محمد نور الدين
ليس من كلمة يمكن أن يصف بها «حزب العدالة والتنمية» الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمال الدين إحسان اوغلو، سوى انه «خائن».
فالرجل الذي اكتسب شهرة أثناء ترؤسه لمركز الدراسات التاريخية والفنون، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سابقا وعلى امتداد سنوات، ما كان ليكون أمينا عاما للمنظمة لولا ترشيح «العدالة والتنمية» له سابقا وتبنيه في إطار تعزيز الحضور التركي في العالم في سياق سياسة «العمق الاستراتيجي» التي اتبعها ولا يزال الحزب الحاكم في تركيا. ووزير الخارجية احمد داود اوغلو، الأكاديمي كان يدرك أهمية هذا النوع من الشخصيات لتمرير المشروع التركي.
ليس من كلمة يمكن أن يصف بها «حزب العدالة والتنمية» الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمال الدين إحسان اوغلو، سوى انه «خائن».
فالرجل الذي اكتسب شهرة أثناء ترؤسه لمركز الدراسات التاريخية والفنون، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سابقا وعلى امتداد سنوات، ما كان ليكون أمينا عاما للمنظمة لولا ترشيح «العدالة والتنمية» له سابقا وتبنيه في إطار تعزيز الحضور التركي في العالم في سياق سياسة «العمق الاستراتيجي» التي اتبعها ولا يزال الحزب الحاكم في تركيا. ووزير الخارجية احمد داود اوغلو، الأكاديمي كان يدرك أهمية هذا النوع من الشخصيات لتمرير المشروع التركي.
غير أن الرجل، ذا الطلة العثمانية والذي يعكس باقتدار صورة البيروقراطي التقليدي لكن الذكي في طريقة استخدام الموروث الإسلامي لتركيا لحماية هويتها في زمن الحملة العلمانية القاسية على الإسلاميين، خضع لموازين القوى، حيث ان من يتولى منصب الأمانة لمنظمة التعاون الإسلامي لا بد من أن يكون أكثر ولاء وانحيازا لصاحبة التمويل الأكبر للمنظمة، أي السعودية، من دون أن يقطع مع الدول الأخرى المؤثرة، ولا سيما إيران واندونيسيا وماليزيا وبالطبع تركيا.
لم يكن إحسان أوغلو من المتحمسين لنجم الدين أربكان، وكان مؤيدا للحالة الإسلامية، لكنه يرفض الاصطدام العلني بالمؤسسة العسكرية العلمانية، ويرى أن تكتيكات أربكان استفزازية ولا تخدم التخفيف من الضغوط على الحالة الإسلامية. لذا فقد كان إحسان اوغلو من المؤيدين لحركة التجديد في «حزب الرفاه» و«حزب الفضيلة» بقيادة عبد الله غول، ودعم بقوة سلطة «العدالة والتنمية»، وكان من ثمار ذلك ترشيح أنقرة له أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامي في العام 2005. وهو ما كان.
لذلك فإن قبول إحسان اوغلو اليوم ترشيح حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» له لخوض معركة الانتخابات لرئاسة الجمهورية، كان أيضا مفاجأة كبيرة. إذ يتعين عليه أن يخوضها ضد «رفاق السلاح» وإن لم يكن يوما حزبيا.
ولا يعني ذلك أن العلاقات بين الطرفين كانت جيدة في الآونة الأخيرة، إذ افترقت السبل بين رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان وإحسان اوغلو بعد الإطاحة بالرئيس المصري «الإخواني» محمد مرسي، والانتقاد اللاذع من جانب رئيس الحكومة لإحسان أوغلو كونه أمينا عاما لمنظمة التعاون الإسلامي، على الصمت على «انقلاب» عبد الفتاح السيسي. وربما من تلك اللحظة تغيرت وجهة احسان أوغلو في اتجاه الافتراق عن اردوغان وصحبه والميل أكثر للموقف السعودي من مصر.
غير أن مواقف إحسان اوغلو من الأزمة السورية لا تفترق عن اردوغان، وإن كان بصفته الرسمية أمينا عاما لمنظمة التعاون الإسلامي أقل حدة في المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد بشكل غير مباشر.
وبصورة ما يمكن اعتبار إحسان اوغلو مصريا، إذ ولد في القاهرة في العام 1943 وتعلم فيها وأنهى دراسته الجامعية في عين شمس والأزهر، والدكتوراه في أنقرة، وعمل بعدها في بريطانيا. وهو رجل علم قدير ومتميز، وله عشرات المؤلفات النوعية في الدراسات التاريخية والعلمية، وأولى العلاقات العربية التركية شأنا كبيرا في مسيرته العلمية.
مفاجأة اكمال الدين إحسان أوغلو أن ترشيحه جاء أولا من «حزب الشعب الجمهوري» العلماني، المتهم دائما بأنه الذراع السياسية للمؤسسة العسكرية في عز النفوذ العسكري في البلاد. أما تأييد «حزب الحركة القومية» له، في مؤتمر مشترك بين زعيمه دولت باهتشلي وزعيم «الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو فلم يكن مفاجئا، إذ ان إحسان اوغلو أقرب بما لا يقاس للقوميين منه إلى العلمانيين، علما بانه أكثر احتراما للعلمانية الحقيقية من قادة «العدالة والتنمية» الحاليين.
ووقوف باهتشلي وكيليتشدار اوغلو معا في صورة ترشيح إحسان اوغلو رسالة قوية من المعارضة إلى أنها جادة في طلب إسقاط اردوغان شعبيا هذه المرة. ورهان المعارضة الأساسي أن إحسان أوغلو في النهاية إسلامي الهوية ورفيق سابق لأردوغان وعبد الله غول واحمد داود اوغلو، ورجل علم له اعتباره الفعلي وبالتالي يستطيع أن يأخذ من قاعدة «العدالة والتنمية» بعض الأصوات مهما كانت قليلة، فالمعركة قد تحسم بنسبة ضئيلة بينهما، وكل صوت له أثره.
لكن التضحية الكبرى جاءت من «الشعب الجمهوري»، حيث ان إحسان اوغلو لا يمثل أبدا الخط الكمالي والأتاتوركي للحزب، وبالتالي من الواضح أن أولوية الحزب هي إسقاط اردوغان، ومن بعدها لكل حادث حديث، على اعتبار أن المطلوب إحداث اختراق في «الستاتيكو» السياسي القائم منذ العام 2003. كذلك فإن ترشيح إحسان اوغلو كإسلامي يمكن أن يشكل بديلا عن أردوغان لكل الإسلاميين الذي كانوا يقولون انه ليس من مرشح إسلامي بديل، لذا لا خيار سوى التصويت لأردوغان. أي أن إحسان اوغلو يمكن أن يأخذ من قاعدة اردوغان، وسينال تأييد كل الإسلاميين غير المنتمين إلى «العدالة والتنمية» أو المعارضين له، ولا سيما جماعة فتح الله غولين.
وفي هذه الحالة، إذا جمعنا أصوات هؤلاء قياسا إلى الانتخابات البلدية السابقة فإن حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» يحظيان بحوالي 42-43 في المئة من الأصوات. وإذا افترضنا أن الإسلاميين من غير «العدالة والتنمية» سيصوتون لإحسان أوغلو فقد ترتفع النسبة إلى 45 في المئة، وإذا خسر اردوغان من قاعدته واحدا أو اثنين في المئة تكون المحصلة أن إحسان اوغلو ينطلق من قاعدة مبدئية تقارب الـ 45-47 في المئة، بينما سينطلق اردوغان من 40-43 في المئة.
وهنا تبدو المعادلة مثيرة جدا. وهو أن الذي سيحسم المعركة هو الصوت الكردي المؤيد لزعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان، والذي يقارب 6 إلى 7 في المئة. وهنا قد يكون اردوغان أمام تنازلات مؤلمة جدا للأكراد ليكسب صوتهم، وإلا فإن رئيس «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي ارطغرل كوركتشي قال قبل أيام إن حزبه سيصوت لمرشح كردي في الدورة الأولى ولمرشح المعارضة في الدورة الثانية. وربما يكون هذا الكلام للضغط على أردوغان، لكن إذا صدق في كلامه فإن إحسان اوغلو سيكون الفائز حتما في الدورة الثانية. ولن يكون هناك في ظل الموقف الكردي فائز من الدورة الأولى.
سوف يتفوق اردوغان على إحسان أوغلو في المهرجانات الشعبية، فأردوغان اقتحامي له خبرة في التواصل مع الجمهور ومخاطبته، بينما يغلب على إحسان اوغلو الوقور في التحادث مع الآخرين، وعلى هذا قد لا يبدو شعبيا، وهذه نقطة لصالح أردوغان.
وإذا كان من كلمة ختامية فهو أن المعركة الرئاسية في تركيا ستكون حامية ومثيرة بين اردوغان وخطه وبين إحسان أوغلو، المدعوم ربما من الولايات المتحدة وبالتأكيد من السعودية ودول الخليج. وسوف يكون مثيرا للترقب أين ستكون إيران من هذه المعمعة المستجدة، وهي التي تمد اليد لأردوغان فلا يقابلها إلا بمد السلاح إلى سوريا والعراق.
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات