‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلفية الجهادية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلفية الجهادية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 8 سبتمبر 2016

الأرضية الحالية لعنف (بعض) المسلمين: لماذا أصبح من السهل على (بعض) السلفيين إقناع (بعض) الشباب بالعمليات الانتحارية؟

    سبتمبر 08, 2016   No comments
داعش تغلي لحج الموت المدبرين من المعارك
بقلم شبل سبع*

منذ فترة من الزمن، لعلّ بداياتها تقع في أوائل الثمانينيات، أصبح الإسلام مرتبطاً بالعنف. حدث ذلك في الدول ذات الأكثرية المسلمة كما في الدول حيث هم أقلية. الدين بذاته لا يستطيع أن يفسر الأمر، بل إنّ ظهور العنف ترافق مع محطات تاريخية لتطوّر الرأسمالية. وكإطار عام، يَظهر أثر التهميش الكبير الذي لحق بفئات اجتماعية أساسية نتيجة العولمة الليبرالية، وعلى الرغم من التراكم المالي الكبير لدى الدول النفطية.

الدين كحافز؟


لم تكن الفِرقُ التي تلجأ إلى العنف كوسيلة لإقامة سلطة إسلامية أو لمحاربة الغرب، دائماً مؤثرة سياسياً. كيف إذاً نفسر أن أرضية أكثر أعمال العنف السياسية أصبحت إسلامية في كل أنحاء العالم، ولماذا أصبح من السهل على (بعض) السلفيين إقناع (بعض) الشباب بالعمليات الانتحارية؟
 
الجواب ليس بسيطاً! من الواضح أن الثقافة الإسلامية وثقافات المسلمين مهمَّشة عالمياً، وأن الشعوب المسلمة تقف خارج التاريخ العصري والحضارة الحالية! نرى ذلك بشكل واضح في الفنون والأدب والموسيقى والتكنولوجيا ومستوى الجامعات والمدارس إلخ.. وإن وُجد مسلمون منخرطون ثقافياً في هذه العولمة فهم طيور يغرّدون خارج سربهم، ولا يمكن لمجتمعاتهم الاستفادة منهم إلّا جزئياً وعرضياً.
 
هذا التهميش الثقافي حصل أيضاً في أواخر الإمبراطورية العثمانية، وكانت ردة فعل المجتمعات المسلمة الانفتاح النسبي على ثقافة الغرب، وخاصة عبر حركات التحرر الوطني التي استطاعت وقف الإحباط الفكري والثقافي الذي عانى منه المسلمون العرب، إذ تبنّت البنية المؤسسية الغربية على الصعيد الثقافي والحقوقي والاقتصادي.
لكن، هذا التهميش الثقافي/ الفكري الجديد لا يكفي لتفسير ظاهرة العنف تلك. والهزيمة الثقافية قد تؤدي بالعكس إلى ظاهرة لا عنف كما حدث مع المتصوّفة. يبقى أن التهميش الثقافي والإحباط المتولد عنه ترافق مع تهميش آخر..

الاقتصاد كمفسّر؟

قد يُقال إنّ الدين الإسلامي هو الذي منع المناطق الإسلامية أو الأقليات المسلمة من الدخول في المنظومة العالمية، لأنه يشجع على التجارة ويمنع الدَين، ويحول بالتالي دون أي مراكمة على المدى الطويل. صحيحٌ أنّ التجارة محبّذة لأنها كانت مساهِمة في نشر الدين في إفريقيا وسواحل آسيا. إلّا أن ذلك كله حصل قبل الثورة الصناعية، ولا القرآن ولا التقليد يمنعان الصناعة. أما بالنسبة للعوائق المالية (منع الفائدة)، فهذا يدعو إلى نموٍّ اقتصادي غير مالي كما حصل في ألمانيا وكوريا والصين، وليس على شاكلة النموذج الأنجلو - ساكسوني السابق. ومن تجربة الأمم، نرى أن أهم سبب للتطور الثقافي والتكنولوجي هو الاستثمار (الثابت، الطويل الأمد)، سواء أكان ذلك على مستوى الحكومات أو الأفراد.
 

لماذا أصبح من السهل على (بعض) السلفيين إقناع (بعض) الشباب بالعمليات الانتحارية؟

إلّا أن رؤوس الأموال الإسلامية، حيثما وجدت، وهي بشكل أساسي عربية، استُثمرت خصوصاً في المدارس الدينية (من أفغانستان إلى تركيا)، أو لتمويل حكومات الدول الغربية عبر شراء سندات الخزينة، وتمويل قطاعها الخاص من خلال المَحافظ السيادية المستثمَرة في الشركات الأجنبية.. المدرسة الدينية مفيدة لمحو الأمية، حتى لو كانت في لغة غير لغة البلد (باكستان ومالي ونيجيريا..)، إلّا أنّ ذلك لا يؤمن النمو الاقتصادي. يبقى أن رأس المال الخاص الذي استُثمر داخلياً، وُجِد أكثره في قطاعات غير ذات نمو كبير: القطاع العقاري والسياحي، أو قطاع الخلوي والإنترنت، حيث لا سيطرة على التكنولوجيا أو منافسة تسمح بالنمو الاقتصادي. ومع خصخصة التعليم أكثر فأكثر، اتّجهت بعض الرساميل إلى القطاع التعليمي، وبالأكثر في العلوم غير المطوِّرة للتكنولوجيا (العلوم الإنسانية).
 
معنى هذا أنّه عندما توفّرت الأموال في بلاد ذات أكثرية مسلمة، خاصّة تلك النفطية، فهي لم تُستثمر في القطاعات التي تؤمِّن النمو الاقتصادي وفرص العمل، أو تحفِّز على التطور التكنولوجي الذاتي.. هذا بالإضافة إلى عُقم الاستثمارات الخارجية. ويجب الاعتراف أنّ آخر محاولات للتطوير الذاتي انتهت في أواخر القرن التاسع عشر مع محمد علي، وبدرجة أقلّ مع استقلال الدول التي اتّجهت لتبني النموذج التنموي المنغلق (الناصري والبعثي)، وذلك قبل سنوات من انتهاء الاتحاد السوفياتي.
 
مؤشر واحد يمكنه أن يفسّر لنا مدى النقص في حجم الاستثمار في المنطقة العربية، وبالتالي حجم البطالة: فكوريا الجنوبية وحدها تستثمر بما يعادل حجم الاستثمار في المشرق العربي برمّته. النتيجة: نشوء طبقة من الأغنياء حول العولمة والليبرالية (التجارة والخصخصة)، وهي نفسها تشكّل قسماً من الطبقة السياسية، أو المشارِكة لها مباشرة، كما هو واضح في لبنان ومصر وسوريا وحتى تركيا وتونس...، أَهملت أرياف المدن الكبرى والمدن الصغرى (اقتصادياً وثقافياً). فكان ذلك من أهم أسباب "الربيع العربي".

 
ترافق التهميش الثقافي، والإحباط المتولّد عنه، مع تهميش آخر هو نتاج لاقتصاد العولمة النيوليبرالية..
 


إلّا أن هذه الانتفاضات ما كانت إلاّ "سوء تفاهم تاريخي". فهي منتفِضة ضد العولمة الليبرالية، ولكنّ ما فعلته هو أنّها همّشت بلدانها أكثر. أو عندما انتصرت مؤقتاً، سارعت لتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي (الإخوان في مصر والنهضة في تونس) الذي يدفع بدوره إلى لبرلة أكثر، وعولمة، وبالتالي تهميش أكثر وعنف (أكبر)، وهذا ما يحصل أيضاً في بلد كتركيا، إذ إنّ أردوغان لا يفعل غير قطع الغصن الذي يجلس عليه.


المسلمون في البلدان الغربية

إذا كان الاستثمار، أو بالأحرى غيابه، يفسر تهميش شريحة كبيرة في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية، فكيف يفسَّر ذلك في الغرب المتطوّر، حيث حجم الاستثمار كبير؟ المسلمون الموجودون في الغرب، سواء في فرنسا أو انكلترا أو ألمانيا أو بلجيكا.. هم نتاج هجرة اقتصادية استفادت منها الصناعات الغربية كيد عاملة رخيصة في بدايات العولمة. إلّا أنّ فتح الباب لانتقال الرساميل بحريّة من بلد إلى آخر أدّى إلى انتقال الصناعات بحد ذاتها، مع الرساميل، إلى الخارج. فبقي أولاد العمّال المسلمين من الهجرة الأولى دون عمل يُذكر (البطالة قد تصل إلى 35 في المئة عند الشباب، وهي ضعفان أو ثلاثة أضعاف معدّل البطالة في تلك البلدان)، إذ تخلّت أكثر البلدان الغربية عن القطاعات التي تتطلّب كثافة عمّالية. إذاً هناك شريحة اجتماعية كبيرة لا تتكلّم العربية ولا تتقن في الوقت نفسه لغة البلد بشكل جيد (على الرغم من أنّها تحلم بلغته)، مهمّشة ثقافياً وعاطلة عن العمل، تنتهي في قسم منها إلى ممارسة أعمال غير قانونية، وفي نهاية المطاف إلى أعمالٍ إرهابية تحت غطاء إسلام يعطيهم دوراً، مع أنّهم لا يفقهون شيئاً في الدّين في أكثر الأحيان (مطبقين قول ابن تيمية :"فمن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد"!). وهنا أيضاً، لم تعمد الحكومات المعنية إلى تدارك نتائج العولمة ولا إلى الاستثمار الكثيف في العلم والعمل حيال هذه الشريحة الاجتماعية (خاصة في فرنسا وبلجيكا). يبقى أن المنتحرين يصبّون غضبهم على من "لا ناقة له ولا جمل"، بينما منافسهم الفعلي، الذي يأخذ منهم فرصة العمل، موجود في الصين.

خلاصة
التهميش هو السبب الأساسي للعنف، إذ غابت أو ضعفت كل المؤسسات التي تسمح لشريحة اجتماعية كبيرة عاطلة عن العمل وغير متعلّمة أن تعيش بكرامة. حُصِر الدخل القومي بقلة من الناس دون أيّ آليّة لإعادة توزيعه عبر الدولة، بل بالعكس، فالذي حصل هو انحسار معونات الدّول بناءً على طلب صندوق النقد الدولي. 

 إذاً فما هي المشكلة؟ ليست في الدِين إنّما في ما يفعله أصحاب القرار، سواء أكانوا حكومات أو أفراد. فبدلاً من تمويل مدارس دينية ومحافظ أجنبية وعقارات، أليس من الأولى تمويل مدارس وجامعات تقنية (حتى ولو في الغرب، وبشروط)، ومشاريع صناعية تمتص اليد العاملة وتستطيع أن تنافس حتى الصّين في بعض القطاعات.. استثمارات طويلة المدى تعطي مردوداً بشقّيها الاقتصادي والإنساني في أقلّ من جيل واحد. فالاستثمارات في مقهى الـ Fouquets على جادة الشانزليزيه الباريسية، وفي الكُرة (شراء فريق فوتبول PSG الباريسي) غير مفيد للأجيال المقبلة. وربما يستطيع أحد أشهر وأكبر المستثمرين العرب في الولايات المتّحدة أن يجلب بعض التكنولوجيا إلى المنطقة بدلاً من أن يتباهى باستثماراته التي تستطيع الإدارة الأميركية أن تؤممها أو تمنع التصرف بها في أي لحظة، كما حصل مع إيران أو مع صدام حسين، خاصة أنّ هناك بوادر خلافات كبيرة بين أصحاب الأموال هؤلاء والغرب.

_____________________________
* أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون - باريس

الاثنين، 15 أغسطس 2016

حلب تكشف بذور الانقسام في «جيش الفتح»... وموقف السلفية من الديمقراطية وصوت الشعب في الحكم يعصف بهم... وخلافات النصرة وأحرار الشام تتفاعل

    أغسطس 15, 2016   No comments
حلب تكشف بذور الانقسام في «جيش الفتح» والسعودي عبدالله المحيسني يريد الانفراد بقيادة الجماعات السلفية باسم "اهل السنة"، ويريد «جيش الفتح» نواة لهذا الجيش الموحد.
___________________

يواصلُ الجيش السوري عملية ترميم «ثغرة الراموسة» بهجمات برّية متواصلة مدعومة بتغطية جوية كثيفة وقصف مدفعي على مدار الساعة، فيما تحاولُ الجماعات المسلحة امتصاص الصدمة الخفية التي تعرضت لها بُنية «جيش الفتح» في أعقاب فشله في مواصلة التقدم الميداني على غرار ما حصل في محافظة إدلب قبل عام ونيف، الأمر الذي أكسبه في حينه شهرةً واسعة باعتباره أبرز تحالف عسكري ضد الجيش السوري والأكثر فاعلية.
وتزامن ذلك مع استعار خلافات عميقة بين تيارات متباينة داخل أبرز جماعتين من مكونات «جيش الفتح»، وهما «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، على خلفية عناوين سياسية متعلقة بما تسرّب حول موافقة «أحرار الشام» على الانخراط في العملية السياسية على قاعدة إحياء الدستور السوري للعام 1950 الذي يتبنى النظام البرلماني كنظام حكم للبلاد، مقابل ارتفاع بعض الأصوات في الجماعتين تطالب بالعمل على تسريع التوحد قبل أن يخفت وهج «فك الارتباط» الذي قامت به «جبهة النصرة».

«جيش الفتح» على طريق التفكك


وقد قوّضت معركة حلب الأساس العملي الذي قامت عليه فكرة «جيش الفتح» باعتبار أن التوحد واجتماع الفصائل الكبيرة في إطار العمل تحت مظلة من الدعم الاقليمي اللامحدود سيؤديان حتماً إلى «هزيمة مزلزلة» ضد الجيش السوري.
وكانت الآمال معقودة على استنساخ تجربة إدلب وتطبيقها بحذافيرها في حلب، غير أن صمود الجيش السوري وحلفائه، وقدرتهم على امتصاص الموجات الأولى من الهجوم ومنع المهاجمين من تحقيق هدفهم الأولي المتمثل بفك الحصار عن معاقلهم في الأحياء الشرقية، وبالتالي إجهاض المراحل اللاحقة في خطة الهجوم التي كانت تطمح إلى «تحرير حلب» بسرعة قياسية وفق تصريحات قادة المسلحين، أدّى كل ذلك إلى تزعزع بنية «جيش الفتح» وتراجع صورته في أذهان حاضنته التي بدأت تتأقلم مع فكرة أن «جيش الفتح» ليس كاسحة انتصارات كما أراد القائمون عليه إظهاره مستغلين إنجازاته السابقة.
وقد كان أحد الأهداف الفرعية للمعركة هو الهيمنة على الساحة الحلبية وإلغاء أي دور لفصائل مسلحة أخرى، وخاصةً تلك المنضوية في «غرفة عمليات فتح حلب»، وهي بمجملها فصائل تعمل تحت مسمى «الجيش الحر». وهو ما يفسر مسارعة «جيش الفتح» إلى إعلان تفرده بقيادة معركة حلب ونفي أي دور لأي غرف عمليات أخرى. ويستشف من ذلك رغبة إقليمية في حصر الميدان الحلبي وعزله عن التأثيرات الدولية، لأن هيمنة «جيش الفتح» ستعني لو تمت، حرمان الولايات المتحدة من أذرعها العسكرية، وبالتالي من القدرة على التأثير في مجريات المعارك، وهو ما تم بالفعل العام الماضي على جبهات إدلب، حيث فقدت واشنطن حلفاءها على الأرض لصالح هيمنة حلفاء المثلث القطري - السعودي - التركي.
وتبدو حاجة تركيا إلى إحداث تغييرات في تركيبة الفصائل المسلحة هي الأكثر إلحاحاً، خصوصاً بعد سيطرة «الأكراد» على مدينة منبج وبدء الحديث عن إمكانية سيرهم قدماً في قضم ما تبقى من الشريط الحدودي معها وصولاً إلى إعزاز، وهو بالنسبة إلى أنقرة أكثر من خط أحمر. وتتمثل المشكلة التركية في أن الفصائل العاملة في بلدات الشريط الحدودي ذات ولاء مزدوج بينها وبين واشنطن، لذلك هي لا تثق بتوجهات هذه الفصائل ومدى جديتها في التصدي للتقدم الكردي، عندما يحين وقته. وبدا أن «جيش الفتح» هو الخيار الوحيد المتاح لتسويقه تركياً، إلا أن هذا التسويق فشل مع عجز «جيش الفتح» عن الحفاظ على الخرق الذي أحدثه في الراموسة وانشغاله بالهجمات المتكررة التي يشنها الجيش السوري ضده.
وليس الفشل العسكري وحده ما يهدد بنية «جيش الفتح» بالتشقق مثلما حصل مع «جيش الفتح في إدلب» عندما انفرط عقده بعد انسحاب العديد من الفصائل منه، أبرزها في ذلك الوقت «فيلق الشام» و «جند الأقصى»، بل إن الخلافات العقائدية والسياسية تلعب دوراً مهما في زعزعة بنية الجيش وإضعاف الروابط بين مكوناته وتهديده بالتفكك.
فلم يكن من قبيل المصادفة أن تتصاعد السجالات العلنية على مواقع التواصل الاجتماعي بين قادة «أحرار الشام» وبين قادة «جبهة النصرة» على خلفية التصريحات التي أدلى بها لبيب النحاس، رئيس العلاقات الخارجية في «أحرار الشام»، خلال مقابلته مع صحيفة «الحياة» السعودية حول الديموقراطية والعملية السياسية. وقد شهدت هذه السجالات وجود انقسام داخلي في كل من «أحرار الشام» و «جبهة النصرة» حول المواضيع المختلف عليها.
ففريق من «الأحرار» يؤيد تبني «الديموقراطية» على صعيد الآليات وليس على صعيد التشريع، ومن أبرز هؤلاء أبو العباس الشامي، بينما كبار شرعيي الحركة يرفضون ذلك ويصفون الديموقراطية بالكفر والتناقض مع الشرع الاسلامي، ومن هؤلاء أبو الفتح الفرغلي (مصري)، رئيس مكتب الدراسات في «هيئة الدعوة والإرشاد»، وعدد آخر من الشرعيين السوريين. ومن نافلة القول أن الرأي الرسمي في «أحرار الشام» هو تكفير الديموقراطية وتحريم العمل بها، وهو رأي لم يتغير منذ نشأة الحركة. وبالرغم من كل المراجعات التي قامت بها لإدخال تعديلات على توجهاتها الفكرية، لكنها لا تزال عاجزة عن الطلاق مع جذورها «السلفية الجهادية».
ويبدو رأي هؤلاء أقرب إلى رأي «جبهة النصرة» التي ثمة إجماع فيها على رفض الديموقراطية، بما في ذلك فريق أبي ماريا القحطاني الذي يعتبر أكثر اعتدالاً من باقي التيارات في «النصرة». وقد كان من اللافت أن يخرج المتحدث الرسمي باسم «جبهة النصرة» أبو عمار الشامي (حسام الشافعي) ليؤكد وجود تيارين داخل «أحرار الشام» يقتات أحدهما على الآخر، وقال «من أكبر أسباب التخبط والفشل هو تباين المواقف بين الجناح السياسي والعسكري داخل الجماعة الواحدة، فيقتات الأول على مكتسبات الثاني وجهده». وتهجم الشامي بشكل مباشر على لبيب النحاس متهماً إياه بإرضاء «دول الجوار، وتحويل التضحيات إلى ورقة لمخاطبة من يمنّي النفس بالخلاص من خلالهم». رغم أن الشافعي نفسه في مقابلة مع صحيفة «الشرق» القطرية عجز عن صياغة حلول سياسية واكتفى بالحديث عن الحسم العسكري، وهو ما أكد رأي لبيب النحاس في «جبهة النصرة» عندما اتهمها بعدم امتلاك مشروع سياسي.

دستور 1950 يسعر الخلافات داخل «الأحرار»
وفي خطوة تشي بمدى اتساع هوة الخلافات ضمن قيادات الصف الأول في «أحرار الشام»، ومن غير تمهيدٍ مسبق، كشف أبو محمد الصادق أن الخلافات لا تقتصر على النظرة نحو الديموقراطية وحسب، بل تتعداها إلى ما يجري طرحه بشكل سري كمسارات لحل الأزمة السورية، لذلك كان من المفاجئ تحذيره الحاسم من القبول بالدستور السوري لعام 1950، قائلاً «من رضي أو أقرّ أو وافق (كائناً من كان) على هذا الدستور، فإنه لا يمثل آساد حركة أحرار الشام الاسلامية»، في إشارة منه إلى النحاس وفريقه، على الأرجح. وهذا ما استدعى عقد ندوة نقاش في غرفة افتراضية على تطبيق «تلغرام»، أكد فيها لبيب النحاس، بحسب ما نقل عنه أحد المشاركين في الندوة، أنه لم يسبق له أن وقّع أو ناقش هكذا قضية.
غير أن أوساط «جبهة النصرة» سرت فيها الكثير من الشكوك حول حقيقة توجهات «أحرار الشام» ومن هو التيار الذي يفرض رأيه، تيار لبيب النحاس أم تيار أبي الصادق؟ خاصةً في ظل بعض التسريبات بأن السعودية فرضت على هيئة التفاوض التعهد بتبني دستور 1950 كمبدأ لبناء سوريا الجديدة بعد إسقاط النظام. وللعلم، فإن أبا الصادق، رغم إلغاء منصبه كمسؤول شرعي عام للحركة، إلا أنه لا يزال عضو مجلس الشورى وله نفوذ قوي داخل الحركة بسبب علاقته القوية مع صقور الجناح العسكري المحسوبين على التيار «القاعدي» أمثال ابي صالح الطحان وابي البراء معرشمارين اللذين عبرا عن مواقف مناقضة لما ذهب إليه لبيب النحاس. فالطحان سخر من «شخص ما وطئت قدمه ساحة جهاد، يحسب المعارك كألعاب الحاسوب، فإن هزم أعادها بتجربة أخرى حتى ينجح فيها بزعمه». أما ابو البراء فقد استنكر عدم التوحد برغم فك «جبهة النصرة» ارتباطها مع «القاعدة»، متهماً الرافضين للتوحد، بمن فيهم قادة «أحرار الشام»، بالتلاعب بالأهواء والتستر وراء مطلب حق أردتم به باطلاً».



*****


وخلافات النصرة وأحرار الشام تتفاعل

شنت العديد من الحسابات المؤيدة لجبهة النصرة الارهابية على موقع تويتر هجوماً على المسؤول العسكري في حركة احرار الشام الارهابية حسام سلامة، بعدما تهجم الأخير على منظري تنظيم القاعدة الارهابي طارق عبد الحليم، أبو قتادة الفلسطيني، وهاني السباعي.

وقالت التنسيقيات إن سلامة لا يقود المعارك فعلياً، بل إنه مقيم في تركيا، وهمه الظهور على الاعلام فقط، واتهمته بالكذب عند الحديث عن مقاتلة داعش في دير الزور قبل أكثر من عامين.

وقالت حسابات مقربة من جبهة النصرة أنه واثناء المعارك مع داعش في منطقة الشرقية، لم يكن أحد ليسمع بحسام سلامة، وكشفت عن خذلان حركة أحرار الشام للمقاتلين ضد داعش هناك، في تلك الفترة.
وهاجم أنصار جبهة النصرة حركة أحرار الشام، واعتبرت أن من يحكم الحركة الآن هو جيل “هجين” ، كل همه السلطة والنفوذ، ووصفتهم بـ “المميعين”.
ودعت حسابات أخرى إلى فصل حسام سلامة من أحرار الشام، فيما دعا العديد إلى قتل سلامة، كونه من الحاقدين على القاعدة منذ زمن.
ويأتي هذا الجدل، في وقت اندلع جدال آخر بخلفية مناطقية، بين الحلبيين والأدالبة، حيث هاجم أحد المقربين من الإرهابي السعودي عبد الله المحيسني ابراهيم شاشو فصائل حلب، واعتبر أن همها التصوير فقط، ليأتيه الرد من المدعو إبراهيم سلقيني، حيث سأله متهكماً، هل المقاتلون في حلب سيدخلون الجنة مع “جيش الفتح” أم مع “الجيش الحر”؟

الاثنين، 8 أغسطس 2016

من كان يببحث عن دليل عن الخلفية الطائفية للجماعت المسلحة في سوريا فالإسم الذي اختاروه لمعركة حلب، غزوة إبراهيم اليوسف، قد يكفي

    أغسطس 08, 2016   No comments
اليوسف كان أحد ضباط الجيش السوري ويحمل رتبة نقيب، وتشير التقارير إلى أنه من مواليد عام 1950 وتعود أصوله إلى ريف حلب والتقى في فترة مبكرة من حياته بعدنان عقلة الذي أصبح لاحقا زعيما لما عُرف بـ”الطليعة المقاتلة” وهي الذراع العسكري الذي انبثق عن جماعة الإخوان المسلمين السورية خلال فترة صدامها المسلح بالنظام قبل عقود، حسب الـ”سي ان ان”.

وحول العملية الأبرز التي نفذها اليوسف يشير تلفزيون “أورينت” السوري المعارض إلى أنها جرت في 16 يونيو/حزيران 1979 عندما كان اليوسف مناوباً، فجمع طلاب مدرسة المدفعية من العلويين وفتح النار عليهم مردياً 80 منهم وجرح آخرين.

وبحسب تقرير القناة نفسها، فقد “استنكر تنظيم الإخوان المسلمين العملية آنذاك معتبرا أنها تصرف فردي ولا علاقة للتنظيم بها، وذهب بعض من كتب عن تلك المرحلة من تاريخ سوريا إلى أن هذه العملية كانت سبباً رئيسياً فيما عاشته سوريا بعد ذلك.
  
فما هي قصة غزوت إبراهيم اليوسف الأولى؟ وهل شستحق التمجيد والتكريم؟

امتلأت قاعة الندوة في مدرسة المدفعية في حلب، بقرابة 300 طالب. اجتمعوا بناء على أمر من الضابط المناوب تلك الليلة النقيب إبراهيم اليوسف، لأن إجتماعا شاملا مع مدير الكلية العسكرية سيتم في الصالة الرئيسية، وأنهم سيزودون هناك بتعليمات هامة. وفي القاعة المكتظة فوجئ الضباط الشبان الذين ارتدوا بزاتهم العسكرية الأنيقة، بمجموعة من الرجال الغرباء عن المدرسة يقتحمون المكان، ويغلقون الأبواب. كان هؤلاء يرتدون أزياء عسكرية، ويحملون رشاشات بأيديهم، فسرى بين الحاضرين جو  من الشك والقلق.. هنالك برز النقيب إبراهيم اليوسف للطلبة، حاملا رشاشه أمام سبورة الصالة، وقرّب ميكرفونا إلى فمه، وبدأ يخطب خطبة مطولة مهاجما العلويين والنظام الأسدي، ومعلنا أن «كل طالب نصيري في هذه القاعة هو الآن في قبضة مجاهدي الطليعة المقاتلة». ثم أخرج إبراهيم اليوسف من جيبه ورقة حضّرها من قبل، وفيها قائمة أسماء محددة، وأعلن أن من سيُذكر إسمه فعليه أن يغادر القاعة، لأننا لا نريد أن نمسّ إخواننا السنّة بأذى». وبالفعل انسحب، من قاعة الندوة، كثير من الطلبة الذين شملهم «العفو الطائفي».. إلاّ أنّ الضابطين محسن عامر ومحمد عدوية رفضا الخروج من المكان، على الرغم من إذاعة اسميهما، وفضّلا أن يستشهدا مع رفاق السلاح.

كان المسلحون في داخل القاعة أحد عشر فردا، وهم: حسني عابو (قائد تنظيم الطليعة المقاتلة في حلب)، وعدنان عقلة (نائب عابو)، وزهير قلوطة، ورامز عيسى، وأيمن الخطيب، ومصطفى قصار، وماهر عطار، وعادل دلال (من أعضاء الجماعة المسلحة) إضافة إلى النقيب إبراهيم يوسف، والطالبان في المدرسة يحيى كامل النجار، وماني محمود الخلف. وبدا لبعض الطلبة، وقد رأوا الشرّ في وجوه المسلحين، أنّ خيراََ لهم أن يقاوموا تلك العصابة المسلحة القليلة، ولو بسواعدهم العزلاء، من أن ينتظروا الموت غيلة وغدرا. وبالفعل أقدم الطالب الضابط سليمان رشيد اسماعيل على مهاجمة أحد المسلحين، محاولا افتكاك بندقيته منه، ولكن المحاولة الجريئة سرعان ما أودت بحياة صاحبها. وحين أخذ الطلاب في الهياج، وبدا أن الزمام سيُفلت من بين أيدي المسلحين، أمسك إبراهيم اليوسف رشاشه الحربي، وأخذ يطلق النار بغزارة على تلاميذه الشبان الذين كان يفترض به أن يكون قدوة لهم في الإلتزام بتعالليم الشرف العسكري.. وتبعه المسلحون الآخرون في الفتك بالطلاب العزل.

ساد في المكان هرج كبير، وحاول الكثيرون أن يكسروا الأبواب للإفلات بأرواحهم، لكن الرصاص والقنابل كانت لهم بالمرصاد. وروى بعض الناجين من المجزرة كيف أن زميلهم الطالب الضابط أحمد زهيري قام بإمساك أول قنبلة رماها أحد المسلحين واحتضنها في صدره، محاولاً بذلك أن يفتدي زملاءه بروحه، وأن يحميهم من انفجارها فيهم؛ ولقد مزقته قنبلة الغدر أشلاء… ومن بعد أن اطمأنّ المسلحون إلى أن أسراهم سقطوا بين قتيل وجريح، أخذ إبراهيم اليوسف يجول على الشبان الذين ينازعون الموت، فيفرغ في صدورهم رصاصات مسدسه. ولم ينس القتلة أن يعلنوا على سبورة قاعة المذبحة أن «مجاهدي الطليعة المقاتلة» هم من قاموا بتلك العملية.. ثم خرج ابراهيم اليوسف يرافقه مصطفى قصار وماهر عطار وعادل دلال إلى ساحة المدرسة، فوجدوا المجند هوسيب مانوكيان الذي كان يحرس بوابة مستودع الذخيرة، فقاموا بقتله على الفور باعتباره «كافرا» هو الآخر. وحين احتج المجند عبد العزيز خليف على هذا السفك لدماء الأبرياء، قام إبراهيم اليوسف بتصويب الرشاش إليه وقتله (رغم علمه بأن خليف سني). وملأ إبراهيم اليوسف سيارة من نوع «زيل» بالبنادق والقنابل والذخيرة التي سرقها من مخزن السلاح في مدرسة المدفعية، قبل أن يلوذ مع عصابته بالفرار.

وصل أفراد المخابرات العسكرية السورية إلى مسرح الجريمة، فوجدوا مئات من الطلبة الضباط مضرجين في دمائهم. كان منظر الأشلاء والجثث المكومة مروّعا. وكانت عبارة «الطليعة المقاتلة» الموقّعة بطريقة استفزازية على سبورة القاعة المنكوبة، بمثابة إعلان حرب لم يكن النظام السوري يومها متهيئا لها، ولا راغبا فيها. ولم تمض سويعات حتى قبض على الطلبة عبد الراشد حسين وماني خلف ويحيى النجار، فأحيلو إلى المحكمة العسكرية بعد أن شهد زملاؤهم الناجون أنهم اشتركوا في الضلوع بالمذبحة. وتم إعدام القتلة في ساحة مدرسة المدفعية.

ثم حصل في تشرين الثاني 1979 أن ألقى الأمن العسكري القبض على حسني عابو قائد تنظيم الطليعة في حلب والمشترك في جريمة مدرسة المدفعية، فحوكم وأعدم. وفي الثالث من حزيران 1980 تمت تصفية قائد المجزرة إبراهيم اليوسف في شقة بحلب.

السبت، 6 أغسطس 2016

ما حقيقة ادعاءات شرعيي السلفية الجهادية عن مكارم ربانية وشهادات دكتوراه ... هل هي للاستغلال البسطاء؟

    أغسطس 06, 2016   No comments

من هو عبدالله بن محمد بن سليمان المحيسني؟

القيادي في جيش الفتح، عبد الله
المحيسني، هو مواطن سعودي انضم للقتال في سوريا في عام 2013. وهو قاضي و شرعي للجماعات السلفية، اتخذ لنفسه لقب "القاضي العام لـ«جيش الفتح»، يدعي أنه شيخ مؤهل وباحث أكاديمي.

على مواقعه الرسمية على الإنترنت،  يستخدم "الشيخ" و"الدكتور"، مدعيا التكوين والتربية الدينية وكذلك درجة متقدمة في القانون الإسلامي (الفقه). وهذه الادعاءات ليست صحيحة. وهو يعلم انها إدعاءات كاذبة. فهو ليس شيخا عالما ولا دكتورا مدربا كما تدل الوثائق التي قدمها هو بنفسه.

السيد المحيسني حصل على ملايين باسم الجهاد في سوريا
 
 نعم
، هو التحق بصفوف مدرسة دينية في المملكة العربية السعودية، اين حصل على درجة الماجستير من جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية، لكن ليس لديه تدريبا رسميا في القانون أو الدراسات الإسلامية. يدعي أنه حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، ولكن الوثائق التي تظهر على موقعه على الانترنت تكشف عن أنها  درجة وهمية من جامعة وهمية. لقد اشترى الدكتوراه الوهمية من موقع على شبكة الإنترنت، جامعة-- ISR International University--  وهي شركة فرضية بلا عنوان، ولا موظفون، ولا منهاج تعليم، ولا اساتذة، وليست معتمدة في أي منظمة من أي مكان في العالم.

السيد المحيسني يدرك شكوك الناس بادعاءاته حيازة درجة الدكتوراه، لذلك قدم تفسيرا. وقال إنه التحق ببرنامج الدكتوراه في المملكة العربية السعودية، وأنه انهى جميع الدروس التمهيدية وكتب رسالة وأراد الدفاع عن أطروحته عام 2013. ولكن قيل له إن دفاعه تأخر. وبما أنه كان يخشى أن يتم القبض عليه، غادر البلاد وقدم أطروحته في جامعات مصرية وعراقية وحصل على الدكتوراه من جامعة دولية.

السجلات التي
نشرها هو نفسه على موقعه الخاص لا تدعم هذه المزاعم. درجة الدكتوراه تتطلب من سنتين الى ثلاث سنوات إقامة  ومثل ذالك للبحث والكتابة. هو قضى أقل من سنة بعد طلب الالتحاق بالجامعة للدراسة للحصول على الدكتوراه  في عام 2012. لا يوجد  برنامج دكتوراه، حتى في المملكة العربية السعودية بلاد المعايير الدنيا في الدراسات العليا، يمكن أن يمنح الدكتوراه لشخص في سنة واحدة فقط. قد يقول السيد المحيسني انه عبقري ويستطيع فعل ذلك. لو كان كذلك لأنهى الماجستير في عام، لكنه لم يفعل، بل قضى ثلاث سنوات، سنة أطول من المعدل. بما ان ادعاءاته كاذبة حول الدكتوراه، يمكننا اصتخلاص امكانية أن تكون كل ادعاءاته حول فقهه وما يقوله عن الحرب في سوريا كاذبة كذلك. وهذا أمر خطير جدا.

المشايخ والقضاة الشرعيون مثل السيد
المحيسني، الذين يكذبون حول تكوينهم الديني والتعليمي، بحوزتهم ترسانة ضخمة من الأسلحة وسيطروا على محافظات بأكملها في سوريا. وهو الآن يقود حملة تحرير حلب وتوحيد الجماعات السلفية السنية في جيش واحد مما قد يمكن امثال السيد المحيسني من تدمير بلد آمن وتهديد آخر.

وكما إدعوا حيازتهم شهادات دكتوراه تبين أنها مزيفة، تبين أنهم ينشرون معلومات قديمة على أنها تمثل سير المعارك ويدعي أنه سمع من جنوده قصص كرامات فما هي إلا ادعاءات دعائية كاذبة للتغرير بالسذج من اتباعهم. يفعلون كل ذلك باسم إسلام حرفوه وشهادات لم يحصلوا عليها.
_________
الشواهد:

"الدكتور" المحيسني

 السيد المحيسني وخلفه شعار جيش الفتح


 الدكتوراه الوهمية التي اشتراها على الإنترنت
 الجامعة الوهمية التي منحته الدكتوراه لا توجد أصلا, بل هي موقع احتيال باعترافهم.


 السيد المحيسني محاولا--عبثا-- تفسير الدكتوراه المزيفة
 ________________
تحقيق-«نبيل بن رمضان» و«آما نلسون» ـ

 

الخميس، 10 مارس 2016

تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية... درس سعودي جديد في الديموقراطية «توحيد الخطاب الإعلامي»

    مارس 10, 2016   No comments
فليسقط الجدار!
بيار أبي صعب

في فيلم «جدار»، يقترح أحد الذين حاورتهم سيمون بيتون مقاربة مثيرة لجدار الفصل العنصري. «بنينا الجدار وفي ظنّنا أننا نعزل الشعب الفلسطيني، لكنّنا عزلنا أنفسنا في غيتو جديد». هذه النظريّة تنطبق على القرار الأخير لوزراء الاعلام في «دول مجلس التعاون الخليجي»: يريدون محاصرة الفضاء العربي الحرّ، فيعتقلون مجتمعاتهم في قمقم.

وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي، دعا أقرانه المجتمعين في الرياض، إلى «العمل المشترك على توحيد الخطاب الإعلامي للمجلس، على غرار سياسته الخارجية». إنّها محاولة طريفة لبناء ماكينة قمعيّة ضخمة، سترتد على بانيها عاجلاً أم آجلاً. هل هناك امكانيّة فعليّة لإقصاء كل صوت نقدي، ومنع شعوب كاملة من التطوّر؟ القرار الخليجي بـ «محاصرة حزب الله اعلاميّاً»، مفاعيله على أرض الواقع فولكلورية. لكن خطورته رمزيّة: الرجعيّات العربيّة تظنّ أن بوسعها، بهيمنتها الاقتصاديّة، أن تقول للعرب كيف يجب أن يفكّروا! أهلاً بكم في زمن التطهير الفكري.


رعاة «الربيع العربي»، يحلمون بإسكات كل الاصوات المغايرة بإسم «الاعتدال» و«العروبة». حرّاس الانحطاط رسموا الطريق الوحيد الممكن الى الحقيقة. ولن يتركوا لأي صحافي أو مثقف أو مبدع أو مناضل، أن يخاطبنا خارج منظومتهم الفكريّة. لن تمرّ أي تغريدة من الآن فصاعداً، تمجّد المقاومة مثلاً، أو تدين الاستبداد، أو ترفض العمالة للاستعمار. لكن سيبقى للمواطن الخليجي أصدقاء على الشاشة، مثل الداعية الصهيوني أفيخاي أدرعي، يهنّئونه بعيد الفطر، ويحاضرون عن العروبة وفلسطين! وما الجديد في ذلك؟ رفاق الشيخ الشهيد نمر النمر ممنوعون أصلاً من كل الشاشات. لكنّهم حاضرون بقوّة في ضميرنا، وفي قلب أهل الجزيرة من دون تمييزات مذهبيّة خسيسة. ألا تقوم مملكة القهر أساساً على المنع والتحريم، وإلغاء الآخر المختلف؟ ومع ذلك تشتغل نخبها العقلانيّة في الظل، من ليبرالية وقوميّة وتقدميّة، على بناء المستقبل.

يظن آل سعود، بهذا الجدار الاعلامي الذي يحاولون تشييده، أنّهم يعزلون «العدوّ». وهم مقتنعون بأنّهم سيتمكنون من إقصاء كل المنابر والمحطات والمواقع والتيارات التي لا تعجبهم. وبأنّهم سيسكتون الأصوات الحرّة التي تنتقد نظامهم الأوتوقراطي والتيوقراطي المتحصّن خلف أسوار الجاهليّة. لكنّهم في الحقيقة، لا يفعلون سوى عزل أنفسهم، وعزل شعبهم عن العصر والحضارة، ومنعه من التطوّر وتلقّي المعلومات والأفكار، فيما الحياة مستمرّة خارج السجن الكبير. كم من الوقت تمكن حماية النموذج الأوحد الذي ينتج تخلفاً وتعصباً وارهاباً؟ كم من الوقت سيصمد الاقتصاد الريعي غير المنتج؟ كم من الوقت ستهيمن الأيديولوجيا التكفيريّة التي أنجبت «القاعدة» و«داعش»، وتجرّ العرب إلى الحروب الأهليّة والتعصّب والفتنة والانغلاق الظلامي؟ الجدار الحديدي في الخليج، لن يسقطه إلا الفكر التنويري، والصحافة الحرّة، ونشر ثقافة النقد والاحتجاج والتغيير. وتلك هي الرسالة التي يضطلع بها الاعلام الممانع.

____________

وزراء اعلام الخليج: نسمع جعجعة، فهل نرى طحناً؟

 نادين كنعان

الحرب السياسية الهستيرية التي تشنّها السعودية ومن خلفها دول «مجلس التعاون الخليجي» على «حزب الله»، اتخذت أمس منحى جديداً ومختلفاً. المعركة هذه المرّة إعلامية بامتياز. بعد اجتماعهم الـ 24 أوّل من أمس، خرج وزراء إعلام مجلس التعاون بمجموعة قرارات إضافية تقضي بمحاصرة الحزب اللبناني إعلامياً و«اتخاذ الإجراءات القانونية كافة لمنع التعامل مع أي قنوات محسوبة عليه وعلى قادته وفصائله».

وبحسب البيان الرسمي، تشمل الإجراءات «التنظيمات التابعة لحزب الله والمنبثقة عنه كافة، باعتباره ميليشيا إرهابية تسعى إلى إثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة وأمن واستقرار دول المجلس والعديد من الدول العربية». أما العقوبات، فتشمل «شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي وكل ما يندرج تحت مظلة الإعلام». حتى إنّ وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي تحدّث إلى الصحافيين على هامش الاجتماع عن «اتفاق خليجي لإعداد آلية لمكافحة أبواق تنظيمات «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» وغيرها، من خلال مكافحتها برامجياً وإنتاجياً، وعلى مستوى الظهور الإعلامي، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي»، وفق ما ذكر موقع صحيفة «الوطن» السعودية أمس. ولفت الموقع إلى أنّه جرى الحديث أيضاً عن «توحيد الخطاب الإعلامي، وإسكات أبواق حزب الله».

الصيغة المطاطة والمبهمة للقرار تطرح علامات استفهام عدّة حول طبيعته والمؤسسات المقصودة فيه: ماذا تعني عبارة منع التعامل؟ وكيف ستتم هذه العملية؟ وما هي القنوات المحسوبة على «حزب الله»؟ هل هي محصورة بالمؤسسات التابعة له مباشرةً، أم تشمل أيضاً تلك المندرجة ضمن خط الممانعة؟ وهل يمكن أن ينسحب ذلك على مختلف المؤسسات الإعلامية اللبنانية بهدف تسعير الحملة الداخلية المضادة للحزب وزيادة التململ الداخلي منه؟ هل سيؤثر الموضوع على عملية إنتاج البرامج والمسلسلات، والتعاون اللبناني ــ الخليجي؟ وماذا عن ضيوف البرامج؟ هذه الأسئلة تظهر إلى الواجهة بمجرّد التعمّق في مضمون القرار الجديد. فهل خرجت الأمور عن السيطرة فعلاً، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها «زوبعة في فنجان» في إطار مواصلة الضغط السياسي على الحزب؟
في ظلّ التزام القنوات اللبنانية القريبة من خط «حزب الله» الصمت، يؤكد أحد الخبراء القانونيين، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار» أن «لا مفاعيل قانونية لهذا القرار». ويرى أنّ ما حصل لا يتواءم مع معايير تعامل الدول، واضعاً إياه في سياق «الاستخدام السياسي الرخيص». يبدو أستاذ القانون الدولي شفيق المصري قريباً من هذا الرأي، وخصوصاً أنّ القرار المتخذ هو ضد «جهة لبنانية وليس ضد الدولة ككل». ويوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّ مجلس الأمن الدولي أو أي هيئة دولية أخرى لم تصنّف «حزب الله» إرهابياً حتى الآن، ما يحول دون تطبيق دول مجلس التعاون الخليجي لقرارها الحديث استناداً إلى القانون الدولي لمكافحة الإرهاب.
من جهته، يشدد المدير العام لوزارة الإعلام حسّان فلحة على أنّ السؤال الأساسي الذي يجب طرحه اليوم: هل هناك تعريف واضح للإرهاب؟ يتشارك فلحة الرأي مع الخبير القانوني، مؤكداً أنّ القرار يندرج ضمن «القرارات السياسية»، وجازماً بأنّ «لبنان دولة ذات سيادة. «المنار» وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» تعمل وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية، وعليها أن تُحفظ وتُصان». ويتابع أنّه في حال حدوث أي خطأ، هناك «قوانين مرعية الإجراء تتم المحاسبة على أساسها وأمام القضاء اللبناني». وفيما يوضح فلحة «أنّنا ضنينون على العلاقة الممتازة مع الدول العربية»، يؤكد أنّ ذلك «لا يمنع المحافظة على المؤسسات الإعلامية اللبنانية».
لا تزال الصورة ضبابية بعد صدور القرار الخليجي الذي جاء بعد أشهر فقط على محاصرة «الميادين» و«المنار» (الأخبار 5/11/2015) على قمر «عربسات». الأيّام المقبلة ستكون كفيلة بإظهار مفاعيله المحتملة على الأرض. غير أنّ الأكيد أنّنا بتنا في حرب مفتوحة وحلقة جنون تستخدم فيها كلّ الأسلحة.
______________

بيار الضاهر: الآتي أعظم؟

زكية الديراني

لا يختلف اثنان على أنّ الإعلام اللبناني ليس في أفضل أحواله مع الأزمات التي تعصف به بسبب تراجع سوق الإعلانات والمناخ السياسي المتوتر. وجاء قرار دول «مجلس التعاون الخليجي» أخيراً ليزيد الضغط عليه، فقد أعلنت هذه الدول «منع التعامل مع أيّ قنوات تلفزيونية محسوبة على «حزب الله»»، وتسري هذه الإجراءات «على كل شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي».

البيان بدا فضفاضاً يحمل تأويلات عدّة. في هذا السياق، يتوقف رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر عند القرار، قائلاً لـ«الأخبار» إنّه «قرار متوقع، لكن لا يمكن التنبؤ بمقاصده فعلياً.
قبل أشهر، بدأت اللهجة الإعلامية لدول «مجلس التعاون الخليجي» تتبدّل، ولا أحد يعرف ما هي الخطوة الأخرى». ويوضح: «السؤال الذي يطرح نفسه حالياً: ما هي حيثيات القرار وتداعياته على الإعلام اللبناني بكل ميوله وانتماءاته؟ وهل سيطال الإعلام اللبناني بلا تمييز؟ هل سنعاقب مثلاً لو نقلنا وقائع جلسة الحوار اللبناني؟ مع القرارات التي اتُّخذت أخيراً بحجب قناتَي «الميادين» و«المنار» عن «عربسات» قبل أشهر، يتبين أنّ هناك حرباً إعلامية تتحضّر في الأفق وبدأت تأخذ منحى تصعيدياً».

_____________
هكذا ستتأثر شركات الإنتاج بالقرار
وسام كنعان
علاء رستم ـــ سوريا
المحتوى المطّاط الذي اتسم به بيان دول «مجلس التعاون الخليجي» أول من أمس يتيح وضع قوائم المنع بناء على مزاجه. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، لاكتشفنا أن خطوات مشابهة اتخذت ضد الدراما وشركات الإنتاج السورية منذ بدء «الثورة السورية» وظهور التصنيفات الموالية والمعارضة.
يومها، قررت محطات خليجية على نحو غير معلن مقاطعة الدراما السورية، وكل ما يصنع من برامج داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكن فترة زمنية بسيطة كانت كفيلة بتذويب هذا القرار وعودة تلك المحطات نحو أهدافها التجارية على وجه الخصوص، لنشاهد أعمالاً سورية تغزو الشاشات الخليجية ومن ثم دخلت كاميرا mbc للمرة الأولى مطاعم دمشق يوم نال السوري حازم شريف لقب برنامجها الشهير «أراب آيدول»، لتتوالى اللقاءات الخاصة في بعض برامجها الفنية. وربما المفاجأة الكبيرة حدثت يوم اشترى «التلفزيون العربي» (قطر) 22 مسلسلاً سورياً دفعة واحدة من شركة «سما الفن» (سورية الدولية) التي يملكها رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السوري محمد حمشو!

وفق هذا المنطق، لن يكون هناك تأثير فعلي على الأعمال الفنية التي تنتجها جهات يعدّها الخليج حليفة لـ «حزب الله». هذا ما يؤكده مدير تسويق كبرى شركات الإنتاج السورية في اتصالنا معه، مفضلاً عدم ذكر اسمه. وأوضح أنه قرأ القرار وأعاد دراسته مرّات عديدة وهو «لا يطاولنا وليس لنا أي علاقة مباشرة به، لأنه يتوجه إلى «حزب الله» ومؤسساته على نحو مباشر، ونحن كغيرنا من الشركات السورية نصنّف كشركة مدنية سورية لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، ولو أننا ما زلنا نعمل في سوريا. وقد بدأنا عملية التسويق السنوية المعتادة، ونتواصل مع جميع المحطات العربية من دون فيتو مسبق».

في المقابل، تخبرنا إحدى المسؤولات عن تنفيذ برامج الترفيه للمحطات الخليجية في لبنان والشرق الأوسط مفضلة أيضاً عدم ذكر اسمها بأنّ «القرار سيؤثر على نحو مباشر في برامج المواهب وغيرها من ناحيتين: الأولى هي صعوبة التصوير في لبنان وعدم القدرة على استضافة مشتركين خليجيين هنا». وبسبب تبعات هذا القرار، تكشف محدّثتنا بأنّه «جرى نقل تصوير برنامج توك شو هو «أنا زهرة جونيور» الذي يصوّر لمصلحة قنوات «أبو ظبي» إلى دبي، بعدما كان مقرراً تصويره في لبنان بسبب مخاوف من استقدام المشتركات إلى لبنان. ومن الممكن التفكير في نقل تصوير بعض البرامج إلى مصر في حال عدم حلّ هذه المشكلة قريباً». أما الناحية الثانية التي يؤثر فيها القرار، «فستكون على برامج المواهب التي تستقدم مشتركين من مختلف أنحاء الوطن العربي ومن مختلف الانتماءات السياسية. وهذا سيؤثر في الحرية في اختيار المشتركين، وسيجعل البرامج تخسر شرائح معينة من جمهورها على نحو مسبق. لذا، قد نتباحث مع القنوات التي نعمل معها لكي تستنثى برامجنا من هذا القرار والعمل على تحييدها كلياً عن السياسة».
لا أحد يعرف إلى أين ستصل الأمور ولا شيء يبدو نهائياً. تشير كل المعطيات وآراء المتخصصين في إنتاج البرامج والمسلسلات في لبنان وسوريا على أن الأمور ستحسم كلياً في شهر نيسان (أبريل) المقبل، على اعتبار أن القرارات النهائية المتعلقة بإنتاج البرامج الفنية التي تعرض في رمضان تتخذ في هذا الشهر. وحينها سيتّضح المشهد: إما مقاطعة إعلامية نهائية بين لبنان وسوريا من جهة، والخليج من جهة ثانية، ما سيكون ذا نتائج سلبية على الجميع أو تهدئة ودبلوماسية تحقن مصالح متعلقة بصناعة الميديا والترفيه والدراما.

_____________

تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية
نور الدين بالطيب
تونس | على أثير إذاعة «ماد» التونسية أمس، رحّب سفيان بن فرحات، كبير المعلّقين في الإذاعة ورئيس تحرير أعرق صحيفة تونسية مملوكة للدولة وناطقة بالفرنسية «لا براس» (بتهكم)، بقرار مجلس التعاون الخليجي القاضي بمقاطعة ما سمّاه «الأذرع الإعلامية» لـ«حزب الله».

ترحيب بن فرحات بهذا القرار يعكس رأياً عاماً في تونس مناصراً للحزب باعتباره حزب مقاومة للكيان الصهيوني. ويأتي ذلك بعدما رفضت تونس والجزائر الموافقة على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب، باعتبار حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية».

هذا الرأي العام لا يتعلق بتونس والجزائر فقط، بل بمجمل المغرب العربي الذي يحمل حساسية قديمة ضد الوهابية التي قاومها المغاربة منذ القرن التاسع عشر، عندما ردّ شيوخ جامع الزيتونة، المعروف بـ«الجامع الأعظم»، ورفضوا دعوة الوهابيين بنشر مذهبهم في المغرب العربي عبر المجموعات السلفية التي تموّلها بعض الدول الخليجية.
قرار مجلس التعاون الخليجي لن يكون ذا تأثيرات كبيرة على الأرض، فمعظم الإذاعات والفضائيات التونسية لا علاقة لها بدول الخليج، ولا تحصل على أي مساحة إعلانية منها، وكذلك الصحف التي تحصل على مساحات إعلانية محدودة لا تمثّل إلاّ نسبة صغيرة من مواردها المالية. وقياساً بالمزاج الشعبي في منطقة شمالي المغرب العربي، فإنّ كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لا يمكنها التضحية بمتابعيها الذين يرفضون مزاجياً ووجدانياً الاصطفاف وراء دول الخليج من أجل حفنة من الدولارات.
قرار مجلس التعاون استقبله الاعلاميون التونسيون بتهكّم، وهذا ليس غريباً على منطقة المغرب العربي التي ساندت القضايا القومية وقدّمت آلاف الشهداء منذ الأربعينيات دفاعاً عن فلسطين. ولعل وسائل الإعلام الوحيدة التي تصطف وراء الإسلام السياسي الوهابي وتدافع عنه هي المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف التي تساند حركة «النهضة» وتدافع عن تحالفاتها.

____________

هكذا تدحرج الغضب السعودي من واشنطن إلى بيروت

المملكة العربية السعودية.. إلى أين؟
يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.
وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية.
وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».
وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي».
وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي».
وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية».
واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان».
ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».

الانزعاج الأميركي
وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته».
وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه.
يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران.
واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها.
وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان.
ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب.
وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.

الحسابات السعودية
ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها.
لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه.
وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية.
ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط.
ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل.
أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى.
في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً.
كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.
الى ذلك، التقى الرئيس تمام سلام أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان، فيما وصفت مصادر السرايا الاجتماع بالإيجابي جداً.
وأكد السفير الكويتي عبد العال القناعي باسم الوفد حرص دول الخليج قاطبة على لبنان دولة وأمناً واستقراراً ومؤسسات، وعلى الاستمرار في تعزيز هذه العلاقة، «وقد لمسنا من الرئيس سلام الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وإزالة أي شوائب قد تعيق تقدمها، وحمّلنا رسالة واضحة الى دولنا سننقلها بكل أمانة وصدق».

السبت، 23 يناير 2016

عبد الفتاح مورو: الوهابية أساس «داعش» ومصدّرتها

    يناير 23, 2016   No comments
عبد الفتاح مورو
مختلفٌ عبد الفتاح مورو، النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب التونسي، وأحد مؤسسي حركة «النهضة»، عن أقرانه من علماء الدين. يدعو إلى «فهم» الواقع، والعمل بمقتضياته، وإخراج الإسلام من «العبادات الضيّقة». «إخواني» الجذور، لكنّه يختلف معهم إلى حدّ النقد. باحثٌ عن تجربة للإسلام السياسي، ليتمكّن من أن يطعّم بها «النهضة»، لتقود تونس، مجدداً. يحاول الوقوف على «الحياد»، من أزمات المنطقة، من محيطها إلى خليجها، لكن «الوهابية» تستفزّه، فهي من صدّرت «داعش... وفتكت بالأمّة»
 نور أيوب


■ في زيارتكم السابقة لبنان، كنتم في ضيافة «الجماعة الإسلامية»، كيف تصفون علاقتكم بالتيارات الإسلامية، بشكل عام، وبالجماعة بشكلٍ خاص؟

علاقتنا بالحركات الإسلامية «حيادية». نلبّي دعوة كل من يدعونا لنتباحث معه في الشأن العام، أو لبناء علاقة ثنائية.

وفي لبنان، لم يدعُنا غير «الجماعة»، وحين استجبنا لدعوتهم، لم يكن موقفنا بأننا معهم على حساب غيرهم، ولا نساند طرفاً على طرف. وهذا ينطبق على التيارات السياسية المختلفة.

■ هل تتعاطفون مع «الجماعة الإسلامية»، أم تتعاطون معها على أساس «الحياد»؟
نتعاطف مع كل الحركات الإسلامية، التي تنطلق من منطلق إسلامي. هناك فروق في الممارسة وفهم الواقع، وهناك اختلافات تفرضها طبيعة الميدان. نحرص على أن نأخذ تجارب غيرنا، واستخلاص ما يفيدنا منها، لتنظيم أساليب عمل جديدة لم نعرفها من قبل. ونحن حريصون على أن نطعّم تجربتنا بنتائج تجربة الآخرين. والجماعة الإسلامية تندرج في هذا الإطار.

■ حزب الله، هو الجناح الشيعي، في التيارات الإسلامية اللبنانية، هل حدث لقاء بينكم وبينهم؟
حتى الآن لم نُدعَ إلى لقاء كهذا. وإن دُعينا، سنستجيب في حدود العلاقات الثنائية. القرار تأخذه مؤسساتنا (التابعة لحزب النهضة) المعنية، وتضبط موضوع الاتفاق، كما تضبطه مع غيره من الأطراف. وحزب الله هو طرفٌ مؤثر في الساحة اللبنانية السياسية، ويهمنا أن نفهم ما يحدث على هذه الساحة.

■ كيف تنظرون إلى حزب الله؟
على الصعيد اللبناني، لا نتدخل بدوره، فهذه قضية لبنانية، ولا يمكن أن نقيّم، لا بالسلب ولا بالإيجاب. لكننا نؤيده في بعض القضايا، ونتوقف عند أخرى. علاقتنا الأولى بـ«حزب الله»، كانت في تدخله البطولي في القضية الفلسطينية، ووقوفه إلى جانب المقاومة الفلسطينية. أما ما يجري في سوريا، فنحن نتوقف عنده.

«النهضة» في الحكم، وخارجه

■ أوضحتم أنّكم تسعون إلى الاستفادة من تجارب الآخرين. حالياً، هناك ثلاث تجارب سياسية على قاعدة الحكم الإسلامي. التجربة التركية، التجربة الإيرانية وتجربة «الإخوان المسلمين» في مصر. كيف تقرأ هذه التجارب؟
هذه التجارب مطروحة للدرس في نطاق مؤسساتنا التقييمية. ولنا من ينكبّ على دراستها، واستخلاص المشترك بينها، وما يفرّقها، إضافةً إلى أسباب نجاحها وفشلها. من جهتي، لا أستطيع أن أقيّمها. ولكن، لا يمكن أن نتجاهل التجربة الإيرانية القائمة منذ 1979، والتي قطعت مخاضات مختلفة، وآلت إلى ما هي عليه. ولا يمكن، أيضاً، أن نلغي التجربة التركية أو المصرية. دورنا الحالي، أن نساهم في الحكم، وأن يكون لنا موقف منه. لذا نحن بحاجة الى أن ندرس هذه التجارب، ونستخلص منها العبر.

■ ما طبيعة علاقة «النهضة» مع تركيا وإيران ومصر والسعودية؟
ليس للحركة علاقة مباشرة مع الدول. أبداً. علاقتها، فقط، بالوطن التونسي، لأننا نعتبر أنفسنا حركة وطنية تونسية من منظومة البلد السياسية. نعم، لدينا علاقات مع الأحزاب والحركات. وإذا توفّر حزب أو حركة في أيّ بلد، يرغب في التواصل معنا، فنحن مستعدّون لذلك، وبنطاق شفّاف.

■ حزب «العدالة والتنمية»، هل هناك أي علاقة معه؟
العلاقة موجودة، وليست علاقة بدولة. نأخذ منهم معالم التجربة التركية، والتي تفيدنا في التعامل مع الفرقاء السياسيين، علماً بأن هذه التجربة ليست تجربة إسلامية، إنما تجربة سياسية في وطن علماني، ويُطلق عليها إسلامية، وليس فيها معالم التجربة الإسلامية. رغم ذلك، فهذه التجربة هي ملهمة لحركتنا، التي تريد أن تجد لنفسها روابط مع إسلاميين وغيرهم من العلمانيين.

■ ما مدى تأثير «الإخوان المسلمين» في مصر على «النهضة» في تونس؟
شخصياً، أعتبر أنه ليس لنا علاقة عضوية مع «الإخوان»، وهذا أعلناه منذ 1978، حين انفصلنا عضوياً عنهم. لكن تجربتهم هي أكثر التجارب الإسلامية اهتماماً من قبلنا، وذلك لقيمة مصر وما يحدث بها، ومدى تأثيرها على الحراك الإسلامي في تونس. و«النهضة» تأثرت بما حدث في مصر. سقوط الإسلاميين من الحكم في مصر، أثّر بشكلٍ كبيرٍ على موقفنا من الفرقاء السياسيين في تونس.

■ هل تعتبرون أن «الإخوان» أخطأوا في حكم مصر؟ وهل حاولتم تجنّب ذلك في إدارتكم؟
كان لنا موقف من إدارتنا للحكم. شخصياً، تميّزت عن «النهضة»، رافضاً تسلّم الحكم في تونس وفي مصر. دعوت «الإخوان»، المصريين، قبل أن يدخلوا في الانتخابات البرلمانية الى أن يشاركوا بحدود الثلث، ولا يتجاوزوا ذلك. وقلت إنّه لا مجال للتباري على موقع رئاسة الجمهورية. وكان تخوفي على التجربة المصرية، كي لا تؤثر على تجربتنا في تونس. وهنا، يجب الالتفات، إلى أن الخصومة المصرية هي بين حكم مدني وآخر عسكري، وليس مع العلمانيين.

(تصوير مروان بو حيدر)

أما «الإخوان» فخاصموا العلمانيين. لم يستطيعوا أن يقهروا «العسكر»، لأنه جزء كبير من الاقتصاد المصري ومجتمعه وحياته اليومية. قضيتنا ليست حكماً إسلامياً أو أو... قضيتنا تحقيق الحريات. وهذا ما لم يفهمه «الإخوان». فالقضية، في مصر، بين طرفي نزاع، الأوّل هو جهاز سلطة عسكري، كان متخفياً بقناع مدني، وأزاله عنه حين بدأ يضرّه، وهو متمسّك بمنصبه، ولا يريد التنازل. أما الثاني، فهو «الإخوان». والصدمة، أن «الإخوان» قدّموا أنفسهم على أنهم مدافعون عن الثورة. لكنهم لم يكونوا ثوريين من قبل. ولم يكن لهم برنامج انتقال ديموقراطي. فوجئوا بالحكم كما فوجئ غيرهم، لكنّهم فرضوا على أنفسهم التصدي للقضية، ولم يكونوا على قدر المجابهة، فكانوا الطرف الأضعف فيها.
■ تداولت أوساط عن مبادرة مشتركة بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والشيخ راشد الغنوشي، لإصلاح «ذات البين» بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و«الإخوان». ما صحّة ذلك؟
لا أعلم، ولا أجزم ولا أرفض. ولكن من الممكن أن يكون قد حدث ذلك، وهو ممكنٌ نظرياً. ثم، من قال ان «الإخوان» يرغبون في حلٍّ اليوم؟ أو السيسي؟ الطرفان لا يريدان حلّاً. المبادرة هي «تمنّ» لمن يعزّ عليهم بقاء قيادة «الإخوان» في السجن، وهذا ما يعزّ علينا. لقد تحولت مصر إلى ساحة صراع بين حاكم بالسلاح ومحكوم بالاضطهاد. وما يُنسب إلى «الإخوان» على أنهم إرهابيون، هو افتراء، هم ليسوا كذلك، هم إصلاحيون.

■ هل ابتعد «الإخوان» عن أفكار سيد قطب؟
لقد تمت مراجعة أفكار سيد قطب. ويبدو أن الذين استأثروا بها هم «جماعة الجهاد والهجرة». وقد تبنت الحركات «الجهادية» هذا الفكر. أما «الإخوان»، فبقوا على خط الأستاذ حسن البنّا، صاحب الخط الإصلاحي، الذي لا ثورة فيه، بل إصلاح. وأنا أحرص على أن يبقى «الإخوان» كذلك. فمصر لا تتحمل هزّات، وضعها «هش».

■ كيف تصف حزبي تونس، «النهضة» و«النداء»، والأزمات التي يمرّان بها.
قضيّة انقسام «النداء» مزعجة ومقلقة، بالنسبة إلى إسلامي. الحزبان حديثا الوجود. فـ«النهضة» متقوقعٌ ويخشى أي مبادرة، أما «النداء»، فأسفر عن شقّين، وسيسفر عن شقوقٍ أخرى. كيف يمكن أن نسند سياسة الدولة إلى هكذا حزبين؟ وهما غير قادرين على تيسير سياسة شؤون البلد.

■ هل توافقون على توريث ابن الرئيس القائد السبسي؟
هذا غير وارد، وغير ممكن، لا رئاسياً ولا حزبياً. وهذه كذبة.

■ هل «النهضة» في استراحة محارب لاستعادة تسلّم الحكم؟
يهمّني أن تُقيّم التجربة، وتُهيّأ الكوادر. نحن بحاجة إلى أن نهيئ لحزب قوي بعد عشر سنوات، بعد تداولين آخرين للسلطة. نحتاج إلى أن نكون حزباً قوياً ومتمكناً، وأصحاب نظرة إصلاحية تستطيع تجنيد الشعب لخدمتها، وسنقوم بورشة إصلاحية، وتغيير السياسات والقيادات. وقد اقترحت مشروعاً بتغيير ثلثي للقيادة، وتطعيمهم بآخرين شباب.

«الربيع العربي» والإسلام... وملفات المنطقة

■ المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، اعتبر «الربيع العربي» «صحوة إسلامية»، هل توافقه؟
كلا، لقد أخطأ التقدير. أنا، ومن منطلق ناشط في هذا الحراك، لم يكن للإسلاميين دورٌ مميز، لم يهيئوا له. الأحداث فرضت بشكلٍ متتال على المجتمع التونسي، والإسلاميون تحركوا بعدما أُفسح لهم المجال بالتحرك. ما خطّطوا، ولا وجهوا، ولا هيأوا، ولم يعطوا أسباب النصر، إنما استغلوا واستفادوا.
المرشد الأعلى أطلق تفاؤلاً هذه التسمية، منطلقاً من أن الحراك هيّأ للإسلاميين الحكم. لقد وصل الإسلاميون إلى الحكم لأنهم كانوا الطرف المستضعف في فترة الاستبداد. عندما قَدِموا لم يكونوا جاهزين للحكم. ولا يمكن أن ينجحوا كما فعلت الثورة الإيرانية وغيرها. لم يكن لنا وجود في الإعلام وبين المثقفين. لو كان لنا مجال على مدى 30 سنة لكنا استطعنا أن نبني النموذج وأن نقود بالشكل الصحيح.

■ ما هي قراءتكم للحرب في سوريا؟
أتسعت الحرب أكثر من اللزوم. وخرجت القضية من طور خلاف بين حاكم ومحكوم، إلى توظيف عالمي وإقليمي، ونحن نتوقف أمامه. ونرى أن توسيع النزاع بهذا الشكل، اليوم، سينتهي ضد الشعب السوري، وسيؤثّر على البنية الأساسية في سوريا، وما يهمنا استقرار سوريا وبقاؤها سنداً للرأي العربي الموحد. وفي الحقيقة، فإن الصورة ضبابية لدينا، وهي قائمة على ما ينقل إلينا من الصحافة. وليس لدينا اتصال مباشر بالأطراف الفاعلة حتى نقف على حقيقة الأمر، لإعراضنا عن هذه الأطراف كي تضعنا في الصورة، وبات الإعراض متبادلاً، بيننا وبينهم، ما جعلنا نكتفي بما ينقل إلينا من الصحافة.

■هل حاولت الأطراف المتنازعة في سوريا أن تفتح جسراً للتواصل معكم، لتبيّن وجهة نظرها؟
لم يحصل ذلك.

■ كيف تتعاطون كـ«حركة النهضة» مع الحرب السعودية على اليمن؟
الصراع اليمني هو «يمني ــــ يمني»، لكنه بين السعودية وإيران. فالسعودية تريد التوسّع، وإيران بعدما تحوّلت من قوة قطريّة إلى قوّة إقليمية، باتت تريد السيطرة. أما «النهضة» فلا تصطف بصراع بين المسلمين. إن كان ولا بد، لنكن «دعاة سلم بينهم».

■ كيف انعكس التوتر الإيراني ــــ السعودي على المنطقة؟
لم يعد التوتر سياسياً، أصبحَ بين عربٍ وفرس، وأخذ منحى سنيّاً ــــ شيعيّاً. التوظيف المذهبي للقضايا السياسية خطيرٌ جداً. والخلاف الديني لا ينتهي، لأنه مبدئي. وهنا، أشدّد على مبدأ الوحدة الإسلامية. وأدعو لكي يتصالح أصحاب الشأن ويعلّمونا. نحن لم نستثمر عقولنا، ولا المعرفة، عكس تركيا وإيران اللتين أقدّرهما.

■ هل يمكن أن تتبعوا دولة كبرى؟
العلاقات الدولية لا تخضع للتقييم الأخلاقي. هناك من يريد أن يساعدك. فالقضية هي «مصلحة»، ولا يمكن التعامل خارج إطارها. ولكن هل هناك دولة لا تتبع أحداً؟ إذا فُرضت علينا التبعية، نتبع من يقدم لنا الخدمة الوطنية. بلدنا لا إمكانات فيها. لا شيء. قوتنا في الخدمات، ويجب أن نفتح أبوابنا للجميع.

يرى عبد الفتاح مورو أن «الوهابية» هي الأساس الفكري لـ«داعش»، وأن المملكة السعودية هي «المصدّر» الرئيسي للتنظيم. ويضيف مورو أن «علماء السعودية جامدون فكرياً، ولا يمكن أن أتوافق معهم». ويأسف أن تصادر حرية الشعوب، وخصوصاً السوري، بفتاوى «غير مقبولة»؛ فالدعوة إلى الجهاد في أرض الشام، والفتوى التي أطلقها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، ليست «شرعية»، مشيراً إلى أن «من دعا إلى الجهاد فتح الباب لتدويل القضية السورية، وهذا خطأ». ولفت إلى أن ما يجري الآن، في سوريا، «ليس حرباً جهادية، فالذين أفتوا لم يقدّموا الوسائل العملية لإنجاح الجهاد».

تقسيم مقبل في ليبيا... وشباب تونس غذاء «داعش»

لا يحبّذ عبد الفتاح مورو التدخل العسكري في ليبيا. يرى أن «الوضع صعب ومعقّد». فالليبيون لم يدركوا، حتى الآن، خطورة الوضع. بعضهم مجيّر لخدمة الغرب، أما الآخر فيعتبر الاستقواء بالغرب، أيضاً، على نظيره، أمراً محبّذاً للوصول إلى السلطة. أما العقدة الأساسية، وفق مورو، فهي أنه «لا تنازل»، من أي طرف لأجل الآخر، أو من أجل ليبيا.
يرى الرجل أن «الأجنبي الذي يعينك، اليوم، سيستخدمك غداً فستصبح أسيراً له»، مشيراً إلى أنّه طلب من «الإسلاميين الخروج من الساحة كمنازع، والبقاء فيها كمراقب ومشارك».
وعن التدخل الأجنبي، ينفي مورو إبلاغ الغرب الدولة التونسية نيته بالتدخل، لكنه لا يستبعد ذلك، مستشرفاً أن ليبيا ماضية إلى التقسيم.
ويشدّد مورو على أن «داعش» تجد «سنداً» في ليبيا، ذلك لافتقاد شبابها «الوعي والفهم المعكوس للثورية والإسلام». وينفي عن «داعش ليبيته»، بل يرجعه إلى أصله في العراق وغذائه من الشباب التونسيين، الذين حرموا النشاط في تونس وذهبوا إلى ليبيا. كما يرى أن «أرض ليبيا ليست أرض إرهاب، ولا أهلها لهم طبائع إرهابية»، مشيراً إلى أن «الإرهاب استغل الفراغ الموجود في البلد».
أما عن سبب الجهاد «التونسي»، وانضمام الشباب إلى التنظيم المتطرّف، فيرى أن تونس تفتقر إلى «مصانع العقول»، حاسماً أن «المعاهد هي التي تصنع الشباب».
ويؤكّد أن الشباب التونسيين المنتسبين إلى التنظيم «لم يتخرجوا في المعاهد، لقد عاشوا على الفراغ، هم أبناء شوارع، وتعلموا الإسلام من الفضائيات والمطبوعات المشبوهة». لكنه يأسف أن «تونس باتت أرضاً خصبة للجهاديين، بسبب فقدانها المنهج التعليمي الواضح».
________
«الأخبار»

السبت، 2 يناير 2016

حملة الاعدامات في السعودية والاخطار التي يمكن ان تترتب عليها داخليا وخارجيا.. لماذا جاءت بهذه الضخامة في العدد؟ وما هي الاسباب الحقيقية التي املتها؟ وهل هناك خطأ في الحسابات؟

    يناير 02, 2016   No comments

عبد الباري عطوان


 اذا كان الهدف من تنفيذ احكام الاعدام بالرصاص، او بحد السيف، في حق 37 متهما بالارهاب في المملكة العربية السعودية هو “ارهاب” الآخرين، ومنعهم من الاقدام على اي اعمال احتجاج، او هجمات، وعنف ضد النظام ومؤسساته ومصالحه، فان ما قد يترتب عليها من ردود فعل، ونتائج قد تكون عكسية تماما.
من المؤكد ان العهد السعودي الجديد الذي بدأ بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة قبل عام تقريبا، يريد ان يعزز الانطباع الذي يقول بأنه “عهد الحزم” وممارسة سياسة القبضة الحديدية، والتخلي عن سياسة “المهادنة” التي اتبعها الملوك السابقون، واول تطبيق لهذا “التحول” جاء من خلال اعلان الحرب في اليمن لمواجهة التحالف “الحوثي الصالحي” تحت ذريعة مواجهة النفوذ الايراني، وها هو يدشن مطلع العام الميلادي الجديد بهذا العدد الضخم من الاعدامات التي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1980، حيث جرى اعدام 63 متشددا اسلاميا اقتحموا الحرم الملكي الشريف بقيادة “الداعية” جهيمان العتيبي.

الحزم ضروري وعلى درجة كبيرة من الاهمية، شريطة ان يأتي في التوقيت المناسب، ويمتلك اصحابه ادوات القوة وعناصرها، وفي اطار استراتيجية محكمة، وفي ظل ظروف اقليمية ودولية ملائمة، ولا نعتقد ان هذه الشروط، او معظمها، متوفرة حاليا في الحالة السعودية، فليس من الحكمة خوض حربين في الوقت نفسه، واحدة في سورية، واخرى في اليمن، لمواجهة النفوذ الايران، في وقت يتعزز هذا النفوذ باتفاق مع الولايات المتحدة، والدول الست العظمى، تنهي حصار امتد لما يقرب من الثلاثين عاما، وتلقي دولة عظمى مثل روسيا بكل ثقلها العسكري والسياسي خلف النظام السوري، وتخوض حربه مباشرة ضد معارضيه المسلحين، وتتراجع العوائد النفطية، وتتسم سياسات الحليف الامريكي التاريخي بالتردد والارتباك.
اعدام 46 سنيا متهمين بالتشدد، وتبني فكر تنظيم “القاعدة”، والاقدام على احتجاجات وتفجيرات، بصورة مباشرة او غير مباشرة، بين اعوام 2003 الى 2006، من اجل التغطية على اعدام الداعية الشيعي نمر النمر، المتهم بالتحريض على احتجاجات سلمية تطالب بالديمقراطية، وحقوق الانسان، على غرار ثورات الربيع العربي الاخرى التي حظيت وتحظى (في سورية) بدعم القيادة السعودية، لن يخفي الحقائق، ولن يمتص حالة الغضب والاحتقان في اوساط ابناء الطائفية الشيعية، بل قد يؤدي لاول مرة الى توحيد “الغضبين” السني والشيعي معا، واقدام خلايا متطرفة من الجانبين على ردود فعل انتقامية في الوقت نفسه.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” ندين الارهاب الذي يفتك ارواح الضحايا الابرياء ويزعزع الامن والاستقرار باشكاله كافة، ونفرق بينه وبين المطالبة المشروعة بالحريات والاصلاح، والحق في الاحتجاج، على المظالم والقمع والفساد ومصادرة الحريات، ومن هذا المنطلق، نعارض احكام الاعدام وتمثيلها من قبل المملكة العربية السعودية، عندما تصدر عن نظام قضائي يفتقد الى المصداقية، ولا يتوفر فيه الحد الادنى من قيم العدالة وآلياتها، ولهذا ندين تنفيذها في حق المتهمين الـ47 فجر هذا اليوم داخل سجون المملكة في 12 مدينة، فجميع الذين جرى تنفيذ هذه العقوبة في حقهم لم يحظوا بمحاكم عادلة، ولم يتمكنوا من الدفاع ن انفسهم، في ظل نظام قضائي يحكم على “مغرد” على “التويتر” الجلد والسجن عشر سنوات، ويمنع شاعرة من الكتابة في الصحف، وحق التعبير بالتالي، لخمسة عشرة عاما، وبأمر من امير منطقة وليس من محكمة رسمية، وبسبب قصيدة، وهو الشاعر والمثقف.
الاضطهاد والاقصاء والقمع في المملكة العربية السعودية هي الممارسات الوحيدة، التي يمكن القول، بانها تتم ليس من منطلقات مذهبية او طائفية، لانها لا تفرق بين سني وشيعي عندما يتعلق الامر بالمطالبة بالحريات والاصلاحات والعدالة، ولكن لا بد من الاعتراف بان ابناء الاقلية الشيعية كانوا الاكثر معاناة، وتعرضوا طوال عقود لمعاملة تمييزية اقصائية، وكمواطنين من الدرجة الثانية موضع شكوك في ولائهم، ومن يقول غير ذلك، مكابر يتعامى عن الحقيقة.
لا نريد ان نستبق الامور، ولكننا نكاد ان نجزم بأن تنفيذ احكام الاعدام هذه ستترتب عليها اعمال انتقامية، وردود فعل خطيرة، مما قد ينعكس سلبا على امن المملكة واستقرارها، ويصب المزيد من الزيت على نار مشاكلها الامنية المتفاقمة، ويزيد من ضخامة حجم ملفها المتعلق بغياب الحريات والقضاء العادل، ناهيك عن استقلاليته، وانتهاك حقوق الانسان.
ان اكبر اعداء السعودية هم الذين يأتون من صلب نظامها، ويتبنون مثل هذه السياسات والمواقف التي تفاقم من ازماتها، وتفجرها حروبا في الداخل، الى جانب حروبها الاخرى في الخارج، التي ما زالت في بداياتها، وتستعصي على الحزم والحسم معا، وقد تمتد لعقود.
حروب الخارج مكلفة بشريا وماليا وسياسيا وعسكريا، لكن حروب الداخل، اذا ما اندلعت، هي الاكثر كلفة على الصعد كافة، خاصة عندما تتفجر في الوقت الخطأ، وفي ظل احتقان شعبي كبير، واوضاع اقتصادية مأزومة، وبطالة مرتفعة.
من جرى تنفيذ احكام الاعدام بهم لهم حواضن وامتدادات شعبية وقبلية وطائفية، مثلما لهم انصار في الداخل والخارج، ولا نعتقد ان من اتخذ القرار، حسب حساباته جيدا، تماما مثلما فعل عندما ورط بلاده في حروب خارجية، واليمنية منها خاصة.
ايام المملكة القادمة صعبة، بل صعبة جدا، ونكتفي بهذا القدر.

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

السعودية وراء وقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات” ... حكام العرب مستمرون في سياسة تكتيم الأفواه والإستعلاء

    نوفمبر 06, 2015   No comments

لندع جانبا الذرائع والحجج التي تستخدمها السلطات السعودية لوقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات”، الذي يوجد مقر مجلس ادارته في عاصمتها الرياض، وتملك حوالي ثلث اسهمه، ونتحدث عن ظاهرة اكثر اهمية واخطر، وهي تحول هذه السلطات الى الجهة التي تقرر من هو موضوعي، ومن هو حر، ومن هو منحاز، ومن هو عدو، ومن هو صديق، ومن هو مهني، ومن هو غير مهني، ومن يجب ان يبقى على “العربسات”، او “النيل”، او اي قمر صناعي عربي آخر، ومن يجب ان يطرد، ومن هو المطرب او المطربة، ومن هو الشاعر او الشاعرة، ومن هو المبدع، ومن هو غير المبدع.

السعودية ومعظم حلفائها في مجلس التعاون، والتحالف العربي الذي تقوده في اليمن، هو الذي قرر حجب القنوات الفضائية اليمنية التابعة للتحالف “الحوثي الصالحي”، مثلما قرر قبلها اغلاق القنوات الليبية الرسمية لدولة عربية مساهمة في القمر الصناعي نفسه، واتخذ القرار نفسه، وبالاعذار نفسها، لاغلاق القنوات السورية، فممنوع ان يكون هناك رأي آخر، لانهم يخافونه وكل منابره الاعلامية، مهما كانت بائسة وفقيرة ماليا وفنيا، وهم الذين يملكون الامبراطوريات واذرعتها الاعلامية التي تتناسل وتتناسخ مثل الارانب، وتنفق المليارات لتمويلها.

***
لا نعرف من اعطى السلطات السعودية هذه القوة، ومنحها هذا “الفيتو”، ولماذا الصمت عليه من دول مثل مصر والعراق والجزائر والمغرب والكويت والاردن، والقائمة طويلة، وبأي حق هي التي تحجب من تشاء وتبقي من تشاء، باسم العرب والمسلمين، والجامعة العربية ومؤسساتها.
السلطات السعودية فعلت، وتفعل، كل هذا، وما هو اكثر، وانطلقت الآن من دائرة حرب التعتيم الاعلامي التي برعت فيها جيدا طوال الثلاثين عاما الماضية الى التدخل العسكري المباشر، وكل هذا تحت شعار حماية الشعوب، ونشر قيم العدالة الاجتماعية، وترسيخ قيم الديمقراطية، والقضاء العادل المستقل.

نفهم هذا التغول لو كانت الامبراطوريات الاعلامية السعودية، والاخرى الدائرة في فلكها، قمة المهنية والموضوعية والحيادية، ولا تعتمد اي اجندات خاصة وتحترم الرأي الآخر، ولا تضع قوائم سوداء وحمراء وصفراء لضيوفها، واذا كنا مخطئين حدثونا لو تفضلتم عن موضوعية “العربية”، ومهنية “الجزيرة” خاصة في الشؤون اليمنية والمصرية والليبية والسورية، افيدونا حول “اعتدال” وعدم طائفية اكثر من مئة قناة اسلامية تمولها الدول الخليجية، والسعودية منها على وجه الخصوص؟
السبب او الذريعة التي تستخدمها السلطات السعودية في وقف بث قناة “الميادين” ظهور ضيف ايراني على قناتها تهجم عليها اثناء كارثة الحج الاخيرة، كلام جميل، وعذر مقبول، ولكن من حقنا ان نسأل المسؤولين السعوديين، عما كانوا يتوقعون ان يكون رد فعل المسؤولين الايرانيين، عن مقتل اكثر من 300 من حجاجهم سحقا تحت الاقدام، واختفاء اكثر من مئتين لم يتم العثور على اي منهم حتى الآن، او الحصول على رد واضح حول مصيرهم وغيرهم المئات من الحجاج الآخرين من السلطات السعودية؟
هل يتوقع المسؤولون السعوديون من اب مكلوم، او ابن فقد والده، او الدته، او الاثنين، ان يتغنى بالترتيبات السعودية الرائعة والعالية المستوى لموسم الحج، وان يشيد بحكومة خادم الحرمين الشريفين على رعايتها، وحرصها على ارواح الحجاج؟
مر اكثر من شهرين الآن على كارثة الحجاج، ولم نسمع او نقرأ حتى الآن رقما حقيقيا موثقا علميا عن عدد الضحايا، او مصير المجهولين، ولم نقرأ او نسمع، حتى كتابة هذه السطور، معلومات موثقة عن كيفية حدوث هذه الجريمة، ومن هو المسؤول عنها رغم وجود آلاف الكاميرات، ورغم تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وكل ما سمعناه هو ارسال خادم الحرمين برقية تهنئة الى ولي عهده رئيس اللجنة العليا المشرفة على رعاية شؤون الحجاج وسلامتهم بمناسبة النجاح الكبير لجهوده في هذا الاطار.
اليمن افقر بلد عربي، وربما في العالم بأسره، يواجه قصفا يوميا، ومنذ سبعة اشهر، من اكثر من مئتي طائرة، من احدث ما انتجته المصانع الامريكية، تلقي بحممها على رؤوس اليمنيين، وتقتل وتدمر كيفما تشاء، وتقصف معامل للحليب وتعبئة المياه واعراس، وسط حصار بحري وجوي وبري خانق، اوصل اكثر من عشرين مليون يمني الى المجاعة، وبات خيار المواطن اليمني اما الموت جوعا، او قصفا، نعم.. الحوثيون يقصفون ويقتلون ايضا، ولكن من الذي ذهب الى حربهم؟ ومن البادي في اشعال فتيلها؟ ومن الذي انفق اكثر من 300 مليار دولار على شراء احدث الصواريخ والقذائف واشدها فتكا في السنوات الثلاث الماضية فقط، ويستخدمها حاليا في اليمن؟
***
ممنوع علينا وغيرنا الكتابة عن كل هذه القضايا بموضوعية، ممنوع ان نردد ما يقوله بان كي مون امين عام الامم المتحدة عن مقتل ما يقرب العشرة آلاف يمني، ممنوع ان نتحدث عن كارثة الحج، ونطالب بمعرفة عدد القتلى، هل هم 760 قتيلا؟ ام 2200 قتيل؟ ام اربعة آلاف؟.. ممنوع ان نتحدث عن اي اهمال او تقصير.. ممنوع ان نتطرق للتواطؤ العربي مع حلف الناتو، ودوره في تحويل ليبيا الى دولة فاشلة، تهيمن عليها الميليشيات المسلحة تماما، مثلما كان ممنوعا علينا ان نتعاطف مع اكثر من مليون عراقي قتلهم الحصار بعد غزو الكويت عام 1990، او اكثر من مليون بسبب الغزو والاحتلال الامريكي، واذا تحدثنا فاننا غير موضوعيين، وغير مهنيين، او مجوس، وعملاء لايران، مثلما كنا عملاء لصدام حسين، في نظر اسياد الموضوعية والمهنية، والقيم الديمقراطية، واصحاب البرلمانات التي لا يوجد لها مثيل في العالم، الذين يبكون دما حاليا على العراق وصدام الذي تآمروا مع الامريكان على حصارهما وتدميرهما.

لقد طفح كيلنا من غروركم وغطرستكم وعجرفتكم.. استمروا في هذا النهج، ونبشركم بانكم توحدون الغالبية الساحقة من فقراء العرب، واصحاب الضمائر الحية ضد انظمتكم.

احجبونا.. اطرودنا من عربساتكم.. امنعونا من قنواتكم ومطاراتكم.. واشتمونا كما شئتم.. سنظل نكتب ونكتب حتى ولو على الجدران.. وسننتصر دائما للمظلومين العرب، واولهم شعوبكم.. ولن ترهبونا مطلقا.

الجمعة، 21 أغسطس 2015

هل تبدأ حركة الإخوان مراجعة فكرها ومنهجها مـــــن اليمن؟

    أغسطس 21, 2015   No comments
اتصالات «أنصار الله» ــ «الإصلاح»: وحدة في مواجهة خطة «الاستنزاف»؟

في العام الماضي، قاد الجيش اليمني حملةً عسكرية في محافظة شبوة ضد تنظيم «القاعدة». وقف حزب «الاصلاح» (الإخوان المسلمون) ضد هذه الحملة وأطلق إعلامه حملة تحريض ضد الجيش، وفتح معركة عمران كتخفيف عن «القاعدة» في شبوة، محاولاً حينها الإيحاء بأن التهديد هو على العاصمة وليس من «القاعدة».

الحوار بين «أنصار الله» وحزب «الإصلاح» انطلق منذ بداية الحوار الوطني حتى إعلان العدوان السعودي على اليمن في آذار الماضي. هدف الحوار حينها إلى تذليل العقبات وتجنب كل الخلافات بين الطرفين، ولكن في كل مرة كان الحوار يصطدم بالعقبة السعودية التي لم يستطع «الإصلاح» تجاوزها، في الحوار الأخير في فندق «موفمبيك» في العاصمة صنعاء. وقبل العدوان، طلب «أنصار الله» من مندوب «الإصلاح» أن يفصح عن الضمانات التي يريدونها مكتوبة، مؤكداً استعداد «أنصار الله» للتوقيع عليها، فكان ردّ مندوب «الإصلاح» القيادي محمد قحطان: «اذهبوا إلى الرياض، وما تتفقون عليه مع السعوديين نلتزم به». وكان «العرض» يقضي بأن يرشح «الإصلاح» أي اسم لرئاسة المجلس الرئاسي، رغم أن الحزب الاشتراكي كان يرغب في ترشيح اسم من قبله، فتم الضغط عليه ليسحب مرشحه لمصلحة مرشح «الإصلاح».

قبل ذلك، عقد لقاء ثلاثي ضم «أنصار الله» وحزب «الإصلاح» وحزب «المؤتمر الشعبي». الاجتماع نتج منه اتفاق، غير أن مندوب «الاصلاح»، محمد قحطان، الذي كان في الاجتماع الثلاثي، نكث بعهوده وتراجع عن الاتفاق، بحضور بقية المكونات والمبعوث الدولي السابق جمال بن عمر.

أوساط «الإصلاح» ترى أن «أنصار الله» استعجلت في الاعتقالات السياسية، وأنها لو دعت الهيئة العليا ومجلس الشورى لحزب «الإصلاح» وطلبت منهم موقفاً من العدوان، لكان الوضع اختلف. بل أكثر، هم يقولون إن الحركة لو سألت الحزب عن البيان الصادر عنه والذي أيّد العدوان، لكانت الهيئتان قررتا تحويل من صاغ البيان إلى المحكمة القضائية.
وكانت هاتان الهيئتان قد اتخذتا موقفاً رافضاً لهذا العدوان. وتضيف هذه الأوساط أن «الإصلاح ليس مع العدوان، ومن أيّد العدوان هم نفر قليل لا يمثلون السواد الأعظم من الحزب»، وأن هذا الموقف أضرّ بـ«الإصلاح» قبل أن يضرّ بـ«أنصار الله»، مؤكدين أن من أيّدوا العدوان «سيبقى موقفهم يلاحقهم لسنوات عديدة».

في شهر رمضان الماضي، عُقدت لقاءات عدة بين «أنصار الله» و«الإصلاح»، وحصل بعض الانفراج السياسي بينهما، تُوّج بإطلاق سراح عدد من سجناء «الإصلاح» من سجون صنعاء، غير أن الوضع الميداني بقي على ما هو عليه، ولم تتح أحداث العدوان تطوير التواصل والتوصل إلى تفاهمات بينهما.
وعلمت «الأخبار» أن لقاءات عقدت بين «أنصار الله» و«الإصلاح» تم خلالها نقاش القضايا الخلافية ووجهة نظر كل طرف منها. وتم التطرق إلى «القضايا المشتركة»، وهي أكثر مما يفرق، مثل قضايا الإسلام واليمن والأمة العربية، الموقف من فلسطين، من إسرائيل، ومن الولايات المتحدة، إضافة إلى بعض الأنظمة في الإقليم التي وضعت «أنصار الله» و«الإصلاح» على قائمة «الإرهاب»، والمعني هنا بشكل أساسي السعودية والامارات. وقالت مصادر مطلعة إن تلك اللقاءات شهدت تطابقاً في وجهات النظر حول إبعاد اليمن عن التبعية للآخرين وإن دول العالم لن تنفع البلد. كذلك أكد المجتمعون أن ما ينفع هو تقبّل الآخر والتعايش معه وأن ليس بمقدور أحد إلغاء أيّ مكوّن من المكوّنات، وأن اليمن يتّسع للجميع، بما فيهم القوى اليسارية والقومية والعلمانية.
وعلمت «الأخبار» أن هناك مساعي للمساعدة على إخراج بعض قيادات «الإصلاح»، مثل محمد قحطان وحمود المخلافي، كبادرة حسن نية من أجل العمل على التصحيح والمشاركة مع بقية القوى السياسية في موقف موحد من العدوان ومن الحلّ السياسي ليكون يمنياً ــ يمنياً.
في هذا الوقت، تقول المصادر إن موقف «أنصار الله» ثابت من المؤيدين للعدوان أو من الفارّين إلى السعودية من «الإصلاح» أو غيره، وإن هذا الموقف لا يمكن التهاون فيه، أما الأشخاص الذين يرفضون العدوان فيُدرس الموقف تجاههم، علماً بأن بعض الأسماء سيطلق سراحهم في الساعات والأيام المقبلة.
وقد علمت «الأخبار» بمحاولات تجري مع بعض القيادات من «الإصلاح» للعمل على اتخاذ موقف بتصحيح «الخطأ التاريخي» المؤيد للعدوان، وحثّ هذه القيادات على اتخاذ موقف كبير وشجاع يصحّح أخطاء القرارات الخاطئة، لأنه لا يمكن أن تعالج بقرارات أدنى من مستوى تلك القرارات السلبية، لا سيما أن هناك خشية من فصل الجنوب عن الشمال وحصر الصراع في الشمال، لإنهاك حزب «الاصلاح» و«أنصار الله»، خصوصاً أن المعلومات تفيد بأن دولة الإمارات تعمل من خلال فريق العمل المكلف بإدراة العدوان على اليمن على رصد موازنات مالية ضخمة لقتال الطرفين، حزب «الإصلاح» و«أنصار الله»، على حدّ سواء.
ويتساءل البعض في حال ذهاب دول العدوان إلى تأييد انفصال الجنوب، ماذا سيكون موقف قيادات «الاصلاح»؟ وينطلقون من مبدأ أن طرفاً واحداً في اليمن لا يستطيع أن يدافع عن الوحدة. فالمطلوب من الأطراف تكرار الاجتماعات وتطوير نتائجها حتى تنتقل من الكلام النظري إلى خطوات عملية، بدءاً من إيقاف الحرب الداخلية وتوحيد الصفوف للدفاع عن وحدة البلد، من خلال قرارات مصيرية تجمع الجميع في منتصف الطريق.

__________________
عن «الأخبار»

الأربعاء، 8 يوليو 2015

عام على احتلال الموصل... نظاما القضاء والحسبة والمنهج والدستور الذي يعتمده تنظيم "الدولة الإسلامية" والتقسيم الإداري والتنظيمي له في الموصل

    يوليو 08, 2015   No comments

موريس ملتون *

حين دخل "داعش" إلى الموصل ظنّ الجميع أنهم جاءوا بطريقة عشوائية، وأنهم سيحتاجون وقتاً طويلاً لتأسيس وجودهم في المدينة. لكن داعش كان قد جهزّ لكل شيء، ويحمل معه "أدوات الدولة" كاملة حين دخل، وعلى دراية كبيرة بأوضاع الحكومة المحلية والإدارية، وبالشؤون الاقتصادية والاجتماعية في المدينة. كان لديه إرث نصّي ومعرفي كبير بأوضاع الموصل، واستناداً إلى ذلك جاءت أفعاله في ملء الفراغ الذي خلفته الحكومة المحلية.
فهم "داعش" الطبيعة السكانية، وأهمية الموصل والآليات التي ينبغي اتخاذها لتنفيذ منهجه وبرنامجه. ومن الخطأ اعتباره مجرد عصابة أو جماعة عشوائية، بينما هو خلاصة التجارب السابقة للجماعات الجهادية.
وتلخص الوثيقة السياسية التي أعلنها في 13 حزيران/يونيو 2014، بعد أيام من احتلاله المدينة، المنهج والدستور الذي يعتمده التنظيم، والتقسيم الإداري والتنظيمي له في الموصل.

القضاء

في فقرة من المادة 16 من "وثيقة المدينة" كُتب: "ها هي الآن حقبة الدولة الإسلامية وعهد الإمام أبي بكر القرشي، إمامة قرشية اتخذت الوحي المنزل منهجاً والقضاء به أبيض أثلج". في هذه الفقرة إعلان بأن المنهج والقانون والدستور الوحيد، والمصدر التشريعي، هو "القرآن" وبدرجة ثانية السنة النبوية، التي لا يعير لها داعش أهمية كبيرة. وعلى هذا الأساس، أعلن عن تأسيس نظام الدواوين المتّبع في الدول الإسلامية التي نشأت على مرّ التاريخ الإسلامي.
والقضاء هو منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للنزاع وقطعاً للتداعي، وهو من الوظائف التابعة للخلافة. ويرتبط هذا الديوان بشكل مباشر بأعلى مجلس تشريعي في "داعش"، لأنه المنصب الفاصل في القضايا لكل الناس: للمدنيين الذين يسمّيهم "العوام"، وللجنود. وله أهمية كبرى وشروط وضوابط كثيرة يجب توفرها ليصبح الشخص قاضياً شرعياً. لكن "داعش" حسم الأمر وأعطى المنصب للموالين له من قبيلة البو متيوت. وهناك ثلاثة قضاة رئيسيين في الموصل يتمتعون بصلاحيات واسعة، ويعمل تحتهم قضاة صغار بالسن، منهم المدعو "مصطفى الشرعي" (23 عاماً) الذي ظهر برفقة الصحافي الألماني في الموصل، ويتولى منصب القضاء في المحكمة الشرعية في الساحل الأيسر من المدينة، ويعمل معه قضاة آخرون. وقد أنشأ "داعش" مؤسسة خاصة لتدريس القضاء الإسلامي تخرجت منها دفعة جديدة من القضاة وانتشروا في المدينة.
للقاضي مجلس يُسمّى "مجلس الاستئناس والشورى" حيث تتم مداولة الأحكام والقضايا للخروج بقرار قطعي. وقد ركزّ "داعش" في إعلامه الترويجي (والجاذب للانضمام إليه) على ما يُسمّيه "طلاب العلم الشرعي"، الذين يشكلون جوهر هذا الديوان، لحاجته لوجود هؤلاء، خاصة للفصل في القضايا بين مقاتليه. والقضاة هم الذين يصدرون أحكام الإعدام، وأحكام إقامة الحدود، والعقوبات.
وهناك فرع من القضاء يتولاه "قاضي التحقيق" الذي يبحث في القضايا والشؤون الآنية، والجرائم والحوادث. وهناك شخص مسؤول عن النظام القضائي والحسبة، يرجع القاضي الأعلى في شؤونه إليه، وبإمكان المسؤول الأول عن النظام القضائي أن يلغي أي قرار يصدر من المحكمة الشرعية أو أن يعدله.
ولدى ديوان القضاء فروع أخرى: القاضي الذي يعمل بالشؤون المدنية مثل الزواج والأحكام المدنية والأحوال الشخصية، والقاضي الذي يعمل بالشؤون الجنائية والجرائم والجنح. وقاضي العسكر، ويرتبط بالقضايا المتعلقة بالجند والشؤون والحوادث التي تجري في صفوف "داعش" العسكرية والأمنية. أما قاضي الأموال فيرتبط بشؤون الجوانب الاقتصادية وما يتصل بها.
وأما ديوان المظالم فمنصب ممتزج بين الهيئة الشرعية والقضاء، والعامل فيه له سطوة ويد عليا في التنظيم، وهو أعلى من القاضي، فهو ينفذ ما يعجز القضاة عن فعله، وينظر في الشكاوى والنزاعات بين القبائل والخلافات بين الناس، والخلافات بين المدنيين ("العوام") وبين عناصر "داعش"، والخلافات داخل "داعش"، ولديه الحق بتأجيل إي قرار أو حكم. وأكثر من يعمل في هذا المنصب هم المنتمون لـ "داعش" من قبيلة الجبور، وخاصة من منطقة حمام العليل جنوب الموصل، لتاريخهم الطويل مع التنظيم.

أمثلة عن الأحكام

هذه بعض القضايا المتعلقة بديوان القضاء خلال العام المنقضي:
-    اعتقال شخص يوم زفافه لأنه لم يذهب للمحكمة الشرعية لتسجيل زواجه، وإنما اكتفى بكتابة "عقد المُلّا"، رافضاً أن يكتب عقد زواجه لدى "داعش"، فأجبروه أن يكتب العقد لديهم.
-    اصدر القاضي الجنائي قراراً بالإفراج عن 150 سجيناً لدى "داعش" ثبتت براءتهم، لكن القاضي الأعلى رفض إطلاق سراحهم، وأمر بإبقائهم قيد الاعتقال لوجود "إحساس" وشكّ لديه بأن خروجهم سيدفعهم للعمل ضد "داعش"، وما يزال هؤلاء معتقلون منذ 9 أشهر.
-    اصدر القاضي الشرعي وحده 3271 حكماً بالإعدام بحق عناصر شرطة، وشباب، ونساء، كلهم من السنّة ومن سكّان الموصل.
-    أصدر "مصطفى الشرعي" أكثر من 467 قراراً بالإعدام بحق شباب اعتقلهم "داعش" وعناصر الشرطة والأجهزة الأمنية، وكلهم من أطراف مدينة الموصل.
-    أصدرت المحكمة الشرعية 389 قراراً بالإعدام ثبت أنها استندت إلى شهادات زور عبر مخبر سريّ، ونفذت بحق هؤلاء وهم أبرياء، وسلمّهم داعش لأهاليهم مع عبارة "رحم الله ابنكم ونحسبه شهيداً عند الله لأنه قُتِلَ بالخطأ"، ودفع لهم الديّة.
-    أصدرت المحكمة الشرعية تعديلاً في 24 آذار/مارس 2015 على قانون "حدّ الردة" الذي صدر في 17 حزيران/يونيو 2014، وكان يقتصر على قوات الأمن من الذين يتم اعتقالهم أثناء الحرب، أو الذين عليهم أحكام سابقة من التنظيم قبل احتلال الموصل، فوسعت هذا القانون ليشمل ذكور الشرطة وإناثها، المرشحين للبرلمان والمناصب الحكومية التابعة للمحافظة والقضاء وغيرها، موظفي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، "سبّ الذات الإلهية"، إعلان موقف يمدح الحكومة العراقية أو الجيش أو الشرطة، الزاني المتزوّج، بيع السجائر والمشروبات الكحولية والمتاجرة بها، التخابر مع جهة خارجية ضد "داعش"، الأطباء والكوادر التعليمية والأكاديمية الذين تركوا الموصل ورفضوا العودة إليها، الانتماء للقوات التي تنوي تحرير الموصل، السرقة، العاملين بالرقية الشرعية والذين يسمّيهم "داعش" "السحرة"، ناكث البيعة، من يثبت أنه يؤمن بالفكر العلماني والشيوعية والبعثية والوطنية، مَن يعثر لديه على علم الدولة العراقية، مَن يناصر التحالف الدولي "بالتفكير، الكلمة، الفعل، الترويج، التمنّي"، المدخّن الذي يصرّ على التدخين بعد اعتقاله وجلده (إذ يعتبرون مَن يُصرّ على التدخين قد عرف الحق وأنكره، لأن التدخين فيه مجاهرة في المعصية، ومناصرة للاقتصاد الأميركي باعتبار أكبر الشركات المنتجة للدخان أميركية، فشرب الدخان يعني دعم الاقتصاد "الصليبي")، من يتحدث عن المسيحيين والايزيديين ويعتبر ما حدث لهم ظلماً، الذي يرفض دفع الزكاة متعمّداً، تداول الكتب التي تحمل أفكار "الكفر والعلمانية" ونشرها، تداول ونشر الكتب والأخبار المعارضة لـ "داعش".
وهناك حكم ردة يصدر ويتطلب التوبة، لكن التوبة لا تمنع الإعدام عن الشخص، وقد حدث هذا مع عناصر الشرطة خاصة، ويقول داعش أن التوبة هي فقط لإعادته إلى الإسلام، وبعد التوبة تنتفي عنه عبارة "المرتدّ"، فيتمّ قتله وهو "مسلم"، لأن عقوبة القتل هذه في حياته تُنهي تعرضه للعقوبة يوم القيامة.

الحسبة

هو صاحب "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"، يتجوّل أفراده في الشوارع بحثاً عما يسمّونه "المخالفات"، وهو جهة تنفيذية رقابية في الشارع، يقوم أفراده بالجلد، وتنفيذ العقوبات التي يصدرها ديوان القضاء من أحكام القتل والجلد والصلب والرجم والرمي من البنايات المرتفعة، والاعتقال.. وقد صار المنصب من حصة قبيلة البو حمد، حيث أمير الديوان منهم وكذلك نسبة كبيرة من أفراده، ومن يحصل على هذا المنصب يكون خارج دائرة المساءلة والمحاسبة. ويعتبر صاحب الحسبة نفسه "إلهاً صغيراً" في الأرض، لأنه مكلّف بأحكام شرعية سماوية، وهو لا يدافع عن حقوق الناس بل عن حقوق "الله".. ما دفع الكثير للتنافس للحصول على هذا المنصب.

مظاهرهم وسياراتهم

يرتدي عنصر الحسبة دشداشة بيضاء اللون، قصيرة، فوقها سترة سوداء بلا أكمام، ويضع على رأسه كوفية سوداء أو صفراء. وهم غالباً من الريفيين. ويشعر عنصر الحسبة بأنه مخول بفعل كل شيء، وبأنه خالص من كل شوائب أو عيوب، يتصرّف بغضب مع مَن يخالفه أو يحاول نقاشه إذا ما تعرض للمساءلة، يمتلك "وقاحة" كبيرة جداً للتصرف، يرتفع صوته لأتفه الأسباب، يميل دائماً إلى استخدام يديه أثناء الحديث مع المواطن، لديهم "نظر ثاقب" فهو يستطيع رؤية الكحل في عين المرأة حتى وإن كانت ترتدي نقاباً كاملاً لا تظهر منه العيون.. يتحدث وهو ينظر لعيون المواطن بطريقة وقحة، لا يخفض عيونه حين يتحدّث، وغالباً، إذا رأى "مخالفة"، يهجم ويمسك برقبة الضحية، ويسحبه من رقبته أو من أكمام قميصه.
حين يمشي، تبقى أكتافه مرتفعة وساقاه متباعدتين، يلاعب لحيته كثيراً، ويحمل بيده مسواك دائماً، ويؤشر بالمسواك على عين الضحية. لا يعتذر إذا كان مخطئاً، ويميل دوماً إلى إلقاء التهمة باستخدام "الإحساس" فقط. يتحدث بكل شيء، في الاقتصاد، والفقه، والسياسة، والاجتماع، والتاريخ.. يكون بين أقرانه الآخرين من عناصر "داعش"، من غير الحسبة، بمثابة كائن خيالي لا يمكن الوصول إليه. يضع أفضل أنواع العطور، وثيابه دائماً نظيفة ومكوية. حين يقود السيارة ينظر إلى الناس شزراً.
لدى الحسبة سيارات "فان" بيضاء اللون وسوداء، مرقمة من 1 الى 26 وتكتب لوحاتها هكذا: "ديوان الحسبة ف" ثم الرقم. و"ف" نسبة إلى "فرقة".
للسيارة نوافذ مفتوحة للمراقبة، وباب من جهة اليمين في الخلف يبقى غالباً مفتوحاً، وهم عادة يمشون بسرعة كبيرة. يظهرون فجأة عند كل أذان، ويقومون بوعظ الناس لحضور الصلاة، ويراقبون حركتهم، والأسواق، يمكنهم الرؤية "في الظلمة"، والعهدة في إثبات ما رأوه على "الإحساس".

أمثلة عن المساءلة والعقوبات

1. الفعل: التدخين. العقوبة: 70 جلدة، غرامة مالية 25000 دينار، إنذار نهائي.
2. الفعل: ارتداء ثياب مخالفة "للزي الشرعي" الذي عمّمه "داعش". العقوبة: ارتداء زي مخالف للشرع: حلق شعر الرأس بالكامل، 30 جلدة، غرامة مالية 25000، تمزيق الملابس، إنذار نهائي، كتابة تعهّد بعدم ارتداء الزي مرة أخرى.
3. الفعل: ارتداء نقاب لا يطابق الشروط الشرعية والضوابط التي نشرها "داعش". العقوبة : منع المرأة من الخروج مرة أخرى من المنزل منعاً قطعياً، ويتعرّض الزوج للاعتقال إذا كانت متزوجة، ودفع غرامة مالية قدرها 50000 دينار، وكتابة تعهّد خطي بمنع خروج زوجته أو المرأة التي بكنفه منعاً قطعياً لا رجعة فيه.
4. الفعل: حمل هاتف أثناء التجول في الشارع. العقوبة: إذا لم يثبت عليه التجسس أو إيصال معلومات، تكون العقوبة مصادرة الهاتف، 15 جلدة، تعهّد بعدم حمل هاتف مرة أخرى.
5. الفعل: مواد إباحية أو صور "فاضحة" في الهاتف. العقوبة: مصادرة الهاتف، 80 جلدة، إنذار نهائي، كتابة تعهد خطي، الدخول في دورة تأديبية على الأحكام الشرعية.
6. الفعل: عدم دفع أموال الجباية. العقوبة: غرامة مالية ضعف مبلغ الجباية، 25 جلدة، إنذار نهائي، كتابة تعهد خطي.
7. الفعل: حلق اللحية. العقوبة: 100 جلدة، غرامة مالية قدرها 50000 دينار، سجن لمدة شهر(حتى تطول اللحية).
8. الفعل: عدم دخول المسجد أثناء الأذان. العقوبة: 150 جلدة، سجن لمدة أسبوع، الدخول في دورة تأديبية على الأحكام الشرعية، غرامة مالية قدرها 25000 دينار.
9. الفعل: عدم إغلاق الدكان أثناء الأذان. العقوبة: إغلاق الدكان لمدة ثلاثة أيام، 20 جلدة، إنذار نهائي، تعهد خطي، غرامة مالية قدرها 100000 دينار.
10. الفعل: الاستماع للموسيقى والأغاني في السيارة. العقوبة: تحطيم جهاز التشغيل، 15 جلدة، تسجيل معلومات الشخص في سجل المخالفين للأحكام الشرعية، ومراجعة ديوان الحسبة مرة كل 15 يوماً، دخول دورة تأديبية على الأحكام الشرعية.
11. الفعل: حلق الشعر بطريقة تشبه "الكفّار". العقوبة: حلق الشعر بشكل كامل، 25 جلدة، إنذار نهائي، كتابة تعهد خطي، مراجعة ديوان الحسبة كل 15 يوماً.
12. الفعل: مغادرة المدينة من دون الشروط والضوابط. العقوبة: من يتم اعتقاله وهو يحاول الهروب، يمتلك القاضي الحق في إصدار حكم الإعدام عليه لأنه رفض العيش في دار الإسلام وفضّل العيش في دار الكفر، والعقوبة التعزيرية 70 جلدة، وكتابة تعهد خطي بعدم المغادرة، ورهن الأملاك وسند الملكية والسيارة لدى ديوان الحسبة.
13. الفعل: عدم تسجيل العربات المتجولة والبسطات لدى "داعش". العقوبة: مصادرة العربة وما عليها من مواد، 30 جلدة، منع قطعي من مزاولة أي عمل مرة أخرى.
14. الفعل: التأخر أسبوع واحد عن دفع أموال الجباية. العقوبة: إرسال إنذار نهائي يعرِّض صاحبه للاعتقال ولمصادرة الأموال في حالة امتنع عن الدفع لقسم الجباية.
15. الفعل: نشر الأخبار والإشاعات. العقوبة: 130 جلدة، حلق شعر الرأس بالكامل، غرامة مالية 150000 دينار، كتابة تعهد خطي بعدم نشر أية أخبار أو إشاعات مرة أخرى.
16. الفعل: التشكيك في حقيقة ما يجري من أحداث وحقيقة اعتبار "داعش" "دولة خلافة". العقوبة: 150 جلدة "مغلظة"، غرامة 250000 دينار، كتابة تعهد خطي بعدم تكرار الأمر، دورة تأديبية على الأحكام الشرعية.
17. الفعل: الاستهزاء بعمل ديوان الحسبة، او الاستهزاء بأي قسم من أقسام "داعش". العقوبة: 70 جلدة، حلق شعر الرأس بالكامل، غرامة مالية 300000 دينار.
18. الفعل: النظر الطويل إلى مواقع "داعش" أو سياراتهم أو أفرادهم يؤدي للاعتقال بتهمة وجود رغبة بالحصول على معلومات، والتحقيق والإبقاء قيد الاعتقال من دون البتّ في القضية، وكثيراً إلى الإعدام.
19. الفعل: بيع ملابس تخالف الشرع، أو عرضها بشكل "فاضح" في المحال التجارية، أو عرض "مجسّمات" الأزياء في المحال التجارية. العقوبة: مصادرة المواد، إغلاق المحل لمدة أسبوع، كتابة تعهّد بعدم التكرار، 70 جلدة.

ملاحظات

يقتصر النظام القضائي على العراقيين وعلى القبائل العربية فقط، إذ تمّ استبعاد الكرد والتعلفريون والأجانب من هذا الديوان.
وحاول الأجانب، وخاصة الشيشانيين، تأسيس محكمة شرعية خاصة بهم للنظر في شؤونهم لكنهم فشلوا في ذلك، نظراً للسطوة التي تتمتع بها القبائل العربية صاحبة النفوذ الكبير في التنظيم. وتصرف رواتب كبيرة جداً للقضاة والعاملين بالحسبة، بالإضافة إلى حصولهم على نسبة 3 في المئة من الغنائم التي تستحوذ عليها "داعش".
وبعد اعتقال الشخص، لا يُعرض على القاضي قبل مرور أسبوع على اعتقاله، وبعد التحقيق معه. وإذا كان حليق اللحية لا ينظر القاضي في قضيته إلا بعد أن تنمو لحيته.

 ____________________________
* شهادة من داخل الموصل غيَّر صاحبها اسمه

عن السفير
 

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.