«النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم
نور الدين بالطيب
بعد أقل من عامين ونصف على التأسيس، نجح حزب «حركة نداء تونس» في حصد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاصداً 83 مقعداً (نتائج غير نهائية) من أصل 217 ضمن البرلمان الأول بعد هرب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فتقدم بذلك على كل الأحزاب الأخرى، بما فيها حركة «النهضة» التي تأسست فعلياً قبل نحو أربعين عاماً وحصدت، أول من أمس، 68 مقعداً.
نجاح «نداء تونس» بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الذي ستكون ولايته لخمس سنوات تشكل خلالها الحركة حكومتها، يطرح مجموعة من الأسئلة في الشارع التونسي، وذلك لتزامن ما حدث مع اضمحلال أحزاب أخرى برز نجمها منذ سقوط النظام السابق، وسبق أن تفوّقت في الانتخابات الماضية، كحزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي لم يحصل إلا على مقعدين بعدما حاز المرتبة الثالثة في عدد الأصوات والمقاعد عام 2011.
نور الدين بالطيب
بعد أقل من عامين ونصف على التأسيس، نجح حزب «حركة نداء تونس» في حصد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاصداً 83 مقعداً (نتائج غير نهائية) من أصل 217 ضمن البرلمان الأول بعد هرب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فتقدم بذلك على كل الأحزاب الأخرى، بما فيها حركة «النهضة» التي تأسست فعلياً قبل نحو أربعين عاماً وحصدت، أول من أمس، 68 مقعداً.
نجاح «نداء تونس» بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الذي ستكون ولايته لخمس سنوات تشكل خلالها الحركة حكومتها، يطرح مجموعة من الأسئلة في الشارع التونسي، وذلك لتزامن ما حدث مع اضمحلال أحزاب أخرى برز نجمها منذ سقوط النظام السابق، وسبق أن تفوّقت في الانتخابات الماضية، كحزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي لم يحصل إلا على مقعدين بعدما حاز المرتبة الثالثة في عدد الأصوات والمقاعد عام 2011.
ومن بين تلك الأطراف، الرئيس المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، الذي لم يحصل حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» إلا على أربعة مقاعد بعدما حاز المرتبة الثانية في عدد الأصوات والمقاعد خلال الانتخابات الماضية.
أما «الحزب الجمهوري»، بزعامة نجيب الشابي، فلم يحصل إلا على مقعد واحد، مبدئياً، بعدما حاز ١٦ مقعداً في الانتخابات الماضية، علماً أن هذه النتيجة تأتي بعد سنوات من تزعم هذا الحزب المعارضة التونسية في زمن الحبيب بورقيبة وبن علي، كذلك كان أيضاً وراء «إضراب الجوع» (الإضراب عن الطعام) الشهير في تشرين الأول ٢٠٠٥، وكان النواة الأساسية لتشكيل حراك مناهض للنظام السابق.
كل ذلك يقود إلى السؤال: ماذا حدث ليفوز «نداء تونس» بأعلى عدد من الأصوات والمقاعد؟ القول إن هذا الانتصار يعود إلى استعادة أنصار النظام السابق المبادرة، وتشكلهم في ثوب جديد، لا يمكن أن يفسر الانتصار، ولا يمكن تفسيره بكاريزما زعيم «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، فقط.
من الواضح أنه التقت مجموعة من العوامل الأساسية في تحقيق هذا الانتصار، أولها إخفاق «الترويكا» (النهضة ـ المؤتمر ـ التكتل)، التي حكمت بعد الانتخابات السابقة، في تحقيق أي مكسب للتونسيين.
ويوم أمس، برز اعتراف المتحدث الرسمي باسم «النهضة»، زياد العذاري، بأنّ حركته دفعت ثمن تولّيها الحكم خلال المرحلة الانتقالية، وبأنها ارتكبت «أخطاءً كانت نتيجتها ستكون أكبر بكثير مما حدث».
خلال حكم «الترويكا»، لا يمكن إنكار انتشار «الإرهاب والتهريب والجريمة»، وهو ما أغرق التونسيين في الإحباط إلى حد التحسر لدى قطاعات كثيرة على النظام السابق. في هذا المناخ من الظلام و«الإرهاب الأسود» وغياب الأمل، ظهر أن السبسي نجح في أن يؤسّس حركة سياسية شعارها الأساسي بسيط هو «الأمل» و«استعادة تونس»، وأيضاً إعادة الاعتبار إلى الراية الوطنية والنشيد الوطني، وتحقيق مطالب المحتجين الذين أسقطوا النظام السابق.
في النتيجة، صارت هناك ضرورة الالتفاف حول الحزب الجديد وزعيمه «البورقيبي» لاستعادة تونس، كما يقول قادة «النداء»، ومواجهة محاولات «أفغنة البلاد» عبر التعليم الديني على طريقة باكستان، ومنع الاختلاط في بعض الأماكن العامّة، والتساهل مع الإرهابيين، وليس أخيراً التمويل المشبوه للجمعيات الدينية والاجتماعية.
كل ذلك كان يجري إلى جانب المحاباة والسيطرة على الإدارة والمرافق العامّة، ما خلق قناعة لدى قطاعات واسعة من التونسيين بأنّ «الحكام الجدد» يعيدون أساليب النظام السابق مع تغيير نمط المجتمع ونشر ثقافة «وهابية» غريبة على التونسيين.
أمام هذه الانتكاسة، ومع بروز كابوس الاٍرهاب والاغتيالات، أدرك الناخبون أنّ ما ينتظرهم أبشع مما عاشوه زمن حكومتي الاستقلال، لذلك وجد الباجي في هذا المناخ خير سند لانتشار حزبه الذي يصل عدد المنخرطين فيه رسمياً إلى أكثر من ١١٠ آلاف مواطن، وهو عدد لم يحققه أيّ حزب آخر، باستثناء حزب بن علي المنحل، الذي كان الانتماء إليه شبه إجباري لأغلب موظفي الدولة.
هكذا يمكن التأكد من أن الإحباط الذي عاشه التونسيون منذ صعود «الترويكا» إلى الحكم في كانون الأوّل ٢٠١١ حتى كانون الثاني ٢٠١٤ هو الذي صنع من «نداء تونس» القوة السياسية الأولى في الوقت الذي اندثرت فيه، أو تكاد، الأحزاب الأخرى، كما تراجعت «حركة النهضة».
وفي غمار ما يعيشه التونسيون من خطر التهديد الأمني، وفي وقت يموت فيه كل يوم شباب البلاد في العراق وسوريا، يبحث «التوانسة» المعروفون بالاعتدال والوسطية عن حزب يذكرهم بتونس، حتى إن كان فيه قياديون من العهد السابق، لأنهم لا ينكرون مكاسب حكومتي الاستقلال، رغم أنهم عانوا الديكتاتورية والفساد، وهو ما لم تقطعه «الترويكا» التي لم تقدم إلّا أساليب متجددة من آليات الحكم القديم.
وليس مبالغة تقدير أن التونسيين عاقبوا «الترويكا» والأحزاب التي اقتربت من الإسلاميين، وكذلك «الأحزاب الصغيرة»، لأنهم يبحثون عن مركب نجاة، وإن فاحت منه رائحة الزمن القديم.
______________
«الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً
محمود مروة
نجحت لعبة الاستقطاب بين «العلمانيين» و«الإسلاميين» في قلب معادلات المشهد السياسي التونسي، المبني على تراكمات حراك تاريخي شاركت في صنعه شخصيات هي اليوم من معارضي حكم «النهضة»، ومن خلفها «الترويكا». فقطعاً، أن تحصل أطراف مثل «الجبهة الشعبية» (حمة الهمامي أبرز وجوهها)، و«الحزب الجمهوري» (بزعامة المرشح الرئاسي أحمد نجيب الشابي)، على 15 مقعداً (في أفضل الأحوال) من أصل 217، لا يمثل انتصاراً، بل يوجه ضربة قاسية إلى مكونات سياسية عريقة.
وبعيداً عن شعارات مثل «سقوط آخر معاقل الإخوان في العالم العربي»، فإن لتداعيات الانتخابات التونسية آثاراً داخلية أكثر من تلك المفترضة عربياً، وخصوصاً أن خسارة «النهضة» لا تعني خروجها من الحكم. وتشير النتائج غير النهائية إلى مشهد تقاسم السلطة بين «قطبين» قد تعْرفه البلاد في المرحلة المقبلة، لأن الفارق مثلاً بين «النهضة»، التي حلت ثانية، وبين الطرف الذي حاز المركز الثالث، قد يصل إلى نحو خمسين مقعداً.
يصعب تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الجمهوري» مية الجريبي
وكان مشهد تقاسم السلطة بين «نداء تونس» و«النهضة» قد اقترب من التحقق نهاية العام الماضي إثر الأزمة السياسية الأعتى التي عرفتها البلاد، لتجسده اليوم خريطة البرلمان الجديد المفترض فيه تشكيل الحكومة المقبلة.
ويُحسب، ربما لمن بنى استراتيجية تظهير الانقسام الداخلي على أنه بين «علمانيين» و«إسلاميين»، تحقيق مكاسب انتخابية في وجه «النهضة»، لكن الثمن دفعته فعلياً أطراف يمكن تسميتها «المعارضة التونسية التقليدية»، على اعتبار أنها تضم قوى وشخصيات شاركت منذ السبعينيات في الحراك ضد نظام بورقيبة، ومن بعده بن علي.وحتى لا تقدم الصورة على أساس أن تلك القوى كانت، فقط، ضحية لمخططات ما، فمن الواجب الاعتراف والتذكير بأنها سقطت قبل نحو عامين في «فخ الاستقطاب»، وتحديداً حينما دخل «الحزب الجمهوري» في تفاهمات غامضة مع «نداء تونس» ضمن ما عرف آنذاك بائتلاف «الاتحاد من أجل تونس». وما لبث «الجمهوري» أن سحب نفسه في غضون أشهر قليلة.
أيضاً، ربما كانت تلك القوى قد أوقعت نفسها، عن دراية أو لا، في الفخ عينه حينما حاولت نهاية العام الماضي تصوير الأزمة المتنامية مع «النهضة» على أنها كالأزمة المصرية المنتهية بعزل الرئيس الإسلامي، في واقع عرف «نداء تونس» التصرف خلاله، كما يقول أحدهم، كمثل «فيل في متحف خزف صيني»، فيما حشّدت «النهضة» مناصريها للدفاع عن «وجودها».
برغم كل الأخطاء المفترضة والقابلة للنقاش، من الصعب مثلاً تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الحزب الجمهوري»، مية الجريبي، ففي ذلك لمن يحبها مشهد خيالي، ومن الصعب كذلك قبول رؤية «شيخ السياسيين»، أحمد نجيب الشابي (الصورة)، في موقع ضعف. لكن الأكيد أن الصراع المفترض مع «النهضة» كانت طريقه أسهل.
ناشطة سياسية مقربة من «الجمهوري» ـ تختصر بحماستها صوراً تونسية عديدة ـ تقول إن «الحزب يتحمل مسؤولية كبرى لأنه من بين من أعطوا شرعية لهذا الاستقطاب»، وتستدرك: «برغم عودة الوعي المتأخرة نسبياً في هذا الخصوص، فإن كسر هذا الوهم يبدأ الآن من حملتنا الرئاسية»، فهل فات القطار؟
_______________
السبسي: رجل أسقط «النهضة»
نورالدين بالطيب
تونس | لن ينسى التونسيون يوم ٢٦ تشرين الأول ٢٠١٤، ولن ينسوا أيضاً رجلاً كان وراء سقوط «النهضة» اسمه الباجي قائد السبسي. ففي لحظة عاصفة من تاريخ تونس، ٢٧ شباط ٢٠١١، كانت الدولة فيها تواجه مخاطر الفوضى، أعلن الرئيس المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، تعيين السبسي (١٩٢٦) رئيساً للحكومة خلفاً لآخر رئيس وزراء لبن علي، محمد الغنوشي، الذي أطاحه اعتصام القصبة الثاني.
إلى حدود ذلك الوقت، كان الباجي، سليل أرستقراطية تونس العاصمة، اسماً مجهولاً لمعظم الشبان التونسيين، أما بالنسبة إلى الحركة الديموقراطية والنقابية والأحزاب السياسية، فقد كان «سي الباجي» وزيراً بارزاً في عهد الزعيم بورقيبة واسماً يحظى بالتقدير في الحركة الديموقراطية. وفي وقت قياسي نجح في فك الحصار الذي ضربه الشبان الغاضبون على قصر الحكومة في القصبة، كما نجح في فتح حوار مع كل الأحزاب السياسية، وأعلن أن أولويته المطلقة هي المحافظة على الدولة، وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وتسليم الحكم لمن سيختاره الشعب مهما كانت هويته، الأمر الذي منحه مصداقية استثمرها في ما بعد عندما قرر العودة إلى الحياة السياسية بعد انتصار «حركة النهضة» وحلفائها.
