتراض الإخواني: «حماس» نحو وجود دائم في سوريا…لكن هذه الإستدارة لا تحل عقدة الحركة من ناحية مركزية المبدأ

    أكتوبر 24, 2022   No comments

على الرغم من الخطوات التصالحية التي اتخذتها حماس تجاه سوريا وحلفاء آخرين مثل اليساريين العلمانيين والجماعات الاشتراكية ، إلا أن الجماعة لم تعالج المشكلة الرئيسية ، وهي مشكلة الأيديولوجيا. لذلك ، سوف يُنظر إلى هذه الخطوات ، وربما تكون كذلك ، على أنها تمليها الملاءمة وليس المبادئ.

لا تزال الأسئلة التي يجب على الجماعة ومنظريها من الإخوان الإجابة عليها هي: هل تحالفاتهم مع الحكومات والأحزاب والجماعات السياسية الأخرى هي مجرد استراتيجية؟ هل لدى الجماعة والإخوان المسلمين بالتبعية مشكلة طائفية؟

من الصعب عدم الربط بين الوقت الذي سيطر فيه الإخوان المسلمون على مصر في عام 2012 وتفضيلاتهم الحقيقية. قادة حماس ، في ذلك الوقت ، اعتقدوا أنهم لا يحتاجون إلى حلفائهم العلمانيين مثل الحكومة السورية أو مؤيديهم مثل إيران وحزب الله. لقد اعتقدوا أنه مع مصر التي تديرها جماعة الإخوان المسلمين ، واستثمار قطر في مشاريع الإخوان المسلمين ، واهتمام أردوغان (تركيا) بإبراز القوة في العالم العربي ، لن تكون هناك حاجة لتحالفات أخرى من خارج الإسلام السني ومن خارج الجماعات الإسلامية السياسية. وضعت حماس هذه القناعة موضع التنفيذ: غادرت القيادة سوريا وذهبت إلى قطر ، وفتحت المجموعة مكاتب في القاهرة وأنقرة.

 عندما تمت إقالة حكومة مرسي ، ولم تنهار الحكومة السورية ، تُركت حماس وشأنها. حتى تركيا أغلقت مكاتبها وطلبت من بعض قادتها مغادرة البلاد. ليس من الصعب أن نرى أن العودة إلى دمشق هي قرار ضرورة وليس اختيار.

لذلك ، فإن حماس والإخوان المسلمين بشكل عام بحاجة إلى إجراء مراجعة عميقة لأنظمتهم القيمية ، وأسس تحالفاتهم ، وموقفهم من القضايا الطائفية والتعاون مع الجماعات العلمانية التي تشاركهم الالتزام بالعدالة أكثر مما يوافقون علي ميولاتهم الأيديولوجية. باختصار ، حماس لم تقطع سوى جزء من الطريق -- طريق إيجاد موقف أكثر مبدئيًة يسمح لها بالحصول على ثقة أولئك الذين خانتهم.

__________

 

مقالات ذات صلة
 
 

يوسف فارس

رجب المدهون

حسمت الصورة التي جمعت القيادي في حركة «حماس» خليل الحية، مع الرئيس السوري بشار الأسد، شهوراً طويلة من الجدل حول عودة الحركة إلى دمشق. ومع أن «حماس» اتّخذت قرارها بإجماع معظم أعضاء المكتب السياسي، ومباركة مجلس الشورى، فإن هذا الإجماع لم ينسحب على جمهورها ونُخبها وحتى بعض قياداتها، فيما جاءت بعض ردود الفعل منسجِمةً مع طبيعة الخطاب الذي كانت تبنّته المنصّات الإعلامية التابعة للحركة طوال سنوات الحرب، وأيضاً مع المبرّرات «الأخلاقية» التي ساقتها بُعيد خروج رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، من دمشق عام 2012. وبدا التباين واضحاً خصوصاً، بين الجمهورَين «الحمساويَّين» في غزة والضفة؛ إذ بينما استبقت اللجان الداخلية للحركة خطوتها العلنية نحو سوريا، بعقْد جلسات نقاش مكثّفة، قدّم فيها مسؤول العلاقات الخارجية، الحية، رؤية القيادة «المقنعة» لدوافع العودة إلى دمشق، لم يخضع الجمهور في الضفة لمِثل هذه الجلسات، وذلك بسبب تبدّد الجسم التنظيمي هناك. ولذا، وفي أوّل موقف معلَن، أعلن عيسى الجعبري، وهو وزير سابق في الحكومة العاشرة التي كان يرأسها إسماعيل هنية، براءته من إعلان الحركة «إعادة علاقتها بالنظام السوري المجرم»، معرباً عن أمله في أن يعود قادة «حماس» إلى «نهج الحق والصواب».

أمّا في غزة، فيؤكد مصدر «حمساوي»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحية استمع، خلال الجلسات الداخلية، إلى مختلف الآراء المؤيّدة والمعارِضة للعودة إلى دمشق، وقدّم ردوداً مقنعة عليها، استندت إلى آراء دينية قدّمتها لجنة الإفتاء التابعة للحركة، وعدد من العلماء العرب الذين يحظون باحترام وتقدير في أوساط أبنائها». وبناءً عليه، كان ملاحَظاً، حتى في أوساط أكثر مُحلّلي «حماس» تصلّباً في الموقف من النظام السوري، تصدير موقف إعلامي متفهّم لدوافع الحركة؛ إذ قال مصطفى الصواف، في تصريحات أدلى بها إلى موقع «حفريات» المموَّل إماراتياً، إن «حماس اتّخذت قراراً شورياً جامعاً بالعودة إلى الساحة السورية، ولديها أهداف تريد تحقيقها في ظلّ التغيّرات الإقليمية والدولية، وتريد أن تكون علاقاتها مع الجميع على أساس التعاون بما يخدم القضية الفلسطينية ومقاومتها للاحتلال، وسوريا تُعلن دوماً أنها ضدّ الاحتلال الصهيوني وتدعم المقاومة». ورأى الصواف أن «وجود انتقادات لأيّ موقف سياسي داخل أيّ جهة، ينمّ عن وضع صحّي سليم، طالما أنه لم يَخرج عن حدود اللياقة»، معتبراً أن «حماس اتّخذت قرار العودة» انطلاقاً من «مصلحة الشعب الفلسطيني، وليس استجابةً لضغوط إيرانية، بل جاء الترحيب الإيراني استحساناً لقرارها».


وفي الاتّجاه نفسه، نشرت صحيفة «الرسالة» التابعة لـ«حماس»، مقالاً للكاتب محمد شاهين، دافع فيه عن «يوم الزيارة الحمساوية المجيد»، قائلاً: «سوريا كانت ولا تزال من أبرز الداعمين لمقاومة الشعب الفلسطيني ومقاومته، فلقد وفّرت البيئة الحاضنة للعمل المقاوم في عدد من الأماكن، لتطوير العتاد العسكري وتدريب المجاهدين لمواجهة الاحتلال، وفي هذا السياق نستحضر الشهداء جمعة الطحلة ومحمد الزواري وغيرهما الكثير من الأبطال الذين احتضنتْهم الأراضي السورية». وأضاف شاهين أن «هذا التطوّر يأتي في إطار تعزيز المحور الداعم للقضية الفلسطينية (محور القدس)»، خصوصاً أن «سوريا في حالة مواجهة مستمرّة مع الاحتلال، وفي ظلّ التغيّرات الإقليمية والدولية والتضييق الذي تتعرّض له الحركة في مناطق عدّة من العالم».

 

في المقابل، أعرب الكاتب والناشط السياسي المحسوب على «حماس»، أحمد أبو ارتيمة، في مِثل هذا اليوم، عن شعوره بـ«الامتنان»، معتبراً، في منشور عبر «فيسبوك»، أن «ثمّة مبادئ فوق أيّ حسابات وتقديراتٍ، ومن أهمّها أن أنظمة الاستبداد والقتل ليست أقلّ بشاعة من النظام الاستعماري (...) هناك من يتذرّع بأن الثورة السورية انتهت، وأن نظام بشار الأسد قد استعاد السيطرة على معظم الأراضي السورية، وأن فصائل الثورة تناحرت، هذه تقديراتهم وحساباتهم، لكن لا بدّ من الوضوح المبدئي حتى لا يصير كلّ شيءٍ مائعاً، وحتى لا نخسر كلّ قيمة أخلاقية». كذلك، كان أحمد يوسف، وهو المستشار السياسي السابق لإسماعيل هنية، قد أعلن، قبيل أيام من زيارة الحيّة إلى دمشق، أنه يقف مع خالد مشعل في عدم العودة إلى سوريا، وقال في منشور عبر «فيسبوك»: «إذ كان خالد مشعل مَن يعترض على توقيت العودة إلى سوريا الآن، فأنا معه، فنحن في السياسة تَحكمنا المبادئ التي تضبط إيقاع المصالح». كما شنّ، في مقال استبق به الزيارة، هجوماً لاذعاً على قيادة الحركة قال فيه: «هذه الخطوة متسرّعة، ولا طائل من ‏ورائها حالياً، وهي إن تمَّت ليست أكثر من ‏مغامرة متهوّرة لبعض الإخوة في القيادة مِمَّن ‏استهوتْهم مظاهر الزعامة، ولم يَعُد أحدهم ‏يكترث برأي الأغلبية من إخوانهم في الداخل ‏والخارج، ولا حتى بأصوات الكثير من علماء ‏الأمّة مِمَّن تحدّثوا وأرسلوا تحذيراتهم من العواقب ‏الوخيمة لمِثل تلك الخطوة وتأثيرها على مكانة ‏ومصداقية حماس». وأضاف القيادي «الحمساوي» المقيم في تركيا، والمحسوب كأبرز منظّري «الواقعية السياسية» في الحركة، متسائلاً: «لماذا كلّ هذه الهرولة ‏في التصريحات التي نسمعها من بعض إخواننا، الذين يدفعون بحجج واهية للتقارب ‏من نظام ظالم لم يتصالح بعد مع شعبه، وما ‏زال معزولاً إقليمياً ودولياً؟ وما الذي يخشاه بعض قيادات حماس في ‏الخارج، لتبدو وكأن حماس تتسوّل العودة إلى سوريا، ‏لإرضاء بعض حلفاء النظام في المنطقة؟».


في خارج «حماس»، حظيت خطوة العودة إلى دمشق، بمباركة من جمهور ونُخب حركة «الجهاد الإسلامي»، التي تَقدّم أمينها العام، زياد النخالة، صفوف القيادات الفلسطينية التي استقبلها الأسد. كذلك، قدّم جمهور الحركات اليسارية ونُخبها موقفاً مماثلاً. أمّا الخصوم السياسيون، فقد دفعتْهم النكاية الحزبية إلى استحضار تصريحات «حمساوية» سابقة كانت قد هاجمت دمشق، فيما أبدى كتّاب وأكاديميون تفهّماً لقرار الحركة، إذ رأى بلال الشوبكي، وهو رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، أن «حماس تسعى لاستعادة علاقتها مع النظام السوري بعد يقينها بعدم وجود بديل يقدّم لها الاحتضان والدعم الكامل»، لافتاً إلى أن تلك الخطوة «تمّت بجهود إيرانية». وأشار إلى أن «أبرز التداعيات المباشرة لها، هو استياء الحاضنة الشعبية التقليدية (الفلسطينية والعربية)»، كونها «تَعتبر أن النظام السوري مارس جرائم بحق الشعبَين السوري والفلسطيني هناك (...) وهو ما قد يتسبّب بنوع من العزلة للحركة، فترميم علاقتها مع دمشق يُعدّ انزلاقة خطيرة على رغم تفهّم الأسباب التي دفعتْها إلى ذلك». بدوره، دافع المحلّل السياسي المحسوب على «حماس»، حسام الدجني، بأن «ثمّة جملة من المتغيّرات الدولية دفعت الحركة إلى التقارب مع سوريا، أبرزها هو اتّجاه بعض الحلفاء إلى تطبيع علاقتهم مع إسرائيل»، قائلاً في تصريحات صحافية: «حماس كحركة تحرّر وطني، الأصل أن تتموضع في المنطقة ضمن محاور وأحلاف، وهذا يتجسّد في محور المقاومة (...) في ظلّ تضييق الخناق عليها من قِبَل بعض الدول العربية، فإن سوريا أحد أفضل البدائل، التي يمكن لقيادة الحركة نقل ثقلها إليها».

بعد وقت قصير من زيارة نائب قائد حركة «حماس» في قطاع غزة، ومسؤول ملفّ العلاقات العربية والإسلامية في الحركة، خليل الحية، إلى سوريا، وإجرائه مباحثات مع قيادتها، تتّجه العلاقة بين الطرفَين إلى مستوًى جديد، أكثر تقدّماً، من مسار عودتها إلى «طبيعتها»، عبر جملة من المحدِّدات التي جرى الاتّفاق عليها، ليُبنى عليها للمرحلة اللاحقة. وتؤكّد مصادر في «حماس»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأجواء كانت إيجابيّة خلال زيارة وفد الحركة إلى دمشق»، مضيفةً أنه «تمّ التوافق على البدء بخطوات جديدة لبناء الثقة بين الطرفَين، وتجاوز الأصوات التي تحاول تخريب العلاقة، وأيضاً الاتّهامات المُوجَّهة إلى بعض الأشخاص». وفي هذا الإطار، تَلفت مصادر سورية اطّلعت على مجريات الزيارة، إلى أن «الحيّة حاول التبرّؤ من أنشطة بعض المسلّحين الذين كانوا منضوين ضمن حماس، واعتبر ما قاموا به أعمالاً فرديّة لم تقرّها الحركة ولا تتحمل مسؤوليتها». وفي المقابل «تعاطى الرئيس بشار الأسد بإيجابية مع خطاب الحيّة، واعتبر كلامه كافياً لتجاوز مرحلة الحرب».

أمّا بخصوص إعادة افتتاح مكتب للحركة داخل العاصمة السورية، فتؤكّد المصادر «الحمساوية» أن المسألة «مطروحة حالياً أمام الرئيس الأسد، بعدما أبدت الحركة استعدادها لتجاوز جميع العقبات في هذا السبيل»، متابعةً أن «حماس تنتظر الردود السورية على ذلك الطلب، في ضوء إشارات إيجابية لمستها أخيراً». وفي هذا المجال، تكشف المصادر السورية أن «القيادة السورية مستعدّة لاستقبال ممثّل عن الحركة في دمشق، لكنها أبلغتها أنها تفضّل شخصية سياسية غير عسكرية، لم تكن لها مواقف حادّة من الدولة السورية في وقت سابق». وتتطلّع «حماس» إلى استعادة العلاقات مع سوريا بشكل كامل خلال الفترة القريبة، ووصول ممثّلين دائمين لها إلى دمشق، بعد فتح المكتب المُشار إليه.

 

من جهة أخرى، تنفي مصادر الحركة أن تكون عودتها إلى سوريا، مرتبطة بإمكانية حدوث تغييرات في الانتخابات الرئاسية التركية المنتظَرة العام المقبل، والخشية من تفاقم الضغط التركي على «حماس» في ضوء تقارب أنقرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى احتمال طرْد الحركة من تركيا، مؤكدة أن «قرار العودة جاء بعد مشاورات داخلية واسعة، وضمن رغبة حماس في تمتين جبهة محور المقاومة ومواجهة محور التطبيع مع العدو في المنطقة». وعن مجريات لقاءات دمشق، تكشف المصادر أن الوفد «الحمساوي» نقل إلى الأسد تحيّات القيادة السياسية، إضافة إلى «قيادة الجناح العسكري ومُجاهديه الذي شكروا الدور السوري الداعم للمقاومة الفلسطينية على مدار السنوات الماضية». وإذ تؤكّد أن أجواء اللقاء «كانت إيجابية أكثر من المتوقّع»، فهي تَلفت إلى أن «الوفد تلمّس بعض التفاعل السلبي من الإعلام السوري، والذي ظهر في بعض أسئلة الصحافيين، ما يدلّ على أن الأمور تحتاج إلى مزيد من الوقت لمحو صفحة الخلافات بشكل كامل من النفوس».
وأثارت عودة العلاقات بين «حماس» وسوريا، سُخطاً إسرائيلياً وأميركياً، تَرجمه الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الذي قال إن «تواصل نظام الأسد مع هذه المنظّمة الإرهابية يؤكد لنا عزلته»، مضيفاً: «هذا يضرّ بمصالح الشعب الفلسطيني، ويقوّض الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب في المنطقة وخارجها»، مؤكداً أن بلاده «ستُواصل رفض أيّ دعم لإعادة تأهيل نظام الأسد، لا سيما من المنظّمات المصنَّفة إرهابية مثل حماس». وفي ردّها على ذلك، وصفت «حماس» تصريحات برايس بأنها «تدخّل سافر»، معتبرةً أنها «تعكس الموقف الصهيوني المعادي لأيّ محاولة لتعزيز التقارب بين مكوّنات الأمة، لا سيما أن واشنطن شريكة حقيقة في العدوانات المتكرّرة على شعبنا وأمّتنا». وأكدت الحركة أنها «ستُواصل تطوير علاقتها» مع سوريا، بهدف «تصليب قدرات الأمّة في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد».

مثّلت زيارة وفد قيادي من حركة «حماس» للعاصمة السورية دمشق، ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد، ضمن وفد فصائلي فلسطيني، إعلاناً رسمياً عن طيّ صفحة الخلاف الذي استمرّ قرابة 10 سنوات، وسط جهود يبذلها أطراف «محور المقاومة» لاستعادة العلاقات، وتعزيز الدعم لبرنامج المقاومة الفلسطينية وخياراتها. وأنبأت الزيارة، التي تَصدّرها نائب قائد حركة «حماس» في قطاع غزة ومسؤول ملفّ العلاقات العربية والإسلامية فيها خليل الحية، ببداية عهد جديد بين الطرفيَن. وبحسب مصادر «حمساوية» تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «هذه الخطوة التاريخية ستتبعها خلال الأيام المقبلة خطوات أخرى، وصولاً إلى إعادة فتح مكتب للحركة في سوريا». وتؤكّد المصادر أن «خطوات بناء الثقة بين الحركة والجمهورية السورية على المستويَين القيادي والشعبي تسير بشكل ثابت، وسط مساعٍ لتصفير الخلافات والوصول بالعلاقات إلى مستوى طيّب، وتجاوُز جميع العقبات التي تواجه هذا الأمر».

واستمرّت زيارة وفد «حماس» لساعات عدّة، أجرى خلالها سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين، لتقريب وجهات النظر وبحْث الخطوات المستقبلية، وكيفية دعم المقاومة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، ومواجهة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه. واستهلّ الوفد لقاءاته باجتماع مع الأسد، وصَفه الحية بأنه «كان دافئاً، وقد أبدى الرئيس السوري تصميمه على تقديم كلّ الدعم من سوريا للشعب الفلسطيني ومقاومته»، معتبراً أن «هذا اللقاء دليل على أن روح المقاومة في الأمة تتجدّد». ومن هنا، تَوجّه إلى الاحتلال بالقول إن «اللقاء ردّ طبيعي من المقاومة من قلْب سوريا، لنقول للاحتلال والمشاريع الصهيونية التي تستهدف القضية الفلسطينية، إنّنا أمّة موحّدة ومقاوِمة في وجه المشاريع الصهيونية»، مضيفاً أن «هذا يوم مجيد، ومنه نستأنف حضورنا في سوريا والعمل معها دعماً لشعبنا ولاستقرار سوريا»، متابعاً «(أنّنا) أكّدنا للرئيس الأسد أنّنا مع سوريا ووحدة أراضيها ودولتها الواحدة، وأنّنا ضدّ أيّ عدوان يستهدفها».

 

وإذ أكّدت «حماس» «(أننا) طويْنا أحداث الماضي وأخطاءه وكلّ الأخطاء الفردية التي لم تُوافق عليها» الحركة، فقد أوضحت أن «قرارها استئناف العلاقة مع سوريا العزيزة جاء بإجماع قيادتها، وعن قناعة بصوابية هذا المسار». وأعلنت، على لسان الحية، أنها «ستُتابع مع المسؤولين السوريين ترتيبات بقائها في سوريا»، وأنها «أعلمت الدول التي تقيم علاقات معها بقرارها العودة إلى دمشق، ولم تسمع اعتراضاً من أيّ دولة، بما في ذلك تركيا وقطر»، مستدركةً بأنها «اتّخذت قرار العودة إلى سوريا بمفردها، ولم تستشِر أحداً، ولم تكن لتتراجع لو رفض أيّ طرف ذلك». وعن الفائدة من هذا التحوّل، جزم الحية أن «العلاقة مع سوريا تعطي قوّة لمحور المقاومة ولكلّ المؤمنين بالمقاومة».
وضمّ الوفد الفصائلي الذي حطّ أمس في دمشق، خليل الحية من حركة «حماس»، والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، وممثّلين عن «الجبهة الشعبية»، و«الجبهة الشعبية - القيادة العامة»، و«فتح الانتفاضة»، و«الصاعقة»، و«الجبهة الديموقراطية»، و«جبهة النضال الشعبي»، و«جبهة التحرير الفلسطينية». وأكدت هذه القوى جميعها، في بيانٍ بعد لقائها الأسد، أن «خيار المقاومة هو السبيل الأوحد لاستعادة الحقوق»، فيما نقل الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية – القيادة العامة»، طلال ناجي، عن الرئيس السوري إعرابه عن قناعته بأن «لقاء اليوم سيكون فاتحة جديدة للعلاقات بين سوريا والقوى الفلسطينية وقوى محور المقاومة».

 

الأحد، 24 يوليو 2022

حركة حماس مصممة على مراجعة لمراحل الفترة السابقة مع سورية

    يوليو 24, 2022   No comments

قال “المجلس الإسلامي السوري”، إن “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) لم تبد أي استجابة لمطالب ما وصفته العلماء المسلمين بعدم إعادة علاقاتها مع النظام السوري، رغم بذل المجلس جهده لـثنيها عن المضي في هذا القرار الذي وصفه المجلس بالخطير الخطير.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية قد اتخذت قرارا باجماع المكتب السياسي بإعادة العلاقة مع سورية قبيل زيارة قام بها رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية رفقة وفد من الحركة الى بيروت.

وجاء في بيان أصدره ما يسمى المجلس الإسلامي السوري وهو منبثق عن حركة الاخوان المسلمين امس، إن الحركة “حاولت صرف الأنظار عن حقيقة مناصحتهم وتحذيرهم (العلماء) بتسريب مخلٍّ لصورة تظهر العلماء الذين ذهبوا محذرين للحركة بمظهر المباركين بحدث هامشي تم إقحامه آخر اللقاء.

واعتبر البيان، أن إعادة “حماس” علاقتها بالنظام السوري “يستكمل مشهد اصطفاف الحركة مع المحور الإيراني الطائفي المعادي للأمة، ذلك المحور الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية خداعًا ويوغل في سفك دم المسلمين في سوريا والعراق واليمن”.

وأضاف البيان، أن حركة “حماس” ستتلقى في حال إعادة علاقتها بالنظام “أكبر الخسارات المتمثلة بسلخها عن محيطها وعمقها لدى الشعوب المسلمة التي طالما وقفت معها وساندتها، وسيُظهر هذا القرار الحركة بمظهر التي تقدم منفعتها الشخصية المتوهمة على منفعة الأمة المتحققة، وتقدم المصالح على المبادئ”.

ولم تبد القيادة السورية أي رد فعل او تعليق علني على قرار حماس بإعادة وصل العلاقة، لكن مصادر في حينها قالت ان القيادة السورية ليست جاهزة بعد لملاقاة حركة حماس في قرارها إعادة العلاقة، بسبب ما تعتبره دمشق طعنة من حركة حماس التي كانت تتخذ من دمشق مقرا لها قبل الحرب في سورية، وغادرتها عند اندلاع الاحداث وصدرت عنها عدة مواقف مؤيدة للفصائل المسلحة التي قاتلت الجيش السوري خلال الحرب، وداعمة للمعارضة السورية التي سعت جاهدة لاسقاط النظام في سورية متعاونة مع قوى خارجية في الإقليم، وقوى غربية على راسها الولايات المتحدة.

ونشر “المجلس الإسلامي” توضيحًا عبر تسجيل فيديو مصوّر، في قناته الرسمية عبر “يوتيوب”، قال فيه المتحدث الرسمي باسم “المجلس”، الشيخ مطيع البطين، إن لقاء الرفاعي بإسماعيل هنية تمّ لأمر واحد، وهو تنبيه الحركة بغرض ثنيها عن قرار إعادة علاقتها بالنظام السوري بحسب البطين.

وأصدرت مجموعة اطلقت على نفسها اسم ” العلماء المسلمين ” اجتمعت مع قيادة حركة حماس في بداية الشهر الجاري بيانا حول اللقاء أشاروا فيه ان الاجتماع مع الحركة جاء لاستيضاح قرار حماس باستعادة العلاقة القديمة مع سورية بعد القطيعة التي جرت على خلفية موقف حماس من الحرب السورية وان مجموعة العلماء قدمت نصيحة لقيادة الحركة بعدم القيام بهذه الخطوة.

ووقع على البيان حينها كل من الشيخ أسامة الرفاعي، ورئيس هيئة علماء اليمن، عبد المجيد الزنداني، والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، ونائب رئيس الاتحاد، عصام أحمد البشير، بالإضافة إلى عضو مجلس أمناء الاتحاد، عبد الحي يوسف، والأمين العام لرابطة علماء المسلمين، محمد عبد الكريم، وأمين عام مجلس البحوث بدار الإفتاء الليبية، سامي الساعدي.

ويبدو من خلال البيان ان حركة حماس مصممة على موقفها المبني على مراجعة لمراحل الفترة السابقة، وتقديرها للوضع السياسي لها ووضع المقاومة الفلسطينية بشكل عام.

ومن غير الواضح حتى الآن مآلات هذا التوجه الجديد وان كان فعلا سيعيد رسم العلاقة بين حليفي الامس خاصة ان الطرفان ينتميان لمحور مناهض لإسرائيل وسياسات الولايات المتحدة في المنطقة.


الجمعة، 21 مايو 2021

الابواب المفتوحة بين دمشق وحماس... حركة حماس ترد التحية للاسد باحسن منها

    مايو 21, 2021   No comments

كمال خلف *

في اجتماع جرى بين الرئيس الاسد وقادة الفصائل الفلسطينية وعلى راسهم الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الاخ “زياد النخالة”  ، اكد  الاسد للحاضرين التزام سورية الكامل بدعم المقاومة الفلسطينية . ولا شك بانه الموقف الاميز عربيا على اعتبار ان سورية تخوض منذ عشر سنوات حربا ضروسا دمرت بنيتها التحتية واقتصادها وحاولت الفتك بجيشها ومجتمعها، وبروز اصوات من النخبة السورية تنادي” بسورية اولا ” كخلاصة لتجربة الحرب  . الا ان الرجل الذي يوصف بالعنيد في دمشق  ترك طقوس الانتخابات والحملة الانتخابية في يوم الاقتراع للانتخابات الرئاسية في الخارج وجلس مع قاددة الفصائل للوقوف على الوضع في فلسطين ومالات المنازلة بين المقاومة واسرائيل في غزة .

 لا يمكن اغفال الدور السوري في احتضان المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 65 ، ولاحقا احتضان وتدريب وتسليح وحماية التيار الاسلامي في فلسطين المتمثل في حركتي الجهاد وحماس مطلع التسيعنيات من القرن الماضي ، رغم موقف حزب البعث الحاكم في سورية الحازم  من الاخوان المسلمين بسبب الصراع  الدامي بينهم منذ مطلع الثمانينات   . وما ترتب طوال عقود نتيجة هذا الموقف الداعم للمقاومة  من اثمان باهظة دفعتها سورية الدولة والشعب من حصار وتهديد وضغوط دولية  وصولا الى الحرب القاسية التي هدفت بالدرجة الاولى الى  معاقبة سورية على موقفها من القضية الفلسطينية ومناهضتها لاسرائيل في كل المحافل ، وتغيير دورها في الاقليم وضرب حلف المقاومة .  واعتقد ان فصول تلك الحرب بدات تتكشف تباعا ، وهناك الكثير مما سيقال ويكتبه المؤرخون المحايدون لاحقا عن اسرار وخفايا تلك الحرب القاسية على سورية .

الرئيس الاسد في موقف لافت وبعد سنوات من القطيعة مع حركة حماس ابلغ قادة الفصائل ممن كانوا في ضيافته ان ابواب دمشق مفتوحة لكل المقاومين الفلسطينيين وكل الفصائل الفلسطينية على اختلاف تسمياتها . واكثر من ذلك حملهم تحياته الى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس ، والى مقاتلي حماس في غزة . هو الموقف الاول الصادر من دمشق منذ القطيعة مع حماس بسبب موقف الاخيرة الداعم للمعارضة السورية في الحرب .

كلام الاسد فيه الكثير من التعالي على الجراح ، وتقديم المصلحة الفلسطينية والقضية الفلسطينية حتى على القضية السورية . هكذا يظهر الاسد كزعيم تاريخي وقائد مبدئي  ضمن مشروع استراتيجي ينهض بالامة وليس مجرد رئيس . وهكذا يثبت الاسد انه عنيد الى حد ان كل الحرب التي شنت على بلاده بهدف تغيير سلوكه ومقاربته للاحداث والقضايا  جعلته يرسخ موقع سورية اكثر في مواجهة اسرائيل ، ويحث الخطى حتى قبل تعافي سورية الكامل نحو حمل راية القضية المركزية للعرب والمسلمين   .

بالمقابل جاء اول رد من حركة حماس  على لسان القيادي البارز في الحركة اسامة حمدان ، والذي سمع بموقف الاسد من خلال” قناة الميادين ”  كما قال في اتصال اجرته معه القناة ، وانا من حاوره شخصيا  واكد حمدان ان حركة حماس ترد التحية للاسد باحسن منها ، وان هذا الموقف ليس مستغربا من سورية ، وان موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريباً ولا مفاجئاً و من الطبيعي أن تعود العلاقات بدمشق إلى وضعها السابق”.

لاشك انها مواقف تفتح الابواب المغلقة بين حماس ودمشق ببركة صواريخ المقاومة التي دكت تل ابيب والمستوطنات والمواقع العسكرية الاسرائيلية ، وبركة نصر الشعب الفلسطيني ، والشعب السوري ،   وتؤسس لطي صفحة داكنه من العلاقة طوال السنوات العشر الماضية  . ونقول تؤسس لان العلاقة بين الطرفين تحتاج الى المزيد من الوقت والنضوج ولا تعيدها تصريحات ايجابية فقط على اهميتها .

خلال السنوات الماضية حاول وسطاء كما اطلعنا في حينه سواء حزب الله او المسؤولين الايرانيين حاولوا رأب الصدع ومعالجة اسباب الخلاف ، وبذلوا جهودا كبيرة  . الا ان الاسد كان يرفض ، مع تاكيده على دعم المقاومة الفلسطينية في فلسطين وفي غزة على وجه التحديد

الامر بطبيعة الحال ليس سهلا للاسد  ، فحماس كما قال رئيسها في الخارج خالد مشعل منذ ايام عاشت عصرها الذهبي في سورية . وقدمت سورية معسكرات التدريب والسلاح والتكنولوجيا الحربية خاصة في مجال الصواريخ والمتفجرات ، وقدمت اراضها وعاصمتها كمقر لقيادة حماس بعد ابعادها  من الاردن مطلع التسعينات  ، وتعرضت للضغط والتهديد واحيانا العدوان المباشر بسبب وجود حماس والجهاد في حماها ، وعندما اندلعت الاحداث وقفت حماس مع قرار حركة الاخوان المسلمين العالمية ضد القيادة السورية ، وتبنت موقف المعارضة بالكامل وخرجت من سورية الى قطر . هذا ما اعتبرته القيادة السورية طعنة في الظهر لم تكن تتوقعها . لكن الاجواء في فترة الربيع العربي كانت تبشر بصعود التيار الاسلامي الى الحكم في معظم  الدول العربية ، وهذا كان له التاثير الاكبر في خيارات حماس بخصوص سورية او غيرها مثل مصر مثلا . بالمقابل تكرر الحركة انها خرجت من سورية لانها لم ترغب في التدخل في ازمة داخلية .

تلك مرحلة قد خلت لا نريد الدخول في تفاصيلها ، والافضل النظر الى المستقبل ، سورية هي قلب هذه الامة ، وبوصلة العالم الحر ، وجيشها قاتل في معارك الامة دفاعا عن فلسطين ، وقدمت خيرة ابنائها شهداء من اجل فلسطين . سورية الدولة التي لم تسمح رغم كل الحروب والضغوط والحصار والجوع  برفع علم اسرائيل في سمائها ، من الطبيعي ان تكون قبلة المقاومين والمناضلين وشرفاء الامة .


________________

* كاتب واعلامي فلسطيني


الاثنين، 3 يونيو 2019

حرب سعودية على «حماس»: حملة اعتقالات وتجميد حسابات... والحركة «أجرت مراجعة شاملة»

    يونيو 03, 2019   No comments
عبد الرحمن نصار، ماجد طه 


لم تعد المهادنة تنفع «حماس» في علاقتها بالسعودية التي تخطّت الحدود المقبولة حتى لأسوأ العلاقات. فَمِن هجمة إعلامية واتهام بـ«الإرهاب» على خلفية «التواصل الممتاز» مع إيران، وصولاً إلى رفض قيام إسماعيل هنية بجولة خارجية، تشنّ الرياض حملة مجنونة تشمل أيضاً اعتقالات وعمليات ترحيل، وتجميداً لحسابات، ومنعاً ورقابة على الحوالات. في المقابل، تحاول «حماس»، بمساعدة من طهران وحزب الله، إحداث اختراق على صعيد العلاقة مع حضنها الأدفى: دمشق.


تتواصل منذ أكثر شهرين الحملة السعودية بحق سعوديين وفلسطينيين مقيمين في المملكة، متمثلة في سلسلة اعتقالات طاولت العشرات مِمَّن تتهمهم الرياض بالارتباط بحركة «حماس». ومن أبرز هؤلاء الطبيب الاستشاري الثمانيني، محمد الخضري، الذي مثّل الحركة في منتصف التسعينيات حتى 2003 لدى السعودية. وعلى رغم ترك الرجل موقعه منذ سنوات، أُبقي رهن الاحتجاز في ظلّ «ظروف صحية صعبة»، طبقاً لمصادر عائلية مقرّبة منه. تقول مصادر ـــ تحفّظت على ذكر اسمها ــــ إن حملة الاعتقالات تزامنت مع إغلاق ورقابة مشدّدين على الحسابات البنكية، وحظر على إرسال أي أموال من المملكة إلى قطاع غزة، مضيفة أن الاعتقالات شملت أفراداً لا علاقة لهم بالحركة، لكن قيادة الأخيرة تفضّل التزام الصمت حتى لا يُحسبوا عليها، وتجنّباً للتصعيد والإضرار بالمسجونين «أملاً في الوصول إلى تفاهم يقضي بالإفراج عنهم».
وعلمت «الأخبار» أن عدد المتهمين بجمع تبرعات وإدارة أموال لـ«حماس» في السعودية تخطّى 60 شخصاً، بمن فيهم فلسطينيون وسعوديون، وقد وجّهت إليهم السلطات تهماً بـ«دعم حركة إرهابية وغسل الأموال لدعم الإرهاب والتطرف». كما أنه، خلال العامين الماضيين، بلغ عدد الفلسطينيين المرحَّلين من المملكة أكثر من 100، أغلبهم متهمون بدعم المقاومة مالياً أو سياسياً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكانت الرياض قد فرضت، منذ نهاية 2017، رقابة مشددة على أموال الفلسطينيين في المملكة، وأخضعت جميع التحويلات المالية لِمَن تسمّيهم «الأجانب الفلسطينيين» لرقابة مشددة، ليس إلى القطاع فحسب، بل إلى جميع دول العالم، خشية تحويل هذه الأموال بطرق غير مباشرة وعبر دول أخرى. وباتت مكاتب تحويل الأموال تطلب من الفلسطينيين إحضار حجج قوية للتحويل، ولا تسمح بأن يرتفع سقف الحوالة الواحدة عن 3000 دولار أميركي.
في غضون ذلك، بدأ عدد من عائلات المعتقلين إرسال مذكرات إلى جهات قانونية لمعرفة مصير ذويهم، في وقت تشهد فيه العلاقة بين السعودية و«حماس» أسوأ مراحلها، خاصة أنها تأتي مع هجمة إعلامية سعودية تستهدف «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وتعزو المصادر هذه الحملة إلى إخفاق محاولة مصرية لإقناع الفصائل بترك إيران والتخلي عنها مقابل ضخّ أموال سعودية وإماراتية تجاه القطاع قبل نحو سنة، وهو «عرض رفضته الحركتان، وأكدتا وقتذاك للقاهرة أنه لا يمكن لطرف أن يحدد علاقاتهما مع الباقين». وفق المصادر، ردّت «حماس» بأن أي منحة تأتي للشعب الفلسطيني هي موطن ترحيب، لكن من دون أثمان سياسية، وهو ما أقفل الباب أمام رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، في جولته الخارجية التي لم ينجح في إجرائها، ولا سيما خلال زيارته الأخيرة لمصر التي خشيت أن تُغضِب السعودية، لكنها كانت تحتجّ بالتحفظ الأميركي بعد إدراج هنية في «قائمة الإرهاب».

وخلال المؤتمر الذي عقدته الفصائل في غزة الخميس الماضي، قبيل «يوم القدس العالمي»، ظهر أن كلتا الحركتين، «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، هاجمتا السعودية بصفتها راعية لـ«صفقة القرن». وبدا الأمين العام لـ«الجهاد»، زياد النخالة، أكثر وضوحاً حين هاجم «مَن يحاولون الاحتفاظ بحقول النفط التي دُمِّرت نتيجة لعدوانهم على اليمن»، فيما طالب قائد «حماس» في القطاع، يحيى السنوار، البحرينيين بـ«إعلان الحداد» في اليوم الذي ستُعقد فيه ورشة المنامة الاقتصادية. تقول المصادر إن نبرة السنوار العالية «كانت نتيجة للدور السياسي الواضح لدول الخليج في استهداف القضية الفلسطينية، وحالة العداء التي تصاعدت بعد اشتراط السعودية على قطر طرد قيادة حماس لاستئناف العلاقة بينهما».
يشار إلى أنه، قبل أربع سنوات، بدأ النظام السعودي حملة مشددة على مصادر التمويل الشعبية لـ«حماس»، بعد اعتقال شبكة كان يديرها مسؤول الحركة في الخارج حالياً ماهر صلاح، الذي اعتُقل في 2015، ووُجّهت إليه تهمة «غسل الأموال»، قبل أن يُفرَج عنه نهاية 2016 ويُبعَد إلى تركيا. لكن أخطر ما وصلت إليه العلاقة كان إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، «حماس منظمة متطرفة»، خلال كلمة أمام البرلمان الأوروبي منتصف شباط/ فبراير 2018، وهو ما تكشّف أيضاً ضمن التهم الموجهة إلى عدد من رجال الدين السعوديين المعتقلين منذ عامين، والذين تتهمهم السعودية بدعم «الإرهاب»، ومن ضمنه «حماس».

في ملف آخر، وبعدما راوحت علاقة «حماس» بسوريا بين مدّ وجزر منذ تثبيت الأخيرة انتصارها الميداني، بدأت غيمة الخلاف تنقشع تدريجياً، ولا سيما من جهة الحركة، تحديداً بعد صعود القيادة الجديدة (المكتب السياسي الجديد من بعد خالد مشعل) التي أخذت على عاتقها تذويب الخلافات مع محور المقاومة وتوطيد العلاقة معه. وعلى خط موازٍ، يسير التواصل مع كلّ من قطر وتركيا على خطّ بارد، مع أفضلية للدوحة بناءً على دورها في غزة. ويرجع ذلك إلى اندلاع الأزمة الخليجية، وطلب القطريين رسمياً من عدد من قادة «حماس» مغادرة أراضيها، وتحديداً نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري وعدد من أعضاء المكتب، علماً بأن العاروري كان مقيماً في الأراضي التركية قبل أن تطلب منه أنقرة المغادرة.
عملياً، منذ استقرار العاروري قبل أكثر من عامين في لبنان، كان ملف العلاقة مع سوريا على رأس الأولويات، إذ شهد حراكاً لافتاً في الأشهر القليلة الماضية، وفق ما تفيد به قيادات من الحركة، قالت إنه جرت لقاءات اشتُرط أن تكون «غير معلنة وغير رسمية»، وسادت إحداها «أجواءُ العتب» من الجانب السوري. وسبقت هذه الحوارات اتصالاتٌ عبر وسطاء فلسطينيين وآخرين انتهت بموجبها أزمات ميدانية في مخيم اليرموك، كما حدث في مسألة استيعاب بعض الأفراد المسلحين مِمَّن كانوا ضمن ما يعرف «جماعة أكناف بيت المقدس». وذكرت المصادر نفسها أنه جرى أخيراً لقاء بين العاروري ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي المملوك، بوساطة من إيران وحزب الله، لكن الاجتماع لم يسفر عن نتائج مباشرة. كما جمع لقاء آخر قيادة الحركة مع مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، انتهى إلى «نقل العلاقة بين الجانبين من مرحلة العداء إلى الهدنة... إن جاز التعبير»، تبعاً للمصادر.

تأتي هذه اللقاءات نتيجة لوساطتين أجراهما كل من قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد، أفضت إلى الاتفاق على أن أي جولة مقبلة لهنية ستشمل زيارة لدمشق. وبناءً على لقاء «حمساوي» ـــــ إيراني في طهران، أُبلغت الأخيرة أن الحركة «أجرت مراجعة شاملة للموقف من سوريا»، كما أن «محور المقاومة بحاجة إلى التوحّد في مواجهة الخطط الأميركية للمنطقة».

ما تنتظره «حماس» الآن هو الوصول إلى مرحلة يرى فيها الأطراف أن الموقف جاهز لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها، على رغم أن أوساطاً كثيرة تستبعد أن يعود مستوى التواصل كما كان. يقول القيادي في «حماس»، إسماعيل رضوان، إن حركته حريصة على «استعادة سوريا دورها الريادي في دعم القضية، فهي كانت ولا تزال وستبقى داعمة للقضية ومكاناً لمرابض المقاومين ضد الاحتلال». وأضاف معقّباً على عدد من تساؤلات «الأخبار»: «ليس بيننا وبين سوريا أي عداء ولن يكون، فهي الشقيق والحاضن للمقاومة والداعم للقضية». وأشار إلى أن هناك حاجة ملحة لعودة العلاقة من أجل مواجهة «صفقة القرن» التي رأى أنها تستهدف سوريا كما تستهدف القضية الفلسطينية. وسبقت كلامَ رضوان تصريحات لنائب رئيس «حماس» في غزة، خليل الحية، قال فيها إن سوريا داعم أساسي للمقاومة، علماً بأن الأشهر الماضية شهدت تعقيبات شبيهة من قيادات أخرى، على أن الأزمة القائمة مع السعودية الآن تدفع إلى تواصل أفضل كما ترى الحركة.

الثلاثاء، 25 مارس 2014

الإخوان وإيران: هلال إسلامي لوأد الفتنة أم ضد السعودية؟

    مارس 25, 2014   No comments
سامي كليب

صحيفة الأخبار اللبنانية: حين غرّدت أولى سنونوات الربيع العربي في تونس ومصر، سارعت طهران إلى وصف الثورات بـ «الصحوة الإسلامية». قال السيد علي خامنئي، مرشد الثورة، في خطبة له في شباط / فبراير 2011: «إن الثورات العربية تستلهم روح ونموذج الثورة الإسلامية في إيران، وبالتالي، فهي استمرار لها». ما كان «القائد» غريباً عن الإخوان. هو نفسه كان أول من ترجم كتب سيد قطب إلى الفارسية ونصح بقراءتها.

توقّعت طهران، في حينه، أن يبادلها «الإخوان المسلمون» حماستها باندفاع مماثل. كانت النتيجة أن أول زيارة للرئيس المصري محمد مرسي إلى طهران كانت مخيّبة. استخدم الرئيس الاخواني، من على منبر قمة دول عدم الانحياز، خطاباً تعبوياً مذهبياً ناقض الحفاوة الايرانية. وختم عهده باعلان القطيعة بين مصر وسوريا، حليفة ايران.

بعد ثلاث سنوات من الثورات والانتفاضات، يعيش «الاخوان المسلمون» وضعاً لا يُحسدون عليه: أميركا والدول الغربية خذلتهم بعدما غازلتهم. واشنطن تصنَّعت اعلان قطع جزء من المساعدات عن مصر، لكنها في الكواليس كانت تقول للقيادة المصرية: «لا تقلقوا. هذا مجرد كلام. لن يتغير أي شيء».

معظم دول الخليج حاربتهم. السعودية وضعتهم على لائحة الإرهاب. حركة حماس، كما تركيا، باتتا مثاراً للاتهامات في مصر وسوريا.

لو أن السنونوة التي غرّدت فوق تونس ومصر لا تزال على قيد الحياة، لربما فوجئت بسرعة تحوّل المشهد. ثورات أكلت أبناءها. أخرى جنحت صوب التقسيم والأقاليم. ثالثة انقسمت على نفسها. رابعة غرقت في موجات الارهاب والتكفير، وخامسة نسيت بالأصل لماذا نشبت.

الآن، ثمة مشهد آخر يرتسم. تبدو المصلحة كبيرة بين ايران وتركيا للتقارب. قال السيد خامنئي خلال استقباله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: «إن الأخوّة والمحبة والصداقة الحالية بين ايران وتركيا لا مثيل لها في خلال القرون الأخيرة». ردّ اردوغان: «أنا هنا لأزور بلدي الثاني».

لم تتدهور علاقات طهران وأنقرة طيلة الأزمة السورية. صار عتب لا قطيعة. تظهير جودة العلاقة الآن له، اذاً، أبعاد استراتيجية كبيرة.

بعد ذلك، كان وزير الخارجية القطري في ايران. ثم زارها وفد من حركة حماس. وبين زيارة واخرى، كانت طهران تحافظ على تحفظّها على إطاحة مرسي في مصر، وتبقي خيوطاً مع الإخوان.

في الإستراتيجيا البعيدة المدى تستمر الفكرة الإيرانية على حالها. مفاد الفكرة بانه لا بدّ للعالم الإسلامي من اللقاء. تريد طهران تعزيز الروابط الشيعية ــــ السنية لإنشاء حلف عالمي جدي. تدرك أن جزءاً كبيراً من اسباب الفتن المذهبية في المنطقة إنما يستهدف دورها ودور حلفائها. في الإستراتيجيا القصيرة المدى، ترى أن مصلحتها القصوى تكمن في التقارب مع التيارات السنّية المعتدلة في المنطقة، وبينها «الإخوان»، لوقف الحرب في سوريا، وسحب بساط الفتنة المذهبية، وتعزيز موقفها في مفاوضات «5+1» ومواجهة السعودية.

لا يفهم كثيرون، حتى اليوم، سبباً وجيهاً لإدراج السعودية «الإخوان المسلمين» على لائحة واحدة مع المنظمات الارهابية. ايران قد تصبح أكثر المستفيدين. باتت طهران مقصداً لكلّ المتضررين من الهجمة السعودية، من تركيا إلى قطر إلى أطراف يمنية فاعلة.

قبل أيام، قال اسماعيل هنية، القيادي في "حماس" ورئيس حكومة غزة، كلاماً عالياً ضد اسرائيل. دعا إلى القتال والاستشهاد. قبله بأيام، كانت صواريخ "الجهاد الاسلامي" تنهمر على مناطق اسرائيلية. قبل التهديد والصواريخ كان زائران مهمان في طهران: مسؤول العلاقات الدولية في "حماس" أسامة حمدان، الذي قال ان العلاقات مع ايران في مستواها الجيد والطبيعي، والامين العام لحركة الجهاد رمضان عبد الله شلح. سارعت مصر إلى التهدئة.

بين التهديد والصواريخ كان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في بيروت يتحدث عن أهمية التقارب مع ايران. ربما المجاهرة بالأمر ليست مناسبة الآن بسبب العلاقة مع السعودية والضغوط الدولية قبل الانتخابات، لكن انفتاح مصر على ايران وروسيا يبدو أكثر من ضرورة في الوقت الراهن.

ماذا تغير؟

ما تغيّر في السنوات الثلاث الماضية ان ايران كانت تبحث حثيثاً عن كيفية ربط علاقات جدية وقوية مع تيار الإخوان. الآن تبدو الجماعة أكثر حاجة إلى التقارب. بالأمس، كان التقارب مثيراً لغضب غربي. الآن طهران نفسها تتفاهم مع الغرب. اسرائيل قلقة. اسرائيل تراقب. تحاول أن تحرق الأوراق. تعمّدت تسريب معلومات عن استعداد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي في "حماس"، لزيارة ايران بوساطة قطرية. اضطرت الحركة إلى النفي.

لا شك في ان قرار السعودية ضد الإخوان أحدث بلبلة حتى في المحيط الخليجي. إخوان الكويت جزء من تركيبة معقّدة لا يمكن محاربتهم. إخوان البحرين لهم حساسية خاصة في بلد يراد تصوير المشكلة فيه على أنها بين الشيعة والسلطة. اضطر وزير الخارجية البحريني إلى نفي ما نسب إليه من أن الإخوان في البحرين ليسوا جماعة ارهابية. عاد وقال ان بلاده تقف مع السعودية والإمارات، وان من يعاديهما يعادي البحرين. بلبلة اخرى دبّت في صفوف إخوان سوريا وفلسطين. في اليمن وجد الاخوان انفسهم اضعف من مواجهة الحوثيين. أُغلقت ابواب السعودية في وجه قادتهم من آل الأحمر.

قد تجد ايران في كل ذلك فرصة لتجديد فكرتها القائلة بأنه لا بد من صحوة اسلامية فعلية. صحوة تستند خصوصاً إلى تقارب الكتلتين الشيعية والسنية في ايران. أما العرب، فهم يتقاتلون على اراضي بعضهم بعضا، وحائرون، هل يسلمون مقعد سوريا للمعارضة، التي ما عادت تمثل الكثير على الارض، ام ينتظرون أياماً افضل؟ ماتت السنونوة قبل ان يزهر الربيع.

______
"الأخبار"

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

لماذا ينبغي البحث عن بديل لـ «حماس»؟ 

    ديسمبر 13, 2013   No comments
ناهض حتر
2 كانون الثاني 2013، مركب جديد لنشطاء فلسطينيين وأوروبيين يهدف الى كسر الحصار البحري عن غزة، لم يحظ بتغطية «الجزيرة» ولا سواها؛ بالطبع، فـ «مقاومو» حماس كانوا هناك، وتمكنوا من منع المركب التضامني من مواجهة البحرية الإسرائيلية. الناطق باسم جيش العدوّ علّق على الحدث قائلا: «ليس ذلك مفاجئاً. فمنذ (عمود السحاب) تحاول حماس، غالبا، العمل وفق التفاهمات» التي أبرمتها مع تل أبيب برعاية الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي.

بل إن قائد كتيبة غزة العميد ميكي ادلشطاين كان أكثر وضوحاً، إذ قال: «حماس تحوّلت إلى جهة شرطية يعمل فيها 800 مقاتل، على مدار الساعة، وذلك بهدف احباط عمليات إرهابية وإطلاق قذائف على إسرائيل». وأضاف: «وافقت حماس على أن ينشط الجيش الإسرائيلي في إطار 100 متر داخل قطاع غزة. وهي تعرف، حاليًا، الأماكن التي نعمل فيها، ونخبرها بذلك مسبقًا، وهي تهتم بحضور نشطائها في الجهة الأخرى للحفاظ على الهدوء».
وبالطبع، هناك ثمن صغير: إدخال موادّ بناء إلى القطاع، وبعض التسهيلات الأخرى، ودعم الشكاوى الحمساوية على مصر لدى المحافل الدولية. منسّق العمليات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، اللواء إيتان دنغوت، يشاطر الحمساويين، انتقاد «الحصار المصري للقطاع» ــــ وخصوصا في مجال الطاقة ــــ ويحذّر من «كارثة إنسانية في غزة»!
الخروج من معسكر دمشق، بغض النظر عن الشعارات، له طريق واحد ينتهي بالأحضان الإسرائيلية، بينما ضلوع «حماس» في المعركة الداخلية لدى الجار المصري، سيترك لها مهمة وحيدة هي العمل البوليسي لدى المحتلين؛ فيا لها من نهاية تراجيدية! إنما علينا، للإنصاف، أن نلاحظ أن «حماس» هي، أيضاً، محاصرة حدّ الاختناق، وقد خسرت حليفيها السوريّ والمصريّ معاً، واندرجت في حلف «الإخوان» المطارَد سعودياً؛ فهل يمكنها، في ظل هكذا ظروف، أن تصطدم بالإسرائيليين؟ وهل يمكنها ألاّ تتقاطع معهم في المصلحة المشتركة لـ «التهدئة» والتعاون الأمني والبحث عن ثغرة سماح إسرائيلية، تعوّضها عن شبكة الأنفاق التي يدمّرها المصريون، خوفاً من التسلل الإخواني والإرهابي، وربما، أيضاً، للانتقام!
المقاومة هي، في التحليل الأخير، نهج سياسي متكامل مرتبط بحركة التحرر الوطني، إقليمياً ودولياً، لا مجرد حضور وبندقية واعتراف. ولقد كانت مأساة «فتح» أنها فتحت كل الخطوط في كل الاتجاهات، وتورّطت، من موقعٍ رجعيّ غالباً، في كل الصراعات العربية ــــ العربية، وتذاكت في القفز على الحبال، حتى وقعت في مستنقع أوسلو. وهي اليوم مضطرة للمضيّ قُدُماً في مفاوضات تجري وفق الشروط الإسرائيلية، ولا مناص لها من القبول أو مغادرة الميدان. وبالمقابل، كانت مأثرة «حماس» أنها ــــ رغم علاقاتها مع القوى الرجعية، الإخوانية والخليجية ــــ أنها استقلت عن «الإخوان»، وتموضعت في الحلف الذي يمثل التحرر الوطني في مرحلة ما بعد السوفيات، أي في حلف إيران ــــ سوريا ــــ حزب الله. ولكنها عادت، مع الربيع الزائف لسنة 2011، لتتمثّل سيرة «فتح»، بالاندراج في خط العداء للجمهورية العربية السورية؛ استعادت عضويتها في حركة الإخوان المسلمين، واستلت هويتها المذهبية، وانطوت في المشروع الإخواني ــــ القطري ــــ التركي، وقاتلت، بالموقف و/أو بالسلاح، ضد الجيش العربي السوري، وتحولت إلى أداة فلسطينية بأيدي أعداء التحرر الوطني في المشرق، وبأيدي إخوان مصر ضد جيشها وشعبها.
السؤال الآن: ما الفارق، استراتيجياً، بين «فتح» و«حماس»، وكلاهما يجنّدان مقاتليهما شرطة لضمان التفاهمات الأمنية مع إسرائيل؟
«فتح» منخرطة في مفاوضات ترفضها «حماس»؟ ولكن الأخيرة حركة مقاومة لا مجرد معلق صحافي يلاحظ ويدعو ويأمل! ماذا فعلت «حماس»، بل وماذا يمكنها أن تفعل لضرب مفاوضات تصفية القضية الفلسطينية، الجارية الآن، سوى تفجير الموقف؟ فهل تستطيع أن ترسل استشهاديين إلى تل أبيب، كما كانت تفعل سابقا؟ بل هل تستطيع أن تطلق رصاصة واحدة في وجه المحتل؟
لم يكن أحد ليراهن على «حماس» في التحرير، وإنما في عرقلة الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية؛ فهل يملك الحمساويون، اليوم، تلك القدرة؟ وهل تعتقد طهران، بالفعل، أنه يمكنها استجرار «حماس» إلى موقع المجابهة مع العدو الإسرائيلي، مجدداً؟
«حماس» ليست في هذا الوارد أصلاً؛ فليس ما ينقصها هو المال أو السلاح، وإنما الإرادة السياسية. وإرادتها مقيّدة بتحالفاتها مع الدوحة وأنقرة وإخوان مصر وإرهابيي سوريا والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
لا تتعبوا، ولا تضيّعوا المزيد من الوقت، بل فتّشوا عن بديل اعتراض ممكن: تحالف بين «الجهاد» و«الشعبية» و«القيادة العامة» يجمع شمل المقاومين في خط سياسي واضح في تحالفاته وأهدافه وخطه، يتصدى لمفاوضات تصفية القضية، في وجه إسرائيل... وسلطتيّ رام الله وغزة معاً.

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

الرئيس السوري بشار الأسد - لقناة الميادين - المواقف والخيارات

    أكتوبر 21, 2013   No comments

غسان بن جدو: سادتنا مشاهدينا المحترمين، سلام الله عليكم...

لو كنا تحدثنا  الى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد قبل  سنوات، لكان الكلام غير الكلام، لأن سورية كانت غير سورية.. في الواقع، العالم كله وفي قلبه وطننا العربي كان  غير العالم وغير الوطن وبالتأكيد غير العربي، فنحن أمام بعض ، نؤكد بعض عربي من طينة أخرى. أخرى تماما...لوتحدثنا  مع بداية  وفي خلال الازمة السورية الكارثة بدمائها ودمارها وضحاياها وعمرانها وتاريخها  ومقدساتها، لكان الحديث   كما مشهده غامضا محيرا وفي كل حال ، هو بالتأكيد مبكيا.. لوتحدثنا عن سورية في رمضان الاول والثاني مع الازمة، لكان  حديثنا ربما في صلاة العيد في الجامع الاموي بامامة علامة غير العلامة لملوك وامراء ورؤساء غير سوريين وغير ما يمثلون. لو تحدثنا قبل التهديدات الاميركية الاخيرة، لكان الحديث عن مشهد عالمي مختلف، من هو مع سورية ومن ضدها لكن الجميع على أرضها.. لو تحدثنا  الاسبوع الماضي بعد التراجع الاستراتيجي لكنا أمام واشنطن هي للاسد مداحة، قبل ان تنقلب اليوم له هجاءة.. أما وأننا ، نتحدث اليوم الى الرئيس الأسد، فأسئلة الزمن السوري العربي القاسي تفرض نفسها بلا تحفظ الا السهو العام المألوف عن بعضها.. نتحدث عن عمق الازمة السورية وأفاق حلها..عن العرب وجامعة دولهم بلا سورية،  وعن الاقليم  والمحور الجديد والمواجهة الاستراتيجية...عن المقاومة بل المقاومات فعلا او شعارا... ربما من الاهم، نفهم من الرئيس الأسد الخيارات المحددة  والمواقف المترقبة،  نتمناه حديث الزمن الصعب...


سيدي الرئيس، نحن في أزمة طاحنة على مستوى سورية والعالم العربي، ولكن نحن نتحدث عن سورية بشكل أساسي، لو سمحتم لي سأعود لما قبل الأزمة، قبل ربما سبعة أو ثمانية أسابيع.. فقد تحدثتم لصحيفة وول ستريت جورنال وقتذاك عندما سُئلتم عمّا إذا كان ما حدث في تونس يمكن أن يحدث في سورية أجبتم بالنفي.. هل أخطأتم في حساباتكم وتقديراتكم؟

الرئيس الأسد: عملياً ما حصل منذ عامين ونصف، منذ تلك المقابلة حتى اليوم، يؤكد تماماً بأن ما قلته كان صحيحاً.. فما حصل في سورية يختلف تماماً عما حصل في تونس ومصر.. وخاصة لناحية التدخل الأجنبي.. لناحية إرسال الإرهابيين من الخارج ودفع الأموال من أجل خلق الفوضى في سورية... في تلك المرحلة التي سبقت الأزمة في سورية وتحديداً قبل الأزمة بحوالي شهرين أي في كانون الثاني وشباط 2011 كان هناك تحريض شبه يومي في كل وسائل الإعلام من أجل القيام بمظاهرات، وسؤال تلك الصحيفة بُني على أن ذلك التحريض لم يتمكّن من إخراج شخص سوري واحد إلى الشارع حتى ضُخّت الأموال بشكل مباشر وحُرّك المرتزقة في سورية، فعملياً كل يوم يُثبت بأن ما يحصل في سورية هو شيء مختلف تماماً، وذلك لخصوصية سورية كما هي خصوصية مصر وتونس وغيرها من الدول، وللوضع الجيوسياسي في سورية، وللسياسة الخارجية وبنية الدولة وسياستها عبر خمسين عاماً في سورية. كل هذا يؤكد بأن ما قلته كان صحيحاً.

 غسان بن جدو: لكن ألا تعتبرون سيادة الرئيس أن هناك جزءاً لا بأس به من الشعب السوري كان أيضاً يرنو إلى التغيير والإصلاح.. لم يكن بالضرورة مدفوعاً بمال أو مرتزقة وغير ذلك، وبالتالي ربما طلباته كانت محقّة ومشروعة وطبيعية؟

الرئيس الأسد: هذا صحيح، وأنا قلت هذا الكلام في أكثر من خطاب وفي أكثر من مقابلة، ولكن من تحرّك في البداية لم يكن هؤلاء، وإلا لماذا لم يتحركوا عندما بدأ التحريض ولماذا لم يتحرّكوا في الأسابيع الأولى.. تحرّكوا لاحقاً بعد  أسابيع أو بعد أشهر واعتقدوا بأن هناك تغييراً وكان هناك تشويش وانخداع بما يحصل، اعتقدوا أن ما يحصل هو حركة باتجاه الأفضل أو الديمقراطية ولكن نفس هذه القوى عندما اكتشفت الحقيقة تراجعت وانكفأت وتركت الشارع للمرتزقة ولاحقاً للإرهابيين والمتطرفين.

غسان بن جدو: كيف تطورت الأمور من وجهة نظركم، أو من معلوماتكم طبعاً؟

الرئيس الأسد: الأزمة مرت بمراحل.. المرحلة الأولى كما قلت لم يكن هناك تأثير للتحريض، المرحلة الثانية بدأت من خلال دفع الأموال للمظاهرات مع دخول مسلحين بشكل خفي من أجل إطلاق النار على الشرطة وعلى المتظاهرين بهدف خلق حالة من الصدام وسفك الدماء وبالتالي تنتشر هذه الفوضى بشكل عفوي وطبيعي، ونجحوا في عدة أماكن بهذا الشيء. مع ذلك لم تتطور المظاهرات بالشكل الكافي لإسقاط الدولة السورية بعد ستة أشهر وتحديداً بعد رمضان 2011 فبدأ في ذلك الوقت العمل من أجل زيادة التسليح والنزول المسلّح إلى الشارع بشكل علني. هذه هي المرحلة الثانية. حتى نهاية العام 2012، وبعد توجيه ضربات قاسية من القوات المسلحة للإرهابيين أو الذين سمّوا بالجيش الحر، وهي مجموعة من عصابات مختلفة، عندها دخلت القاعدة على الخط وأصبحنا الآن في مرحلة الصراع مع القاعدة وتفرعاتهاالمختلفة، ما يسمى داعش وجبهة النصرة وغيرها من المسمّيات. هذه هي المراحل الرئيسية لما حصل.

غسان بن جدو: في هذه المراحل كان هناك في رأيكم أو معلوماتكم مواكبة خارجية لها أو هي انطلقت من الداخل وربما تم استثمارها من الخارج؟

الرئيس الأسد: بدايات الأزمة ابتدأت من الخارج.. التحريض ابتدأ من الخارج ولم يبدأ من الداخل، والدليل عدم الاستجابة الداخلية في البداية.

غسان بن جدو: والسلاح منذ البداية أيضاً؟

الرئيس الأسد: السلاح موجود في سورية، منذ حصل غزو العراق تم دخول كميات كبيرة من السلاح إلى سورية، فالسلاح متوفر بشكل طبيعي، ولكن المشكلة هي الظروف المهيئة لاستخدامه بالإضافة إلى توريد كميات أخرى من الخارج، دفع الأموال، المظاهرات في البداية التي تحدثنا عنها والتي نسميها المرتزقة، كانت مظاهرات من أجل المال فقط، يخرج المتظاهر لمدة نصف ساعة يقبض المال على هذه الصورة أو الفيديو ويعود لمنزله، هذه كانت الأمور بكل بساطة، وكانت المجموعات المسلحة، مجموعات مختلفة، تأتي لهذه المظاهرات تحت عنوان الحماية وتقوم بإطلاق النار.

غسان بن جدو: سيادة الرئيس، يمكن أن يفهم المشاهد كأنه لا يوجد الآن معارضة في سورية؟ لا يوجد اعتراض، لا يوجد عدم رضا عما هو حاصل، بينما نحن نعرف أن هناك مثقفين معارضين، هناك معارضة حقيقية، وهي بالمناسبة ذات مواقف وطنية وتتناغم معكم بشكل كبير خصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل، وبالصراع العربي العام بشكل أساسي؟

الرئيس الأسد: كل ما قلتُه لا ينفي أبداً وجود معارضة، ولا علاقة بين الأمرين، أن تكون هذه الأحداث تمّت لا يعني بأنه لا يوجد معارضة، ولا يمكن أن ندّعي في أي دولة في العالم، مهما كانت صغيرة وعدد سكانها محدود، أن يكون كل الناس فيها على إجماع حول سياسة واحدة، من الطبيعي أن يكون هناك تيارات مختلفة ومتناقضة أحياناً، ولكن المعارضة هي مفهوم سياسي، المعارضة هي بنية سياسية لها قاعدة شعبية ولها برنامج سياسي واضح، هي بنية داخلية، ليست مرتزقة من الخارج ولا تأخذ أوامرها من الخارج، برامجها ليست من الخارج، لا تقبل بالتدخل الخارجي ولا تحمل السلاح، لا يمكن أن تكون معارضة سياسية وتحمل السلاح، بمجرد أن حُمل السلاح تحوّلت التسمية إلى تمرّد أو إرهاب وليست معارضة. هذا هو تعريفنا للمعارضة، أما المعارضة فهي موجودة دائماً في سورية.

 غسان بن جدو: طبعاً المعارضة موجودة دائماً في سورية، ولكن أنا أتحدث عن هذا المخاض الذي حصل في سورية، نحن نتحدث بعد عامين ونصف العام وما لاحظناه الآن أولاً أن مساحات جغرافية لم تعد في يد الدولة.. وثانياً درجة الاعتراض تكثّفت تماماً، كما أن الذين تراجعوا عن اعتراضهم الأول كُثر أيضاً، الذين انشقوا عادوا بشكل كبير. سؤال بعد عامين ونصف العام، عندما يشاهدك المشاهد السوري والعربي يقول: سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد.. تحدثتم قبل فترة عن بعض المؤامرات الخارجية التي حصلت وعن التسليح الخارجي، إلى كل ذلك، ألا يمكن الإقرار بأن هناك أزمة ونحن مدعوون إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة بشكل واضح؟

الرئيس الأسد: طبعاً، من البديهي عندما يكون هناك تدخل خارجي فهو يستند على خلل داخلي، لو لم يكن لديك خلل داخلي لا يمكن أن ينجح التدخل الخارجي، مجرد نجح فهذا يعني بأنه لديك خلل داخلي، وأنا دائماً أتحدث عن مسؤوليتنا نحن كسوريين أولاً فيما يحصل، نستطيع أن نلوم الغرب ودول الخليج وتركيا ولكن بالمحصلة النهائية نحن المسؤول الأول، الوطن هو المنزل... عندما تفتح أبوابك للصوص فلا تستطيع أن تلوم اللص لأنه لص، هو يقوم بما تعلّم أو تربّى عليه، فإذاً نحن لدينا مشاكل داخلية، هذا موضوع آخر، طبعاً لدينا حاجة للإصلاح، لدينا فساد، لدينا الكثير من الأشياء التي طُرحت قبل الأزمة وفي بداية الأزمة، لكن كم من هذه الأشياء طُرح بشكل صادق وجدّي، وكم من هذه الأشياء طُرح كقناع من أجل خلق الفوضى، هذا سؤال آخر.

 غسان بن جدو: هل تعتبرون بأن سورية مستهدفة بشكل أساسي بسبب استراتيجيتها الخارجية ومواقفها المعروفة؟

الرئيس الأسد: هذا جانب مؤكد لا نستطيع أن ننفيه، وإلا هناك الكثير من الدول المحيطة بنا والقريبة منا، الأنظمة فيها تعود لقرون إلى الوراء في تطورها ومع ذلك لا يتحدث الغرب عنها ولا يقول كلمة حول الديمقراطية فيها.

غسان بن جدو: كيف نؤكّد هذا الأمر، كيف نؤكد أن استراتيجيتكم الخارجية هي التي كانت تقلقهم وتزعجهم بشكل أساسي حتى تدخّلوا بهذا الشكل المعروف؟

الرئيس الأسد: لسبب بسيط... لأن سورية تحت الضغط والتهديد منذ عقود.. لم يأت الضغط والتهديد بشكل مفاجئ، نحن دائماً تحت الضغط، حتى بمراحل الانفتاح مع الغرب كنا تحت الضغط، وليس كما يبدو للمشاهد بأنه شهر عسل أو فترة ارتخاء. سورية دائماً تحت الضغط وتحت التهديد في كل المفاصل بدون استثناء، فهذا جزء من هذه المراحل، نحن نتحدث عن سياق كامل، هي ليست حالة منعزلة لكي تقول بأن الغرب قرر فجأة أن ينقلب على سورية لأسباب ترتبط بسياساتها الخارجية، فإذاً هناك سياق.

 غسان بن جدو: الحقيقة ليس الغرب فقط وإنما دولٌ عربية، وحتى دول إقليمية وصديقة، ودول كانت حليفة ولكن سنتحدث عن هذا الأمر لاحقاً، عندما تحدثتم سيادة الرئيس عن هذه الجماعات التي وصفتموها بأنها متطرفة سواء من جبهة النصرة أو داعش والتي أتت من الخارج إلى غير ذلك، ولكن نحن نعلم أيضاً بأن هناك سوريين عددهم لابأس به قد انخرط في هذه الجماعات المتطرّفة وحتى التكفيرية. إذاً، كيف يمكن أن البيئة السورية التي تتباهون دائماً بأنها ليست بيئة أمان فقط ولكن حتى بيئة مدنية تسمونها علمانية، ولكن هي بيئة مدنية في حكمها وتشريعاتها وعلاقاتها، هذه البيئة أوجدت كل هذا النمط وهذا الكمّ من التطرف والتكفير؟

الرئيس الأسد: هذا صحيح، أن نتحدث عن البيئة العلمانية في سورية ونتباهى بها لا يعني بأنه لم يكن لدينا بؤر تطرف موجودة في سورية، وهذا التطرف أيضاً عمره عقود ولكن اشتد بشكل كبير وتسارع بصورة كبيرة تحديداً بعد 11 أيلول، وبعد الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، لذلك نحن كنا دائماً نعارض هذه الحروب ونريد أن نمنع وقوعها لأننا كنا نخشى من انتشار التطرف، وأنا قلت هذا الكلام لأكثر من مسؤول غربي في ذلك الوقت، فإذاً كنا في حالة صراع مع هذا التطرف، ولكن عندما حصلت الأزمة فمن الطبيعي عندما يكون لديك فوضى ويضعف تأثير الدولة في عدد من المناطق الجغرافية في سورية فلابد أن يأتي التطرف ويملأ هذا الفراغ ويخلق الحاضنة الضرورية لنموّه ولتوسّعه. هذا ما حصل. لكن هذا لا يعني بأن التطرف لم يكن موجوداً في سورية فنحن جزء من هذه المنطقة، وهذه المنطقة تعاني، كما قلت، منذ عقود.. منذ أكثر من عقد من الزمن من دخول الإرهاب إلى أقصى المغرب وإلى أقصى المشرق في المنطقة العربية.

غسان بن جدو: أشرتم الآن إلى 11 أيلول، وقلتم أنكم حاربتم التطرف وقتذاك، هل تعاطيتم مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية في هذه النقطة بالذات؟ ليس فقط الولايات المتحدة الأميركية، ربما حتى دول أوروبية أخرى.. تعاطيتم أمنياً وسياسياً مباشرة في محاربة ظاهرة التطرف؟

الرئيس الأسد: في عام 1985 على خلفية العمليات الإرهابية التي قام بها الأخوان المسلمون في سورية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، طرحنا موضوع التحالف لمكافحة الإرهاب، في ذلك الوقت لم يهتم أحد في العالم بهذا المصطلح، ما هي أهمية الإرهاب بالنسبة لهم، لا شيء في ذلك الوقت..

 غسان بن جدو: كانت حرب أفغانستان وقتذاك وكان الإرهاب ربما يعتبر جهاداً..

 الرئيس الأسد: تماماً، كان الإرهاب جهاداً.. وكانوا يُسمَّون من قبل ريغن "مقاتلو الحرية".. أو شيء من هذا القبيل.. فعندما بدأ العالم يتحدّث عن الإرهاب لم نتردّد في التحالف مع كل الدول الساعية من أجل مكافحة الإرهاب بما فيها الولايات المتحدة، هذا لا يعني بأننا نتفق معهم حول الوسائل المتبعة.. ولكن كمبدأ، نعم نحن تعاملنا مع معظم الدول في العالم بشأن مكافحة الإرهاب..

غسان بن جدو: مع الولايات المتحدة الأميركية؟..

الرئيس الأسد: نعم، والولايات المتحدة الأميركية..

غسان بن جدو: بعد أحداث 11 أيلول؟..

الرئيس الأسد: بعد وقبل، لكن طبعاً توسّع التعاون بعد أحداث 11 أيلول..

غسان بن جدو: وكان الأميركيون منفتحين عليكم أمنياً في هذا التعاون بشكل أساسي؟..

الرئيس الأسد: لا، هم لا ينفتحون حتى على أقرب حلفائهم، هم يعتمدون دائماً على مبدأ أن كل الدول والأجهزة تعمل من أجل خدمتهم، وهنا كانت نقطة الخلاف بيننا وبينهم، هم يتعاملون مع مكافحة الإرهاب وكأنك تجلس أمام الحاسوب وتمارس لعبة، فكلما ظهر عدوّ على الشاشة تقوم بقتله.. نحن نتصرف بطريقة مختلفة، مكافحة الإرهاب هي مكافحة شاملة، وحتى الموضوع الأمني يعتمد على المعلومات وعلى اختراق المجموعات الإرهابية وبحاجة لنَفَس طويل، كنا نقول لهم عندما تقتل شخصاً بهذه الطريقة عليك أن تتوقّع تكاثُر عشرة أشخاص بالمقابل كما يحصل في الحاسوب، لم يقتنعوا بهذا الكلام، اليوم بعد إثني عشر عاماً تقريباً على مرور 11 أيلول نكتشف بأن الإرهاب أكثر قوةً وأكثر انتشاراً في العالم من قبل.

غسان بن جدو: هل الولايات المتحدة الأميركية تقدّم دعماً مباشراً أو غير مباشر لهذه الجماعات التي تصفونها بالإرهابية، وهي في عُرفهم أيضاً إرهابية؟

الرئيس الأسد: لا يوجد لدينا دليل بأنهم قدموا دعماً مباشراً لجماعة القاعدة، وأعتقد بأن هذا الموضوع صعب عليهم، ولكن بالممارسة عندما تدعم الفوضى، فأنت تدعم هذه المجموعات... عندما تقف ضد الدولة التي تكافحهم فأنت تدعم هذه المجموعات، أعني الإدارة الأميركية... عندما تؤمن الغطاء السياسي للفوضى والإرهاب في سورية، فهي تدعم بشكل مباشر الإرهاب الآخر... هم يدعمون.. سياسة الولايات المتحدة وسياسة أوروبا، أو بعض الدول الأوروبية والقسم الأكبر من الأوروبيين، وبعض الدول العربية والإقليمية، هي التي ساهمت في مجيء القاعدة إلى سورية، في بعض الحالات عن قصد، وفي بعض الحالات عن غير قصد.

غسان بن جدو: إذا كان هذا التعاون قد تمّ على مدى سنوات بينكم وبين الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الإرهاب وهذه الجماعات، ألديكم تفسير لماذا -لا أقول لم تكافئكم- ولكن لم يتمّ تعاون معقول ومقبول بينكم وبين الإدارة الأميركية في هذا الشأن؟

الرئيس الأسد: هذا جزء من طبع الإدارات الأميركية المتعاقبة، هم لا يقدّرون شيئاً، هم أنانيون جداً يفكّرون بمصلحتهم، حتى التعاون مع طرف آخر بالنسبة لهم هو تعاون من أجل مصالحهم وليس من أجل المصالح المشتركة.. بالنسبة لنا نحن نبحث عن مصالح مشتركة بشكل دائم، وهذا الشيء قطعي بالنسبة لنا، لكن هم ينظرون للموضوع بشكل أناني، وعندما تنتهي هذه المصلحة فأنت لا تشكّل شيئاً بالنسبة لهم، هذا بالنسبة لدولة لا يتفقون معها ومع سياساتها كسورية، لكن هذا بديهي عندما نقارن ما فعلوا بحلفاء لهم من شاه إيران حتى برويز مشرف مروراً بكثيرين الآن في الدول العربية.. حلفاء قدموا لهم كل شيء على مدى عقود، وفي اللحظة المحدَّدة، ألقوا بهم..

غسان بن جدو: بمن فيهم عرب..

الرئيس الأسد: طبعاً بمن فيهم عرب، لكي لا نتحدث الآن عن الوضع العربي، فهو أصبح معروفاً.. ولكن هذه حالة عامة بالنسبة للولايات المتحدة، من يبحث عن الوفاء لدى الإدارات الأميركية واهم، نحن نتحدّث معهم فقط من خلال مصالح مشتركة، هم لا تجمعهم المبادئ مع كثير من دول العالم وإنما مجموعة مصالح..

 غسان بن جدو: وأنتم حريصون على هذا الأمر حتى في المستقبل، إذا سويّت الأمور هنا في سورية، أنتم حريصون على علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة الأميركية تقوم على المصالح المشتركة؟

الرئيس الأسد: طبعاً، لا شك بأن الولايات المتحدة دولة عظمى وتؤثّر في مسار الأحداث في العالم، فإذا كنت قادراً على خلق علاقة تخدم مصالحك فهذا الشيء جيد، ولا يجوز أن نتردّد به بغض النظر عن الاختلافات، ولكن من الخطير أن تبني معهم علاقة تعمل من أجل مصالحهم فقط، لأنهم سيطلبون منك أن تعمل من أجلها ضد مصالحك، وهذا شيء مرفوض بالنسبة لنا.

غسان بن جدو: بصراحة سيادة الرئيس هناك أيضاً من يقول أنكم تتحملون مسؤولية مباشرة.. أنتم كدولة، كحكومة، كسلطة، كنظام، في تنامي هذه الجماعات التي تصفونها بالإرهابية والتكفيرية.. لا شك بأنكم ساعدتم وسهّلتم الطريق أمام هذه الجماعات من أجل الدخول إلى العراق فيما كانت تسمى بالمقاومة العراقية، هل انقلب سحركم عليكم؟

الرئيس الأسد: هذا الكلام يعني أو يحمل في طياته بأن سورية كانت تستخدم الإرهابيين كورقة تضعها في الجيب لكي تستخدمه في مكان ما لهدف ما، نحن قلنا بشكل واضح في أكثر من مناسبة بأن الإرهاب لا يُستخدم كورقة، وأنا أشبّه الإرهاب دائماً بالعقرب، إذا وضعته في جيبك، فعندما يصل إلى الجلد سوف يقوم بلدغك مباشرة.. هذا غير ممكن.. نحن دائماً ضد الإرهاب وكان هذا أحد نقاط الخلاف بيننا وبين العراقيين، بأن سورية ضد الإرهاب، ولكن لا يمكن ضبط الحدود، اليوم مثلاً هناك إرهاب يأتي عبر الحدود العراقية بشكل مكثّف، كميات كبيرة، ولكن سورية لا تتّهم الحكومة العراقية، لأننا نقدّر بأن ضبط الإرهاب يكون في الداخل وليس على الحدود، الحدود هي مظهر من مظاهر الضبط، وليست الضبط، لا تُغلَق الحدود، أنت تقضي على الإرهاب في الداخل، فعندما يكون هناك فوضى في سورية وهناك فوضى في العراق لا يمكن لسورية والعراق أن يضبطا الحدود، فلذلك أؤكد مرة أخرى بأننا لم نكن في يوم من الأيام مع الإرهاب، نحن دائماً في حالة حرب مع الإرهاب، ولكن لم نكن نعلن هذا الشيء، نقوم بعمليات عسكرية، أمنية، استخباراتية، سمّها ما شئت، ولكن لم نكن نعلن ذلك.

غسان بن جدو: على الحدود؟

الرئيس الأسد: على الحدود وفي الداخل، لأن الإرهابيين كانوا يستخدمون سورية كممر ما بين لبنان والعراق..

غسان بن جدو: في ذلك الوقت؟..

الرئيس الأسد: قبل هذه الازمة كان التمركز الأساسي للإرهابيين من لبنان إلى العراق وبالعكس..

 غسان بن جدو: بعد حرب العراق..

الرئيس الأسد: نعم.. كان بشكل أساسي من لبنان إلى العراق وبالعكس، وكانت سورية مجرّد ممرّ، فكنا دائماً نعمل على إغلاق هذا الممرّ من خلال عمليات استخباراتية، طبعاً هذا الكلام مستحيل أن يكون بشكل مطلق، ولكن عندما بدأت الأزمة في سورية، وتغيّرت الأحوال الأمنية في سورية انتقلت القاعدة إلى سورية كهدف، وحوّلتها لهدف رئيسي كأرض للجهاد.

غسان بن جدو: إذاً، بصراحة سيادة الرئيس، أنتم لم تقدموا تسهيلات بشكل رسمي أو غير رسمي لهذه الجماعات حتى تدخل العراق بصفتها جماعات مقاومة؟

الرئيس الأسد: لو كنّا نريد أن نقوم بهذا الشيء فهذا يعني بأننا نعمل ضد مصلحتنا بشكل مباشر، لأن انتشار الإرهاب في العراق سيأتي إلى سورية وهذا ما نراه الآن، انتشار الإرهاب في لبنان سيأتي إلى سورية وهذا ما نراه الآن أيضاً، وانتشار الإرهاب في أي بلد مجاور سيؤثر عليك بشكل مباشر، فهذا يعني أن نطبق المثل الذي يقول بأنه يطلق النار على قدمه، وهذا مستحيل.

غسان بن جدو: لكنكم كنتم مع المقاومة في العراق وأعلنتم هذا الأمر، أنتم كنتم تعتبرون بأن هناك مقاومة، ومقاومة الاحتلال هي أمر مشروع في العراق..

الرئيس الأسد: أولاً الإرهاب غير المقاومة، والإرهابيون الذين تتحدّث عنهم، وتحديداً جماعة القاعدة لم يقوموا بعملية واحدة ضد الأميركيين، كل العمليات كانت ذات طابع طائفي في العراق، كانوا يقتلون المدنيين وليس الأميركيين، المقاومة كانت تقوم بعمليات ضد الأميركيين، هذا أولاً.. ثانياً نحن ندعم المقاومة بالمعنى السياسي، نحن لا نعرف من هي المقاومة في العراق ولا يوجد أي تواصل بيننا وبينها، لأنها لم تأت إلينا، ولم تطلب منا، ولم تتواصل معنا، فنحن نقول المقاومة ضد الاحتلال حق في أي بلد، هذا ما كنا نقوم به.

غسان بن جدو: تعرف سيادة الرئيس، موضوع العراق هو موضوع مفصلي، لا أتحدّث عنه الآن ولكن مرحلة غزو العراق هي مرحلة مفصلية، الولايات المتحدة الأميركية تعاطت معها على أساس أنها تحوّل استراتيجي، ويؤكد انتصارها التاريخي في المنطقة وربما يثبّت هيمنتها في العالم، والحقيقة أنها تعاطت مع مختلف الدول على هذا الأساس ومن بينها سورية.. إذاً محطة الغزو العراقي كانت محطة أساسية وقتذاك.. كيف تعاطت الولايات المتحدة الأميركية معكم في غزو العراق؟

الرئيس الأسد: حاولت الولايات المتحدة كثيراً أن تقنع سورية بأن تكون جزءاً من الحملة على العراق، كان ذلك قبل قمة شرم الشيخ التي انعقدت في بداية شهر آذار في عام 2003، ومن خلال مجيء المسؤوليين الأميركيين إلى سورية، كان هناك محاولات ترهيب وترغيب -على الأقل بالحد الأدنى- من أجل أن نصمت، طبعاً في قمة شرم الشيخ كان موقفنا واضحاً ومعلناً وكان ربما الصوت الأعلى في رفض الحرب، لأننا رأينا بأن قمة شرم الشيخ كانت قمة التسويق لحرب العراق، أو للغزو الأميركي للعراق، فكان لا بدّ من أن تدفع سورية الثمن، وكانت زيارة كولن باول المشهورة في ذلك الوقت بعد 3 أسابيع من غزو العراق وكان العالم في ذلك الوقت من دون استثناء قد انبطح أمام ما اعتقدوا بأنه النصر الأميركي، وبدأوا بتقديم فروض الطاعة والولاء، فأتى كولن باول في ذلك الوقت وكان مزهوّاً بنفسه ويتحدّث عن كيف دخلت القوات الأميركية خلال أسابيع إلى بغداد، ويلمّح إلى أن الكونغرس الأميركي يحضّر لقانون آخر لمحاسبة سورية، أكثر شدّة وقسوة من القانون السابق، وكل الكونغرس ينتظر عودة كولن باول لكي يقرّر ما الذي سيفعله مع سورية..

غسان بن جدو: هكذا كان يحدثكم؟

الرئيس الأسد: تفصيلياً.. حرفياً..

غسان بن جدو: أي بلغة التحذير والتهديد؟

الرئيس الأسد: تماماً.. قال إنه لم يبق لكم صديق أو أمل سوى أنا وزيارتي.. وهي الزيارة الأخيرة، ومبنيّة على عدة مطالب.. وهي بشكل أساسي إخراج الفصائل الفلسطينية أو قياداتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، خارج سورية..

 غسان بن جدو: أي جبهة شعبية؟

الرئيس الأسد: الجبهة الشعبية القيادة العامة.. إخراجها خارج سورية إلى أي مكان يختارونه في العالم، هذا البند الأول..

غسان بن جدو: لم يعطكم مكاناً؟..

الرئيس الأسد: لا.. أي مكان..

غسان بن جدو: لم يسمّ مكاناً؟

الرئيس الأسد: قلت له عادة عندما تُخرج شخصاً تعيده إلى وطنه، هل مسموح لهؤلاء أن يعودوا لوطنهم، إذا كان مسموحاً لهم أن يعودوا لوطنهم، نحن نريدهم أن يعودوا إلى فلسطين بدون طلب من أي دولة، وهم يريدون ذلك أيضاً، ولكن أن يُطرد شخص إلى أي مكان في العالم هذا كلام مرفوض بشكل قطعي..

النقطة الثانية، هي منع دخول وتسليم أي من القيادات العراقية المطلوبة للولايات المتحدة، وللقيادة العسكرية بعد الغزو.. طبعاً إيقاف التعامل مع حزب الله والمقاومة في لبنان ووقف كل أشكال الدعم.. ولكن الطلب الأخطر الذي لم أذكره سابقاً هو أنهم طلبوا منا منع دخول أي من الكفاءات العلمية والعلماء وأساتذة الجامعات إلى سورية.

غسان بن جدو: العراقيون؟

الرئيس الأسد: نعم العراقيون.. وهذا ما فُسِّر لاحقاً بعمليات الاغتيال المنهجية للكفاءات العلمية في العراق.. أنا أعتقد بأن هذا الطلب كان أخطر من الطلبات الأخرى، طبعاً كان ردّنا بأننا استقبلنا من تمكّن من المجيء إلى سورية من هذه الكفاءات، وقمنا بإيجاد شواغر لهم في الجامعات السورية، الجامعات الخاصة والجامعات العامة، هذه هي المطالب الرئيسية..

غسان بن جدو: إذاً أربعة طلبات أساسية وقتذاك، أولاً ألا يتم استقبال القيادات السياسية والعسكرية العراقية السابقة، والنقطة الثانية هي أن تخرج القوات المقاومة الفلسطينية وتحديداً حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة، وثالثاً عدم التعاون مع حزب الله وعدم تمرير السلاح له وقطع العلاقات معه، قطع العلاقات تماماً معه..

الرئيس الأسد: تماماً.

 غسان بن جدو: والنقطة الرابعة التي تكشفها لأول مرة عدم السماح بدخول الكفاءات العلمية، يعني هذا الطلب كان طلباً أميركياً أم طلب طرف آخر؟..

الرئيس الأسد: طلب أميركي.. وتمّت عمليات التصفية لاحقاً كما تعلم، قتلوا مئات من العلماء، أي أنها عملية تجهيل حقيقية، وهو ما كان مطلوباً لتدمير العراق حقيقة.. تدمير هذه العقول.

غسان بن جدو: سيادة الرئيس قبل لحظات تحدّثتم عن أنه قبل الغزو كانت هناك محاولات الترغيب والترهيب، هل نستطيع أن نفهم ما هي محاولات الترغيب والترهيب، من قدمها لكم.. رجال سياسة.. رجال أمن.. أميركيون مباشرة.. أوروبيون.. أصدقاء عرب.. مَن؟..

الرئيس الأسد: بشكل أساسي وليم بيرنز معاون وزير الخارجية في ذلك الوقت.. الترغيب كان من خلال أن الولايات المتحدة ستقوم بإطلاق عملية السلام، قلنا أن هذه الوعود سمعناها في عام 1991، على خلفية مشاركة سورية في حرب تحرير الكويت، ولم يحصل شيء، لم تقم الولايات المتحدة بأي عمل جدّي من أجل إنجاح عملية السلام.. تهربّت من كل التزاماتها، فنحن بالنسبة لنا أي وعد أميركي هو مجرد وعد وهمي، لا نثق بالولايات المتحدة، وهناك تجارب سابقة طبعاً في عدم الثقة بيننا وبينهم..

 غسان بن جدو: على أساس أن يكون لكم دور...أي أن تعاد عملية السلام وأن يكون لكم دور محوري أنتم كسورية أم ماذا؟..

الرئيس الأسد: تماماً.. أي أن نستعيد أرضنا في الجولان، ويتم إنجاز عملية السلام، وهو كان مطلباً سورياً قديماً منذ ما بعد حرب 1973، ولكن هي مجرد وعود وهمية كما قلت.. الترهيب طبعاً يحتمل كل المعاني بأن الوضع سيكون صعباً، ستكون سورية معزولةً.. هناك أشخاص معادون لسورية في الولايات المتحدة.. وغير ذلك من الكلام الذي لا يعطي - لنقل - طريقة معينة لمعاقبة سورية لاحقاً ولكن يوحي بالعقوبة.

غسان بن جدو: عفوا سيادة الرئيس.. ربما هذا سؤال كان يمكن أن أطرحه في النهاية، ولكن منهجياً حتى نفهم هذا السياق... الآن، عندما تتحدث عن هذه الإشارات وربما ستحدثنا عن تفاصيل أخرى ونحن حريصون بصراحة أن تحدّثنا عن بعض التفاصيل وبعض الكواليس. ترغيب وترهيب قبل غزو العراق وبعد غزو العراق.. كانت الولايات المتحدة الأميركية القوة الأعظم، كانت متباهية بأنها انتصرت على الإرهاب في أفغانستان، غزت العراق وباتت تستأثر على كل شيء... الروس، الصينيون، العالم كله كان دونياً أمامها ومع ذلك كله كنتم تتصرفون بهذه الطريقة، ترفضون الطلبات وتعاندون... على أي قاعدة فكرية سياسية استراتيجية.. واسمح لي أيضاً بكل صراحة على أي قاعدة شخصية.. من هو بشار الأسد مع الاحترام حتى يرفض ويعاند الأميركيين بهذه الطريقة وتصلون لما وصلتم إليه؟

الرئيس الأسد: لو عدت للسياسة السورية عبر عقود، فليس من سمات السياسة السورية العنتريات، هذا أولاً. ثانياً هي سياسة مؤسسات تعكس مصلحة الشعب... هنا نتحدث عن القاعدة التي تُبنى عليها السياسة السورية... هذا السياق العربي الذي كانت سورية جزءاً منه خلال عقود -على الأقل منذ أن تشكل وعيي على هذه الدنيا- هو سياق سيئ ينتقل من سيئ إلى أسوأ ولا ينتقل من سيئ إلى أقل سوءاً.. فكنّا دائماً كدول عربية أمام الخيارين السيئين أو مجموعة خيارات سيئة في القضايا المختلفة.. فهنا عليك أن تختار الخيار الأقل سوءاً.. والخيار الأقل سوءاً في مثل هذه الحالة هو أن تعارض هذه المشاريع.. أي أننا لو سرنا معها لكان الوضع أسوأ.. هذه النقطة الأساسية. النقطة الأخرى نحن لا نعاند مصالح الولايات المتحدة، نحن نقف مع مصالحنا بمعنى لو وقفنا معهم في حرب العراق... نحن الآن نرى أنه بعد عشر سنوات ثبت بأن ما كانت تخشاه سورية يحصل... عدم الاستقرار في العراق... المزيد من سفك الدماء... احتمالات التقسيم التي ما زالت تلوح في الأفق والتي نراها من وقت لآخر، والبعض يقول بأنها على الواقع موجودة... هناك شيء من التقسيم موجود بفعل الأمر الواقع... هذه الأشياء ستؤثر مباشرة على سورية.

نفس الشيء عندما تدخلت سورية في لبنان منذ بضعة عقود... أيضاً كانت لأهداف مختلفة، واحد منها هو حماية المصالح السورية.. فإذاً القضية ليست أنه كان أمامك خيار جيد ولكنك اخترت الخيار الأصعب.

 غسان بن جدو: عفواً سيدي الرئيس توصف بأنك عنيد... عنيد جداً... لا تؤاخذني بهذه الكلمة.. الرئيس حافظ الأسد أيضاً تعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في عاصفة الصحراء عندما احتُلت الكويت...

الرئيس الأسد: نعم.. ولكنه لم يتعاون من أجل دعم الولايات المتحدة... تعاون من أجل تحرير الكويت، وكان الموقف واضحاً كان انطلاقاً من فكرة أنه لا يجوز لبلد عربي أن يحتل بلداً عربياً، ولا يجوز أن تقوم الولايات المتحدة بتحرير الكويت والدول العربية غير موجودة... هذا للذاكرة، للتاريخ غير جيد، فكان هناك مبادئ مختلفة.. لم يكن الهدف هو دعم الولايات المتحدة، هي لم تكن بحاجة لدعم سورية على كل الأحوال... كانت بحاجة لغطاء عربي.. ولكن نحن رأينا بأن هذه العلاقة العربية العربية ستتأثر بالمستقبل إن لم تساهم سورية وطبعاً مصر ودول عربية أخرى.. هذا هو المبدأ.

غسان بن جدو: أنا الآن عربي معك، ولكن لو سألك شخص أميركي أو غير أميركي، وحتى نحن العرب معنيون بهذا الأمر... أعطني عنواناً واحداً كنتم فيه مرنين، متعاونين، براغماتيين؟

الرئيس الأسد: أولاً: مكافحة الإرهاب.. عندما تعاونّا مع الاستخبارات الأميركية في موضوع مكافحة الإرهاب، لأن مكافحة الإرهاب مصلحة مشتركة وهي تحقق مصلحتنا... ضرب الإرهاب في أي مكان في العالم ينعكس علينا بشكل مباشر أو غير مباشر حسب الحالة. عملية السلام تعاونّا معها في التسعينيات وكنّا في خضمّ عملية السلام قبل الأزمة بشكل مباشر على خلفية الوساطة التركية في عام 2008 والتي استمرت لاحقاً ودخلت الولايات المتحدة على خط هذه الوساطة واستجبنا وبدأنا بالتعاون وكان هناك اتصالات وزيارات بيننا وبينهم... فإذاً كان هناك تعاون، سورية مرنة وليست متعنتة، فالتعنت شيء، وأن تكون متمسكاً بحقوقك شيء آخر.. نحن متمسكون بحقوقنا وبمصالحنا... لايمكن أن نذهب بعكس هذه المصالح، وإلا نعود للنقطة الأولى بين السيئ والأسوأ... نكون قد اخترنا الأسوأ وليس السيئ.

غسان بن جدو: سيادة الرئيس عندما كنا نتحدث عن كولن باول وفترة الـ 2003 وقلت وقتذاك كانت هناك محاولات للترغيب والترهيب وقدم لكم تلك الشروط والتي رفضتموها.. ولكن الجانب الفرنسي أيضاً دخل على الخط.. كان الرئيس جاك شيراك آنذاك، وفي شهر تشرين، على ما أعتقد، غوردو مونتان كان موجوداً هناك.. بين هاتين الفترتين كأن هناك مخاضاً قد حصل.. وحتى عين الصاحب قد حصلت آنذاك.. ما سرّ العلاقات بينكم وبين فرنسا وكل هذه المحاولات التي حصلت ويقال أنها كانت جزءاً من التهديدات ومن التحذيرات التي لم تستجيبوا لها ؟

الرئيس الأسد: جاك شيراك بعد دخول القوات الأميركية إلى بغداد اعتبر بأن الوقت قد حان لكي يغيّر سياسته بالشكل الذي يوافق الولايات المتحدة، كما قلت في بداية المقابلة بأن الكل تعامل مع الولايات المتحدة كمنتصر وأصبح المطلوب أن يقدم أوراق اعتماده للإدارة الأميركية.. أهم ورقة اعتماد يقدمها شيراك هي السياسة السورية.. فأتى في ذلك الوقت مبعوث من قبل الرئيس جاك شيراك في شهر تشرين الثاني عام 2003 وبدأ يتحدث حول المخاطر التي تحيق بسورية وبأن الرئيس جورج بوش الابن غاضب جداً من سورية ومن الممكن أن يقوم بأي عمل "حتى ذكر كلمة حرفية.. قال لي بأن الرئيس بوش قال لجاك شيراك بأنني "أمناستي".. بمعنى مؤذي أو شرير أو ما شابه وعلينا أن نقوم بشيء ما من أجل أن نؤمّن حماية لسورية" .. ماهي هذه الحماية؟ أن تقوم سورية بالاعتراف بإسرائيل أوما سمّاه بالاعتراف بالدولتين، طبعاً لم يذكر عملية السلام ولم يذكر كل هذا الكلام.

غسان بن جدو: الدولتين، بمعنى الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية ؟

الرئيس الأسد: الدولة الإسرائيلية.. وبمعنى أن ندعم خارطة الطريق، نحن رفضنا أن نتدخل في موضوع خارطة الطريق لا سلباً ولا إيجاباً، على اعتبار أن خارطة الطريق كانت تهدف للتركيز على المسار الفلسطيني، فكان موقف سورية بأنه لا يمكن أن نكون جزءاً من خارطة الطريق إن لم تتحدث بشكل واضح حول استعادة الجولان أو ما نسميّه المسار السوري، فكانت زيارة مونتان في هذا الإطار.. عندما فشلت الزيارة ولم يأخذ ولم يلحظ أي استجابة تجاه هذا الموضوع بدأ التحوّل السريع في السياسة الفرنسية.. وكما هو معروف بدأ الاتفاق بين شيراك وبوش في العام 2004 من أجل العمل للضغط على سورية في لبنان من أجل إخراج لبنان، ولاحقاً، كما كانوا يتوقعون، سقوط الدولة في سورية على خلفية الخروج من لبنان، هكذا كانت البدايات في ذلك الوقت.

 غسان بن جدو: فيما يتعلق بالمحور الداخلي.. نعلم أن الداخلي والخارجي كله مرتبط طبعاً طبقاً لتصوركم ولما هو أصبح مكشوفاً بشكل كبير.. أنتم أشرتم سيادة الرئيس بأن السلاح هنا في سورية كان موجوداً وحتى دخل من الخارج.. منذ متى بدأ إدخال السلاح.. متى استُخدم السلاح في سورية وبدأ إدخاله؟

الرئيس الأسد: في الأزمة؟

غسان بن جدو: نعم في الأزمة

الرئيس الأسد: كما قلت، السلاح موجود من قبل على خلفية غزو العراق، وربما موجود قبل ذلك، فتهريب السلاح ممكن دائماً وهناك الكثير ممن يرغب باقتناء السلاح.. أما استخدامه في الأزمة فتم من الأيام الأولى لأنه سقط شهداء من الشرطة ومن الأمن منذ الأيام الأولى.. كيف يسقط شهداء من خلال المظاهرات؟

غسان بن جدو: لكن نُقل عنكم أيضاً أنكم قلتم إن السلاح بدأ استخدامه بعد ستة أشهر

الرئيس الأسد: لا.. أنا قلت الحرب المعلنة بدأت بعد ستة أشهر، وقلت هذا الكلام قبل قليل عندما ذكرت المراحل، عندما ظهر إلى العلن كحرب مع صور ومع سيارات عليها مختلف أنواع الأسلحة بعد ستة أشهر.. بعد رمضان 2011.. لكن السلاح كان موجوداً منذ الأيام الأولى ولكن كان يُستخدم ويقال بأن من قَتل هو الأمن أو الدولة أو الجيش وكان يُستخدم ويسوَّق بأن كل ما يحصل هو سلمي ولكن الدولة تقمع المظاهرات السلمية.

غسان بن جدو: سيادة الرئيس.. هؤلاء الذين استخدموا السلاح منذ البداية هم كانوا بأنفسهم أم كانوا أيضاً بتعاون مع الخارج؟

الرئيس الأسد: بتعاون مع الخارج.. حتى الإخوان المسلمين في أكثر من تصريح لمسؤولين تحدثوا بشكل واضح كيف جلبوا السلاح قبل الأزمة إلى سورية وكيف ساهموا في هذا الموضوع.. هذا كلامهم هم.

 غسان بن جدو: أي خارج تعاون معهم؟ أنا أسأل أي خارج ساعد أو سهّل أو ساهم في ..

الرئيس الأسد: الآن نتحدث عن بديهيات.. قطر كانت تدعم علناً هذه المجموعات.. قطر تكفّلت بهذا الموضوع في بداياته حتى مرور سنتين أو أقل بقليل حتى دخلت السعودية على الخط، ولكن كانت قطر بالدرجة الأولى وتركيا بالدرجة الثانية.. قطر بالتمويل وتركيا بالدعم اللوجستي.

غسان بن جدو: والأردن؟ كان بعيداً عن الجانب ... ؟

الرئيس الأسد: الأردن ممر.. في المراحل الأولى الأردن كان بعيداً، لكنه دخل على الخط مؤخراً منذ أقل من عام.

غسان بن جدو: فيما يتعلق أيضاً بالجانب الداخلي.. قبل قليل سيادة الرئيس قلتم نعم، هناك معارضة في سورية.. حالة اعتراض في سورية قبل الأزمة وخلالها، وبالتالي أنتم تقرّون بشكل صريح وواضح بأن هناك معارضات وتعتبرون بأنها موجودة.. سؤالي بوضوح هل تعتبرون هذه المعارضة شريكاً في نحت سورية المستقبل أم لا؟

الرئيس الأسد: المعارضة الخارجية تقصد ؟

غسان بن جدو: أنتم إذا تميّزون بين المعارضات؟

الرئيس الأسد: لا أنا لا أميز ولكن المصطلحات تميّز

غسان بن جدو: أنتم تفرّقون بين المعارضات؟

الرئيس الأسد: لا، أنا لا أفرّق.. المصطلحات المستخدمة بالنسبة لي - كما قلت قبل قليل - المعارضة لكي تكون معارضة وطنية شرطها أن تكون معارضة داخلية، جذورها بالداخل.. كلمة معارضة خارجية تعني بالدرجة الأولى أنها ترتبط بالخارج.. هذا ما نفهمه.. تعني أنها شُكِّلت في الخارج.. تعني أن جذورها في الخارج وليس لها قواعد شعبية في الداخل.. فهذه لا نسمّيها معارضة، لذلك أنا أقول المعارضة الخارجية بالمصطلح المتداول وليس بمفهومنا نحن في سورية.

غسان بن جدو: وإذا قلنا هي معارضة في الخارج وليست خارجية.. اضطُرّ هؤلاء لأن يكونوا في الخارج.. في النهاية تعرف هناك أناس لوحقوا، هناك أناس قبل الأزمة وحتى خلال الأزمة سُجنوا واضطروا بعد ذلك أن يخرجوا وبالتالي هم معارضة داخلية سورية حقيقية ولكنها اضطرت لأن تكون موجودة في الخارج..

 الرئيس الأسد: دعنا نسأل سؤالاً منطقياً.. لماذا نطارد معارضة ولا نطارد معارضة أخرى.. لماذا نسمح لمعارضة أن تكون في سورية وتعارض ونطارد أخرى لكي تهرب للخارج؟

غسان بن جدو: بكل صراحة لأنها توصف بأنها ديكور وبأنها مرتبطة بكم

الرئيس الأسد: لا، أنت تحدثت عن جزء من المعارضة يُتَّهم بهذا الشيء وهناك جزء لا يتَّهم.. هناك جزء معارض بشكل حقيقي وليست له أي علاقة بالدولة ويرفض العلاقة مع الدولة وهم موجودون في سورية.. هناك لدينا أنواع متهم وغير متَّهم.

غسان بن جدو: واستنتاجكم بهذا الطريقة ما هو؟ أي انكم حتى المعارضة الموجودة في الخارج يمكن أن تتعاطوا معها.

الرئيس الأسد: الملاحق هو شخص خرق القانون، والجزء الأكبر من هؤلاء هم الإخوان المسلمون.. والإخوان المسلمون بالعرف السوري والقانون السوري وبمفاهيمنا هي مجموعة إرهابية

غسان بن جدو: حتى الآن؟

الرئيس الأسد: حتى الآن وهي الآن أكثر إرهاباً من قبل.

غسان بن جدو: يا ساتر..أي أن الوضع لم يتغير سيادة الرئيس

الرئيس الأسد: لا، بالنسبة للإخوان المسلمين هم يسيرون من إرهاب إلى إرهاب أشدّ.

غسان بن جدو: نظرتكم أنتم لم تتغير تجاه الإخوان المسلمين؟

الرئيس الأسد: بالعكس.. تثبَّتت نظرتنا أن هذه المجموعة هي مجموعة إرهابية وانتهازية.. والسنوات منذ مجيئي لهذا المنصب حتى الأزمة السورية أثبتت في أكثر من مفصل بأنها مجموعة انتهازية تعتمد على النفاق وليس على الدين.. تستخدم الدين من أجل مكاسب سياسية.. وثبت هذا الشيء في مصر مؤخراً ويثبت في سورية كل يوم.. هذه وجهة نظر لا تتغيّر.. تثبتها أحداث، ليس لأننا متمسكون بها ولكن الواقع لا يتغيّر،فكيف نغيّرها.

غسان بن جدو: هل استنتاجي دقيق، أنكم مستعدون للتعاون مع كل المعارضات ماعدا من تصفونهم بالجماعات الإرهابية التكفيرية، وحددتم الآن أيضاً الاخوان المسلمين؟

الرئيس الأسد: لا، هذا الكلام ليس دقيقاً، لأننا بعد أزمة الأخوان المسلمين في سورية في الثمانينيات حاورنا الأخوان كمجموعة، كتيار، كحزب، بغضّ النظر عن التسمية، أو كجماعة كما يسمّون أنفسهم.. وأثبتوا بأنهم غير صادقين بالعودة للخط الوطني. مع ذلك حاورنا شخصيات منهم وقرروا الانسحاب من الجماعة والعودة للعمل الوطني، وعادوا إلى سورية. البعض منهم عاد إلى العمل الدعوي في المجال الديني، وهذا شيء جيد، ولكنهم خرجوا من العباءة السياسية للإخوان. فنحن لايوجد لدينا مشكلة أن نحاور أي جهة بشرط أن تبتعد عن السلاح، تبتعد عن الإرهاب، تبتعد عن دعوة الأجانب للتدخل في سورية عسكرياً أو سياسياً أو بأي شكل من الأشكال، أي مجموعة تريد أن تأتي للمساهمة في بناء الوطن وليس في تهديمه تحت أي عنوان.

غسان بن جدو: أي جهة؟

الرئيس الأسد: أي جهة..

غسان بن جدو: أي جهة تبتعد عن مسألتين الارتباط بالخارج، واستخدام السلاح؟

الرئيس الأسد: تماماً.

غسان بن جدو: أما عن الاخوان المسلمين؟

الرئيس الأسد: هناك جانبان.. أولاً، تجربتنا مع الاخوان المسلمين، وهي تجربة مليئة بالإرهاب منذ الخمسينيات حتى هذه اللحظة لم تتغير هذه التجربة بمضمونها الحقيقي. هناك جانب آخر هو أنه في الدستور السوري وبقوانين الأحزاب في سورية وبقانون الأحزاب الحالي غير مسموح لأي جهة تشكيل حزب على أساس عرقي أو ديني لأنه يضرّ بالمصلحة الوطنية، فحتى لو كان هناك حزب غير الاخوان المسلمين لا يوجد لديه هذا التاريخ الإرهابي، لا يمكن له أن يتواجد في سورية على أساس ديني لأسباب لها علاقة ببنية المجتمع السوري. القبول بهذا الشيء يعني القبول بتفتيت المجتمع السوري ربما على المدى المتوسط.

غسان بن جدو: معذرة سيدي الرئيس، ألا تعتبرون الآن بأن جزمكم وحسمكم بعدم التعاون مع الأخوان المسلمين، وعدم السماح لهم بالنشاط كجماعة يعسّر سبل الحل، هذه في النهاية جماعة موجودة فرضت نفسها، وجماعة موجودة ومسلحة، وهناك جماعات أيضاً لهذه الحركات الإسلامية موجودة ومنتشرة في العالم العربي.

الرئيس الأسد: لا.. في سورية محدودة جداً، لم تكن منتشرة.

غسان بن جدو: الآن؟

الرئيس الأسد: لا الآن ولا في السابق، كانت دائماً محدودة.. والآن هي محدودة أكثر من قبل، لأن الحاضنة الاجتماعية ترفضها، لأنه في البدايات، في السبعينيات كان هناك انخداع في حقيقة هذه الجماعة، وكان البعض يعتقد بأنها تعمل من أجل نشر الدين، وثبت بأن هذا الكلام غير صحيح. الأهم من ذلك أن هذه الأزمة فصلت ما بين العمل السياسي والعمل الدعوي في عقول الناس. فالعمل الدعوي هو عمل جيد وضروري لأي مجتمع من المجتمعات، ولكن لا يجوز الخلط بين الدين والسياسة. الدين في مقام والسياسة في مقام آخر، لا يجوز أن نخلط بين الموضوعين، فعندها نضرّ بالدين ونضرّ بالسياسة.

غسان بن جدو: حول الجماعات المعارضة بشكل عام، هل "الجيش الحر" أو العناصر التي انشقت من الجيش السوري وشكل جزء منها عناصر وضباط "الجيش الحر"، هل أنتم مستعدون لمعاودة احتضانهم من جديد؟

الرئيس الأسد: طبعاً أنا دائماً دقيق في التعريف، هؤلاء فارّون. الانشقاق هي قضية أكبر، الانشقاق هو جزء مرتبط بالمؤسسات وليس هروب شخص. هروب شخص لوحده لا يُسمّى انشقاقاً، ولكن لو أردنا أن نستخدم هذا المصطلح تجاوزاً لا يوجد مشكلة. نقول كل هؤلاء الذين هربوا لأسباب مختلفة.. فمنهم من فرّ بسبب الخوف، ومنهم من فرّ تحت التهديد المباشر له أو لعائلته، ومنهم من فرّ عن قناعة. جزء كبير من هؤلاء- لا أريد أن أبالغ- لكن جزءاً لابأس به قرر العودة أيضاً لأسباب مختلفة لسنا في صدد شرحها الآن، فكنا مرحبين بهذا الشيء، البعض منهم عاد إلى عمله في كنف الدولة، البعض من هؤلاء الذين تتحدث عنهم يقاتل مع الجيش وسقط منهم شهداء خلال الأشهر الأخيرة.

غسان بن جدو: عادوا إلى عملهم فعلاً؟

الرئيس الأسد: عادوا إلى الجيش، وسقط منهم شهداء.

غسان بن جدو: عناصر وضباط عادوا واستقبلتموهم؟

الرئيس الأسد: عناصر، مجندون، متطوعون، ضباط بمختلف الأشكال عادوا إلى الجيش ويقاتلون معه الآن. البعض منهم طبعاً يتعاون مع الجيش، لا يجرؤ على العودة خوفاً من انتقام المجموعات الإرهابية، ولكن يتعامل بشكل ممتاز.

غسان بن جدو: التهديدات التي تعرضتم لها.. نحن كنا قاب قوسين أو أدنى من عدوان حقيقي.. من حرب هنا على سورية. أولاً هل تستطيع أن تعطينا سرّ تراجع الإدارة الأميركية عن ما حصل، وهل أن المبادرة الروسية فيما يتعلق بالكيماوي فعلاً كانت مبادرة مفاجئة سريعة، حتى أنه قيل أن سورية هرولت، فعندما كان السيد وليد المعلم هناك في موسكو تحدث جون كيري في لندن.. السيد لافروف يجيب إيجابياً.. ثم السيد وليد المعلم.. في يوم واحد وجدنا كل الأمر حصل هرولة.. كأن سورية كانت تشعر بحالة من الجذع ومن الخوف ما اضطركم أن تقدّموا كل هذه التنازلات؟

الرئيس الأسد: حتى لو أردنا أن نهرول، هل يمكن أن نهرول في موضوع من هذا النوع بساعة واحدة، نحن بحاجة لعدة أيام لكي نهرول.. لايمكن بساعة واحدة.. الفاصل بين تصريح جون كيري وتصريح وزير خارجيتنا كان ساعة أو أقل ربما من ساعة، هذا الكلام يدل على أن الأمور محضرة مسبقاً، كله كان معروفاً مسبقاً.. هذا الموضوع مناقَش.. حتى لو أردت أنا أن آخذ قراراً كرئيس في موضوع كبير واستراتيجي من هذا النوع.. كيف آخذ هذا القرار والفريق السياسي والدبلوماسي كله موجود خارج سورية.. لا الزمن يسمح ولا وجود الفريق في الخارج يسمح.. هل ناقشته مع نفسي وأخذت قراراً في دقائق؟! هذا كلام غير منطقي، من ناحية أخرى، جون كيري أعطانا في التهديد مهلة أسبوع.. كنا نستطيع أن ننتظر بضعة أيام على الأقل، ولكن الجواب المباشر يعني بأن الأمور كانت محضّرة مسبقاً وقبل ذلك بأسابيع.. الحقيقة، هذا الشيء كان متفقاً عليه من قبل، ولكن جون كيري اعتقد في تصريحه بأن هذا التهديد لسورية، وهي غير محضّرة لهذا الموضوع، سيجعلها ترفض، أي أن كيري كان يتوقّع رفضاً سورياً للموضوع، لم يكن يتوقع بأن الأمور محضّرة.

غسان بن جدو:  كان يتوقع رفضاً؟

الرئيس الأسد:  بكل تأكيد.. الطريقة التي طرح بها بأن سورية أمامها أسبوع، فهذا إما أن يعني الرفض بالدرجة الأولى.. وإن لم يكن رفضاً فعلى الأقل سورية خضعت للتهديد الأميركي وهذا يعطيه داخل الولايات المتحدة نوعاً من المبرّر ليقول أنه انتصر.. هدّد وحقّق ما يريد ولم يعد هناك من داعٍ للحرب، أما أن نقول بأن موضوع الكيماوي أوقف الحرب فهذا كلام غير دقيق تماماً.. أولاً لأن الولايات المتحدة دولة عدوانية وتستطيع كل يوم أن تبحث عن مبرّر لكي تشنّ حرباً، والدليل هو كيف شنّت الحرب على العراق، عندما أخرج كولن باول العبوة المزيّفة وكذب على كل العالم وقال لدينا دليل بأن صدام يصنع أسلحة دمار شامل، فلو أنقذت نفسك بهذه المبادرة، بعد شهر سيكون هناك مبرر آخر تخترعه الولايات المتحدة من أجل التهيئة لحرب جديدة على سورية، لكن بنفس الوقت، قبل المبادرة الروسية بأقل من أسبوعين أتانا خبر من بعض الأصدقاء في إحدى الدول وأخبار مؤكدة بأن الضربة ستكون في اليوم المحدد غداً الساعة المحددة صباحاً، فحضّرنا أنفسنا على هذا الأساس ولم تحصل الضربة.

غسان بن جدو:  حضّرتم أنفسكم وقتذاك، وكنتم مهيئين للرد؟

الرئيس الأسد:  هذا موضوع آخر، الموضوع العسكري لن نعلنه، سنبقي خططنا عسكرية طي الكتمان، لايمكن أن تعلن، ولكن حضّرنا أنفسنا بحسب إمكانياتنا لهذه الضربة ولم تحصل.. لو أردنا أن نهرول لهرولنا قبل ذلك التاريخ وليس بعده، فإذاً موضوع المبادرة الروسية أتى في إطار مختلف تماماً.. طبعاً لا شك بأن جانباً من هذه المبادرة كان يهدف إلى استبعاد أي عمل عسكري، ليس فقط هذه الضربة وإنما أي عمل عسكري بشكل عام، لنقلِ القضية السورية من الإطار العسكري إلى الإطار السياسي.. هذا لا شك كان جانباً، ولكن هناك جوانب أخرى، الجانب الأهم، لاحظ بأن دخول الروسي إلى قمة العشرين كان دخولاً منعزلاً ومن خرج منعزلاً من هذه القمة هو الرئيس الأميركي وليس العكس، نحن الآن أمام توازن دولي جديد، وكانت المبادرة الروسية جزءاً من الأدوات السورية والروسية لتعزيز هذا التوازن الدولي الجديد بالشكل الذي يخدم مصالح سورية، فأن نقول بأن هذه المبادرة أوقفت الحرب هي نظرة محدودة وضيقة جداً وبعيدة عن الواقع وساذجة، هناك توازن دولي عُزز بعد هذه المبادرة.. كان من الضروري لسورية أن تقوم بالاستجابة لهذه المبادرة مع الأخذ بعين الاعتبار بأن السلاح الكيماوي تم إيقاف إنتاجه في سورية منذ عام  1997، وسورية في عام 2003 طرحت مبادرة لنزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط، أي أن سورية منذ ذلك الوقت مستعدة للتخلي عن هذا السلاح ولكن كان المطلوب أن نستخدم هذه الورقة في إطار آخر، أتت هذه الظروف المستجدة الآن لكي تجعلنا نستخدم هذه الورقة لموضوع مختلف ولكن يخدم الوضع السوري بشكل إيجابي.

غسان بن جدو: سيادة الرئيس، هل تعتقدون بأن مؤتمر جنيف2 سيحصل، وما قيل عن موعد في الثالث والعشرين والرابع والعشرين من تشرين الثاني. هل أُبلغتم به بشكل رسمي؟

الرئيس الأسد: لا، رسمياً لا يوجد أي موعد حتى هذه اللحظة.

غسان بن جدو: هل تعتقدون أن مؤتمر جنيف سينعقد.. سيتم؟

الرئيس الأسد: لا يوجد موعد، ولا يوجد عوامل تساعد على انعقاده الآن إذا أردنا أن ينجح. بمعنى من هي القوى المشاركة فيه؟ ما هي علاقة هذه القوى بالشعب السوري؟ هل هي قوى ممثِّلة للشعب السوري أم قوى ممثِّلة للدول التي صنعتها؟ إذا إرادت هذه القوى المساهِمة في المؤتمر أو في الحوار لاحقاً أن تطرح طرحاً ما، على أي أساس نستجيب لها كدولة.. من تمثِّل، هل تمثِّل شعباً؟ هل تمثِّل جزءاً من الشعب؟ ما هو الدليل على ذلك؟ هل لديها قواعد انتخابية واضحة ساهمت في تقديم ممثّلين لها في انتخابات أوصلت ممثلين لها في هذه الانتخابات. كيف يمكن لهذه القوى أن تكون ممثّلة للشعب وهي تعيش في الخارج.. لا تجرؤ على المجيء إلى سورية.. وهي تدّعي بأنها تسيطر على 70 بالمائة من الأراضي السورية؟ أسئلة كثيرة مطروحة حول المؤتمر.. ما هي هيكلية المؤتمر؟

غسان بن جدو: لكن معترف بها في الخارج.  الائتلاف الوطني أليس هو الائتلاف المعترف به الذي يعبّر عن المعارضة في الخارج؟

الرئيس الأسد: الحل السوري هو حل سوري بامتياز، وليس حلاً أجنبياً لقضية سورية.

غسان بن جدو: هل لديكم تحفظ حيال حضور بعض الأطراف مؤتمر جنيف؟

الرئيس الأسد: أولاً، نتحدّث عن بنية المؤتمر قبل أن نتحدّث عن التحفّظات، الحلّ يجب أن يكون حلاً سورياً سواء اعترف بها الخارج أم لم يعترف.. لايهمّ. المهم أن يعترف بها الشعب السوري. فلا قيمة لكل الاعترافات الخارجية بالنسبة لنا، سواء اعترفوا أو رفضوا لا يعنينا. القضيّة قضيّة سوريّة، وبيان جنيف نصّ في الفقرة الأولى على أن يكون الحل حلاً سورياً وتحدث عن رغبات الشعب السوري وإرادة الشعب السوري.. هذا ما يحدد هذا المؤتمر.  فأن يعقد هذا المؤتمر أو لا يعقد ليست هي القضية الأساسية، القضية الأساسية إذا عُقد المؤتمر هل ينجح أم لا ينجح؟ هذا هو السؤال. حتى الآن عوامل نجاحه غير متوفرة.

غسان بن جدو: لكن في كل الأحوال سيادة الرئيس، إذا كان سيعقد مؤتمر جنيف، هل ستشاركون؟

الرئيس الأسد: المشاركة ليس فيها مشكلة، وليس فيها محاذير، وليس لها شروط.

غسان بن جدو: هل تعتبرون بأن مخاض مؤتمر جنيف سيشكّل الحلّ السياسي بغطاء دولي للأزمة في سورية؟

الرئيس الأسد: إذا تضمّن مؤتمر جنيف وقف تمويل الإرهابيين فلا يوجد مشكلة في سورية. عندما يتوقّف تمويل الإرهابيين بالمال وإمدادهم بالسلاح ومساعدتهم على المجيء إلى سورية لا يوجد أي مشكلة في حلّ الأزمة في سورية. المشكلة السورية ليست معقّدة كما يحاول البعض إظهارها. التعقيدات تأتي من التدخّل الخارجي.. والحقيقة هي ليست تعقيدات.. هي إذكاء النار المشتعلة.

 غسان بن جدو: السيد الأخضر الإبراهيمي يفترض أن يزورك هنا في دمشق، تتوقعون منه شيئاً، تطلبون منه شيئاً؟

الرئيس الأسد: نطلب منه أن يلتزم بمهامه. أن لا يخرج عن إطار مهامه.

غسان بن جدو: بمعنى؟

الرئيس الأسد: هو مكلّف بمهمة وساطة، الوسيط يجب أن يكون حيادياً في الوسط، لا يقوم بمهام مكلّف بها من قبل دول أخرى، وإنما يخضع فقط لعملية الحوار بين القوى المتصارعة على الأرض، هذه هي مهمة الأخضر الإبراهيمي.

غسان بن جدو: حين تقولون هذا الكلام، هل بدر منه شيء في الماضي لا يوحي بوساطته وحياديته؟

الرئيس الأسد: الزيارة الأولى والثانية، كانت زيارات حوار ..

غسان بن جدو: لم يعرض شيئاً.. لم يقدّم شيئاً؟

الرئيس الأسد: في الزيارة الأولى والثانية.. لا.. في الزيارة الثالثة حاول أن يقنعني بضرورة عدم الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة عام 2014، وهذا الكلام كان في نهاية 2012، طبعاً كان جوابي واضحاً، هذا الموضوع موضوع سوري غير قابل للنقاش مع أي شخص غير سوري.

 غسان بن جدو: حاول أن يقنعك كشخص أو هذه مبادرة من الخارج.. طلبٌ من الخارج؟

الرئيس الأسد: هذا سؤال يُسأل للإبراهيمي..

غسان بن جدو: ماذا فهمتم؟

الرئيس الأسد: لم أحاول أن أفهم. الجواب كان واضحاً. سواء أكان منه أو من غيره. ولكن غالباً من الآخرين، لأن الولايات المتحدة تطرح هذا الكلام. والدول المعادية لسورية تطرح هذا الكلام. ماهذه المصادفة أن يطرح الإبراهيمي نفس الكلام؟ نأمل في هذه المرة أن يأتي الإبراهيمي ويعرف تماماً كيف يتم التعامل مع سورية، ويعرف تماماً حدود المهام المكلّف بها.

فاصل...

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.