أجرت «الأخبار» مقابلتين مع القاضي الشرعي العام لـ«جيش الفتح» الشيخ السعودي عبدالله المحيسني. اعترف فيها بأرتكاب جيشه جرائم حرب مثل قتل الأسري. مقالة الأخيار تتبع.
__________
عبدالله المحيسني: في حلب معركة وجود... نكون أو لا نكون
رضوان مرتضى
وصل الشيخ السعودي عبدالله المحيسني إلى سوريا في تشرين الأول من عام 2013 لحل الخلاف الذي نشب بين تنظيمي «الدولة الإسلامية» وعدد من الفصائل، ولا سيما «حركة أحرار الشام» و«جبهة النصرة».
ولدى وصوله، كان أول ما طلبه لقاء زعيم تنظيم «الدولة» أبو بكر البغدادي، لكنّ قادة في التنظيم اعتذروا، وأبلغوه أن بإمكانه الاجتماع إلى صاحب القرار في الشام، وهو أبو علي الأنباري. لم تُفلح وساطة المحيسني في إصلاح ذات البين بين «إخوة الجهاد». رفض بعدها المحيسني عرض الأنباري بالانضمام إلى صفوف «الدولة» كقاضٍ شرعي. في بداية عام ٢٠١٤، تحوّل المحيسني إلى رأس حربة في المواجهة مع تنظيم «الدولة». نجا من أكثر من محاولة اغتيال وأصيب مرات في المعارك الدائرة في الجنوب السوري. ذاع صيته ليصبح أحد أبرز نجوم «الجهاد» السوري، برغم أنّه لم يبايع أيّ تنظيم، واختار العمل مستقلاً، كما يقول. أعاد بعدها تشكيل «جيش الفتح»، الذي يضم «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» وتنظيمات أخرى، وتحوّل إلى أقوى قوة مقاتلة في الداخل السوري. ويتولى اليوم منصب القاضي الشرعي العام في «جيش الفتح». في المقابلة التي أجرتها «الأخبار» على مرحلتين، تحدث عن معركة حلب، مشيراً إلى أنها لم تنته بعد: «تقديراتنا أنّ المواجهة ستستمر لأشهر. ما يجري في حلب عمل عسكري ضخم، على خلاف ما يجري في النواميس العسكرية. حلب بالنسبة إلينا معركة وجود، نكون أو لا نكون. لا نُريد كسر الطوق عن حلب، إنما نُريد تحريرها كلياً. جيش الفتح منظّم ويملك ترسانة عسكرية منظّمة. في بداية الهجوم، كُسر الطوق على محور مدرسة الحكمة. وهنا الرمزية أنّه خلال ستة أيام فقط تمكنّا من فك الحصار بتوفيق من الله، لكننا نعلم أنّ معركة فك الحصار تحتاج بين شهر وشهرين، بحسب التقديرات العسكرية». يصف المحيسني المعركة بأنّها «معركة تناطح بالرؤوس بين الثورة وحلف روسيا، لا حلف النظام السوري، لأن النظام أصبح أداة مسيّرة بأيدي روسيا وإيران. والصراع الآن روسي إيراني على أكبر كعكة في سوريا. والنظام السوري لا يملك قرار الإيقاف والبدء». الميدان السوري سيحسم المعركة، لكن الشيخ السعودي يتحدث عن أخطاء تُرتكب في صفوف المعارضة. ففي مسألة فصل «جند الاقصى» عن «الفتح»، يقول: «أنا أعدّه خطأ استراتيجيا لأنهم في نهاية الأمر موجودون على الساحة. وأنا أدعوهم، كما ندعو كل فصائل الساحة، إلى الانخراط في جيش الفتح لإكمال المسيرة لقتال النظام النصيري».
المحيسني أجاب عن سبب دعوته الأمين العام لحزب الله لمناظرة تلفزيونية قائلاً: «أود أن أقول لنصرالله لقد كنت رمزاً حتى لأهل السنة. لقد كنت رمزاً قومياً ووُضِعت صورك على سيارات أهل السنة. كنت صاحب حرب تموز الذي هزم اليهود. وها أنت اليوم تزج بكل ثقل حزب الله لقتال من احتضنوك في حرب تموز».
«لدينا عشرة أسرى من حزب الله. أما العلويون، فبمجرد أن نأسر منهم نقتلهم»
يُحاول المحيسني مخاطبة الوجدان الشيعي، لكنّ موقفه من الشيعة بقي حمّال أوجه قبل أن يتضح في القسم الأخير من المقابلة. لقد تحدث عن وجود أسرى جدد من حزب الله في قبضة «الفتح»، لكنه ردّ على سؤال إن كان يملك هويات وأدلة تثبت وجود أسرى لبنانيين بالقول: «في فن التفاوض بمجرد إخراج صورة الأسير أو صوته أو أي معلومة، تكون كمن يعطي العدو هدية. هذه المعلومة لا تُدفع إلا بثمن. هكذا تعلّمنا من حزب الله. هو زعم أنّه لا يوجد إلا أسير واحد. وبذلك هو إما أنه تبرأ منهم أو يكذب. لدينا عشرة أسرى». وأضاف: «صدّقني كنت أودّ أن أذكر لك أسماء جميع الأسرى، لكن الإخوة في لجنة المفاوضات قالوا إن أسماء الاسرى مجهولة لدى قيادة الحزب التي لم تحسم أمرها إن كانوا أسرى أو مفقودين أو قتلى بعد. ولا نود أن نعطيهم هذه المعلومة من دون مقابل». ذكر المحيسني ثلاثة أسماء لأسرى لبنانيين، تبيّن أن اثنين منهم سبق أن أجريت معهما مقابلات بثتها قناة «أم تي في» اللبنانية قبل أكثر نحو 9 أشهر. أما عن وجود أسرى سوريين، فقال: «الأسد لا يهتم بأسراه من الطائفة العلوية، لذلك كنّا بمجرد أن نأسر منهم نقتلهم. وكنا في حال عرضهم على التحقيق والقضاء، يأتي الجواب بأن اقتلوهم لأن النظام لا يهتم بهم. ولذلك لا نأبه نحن لهؤلاء الأسرى لأننا نعلم أن النظام لن يفاوض ولن يفديهم ولن يهتم لهم حتى». أما عن موقفه من الشيعة، فقال المحيسني: «الشيعة هم عشرات الآلاف من الشعوب الذين استغلهم الفرس واستغلتهم إيران لأجل استعادة مملكتها التي حررها وفتحها عمر رضي الله عنه. تلبّس هؤلاء باسم الاسلام ثم بدأوا يرفعون شعارات ويغزون العوام المستضعفين يكذبون عليهم أن هؤلاء النواصب، يقصدون السنّة، ناصبوا علياً العداء، رضي الله عنه وارضاه. نحن نرى ونعتبر ان علياً امير المؤمنين امام من ائمة المسلمين وخليفة من خلفاء الرسول صل الله عليه وسلم. نحن نعتبر ان علياً سيد رضي الله عنه، ونرى ان كل المجاهدين والثوار وكل من في سوريا وغيرهم لا يساوون شعرة في جسد علي رضي الله عنه. أنا أعرف أن مشايخ الشيعة يخبرون عوامهم أننا نواصب، أي نناصب العداء لأهل البيت. انا اعتبر هؤلاء مغررا بهم من قبل هؤلاء الملالي. لقد زُجّ الشيعة في محارق قتالية تريدها ايران». بهذه الإجابة أهدر المحيسني دماء الشيعة، غير أنّه أجاب عن سؤال إن كنتم تعتبرونهم مرتدّين ويجب قتلهم، بالقول: «يا أخي حربنا مع الذين يقتلون أهلنا في سوريا تحديداً. حربنا مع الذين يدمرون الحرث والنسل. حتى روسيا أتت المعركة من أجل مصالح. حربنا للدفاع عن هؤلاء الناس الذين خرجوا يطالبون بالحرية فاجتمع عليهم العالم... حربنا مع من حاربنا... ليست مع الشيعة ولا النصارى». أما عن علاقة المحيسني بالنظام السعودي وبيعته لأحد التنظيمات، فردّ بالقول إنّه لم يبايع أحداً بعد. ولمّا سئل إن كان في رقبته بيعة للملك السعودي أجاب بأنّه لن يدخل في الأسماء. وعن ارتباطه بعمل خارج سوريا، سواء تنسيق مع شبكات في لبنان أو غيره؟ طلب حذف السؤال. أما عن قنوات التمويل، فقال إنّه «ما من قناة محددة تدعمنا، إنما من يتبرع من عامة المسلمين وتجار المسلمين لمساعدة الفقراء والمخيمات أو نصرة هذا الشعب المظلوم، نأخذ منه ونمارس دور الوسيط. نأخذه ونوصله الى محله فقط لا غير». وعلّق على قرار «جبهة النصرة» فك الارتباط بمع تنظيم «القاعدة»، مشيراً إلى أنّ «هذا الحدث إيجابي في الساحة. عقبتنا الوحيدة كانت ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة. والقاعدة اسم يؤثر سلباً على نحو كبير. والنظام يستغل ذلك دولياً. وهذا الارتباط تستغله روسيا أيضاً لتقول إنها تقصف النصرة فقط. كل هذه الحجج زالت الآن بفك الارتباط. وهذا تقدمة وتضحية من الإخوة في جبهة النصرة. لذلك أرى أننا أمام اختبار صدقية للجميع في مساءلة إرادة جمع الكلمة. أما للمجتمع الدولي، فنقول: تنظيم القاعدة لم يعد موجودا».
ضد الانقلاب في تركيا
لم يعلّق الشيخ المحيسني عن سؤال حول الدور السعودي والقطري في سوريا. ورفض إبداء رأيه في قتال السعوديين في اليمن. أما محاولة الانقلاب التركي، فقال إنّه ضدها، مشيراً الى أنّ «كل مناصر للشعب السوري هو ضد الانقلاب. ونحن نعلم أن الانقلاب مخطط له من البيت الأبيض. أما الذراع الخارجية، فهي (الداعية الاسلامي فتح الله) غولن وجماعته. والذراع على الأرض هم الجنود العلويون النصيريون في داخل الجيش التركي». وإفشال الانقلاب أفرح المسلمين، لأنه لو نجح لكان سيلحق ضرراً كبيراً بالمتعاطفين مع الثورة السورية. وقال إنّ «الدور التركي كان ولا يزال أفضل دور دولي قُدِّم لأرض الشام». ولمّا سئل عن تقارب تركيا حليفة المعارضة السورية مع الروس الذين يقصفون قوات المعارضة قال: «ما يهمني أن الموقف التركي في التعامل مع الشعب السوري لم يتغيّر. أما بشأن العلاقة مع روسيا، فذلك لمصالحها وهذا شأنٌ آخر».
وعن محاولة الاغتيال التي تعرض لها قال: «لقد تعرضت للكثير من المحاولات، سواء من قبل النظام أو من قبل الروس أو من قبل مخابراتهم على الارض بشكل متكرر. وأُصبت في أرض الشام ثلاث مرات والحمد الله. واحدة في البطن والأخرى في اليد وثالثة في الرأس. وكل هذا من أجل أن يحيا أهل الشام كراما في ظل شريعة رب العالمين سبحانة وتعالى». وختم المقابلة بالقول: «أود أن أوجه كلمة لأهل لبنان. شكراً يا أهل لبنان لقد أظهرتم أخوة الإسلام، حينما خرج أهالي لبنان لتوزيع الحلوى عندما أُعلن فك الحصار عن حلب. أهل لبنان كانوا وما زالوا مع إخوانهم في سوريا. والبرّ دين، إذ إن قسماً كبيراً من أهل لبنان يحفظون وقفة أهل سوريا في حرب تموز، يوم فتحوا بيوتهم. وعلى أهل لبنان أن يردوا الفضل. ونحن نعلم أنّ لبنان غُلِب على أمره. لبنان سنة وشيعة والشعب اللبناني هم ضحية لحماقات إيران عبر ذراعها على الأرض المتمثّلة بحزب الله». وأضاف: «أيها السنة والشيعة، أنظروا إلى مصلحة لبنان بجمالها وجبالها. أنظروا إلى مصلحة أرضكم، لتفهموا أن حزب الله يجركم لمصلحته. لقد عُزِل لبنان عن الشعوب العربية. وبعدما كان جزءا من الأمة العربية والاسلامية، بات لبنان جزءاً من إيران».
ظروف إجراء المقابلة
طلب المكتب المسؤول عن تنسيق لقاءات الشيخ الصحافية الاطلاع على الأسئلة مسبقاً. هذا الطلب كان بمثابة الشرط المسبق لإجراء المقابلة المصوّرة. أُرسِلت الأسئلة، ثم جاء الردّ بعد نحو أسبوع. أُعيدت الأسئلة التي وافق عليها الشيخ السعودي، فيما حُذِفت باقي الأسئلة. أما الأسئلة المشترط عدم طرحها، فكانت تلك التي تتعلق بالمملكة السعودية. تحديداً مسألة بيعته للملك السعودي أو علاقته بوالده الشيخ محمد بن سليمان المحيسني، أحد أشهر القرّاء في المملكة. لا يُريد المحيسني أن يُظهر أي انتقاد لآل سعود. كذلك الأمر في ما يتعلقّ بتنظيم «القاعدة». يحرص على عدم ربطه بأي من التنظيمات، ولا سيما تلك التي تُصنّف إرهابية دولياً. كذلك كان من بين الأسئلة المحذوفة سؤال: «كُثُر يأخذون عليكم أنكم تسيطرون على جبهة محاذية للعدو الإسرائيلي، لكنكم لم تُطلقوا طلقة ضدهم... لم تفتحوا معركة... وتسمحون لجرحاكم بالتطبّب في الداخل الإسرائيلي.. ماذا تقولون؟». حُذِف هذا السؤال أيضاً، رغم أنّ الجهاديين يجيبون عادة على هذا السؤال بنفي تلقيهم عناية طبية من الإسرائيليين. أما عدم بدء اسرائيل القتال، فيردون عليه بمقولة أنّ «العدو الصائل أولى». أي أنّ هناك عدو يهاجمنا اليوم ويتمثّل بالجيش السوري وحلفه، فلماذا نستعجل بفتح جبهة مؤجلة؟
لقد جرى اللقاء الأول في أحد المراكز التابع لـ«جيش الفتح» في إدلب. صُوّرت المقابلة على مدى ساعة. لم يُظهر الرجل اي ارتباك، ربما بفعل علاقته الدائمة مع الكاميرا، ولا سيما أنّ المحيسني اعتاد أن ينشر على نحو شبه يومي مقاطع مصوّرة له يخاطب فيها الجمهور. أما المقابلة الثانية، فقد أُجريت عبر «السكايب» بعد انطلاق معركة حلب. غير أنّ ظروف تحديد موعد المقابلة الثانية كادت أن تكون أصعب من الأولى. فريق حماية المحيسني أعرب عن خشيته من إجراء مقابلة عبر «السكايب» لضرورات أمنية. رأى هؤلاء أنّ إمكانية استهدافه أثناء إجراء مقابلة مباشرة، بعد تحديد موقعه، واردة على نحو كبير. أرُجئ الموعد عدة مرات، قبل أن يجري الاتفاق على إبلاغنا قبل يوم واحد من إجراء المقابلة.
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات