عبد الله سليمان علي
تختلط في معركة الغوطة الشرقية في ريف دمشق بين «جيش الإسلام» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» من جهة ثانية، الأبعاد الدينية والسياسية والعسكرية والشخصية.
وبينما سارع «جيش الإسلام» إلى التسويق عبر ماكينته الإعلامية لانتصارات حققها في المنطقة ضد «داعش»، تدل المؤشرات على أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، لا سيما في ظل أنباء تتحدث عن تعزيزات يحشدها «داعش» بقيادة أبو أيمن العراقي.
وأيّاً كانت المعطيات الميدانية الحالية، وحتى على فرض صحة الانتصارات التي يسوق لها زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش، فإنه من المتوقع أن تشهد مناطق الغوطة الشرقية، الواقعة تحت سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة، تصعيداً عسكرياً كبيراً في المرحلة المقبلة، لأن ما حدث ويحدث فيها ليس سوى بداية أو مجرد تسخين لأحداث جسام، قد لا تقل ضراوة عن أحداث المنطقة الشرقية.
وأيّاً كانت المعطيات الميدانية الحالية، وحتى على فرض صحة الانتصارات التي يسوق لها زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش، فإنه من المتوقع أن تشهد مناطق الغوطة الشرقية، الواقعة تحت سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة، تصعيداً عسكرياً كبيراً في المرحلة المقبلة، لأن ما حدث ويحدث فيها ليس سوى بداية أو مجرد تسخين لأحداث جسام، قد لا تقل ضراوة عن أحداث المنطقة الشرقية.
وإذا كان لا يوجد في الغوطة آبار نفط تستحق استعار القتال من أجلها، إلا أن لها أهمية دينية قد تعوض غياب النفط؛ إذ يعتقد «الجهاديون»، على مختلف انتماءاتهم التنظيمية، أن الغوطة الشرقية ستكون المنطقة التي يتجمع فيها المسلمون لمواجهة أعدائهم في الحرب الفاصلة الموعودة، والمسماة «يوم الملحمة الكبرى». ويستندون في ذلك إلى أحاديث مرويّة عن الرسول محمد كقوله: «يوم الملحمة الكبرى يكون فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ»، وقوله في تعداده لبعض مؤشرات اقتراب قيام الساعة «هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، يسيرون إليكم على ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة ويقال لها: دمشق». لذلك يتمسك هؤلاء «الجهاديون» بأن يكون لهم ولو موطئ قدم في الغوطة، كي يساهموا بحسب اعتقادهم في الملحمة الكبرى ضد بني الأصفر!
وإذا كانت بعض الفصائل تستخدم الأحاديث النبوية السابقة لغرض التحريض وشحذ الهمم، من دون قناعة تامة بصحة إسقاطها على الواقع الحالي، فإن فصائل أخرى يأخذها إيمان مطلق بحرفية تلك الأحاديث، ولا تقبل أي جدل في صحتها وصحة إسقاطها، مثل «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» ذات الانتماء السلفي «الجهادي القاعدي».
ولم يعد خافياً أن الغوطة الشرقية كانت من أوائل المناطق السورية التي شهدت حشداً كبيراً لـ«جهاديي» العالم من مختلف الجنسيات، وهو ما رشّحها خلال السنتين الماضيتين لتكون ميدان معارك عدة مهمة وقاسية خاضها الجيش السوري ضد هذه الفصائل، التي كانت تتلقّى دعماً غير محدود من قبل أجهزة استخبارات عديدة بهدف إسقاط مدينة دمشق، وبالتالي إسقاط نظام الحكم.
ورغم الحروب المستعرة مع الجيش السوري طوال الوقت تقريباً، إلا أن الغوطة كانت كذلك الميدان الذي شهد الولادة غير العلنية لأول الخلافات بين الفصائل «الجهادية» بعضها بالبعض الآخر، وتحديداً بين «جيش الإسلام» (كان اسمه «لواء الإسلام») من جهة، وبين «جبهة النصرة» قبل وقوع الخلاف بينها وبين «داعش» من جهة أخرى.
فقد كان «مفتي جيش الإسلام» أبو عبد الرحمن الكعكي أول من اتهم «جبهة النصرة» بأنهم خوارج العصر وينبغي التخلص منهم، بل إنه في إحدى خطبه وصف زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني بأنه «شاب متمايع يرتدي الجينز». في المقابل كان «أمراء» من «جبهة النصرة»، وعلى رأسهم عبدالحكيم الموحد (الذي قتل في جوبر في تموز الماضي) يتهمون زهران علوش بالانسحاب الدائم من أرض المعركة، وتسليم أكثر من منطقة للجيش السوري، تاركاً «المجاهدين» مكشوفي الظهر، كاتهامه بالانسحاب من دير سلمان العام الماضي مع بداية حملة الجيش السوري على الغوطة. وأشار الموحد إلى أن تكديس علوش للأسلحة في مخازنه ليس له سوى هدف واحد هو قتال «المجاهدين».
ورغم أن زهران علوش حاول، قبل يوم واحد من الإعلان عن تأسيس «الجبهة الإسلامية» في تشرين الثاني الماضي، ترطيب الأجواء مع «جبهة النصرة»، كونها ستكون حليفة «الجبهة الإسلامية»، وإن لم تنتمِ إليها رسمياً، وذلك من خلال لقاء صحافي مسجل قال فيه ما معناه إن «النصرة» إخوان لنا، وأنه اجتمع مع الجولاني، مقللاً من أهمية كلام مفتيه الكعكي، لأن المقصود من وصف الخوارج بحسب تفسيره هم عناصر «داعش» الذين انشقوا عن «النصرة» بعد الخلاف (الفتنة) الذي حدث في نيسان العام 2013، ولكن فات علوش أن «مفتيه» لم يوفر الجولاني نفسه حيث وصفه بالمتمايع، مع أن الجولاني لم ينشق عن «النصرة»!
ولأن علوش يدرك تماماً أن تصريحاته التي اضطر إليها لتمرير صفقة إنشاء «الجبهة الإسلامية» بتوجيهات مباشرة من الاستخبارات السعودية، التي كانت تخطط في تلك الفترة لمواجهة مؤتمر جنيف ومسار مكافحة الإرهاب، لم تقنع قادة وعناصر «جبهة النصرة» في الغوطة، وبقيت نار الخلافات كامنة تحت رماد المصالح الوقتية، فقد اتخذ منذ بداية مواجهته الحالية مع «داعش» موقفاً رافضاً لمشاركة «جبهة النصرة» في قتال «داعش»، متخوفاً من صحة ولائهم، لا سيما بعد مبايعة «أمراء النصرة» في البوكمال لزعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، وما استتبع ذلك من سقـوط كامــل ريف دير الزور بيد من يصفــهم بالخوارج.
والأنكى بالنسبة لعلوش أنه لا يستطيع كذلك أن يثق بعناصر «أحرار الشام»، وإن كان يثق بقيادتهم، لأنه يعرف أن الكثير من «الأحرار» ما زالوا ينظرون إلى «داعش» على أنهم «إخوة في المنهج» ولا يجوز قتالهم.
لكل ذلك يسعى علوش جاهداً لإنهاء معركة الغوطة الشرقية ضد «خوارج العصر» كما يسميهم، قبل أن تتطور الأمور وتتقلب القلوب وتتغير الولاءات ويحدث في الغوطة سيناريو المنطقة الشرقية نفسه. ولكثرة حماسة علوش، بدا في الأيام الأخيرة كمن يقاتل طواحين الهواء وينسب لنفسه انتصارات كبيرة، لمجرد اقتحام مقر صغير من مقار «داعش»، بينما تشير المعطيات كافة إلى أن «داعش» لم يلتفت بعد لما يجري في الغوطة بسبب انشغاله في الموصل وترتيب الأوضاع في دير الزور.
ولكن قد يكون تسريب إعلاميي «داعش» أمس خبر إرسال أبو أيمن العراقي إلى الغوطة، في تذكير واضح ببداية الأحداث في دير الزور عندما أرسل العراقي من الساحل السوري إلى المنطقة الشرقية ليقود المعارك فيها، بداية التفات «داعش» إلى أحداث الغوطة الشرقية. فهل يشعل أبو أيمن العراقي الغوطة كما أشعل المنطقة الشرقية؟
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات