الجمعة، 19 سبتمبر 2025

الإمكانات التحويلية لمعاهدة الدفاع السعودية–الباكستانية

    سبتمبر 19, 2025   No comments

توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في 17 سبتمبر 2025 بين السعودية وباكستان هو أكثر من مجرد لفتة رمزية للصداقة بين شريكين قديمين. إنها تمثل نقطة تحوّل في بنية الأمن في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وتبعث برسالة واضحة أن الافتراضات القديمة حول الاعتماد على الحماة الخارجيين، والانقسامات الطائفية، والتحالفات الإقليمية باتت تُعاد صياغتها. لفهم أهميتها الحقيقية، يجب النظر إليها لا كنهاية بحد ذاتها، بل كبداية لمسار مرشح للتوسع—وإذا ما شمل هذا التوسع إيران، فإن التداعيات ستكون تحوّلية بكل معنى الكلمة للمنطقة والعالم.

على مدى عقود، عملت السعودية وباكستان بشكل وثيق في قضايا الأمن، حيث وفّرت باكستان التدريب العسكري والخبرة، فيما قدمت السعودية الدعم المالي والسياسي. ومع ذلك، فإن تقنين التزام متبادل وملزم بالدفاع المشترك يُعد سابقة تاريخية. فبعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، وتصاعد عدم الاستقرار في الخليج، وتزايد الشكوك حول موثوقية الضمانات الأمنية الأميركية، جاء هذا الاتفاق ليعلن أن الدولتين مستعدتان لإعادة تشكيل مستقبلهما الأمني وفق شروطهما الخاصة. لغة الاتفاق الدفاعية واضحة، لكن رسالته الضمنية أشد حدة: أي عدوان على أي من الدولتين سيستدعي ردًا مشتركًا، ما يرفع من كلفة أي تصعيد يخطط له طرف خارجي.

لكن الوزن الحقيقي لهذا الاتفاق يتضح أكثر عند النظر إلى احتمالية توسعه. فإيران، التي طالما صُوّرت كمنافس للسعودية في المنطقة، أبدت مؤخرًا رغبة في استكشاف ترتيبات أمنية تعاونية. وإذا انضمت طهران إلى مثل هذا الإطار، فإن خط الانقسام الطائفي الذي شكّل السياسة الإقليمية لعقود سيتداعى. وستصبح الدول السنية والشيعية مرتبطة بالتزامات دفاعية مشتركة، ما يقوّض الطائفية التي غذّت الحروب بالوكالة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومزّقت النسيج الاجتماعي لباكستان نفسها عبر هجمات متكررة من الإرهاب الطائفي. إن كلفة هذا العنف—بشريًا واقتصاديًا وسياسيًا—أثقلت كاهل المنطقة طويلاً. واتفاق يردم الهوة الطائفية سيغير بشكل جذري الحوافز التي أبقت تلك الصراعات مشتعلة.

التداعيات ستتجاوز العلاقات الطائفية وحدها. فمحور دفاعي يضم السعودية وباكستان وإيران سيردع المعتدين الخارجيين عبر رفع كلفة أي هجوم إلى مستوى رد مشترك. وسيقلّص مساحة الحروب بالوكالة التي طالما استغلتها القوى الخارجية لبسط نفوذها، فيما سيعيد توازن القوة بين المنطقة والقوى العالمية التي تدخلت طويلاً في شؤونها. بالنسبة لواشنطن وموسكو وبكين ونيودلهي، فإن ظهور كتلة متماسكة تتجاوز الطائفية سيفرض إعادة تفكير جذرية في استراتيجياتها. أما بالنسبة لإسرائيل، التي اعتمدت لعقود على الانقسام الإقليمي للحفاظ على تفوقها الاستراتيجي، فإن ظهور جبهة موحدة من القوى الإسلامية الكبرى سيكون واقعًا جديدًا تمامًا.

مثل هذا التطور سيغير أيضًا الديناميات الداخلية في المنطقة. الجماعات الإرهابية التي تعيش على الانقسامات الطائفية ستفقد سردياتها الدعائية. وستستقر التجارة وتدفقات الطاقة والتعاون عبر الحدود تحت مظلة الدفاع المشترك. ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة. فالاتفاقات الدفاعية الملزمة تحمل خطر أن تتحول الحوادث الصغيرة إلى صراعات أوسع، خاصة عندما تكون القدرات النووية جزءًا من المعادلة. وستكون مساحة الخطأ في مثل هذا النظام ضيقة للغاية.

ومع ذلك، إذا انضمت إيران إلى السعودية وباكستان في هذا الاتفاق، فسيُعد ذلك من أعمق التحولات في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. وسيستبدل العداء الطائفي بمصلحة أمنية مشتركة، ويقلل من نفوذ القوى الخارجية التي طالما فرضت إرادتها على المنطقة، ويفتح المجال لاحتمال استقرار أكبر لشعوب لم تعرف سوى القليل منه خلال العقود الأخيرة. إن اتفاقية السعودية–باكستان ليست مجرد ورقة جديدة في سجلات الدبلوماسية، بل هي الفصل الأول من قصة قد تنتهي بمنطقة شرق أوسط معاد صياغتها—لا منقسمة على أسس مذهبية، بل موحدة بموجب الدفاع المشترك.

الإقليمية في حالة تحول منذ شهور، وربما يسرّع الهجوم على قطر من وتيرتها

زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران في أبريل 2025 شكّلت نقطة تحوّل في دبلوماسية المملكة الإقليمية. فللمرة الأولى منذ عقود، التقى القادة السعوديون والإيرانيون على مستوى مؤسسات الدفاع، في إشارة إلى أكثر من مجرد هدنة بين خصمين تاريخيين، بل إلى استعداد لتصور مستقبل قد يخفف من حدّة عقود من العداء. وذهبت إيران إلى حد التعبير عن استعدادها لمشاركة بعض إنجازاتها مع الرياض، وهي إشارة مليئة بالرمزية في منطقة نادرًا ما يسود فيها الثقة وكثيرًا ما يلوح شبح المواجهة. حينها، تساءل المراقبون إن كانت تلك الزيارة بداية حقبة جديدة أم مجرد استراحة تكتيكية في منافسة طويلة.

يجب النظر إلى هذا التطور في سياق الأحداث الأخيرة في المنطقة خلال الأشهر الماضية، بدءًا من الاتفاق السعودي–الإيراني الذي توسطت فيه الصين، والذي توّج بزيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران في الربيع الماضي. وقد أبرزت تلك الخطوات استعداد الرياض لتنويع شراكاتها وتقليل تعرضها لعداء مفتوح مع منافسها الإقليمي الأهم.

الجواب عن اتجاه هذه الاستراتيجية بدأ يتضح مع الإعلان عن اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان. فالصفقة تتجاوز لغة التعاون العادية: أي هجوم على إحدى الدولتين سيُعتبر هجومًا على الأخرى. وقد صرّح مسؤولون باكستانيون صراحة أن القدرات النووية لبلادهم مشمولة ضمن هذا التفاهم، وهو توسع دراماتيكي في المظلة الأمنية المتاحة للرياض. بالنسبة للسعودية، يُعد الاتفاق تحولًا عميقًا. فهو يوضح أنه رغم سعي المملكة للتقارب مع إيران، إلا أنها لا تعوّل على حسن النوايا وحده لبقائها. بل تعزز ردعها بقوة باكستان العسكرية الكاملة، بما في ذلك التهديد الضمني بالردع النووي.

معًا، يشير هذان التطوران إلى أن السعودية ترسم عقيدة أمنية أكثر مرونة وتعقيدًا من أي وقت مضى في تاريخها الحديث. فمن ناحية، تسعى إلى تهدئة التوترات مع إيران، إدراكًا منها أن العداء المستمر مع جارتها الشمالية استنزف مواردها وكشف عن مواطن ضعفها. ومن ناحية أخرى، فقد ضمنت تحالفًا متينًا مع باكستان، إحدى الدول الإسلامية القليلة التي تمتلك أسلحة نووية، والتي لطالما ربطتها علاقات وثيقة بالدولة السعودية. هذا المسار المزدوج ليس تناقضًا، بل استراتيجية. فالدبلوماسية مع إيران تقلل من خطر الحرب العرضية، بينما يعزز الاتفاق مع باكستان الردع ضد التهديدات الخارجية، سواء كانت من إسرائيل، أو من جهات غير حكومية، أو من تقلبات السياسات الدولية.

التداعيات تتجاوز بكثير الرياض وإسلام آباد. بالنسبة لطهران، وفرت زيارة أبريل طمأنة بأن السعودية لا تصطف حصرًا مع خصومها. ومع ذلك، فإن اتفاقية السعودية–باكستان تبعث أيضًا برسالة: إن التقارب مع إيران لن يترك المملكة بلا دفاع إذا تعثرت الدبلوماسية. أما بالنسبة للهند، فإن الواقع الجديد يثير القلق. فقد بنت نيودلهي علاقات اقتصادية واستراتيجية مع الرياض، لكنها لا تستطيع تجاهل أن خصمها الرئيسي، باكستان، قد نسج مظلته النووية في صلب الأمن السعودي. والولايات المتحدة أيضًا يجب أن تقرأ هذه التحركات كإشارة إلى أن دورها التقليدي كضامن نهائي لاستقرار الخليج لم يعد مضمونًا.

ما يتشكل هنا ليس مجرد انتقال من معسكر إلى آخر، بل رسم ملامح نظام أمني متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط. السعودية ترفض أن تُحاصر في خيارات ثنائية. إنها تبني موقفًا يجمع بين الحوار والردع، المرونة والحزم، الطمأنة والاستعداد. وإذا ما أُدير هذا التوجه بحكمة، فقد يُدخل المنطقة في توازن أكثر استقرارًا، حيث تُحل النزاعات عبر الدبلوماسية وتُردع العدوانية بتهديدات موثوقة. أما إذا أُسيء فهمه، فقد يغذي عدم الثقة ويشعل دوامة من التصعيد. في كلتا الحالتين، فإن الجمع بين التقارب مع إيران والتحالف مع باكستان يمثل لحظة فاصلة: السعودية لم تعد تكتفي بدور المتلقي السلبي لضمانات الأمن. إنها الآن مهندس لبنية دفاعية جديدة قد تعيد رسم ملامح المنطقة بأسرها.

عدوى عقلية "أنا أولًا"

لأكثر من سبعين عامًا، كانت السعودية شريكًا موثوقًا للولايات المتحدة، وكانت السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة تُدار بهدوء من خلال الحكام السعوديين. استثمرت الرياض بكثافة في دول الشرق الأوسط التي اتبعت نهجها، ولوّحت بعقوبات العزلة أو الضغط الاقتصادي ضد الدول التي قاومتها. كان الاتفاق الضمني بسيطًا: تضمن السعودية تدفق النفط بأسعار مستقرة ومعقولة، بينما تقدم الولايات المتحدة للمملكة السلاح والدعم السياسي وضمانات الأمن. هذا الترتيب، الذي صمد عبر الحروب والأزمات، يبدو الآن أنه يتعرض للاهتزاز.

وتفاقم الضغط خلال الولاية الثانية لدونالد ترامب وتبنيه الصريح لعقيدة "أمريكا أولًا". فقد أوضح هذا التحول لكثير من قادة المنطقة أن التزامات واشنطن الأمنية لم تعد مضمونة، وأن الدعم الأميركي سيكون مشروطًا وليس تلقائيًا. وكما أعلنت الولايات المتحدة حقها في وضع مصالحها أولًا، بدأ حلفاؤها في الخليج بتطبيق المنطق نفسه. ما بدأ بهدوء كمحاولة لتنويع الاقتصادات، يتجلى الآن كدفع لتنويع التحالفات العسكرية. فمن خلال التحالف مع باكستان، والانفتاح على إيران، والنظر شرقًا نحو الصين، تطبق السعودية فعليًا مبدأ "نحن أولًا" في علاقاتها الخارجية. وبهذا المعنى، فقد أثبت موقف ترامب أنه معدٍ، إذ شجع الحلفاء على التفكير خارج حدود الأمن المتمحور حول الولايات المتحدة، وبناء شبكات مرنة تخدم أولوياتهم الخاصة. إن هذه العدوى من التفكير الذاتي هي إحدى القوى الخفية التي تدفع التحول الإقليمي والعالمي المتمركز حاليًا في الخليج.

ما يتشكل هنا ليس مجرد انتقال من معسكر إلى آخر، بل رسم ملامح نظام أمني متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط. السعودية ترفض أن تُحاصر في خيارات ثنائية. إنها تبني موقفًا يجمع بين الحوار والردع، المرونة والحزم، الطمأنة والاستعداد. وإذا ما أُدير هذا التوجه بحكمة، فقد يُدخل المنطقة في توازن أكثر استقرارًا، حيث تُحل النزاعات عبر الدبلوماسية وتُردع العدوانية بتهديدات موثوقة. أما إذا أُسيء فهمه، فقد يغذي عدم الثقة ويشعل دوامة من التصعيد. في كلتا الحالتين، فإن الجمع بين التقارب مع إيران والتحالف مع باكستان يمثل لحظة فاصلة: السعودية لم تعد تكتفي بدور المتلقي السلبي لضمانات الأمن. إنها الآن مهندس لبنية دفاعية جديدة قد تعيد رسم ملامح المنطقة بأسرها.

ISR Weekly

About ISR Weekly

هيئة التحرير

Latest
Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.