‏إظهار الرسائل ذات التسميات المقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المقالات. إظهار كافة الرسائل

السبت، 28 أغسطس 2021

مراجعات بالجملة: من الإخوان إلى الإمارات

    أغسطس 28, 2021   No comments


 من تركيا إلى قطر... طحنون يتلو فعل الندامة



  حسين إبراهيم 


على غير العادة، لم يغرّد ضاحي خلفان عن لقاء تميم - طحنون، مع أن لا عمل له في هذه الأيام سوى إطلاق التغريدات التي تناول في آخر سلسلة منها كلّ ما يخطر على البال في السياسة، من هجمات كابول الدامية إلى فتح المنافذ البرّية مع سلطنة عمان، ولكن ليس اللقاء بين تميم وطحنون. تجاهلٌ مردّه، على ما يظهر، طبيعة الحركة «الطحنونية» التي تبدو أشبه بتلاوة فعل الندامة، بدءاً من تركيا أمام رجب طيب إردوغان وصولاً إلى قطر. وهو اعتراف قد لا يكون أمام أبو ظبي سواه خياراً، بعدما غلبت الأحداث النظام هناك، وجعلته معزولاً تماماً، جرّاء إخفاق كلّ خياراته التي ثبتت غربتها عن الخليج وشعوبه

منذ تولّي حمد بن خليفة الحُكم في قطر بانقلاب على أبيه عام 1995، شكّلت الإمارات رأس حربة في الهجوم السياسي على الجارة الخليجية؛ إذ سرعان ما استضافت الأب، وساعدته في محاولة لاستعادة السلطة في العام التالي لم يُكتب لها النجاح. كانت الدوحة، في هذا الوقت، قد بدأت تحفر لها تموضعاً دقيقاً مختلفاً عن الدول الخليجية الأخرى، منتهجةً سياسة خارجية وظّفت فيها إمكاناتها المالية الضخمة، من دون أن تمنح شيكاً على بياض لطرف بعينه، ناسجةً علاقات فيها أرجحية دائمة للولايات المتحدة، وأخرى عملية مع إيران، واتصالات مع إسرائيل، قبل أن يفوز رجب طيب إردوغان بالرئاسة التركية عام 2002، ويصبح الحليف الأول للدوحة، بعد واشنطن، ضمن التحالف الداعم لـ«الإخوان المسلمين». هذا التموضع الذي نجح في انتزاع تأثير سياسي للدوحة تتكرّس مفاعليه اليوم بزيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد قطر ولقائه أميرها تميم بن حمد، لتكون الإمارات بذلك قد أقرّت بفشل المشروع الذي تنتمي إليه والذي بلغت شراسته مداها في السنوات الأخيرة، عندما فرضت أبو ظبي مع الرياض والمنامة والقاهرة مقاطعة رباعية على الدوحة.

كانت الإمارات تطمح إلى تحويل موقعها الاقتصادي كمركز تجاري عالمي إلى موقع سياسي، فانتهجت لتحقيق هذا الهدف خيارات متطرّفة ضمن مشروع أميركي متكامل للشرق الأوسط، شمل «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية، وجَعْل إسرائيل محوراً للأمن الإقليمي، مقابل ضمان بقاء الأنظمة. وهو مشروع اتّضح أنه غير قابل للحياة، ولا قبول له في الخليج، ليتساقط المشاركون فيه من دول وأشخاص، واحداً تلو الآخر، وتبقى الإمارات التي نقلت رهانها بالكامل إلى تحالف ثنائي مع إسرائيل، في ظلّ حكومة بنيامين نتنياهو، قبل أن يسقط هذا الرهان أيضاً مع إطاحة الأخير، نتيجة تغيّر موازين القوى عند العدو نفسه. انتكاساتٌ متتالية سيكون للاعتراف الإماراتي بها صدى عميق يتردّد لدى «إخوان الدولة»، المُوزَّعين بين سجون البلد والمنافي في تركيا والغرب، بسبب شدّة التعامل معهم من قِبَل السلطات الإماراتية التي تَعتبرهم الخطر الأول على النظام. وعلى رغم أن قطر لم تكن تسمح لمعارضين إماراتيين بالقيام بأيّ نشاط سياسي انطلاقاً من أراضيها، إلّا أنها أيضاً لم تقبل طلبات أبو ظبي بتسليم معارضين لجأوا إليها في طريقهم إلى المنفى، مثل الناشطة الراحلة آلاء الصديق التي توفّيت في حادث سير في لندن قبل أسابيع، وأعيد جثمانها ليُدفن في قطر، حيث كانت قد أقامت سنوات قليلة، ورفض الأمير مرّتَين طلب محمد بن زايد تسليمه إياها.


لكن، هل يعني التراجع أن النظام الإماراتي تَغيّر، ولن يعود إلى التآمر بعد الآن؟ وهل يعني ابتعاداً إماراتياً عن إسرائيل التي بلغت معها العلاقات قمّة الودّية من جانب حكام أبو ظبي، وطحنون بالذات، قبل أن تخبو؟ الملفّات العالقة بين أبو ظبي والدوحة كثيرة، والزيارة مجرّد بداية متأخرة. فمنذ إعلان المصالحة الخليجية في «قمّة العلا»، في كانون الثاني الماضي، لم تشهد العلاقات بين العاصمتين تسارعاً في التقارب، على غرار ما حدث بين السعودية وقطر، وانعكس توتراً بين الرياض وأبو ظبي. وهذا التوتر بدوره مثّل عاملاً حاسماً في تفاقم العزلة الإماراتية، وبالتالي كان أحد دوافع زيارة طحنون قطر، وقبلها تركيا، حيث تخشى أبو ظبي من تقارب قطري ـــ سعودي ـــ تركي يستهدفها. على الأرجح، لن ينسى القطريون بسهولة ما فعلته الإمارات (ودول المقاطعة الأخرى) في عام 2017، حين طردت كلّ مواطنيها من أراضيها، ومنعت مواطنيها من زيارة قطر، وفرّقت بين الزوج وزوجته. ولولا أن سارعت إيران وتركيا إلى تأمين البديل، ووفّرت أجواء الأولى المتنفّس الوحيد للسفر من قطر وإليها، بعد إغلاق الأجواء كلّها أمام حركة الطيران القطرية، لأمكن لدول الحصار خنْق الدوحة وإخضاعها، بذريعة منع التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأربع، من خلال التحالف مع «الإخوان المسلمين» وإيواء قادتهم، والقيام بحملات إعلامية ضدّ هذه البلدان عبر قناة «الجزيرة».

الهاجس الأول للإمارات يبقى حماية النظام. وتأتي حركة طحنون استباقاً لأيّ ارتدادات لفشل المشروع الإماراتي الأصلي الذي خلق لنظام أبو ظبي أعداء كثراً، ما يجعله حُكماً في مهداف مريدي الانتقام، فيما هو بلا حماية. إذ أخطأ هذا النظام الحساب، حين ظنّ أن الغرب (بعيداً عن شطحات دونالد ترامب) ما زال يحتاج إلى وكلاء من نوع الأنظمة التسلّطية نفسها التي كان يتعامل معها طوال العقود الثمانية الماضية، والتي ثبت له أنها ورّطته في مشكلات لم يكن يحتاج إليها، لمصالحها الخاصة، على رغم أنها أمّنت له السيطرة على موارد هذه المنطقة الغنية والمهمّة من العالم. باختصار، الغرب على عتبة الخروج عسكرياً من الشرق الأوسط، وهو محتاج إلى ترتيبات أكثر استقراراً تضمن مصالحه، لا تستطيع الأنظمة القديمة تلبيتها. أمّا حركة طحنون فتؤكّد الانعطافة الإماراتية التي ظهرت أوّلاً في زيارته تركيا، بحيث بات يمكن الحديث عن صفقة سياسية محتملة، تشمل تخلّي الإمارات عن مشاريعها، على الأقلّ تلك التي تستهدف قطر وتركيا مباشرة، فضلاً عن استثمارات إماراتية في تركيا، تعويضاً عن الإساءات التي تسبّبت بها أبو ظبي لأنقرة، وخاصة دعم الانقلاب الفاشل ضدّ الرئيس التركي في عام 2016.


____________


أنقرة - أبو ظبي: الاستثمارات لا تبدّد الخلافات

محمد نور الدين 


أثار اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم الأربعاء الماضي، بمستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد انتباه الجميع. لكنّ التعتيم الذي رافق الاجتماع وعدم الكشف عمَّا دار خلاله، باستثناء ما صرّح به إردوغان، يلقي المزيد من الغموض على طبيعته وما جرى تناوله من موضوعات، فضلاً عن النتائج التي انتهى إليها؛ إذ اقتصر بيان القصر الرئاسي على الإشارة إلى أن الرجلَين بحثا العلاقات الثنائية بين بلديهما. وعلى إثر اللقاء، كشف إردوغان بعضَ جوانبه في حوار أجراه مع إحدى قنوات التلفزيون المحلية، وركّز بدايةً على أن المحادثات التي عُقدت شملت بحث الاستثمارات الإماراتية في تركيا ومجالاتها، معترفاً بأنّ علاقات الدول «تعرف تقلّبات، وصعوداً وهبوطاً». وكشف أيضاً أن اجتماعات عُقدت، أخيراً، بين مسؤولي الاستخبارات في كلا البلدين، أوصلت العلاقات إلى «مرحلة معينة»، معرباً عن أمله في أن تُعقد، لاحقاً، لقاءات مع وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بهدف «تبديد العديد من المشكلات في المنطقة، ولأننا نرى حلّ مشكلات المنطقة بالتعاون بين الأطراف المحوريّة». تصريحات إردوغان هذه، جاءت بعد سنوات طويلة من توتّر العلاقات بين البلدين، والذي تفاقم في أعقاب اتّهام تركيا للإمارات، وتحديداً ابن زايد بأنه الرأس المدبّر مع نظيره السعودي محمد بن سلمان، لانقلاب 15 تموز 2016.


وفي إطار ما جرى، حاولت صحيفة «جمهورييت» إلقاء بعض الضوء على أبعاد اللقاء، من خلال حوار أجرته مع السفير القطري السابق في أنقرة، مدحت رنده، الذي يرى أن تركيا تبحث، بعد وصول جو بايدن إلى الرئاسة، عن فتح صفحة جديدة مع الإمارات، وهو ما يُعدّ جزءاً من محاولة تحسين العلاقات مع كلٍّ من مصر والسعودية. وبحسب السفير القطري، فإنّ أبو ظبي كانت على الضفة المقابلة لتركيا في ما يخصّ التوترات في شرق المتوسط، ولكن أنقرة تعمل الآن على تغيير تموضع أبو ظبي قدر الإمكان. وإذ يتحدّث الأتراك عن إمكانية وضع خريطة طريق جديدة للعلاقات الثنائية، فإنّ ما يجري لا يعدو كونه خطوات أولى لترطيب العلاقات بينهما. وعادةً ما يلتقي مستشار الأمن الوطني الإماراتي، نظيره في البلد الآخر، لكن طحنون التقى هذه المرّة رئيسَ الجمهورية، في القصر الرئاسي، وخرجت الصورة إلى العلن، في سابقة لم تعرفها تركيا، ما يشير إلى الأهمية التي توليها الأخيرة لتحسين العلاقات مع الإمارات. وعلى هذه الخلفية، يقول رنده: «بالتأكيد، إن استقبال شخص على هذا النحو يعني تحميله رسالة مهمّة جداً. وهذا يعني أن طحنون حمل رزمة اقتراحات أو طلباً معيّناً إلى القيادة التركية. إن استقبال مسؤول أمني في دولة أجنبية بهذه الطريقة، يُعدّ تطوّراً مهمّاً جداً»، مشيراً إلى أن اللقاء يجيء أيضاً بعد الانزعاج الإماراتي من رغبة جو بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وبعد الخلاف بين أبو ظبي والرياض، وفي ظلّ نصيحة الرئيس الأميركي، البلدان الثلاثة، بتطبيع العلاقات في ما بينهم. وعبر اتصالات من هذا النوع، تحاول الإمارات، وفق السفير، أن «تبحث عن حليف جديد لها في مواجهة إيران، فضلاً عن أن طحنون ربّما حمل مطالب إلى تركيا في شأن أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، في مقابل إقامة تعاون واسع بين البلدين ومواجهة التهديدات المشتركة». قد يدغدغ الطلب الإماراتي أفئدة الأتراك الذين تمرّ بلادهم راهناً في ظروف مالية واقتصادية صعبة، وعجز في الموازنة، لكن يجب انتظار بعض الوقت لمعرفة ما إذا كان ذلك وارداً على لائحة المصالح التركية، خصوصاً أن إيران تشكّل مقابلاً استراتيجياً هائلاً لا يمكن تركيا التخلّي عنه. ووفق السفير القطري: «تسعى الإمارات إلى أن تكون لاعباً في شرق المتوسط من خلال الاصطفاف ضدّ تركيا. لكن دول الخليج يمكن أن تغيّر سياساتها في 24 ساعة». وإضافة إلى حليفتها القطرية، تقتضي مصالح أنقرة الاستراتيجية أن يكون لها علاقات جيدة مع كل دول الخليج. وهنا، تكمن أهمية زيارة طحنون ولقائه الرئيس التركي، لكن بشرط أن يتبعها مزيد من الاتصالات الثنائية. وينهي رنده حواره مع الصحيفة، بالقول: «سنرى ما إذا كان ذلك سيحصل أم لا. توجد في تركيا إرادة سياسية لذلك، والدليل استقبال رئيس الجمهورية نفسه لطحنون. وإذا كان لدى الإمارات الإرادة نفسها، فعليها القيام بخطوات مقابلة».


يكتسب اللقاء بين إردوغان وطحنون أهمية فائقة، لا سيما أن هناك مصالح كبيرة تجمع البلدين. ولكن قبل تطبيع العلاقات بينهما، عليهما أن يتجاوزا عدداً كبيراً من الملفات الشائكة. فتركيا دخلت في توتّرات كبيرة مع الإمارات ومصر في شرق المتوسط وفي ليبيا، بل قيل إن طائرات تابعة لأبو ظبي هي التي قصفت قاعدة الوطية الجوية قرب طرابلس، وألحقت أضراراً جسيمة فيها، حيث كانت تتمركز طائرات وأنظمة دفاع جوي تركية. كما أن الإمارات شاركت، عبر طائراتها، في عدد كبير من المناورات مع اليونان ودول أخرى في شرق المتوسط. كذلك، فإن العلاقات الثنائية مثقلة بالملفات الشائكة، وعلى رأسها اتهام تركيا للإمارات بأنها ساندت وموّلت، مع السعودية، المحاولة الانقلابية في 15 تموز 2016 ضدّ رجب طيب إردوغان. واتّهمت أنقرة أبو ظبي بأنها تأوي عناصر تابعة للداعية فتح الله غولن، فضلاً عن اتهامها، أخيراً، باستضافة رجل المافيا، سادات بكر، الذي خرج، قبل أشهر، بمقاطع مصوّرة، يكشف فيها تورُّط مسؤولين في السلطة تابعين لحزب «العدالة والتنمية» بقضايا فساد، نالت نسبة مشاهدات قياسية، ووضعت السلطة في موقف حرج. يضاف إلى ما سبق، تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، والذي انعكس انزعاجاً تركياً كبيراً، إلى درجة دفعت الأخيرة إلى التهديد بقطع العلاقات مع أبو ظبي.

لكن هناك سؤال يُطرح اليوم، ومفاده: هل يمكن اعتبار المبادرة الإماراتية تجاه تركيا وملاقاة تركيا لها على أعلى مستوى مؤشّراً قوياً إلى أن العلاقات الثنائية دخلت مرحلة جديدة عنوانها التحسُّن والتعاون في حلّ الملفات الخلافية، والتحضير لمرحلة جديدة من التحالفات الإقليمية تعيد خلط بعض الأوراق؟ أم أن التوقّعات الإيجابية مبالغ فيها، نظراً إلى حجم الخلافات القائمة بين البلدين؟


الخميس، 5 أغسطس 2021

أزمة «النهضة» تكبر: التضحية بالغنوشي خيار الضرورة؟

    أغسطس 05, 2021   No comments

  ملاك حمود

سرعان ما تراجعت حركة «النهضة» عن التصعيد في مواجهة قرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، لَمَّا أدركت مدى الانقسام حيال «خيارات الضرورة» في صفوفها، وسط دعوة بعض قياداتها إلى إجراء مراجعة للإخفاقات التي أوصلت تونس إلى حالة الصدع هذه، بما يتيح تجديد القيادة التي خلخل راشد الغنوشي أساساتها يومَ سعى جاهداً إلى ترؤّس «مؤسسة الشعب» المجمَّدة أعمالها راهناً. واقعٌ تصارع «النهضة» إزاءه اختباراً يكاد يكون وجودياً، بعدما نفض أصدقاؤها في الإقليم يدهم من «ورقة الشارع»، فيما اختار طيف واسع من التونسيين الالتفاف حول إجراءات سعيّد


لم تمضِ 48 ساعة على صدور قرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إقالة حكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان لمدّة شهر قابلة للتمديد، حتّى كانت حركة «النهضة» تُبدّل خطابها من إدانة «الانقلاب على الثورة والدستور» والتلويح بورقة الشارع، إلى الدعوة للحوار وإبداء الاستعداد لتقديم أيّ تنازلات لازمة لاستتباب الديموقراطية. تحوُّل يمكن ردّه إلى اعتبارات كثيرة، يأتي في مقدِّمها التخبّط المتصاعد في صفوف الحركة، والانقسام البَيْني الذي لم يعُد خافياً، خصوصاً في ظلّ السعي الدؤوب إلى «التضحية» بزعيمها، رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بعدما بات وجوده، على رأس «مؤسّسة الشعب»، يُثقل الجسم القيادي للحزب المُنقسم على نفسه هو الآخر، بين مؤيّد للغنوشي المدعوم من التيار النافذ في داخل «النهضة»، بزعامة عضو المكتب التنفيذي، نور الدين البحيري، الذي وصف انقلاب سعيّد، منذ اليوم الأوّل (25 تموز)، بـ«المروَّض»، متعهّداً باتخاذ «إجراءات وتحرّكات داخلياً وخارجياً لمنع سريان تلك القرارات»، ومعارض له. وهي تعهّدات حال دون المضيّ قُدُماً في تطبيقها، عاملان رئيسان: تَمثّل الأوّل بالالتفاف الشعبي حول قرارات الرئيس التونسي، لا سيما وأنها تزامنت مع ظرفٍ صعب تعيشه البلاد على المستويات الاقتصادية والاجتماعية كما الصحية؛ فيما شكّل غياب الدعم الإقليمي أو الدولي لتفجير الوضع في تونس عبر تحرُّكات مضادة، العامل الثاني.

لهذا، تمثّل «فرمانات» سعيّد والجدل المُثار في صفوف «النهضة» حيال أفضل السُبل للتعامل معها، اختباراً يكاد يكون وجودياً للحركة، خصوصاً في ظلّ ارتفاع حدّة الاستقطاب بين الإسلاميين والقوى الفاعلة الأخرى في المشهد التونسي، فضلاً عن تحميل الحزب مسؤولية التدهور الحاصل في تونس، وهو ما فاقم الانقسامات القائمة أصلاً في صفوف مسؤوليه حول أزمتَي الاستراتيجية والقيادة. واقعٌ عبّر عن ذلك ابتداءً قيادي كبير في «النهضة»، تحدّث إلى «رويترز»، موضحاً أن أحداً «لا يستطيع أن ينكر وجود خلافات واضحة وحادّة أحياناً داخل النهضة... والتي باتت أكثر وضوحاً بعد الزلزال السياسي الأخير». وعلى رغم احتفاظها بقاعدة من الموالين، ارتبط اسم «النهضة» ارتباطاً وثيقاً بالأزمة الاقتصادية، في ظلّ غياب برنامج سياسي واضح يحدّ من الشلل الذي أصاب البلاد مع ارتفاع معدّلات البطالة وتراجع الخدمات العامة، لينتج من ذلك تهاوي شعبية الحركة، وصولاً إلى تراجع نصيبها من التصويت في انتخابات عام 2019، عندما حصلت على ربع مقاعد البرلمان، فيما خرج مرشّحها للرئاسة، عبد الفتاح مورو، من الجولة الأولى، لينتقل دعمها إلى سعيّد قبل الانقلاب عليه لاحقاً والتحالف مع «قلب تونس». هكذا، لعبت «النهضة» دوراً كبيراً لا يستند إلى رؤية واضحة لكيفية إدارة المؤسّسة التشريعية المعلَّقة أعمالها إلى حين الفكاك من إجراءات «الحالة الاستثنائية». إزاء ما سبق، جاء قرار الحركة بالتراجع عن التصعيد والدعوة إلى الهدوء والحوار، والذي تجلّى خصوصاً في إبداء الغنوشي استعداد حزبه لـ«أيّ تنازلات من أجل إعادة الديموقراطية». وفي الإطار نفسه، جاء تصريح مساعده، ماهر مذيوب، الذي أكد وجوب «تجنُّب التصعيد... لا أحد يريد عنفاً وحرباً أهلية... لا أحد يرغب أن يرى سيناريو رابعة يُعاد في تونس. لذلك، يجب أن تقود التهدئة إلى استئناف المسار الديموقراطي بسرعة، وأن يستمرّ قطار الديموقراطية مع جهود جماعية للتغلُّب على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية»، في توجّه تعارضه شخصيات أخرى داخل الحزب ترى أن التراجع سيسمح لسعيّد بقمع «النهضة» بسهولة.

وبعد أكثر من عامين على الجدل حول الاستراتيجية الأنسب لاتباعها، والذي جعل من قيادة الغنوشي للحزب موضع شكّ، أثارت محاولات «النهضة» تعزيز نفوذها داخل الحكومة، استياء بعض الأعضاء الأصغر سناً، وأحدثت انقساماً كبيراً في القيادة دفع 100 عضو في الحزب إلى دعوة الغنوشي، العام الماضي، إلى التخلي عن نهجه التوافقي والالتزام بإصلاحات شاملة والتنحي في نهاية المطاف. دعوةٌ عادت لتتكرّر في ظرف سياسي متغيّر، إذ طالب بيان صادر عن عدد من شباب الحركة، بينهم نواب في البرلمان، بحلّ المكتب التنفيذي لـ«النهضة» لاتهامه بالفشل والتسبُّب بتدهور الأوضاع في البلاد، وكذلك تحمُّل الغنوشي مسؤوليته أمام الشعب والالتزام بالمسار التصحيحي والاعتراف بالأخطاء. وقال 130 شاباً إن «تونس تمرّ بمنعطف تاريخي أفضى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية، قوبلت بترحيب شعبي كما أثارت تحفّظ جزء من النخبة السياسية والقانونية»، مضيفاً أن «هذه الوضعية الحرجة، والتي لا يخفى على أحد منّا أن حزبنا كان عنصراً أساسياً فيها، تضعنا أمام حتميّة المرور إلى خيارات موجعة لا مفرّ منها، سواء كان ذلك من منطلق تحمُّل المسؤولية وتجنب أخطاء الماضي، أو استجابة للضغط الشعبي». ودعا «المجلس الوطني للشباب» بالإجماع إلى «تجديد القيادة الوطنية، وإشراك الشباب، وفتح باب الحوار والشراكة مع الرئيس سعيّد والمجتمع المدني واتحاد نقابات العمّال، وكل مكونات المجتمع المدني». ويُظهِّر هذا البيان عمق الفجوة بين تيارَي الشباب والقيادات داخل «النهضة»، فيما تؤكد الأزمة الحالية غياب الدعم الشعبي لتوجّهات الحركة التي سعت، بدايةً، إلى استجداء دعم بعض القوى الإقليمية للتوصّل إلى اتفاق مع الرئيس التونسي. ويرى مراقبون أن ما وصلت إليه «النهضة» من تأزّم وتحفظات على أدائها، سواء من داخل صفوف وقيادات الحركة أو من خارجها، هو نتيجة خياراتها في السنوات الماضية، واستماتتها لتعزيز نفوذها بأيّ طريقة كانت.

_______
«الأخبار»

الجمعة، 30 يوليو 2021

حركة النهضة في طريق المراجعة

    يوليو 30, 2021   No comments

حركة النهضة في طريق المراجعة

 قد يكون الوقت متأخرا. لكن بعض قادة الحركة الذين لديهم سجل معارضة ثابت ، يتحملون مسؤولية ما حققته الحكومة منذ أن أصبحوا قوة سياسية حاسمة.

فقد أوردت إذاعة موزاييك إف إم التونسية اليوم الجمعة، نقلا عن القيادي في حركة النهضة التونسية سمير ديلو قوله إن من الضروري أن تعرف قيادات الحركة “حجمها بعد ما حصل من متغيرات” عقب القرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية قيس سعيد.

وأضاف ديلو أنه ضد دعوة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة لأنصار الحركة بالنزول إلى الشوارع.

وتابع أن اللجوء للعنف وتعريض حياة التونسيين للخطر ومواجهة قوات الأمن “خط أحمر”.

وأوضح ديلو “فسرت موقفي أنا وقيادات أخرى في النهضة لرئيس الحركة راشد الغنوشي لأن الأوضاع تغيرت لكن هناك من اتهمني برغبتي في الحصول على منصب الغنوشي وتمت شيطنتي وهناك من قال بأنني أرغب في القفز من سفينة غارقة”.

وتابع “كل ما يعرض السلم الأهلي للخطر أو يدفع التونسيين للتقاتل أو إعلاء المصلحة الحزبية.. كل من يقوم بذلك أضاع فرصة ذهبية للصمت”.

وقال “أرغب أن يكون صوتي مسموعا داخل النهضة لأنني لست الشخص الوحيد الحكيم في الحركة.. هناك تيار قوي تأكدت مواقفه بعد 25 يوليو يعتبر أنه لا يجب أن نحبس أنفسنا داخل حالة من الإنكار”.

وأكد أنه على قيادات النهضة أن “يتساءلوا لماذا تم حرق مقراتنا فقط في كامل ولايات الجمهورية، ولماذا خرج التونسيون للاحتفال بعد إجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيد بشكل عفوي”.

*****

ويختلف هذا الموقف عن موقف الغنوشي الذي حاول مطلع الفجر دخول البرلمان رغم علمه بتعليق عمل المجلس ومحاولته دفع القوات المسلحة إلى عصيان الأمر الرئاسي. كانت تصرفات الغنوشي قرارًا متسرعة ويقلل ذلك من مصداقيته ومصداقية الحركة في حال استمر في قيادتها. إن دعوته منذ البداية وتهديده المستمر بإحضار الناس إلى الشارع أمر خطير وقصير النظر ويزيد من مخاطر العنف.

من الأفضل للحركة مراجعة أولوياتها ودورها في بناء مؤسسات الحكم. 

مثل الإخوان المسلمين في مصر ، الذين وعدوا في البداية بعدم محاولة السيطرة على كل من الرئاسة والبرلمان ، غيروا رأيهم لاحقًا وفعلوا ذلك تمامًا. كلفهما هذا الجوع للسلطة كليهما. دفع نفس الدافع حركة النهضة إلى اختيار نظام شبه برلماني تسبب في حدوث الشلل.

يمكن معالجة مشاكل تونس بشكل أفضل من خلال سلطة تنفيذية ذكية وفعالة وسريعة ينتخبها الشعب مباشرة--الرئيس ؛ وسلطة تشريعية منتخبة تضع سياسات وقوانين طويلة المدى--البرلمان؛ وقضاء مستقل تمامًا - بما في ذلك محكمة دستورية عليا  بها قضاة معينون من قبل ثلاث هيئات بأعداد متساوية (1/3 لكل منها): البرلمان ، والرئيس ، والمجتمع المدني (جمعيات القضاة ، ونقابات المحامين ، وأساتذة القانون ، والمنظمات غير الحكومية المسجلة ، إلخ.).



 


الخميس، 27 مايو 2021

عن الرّئيس التّونسي قيس سعيّد-- لا نحتاج - في تونس - من الحاكم باسم الشّعب غير عدله

    مايو 27, 2021   No comments

 لـ علي المحجوب 

إن تصدير كلّ أزمة سياسيّة أو اقتصاديّة إلى تجاذبات أيديولوجيّة هو إمعانٌ في استدامتها، وحرفٌ للأنظار عن فشل البعض في أدائه اقتصاديّاً واجتماعيّاً، ثمّ سياسيّاً.

من الفجور في الخصومة أن ترميَ خصمك السّياسيّ - أو غيره من الخصوم - بما ليس فيه ممّا تعتبره أنت مثلبةً، ولو لم تكن "التّهمة" في الواقع كذلك. والفجور في الخصومة - كما قد علمتَ - واحدةٌ من ثلاث علامات للنّفاق. ومن الحمق والسّفه أن تُشنِّعَ عليه ما قد يكون فيه من سمةٍ إذا كان دستور البلاد لا يمنعه من ذلك. 

ليس الكلام هنا مرافعة للدّفاع عن أيّ كان، لكنّه كلام يتوخّى شيئاً من الإنصاف للآخر. فإنّ الإنصاف محمود، في كلّ حال، وإنّ غيابه من ساحة حديثة الولوج إلى عالم "الدّيمقراطيّة الشّعبية" قد يَؤُول بكلّ اختلاف إلى الشّقاق وإلى ما هو أبعد منه من الفِتَن. 

أمّا القول إنّ الرّئيس المنتخَب "شعبيّ"، فلا يحتاج إلى جهد ولا إلى تفصيل لإثباته، ولا يستطيع أحدٌ نفيه. فإنّ الرّجل رجّ السّاحة السّياسيّة التّونسيّة من على أرصفة المقاهي الشّعبيّة، وهبّ النّاس إلى انتخابه اتّقاءً لصعود سماسرة الأعمال "الخيريّة" سلّمَ السّباق الانتخابيّ.


ولأنّ وسم "الشّعبيّ" محمودٌ في الدّيمقراطيّات، كونه ترجمة لالتفاف النّاس - الذين هم مدار الدّيمقراطيّة - حوله، فإنّ بعض الخصوم السّياسيّين، إذْ لم يستطيعوا أن يصنعوا من ذلك مثلبةً، لجَأُوا إلى دسّ القول بأنّه مجرّد صناعة مخابراتيّة أجنبيّة، استغفل فيها السّواد الأعظم من الشّعب، فتصبح التّهمة حينها مزدوجة: له بالعمالة، وللشّعب بالحمق. وعلى افتراض ذلك، ولأنّ الدّيمقراطيّة "تُجبرك" على الاستماع إلى "الأحمق"، ثمّ لأنّه قد حُصّل ما في الصّناديق من غير طاعن يطعن، فإنّ كلّ ملتوٍ على إرادة الشّعب أو مُستدرِكٍ عليها، من دون بيّنة وبلا مسوّغ دستوريّ ولا تفويض من الشّعب، يكون غير مؤمن بمبادئ الدّيمقراطيّة، ولو زعم خلاف ذلك، إلى أن يُثبت بالبيّنة القاطعة ما زعم من عمالة للأجنبيّ، وعلى مؤسّسات الدّولة آنذاك و/أو الشّعب الاستدراك على الأمر.

وإنْ لم يقدر على ذلك، فإنّه يلجأ إلى غيرها من "التّهم". والمهمّ في كلّ "التّهم الافتراضيّة" أن تؤدّي إلى انفكاك الحزام الشّعبيّ حتّى ينفضّ النّاس من حوله. فيقول بداية إنّ الرّئيس ذو توجّه شيوعيّ (قاصداً الجانب الإلحاديّ، أو ما يقاربه)، مستنداً في ذلك إلى دعوى مفادها أنّ مِنَ المقرّبين منه مِن تلك -على حدّ زعمه - حقيقة توجّهه، وهي - إن صحّت - حجّة صبيانيّة سخيفة لمنتقِدٍ، يغضّ النظر عن حقيقة أنّه قد يوجد في العائلة التّونسيّة الواحدة أرحامٌ على نقيض بعضهم البعض في التّوجّه والأيديولوجيا. بل إنّ المنتقِد ذاته يجلس في المقهى إلى طاولة يشاركه في الجلوس إليها أشخاص من توجّهات مغايرة، حدَّ التّناقض، من أقصى اليمين حتّى أقصى اليسار، وتلك سِمةٌ تونسيّة معروفة. ثمّ إنّ الدّستور التّونسيّ لم يدقّق في أيديولوجيا رئيس البلاد، ولهم - إن شاؤوا- الاستدراك على ذلك بالطّرائق التّشريعيّة التي خوّلهم إياها الشّعب، لا أن يجعجعوا بلا طحين، فيُكثروا الضجيج ويَحرفوا الأنظار عن أمّهات القضايا والمشاكل، وما أكثرها.

فلمّا استنفدوا جهدهم في معالجة القول بالعمالة ضرباً لشعبيّته ـ كما أنّ صلاة جمعة واحدة علنيّةً له دحضت قولهم بشيوعيّته ـ (على الأقلّ العقائديّة)، ركنوا بعد ذلك إلى القول إنّه "شيعيّ مرتبط بإيران". ولكَ أن تتصوّر - أيّها اللّبيب - مَن يعتبر هذه السّمة "تهمةً" و"مثلبةً"، بل إنّه قد يُدلي بدلوه، في هذه النظريّة الأخيرة، مَن لا يُفرّق بين النّاقة والجمل. والعجيب أنّه على رأس جهة معلومة، لها حصّة في جائزة نوبل "للسّلام"، التي مُنحت للرباعي التّونسي الرّاعي للحوار الوطني في فترة معلومة. غير أنّ العجب لا يطول إنْ تذكّرتَ كثيراً من الأسماء التى مُنحت هذه الجائزة، وكثيراً من الأسماء التي رُشّحت من قبلُ لنيلها. وإذا كان مسوّغ البعض في زعم هذه "السّمة" للرّئيس التّونسيّ ما قد علموا من صريح كفره بالتّطبيع والمطبّعين مع الكيان الغاصب المحتلّ - وهي سِمة باتت حصريّة لحلف المقاومين الأحرار - فنِعمَ التّهمة وبِئسَ المتّهِمين.

أمّا الاستشكال على أداء الرّئيس الشّعبيّ المنتخَب، فإنّه حقٌّ ليس لأحدنا أن ينازع صاحبه فيه. ولو كان الرّئيس منتخَبا بأغلبيّة عريضة، فإنّ الأغلبيّة لا تُعفيه من المراقبة والمساءلة والتّوجيه، عند الاقتضاء. بل إنّ هذه الاستشكالات ظاهرة صحّيّة لشعب في طور التّدرّب على التّدافع الدّيمقراطيّ، فهي لازمة وضروريّة. أمّا تصدير كلّ أزمة سياسيّة أو أزمة اقتصاديّة إلى تجاذبات أيديولوجيّة، فإنّه إمعانٌ في استدامة الأزمة، وحرفٌ للأنظار عن فشل البعض في أدائه اقتصاديّاً واجتماعيّاً، ثمّ سياسيّاً. وهو أيضاً زجٌّ بالشّعب في نوع من التّنازع المَقيت، الذي علمنا، من التّجارب السّابقة، بما جرّ على أصحابه في دول أُخرى من الفشل، ومن ذهاب ريحهم. كما علمنا، من تجارب دول أعرضت عن هذا النّوع من التّقسيمات، بأنّها عزّزت بذلك ديمقراطيّاتها، وأكسبتها منعةً واستدامة.

في أيّ الأحوال، فإنّ أحسن ما يُوصِّفُ الحلّ لهذا المأزق المصطنَع كلامٌ لعليّ بن أبي طالب، يقول فيه: "إنّما يحتاج النّاس من الحاكم عدله". وكذلك هو الأمر، إذ إنّنا لا نحتاج - في تونس - من الحاكم باسم الشّعب غير عدله، وليعتقد بعد ذلك الحاكم ما شاء، أو لا يعتقد، إن شاء.


______

علي المحجوب دكتور في الهندسة البيولوجية وحاصل على ماجستير في الحضارة العربية والإسلامية- تونس

الجمعة، 21 مايو 2021

الابواب المفتوحة بين دمشق وحماس... حركة حماس ترد التحية للاسد باحسن منها

    مايو 21, 2021   No comments

كمال خلف *

في اجتماع جرى بين الرئيس الاسد وقادة الفصائل الفلسطينية وعلى راسهم الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الاخ “زياد النخالة”  ، اكد  الاسد للحاضرين التزام سورية الكامل بدعم المقاومة الفلسطينية . ولا شك بانه الموقف الاميز عربيا على اعتبار ان سورية تخوض منذ عشر سنوات حربا ضروسا دمرت بنيتها التحتية واقتصادها وحاولت الفتك بجيشها ومجتمعها، وبروز اصوات من النخبة السورية تنادي” بسورية اولا ” كخلاصة لتجربة الحرب  . الا ان الرجل الذي يوصف بالعنيد في دمشق  ترك طقوس الانتخابات والحملة الانتخابية في يوم الاقتراع للانتخابات الرئاسية في الخارج وجلس مع قاددة الفصائل للوقوف على الوضع في فلسطين ومالات المنازلة بين المقاومة واسرائيل في غزة .

 لا يمكن اغفال الدور السوري في احتضان المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 65 ، ولاحقا احتضان وتدريب وتسليح وحماية التيار الاسلامي في فلسطين المتمثل في حركتي الجهاد وحماس مطلع التسيعنيات من القرن الماضي ، رغم موقف حزب البعث الحاكم في سورية الحازم  من الاخوان المسلمين بسبب الصراع  الدامي بينهم منذ مطلع الثمانينات   . وما ترتب طوال عقود نتيجة هذا الموقف الداعم للمقاومة  من اثمان باهظة دفعتها سورية الدولة والشعب من حصار وتهديد وضغوط دولية  وصولا الى الحرب القاسية التي هدفت بالدرجة الاولى الى  معاقبة سورية على موقفها من القضية الفلسطينية ومناهضتها لاسرائيل في كل المحافل ، وتغيير دورها في الاقليم وضرب حلف المقاومة .  واعتقد ان فصول تلك الحرب بدات تتكشف تباعا ، وهناك الكثير مما سيقال ويكتبه المؤرخون المحايدون لاحقا عن اسرار وخفايا تلك الحرب القاسية على سورية .

الرئيس الاسد في موقف لافت وبعد سنوات من القطيعة مع حركة حماس ابلغ قادة الفصائل ممن كانوا في ضيافته ان ابواب دمشق مفتوحة لكل المقاومين الفلسطينيين وكل الفصائل الفلسطينية على اختلاف تسمياتها . واكثر من ذلك حملهم تحياته الى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس ، والى مقاتلي حماس في غزة . هو الموقف الاول الصادر من دمشق منذ القطيعة مع حماس بسبب موقف الاخيرة الداعم للمعارضة السورية في الحرب .

كلام الاسد فيه الكثير من التعالي على الجراح ، وتقديم المصلحة الفلسطينية والقضية الفلسطينية حتى على القضية السورية . هكذا يظهر الاسد كزعيم تاريخي وقائد مبدئي  ضمن مشروع استراتيجي ينهض بالامة وليس مجرد رئيس . وهكذا يثبت الاسد انه عنيد الى حد ان كل الحرب التي شنت على بلاده بهدف تغيير سلوكه ومقاربته للاحداث والقضايا  جعلته يرسخ موقع سورية اكثر في مواجهة اسرائيل ، ويحث الخطى حتى قبل تعافي سورية الكامل نحو حمل راية القضية المركزية للعرب والمسلمين   .

بالمقابل جاء اول رد من حركة حماس  على لسان القيادي البارز في الحركة اسامة حمدان ، والذي سمع بموقف الاسد من خلال” قناة الميادين ”  كما قال في اتصال اجرته معه القناة ، وانا من حاوره شخصيا  واكد حمدان ان حركة حماس ترد التحية للاسد باحسن منها ، وان هذا الموقف ليس مستغربا من سورية ، وان موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريباً ولا مفاجئاً و من الطبيعي أن تعود العلاقات بدمشق إلى وضعها السابق”.

لاشك انها مواقف تفتح الابواب المغلقة بين حماس ودمشق ببركة صواريخ المقاومة التي دكت تل ابيب والمستوطنات والمواقع العسكرية الاسرائيلية ، وبركة نصر الشعب الفلسطيني ، والشعب السوري ،   وتؤسس لطي صفحة داكنه من العلاقة طوال السنوات العشر الماضية  . ونقول تؤسس لان العلاقة بين الطرفين تحتاج الى المزيد من الوقت والنضوج ولا تعيدها تصريحات ايجابية فقط على اهميتها .

خلال السنوات الماضية حاول وسطاء كما اطلعنا في حينه سواء حزب الله او المسؤولين الايرانيين حاولوا رأب الصدع ومعالجة اسباب الخلاف ، وبذلوا جهودا كبيرة  . الا ان الاسد كان يرفض ، مع تاكيده على دعم المقاومة الفلسطينية في فلسطين وفي غزة على وجه التحديد

الامر بطبيعة الحال ليس سهلا للاسد  ، فحماس كما قال رئيسها في الخارج خالد مشعل منذ ايام عاشت عصرها الذهبي في سورية . وقدمت سورية معسكرات التدريب والسلاح والتكنولوجيا الحربية خاصة في مجال الصواريخ والمتفجرات ، وقدمت اراضها وعاصمتها كمقر لقيادة حماس بعد ابعادها  من الاردن مطلع التسعينات  ، وتعرضت للضغط والتهديد واحيانا العدوان المباشر بسبب وجود حماس والجهاد في حماها ، وعندما اندلعت الاحداث وقفت حماس مع قرار حركة الاخوان المسلمين العالمية ضد القيادة السورية ، وتبنت موقف المعارضة بالكامل وخرجت من سورية الى قطر . هذا ما اعتبرته القيادة السورية طعنة في الظهر لم تكن تتوقعها . لكن الاجواء في فترة الربيع العربي كانت تبشر بصعود التيار الاسلامي الى الحكم في معظم  الدول العربية ، وهذا كان له التاثير الاكبر في خيارات حماس بخصوص سورية او غيرها مثل مصر مثلا . بالمقابل تكرر الحركة انها خرجت من سورية لانها لم ترغب في التدخل في ازمة داخلية .

تلك مرحلة قد خلت لا نريد الدخول في تفاصيلها ، والافضل النظر الى المستقبل ، سورية هي قلب هذه الامة ، وبوصلة العالم الحر ، وجيشها قاتل في معارك الامة دفاعا عن فلسطين ، وقدمت خيرة ابنائها شهداء من اجل فلسطين . سورية الدولة التي لم تسمح رغم كل الحروب والضغوط والحصار والجوع  برفع علم اسرائيل في سمائها ، من الطبيعي ان تكون قبلة المقاومين والمناضلين وشرفاء الامة .


________________

* كاتب واعلامي فلسطيني


الخميس، 29 أبريل 2021

الإسلام السّياسي والمراجعات الأردوغانية

    أبريل 29, 2021   No comments

عبد الباري عطوان

هذا الانفِتاح السّياسي التّركي التّدريجي والمُتسارع على المملكة العربيّة السعوديّة ومِصر وبدرجةٍ أقل على الإمارات والبحرين، بات محور اهتِمام الأوساط السياسيّة في المِنطقة العربيّة، وموضع تساؤلات المُحلّلين ورجال الإعلام، بالنّظر إلى حجم العَداء والتوتّر الذي كانت تتّسم به العُلاقات بين هذه الأطراف طِوال السّنوات العشر الماضية تقريبًا.

فمَن كان يتصوّر، وقبل أشهر، أن يُشيد الدكتور إبراهيم كالين، مُستشار الرئيس رجب طيّب أردوغان السّياسي، بالقضاء السّعودي ويُؤكّد احتِرام أحكامه التي أصدرها بالسّجن على ثمانية مُتّهمين مُتورّطين في عمليّة اغتيال جمال خاشقجي، ووصول أوّل وفد دبلوماسي تركي إلى القاهرة الأُسبوع المُقبل، بعد زيارات سريّة على مُستوى مَسؤولي أجهزة المُخابرات، واتّصالات هاتفيّة بين وزيريّ خارجيّة البلدين وتبادُل التّهاني بمَقدم شهر رمضان، و”لجم” محطّات المُعارضة المِصريٍة، وربّما قريبًا الليبيّة في إسطنبول ووقف انتِقاداتها لحُكومات بلادها؟

فإذا كانت العُلاقات وصلت بين تركيا ومِصر إلى حافّة المُواجهة العسكريّة على الأراضي الليبيّة، فإنّ نظيرتها بين تركيا والمملكة العربيّة السعوديّة دخلت ميادين الحرب الاقتصاديّة، والإعلاميّة، واتّسمت في بعض الأحيان إلى التّنافس الشّرس على زعامة المرجعيّة السنيّة في العالم الإسلامي، وما زالت المُقاطعة السعوديّة للبضائع والسياحة التركيّة قائمة، ولكن بقرار غير رسميّ علنيّ، حتّى كتابة هذه السّطور، وإن كانت هُناك مُؤشّرات عن بَدء تآكُلِها.

 

***

أربعة تطوّرات رئيسيّة تَقِف خلف هذا الانقِلاب الوشيك في العُلاقات بين تركيا ومُعظم مُحيطها العربيّ:

الأوّل: إدراك القِيادة التركيّة أنّ سِياسة “الصّدمة والتّرويع” السياسيّة والإعلاميّة التي مارستها طِوال السّنوات العشر الماضية، وضدّ مِصر ودول مجلس التّعاون الخليجي بزعامة السعوديّة، أعطت نتائج عكسيّة وارتدّت سلبًا على تركيا، واقتصادها وزعامتها الإسلاميّة، الأمر الذي دفع حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى اتّخاذه قرارًا في اجتماعه التّنظيمي الأخير في أنقرة إلى التخلّي عن هذه السّياسات التي أغرقت تركيا في حُروبٍ ومُواجهات وأزمات في مُحيطها الإقليمي أدّت إلى عزلها، وإضعاف اقتِصادها، واستِبدالها بسِياسات انفتاحيّة تقوم على التّهدئة والحِوار، وإعطاء مساحة أكبر للدّبلوماسيّة.

الثّاني: يبدو أنّ الرئيس أردوغان وصل إلى قناعةٍ مفادها أنّ “الإسلام السياسي” الذي تبنّاه، ودعمه بعد “ثورات” الرّبيع العربي، لن ينجح في تغيير الأنظمة القائمة، ومِصر والسعوديّة وسورية وليبيا والعِراق على وجه الخُصوص، وأنّ الاستِمرار في هذا الرّهان، في ظِل الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة، والعُزلة التركيّة والعَداء الغربيّ مُكلِفٌ جدًّا لتركيا والحزب الحاكم فيها.

الثّالث: تَصاعُد النّفوذ الإيراني في المِنطقة المدعوم بترسانةٍ عسكريّة قويّة، والانحِياز للقضايا العربيّة المركزيّة، وأبرزها مُواجهة المشروع الصّهيوني، وتأسيس محور المُقاومة بأذرع عسكريّة جبّارة في اليمن ولبنان وسورية والعِراق وفِلسطين المُحتلّة، في إطار مُقاطعة تامّة لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، ووصول صواريخه مُؤخّرًا إلى مُحيط ديمونة في النّقب.

الرّابع: التِقاء الرئيس أردوغان مع قادة مِصر والسعوديّة والإمارات ودول خليجيّة أُخرى على أرضيّة القلق والرّعب من الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقِيادة جو بايدن التي أعلنت مُنذ اليوم الأوّل تغيير السّياسيات الأمريكيّة تدريجيًّا ضدّها، أيّ الدّول المذكورة، فقد أوقفت دعمها للتّحالف السّعودي في حرب اليمن، واعترفت بِما وصفته جرائم الإبادة التركيّة للأرمن، وكانت وما زالت أكثر ميلًا للموقف الإثيوبي في أزَمة سدّ النهضة، ولم يُبادِر بايدن بإجراء أيّ اتّصال مع الرئيس المِصري.

السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هذه الأيّام، هو عمّا إذا كان قطار “التّهدئة” التّركي الذي بات على وشك الانطِلاق سيتوقّف في القاهرة والرياض وأبو ظبي فقط، أم أنّه سيُعرّج في طريق الذّهاب أو العودة إلى دِمشق الأقرب جُغرافيًّا إلى أنقرة؟

هُناك نظريّتان: الأُولى تقول بأنّ الرئيس أردوغان سيُحاول استِخدام الورقة الطائفيّة، أو العِرقيّة التركمستانيّة ومُحاولة تأسيس “محور سنّي” في مُواجهة النّفوذ الإيراني المُتصاعِد، ومن أجل تعزيز تدخّله العسكريّ في سورية الذي بدأ يتآكل، ولكن ما يُضعِف هذه النظريّة احتِمالات الرّفض المِصري لهذه النّزعات الطائفيّة والمذهبيّة والتمسّك بعلمانيّة الدّولة ومبدأ التّعايش بين الأديان والمذاهب فيها.

والثّانية تُؤكِّد بأنّ هذه المُصالحات التركيّة المُتسارعة مع اثنين من أهم أقطاب السّاحة العربيّة، أيّ السعوديّة ومِصر تَصُب في مصلحة الطّرفين، وقد تكون تمهيدًا للمُصالحة مع سورية أيضًا، بالنّظر إلى حالة الانفِراج الرّاهنة في عُلاقاتهما مع دِمشق، وعدم مُعارضتهما لاستِعادة مِقعَدها في الجامعة العربيّة، وهُناك معلومات غير مُؤكَّدة عن بوادر تهدئة تركيّة سوريّة بوِساطةٍ روسيّة وإعادة فتح جُزئيّ لقنوات الحِوار الاستِخباري.

***

هذا الانقِلاب في الموقف التركيّ هو اعتِرافٌ أوّليّ بفشل سِياسة التدخّلات السياسيّة العسكريّة السّابقة، وخاصّةً في ليبيا وسورية، وهي السّياسات التي تعرّضت لانتِقادات داخليّة شَرِسَة، وشكّلت ذخيرةً قويّةً في يد أحزاب المُعارضة، وإحداث انشِقاقات في صُفوف الحزب الحاكم، ونسف أبرز إنجازاته وهي التّنمية وقوّة الاقتِصاد التّركي والعُملة الوطنيّة.

الرئيس أردوغان أخطأ في تدخّلاته هذه، وخَلَقَ العديد من الأعداء دُون أن يُحافظ على أيّ من الأصدقاء، خاصّةً بمُساهمته بخلق حالة من عدم الاستِقرار والفوضى في كُل من ليبيا وسورية والعِراق، وسيضطرّ في نهاية المطاف إلى التّراجع عن هذه التّدخّلات، تقليصًا للخسائر، فمَن كانَ يتَصوّر أنّه سيَطرُق أبواب القاهرة والرياض طالبًا الوِد، ويتخلّى عن حركة “الإخوان المسلمين” ويُجَمِّد أذرعها الإعلاميّة، ويُقَدِّمها ككبش فِداء للحِفاظ على ما أسماه مصالح تركيا.. واللُه أعلم.

_____________________________

المصدر


الأربعاء، 7 أبريل 2021

عن تجارب صندوق النقد الدولي ووصفاته الثابتة

    أبريل 07, 2021   No comments

 لزياد ناصر الدين 

لطالما ارتبطت بهذا الصندوق عناوين عريضة ورنانة، من توفير المال الإنقاذي وتعزيز الاستقرار المالي، إلى دعم الثقافة والإنسان، لكن الحقيقة في مكان آخر.

كثُر الكلام عن تجارب صندوق النقد الدولي - الأداة الماليّة لتدمير الشعوب والبلدان - الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، إذ تمتلك فيه الحصّة الأكبر (16.74%)، كما تمتلك حقّ الفيتو واتخاذ القرار والتوجيه، إلى جانب 4 دول من أصدقائها، هي اليابان (6.23%)، وألمانيا (5.81%)، وفرنسا (4.29%)، وبريطانيا (4.29%).

لطالما ارتبطت بهذا الصندوق عناوين عريضة ورنانة، من توفير المال الإنقاذي وتعزيز الاستقرار المالي، إلى دعم الثقافة والإنسان، لكن الحقيقة في مكان آخر، فما من دولة حصلت على قرض من الصندوق، واستطاعت إعادة اقتصادها إلى الحالة التي كان عليها. في الغالب، تعجز الدول عن تحقيق نهضة اقتصادية أو تنموية، ذلك أن القرض يدمّر الاقتصاد الوطني لأيّ دولة، ويتسبّب بشكل مباشر بتآكل الطبقة الوسطى، ويلقي بها في أحضان الفقر. وفي الوقت نفسه، تنقسم طبقة الأغنياء، بعضها يهبط، والبعض الآخر تتضخَّم ثرواته بشكل كبير.

وفي الوقت الذي تنظر الدول النامية إلى صندوق النقد باعتباره منظومة ماليّة ضخمة تهرع إليها عندما تتعثّر اقتصاديّاً، بغرض الحصول على قرض إنقاذي لتطوير البنى التحتية الأساسيّة، كمحطات الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والمدن الصناعية، كسبيل للنهضة مجدداً، يفرض الصندوق شروطاً قاسية تتجاهل حقوق الإنسان، بل إنها تقضي عليها الكامل، كما تهدر طاقات الدولة وإمكانياتها، وتؤدي بها إلى المزيد من الأزمات المتلاحقة.

في مقابل ذلك، يُعتبر الصندوق والدول التي تمتلك حصصاً فيه الرابح الأكبر من هذه الصفقات المشبوهة، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وعندما ننظر جليّاً إلى شروط القرض المفترض، نلاحظ بدايةً أنّها تبدأ بقيام المكاتب الهندسيّة والاستشاريّة وشركات المقاولات الأميركيّة أو الشركات التي تدور في فلك واشنطن في الدول المقرضة، بتنفيذ هذه المشاريع، أي أنّ هذه الأموال تعود بشكل مباشر إلى أعضاء هذه الدول، ويبقى على الدول المستدينة سداد أصل القرض والفوائد، كما أنّ الشّروط التي تفرضها الجهات الدائنة تُجبر تلك الدول على التعثّر بعد بضع سنوات، بهدف تحقيق أبعاد استراتيجية خطيرة، تتلخّص بالسيطرة على مواردها والقبول بالتواجد العسكري فيها.

لتحقيق هذه الأهداف، ثمة وصفات موحّدة يعتمدها الصندوق في جميع الدول، وهي قائمة على التسويق، لكبح الانهيار، من خلال مليارات الدولارات التي تحقّق نموّاً اقتصاديّاً عن طريق المشروعات المقترحة، مع اعتماد الخداع في الأرقام، وخصوصاً في ما يتعلّق بنمو الناتج الإجمالي القومي، لكنّ النتيجة دائماً ما تكون استفادة "النخبة" القليلة على حساب الأغلبية، بحيث يزداد الثري ثراء، ويزداد الفقير فقراً، ويتمّ التسويق لذلك بوصفه "تقدّماً اقتصادياً".

ما الوصفات الثابتة لصندوق النقد؟

1- تحرير سعر الصرف ورفع كلّ أشكال الدعم، وخصوصاً عن السلع والخدمات الأساسية، كالطحين والكهرباء والماء والنقل.


2-التركيز على رفع الدعم عن المحروقات، مع ما ينتج من ذلك من زيادة في أسعار البنزين والمازوت قد تتجاوز 5 أضعاف، من دون الأخذ بتداعيات الأمر وانعكاساته على القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والاستهلاكية.

3- ترسيخ نموذج اقتصاد الريع والاستهلاك على حساب القطاعات الإنتاجية، وخصوصاً الزراعة والصناعة والأدوية والمواد الغذائية. تُعتبر السياسات الماليّة أهم ركائز هذا النظام، بصرف النظر عن البعد الاقتصادي المرتبط بالتنمية والبرامج.


4- تقليص برامج التقديمات الاجتماعية، وصولاً إلى إنهاء كل الحمايات الاجتماعية، وخصوصاً التقديمات الصحية والتربوية المدرسية والشؤون الاجتماعية.


5- تقليص حجم القطاع العام، والعمل على إعادة هيكلة الرواتب، أي خفضها وتقييدها، وبالتالي منع أي زيادة عليها، مهما أصبحت نسبة التضخم، إضافةً إلى إعادة النظر في المعاشات التقاعديّة تمهيداً لإلغائها.


6-زيادة معدلات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة تتراوح بين 5% و10% على الأقل.


7- رفع مستوى الضّرائب ليصل إلى 20% من الناتج المحلي، وفرض زيادة على جميع أنواع الضرائب.


8-  تصفية المؤسَّسات المتعثرة حتى ضمن القطاع الخاص.


9-  اعتماد النمو على الدين والاستدانة.


في المحصّلة، تكمن خطورة الموضوع في أنّ عمل صندوق النقد لا ينتهي بعد انتهاء القرض، بل يبدأ حينها تحت عنوان "المراقبة ما بعد البرامج"، بحيث يصبح الاقتراض هو الوسيلة المطلوبة للعيش واستمراريّة الماليّة العامة للدولة، مع بدء المديرين التنفيذيين الذين يعيّنهم الصندوق بالتحكّم بالقرارات النقديّة والماليّة والاقتصاديّة، لرهن البلاد بشكل كامل والسيطرة على القرار السياسيّ مقابل القروض الماليّة، وليس، كما يروّج البعض، بأنّ الأموال ستساعد لبنان على النهوض مجدداً.


نماذج حيّة

1- الإكوادور


في العام 2019، وقّعت الإكوادور اتفاقيّة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.2 مليارات دولار لمدة 3 سنوات.


كانت شروط الصندوق تتمثل بطرد الموظّفين من القطاع العام، ورفع الضرائب، وخفض الاستثمار العام، وتقليص الموازنة 6% نسبةً إلى الناتج المحلي، وكانت النتيجة ارتفاع خط الفقر من 50% إلى 70%، ونسبة البطالة من 15% إلى 70%، إضافةً إلى ارتفاع الدين العام إلى 16 مليار دولار، وتخصيص 75% من ميزانيتها لسداد الديون.


أمّا الهدف الذي تحقق، فهو إغراق الإكوادور في الديون لاستغلال ثرواتها، وخصوصاً بعد التأكّد من توفر مخزون كبير من النفط الخام لديها، ووجود احتياطي تؤكّد الدراسات أنّه منافس من حيث الكمّية لنفط الشرق الأوسط، ويشكّل أحد بدائله، بحيث أصبحت حصّة الشركات الأميركية اليوم تعادل 75 دولاراً لكلّ 100 دولار ناتجة من الخام في البلاد.


2- الأرجنتين


حقّق صندوق النقد في الأرجنتين فشلاً ذريعاً، ولم يستطع فرض الحد الأدنى من التوازن الاقتصادي والاجتماعي المطلوب، بحيث ارتفع الدين العام من 241 مليار دولار إلى 321 مليار دولار، وانخفضت قيمة العملة بشكل حاد، وارتفعت معدلات الفقر من 35% إلى 47%، كما ارتفعت الأسعار بمعدّل 7% شهريّاً، ما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية.


3-  اليونان


بلغ الدين العام في اليونان ما يقارب 180% من الناتج المحلي بعد توقيع الاتفاق مع الصندوق، ورافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض عدد السياح، وإثقال المصارف بقروض غير مسدّدة، فضلاً عن الفضائح التي نُشرت في "ويكيليكس" عن مخطط التآمر على اليونان من قبل المشرفين على الملف المالي، وتسليم البلاد ورهنها وإخضاعها لشروط البؤس في صندوق النقد.


4- تونس


غذّى صندوق النقد الفساد في تونس، وكان العنوان العريض للتجربة هو "غياب التخطيط"، فخفضت التقديمات الاجتماعية عشوائيّاً، وجرت خصخصة قطاعات الدولة وأملاكها، وفرضت الدولة ضرائب إضافية، كما انخفضت قيمة العملة. كل هذا من أجل قرض بقيمة 1.740 مليار دولار. وعندما طلبت تونس تجديد القرض مع زيادة قيمته إلى 2.8 مليار دولار، ازدادت الشروط السياسيّة تحت عناوين وأهداف اقتصادية.


5- الأردن


رغم أنّ تجربة الأردن مع صندوق النقد ما تزال حديثة العهد، إذ حصلت البلاد على قرض بقيمة 1.3 مليار دولار العام الماضي، فإنَّ تداعياتها ظهرت بسرعة، إذ تراجعت القدرة الشرائية، وانخفض الحد الأدنى للأجور وسط تجاهل حقوق العمال، وازدادت الضرائب. والنتيجة كانت أنّ الاقتصاد ما يزال يحتضر.


6-  مصر


يَعتبر صندوق النقد الدولي أنّه حقّق تجربة ناجحة في مصر، لكن مقابل تحقيق نمو إيجابي بنسبة 4%، زادت نسبة الفقر من 30% إلى 46%، وارتفعت أسعار الأدوية، كما زادت الضرائب، وانخفض الإنفاق العام على الصحة والتعليم. ويهدف إغراق مصر في الديون إلى السيطرة على مصادر الغاز المهمة جداً، وخصوصاً بعد اكتشاف حقل ظهر في شرق سواحل المتوسط.


يقول جون بيركنز في كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" (Hit Man Confession of an Economic)، إنّ الجانب غير المرئي في خطّة القروض والمشروعات هو تكوين مجموعة من العائلات الثريّة ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي داخل الدولة المدينة، تُشكّل امتداداً للنخبة الأميركية، من خلال اعتناق أفكارها ومبادئها وأهدافها، بحيث ترتبط سعادة الأثرياء الجدد ورفاهيتهم بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.


في المحصّلة، لا تصبح السياسات الاقتصادية جيّدة إلا من خلال منظور الشركات الكبرى، وتكون الدول التي تقتنع بهذه المفاهيم مُطالَبةً بخصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء. بعدها، تصبح مضطرة إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية، بينما عليها القبول بأن تستمرّ أميركا وشركاؤها من الدول الصناعية الكبرى بتقديم الدعم لقطاعات أعمالها وفرض القيود لحماية صناعاتها.


هذه النماذج موضوعة اليوم أمام لبنان، فإمّا تُثبّت السلطة السياسيّة خيارات الدولة العميقة، وترهن البلد، وتتخلى عن مصادر الغاز والطاقة الكبيرة التي تمتلكها لصالح الغرب وشركاته، وتتعمّق الأزمة في البلاد، وإما تأخذ قراراً بالنهوض الاقتصادي، بدءاً من التفكير الحقيقي في تنويع الخيارات الاقتصادية، انطلاقاً من حدوده الشرقية، وصولاً إلى عمق آسيا والصين وروسيا.

________________

زياد ناصر الدين كاتب وباحث اقتصادي

°°°°°°°°°°°°°°°°°

المصدر: الميادين نت


الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

لماذا سوريا؟

    نوفمبر 24, 2020   No comments


الخميس، 28 مايو 2020

عمل: دمقرطة. عدم سلعنة. مجابهة التلوث

    مايو 28, 2020   No comments
 
ماذا تُعلمنا هذه الأزمة
من هذا الوباء؟ بادئ ذي بدء، أنه لا يمكن اختزال البشر في مكان العمل إلى "موارد". الأطباء (الطبيبات)، والممرضين (ات)، والصيادلة، وعمال (عاملات) التوصيل، وعمال (عاملات) صندوق الدفع بالمتاجر وجميع أولئك الذين يسمحون لنا بمواصلة العيش في هذه الفترة من الحجر دليل حيّ على ذلك. يوضح لنا هذا الوباء أيضًا أنه لا يمكن اختزال العمل في حد ذاته إلى "سلعة". فالرعاية الصحية، والعناية الإجتماعية، ومرافقة أكثر الفئات هشاشة هي أنشطة يجب حمايتها من الخضوع لقوانين السوق وحده، وإلا فإننا نخاطر بزيادة مطردة لعدم المساواة، لدرجة التضحية بالأضعف والأكثر فقراً. لتجنب مثل هذا السيناريو، ما الذي يجب فعله؟ يجب السماح للموظفين بالمشاركة في القرارات، أي دمقرطة الشركة. وأيضاً، يجب عدم سلعنة العمل، أي أن يضمن المجتمع عمل مجدي للجميع. في الوقت الذي نواجهُ بأنٍ واحد، خطرَ الوباءِ وخطر انهيار مناخي، فإن هذين التغييرين الاستراتيجيين سيسمحان لنا، ليس فقط بضمان كرامة كل فرد، ولكن أيضًا بالعمل بشكل جماعي لإزالة التلوث الذي أصاب الكوكب وإنقاذه.
دمقرطة. يستيقظ العاملون - وخاصة العاملات - في الخدمات الأساسية كل صباح للذهاب لخدمة الآخرين، في حين أن جميع أولئك الذين يستطيعون البقاء في الحجر، يبقون في الحجر في بيوتهم. هؤلاء العاملون (والعاملات) الأساسيون يبرهنون على كرامة عملهم وعلى عدم تفاهة وظائفهم. وهم يظهرون الحقيقة الأساسية التي سعت الرأسمالية دائمًا إلى جعلها غير مرئية، ساعية بذلك إلى تحويل البشر إلى "موارد": لا يوجد إنتاج أو خدمة بدون المستثمرين في عملهم.
من جانبهم، فإن المحجورين - وخاصة المحجورات - يحشدون كل ما في وسعهم لضمان استمرار مهام شركاتهم من بيوتهم. إنهم يثبتون أن أولئك الذين يفترضون أن التحدي الكبير أمام صاحب العمل هو إبقاء العامل الغير جدير بالثقة أمام عينيه، للسيطرة عليه بشكل أفضل، مخطئين تماماً. يثبت العمال كل يوم أنهم ليسوا مجرد "طرف" في الشركة من بين عدة أطراف. بل إنهم الجزء التأسيسي، ولكنهم دائمًا مستبعدون من حق المشاركة في حوكمة الشركة، المحتكرة من قبل أصحاب رأس المال.
إذا تساءلنا بجدية حول كيفية تعبير الشركات، والمجتمع ككل، بالإعتراف بالجميل تجاه العمال، سيكون من الضروري بالطبع تسوية منحنى الأجور والبدء من مستوى أعلى، لكن هذه التغييرات وحدها لن تكون كافية. كما كان الحال بعد الحرب العالمية الثانية (أو الأولى في حالة الولايات المتحدة)، حيث مُنحت المرأة حق التصويت اعترافًا بمساهمتها الأساسية،
أصبح من غير المبرر الآن عدم إعتاق المستثمرين في عملهم من خلال دمقرطة الشركة. وهذا التغيير ضروري.
في أوروبا، بدأ تمثيل المستثمرين في عملهم في الشركة بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال لجان / (VARIA FR) مجلس (VARIA BE) المؤسسة. لكن، غرف تمثيل العمال هذه ظلت أجهزة ضعيفة في كثير من الأحيان، خاضعة لحسن نية فريق الإدارة المختار من قبل المساهمين. ولم تتمكن من منع ديناميكية رأس المال الذي يراكم لنفسه عن طريق تدمير الكوكب. يجب تزويد غرف تمثيل العمال هذه من الآن وصاعداً بحقوق مماثلة لحقوق مجالس الإدارة، من أجل إخضاع إدارة الشركات (top management) لأغلبية مزدوجة. أما في ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية، فإن تطبيق أشكال التقرير المشترك للمصير (mitbestimmung) تدريجياً بعد الحرب العالمية الثانية شكلت خطوة حاسمة ولكن غير كافية. حتى في الولايات المتحدة، حيث حورب حق التنظيم النقابي، فإنه يتم رفع الأصوات اليوم لمنح المستثمرين في عملهم الحق في اختيار ممثلين عنهم في مجالس الإدارة متمتعين بأغلبية خاصة. إن اختيار الرئيس التنفيذي - أو أفضل: الرئيسة التنفيذية - كما إختيار استراتيجية الشركة أو توزيع الأرباح هي كلها قضايا مهمة للغاية بحيث لا يمكن تركها بيد الممثلين الحصريين للمساهمين. أولئك الذين يستثمرون عملهم في الشركة، وصحتهم، بل وكل حياتهم بعبارة أصح، يجب أن يكونوا أيضًا قادرين على المصادقة الجماعية على هذه القرارات.
عدم سلعنة. توضح هذه الأزمة أيضًا أنه لا يجب إعتبار العمل سلعة. حيث تبرهن أن آلية السوق لا يمكن أن تترك وحدها مسؤولة عن الخيارات الجماعية الأساسية. إن خلق الوظائف في مجال الرعاية الصحية وتوفير المعدات اللازمة لإنقاذ حياة الأشخاص المحتاجين هي أمور وضعت منذ سنوات تحت منطق الربحية. تكشف الأزمة عن عمى هذا المنطق، فهناك احتياجات جماعية استراتيجية يجب أن تكون في مأمن من التسليع.  ولعل جلّ ما يذكرنا بشكل مؤلم بهذا المبدأ هو أعداد عشرات الألاف من الضحايا. أولئك الذين لا يزالون يجادلون عكس ذلك ، هم أيديولوجيون يضعوننا جميعاً في خطر. لا يمكن لمنطق الربحية أن يقرر كل شيء، ومثلما إنه هناك ضرورة لحماية قطاعات معينة من قوانين السوق الغير المنظم، يجب أيضًا التأكد من أن كل شخص لديه فرصة للحصول على عمل يخوله للعيش بكرامة. 
إحدى الطرق للقيام بذلك هي ضمان عمل للجميع، وإتاحة الفرصة لكل مواطن للحصول على عمل. حيث أن ضمان العمل، الذي هو حق منصوص عليه في المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لن يسمح لكل فرد بالعيش بكرامة فحسب، بل أيضاً بمضاعفة قوانا الجماعية من أجل تلبية الاحتياجات الاجتماعية والبيئية العديدة التي نواجهها. يتم ذلك من خلال إدارته من قبل السلطات المحلية، فيساعد ضمان العمل للجميع بشكل خاص على تجنب الانهيار المناخي مع ضمان مستقبل كريم للجميع. (VARIA EUROP:) يجب على الاتحاد الأوروبي، في إطار صفقته الخضراء، أن يضمن الوسائل لمثل هذا المشروع. يستطيع الاتحاد من خلال مراجعة مهمة مصرفه المركزي، وذلك من أجل تمويل هذا البرنامج الضروري لبقائنا، أن يجعل نفسه شرعيًا في حياة كل مواطن داخله. ومن خلال تقديم حل لصدمة البطالة القادمة غير خاضع للتقلبات الدورية، فإنه سيثبت مساهمته في الازدهار الاجتماعي والاقتصادي والبيئي لمجتمعاتنا الديمقراطية.
محاربة التلوث. دعونا لا نكرر الخيار الساذج لعام 2008: كانت الأزمة فرصة لإنقاذ البنوك من خلال تعميق الدين العام، دون فرض أي شرط على عمليات الإنقاذ هذه. إذا كانت دولنا ستتدخل لإنقاذ الشركات التجارية اليوم، فمن المهم جعل هذه الشركات متوافقة مع الإطار العام للديمقراطية. يجب على الدولة، باسم المجتمع الديمقراطي الذي تخدمه ويشكلها، وكذلك باسم مسؤوليتها عن ضمان بقائنا البيئي، أن تحدد تدخلها بتغييرات في نهج الخط الاستراتيجي للمؤسسات المدعومة. يجب أن تفرض - بالإضافة إلى الامتثال للمعايير البيئية الصارمة - شروطًا لدمقرطة الحوكمة الداخلية للشركات. لأن الشركات المحكومة ديمقراطيا هي التي ستكون مستعدة لقيادة التحول البيئي، حيث يمكن لمقدمي رأس المال والمستثمرين في عملهم أن يجعلوا أصواتهم مسموعة ويقررون معاً الاستراتيجيات التي سيتم تنفيذها. هذا لن يفاجئ أحداً: في النظام الرأسمالي، إن معادلة رأس المال / عمل / كوكب دائمًا تأتي على حساب... العمل والكوكب. وبفضل دراسة لمهندسين من جامعة كامبريدج، كولين وألوود وبورجستين (Envir. Sc. & Tech. 2011 45, 1711–1718)، نعرف أن 73٪ من استهلاك الطاقة العالمي يمكن توفيره عن طريق " تغييرات قابلة للتحقيق في العمليات الإنتاجية"  (achievable design changes). لكن هذه التغييرات تتطلب كثافة عمالية أكبر، وخيارات غالباً ما تكون أكثر تكلفة على المدى القصير. طالما أن الشركات تدار فقط لصالح مزودي رأس المال، فلماذا إجراء هذه التغييرات؟ على الرغم من التحديات التي تضعها هذه التغييرات، فقد أثبتت بعض المؤسسات الاجتماعية أو التعاونية - من خلال السعي إلى تحقيق أهداف تكون في آن واحد مالية واجتماعية وبيئية، ومن خلال تطوير حكومة داخلية ديمقراطية - مصداقية مثل هذا المسار.
دعونا لا نخدع أنفسنا بعد الآن. إذا تُركوا لتقرير المسار بأنفسهم، فإن معظم مزودي رأس المال لن يحرصوا لا على كرامة المستثمرين في عملهم ولا على مجابهة الإنهيار المناخي. هناك سيناريو آخر في متناول اليد: دمقرطة الشركات وعدم سلعنة العمل. وذلك سيسمح لنا بمجابهة تلوث الكوكب.
___________
الأمضاء


الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

العراق الجديد... التظاهر السلمي في العراق والساسة

    أكتوبر 29, 2019   No comments

نشرت صفحة "صالح محمد العراقي" المقربة من الصدر، اليوم (4 تشرين الأول 2019)، على موقع فيسبوك، وثيقة للصدر قال فيها: "احقنوا الدم العراقي الشريف باستقالة الحكومة (شلع قلع)، ولنبدأ بانتخابات مبكرة باشراف أممي، فما يحدث من استهتار بالدم العراقي لايمكن السكوت عليه". 

____________

جاء ذلك في رسالة نشرها المكتب الاعلامي لعبد المهدي ردا على تصريحات الصدر طالب فيها الاول باعلان انتخابات مبكرة.

وهذه هي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة السيد مقتدى الصدر حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طالبتني بالذهاب الى مجلس النواب والاعلان من تحت قبته لانتخابات مبكرة تحت اشراف الامم المتحدة ومفوضية جديدة. وانني اشكرك فمن حق اي قائد واي مواطن ان يطالب رئيس الوزراء بما يراه مصلحة وطنية وقد يكون المقترح المقدم احد المخارج للازمة الراهنة للاسباب الاتية:

قد تأتي نتائج الانتخابات حاسمة وبالتالي يمكن تشكيل حكومة اغلبية سياسية واضحة تتمتع بدعم برلماني واضح.
قد يساهم الحراك الشعبي نتيجة التظاهرات الاخيرة الى مشاركة واسعة من الشباب في الانتخابات القادمة وقد تقود التعديلات الدستورية والاصلاحات المطروحة لتغيير كامل المناخ السياسي في البلاد ويحدث تجديداً في القوى السياسية الحاملة لمشروع المرحلة المقبلة.

هناك خطوات استطيع انا القيام بها واخرى تتعلق باطراف اخرى، كذلك هناك تحفظات على اختيار هذا المخرج للازمة.
لا يكفي ذهاب رئيس مجلس الوزراء الى البرلمان لاعلان الانتخابات المبكرة ليتحقق الامر، بل هناك سياقات دستورية (المادة 64) يجب علي رئيس مجلس الوزراء الالتزام بها. فالانتخابات المبكرة تستدعي ان يوافق رئيس الجمهورية على طلب من رئيس مجلس الوزراء على حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوماً، وهذا لن يتحقق الا بتصويت مجلس النواب على حل المجلس بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، اي باغلبية 165 صوتاً، وتعتبر الحكومة مستقيلة وتتحول الى حكومة تصريف اعمال يومية.

او ان يقدم بموجب (المادة 64) ثلث اعضاء مجلس النواب اي 110 صوتاً طلباً لحل مجلس النواب، واذا صوت مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه فان انتخابات تشريعية جديدة يجب ان تتم خلال 60 يوماً وتعتبر الحكومة مستقيلة وتتحول الى حكومة تصريف اعمال يومية.
وكما كتبت في رسالة سابقة الى سماحتكم هناك بعض التحفظات.

اذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة فهناك طريق اكثر اختصاراً وهو ان يتفق سماحتكم مع الاخ العامري لتشكيل حكومة جديدة، وعندها يستطيع رئيس مجلس الوزراء تقديم استقالته واستلام الحكومة الجديدة مهامها خلال ايام ان لم نقل ساعات من تحقق هذا الاتفاق. واعتقد ان الكتل السياسية ستتعاون بشكل واسع لتحقيق التصويت اللازم. اما الانتخابات المبكرة فمجهول امرها. فمتى سيتسنى اجراؤها؟ وهل سيتم الاتفاق على كامل شروطها؟ وهل ستأتي نتائجها حاسمة؟ وغيرها من امور قد تتركنا امام مجاهيل كبيرة.

ان تحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال يومية معناه عدم تمرير الموازنة، ومعناه التوقف عن التوقيع على المشاريع الجديدة والقوانين المطلوب تشريعها باسرع وقت والتي بها نحقق خطوات تم الاتفاق عليها للاصلاح وتوفير فرص العمل وتشجيع الاستثمارات والاعمال الجديدة، ناهيك عن امور اخرى كثيرة يجب الالتفات اليها. فكم ستستغرق عملية حل مجلس النواب؟ او تغيير المفوضية؟ فالمستثمرون يهربون بسبب المجهول والاحداث الدامية، وهناك دماء تسيل مما يتطلب اجراءات واضحة لتستطيع الدولة القيام بواجباتها، وتحفظ النظام العام وتطبق القانون على الجميع.
تطالبون بعدم مشاركة الاحزاب الحالية الا من ارتضاه الشعب.

واشير الى انني ذكرت في خطابي الاخير ان الاحزاب السياسية قد تخلفت عن فهم المعادلات الجديدة للبلاد فلم تقم بواجبها كما يجب، كما تخلفت عن ذلك الدولة، فنزل الشعب الى الشوارع يعبر عن رأيه. وهذه نتيجة اجتماعية/سياسية تمر بها كل التجارب والامم. لكن من سيعرف الاحزاب التي يرتضيها الشعب ؟ فالحريات والحقوق التي يجب ان تكفل للجميع لا تقررها اجتهادات شخصية، حتى وان كانت ستبرهن عن صحتها في نهاية المطاف. فصناديق الاقتراع هي الوسيلة الافضل للتعبير عن رأي الشعب شريطة ان نقترب اكثر ما يمكن من توفير كافة الشروط ليتطابق رأي الشعب مع نتائج الانتخابات.

هكذا كان الامر تاريخياً ولدى بقية الشعوب، وهكذا هو الان وبالنسبة للشعب العراقي. فالشعوب ليست حالات هلامية او افترضية سيدعي كل منا تمثيله. لذلك رفض امير المؤمنين عليه السلام بيعة في ليل. ولذلك يجب ان تظهر ارادة الشعب واضحة جلية. فاذا كان هناك استبداد فان الثورات هي الحل.

واذا كان هناك نظام ديمقراطي يوفر الوسيلة للتعرف على رأي الشعب فان صناديق الاقتراع هي الحل. اما ان يحتكر فرد او حزب السلطة ويفرض ارادته على الشعب، او يأتي ملثمون ويغلقون جامعة من الجامعات ويكتبون على الابواب مغلقة باسم الشعب، او ان يقوم مدير مدرسة باخراج المراهقين الى الشوارع باسم الشعب، فهذا انحراف واحتكار وتصرف تعاقب عليه في النهاية السنن الالهية والبشرية، كما يعاقب عليه القانون ولا يمثل رأي الشعب.

انني اتفهم تماماً مشاعر شبابنا من قضايا بلدهم واهمية مشاركتهم فيها. فلقد كان لنا ايضاً شبابنا وحماسنا. وقد لا تعلمون بانني فصلت من مدرستي في الصف الرابع ثانوي وعمري يومها 14-15 عاماً، لانني شاركت بمظاهرات بورت سعيد والعدوان الثلاثي على مصر وضد الانتخابات التي اسميناها يوماً بالمزورة عام 1956-1957. ان حماس شبابنا وحرصهم هو عامل اطمئنان ان اجيالنا الصاعدة تتمتع بحس وروح وطنية عالية. وسيتعلمون بتجربتهم الخاصة الطريق الصحيح الذي يجب ان يرسموه لبلدهم. وان واجبنا ليس قمعهم وردعهم بل احترامهم والاستماع اليهم ومساعدتهم بكل ما يمكن من وسائل. لقد قمنا بما يمليه علينا واجبنا فاصبنا واخطأنا، وهم سيستلمون المسؤوليات وادعو العلي القدير ان لا يعيدوا ارتكاب اخطائنا بل ان يتعلموا منها، وسيتفهم الشعب عندها اخطاءهم عند تحملهم المسؤولية، ان كانت مخلصة وفي طريق الاصلاح وتجديد دماء الشعب والبلاد.

"لا يكلف الله نفساً الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.. ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا.. ربنا ولا تحمل علينا اصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به. واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا.. انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين."

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عادل عبد المهدي
رئيس مجلس الوزراء
٢٩-تشرين الأول-٢٠١٩


________________

 وجه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الدعوة لزعيم كتلة سياسية منافسة للعمل معه بشأن إجراء تصويت في البرلمان على الثقة في رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.

وأضاف الصدر في بيان ”جوابا على كلام الأخ عادل عبد المهدي كنت أظن أن مطالبتك بالانتخابات المبكرة فيها حفظ لكرامتك .. أما إذا رفضت فإنني أدعو الأخ هادي العامري للتعاون من أجل سحب الثقة عنك فورا“.

الجمعة، 25 أكتوبر 2019

توظيف الرئيس بوتين للدبلوماسية والعسكروالدين لمواجهة تحركات الغرب ومراجعات إردوغان المنقوصة

    أكتوبر 25, 2019   No comments
توظيف الرئيس بوتين للدبلوماسية والعسكروالدين لمواجهة تحركات الغرب


لـ حسني محلي

انتبه بوتين إلى تحركات الغرب و "إسرائيل"، وهو يسعى اليوم إلى مواجهتها، ليس فقط عبر الدبلوماسية ولغة العسكر، بل من خلال الدين الذي يبحث له عن مضمون جديد يساعده على تحقيق أهداف روسيا للقرن الحادي والعشرين، كما ساعد الدين أميركا على الانتصار على الاتحاد السوفياتي والشيوعية خلال القرن الماضي.

في الوقت الذي كان الجميع يتوقع تنسيقاً وتعاوناً تركياً مشتركاً مع أميركا في موضوع المنطقة الآمنة شرق الفرات جاء اتفاق سوتشي الأخير ليثبت مدى عمق العلاقة الاستراتيجية، الشخصية والرسمية، بين الرئيسين الروسي والتركي فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان.
فرغم العداء التاريخي بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية- التركية منذ العام 1500م، تجاوز الرئيسان العقد النفسية بينهما، يساعدهما على ذلك جسر من المصالح "الشخصية والرسمية" الكبيرة والمتشابكة.
  بالمقابل فشل إردوغان في تجاوز مثل هذه العقد مع صديقه السابق بشار الأسد، والسبب في ذلك أحلامه في إحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية عبر التحالف مع الإسلاميين العرب.
مع ذلك كله لم يكن سهلاً في البداية على بوتين إقناع إردوغان بضرورة التنسيق والتعاون العاجل والفعال في سوريا التي تعدّ ساحة الصراع الرئيسية، وذلك بسبب الذكريات المذكورة والتي اصطدمت بالدعمين الروسي والإيراني للرئيس الأسد. وجاء إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 ورد الفعل الروسي العنيف ليشجع إردوغان على مصالحة بوتين بعد أن اعتذر منه في 27 حزيران/ يونيو 2016.

وفتحت زيارة إردوغان إلى بطرسبيرغ في 9 آب/أغسطس 2016 أبواب "المودة والمحبة العميقة" بين الرئيسين، والتقيا بعد ذلك التاريخ وحتى الأسبوع الماضي 25 مرة، من بينها 14 مرة في زيارات متبادلة وخمس مرات خلال قمم ثلاثية بمشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وست مرات على هامش المؤتمرات الدولية كمجموعة العشرين أو قمة بريكس.

ولم تكن مثل هذه اللقاءات كافية في البداية للاتفاق حول تفاصيل العمل المشترك في سوريا على الرغم من سماح بوتين للقوات التركية بدخول جرابلس في 24 آب/أغسطس 2016 وعفرين في كانون الثاني/ يناير 2018، الأمر الذي جعل من إردوغان طرفاً مباشراً وأساسياً في مجمل أحداث ومعادلات وتطورات الأزمة السورية، وما زال يملك العديد من مفاتيحها.

وفي إطار المسألة السورية تهاتف إردوغان وبوتين 45 مرة منذ حزيران/يونيو 2016، وربما تصل هذه المكالمات إلى المئة في حال لم يتخلَ إردوغان عن حساباته العقائدية في سوريا، التي من دونها لا يمكن له أن يستمر في برنامجه لأسلمة الأمة والدولة التركية.
ومن دونها أيضاً لا يستطيع إردوغان الاستمرار في نهجه وأسلوبه الحالي، فهو لا يتحمل أي صوت معارض له ولاسيما في موضوع سوريا، باعتبار أنها السبب المباشر وغير المباشر لكل مشاكله ومشاكل تركيا الداخلية والخارجية.

وأخيراً أثمرت لقاءات واتصالات بوتين الهاتفية مع إردوغان بالتوصل إلى الاتفاق "التاريخي" الأخير في سوتشي، فدخل الجيش السوري بفضلها إلى شرق الفرات وقضى على أحلام البعض من الكرد في إقامة كيان كردي مستقل. كما أبعد الاتفاق تركيا عن واشنطن مسافة إضافية بعد إهانات ترامب لإردوغان وتهديداته له بتدميره وتدمير اقتصاد بلاده. وقد يكون اللقاء المرتقب بينهما في 13 تشرين الثاني/نوفمبر نقطة تحول مهمة، هذا بالطبع إن لم يخطر في بال ترامب أن يغرد قبل ذلك على منصته المحببة "تويتر".

القيصر الروسي لم يكتف بمثل هذه التحركات فتجاوزها لتشمل الجانب الديني، وذلك عبر تحقيق المزيد من التقارب بين تركيا السنية وإيران الشيعية، وقاسمهما المشترك هو الفكر الصوفي الذي تعلمه بوتين من الرئيس الشيشاني قاديروف وهو مؤمن به.
فجلال الدين الرومي والطريقة البكداشية، وهي خليط من المذاهب العلوية والشيعية والسنية، انطلقت من أرض الأناضول ووصلت إلى أقاصي البلقان وآسيا الوسطى والقوقاز، وحاولت أميركا التصدي لها عبر الأموال السعودية التي سعت إلى تصدير الوهابية نحو هذه المناطق، كما سعت إلى تصديرها نحو جميع دول العالم الإسلامي من خلال تنظيمات القاعدة وطالبان والآن النصرة وداعش وأمثالها في سوريا والعراق. واستخدمت أميركا وحليفاتها في الغرب هذه الأسلحة ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان والشيشان وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الإسلامية، ودائماً في إطار نظرية الحزام الأخضر لليهودي هنري كيسينجر إضافة إلى زبيغنيو بريجنسكي.

وجاءت أحداث "الربيع العربي" وانقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على جماعة الإخوان المسلمين في مصر تلاها إعلان السعودية والإمارات جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، ثم فشل السعودية في اليمن والحملات الأميركية ضد إيران، لتشجع بوتين على مزيد من التحرك، تارة لإقناع الرياض بضرورة المساهمة في حل الأزمة السورية، وتارة أخرى لإقناعها في المصالحة مع إيران، كذلك دفعت التطورات بوتين للتحرك على خط الوساطة بين مصر وإثيوبيا من أجل المصالحة بينهما وهما على وشك الاصطدام بسبب سد النهضة ومياه النيل الأزرق.

ويهدف بوتين من وراء هذه التحركات إلى جمع كل الأعداء في سلة واحدة كان معظم من فيها أصدقاء لأميركا، بل وحتى لإسرائيل، التي كانت تنظر إلى إيران الشاه وتركيا وإثيوبيا خلال خمسينات القرن الماضي باعتبارها أهم حليفاتها، وهي تسعى الآن لتعويضها بالسعودية والإمارات. وكان البابا فرانسيس زار الثانية في شباط/ فبراير الماضي بحضور شيخ الأزهر أحمد الطيب.

انتبه الرئيس بوتين إلى تحركات الغرب و "إسرائيل"، وهو يسعى اليوم إلى مواجهتها، ليس فقط عبر الدبلوماسية ولغة العسكر، بل من خلال الدين الذي يبحث له عن مضمون جديد يساعده على تحقيق أهداف روسيا للقرن الحادي والعشرين، كما ساعد الدين أميركا على الانتصار على الاتحاد السوفياتي والشيوعية خلال القرن الماضي.

ويتمنى بوتين لهذا الفهم الجديد للدين أن يساعد شعوب المنطقة أيضاً على التخلص من الكثير من مشاكلها من خلال الاعتدال والوسطية، وهي ركيزة في التصوف وفق رؤية بوتين الجديدة. وكان مؤشرها الواضح الاستدلال بالآيات القرآنية الكريمة التي تلاها خلال القمة الثلاثية في أنقرة 16 من الشهر الماضي عندما كان يتحدث أولًا عن المصالحة بين اليمن والسعودية التي زارها مؤخراً، ومن ثم المصالحة بين تركيا وسوريا.

واتفاق سوتشي الأخير قد يكون بداية الطريق إليها من دون الحاجة إلى 25 لقاءً و45 اتصالاً هاتفياً جديداً.

السبت، 21 سبتمبر 2019

انتخابات تونس: قراءة في تراجُع "النهضة" وتقدّم آخرين

    سبتمبر 21, 2019   No comments
محمد علوش
فاجأت الانتخابات التونسية الأوساط السياسية والمُراقبين في الداخل والخارج بنتائجها التي تصدَّرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

المُفاجأة الأكثر أهمية هي تدني نسبه الاقتراع في بلدٍ يُعتَبر الأكثر تعافياً في سُلَّم الديمقراطية بين الدول العربية كافة. وهو أمر مُحيِّر لأولئك الذين طالما قالوا إن ارتفاع منسوب الديمقراطية في المجتمعات يزيد من ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للجماهير، حيث يُتَرجَم ذلك بتزايُد عدد الأحزاب وارتفاع نسبه الاقتراع في الاستحقاقات الدستورية.

في الحال التونسية حصل العكس تماماً. فنسبة الاقتراع لم تتجاوز 45 % مُقارنة بنسبه 63 % عام 2014. ولا يجد المرء تفسيراً سياسياً لها إلا بإحالة الأمر إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة نتيجة تواضُع أداء وبرامج القوى السياسية المُتنافِسة، والتي - على ما يبدو- لم تقنع الناخِب التونسي بتوجّهاتها.

وبما أن تونس بلد فتيّ، كما هي حال أغلب دول العالم الثالث، فإن نسبة العزوف العالية تعود إلى فئة الشباب الذي لا يكفّ عن محاولات الهجرة إلى البلاد الأوروبية بحثاً عن حياة أكثر كرامة، وأغنى فرصاً.

المُفاجأة الثانية برزت في تقدّم مُرشّحين من خارج الفضاء السياسي للقوى الحزبية على باقي المُرشّحين. من أبرزهم رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهِد، ورئيسا وزراء سابقان، ورئيس جمهوريه سابق ووزير دفاع، إضافة إلى مُرشَّح حركه النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو.

حلول الأكاديمي قيس سعيد في المرتبة الأولى، وهو شخص مغمور لا يمتلك برنامجاً سياسياً، ولا دعاية انتخابية، ولم يدعمه حزب سياسي، كان صادِماً أكثر من حال نبيل القروي قُطب الإعلام المُعتَقل على ذِمّة قضايا عدّة منها التهرّب الضريبي بحلوله في المرتبة الثانية. فالرجلان من خارج الفضاء السياسي للقوى المُتنافِسة.

وإذا كان القروي قاد حملته الانتخابية مُبكراً وانفتح على التجمّعات الشعبية الفقيرة، فإن قيس سعيد المُنتمي إلى الطبقة المتوسّطة لم يدشّن حملة تُقارَن بما تفعله الأحزاب والشخصيات المُنافِسة عادة. رغم ذلك، وبلُغته الفُصحى، وتلقائيّته، وغياب سجّل سياسي له، نجح سعيد في الوصول إلى قلوب الشباب، فصوَّتت له شرائح مختلفة من شباب الثورة والإسلاميين واليساريين والمُهمَّشين من أحزابهم.

عبد الفتاح مورو، مُرشَّح حركة النهضة، الشخصية الباسِمة والمُتّصفة بالاعتدال السياسي مُقارنة بقياداتٍ عريقةٍ في حزبه، لم يتمكَّن من تجاوز المرتبة الثالثة في السباق. لا يكفي القول هنا: إن تشتّت أصوات الإسلاميين منعه من ذلك. فمُنافسه الإسلامي حمادي الجبالي جاء في مرتبة متدنّية جداً في هذا السباق. وإذا ما جمعنا الأصوات التي تحصّل عليها الأخير مع تلك التي كانت من حصَّة الرئيس السابق منصف المرزوقي، فإنها لا تكفي لبلوغ مورو المرتبة الأولى في النِزال.

ولا يوجد تفسير لذلك إلا بتآكُل القاعدة الشعبية للحركة الإسلامية التي أُصيبت بإحباطٍ نتيجة أداء الحركة السياسي، أو لمشاركتها اللعبة السياسية مع القوى الأخرى التي كانت أكثر خيبةً في تحقيق مطالب الثورة التي قام بها الشباب التونسي.

هكذا يبدو، مُرشَّح "النهضة" عبد الفتاح مورو الذي لا يمتلك عَداوات مع أحد، ويُعتَبر شخصية مقبولة بين التونسيين اضطر إلى دفع ثمن العِقاب، كونه مُرشّحاً لحزبٍ شارك في المنظومة السياسية القائمة منذ العام 2012.

الناخِب التونسي عبر عزوفه النسبي عن الاقتراع، واقتراع أغلب شريحته الشابّة لقيس سعيد الذي اتّخذ من شعار "الشعب يُريد" رمزاً لحملته الانتخابية، وهو أبرز شعارات الثورة، أراد مُعاقبة المنظومة القائمة لعجزها عن إيجاد حلولٍ للأزمة.

وكانت الرسالة بالغة إلى حد حملت رئيس الحكومة يوسف الشاهِد للقول: "تلقّينا الرسالة التي أرسلها الناخبون وهي درس يجب أن نفهمه جيّداً".

المُفاجأة الثالثة أن نبيل القروي الذي حلَّ ثانياً، يختلف كلّياً في التوجّه عن مُنافِسه سعيد من حيث الإمكانات والثراء المالي ونشاطه في المجال الخيري في الشهور الماضية. وقد كانت أعلى النِسَب التي حصل عليها في المناطق الفقيرة من البلاد، مثل الشمال الغربي والوسط الغربي.

ولا يُستبعَد أن يكون التصويت له جاء انتقاماً من السلطة أكثر منه اقتناعاً بمشروعه السياسي الذي يُشبّهه البعض بمشروع الرئيس الأميركي ترامب في الولايات المتحدة. ولهذا قال القروي في أول تعليق له على نتائج الانتخابات: "الشعب التونسي عاقبَ مَن حاول سرقة أصوات الناخبين عبر وضعي في السجن من دون محاكمة وحرماني من التواصل مع التونسيين". وقد كان الرجل ذكياً بما يكفي في استغلال الحاجات الاجتماعية للناس. فعمل في المساحات التي تركتها الدولة أو أخطأت في التفاهُم معها.

وإذا ما قدِّر للقروي العبور إلى الجولة الثانية كونه مُهدَّداً قضائياً بالإقصاء عن خوض المُنافسة لصالح مُرشَّح النهضة، فإنه سيكون مُنافِساً جدّياً لقيس سعيد الذي ستجد النهضة نفسها مُضطرّة لمُساندته ودعمه كونه أقرب إلى وجدانها السياسي والاجتماعي من القروي الذي سينهال عليه الدعم الغربي والعربي الرسمي، باعتبار شخصيّته مُنسجِمة ومُتوائِمة مع طبيعة المنظومات السياسية الحاكِمة أو الفاعِلة في العالم العربي.

فهل يتحمَّل النظام العربي الرسمي بأذرعه الإعلامية الضخمة القبول بقيس سعيد رئيساً في تونس طالما يعتبر التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي خيانة عُظمى، ويَعِد التونسيين "أن تكون دولة القانون حجر الأساس في إدارة الشأن العام"، كما يَعِد بخلق نظام سياسي "يتمحور حول الديمقراطية المحلية ويكون عِماده المجالس المحلية مع أعضاء مُنتخَبين يمكن إقالتهم أثناء ولايتهم"؟

الأربعاء، 31 يوليو 2019

ما سبب استدارة الإمارات نحو طهران؟

    يوليو 31, 2019   No comments
 قاسم عز الدين
 

الاجتماع الخامس الأخير "لخفر السواحل بين الإمارات وإيران" يعود إلى عام 2013، ولم يكن من المتوقع قبل أسابيع قليلة انعقاد الاجتماع السادس الحالي في طهران بسبب التصعيد الأميركي في مياه الخليج وانخراط الإمارات والسعودية في صدارة "فريق الباءات"، بحسب تعبير وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

لكن لقاء وفد عسكري إماراتي في طهران بذريعة "خفر السواحل" لا يشير فقط إلى التراجع الإماراتي، بل يشير أيضاً إلى تجاوب إيران مع المساعي الإماراتية بعد أن أقفلت طهران الأبواب أمام محاولات أبو ظبي.

في العدوان على اليمن وفي التحريض على الحرب ضد إيران، ذهبت أبو ظبي أبعد من الخطوط الحمر حتى عبّرت طهران عن غضبها إثر إقلاع الطائرة الأميركية التي أسقطتها طهران من الأراضي الإماراتية.

فأمام هذه المشاركة الإماراتية في العدوان المباشر على إيران، أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى "المدن الزجاجية" في معرض حثّ السعودية والإمارات على التراجع عن المشاركة في تدمير المنطقة لخدمة مآرب ترامب و "إسرائيل".

انسحاب القوات الإماراتية من بعض مناطق اليمن، يدلّ في المقام الأول بين دلائل أخرى على أن الإمارات فقدت الأمل من المراهنة على الحماية الأميركية في الحرب على إيران. لكن أبو ظبي تأخرت في استكمال استدارتها نحو طهران، فحاولت إرسال رسائل سريّة عبر "أشخاص يتحدثون عن السلام"، بحسب تعبير المستشار الإيراني لشؤون الدفاع حسن دهقان، بينما تطلب إيران انفصال الإمارات والسعودية عن فريق "الباءات"، وفق وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

في سياق فشل المراهنة على الحماية الأميركية، يشير المندوب السعودي في الأمم المتحدة لأول مرة إلى استعداد الرياض لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد إفراج الرياض عن سفينة إيرانية تعرّضت للإصابة بعطل أمام الشاطىء السعودي ولم تفرج عنها مدة شهرين ونصف. وربما ما يجري تسريبه عن رسائل ترسلها الرياض عبر السفارة السويسرية إلى طهران، هو في هذا السياق.

في المقابل لم تنجح المحاولة الأميركية لإنشاء "تحالف الراغبين لحماية حرية الملاحة في الخليج". فدعوة مايك بومبيو إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا وألمانيا لحماية سفنها في مياه الخليج، لم تسفر عن خطوات ملموسة وهو ما حدا بوزير الخارجية الأميركية إلى الخلاصة بما تبيّن له بأن "تشكيل التحالف في مضيق هرمز يتطلب وقتاً أكثر مما كان مفترضاً". ولا سيما أن وزير الخارجية الألمانية يشير إلى رغبة ألمانيا بخفض التوتر والبحث عن حلول دبلوماسية.

بريطانيا التي تستجيب في العلن على الأقل إلى دعوة بومبيو، بإرسال المدمّرة "أتش أم أس دانكن"، تبالغ عمداً في ادعاءات لا تحظى بالصدقية بشأن حماية السفن. وهو ما كشفه حرس الثورة بالصوت والصورة حين أظهر أن السفينة البريطانية "إستينا أمبيرو" التي احتجزتها إيران كانت ترافقها الفرقاطة الحربية، ولم تكن بعيدة عنها بحسب الادعاء البريطاني.

فضلاً عن ذلك يشير بعض الخبراء إلى أن المدمّرة البريطانية التي وصلت إلى مياه الخليج كانت مدرجة لكي تحل محل الفرقاطة وليست دليلاً على استعداد بريطانيا لحماية السفن التي ترفع العلم البريطاني، كما يدّعي وزير الدفاع بن والس.

حزب المحافظين برئاسة رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون، يحاول الاصطفاف وراء جون بولتون في ادّعاء التصعيد ضد إيران في الخليج أملاً في مدّ يد العون الأميركي للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق وعقد صفقة موعودة مع ترامب. لكنه يراهن إلى جانب ذلك على أوروبا "لتشكيل مهمة بحرية أوروبية مشتركة".

وهذه المراهنة وتلك دونهما عقبات جمّة قد تؤدي إلى الإطاحة بحكم حزب المحافظين وتعريض بريطانيا إلى انفصال إيرلندا واسكوتلندا. لكن هذه المآلات قد تكون أقل خطورة على السعودية والامارات إذا لم يتراجعا عن فريق "الباءات" لحماية أمن الخليج وحرية الملاحة بين دول المنطقة.

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.