غادر الباجي قصر الحكومة في القصبة في أواخر كانون الأول ٢٠١١ وسط إشادة الحكام الجدد، الذين سرعان ما انقلبوا عليه، بعدما أسّس حزبه الجديد «نداء تونس» في حزيران ٢٠١٢ بعد أشهر من إطلاق مبادرته لتجميع الحركة الديموقراطية في ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢.وفي وقت قياسي، وبشخصيته الكاريزماتية التي ربما تذكّر بعض التونسيين بالزعيم الحبيب بورقيبة، نجح الباجي، خريج «جامعة السوربون» الفرنسية والمحامي منذ ١٩٥٢، والذي التحق بأول ديوان لرئيس حكومة تونس الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال الداخلي في ١٩٥٥ حتى قبل إعلان الجمهورية، في أن يجعل من حزبه الحزب الأول في كل استطلاعات الرأي منذ أكثر من عام، ويملك «البجبوج» اليوم، كما يسميه أنصاره، كل صفات الزعماء الكبار برغم شيخوخته: شرعية في النضال من أجل الديموقراطية، مؤسّس أول منبر إعلامي مستقل، وهي مجلة «ديموقراطية» الناطقة بالفرنسية، مسيرة حافلة في أهم حقائب الدولة، وصولاً إلى رئاسة أول برلمان بعد ما عرف بـ«التغيير» في ١٩٨٧ لينسحب بعدها تماماً من الحياة السياسية التي لم يعد إليها إلا في أواخر شهر شباط ٢٠١١.
________________
سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة
أمينة الزياني
تونس | تمثلت إحدى مفاجآت الانتخابات التونسية في اكتساب «الاتحاد الوطني الحر»، بزعامة رجل الأعمال المرشح الرئاسي سليم الرياحي، 17 مقعداً في البرلمان الجديد (نتائج غير نهائية) ليحل ثالثاً، بفارق شاسع عن «نداء تونس» و«حركة النهضة».
ولا يبلغ الرياحي، رجل الأعمال ورئيس أحد أكبر الفرق الرياضية (النادي الأفريقي)، من العمر إلا 42 عاماً. هو ظهر فجأة على الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فيما يعلق أحدهم على ذلك بالقول «ظهر حاملاً معه أكياساً لا تحصى من المال ويوزع الوعود يميناً ويساراً حتى ظن التونسيون أنه سيطعمهم من ماله الخاص ويشغلهم في شركاته».
رئيس حزب «الاتحاد الوطني الحر» (تأسس عام 2011)، أو كما يلقبه التونسيون بـ«حزب توة»، أي الآن، وهو شعاره الانتخابي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 عندما لم يحصد إلا مقعداً واحداً عززه بانضمام النائبة حنان ساسي، شارك في جلسات الحوار الوطني الأخير، ولم يتوقف في سعيه إلى تدعيم صفوفه النيابية، عبر استخدام العامل المادي. غياب القاعدة الجماهيرية تداركه الرياحي في بعض الجوانب بترؤس نادي كرة القدم «الأفريقي». وكان لا بد للوجه السياسي الشاب من منبر إعلامي لتسويق صورته واحتلال حيّز من المشهد الاعلامي، لذلك اقتنى «قناة التونسية» المصادرة.
صنع سليم الرياحي الحدث خلال الانتخابات، لكن تماماً كالانتخابات السابقة رافقت حملة حزبه الانتخابية وعود هي أقرب إلى الخيال، فيما تعددت زياراته الى الأحياء الشعبية وقد رافقتها شهادات من المواطنين بتلقّيهم أموالاً انتخابية. وتعتبر المعلومات الشخصية حول رجل السياسة والرياضة والإعلام شحيحة، عدا أنه كان يقيم في ليبيا وعُرِف بعلاقاته الوطيدة بعائلة القذافي. ورغم محاولاته المتعددة للظهور في وسائل الإعلام كرجل الأعمال الشاب صاحب المشروع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تسعى أطراف سياسية عدة لقمعه، برز خلال أواخر عام 2013 كرجل المصالحة، حيث تمكن من لمّ شمل زعيم «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، بخصمه الباجي قائد السبسي في باريس. اليوم، يرى البعض أن الرياحي وحزبه لن يكونا إلا نسخة أكثر ثراءً من الهاشمي الحامدي وحزبه «العريضة الشعبية» الذي صنع مفاجأة في انتخابات 2011، واندثر خلال الانتخابات التشريعية الحالية.
____________
«خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب
حسان العيادي
تونس | أقل من عشر ساعات، هو الوقت الذي احتاجت إليه «حركة النهضة» لتعدّل موقفها المشكك في خسارتها الانتخابات التشريعية وتحوّله إلى مباركة لخصمها اللدود «حركة نداء تونس»، في إعلان عن بدء مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.وبالتوازي مع بدء إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية، اتضحت الخريطة الانتخابية الجديدة، التي أظهرت انحسار نفوذ «حركة النهضة»، بفقدانها ٢٧ مقعداً (نتائج غير نهائية) مقارنة بانتخابات ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١ (89 مقعداً من أصل 217).
وتتركز المقاعد التي خسرتها الحركة في الساحل التونسي الذي يضمّ أربع محافظات ممثلة بـ٤٠ مقعداً في مجلس النواب، وهي سوسة والمنستير والمهدية ونابل التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين. وفي هذه الدوائر الخمس، فقدت «النهضة» خمسة مقاعد، لينخفض تمثيلها من ١٣ إلى ثمانية مقاعد، وهو ما يعادل خسارتها لحوالى ٢٠٠ ألف صوت.
وشملت خسارة «النهضة» تونس الكبرى، التي تضم أربع محافظات، والتي تتمثّل ضمن المجلس النيابي بـ٤٢ نائباً، كان نصيب «النهضة» منهم في الانتخابات الماضية ١٣ نائباً، أما في الانتخابات الحالية فقد انخفض هذا التمثيل إلى عشرة مقاعد، أي ما يعادل خسارة تجاوزت ٦٠ ألف صوتاً.وكانت الحال نفسها في الشمال الشرقي والشمال الغربي، حيث فقدت الحركة ثقلاً انتخابياً مهماً، بخسارتها أربعة مقاعد مقارنة بالانتخابات السابقة التي فازت فيها بـ١٦ مقعداً، فانخفضت الى ١٢ مقعداً، بخسارة حوالى ١٠٠ ألف صوت انتخابي.
هذا الانهيار الانتخابي لم تسلم منه مناطق نفوذ تاريخية للحركة، التي تأسست فعلياً في سبعينات القرن الماضي. فقد خسرت من ثقلها الانتخابي في وسط البلاد، وانخفضت حصتها من ١٢ مقعداً من أصل 32، إلى تسعة مقاعد.
وواصلت «حركة النهضة» خسارتها في محافظة صفاقس التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين تتمثلان بـ١٦ مقعداً في المجلس النيابي، فانخفض نصيب الحركة فيهما من ٧ مقاعد إلى ٦، لمصلحة خصمها الأبرز «نداء تونس».
في مقابل ذلك، توقّف مؤشر فقدان «النهضة» لمقاعدها في الجنوب التونسي في ولاياته الخمس، حيث وصلت نسبة أصوات الحركة التي حازتها إلى حوالى 40 في المئة، مكّنتها مبدئياً من الحفاظ على مقاعدها الخمس عن مدينة مدنين والمقاعد الثلاثة عن مدينة تطاوين، إضافة إلى مقاعد قابس الأربعة ومقعدي توزر وقبلي.
وتعتبر هذه المحافظات التي حفظت ماء وجه حركة «النهضة» الإسلامية، من أبرز مواقع انتشار «التيار السلفي الوهابي» والتيارات الإسلامية، التي يبدو أنه كان لها تأثير في دعم الحركة أثناء الانتخابات الحالية، من دون القطع في ذلك بانتظار المعطيات التي ستظهر تباعاً.
_____________
الغنوشي يهنّئ السبسي
مصر تراهن على مستقبل العلاقات بعد «الإخوان»
علّق مصدر ديبلوماسي مصري على نتائج الانتخابات التونسية، مشيراً إلى أنّ «وزارة الخارجية المصرية لن تصدر بياناً رسمياً في هذا الخصوص، احتراماً لعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى».
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»، إن «وزارة الخارجية المصرية تابعت الانتخابات التونسية والمنافسة بين التيارات السياسية بترقّب، نظراً إلى التوتر في العلاقات بين البلدين» منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. كما أعرب عن تفاؤله «بمستقبل تونس، في ظل التجربة الجديدة وسعيها لتحقيق نظام ديموقراطي».
وأشار المصدر الديبلوماسي إلى أن «الخارجية المصرية تأمل تطوّر العلاقات المصرية ـ التونسية في ظل الحكومة الجديدة، والسعي إلى إعادتها إلى سابق عهدها، مع الأخذ في الاعتبار تشابه الظروف بين البلدين في ما يتعلق بالربيع العربي والرغبة في التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين».
ولكن المصدر أوضح في الوقت ذاته أن «تطوّر هذه العلاقة مرتبط بتوجّه النظام التونسي الجديد وطريقة تعامله مع الملفات الخارجية»، لافتاً الانتباه إلى أن هذا الأمر «لم يتّضح بعد، ومن ثم من السابق لأوانه الحديث عن انعكاس نتائج الانتخابات على العلاقات بين البلدين».
_____
«الأخبار»
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات