مريم عبد الله
قرار الملك عبد الله جاء ليؤدّي وظيفة نمطيّة تشبه البيانات العسكريّة (أرشيف)
«حزب الله الحجاز» يعودُ للواجهة مجدداً. حقيقة أنه غير موجود على الساحة اليوم لم تحل دون إدراجه في قائمة المنظمات «الإرهابية» التي أعلنتها السعودية أخيراً. استحضار اسمه للإشارة إلى حزب الله اللبناني من دون ذكر اسمه لا يمكن استبعاده من نيات الحكم السعودي
«حزب الله في الداخل»، أو ما يُعرف بـ«حزب الله السعودي»؛ بقي مُحاطاً بالغموض قبل ما يقارب 3 عقود في إيران، حيث نشأ قبل أن ينتقل إلى دمشق في منتصف الثمانينيات، مستخدماً عنوان «حزب الله الحجاز»، وهي تسمية تنطوي على رفْض الحزب لمسمّى «السّعوديّة» والتّوصيف بها. اسمه يستدعي تلقائيّاً اسم «حزب الله» اللبناني، ويعتبره المراقبون شقيقاً أكبر للنّسخة السّعودّية. وما إحياؤه في قوائم «الإرهاب» السعودية إلا استحضار لبعده الإيراني وتشابهه مع سميّه اللبناني.
«حزب الله الحجاز» يعودُ للواجهة مجدداً. حقيقة أنه غير موجود على الساحة اليوم لم تحل دون إدراجه في قائمة المنظمات «الإرهابية» التي أعلنتها السعودية أخيراً. استحضار اسمه للإشارة إلى حزب الله اللبناني من دون ذكر اسمه لا يمكن استبعاده من نيات الحكم السعودي
«حزب الله في الداخل»، أو ما يُعرف بـ«حزب الله السعودي»؛ بقي مُحاطاً بالغموض قبل ما يقارب 3 عقود في إيران، حيث نشأ قبل أن ينتقل إلى دمشق في منتصف الثمانينيات، مستخدماً عنوان «حزب الله الحجاز»، وهي تسمية تنطوي على رفْض الحزب لمسمّى «السّعوديّة» والتّوصيف بها. اسمه يستدعي تلقائيّاً اسم «حزب الله» اللبناني، ويعتبره المراقبون شقيقاً أكبر للنّسخة السّعودّية. وما إحياؤه في قوائم «الإرهاب» السعودية إلا استحضار لبعده الإيراني وتشابهه مع سميّه اللبناني.
اللافت أن السّعوديّة لم تكن تعترف بـ«حزب الله» السعودي سابقاً، وهو ما يجعل إدراجه في القائمة محلاً لإثارة الأسئلة، وخاصة أن ليس له وجود على الأرض، ولا يملك واجهةً تنظيميّة، أو أفراداً يعبّرون عنه، ولا متحدثاً رسميّاً أو عنواناً معروفاً. يبدو واضحاً أنّ الدولة السعوديّة تحتاج إلى هذه «الدّعاية»، حيث لا تزال تضرب بيدٍ من حديد في كلّ مناطق المملكة، وتحاول جاهدةً إنهاء الحراك المطلبي في المنطقة الشرقية، الذي انطلق منذ أكثر من 3 سنوات.
كذلك الأمر بالنسبة إلى بيان «القائمة» الذي يظهر أنه محاولة لإرضاء مشاعر الغالبية السنيّة ضدّ الأقلية الشيعية «المشاغبة» شرق البلاد. كذلك يمكن أن يكون وسيلة لإحداث موازنةٍ نفسيّة داخل القاعدة الشّعبيّة التي يتوزّع هواها بين التنظيمات التي تضمنتها قائمة الإرهاب، على ما يعتقد البعض.
قرار الملك عبد الله جاء ليؤدّي وظيفة نمطيّة تشبه البيانات العسكريّة، ولكي يُسهم في إعادة ترسيم العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة. محاولة لإرضاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يزور المملكة اليوم، وبشروطٍ محدّدة: الإصلاحات الدّاخليّة ورفْض الإرهاب.
الإعلام السّعودي حاولَ تحريك اللّعبةِ بذكاء غير مكتمل، مستغلاً «ضبابيّة» التّنظيم المحلّي لحزب الله وغياب أيّ تمثيلٍ واقعي له يُتيح له الدّفاع الكامل عن نفسه. محاولة الخلط بينه وبين حزب الله اللبناني أخذت منحى اجتماعيّاً لدى البعض، إلى جانب التّهليل بخطوةِ وضْعه على القائمةِ السّعوديّة. استدعى ذلك أن يظهر المسؤول الإعلامي في وزارة الدّاخليّة، اللواء منصور التركي، في مداخلةٍ تلفزيونية، ويوضّح أنّ المقصود ليس هو حزب الله.
التاريخ «النّادر» المسجّل للتنظيمين: حزب الله السّعودي واللبناني، يشيرُ إلى بيانٍ وحيد مشترك بينهما، صدرَ في عام 1987 بعد «مجزرة مكة» المعروفة، التي أُعْدِمَ على أثرها 16 شابّاً كويتيّاً بتهمة نقل متفجرات. البيان خرج من بيروت، نافياً الاتّهامات الموجّهة إليهما، جملةً وتفصيلاً، قائلاً إنّ إعدام الكويتيين جاءَ بهدف تصفية شبابٍ ينتمون فكريّاً إلى الثّفاقة التي جاءت مع الثورة الإيرانية، لا غير.
حزب الله - الكويت الذي تفرّع عن ذلك التّنظيم؛ استطاعَ التّغلغل في أركان الدّولة. خلافاً لذلك، لم تسمح الدّولة السّعوديّةُ للحزبِ الحجازي بالظهور العلني، ليخرج الأخيرُ ببيانٍ يحملُ طابعَ المكان الذي وُلدَ فيه: «قمّ» الإيرانية، ويُعلن عن مهّمةٍ جديدة: استهداف المصالح السّعوديّة والأميركيّة في المنطقة. وهي فكرةٌ تتقاطعُ مع تنظيم «القاعدة» لاحقاً، في اعتبار القوات الأجنبيّة قواتِ احتلالٍ وأنّها تُهدّد الأمّة الإسلاميّة.
بدايةُ إعلان الجهاد ضدّ أميركا جاءت باهتة من جانب التّنظيم الذي لا يزال، حتى اليوم، من دون قياداتٍ حركيّة معروفة. الكثيرون يخلطون بين التّنظيم و«منظّمة الثّورة الإسلاميّة» التي قادها توفيق السيف والشيخ حسن الصفار، وهي منظّمة ذات طابعٍ «عسكريّ»، وانتهت بداية التسعينيات بعد «المصالحة التّاريخيّة» مع الملك السّابق فهد، وتبعها عفوٌ عام، وعودتهم إلى البلاد، وذلك ضمن مشروع «محاولة التّغيير» من الدّاخل، وبنفسٍ حقوقيّ سلميّ.
شبابُ القطيف (شرق السعودية) أبدوا حماسةً ملحوظة لتنظيم «حزب الله الحجاز»، وخصوصاً في سياق انتصار الثورة الإيرانية، حيث الحضنُ الشّيعي، والدّولةُ الفتيّة التي رعتها كاريزما قائدها الإمام الخميني. تداعى المئاتُ من القطيفيين في سعي (عاطفيّ في الغالب) لبناء جسرٍ تقليديّ حزبيّ مع الثّورة في إيران. انتهى ذلك الحلمُ بعد وفاةِ الخميني، واندلاع حربِ الخليج الثانية سنة 1990م. ورغم ذلك، بقي أحمد المغسّل، أحد أبرز قياديي التنظيم السعودي «غير معروف المصير»، بعد تسميته في قائمة الإرهاب الأميركية ضمن قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالية، إلى جانب عماد مغنية؛ القائد العسكري في حزب الله اللبناني الذي اغتيل بعد ذلك.
من النّاحية الفعليّة، انتهى النّظامُ السّعودي من حربه الصّغيرةِ مع حزب الله الحجاز في عام 1996، حيث اتُّهِمَ الحزبُ بعملية «تفجير الخبر» التي أدّت إلى مقتلِ تسعةِ عشر جنديّاً أميركيّاً. لم يجر حتى اليوم أي تحقيق جدّي في تلك العملية، والتحقّق من تركيبِ ملفّ الاتّهام لـ«خلية حزب الله». القيادات الشيعية ردّت برفض تلك الاتهامات، علماً أنّها أدّت إلى اعتقال المئات حينها من القطيف، ولا يزال تسعة رجال منها معتقلين حتّى اليوم، ويطالبُ الحراك الحالي بإطلاقِ سراحهم، تحت حملة تضامنيّة بعنوان «المنسيّون». فضائح التّلاعب بملفّ الاتّهام، وإخفاء الأدلة، وتغيير الوقائع... تناولها الفيلمُ الأميركي The Kingdom (إنتاج 2007)، بما في ذلك اعتراف زعيم القاعدة السّابق، أسامة بن لادن، بالعمليّة في إحدى مقابلاته، وتجنيده عدداً من «الأفغان العرب» لتنفيذها. إلا أن ذلك لم يخدم سجناء خلية الحزب المفترضة، وبقوا في المعتقل حتى الآن.
المصالحة بين «بقايا» الحزب والنّظام السّعودي في التّسعينيات، عادت لتفتحَ بعضَ ملفّاتها اليوم. وبحكم الاتفاق، من غير الممكن للنّظام العودة عنها، مهما تصاعد الحراك في القطيف، ومحاولات المملكة عسكرة الثّورة السورية، وفقدانها السّيطرة على ملف «المجاهدين السنّة» في تلك المنطقة. لا يُغيّر من الحال كذلك تزايدُ الغضبِ الأميركي ضدّ الفشل السّعودي في سوريا، وهو غضبٌ يُبرَّر بتنامي الحركات المتشدّدة. مسار الاتفاق كذلك لم يتأثّر مع اتّهام النظامِ بعض من مواطني المنطقة الشرقية بالمشاركةِ في القتال الدائر في سوريا، ولجوئه إلى فبركة خبر مقتل تسعة شباب سعوديين دفاعاً عن مرقد السّيدة زينب في الشام، حيث أعلن النّظام السّعودي عن شخص اسمه أحمد عدنان القرعوش، مدّعياً أنّه قُتِلَ في القصير (محافظة حمص). النّاشطون الشّيعةُ ينفون ذلك، ويؤكّدون عدم وجود عائلة «القرعوش» في القطيف. عند البحث عن القرعوش، يتبيّن أنّه طبيب سوري مواليد دمشق، قُتِلَ في منطقة السّيدة زينب في 3 أيار 2013، وكان في صفوف «كتائب كفيل زينب» التي نشرت مقاطعَ له بعد مقتله في تلك المنطقة.
جهودُ السّعوديّة في محاربةِ الإرهاب تأتي في وقتٍ يتزايد فيه حرْصها على البقاءِ في اللّعبة العالمية، ولكنها تصطدم بمحاولةٍ فاشلة هذه المرة. حربها المعلنة ضدّ تنظيم الإخوان المسلمين جعلها في مواجهةِ خلافٍ مع دولة قطر، الداعمة للإخوان، بمن فيهم بعض إخوان الخليج المنخرطين في السّياسة. أمّا حربها في وجه «داعش» و«النصرة»، فيتنافرُ مع تجيير منابرها الدّينيّة في الدّفاعِ عن تلك التّنظيمات، وحثّ الشّباب على الاشتراك فيها. لقد جاءت قائمتها الجديدة لتضمّ، أخيراً، الحزبَ الشّيعي الوحيد في المملكة الوهّابية، ولتضرب حراكاً لم يهدأ في المطالبة بسجنائه ورفع التمييز الطائفي. فهل ينجحُ النّظامُ السّعودي في القفز على أكثر من حبل، وسط مسرحٍ يعجّ بالسياسة المتغيرة، ومحاطٍ بصراعاتٍ وخصوم لا يرون أنّ الدّيكتاتورية الوهّابيّة تناسب مقاساتهم في لعبة الدّيموقراطيّة؟!_________
«الأخبار»
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات