‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ وحضارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ وحضارة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 28 يونيو 2014

مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة || البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني ... ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟

    يونيو 28, 2014   No comments
مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة
جان عزيز

مع انتفاضة «داعش» العنفية الدموية من شمال غرب العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى قلب لبنان، تحركت الماكينة البروباغاندية السعودية لمعالجة الأضرار الجانبية التي يمكن للتنظيم التكفيري الإرهابي أن يكون قد ألحقها بصورة الدولة العائلية. خطة شاملة وممنهجة وضعت في الرياض، طالبة من ممثلياتها الدبلوماسية في العواصم المعنية، التحرك بسرعة وفاعلية.

الأهداف المعلنة هي إدانة ارتكابات «داعش» أولاً، تأكيد رفض مملكة العائلة السعودية لها ثانياً، العمل ثالثاً بكل الوسائل المتاحة على «تبييض» صورة العائلة ونظامها أياً كان الثمن. مع رصد إمكانات هائلة وضعت بتصرف حملة العلاقات العامة تلك، للتعاون مع صحافيين ووسائل إعلام وأقلام وصفحات ومواقع، وألسن وسياسيين وصانعي رأي عام... دفاعاً عن دولة العائلة.

وفي هذا السياق تشدد الحملة السعودية المضادة، على عدد من العناوين التسويقية لمعركتها الصعبة، خصوصاً في بيروت، وبالأخص بعد انكشاف التابعيات السعودية لعدد من المشتبه بارتكابهم الجرائم الداعشية الإرهابية. عنوان أول عام، هو أن مملكة العائلة تمثل إسلام الاعتدال في مواجهة إسلام الضلال الإرهابي. ثانياً، أن نظام العائلة نفسها كان قد صنف «داعش» تنظيماً إرهابياً منذ آذار الماضي. إضافة إلى سواها من التنظيمات، مثل «جبهة النصرة» و«الإخوان المسلمون» و«حزب الله السعودي» وغيرها. ثالث عناوين بروباغاندا العائلة السعودية، أنه من المرجح أن تكون خلايا الإرهاب الداعشي في بيروت تخطط لاستهداف مصالح العائلة السعودية نفسها، وعلى خلفية هذا التصنيف الإرهابي بالذات. مع تفصيل بليد مكمل لهذا العنوان، يحاول الإيحاء بأن «داعش» وأخواتها باتت متضررة جداً من قرار نظام العائلة المذكور. ذلك أنه حظر على أي سعودي تقديم أي دعم مالي لتلك الحركات. علماً أن هذه الحجة السمجة، تعتبر إدانة للعائلة أكثر مما هي إنجاز لسياساتها في مكافحة الإرهاب. وفي السياق نفسه، يأتي العنوان الأخير الذي تسعى الحملة الدعائية إلى تسويقه، وهو أن أي تحقيق لم يظهر مرة واحدة، منذ بدء الموجات التكفيرية والإرهابية، بأن أياً منها قد نال أي دعم مالي رسمي من العائلة السعودية كنظام دولة. مع ما يعني ذلك من إقرار بقنوات تمويل أخرى، ظلت تعتبر فردية وشخصية ومبادرات تلقائية لا علاقة لدولة العائلة بها.
اللافت في هذه الحملة، أنها تخاطب العقل الغربي، وخصوصاً الأميركي منه، في سطحيته وفي أحادية فكره السياسي. كأنما الفكر التكفيري والإرهابي هو مجرد عبوة، أو عبارة عن مادة «سي 4» وصاعق لا غير. وبالتالي كأنما الإرهاب التكفيري هو مختزل ومقتصر على حفنة البترو ـــ دولار التي اشترت المادة المتفجرة، أو دفعت ثمن الصاعق، أو أمنت بدل أتعاب الأصولي المفجر أو المتفجر. ولذلك نرى الأبحاث الغربية عموماً والأميركية تحديداً، تركز على الجانب التمويلي للإرهاب التكفيري لا غير. منذ 11 أيلول وإجراءات «باتريوت آكت»، وصولاً إلى كل تحقيقات وزارة الخزانة الأميركية، انتهاء بدراسات مراكز الأبحاث. فيما الحقيقة المركزية في مكان آخر.
 
وهي أن الإرهاب لا يبدأ في الذراع التي فجرت. بل في العقل الذي كفّر. وفي هذه النقطة الجوهرية بالذات تظهر المسؤولية الجرمية والجنائية، المعنوية والمادية الكاملة لنظام العائلة السعودية. من مصر إلى لبنان تتضح تلك الكارثة التي خلفتها ذهنية تلك المملكة وسلوكيتها. مصر ولبنان بالذات، لأنهما أبرز نموذجين لحداثة العالم العربي وحضارته وانفتاحه وثقافته وصحافته وتلاقحه مع العالم ومع العصر ومع رفاه الإنسان وحقوقه. فالقاهرة كانت ولا تزال وستظل رائدة العالم العربي وقاطرة فكره وسياسته وثقافته. ومن يشاهد فيلماً سينمائياً لمصر الخمسينات، يسأل نفسه أي كارثة حلت بهذا البلد في غضون نصف قرن، على صعيد حضارته وثقافته وفنونه وكل أنشطة العقل والحياة فيه. يروي الشاهد على كل حياة مصر، علاء الأسواني، أن تلك الكارثة بدأت بعد العام 1973. بعد الحرب وأزمة النفط واضطرار القاهرة إلى أموال الرياض، وسط بهلوانيات السادات ومنهجية النظام السعودي في اختراق الأفكار والعقول. دخل المال السعودي إلى مصر، ودخل معه العقل الوهابي إلى إسلام مصر. وبدأ الانهيار. بعدها جاءت الطامة الكبرى طبعاً، مع تنافس قطر والسعودية على سرعة العودة إلى الخلف وعلى تسارع التخلف. فصارت الكوارث العربية تتوالى بسرعة انقطاع الضوء.
في لبنان، العنوان نفسه، والانهيار نفسه. يروي الكاتب محمد أبي سمرا، في كتابه البحثي الموثق، «طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة»، كيف أن النواة الأولى للأصولية هناك بدأت بدعم سعودي وتمويل سعودي وإيعاز ونموذج سعوديين. من جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الوهابية السعودية، إلى «نواة الجيش الإسلامي» في لبنان، أول تسمية مذهبية عنفية دخلت تركيبة الشخصية اللبنانية، مثل فيروس معلوماتي لم يلبث أن شاع وشلع وشنع... حتى أن وزيراً طرابلسياً يروي طرفة أن أحد المتنورين الطرابلسيين ترشح قبل أعوام لانتخابات بلدية طرابلس. فجعل لبرنامجه الانتخابي عنواناً وحيداً: «أعدكم العمل على إعادة طرابلس نصف قرن إلى الوراء»!
مسؤولية نظام العائلة السعودية؟ ليست في التمويل ولا في جنسيات الإرهابيين ولا في إلغاء سمات الدخول ولا في الصراع المذهبي مع الشيعة ولا في التنافس الجيو استراتيجي مع إيران. مسؤولية نظام تلك العائلة هي أولاً وأخيراً في الفكر. هي في أن تكون دولة في الألفية الثالثة باسم عائلة، وأن يكون شعب رعية بلا هوية، وأن يكون الآخر ملغى، والعقل ملغى، والفن ملغى، والرب ملغى، والمرأة ملغاة... في الفكر والواقع، بالقوة وبالفعل. هنا تكمن الكارثة السعودية، التي لا بروباغاندا تنفع معها ولا دعاية تشفع في تسويقها.

______________
البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني 
محمد بلوط

أبو بكر البغدادي قريبا في عقر دار شقيقه اللدود أبو محمد الجولاني. فخلال الساعات الماضية وصلت طلائع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» إلى شمال الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، معقل «أمير جبهة النصرة».
والشحيل ليست معقل الجولاني وحصنه الأخير فحسب، بل هي مسقط رأسه أيضا، وهو ما يجعل المعركة من اجلها بين الجولاني والبغدادي، أمّ المعارك بين أخوة «الجهاد»، إذ لم يعد كافيا وحده، تفسير المذابح الواسعة التي يرتكبها بحق مقاتلي «النصرة» و«مجلس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية» ـ «مشمش»، بحاجة «داعش» إلى دير الزور ممرا بين جناحيها الشامي والانباري.
وبات مؤكدا أن معركة الشحيل ثأر شخصي للبغدادي مع الرجل الذي شد على يده ثلاثا خلال ثلاثة أعوام، لينقض ثلاثا «بيعته» على الولاء والطاعة. والأرجح ألا يسري إبهام الألغاز وضباب الألقاب التي يتخفى خلفها الرجلان إلا على الآخرين. أما أبو بكر البغدادي فليس سوى أبو دعاء، أو إبراهيم عواد السامرائي. أما أبو محمد الجولاني، فلا يناله من الجولان شيء، لأن كنيته الحقيقية قد تكون أسامة الحداوي «الشحيلي»، وهو ما يعرفه البغدادي.
فقبل أن يتفرغ الجولاني لبناء «أسطورته» خلال الحرب السورية، لم يكن سوى أسامة الحداوي، الطالب في كلية الطب الدمشقية حتى العام 2005، فيما كان شقيقه البكر سامر، ينال من علوم التجارة والاقتصاد في كلية مجاورة، على ما يقوله معارضون سوريون يتابعون مسارات «النصرة». والأرجح أن طريد «داعش»، وحبيس الشحيل، رجل لم يتجاوز الثلاثين من العمر بعد.
لم يتقمص طالب الطب الدمشقي في لثام الجولاني بالصدفة، فـ«الجهادية» السلفية مذهب أكثر مسقط رأسه الشحيل. فقبل أن يسقط الطب الدمشقي من سلة الحداوي، كان أكثر من 20 رفيقا له على ضفة الفرات، قد «انتحروا» بأحزمتهم في «الجهاد» العراقي، في ظلال «بيعة» أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم «القاعدة».
وكانت الشحيل قد فزعت لحماه في الثمانينيات، فقاتل العشرات من أبنائها قرب نواعيرها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، والطليعة المقاتلة، قبل أن يتفرقوا في السجون، وفي المنافي لمن أسعفه الحظ منهم. وعاد منها عمار الحداوي شيخ السلفية ورئيس «الهيئة الشرعية» في دير الزور اليوم، ليجعل منها، مع آخرين، بؤرة «جهادية»، بعد نفي دام نيفا وعقدين في العراق المجاور.
وخلال الحرب الأميركية على العراق اختارت المدينة، برضى دمشق، أن تكون ساحة تجمع لـ«الجهاديين» في دير الزور، قبل العبور إلى العراق. ومنها دخل مئات المقاتلين إلى معارك الانبار وتدفقت عبرها الأسلحة والعبوات والأحزمة الناسفة لقتال المحتل الأميركي أولا و«الصحوات» ثانيا. والحال، أن المدينة، التي تعد 30 ألف نسمة، وآلاف «الجهاديين» لم تشهد هدنة، ولا استراحة «مجاهد» في الأعوام التي سبقت اندلاع الحرب السورية. وعندما قامت «الثورة» المنتظرة في تخوم الشام، لم يفعل جهاديوها سوى إدارة بنادقهم نحو الداخل السوري، أسوة بأسامة الحداوي (أبو محمد الجولاني).
ولما بسط له أبو بكر البغدادي يد المبايعة في الأنبار في أيار العام 2011، للإتصال بخلايا الشام «القاعدية» النائمة، وإنشاء فرع شامي «للدولة» في أيار العام 2011، تحت مسمى «جبهة النصرة»، كان الحداوي قد أمضى ستة أعوام في معارك العراق. ويرجح معارضون سوريون أن يكون سامر، شقيقه البكر، الذي قاده نحو العراق قد استشهد قبل ذلك.
ووضع أبو مسلم التركماني، شيخ «الدولة» يده في البيعة، مزكيا لدى البغدادي «مجاهده» السوري الشاب، الذي بايع البغدادي على «جبهة نصرة» مؤقتة، تكون رهن إشارته، يعود بها إلى حضن «الدولة» الأم، عندما تحين الساعة. وكان أبو مسلم قد زكاه في العام 2009، للمرة الأولى، عندما دفع البغدادي لتعيينه «شيخا شرعيا لولاية نينوى»، رغم صغر سنه.
وراوغ الجولاني كثيرا قبل أن ينشق نهائيا عن البغدادي. وأرسل إلى «أميره» نهاية العام الماضي رسائل عدة تعد بحل «النصرة»، قبل أن يقرر أخيرا أن «حل النصرة لن يجعل أهل الشام ينضمون إلى الدولة».
وكان رئيس استخبارات «الدولة» أبو علي الانباري، وهو ضابط استخبارات بعثي عراقي سابق، قد أرسل تقارير كثيرة، ينصح فيها سيده بتصفيته. وكانت الشكوك قد ثارت عندما بدأ الجولاني بتعقب المقربين من البغدادي، كابي عمر القحطاني، وسجنهم. وعندما طلب أبو ماريا القحطاني إجازة من «الجهاد» لنقل زوجته إلى مستشفى في سوريا، أيقن البغدادي أن الجولاني لن ينصاع لطلبه، إذ اكتشفت استخباراته أن المتحدث باسم الجولاني، قد حمل معه إلى سوريا أموالا كثيرة تعود إلى «الدولة الإسلامية».
لم ينتظر البغدادي معركة الشحيل للتخلص من الجولاني، فعندما فشل في نيسان الماضي في إقناعه بالالتحاق بـ«الدولة»، أشار عليه رئيس «المجلس العسكري لـ«داعش» العقيد السابق في الجيش العراقي حجي بكر، ببدء عمليات اغتيال، واستجلاب فتاوى من مشايخ في السعودية، نجحت بقتل بعض المقربين من الجولاني، والاستيلاء على بعض مخازن الأسلحة، وشق «النصرة» نصفين.
ونجا الجولاني نفسه من القتل في الاجتماع، بعد أن تدخل أبو علي الانباري، ومنع أبو أيمن العراقي من قتله. وانضم إلى «داعش» المئات من «الجهاديين» القوقازيين والعرب. وفي الريف الشرقي لدير الزور، معقل «النصرة»، استجاب عامر الرفدان، عامل مصلحة المياه السورية السابق، لنداء البغدادي، وانشق عن الجولاني، ليصبح «والي ولاية الخير» (دير الزور) في «الدولة»، والمشرف على استغلال نفط المنطقة.
ويبدو أن البغدادي نفسه يشرف على المعركة الأخيرة في الشحيل، فليس حكم ناقض البيعة في عرف «الدولة» و«النصرة» سوى الذبح. وكلما اقتربت المعارك من الشحيل، شحذت السكاكين وسنت السيوف. فخلال اليومين الماضيين، ذبح «داعش» أربعة من المجلس العسكري في مدينة الموحسن رفضوا مبايعته، أما «النصرة» فردت بذبح من بايع منهم، فقطعت رؤوس قائد «لواء الصاعقة» أبو راشد، و«قائد المجلس العسكري» العقيد أبو هارون، وأبو عبد الله شلاش.
ويبدو البغدادي قريبا جدا من الإمساك بخصمه، وإنهاء «النصرة»، إذ لم يتبق للجبهة في دير الزور، معقلها الأساسي، أكثر من جيوب محاصرة، حيث يحاصر «داعش» أحياء دير الزور ومقاتلي المعارضة فيها، فيما يواجه هؤلاء الجيش السوري.
ومع تساقط قرى الريف الغربي، واختراق البوكمال، ومعظم الريف الشرقي، لم تعد «النصرة» تملك أكثر من نصف القورية، وجزء من الميادين. وكان «داعش» وجه انذارا ينتهي عصر اليوم يخير فيه «النصرة» وحلفاءها من ألوية «القادسية» و«عمر المختار» و«الله اكبر» بين التوبة او الموت. ويجنح وجهاء الميادين لتسليمها من دون قتال. واستطاع قائد «داعش» العسكري عمر الشيشاني إقناع «أميري النصرة» في البوكمال فراس السلمان وأبو يوسف المصري بخيانة الجولاني وتسليم المدينة وكتائبها من دون قتال.
وسلم «داعش» ولاية بادية حمص، التي تضم جزءا من دير الزور، إلى أبي أيمن العراقي، احد ألد أعداء الجولاني في «الدولة الإسلامية»، وأكثرهم دموية وعنفا، إمعانا في الحصار، والتهديد بأن معركة الشحيل ستكون معركة حياة أو موت لـ«النصرة» والجولاني.

_____________

ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟  

رضوان مرتضى

راية «العُقاب» ترفرف. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تحوّلت إلى «خلافة إسلامية على كل الأرض». ١٤ شهراً استلزمت أبو بكر البغدادي كي يُنصّب نفسه حاكماً بأمر الله. لم يعد أميراً للمؤمنين فحسب، بل بات الخليفة. خلَف النبي محمد، بخطاب أعلن عنه في بداية شهر رمضان عام ١٤٣٥ هجري، سُجّل الحدث التاريخي. أصحاب الرايات السود يريدون تسليم راية دولتهم لعيسى بن مريم

لم يتأخّر «أبو بكر البغدادي» في إعلان خلافته. لم يكتف الشيخ العراقي بلقب «أمير المؤمنين» على «الدولة الإسلامية في العراق والشام». لم يستطع الانتظار أكثر من أربعة عشر شهراً حتى زفّ المتحدث باسم دولته «أبو محمد العدناني» خبر إعلان «الخلافة الإسلامية». أعلن الرجل عن «تحقّق حُلُم الجهاديين». ومعه تحقّق، ربما، حُلُم البغدادي الذي أصبح «خليفة المسلمين»، الحاكم بأمر الله على كل الأرض. ولأول مرة، أُعيد إعلان «الخلافة» منذ سقوطها على يد أتاتورك قبل نحو تسعين عاماً. هكذا كسر بضعة آلاف من جنود «الدولة» حدود «سايكس ــــ بيكو». أُلغيت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتُستبدل بـ«الدولة الإسلامية» في كل الأرض. وبعدما كانت «راية الدولة خفّاقة تضرب بظلالها من حلب إلى ديالى»، أصبحت خلافة عامة لا حدود لها. سلطتها مطلقة على كل بلاد المسلمين.

وباتت مبايعة الخليفة واجباً على كل مسلم. ومن لا يبايع يُعتبر مارقاً. من يتخلّف أو يرفض، يُحارب ويُضرب عنُقه. وهذا ما جاء صريحاً واضحاً بتهديد العدناني للمتخلّف عن البيعة بقوله: «إياكم وشقّ الصف. ومن أراد شق الصف، فافلقوا رأسه بالرصاص وأخرجوا ما فيه ولا كرامة لأحد».

فماذا تعني «الخلافة الإسلامية»؟ يجيب أحد المشايخ السلفيين أنها تعني أن «الحدود والسدود بين البلاد الإسلامية لاغية. وأن النظام الاقتصادي سيكون واحداً وستكون عملة واحدة تحمل شعار الإسلام ولديها جيش يدافع عنها». ويضيف: «وتعني أيضاً عدم التبعية لأي دولة، وتستوجب إنشاء مراكز وجامعات ومعامل تمهيداً لجعل المسلمين قوة عظمى في شتى المجالات». وفي الحالة الراهنة، قررت «الدولة»، ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، بعدما باتت تمتلك كل المقومات، إعلان قيام «الخلافة الإسلامية» وتنصيب «خليفة» للمسلمين. والمقوّمات بالنسبة إليها، هي المقومات نفسها التي كان يمتلكها الخلفاء منذ نحو ١٤٠٠ عام. وبحسب المشايخ السلفيين، المقومات تفرض أن يكون الخليفة حاكماً على أرض بكل معنى الكلمة، وليس بحكومة مؤقتة. ويرى هؤلاء أن «الدولة» انطلقت من سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة واعتبارها أن امتلاك المال والجيش والشعب، يخوّلها إقامة الخلافة، من دون أن تأخذ في الاعتبار أن كل زمن له مفهوم لمقومات الدولة. وقد حدد العدناني ذلك بفك الأسرى وتعيين الولاة والقضاة وجباية الضرائب ونشر التعليم الديني.

وهنا يؤخذ عليها إعلان الخلافة من دون حيازة «إجماع علماء الأمة». فهل فعلاً وافق أهل الحل والعقد أي العلماء والوجهاء على إقامتها؟ من هم هؤلاء؟ وإذا كان البغدادي خليفة على كل بلاد المسلمين، فهل تكفيه مبايعة علماء العراق والشام له، رغم انها لم تحصل؟ بالتأكيد إعلان قيام «الخلافة»، هي إحراج لجميع الفصائل الإسلامية المقاتلة. وقد خاطبت «الدولة» جنود الفصائل والتنظيمات قائلاً: «بطُلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم أن يبيت من دون أن يُبايع». ثم أضاف: «لا يؤخر النصر إلا مثل وجود هذه التنظيمات لأنها سبب للفرقة».

يتساءل أحد أنصار «جبهة النصرة» عن معنى إعلان «الخلافة». ثم يجيب نفسه قائلاً: ذلك يعني أن «حركة طالبان» و«تنظيم القاعدة» بكل فروعه وكل الحركات المجاهدة على مختلف الجبهات آثمة وقتالها وقتلها واجب إن لم تُبايع خليفة المسلمين البغدادي. بدوره، يروي أحد أفراد «كتائب عبدالله عزام» لـ«الأخبار»: «لا مصلحة في إعلان الخلافة في هذه الظروف بل يترتب عليها مفسدة توجب بطلانها». ويرى الشاب اللبناني المطلوب بمذكرات توقيف «لانتمائه إلى تنظيم إرهابي» أن «قيامها في هذا التوقيت تدمير لما بناه مجاهدو الإسلام في كل مكان»، كاشفاً أن «الإعلان يعني أن كل من لا يبايعهم سيُحكم عليه بالردة والقتل». وردّاً على سؤال إن كان سيُلبي الدعوة لبيعة الخليفة، قال: «لا أشق الصف، لكن بالتأكيد لا أبايع. ليُضرب عنقي ألف مرة أهون علي من أن أبايع، لأني لا أرضى بشريعة تستبيح دماء ألوف مؤلفة من المسلمين بغير وجه حق». وفي السياق نفسه، يرى أحد القياديين في «جبهة النصرة» أن «البغدادي حكم على الشيخ الجولاني بأنه مرتد لمجرّد تركه بيعة أمير الإمارة عندما كانت البيعة سنّة وليست فريضة»، كاشفاً أنهم بـ«إعلان الخلافة يفرضون على جميع تنظيمات العالم الإسلامي أن تكون مع «الدولة» في كل شيء، ومنها قتال «الجبهة» أو ستُعتبر متخلّفة مرتكبة لفعل الردّة يجب قتالها من قبل جنود الدولة نفسها». شيخ سلفي ثالث يعتبر أن «إعلان الخلافة قمة الغباء، إذ لا تمتلك «الدولة» مقومات دولة حقيقية. هل القوة العسكرية تقيم الدولة؟ أين خبراء الاقتصاد والتربية؟ بنظري هذا انتحار سيعجّل في انهيارها». ويسأل آخر: «فهمنا أن الأموال تتحصّل من بيع النفط، لكن إذا حوصرت وضُربت ماذا سيحصل. أين هذه الخلافة التي لا يعرف أحدٌ رأسها؟».

هكذا، وبعدما باتت «الخلافة الإسلامية» أمراً واقعاً، يقول جهاديون لـ«الأخبار» إن قبلة الأنظار ستكون مكة. كذلك الأمر هي مدينة رسول الله. وبالتالي، سيعين الخليفة مندوباً في كل ولاية. ومن يدري؟ قد يكون لـ(ولاية) لبنان أمير (مستقبلاً، لأن ما نُشِر أمس عن تعيين رجل يدعى عبد السلام الأردني اميراً لداعش على لبنان، غير صحيح، بحسب مصادر أمنية). وقد يكون الجواب في جعبة «حزب التحرير»، الحزب الإسلامي الذي يدعو منذ سنوات لإقامة الخلافة.

 

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

«القاعدة» في سوريا: من التأسيس الى الإنشقاق

    يونيو 03, 2014   No comments
رضوان مرتضى

دخلت «القاعدة» إلى الميدان السوري بين تموز وآب عام ٢٠١١، للتأسيس لحراك جهادي. وصل «أبو محمد الجولاني» إلى أرض الشام، يرافقه ثمانية أشخاص من جند «دولة العراق الإسلامية»، موفدين من «أبي بكر البغدادي». بذرة الجولاني أنبتت انتشاراً واسعاً قبل أن يقع الانشقاق الدموي بين فصيلي «القاعدة» الرئيسيين على الأرض السورية. وهنا القصة الكاملة كما ترويها مصادر إسلامية مطلعة
ارتبك أهل «الجهاد العالمي» حيال الأزمة الوليدة في سوريا. بالنسبة إليهم، كانت صورة الأحداث التي اندلعت في 15 آذار عام 2011 ضبابية. في المراحل الأولى، لم يحرِّكوا ساكناً. اكتفوا بالمراقبة عن بُعد، ريثما يحددون موقفهم. لم يسر ذلك على جميع «الجهاديين». ومن دون إذن «الأمير»، تسلل كُثُر من جنود «دولة العراق الإسلامية» سرّاً من أرض الرافدين لـ «الجهاد على أرض الشام». رأت قيادة التنظيم العراقي في هذا التسرُّب تهديداً «قد يتسبّب في تصدّع الدولة وانشقاق عناصرها».

لذلك، حرّم أمير التنظيم «أبو بكر البغدادي» التوجّه إلى سوريا، معتبراً أيَّ مخالفٍ للحظر «جندياً منشقّاً»، لأن «الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريث». هذه الإجراءات فاقمت من التملمُل في صفوف «المجاهدين»، لكنّها لم تحل دون استمرار تسلل بعضهم من خارج الإطار التنظيمي لـ «دولة العراق» إلى أرض الشام. لم تكن لـ «القاعدة» أرضية في سوريا، باستثناء بعض الخلايا النائمة منذ ما قبل اندلاع الأحداث، والتي كانت مهمتها تقتصر على توفير المستلزمات اللوجستية لـ «الجهاديين» الوافدين. كانت هذه الخلايا عبارة عن أفراد تنحصر وظيفتهم في نقل المقاتلين من سوريا إلى العراق. وتوفير مضافات وبيوت أمان، ولم يكن من ضمن مهامها المواجهة المباشرة مع قوات الأمن السورية. التململ في أوساط «الجهاديين» الراغبين في القتال في سوريا، دفع مستشار البغدادي، العقيد حجي بكر، إلى طرح فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه الى سوريا بقيادة سوري. بذلك، يحال دون التحاق أي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق، وتضمن «الدولة» عدم انشقاق عراقيين عنها. وفي الوقت نفسه، يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تستقطب أعضاء غير عراقيين من الخارج. هكذا أوفد المجلس العسكري لـ «دولة العراق»، بين تموز وآب عام ٢٠١١، أبو محمد الجولاني الى الشام مع ثمانية آخرين، بينهم أحد أبرز شرعيي «جبهة النصرة» اليوم، «أبو ماريا القحطاني». وكانت مهمة هؤلاء تهيئة الأرضية لتشكيل تنظيم جهادي يكون امتداداً لـ «دولة العراق الإسلامية». وكان دعمهم المادي وتسليحهم من «الدولة» حصراً.

لم يستقر الموفدون التسعة في مكان معين. لكن النواة الأولى لعملهم «الجهادي» كانت في محافظة إدلب. بعدها انتقلوا إلى كل من حلب ودير الزور. ومن هذه المحافظات الثلاث، انطلق تنظيم «جبهة النصرة» للانتشار في كل سوريا، حتى بات رأس حربة المعارضة المسلّحة. وتوحّد شكل معظم العمليات العسكرية التي اعتمدها مقاتلوه وفق أسلوب حرب العصابات والعمليات الانتحارية. العقبة الأساسية تمثّلت في مرحلة الاستقطاب، ثم كرّت السبحة. ووفق أحد قيادات «النصرة»: «لم يكن رجال القاعدة مقبولين لدى السوريين في المرحلة الأولى. إذ كان اسم القاعدة يشكّل نفوراً لدى غالبيتهم، لكنّ العمليات الاستشهادية زكّتهم في ما بعد».
في ٢٤ كانون الثاني عام ٢٠١٢، «زفّ» الجولاني «البشرى للأمة الإسلامية بتشكيل جبهة لنصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد» (انفردت «الأخبار» بنشر فيديو التأسيس قبل عرضه على كافة المنتديات الجهادية). (http://ipv6.al-akhbar.com/term/1738). وبعد أقل من شهر، في ١٢ شباط ٢٠١٢، خرج الشيخ أيمن الظواهري في تسجيل مصوّر دعا فيه «المجاهدين» من كل أصقاع الأرض الى أن «ينفروا» إلى سوريا. عندها، بدأت «الهجرة الجهادية «بشكل علني. دعوة الظواهري كانت بمثابة النبع الذي رفد «الجبهة» بمئات المقاتلين. لكن ذلك كان سيفاً ذا حدّين. إذ أن سهولة قبول «النصرة» للمنتسبين سمح لعشرات الجواسيس بالتسلل الى صفوفها. فكان يُقبل انتساب أي «أنصاري»، وهو وصفٌ يطلق على كل سوري الجنسية، بعد أن يزكّيه أحد عناصر التنظيم بأنه «نظيف أمنياً». بعدها، يخضع المنتسب إلى دورات شرعية وعسكرية. أما «المجاهد المهاجر»، أي القادم من الخارج، فيحتاج إلى تزكية من أحد الثقاة في وطنه الأم، علماً بأنّه لم تكن هناك بيعة في البداية، بل دورات شرعية فقط. وتشير المصادر إلى أن «العدد الأكبر من الجواسيس الذين أعدموا كانوا يعملون لمصلحة الاستخبارات الأردنية». وقد دفع ذلك قيادة «الجبهة» إلى «الحد من دخول المنتسبين الجدد، ووقف قبول دخول أي مهاجر في صفوف التنظيم»، بذريعة منح الأولوية لاستيعاب الراغبين من السوريين في صفوف التنظيم. وفي موازاة ذلك، ولتلافي اجتذاب التنظيمات الممولة سعودياً للجهاديين المهاجرين، كُلّف «أبو خالد السوري» من الظواهري شخصياً بالإشراف على «حركة أحرار الشام».
لم تمض أشهر على تأسيس «الجبهة» حتى ذاع صيتها في سوريا. ورغم ربطها بتنظيم «القاعدة» في المرحلة الأولى، إلا أن كثيرين استوقفهم أسلوب عملها المغاير للأسلوب المعتمد لدى التنظيم العالمي، لا سيّما لجهة إخفاء ملامح قتلاها الذين يسقطون أثناء تنفيذ العمليات العسكرية والتفجيرات في تسجيلاتها المصوّرة، فيما تفاخر «القاعدة» بهم. وقد ذهب بعض رموز المعارضة السورية إلى اتهامها بـ «العمالة لصالح النظام السوري» قبل أن يتبيّن أن الغاية من تمويه وجوه قتلاها كانت حماية عائلاتهم من الأمن السوري.
في تلك الفترة، كانت «جبهة النصرة» لا تزال تأتمر بأوامر البغدادي بوصفه القائد العام، إلى أن طلب أمير «الدولة» من جنديّه أمير «النصرة» استهداف أحد الفنادق التركية أثناء اجتماع لرموز المعارضة السورية. استعظم الجولاني الأمر، وردّ على أميره بأنّ عملية كهذه من شأنها إغلاق أبواب تركيا في وجه «جبهة النصرة»، ما يعني وقف تدفق المال والسلاح. تكرر رفض الجولاني لأوامر البغدادي غير مرّة. فاعتبر أمير «الدولة» رفض الجولاني عصياناً، لكنّه لم يُفصح عن ذلك. ولاختبار ولاء جنديّه، أعلن البغدادي في نيسان 2013 توحيد «دولة العراق» و«جبهة النصرة» في تنظيم واحد تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لكن رفض الجولاني تكرر معلناً عدم موافقته على الدمج ورفض الالتحاق بالكيان الجديد.
ضعضع الخلاف صفوف «الجهاديين» في سوريا. وللاحتماء وتوفير الغطاء والمشروعية لخطوته، رفع الجولاني الأمر إلى «أمير الجهاد العالمي» أيمن الظواهري الذي أمر ببقاء «النصرة» في سوريا و«الدولة» في العراق. لم يوافق البغدادي على التسوية، باعتباره «صاحب الخير والجولاني خائن متخاذل». وانتقل الخلاف بين الرجلين إلى صراع احتدم بين أمراء «الجهاد» في العالم. وتحوّل الصراع على الإمرة اشتباكات مسلّحة على أرض الشام بين أبناء الفكر الواحد خلّفت مئات القتلى، وتهدّد بالتحول الى «حرب جهادية عالمية»، طرفاها «إبنان شرعيان» لتنظيم «القاعدة»: الأول («جبهة النصرة») يستمد مشروعيته من ولائه للقيادة «التاريخية» المتمثلة بالظواهري، والثاني («الدولة») يستقي المشروعية من تحدره من «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» (بزعامة «أبو مصعب الزرقاوي»)، ومن سيطرته على حيز جغرافي يجيز له إقامة «إمارة حكم» تسيّر شؤون المسلمين ويتوجب على بقية التنظيمات الخضوع لها.
باختصار، على أرض الشام اليوم، «القاعدة» يحارب «القاعدة».

ولادة «النصرة» في حمص
حمص كانت آخر المحافظات التي دخلتها «القاعدة». وصلها ستة موفدين من أبي محمد الجولاني، بإمرة شخص يلقّب بـ«أبو العيناء». اتّخذ هؤلاء من القصير في ريف حمص مركزاً لهم، ثم بدأوا بدعوة المسلّحين المعارضين إلى مبايعة التنظيم. لم تجد «الجبهة» قبولاً في بداية الأمر، إذ أن أغلبية المسلّحين كانوا منضوين في صفوف «الجيش السوري الحر». استمر الأمر على حاله حتى تنفيذ «الجبهة» أكبر عملية انتحارية في تاريخ سوريا. في ٢٣ كانون الثاني عام ٢٠١٣، قاد السوري «أبو إسلام الشامي» شاحنة مجهّزة بعشرين طناً من المتفجرات، دكّ فيها ثكنة المشتل العسكرية في القصير. في أعقاب هذه العملية، ارتفعت أعداد المنضوين في صفوف «جبهة النصرة» الى ٣٠٠ مقاتل. وتحصّن هؤلاء في قرى القلمون لاحقاً. وقد أوفد لإمارتهم في ما بعد السوري «أبو مالك التلّة» الذي قاد معركة القلمون في مواجهة الجيش السوري وحزب الله.
_________
«الأخبار»

الأحد، 18 مايو 2014

هجمات انتحارية واعدامات ذبحاً: حرب «داعش» و«الحلفاء» تستعر...المجموعات المقاتلة لن يقاتلوا «غير العدو النصيري»

    مايو 18, 2014   No comments
صهيب عنجريني
حلب ـ باسل ديوب
بالتزامن مع تقدّم «الدولة الاسلامية» في معاركها ضد «جبهة النصرة» وحلفائها في محافظة دير الزور، واعلان تسع «كتائب» انسحابها من القتال ضد «داعش»، أعلنت مجموعات معارضة حرباً ضد «داعش» في ريف حلب ضمن «غزوة زلزال الشمال»

استعرت «الحرب الاهلية» بين «الجهاديين» على مختلف الجبهات السورية، من دير الزور شرقاً، إلى ريف حلب شمالاً، وصولاً إلى حماه في الوسط. وتناقلت مواقع المعارضة السورية معلومات عن مجازر يرتكبها المتقاتلون في حق بعضهم بعضاً. وشهدت المعارك تنفيذ عمليات «إعدام ذبحاً»، وهجوماً انتحارياً في دير الزور، فضلاً عن تكثيف «النصرة» وحلفائها هجماتها ضد «داعش»، وخاصة في ريف حلب، في ما بدا استجابة لدعوة أبو ماريا القحطاني، «الأمير الشرعي لجبهة النصرة»، وقائد عملياتها في المنطقة الشرقية.

في المقابل، أعلنت تسع مجموعات مسلحة، أمس، اعتزالها قتال «داعش» على جبهات دير الزور. وقال مصدر مقرّب من «الدولة» لـ«الأخبار» إنّ «اتخاذ قرار الاعتزال جاء على دفعتين، إذ أعلنت كلّ من «كتيبة عبد الله بن عمار» و«كتيبة الكرامة» و«كتيبة المختار» أن «مقاتليها لن يرفعوا السلاح في وجه إخوتهم المجاهدين». وأوضح المصدر أن المجموعات الثلاث هي «من المجموعات المقاتلة في البلد (مدينة دير الزور)».
ووفقاً للمصدر، فإن هذه الخطوة تأتي بعد «خطوة سبقتها، حيثُ منّ الله على المجاهدين باعتزال ستة فصائل». وكان ممثلون عن المجموعات الست قد اجتمعوا وأصدروا بياناً يعلنون فيه أنهم لن يقاتلوا «غير العدو النصيري على جبهات مدينة دير الزور»، وأن «هذا البيان يلغي كافة البيانات السابقة». والمجموعات هي« جماعة الأنصار»، «الطليعة المقاتلة»، «جيش القادسية»، «لواء جند العزيز»، «حركة أبناء الإسلام»، و«لواء العباس».
إلى ذلك، قال مصدر مواكب للمشهد الميداني في دير الزور إن «مفاوضات فاعلة دارت في اليومين الأخيرين بين داعش وعدد من أكبر المجموعات المسلحة داخل مدينة دير الزور». وأكد المصدر لـ«الأخبار» أن «المفاوضات وصلت الى مراحل متقدمة». مصدر «جهادي» موال لـ«داعش» قال إنّ «أنباءً طيبة ستسمعونها قريباً، ونحن متفائلون بقرب انتهاء معركة مدينة دير الزور من دون استمرارية لنزيف الدماء، بحول الله»، رافضاً الكشف عن تفاصيل أكثر.
بدورها، امتنعت أوساط «جبهة النصرة» وحلفائها عن التعليق على هذه المعلومات، فيما قال موالون لها عبر صفحات «جهادية» إن «خوارج «داعش» بعدما أطبقوا الحصار على دير الزور البلد، بدأوا يتآمرون مع الأركان الموجودين في الداخل لقتال مجاهدي جبهة النصرة المرابطين في الرشدية والحويقة».
وعلى صعيد متصل، أعلنت «كتيبة أبو ذر التونسي» أمس «مبايعتها» تنظيم «داعش»، ما يُعد ضربة قوية لـ«النصرة»، ولا سيما أن «الكتيبة» كانت قد انشقت عنها في وقت سابق.
يأتي ذلك في ظل تواصل المعارك العنيفة على عدد من المحاور بين «داعش» من جهة، و«جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» وحلفائهما من جهة أخرى. أعنف المعارك كانت في كل من جديد العكيدات وجديد البكارة والطابية، إضافة إلى مشارف الشحيل، أحد أكبر مقار «النصرة» في ريف دير الزور. وتضاربت الأنباء عن حقيقة السيطرة على عدد من البلدات، في ظل غياب معلومات موثوق بها من مصادر مستقلة، إذ أكدت أوساط «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» السيطرة على «جديد عكيدات، والطابية، وخشام، وحقل جفرة النفطي، تمهيداً لفك الحصار عن مدينة دير الزور»، الأمر الذي نفته أوساط «داعش». وقال هؤلاء إن «مسلحي الصحوات قد دخلوا الى طابية الجزيرة، فأحكمت السرايا الطوق عليهم، وأمضى السيف فيهم فعله، فانسحبوا خائبين إلى موحسن عبر قنطرة الطابية». إلى ذلك، وقع تفجير انتحاري بسيارة مفخخة يقودها أحد مسلحي «داعش»، مستهدفة مقراً لـ«جيش مؤتة الاسلامي» في الشحيل (ريف دير الزور الشرقي)، ما خلّف ستة قتلى على الأقل.
وفي ريف حماه الجنوبي، أعدم «داعش» قائد «لواء المدفعية والصواريخ في حركة احرار الشام»، المدعو أبو المقدام السراقبي، بعد اعتقاله أثناء انتقاله من القلمون الشرقي إلى إدلب. وذكرت حركة «احرار الشام» أن إعدام السراقبي جرى ذبحاً، علماً بان مواقع إعلامية معارضة تحدّثت عن قيام «داعش» بقطع رؤوس الأسرى والقتلى في دير الزور.

«غزوة زلزال الشمال»

وفي حلب، أطلقت «الجبهة الإسلامية» وفصائل متحالفة معها أمس، «غزوة زلزال الشمال» للسيطرة على المناطق التي تهيمن عليها «داعش» في الأرياف الحلبية. وحالما أُعلنت الغزوة شنّ كل من «لواء أمجاد الشام» و«لواء جبهة الأكراد» و«لواء التوحيد» وألوية أخرى سلسلة هجمات على مواقع «داعش»، وتمكنت من طردها من قريتي الزيادية شرقي اخترين وتل بطال التابع لبلدة الراعي (ريف حلب الشمالي)، التي شهدت بدورها معارك عنيفة بعد قدوم تعزيزات لـ«داعش» من جرابلس.
وأعلنت مصادر غرفة عمليات «زلزال الشمال» عن سيطرتها على ثلاث قرى غربي الراعي، هي الخلفتلي وتل شعير والاحمدية، فيما قصفت مجموعات تابعة لـ«جبهة النصرة» وألوية «صقور الشام» مقار لـ«داعش» في مدينتي الباب ومنبج. وقال مصدر معارض لـ«الأخبار» إن مسلحي «داعش» «فرضوا حظراً للتجوال في مدينة الباب بعد بدء هجمات فصائل الجبهة الإسلامية»، في وقت أفاد خصومها عن مقتل «أمير التسليح» في «داعش» بعد استعداف سيارته في منطقة الباب عند مستديرة تادف.

«الدخان المهرّب» يفجّر معارك

شهدت مدينة البوكمال، أول من أمس، في دير الزور اشتباكات بين مسلحين تابعين لـ«جبهة النصرة» وآخرين من أبناء عشيرة الجغايفة، ما أدى إلى سقوط قتيلين وجرحى في صفوف الطرفين. وأكدت مصادر من السكان أن الاشتباكات نشبت بسبب «التبغ المهرّب». ووفقاً للمصادر، فإن «أمير جبهة النصرة» في المنطقة أصدر قراراً بـ«فرض أتاوة على عشيرة الجغايفة، تصل إلى 3 دولارات مقابل كل كرتونة تبغ»، الأمر الذي «أغضب شباب الجغايفة، لتندلع الاشتباكات بعدها». وقالت المصادر إن «الجغايفة شعروا بنكران الجميل، إذ تناسى أمير النصرة أن العشيرة سبق أن قدمت لجبهته مدفعين عيار 23، ومضاد 14، وذخيرة، أثناء معارك تحرير البوكمال». ومساء أمس تجددت المعارك، وأكدت المصادر المحلية أن مسلحي الجغايفة انتشروا في المدينة الحدودية، بعد تمكنهم من طرد مسلحي «النصرة».
________
 «الأخبار»

الخميس، 6 مارس 2014

السعودية تحدد الإرهاب والإرهابيين: القاعدة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وجبهة النصرة، وحزب الله في داخل السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثيين

    مارس 06, 2014   No comments
أعلنت السعودية «تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وجبهة النصرة، وحزب الله في داخل السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثيين»، تنظيمات وجهات إرهابية، يحظر الانتماء إليها ودعمها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأن هذا الحظر يشمل «كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكرا، أو قولا، أو فعلا، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعرفت بالإرهاب وممارسة العنف».

 نص البيان:

«الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فاستنادا إلى الأمر الملكي الكريم رقم أ-44 وتاريخ 3-4- 1435هـ، القاضي في الفقرة (رابعا)، بتشكيل لجنة من وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة العدل، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، تكون مهمتها إعداد قائمة - تحدّث دوريا - بالتيارات والجماعات المشار إليها في الفقرة (2) من البند (أولا) من الأمر الكريم، ورفعها لاعتمادها.. فتود أن توضح وزارة الداخلية أن اللجنة المشار إليها اجتمعت وتدارست ذلك ورفعت للمقام الكريم بأن يشمل ذلك كل مواطن سعودي أو مقيم عند القيام بأي أمر من الأمور الآتية:


1ـ الدعوة للفكر الإلحادي بأي صورة كانت، أو التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي التي قامت عليها هذه البلاد.

2ـ كل من يخلع البيعة التي في عنقه لولاة الأمر في هذه البلاد، أو يبايع أي حزب، أو تنظيم، أو تيار، أو جماعة، أو فرد في الداخل أو الخارج.

3ـ المشاركة، أو الدعوة، أو التحريض على القتال في أماكن الصراعات بالدول الأخرى، أو الإفتاء بذلك.

4ـ كل من يقوم بتأييد التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها.

5ـ التبرع أو الدعم، سواء كان نقديا أو عينيا، للمنظمات، أو التيارات، أو الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، أو إيواء من ينتمي إليها، أو يروج لها داخل المملكة أو خارجها.

6ـ الاتصال أو التواصل مع أي من الجماعات، أو التيارات، أو الأفراد المعادين للمملكة.

7ـ الولاء لدولة أجنبية، أو الارتباط بها، أو التواصل معها بقصد الإساءة لوحدة واستقرار أمن المملكة وشعبها.

8ـ السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، أو الدعوة، أو المشاركة، أو الترويج، أو التحريض على الاعتصامات، أو المظاهرات، أو التجمعات، أو البيانات الجماعية بأي دعوى أو صورة كانت، أو كل ما يمس وحدة واستقرار المملكة بأي وسيلة كانت.

9ـ حضور مؤتمرات، أو ندوات، أو تجمعات في الداخل أو الخارج تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة في المجتمع.

10ـ التعرض بالإساءة للدول الأخرى وقادتها.

11ـ التحريض، أو استعداء دول، أو هيئات، أو منظمات دولية ضد المملكة.

وتشير وزارة الداخلية إلى أنه تمت موافقة المقام الكريم على ما جاء بهذه المقترحات وصدر الأمر الكريم رقم 16820 وتاريخ 5-5-1435هـ باعتمادها، وأن يبدأ تنفيذ هذا الأمر اعتبارا من يوم الأحد 8-5-1435هـ، الموافق 9 مارس 2014م، وأن من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال منذ هذا التاريخ ستتم محاسبته على كافة تجاوزاته السابقة، واللاحقة لهذا البيان، كما أمر المقام الكريم بأن يمنح كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت مهلة إضافية، مدتها خمسة عشر يوما اعتبارا من صدور هذا البيان لمراجعة النفس والعودة عاجلا إلى وطنهم، سائلين الله أن يفتح على صدورهم، وأن يعودوا إلى رشدهم.

وإذ تعلن وزارة الداخلية ذلك لترفق بهذا القائمة الأولى للأحزاب، والجماعات، والتيارات التي يشملها هذا البيان، وهي كل من أطلقت على نفسها مسمى: (تنظيم القاعدة - تنظيم القاعدة في جزيرة العرب - تنظيم القاعدة في اليمن - تنظيم القاعدة في العراق - داعش - جبهة النصرة - حزب الله في داخل المملكة - جماعة الإخوان المسلمين - جماعة الحوثي)، علما أن ذلك يشمل كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكرا، أو قولا، أو فعلا، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعرفت بالإرهاب وممارسة العنف.

وسوف تقوم الوزارة بتحديث هذه القائمة بشكل دوري وفق ما ورد في الأمر الملكي الكريم، وتهيب بالجميع التقيد التام بذلك، مؤكدة في الوقت نفسه أنه لن يكون هناك أي تساهل، أو تهاون مع أي شخص يرتكب أيا مما أشير إليه.

ونسأل الله عز وجل الهداية للجميع، مستذكرين قول الحق تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم)».

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

الأمر الملكي يعكس إمكانية ومخاطر ارتدادات الحرب في سوريا على أمن المملكة السعودية وشرعية نظامها السياسي

    فبراير 11, 2014   No comments
السعودية بعد "الأمر الملكي".. ضبط التفلت الداخلي وعودة التواصل الفعال مع واشنطن
علي عبادي

تلوح نذر ارتدادات الحرب في  سوريا على أمن المملكة السعودية وشرعية نظامها السياسي أكثر من أي وقت مضى. لقد انتهت مغامرة إسقاط النظام في سوريا التي تقودها الحكومة السعودية حتى الآن الى إخفاقات جمّة من بينها: شعور السعودية بالإغتراب عن أوثق حلفائها في العالم: الولايات المتحدة الاميركية بسبب التباعد (المصحوب بفتور العلاقة) بين الموقفين في التعامل مع قضايا إقليمية، النظام في سوريا يعاود النهوض برغم قساوة الحملة التي عصفت به من كل جانب، ايران التي سعت الرياض الى عزلها عبر قطع القناة السورية تبدو أقرب الى تحقيق هدفها في أن تصبح قوة إقليمية عظمى، حزب الله أحد مقاصد الحملة على سوريا ينجح في تجاوز واحد من أصعب التحديات التي واجهها منذ انطلاقته وهو يعود شريكاً "مقبولاً" في الحكومة اللبنانية بعد أن استبعدته شروط حلفاء الرياض مرة بدعوى احتفاظه بقدراته العسكرية، ومرة أخرى بحجة انخراطه في القتال في سوريا. غير ان الثمن الأكثر فداحة الذي تدفعه الحكومة السعودية يتمثل في خروج آلاف الشباب السعوديين عن طاعتها بعدما هاجروا الى سوريا للقتال وقد حصل بعضهم على بركة رسمية أو غض طرف، كما يتمثل في امتناع العديد من المشايخ- الدعاة عن الإنضباط ضمن التوجيهات الرسمية، فذهبوا بعيداً في التبشير بـ"الحرب المقدسة" في بلاد الشام والتي لا تدانيها بالنسبة لهم أولوية أخرى.

مثـّل الأمر الملكي الذي أصدره الملك عبدالله بن عبدالعزيز قمة جبل الجليد الذي يكتنف حالياً العلاقة الصعبة التي تربط بين العائلة الحاكمة وشعبها. لقد أصبحت استعادة ولاء بعض الرعية أمراً ضرورياً، بعدما أفلت الأمر او كاد من يد السلطة. ربطت القيادة السعودية تحقق أهدافها الإقليمية ، وإلى حد ما مشروعية سياساتها، بإسقاط النظام في سوريا من جهة، وإسقاط الأنظمة التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبلدان أخرى من جهة ثانية. نجحت في إنجاز الهدف الثاني، لكن مضاعفاته على الداخل السعودي ليست بسيطة بسبب التعاطف والتأييد الذي يلقاه "الإخوان" من جانب شريحة من السعوديين الحركيين، وينعكس ذلك تعارضاً صريحاً مع توجهات السلطة في الموقف من أحداث مصر. وقد خصص الأمر الملكي نصيباً من الإهتمام لهؤلاء تحت عنوان "التيارات أو الجماعات الدينية او الفكرية المتطرفة" الخ . أما الهدف الأول فيواجه مصاعب تقضّ مضجع القيادة السعودية التي لا تستطيع تخيل بقاء الرئيس الأسد في السلطة ولو في المرحلة الإنتقالية وتسعى جاهدة لتكوين الظروف الميدانية والدولية التي تحول دون ذلك. غير ان ذلك لا يشفع لها لدى قسم من الشباب والمشايخ الذين يرون في المشهد الإقليمي، وخاصة في سوريا، فرصة للخروج من عهدة الوصاية الأبوية للعائلة الحاكمة. هؤلاء وجدوا في سوريا (وجزئياً في العراق واليمن) ساحة "حرة" يستطيعون فيها ان يعبروا عن أنفسهم من دون أي قيد أو رقابة، وأصبح كل من يريد أن يخطّ مشروعاً إعتراضياً يتوجه الى إحدى الساحات الساخنة لكي يتمكن من التأسيس لذلك.


مواجهة الإنشقاقات والإنفلات 
استعاد الملك عبدالله في الأمر الملكي نبرته التي ظهرت عقيب تفجير مجمعات سكن الرعايا الغربيين والأجانب في الرياض عام 2003 حين قال: "ليس بيننا وبينهم ( القائمين بالتفجيرات) الا السيف"، رافضاً إقتراح بعض الدعاة للحوار معهم. وهو يتخذ مرة جديدة قرار المواجهة الى الآخر، كان "الأمر" شاملاً في حق: الذين يقاتلون في الخارج، او الذين ينتمون للتيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية، او الذين يؤيدونها أو يتبنون فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو يفصحون عن التعاطف معها بأي وسيلة كانت، أو يقدمون أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو يحرضون على شيء من ذلك أو يشجعون عليه أو يروجون له بالقول أوالكتابة بأي طريقة. باختصار، قطع الأمر الملكي الطريق على أي فعل يُشتمّ منه الخروج على السياسات المنضبطة بإيقاع السلطة، وفي ذلك مغزى عميق يستبطن القلق مما وصلت إليه الحال داخل المملكة. ويمكن قراءة هذا التوجه الرئيسي الذي سيترك بصماته على تعامل السلطة السعودية داخلياً في الفترة المقبلة في اتجاهات عدة:

أولاً: في اتجاه أركان العائلة المالكة التي عرفت بعض الترهل في قيادة السياسات الداخلية والخارجية في غياب قدرة الملك على المتابعة لأسباب تتعلق بالسن والصحة. وليس خافياً ان بعض الأمراء لم يعودوا يستسيغون مماشاة توجهات مدير الاستخبارات ورئيس مجلس الامن الوطني الأمير بندر بن سلطان التي فتحت أبواباً مغلقة وأشاعت أجواء تهددُ الأمن الداخلي من خلال إهمال مشكلة تورط عدد هائل من الشباب السعوديين في الحرب السورية. ويقال هنا إن وزير الداخلية الامير محمد بن نايف تبنى وجهة نظر ترى في مواجهة تنظيم القاعدة وفروعه أولوية أكبر من مواجهة النظام في سوريا، بخلاف الأمير بندر. ومن اللافت هنا ان اللجنة التي قضى الأمر الملكي بتشكيلها لإعداد قائمة  بالتيارات والجماعات المتطرفة والإرهابية تشكلت من وزارات: الداخلية، الخارجية، الشؤون الإسلامية والأوقاف، العدل، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، وليس واضحاً أي دور فيها للإستخبارات او لوزارة الدفاع وهما الجهتان اللتان اضطلعتا ميدانياً بمهام مباشرة في الحرب السورية.

ثانياً: في اتجاه المؤسسة الدينية او بعض خيوط نسيجها التي "شقت الصف". أفصح عن ذلك مثلاً رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ الذي صرح بأن هناك "دعاة للفتن داخل جهاز الهيئة"، متوعدا بإقصائهم، واعتبر ان "من يدعو إلى الجهاد في الدول المجاورة دعواه باطلة، وهو بذلك محرّض ويدعو إلى الفتن، لا يجوز الخروج عن طاعة ولي الأمر". كما ان الفضائيات ووسائل الإعلام القريبة من الحكومة بدأت حملة إعلامية لفضح من تسميهم "دعاة الفتنة" و"نجوم الفضائيات" و"شيوخ الدرهم والدينار".

ثالثاً: في اتجاه الجهاز التنفيذي للدولة، سواء السلك الوظيفي المدني او العسكري، وقد ظهرت تقارير عن حصول حالات انشقاق مع توجه عسكريين في الخدمة الفعلية بالجيش السعودي الى سوريا. وتناول الأمر الملكي هذه الفئة بالتحديد عندما نص على انه "إذا كان مرتكب أي من الأفعال المشار إليها من ضباط القوات العسكرية، أو أفرادها، فتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد عن ثلاثين سنة".

رابعاً: عامة الناس الذين تشتت ولاؤهم بين أصحاب المنابر الأرضية (المساجد وغيرها) والفضائية خلال الفترة الماضية بسبب تصاعد خطاب التطرف من كل ناح، ما أحدث حرجاً بالغاً للسلطة وهدد مكانتها.


العودة الى حضن واشنطن
وثمة رسالة بالغة الأهمية موجهة للخارج مفادها إظهار السعودية على أنها لا تزال شريكاً أساسياً في الحرب على الإرهاب. ولا يمكن فهم هذا المغزى من دون الرسالة العلنية التي بعثت بها الإدارة الأميركية الى "قادة دول المنطقة" أواخر العام المنصرم لطلب "اتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد عناصر في المجموعات (الارهابية)، ومن بينها الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا، حيث يقوم الكثير منهم لاحقاً بتنفيذ تفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء في العراق". ومن غير المنطقي ان يأتي الإعلان عن إضافة الرياض الى قائمة دول يخطط الرئيس الاميركي اوباما لزيارتها الشهر المقبل من باب الصدفة في اليوم نفسه الذي نـُشر فيه الأمر الملكي السعودي. وعلى ضوء التطورات الأخيرة على الساحة الدولية، تحتاج الرياض الى إعادة ترتيب علاقاتها مع واشنطن وطي صفحة إنزعاجها من التحول الاميركي المحدود في شأن التعامل مع ملف أزمة سوريا وملف برنامج ايران النووي. ويقال إن واشنطن، بعد دعوتها قادة المنطقة لمكافحة الإرهاب، قدمت للقيادة السعودية أدلة استخبارية على ارتباط مسؤولين ومواطنين سعوديين بدعم منظمات في سوريا مدرجة على اللوائح الأميركية للإرهاب من ضمنها "جبهة النصرة" التابعة للقاعدة. وما يريد الاميركيون لفت انتباه السعوديين اليه ان هذه المنظمات تستخدم الأراضي السورية ساحة للتدريب بهدف نشر خلاياها في دول كثيرة، وهذه نقطة تهم السعوديين بالدرجة الاولى، كما تهم الأميركيين. وأصبح في قناعة الأميركيين ان الوضع على الأرض في سوريا أصبح شديد السيولة بحيث يصعب الإحاطة باتجاهات المنظمات المسلحة وأهدافها ومدى نفوذها في ضوء الإنشقاقات المتتالية والإستقطابات الحادة وتبادل السيطرة على المناطق. ويمكن القول انه لم يعد بإمكان أحد ان يزعم انه يستطيع توجيه مسار الأمور. وقد نقل عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ليندسي غراهام عن وزير الخارجية الامريكي جون كيري قوله في لقاء خاص مع اعضاء الكونغرس ان "خطر القاعدة حقيقي ويخرج عن نطاق السيطرة". ولا تزال واشنطن تعتقد بإمكان الحصول على تعاون السعودية وقطر وتركيا في هذا المجال بما يسهم في لملمة صفوف المعارضة السورية في الخارج التي باشرت مفاوضات مع الحكومة السورية في جنيف وتحجيم المنظمات ذات البعد الإرهابي الدولي.


تنظيف البيت الداخلي
غير ان السعودية التي تأخرت في تدارك تداعيات الإنفلاش المسلح على الأراضي السورية على أمنها القومي، تعرف ان القضية ليست سهلة وتتطلب وقتاً طويلاً وصراعاً متجدداً مع التيار الجذري في البيئة التكفيرية؛ هذا التيار يستفيد الآن من ساحة قتال جديدة ليست بعيدة كثيراً عن المملكة وهو يعدّ العدّة لمنازلة السلطات السعودية رداً على محاولة استبعاده. ولكن ثمة مشكلة هنا تحتاج الى مقاربة توفيقية: إذا كانت القيادة السعودية قد حزمت أمرها في مواجهة الخروج على نسقها في إدارة الملفات الإقليمية، فكيف ستستطيع المواءمة بين انخراطها الساخن في الأزمة السورية تسليحاً وتمويلاً وبين منع مواطنيها من التجند مع المقاتلين هناك او إبداء المساندة لهم بأي صورة كانت؟ أيضاً هناك استحقاق آخر يتعلق بتنظيف البيت الداخلي للعائلة المالكة من رواسب التورط في الأزمة وتحديداً في ما يتعلق بمسؤولية رئيس الاستخبارات الأمير بندر بن سلطان وأخيه غير الشقيق الأمير سلمان الذي أقام غرفة عمليات في الاردن لتنسيق جهود المعارضة المسلحة في سوريا. وهناك من يرى أن غياب بندر (البعض يقول إنه موجود في اميركا بغرض "العلاج") عن المشهد السعودي الحالي قد يكون مقدمة لإبعاده بعد فشله في تحقيق تعهده بإطاحة الرئيس بشار الأسد.

بعد توصل واشنطن وموسكو الى اتفاق للتخلص من الترسانة الكيماوية السورية، قيل يومها إن روسيا وفرت سُلـّماً يمكن ان يستخدمه الأميركيون للنزول من أعلى الشجرة بعد تهديدهم بضرب سوريا وظهور عواقب جسيمة لهذا الأمر. والآن يبدو ان الأميركيين يمدون سلـّماً لأصدقائهم السعوديين للنزول من الشجرة المليئة بالأغصان الشائكة التي صعدوا اليها حين حددوا سقفاً عالياً لموقفهم من الأزمة السورية دون حساب لتداعياتها. بعضهم يرى أنه توجد الآن فرصة أمام الرياض للبدء في معالجة الإختلالات التي صاحبت زمن المواجهة مع العديد من الاطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً، ويمكن ترجمة الأمر بفتح نافذة حوار مع طهران وقبول مبدأ البحث عن تسوية سلمية للأزمة السورية بما يؤدي فعلاً الى تهدئة خطاب التطرف وتجفيف الساحات التي ينبت الإرهاب عليها. فهل تملك السعودية الجرأة للإعتراف بالأخطاء والإقدام على تصحيحها؟

________________

السبت، 11 يناير 2014

لعنة «سجن صيدنايا» تلاحق قادة «الجهاديين»: ما جرى في سجن صيدنايا وداخل أسواره لم يكن، في حقيقته، سوى «بروفة» للتراجيديا الدموية التي تعيشها سوريا منذ حوالي ثلاثة أعوام، تحت عناوين التكفير والجهل والعنف الأعمى

    يناير 11, 2014   No comments
عبد الله سليمان علي

حسان عبود أبو عبدالله الحموي وزهران علوش وأحمد عيسى الشيخ أبو عيسى والشيخ السعودي عبد الواحد صقر الجهاد وأبو سليمان الكردي وأبو البراء الشامي، وغيرهم كثر من قيادات التنظيمات «الجهادية» في سوريا، هم جميعاً من خريجي سجن صيدنايا الشهير.
وثمة رواية بأن زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني قد يكون نزل في سجن صيدنايا لفترة من الزمن، ولكن هذه الرواية غير مثبتة حتى الآن، ومن المرجح أنها غير صحيحة.
ورغم أن المذكورين سابقاً خرجوا جميعهم من سجن صيدنايا، لكن على ما يبدو فإن السجن لم يخرج منهم، أو الأصح ان لعنة السجن بقيت تلاحقهم رغم مرور عامين ونيف على إطلاق سراحهم.

فمن يتابع المشهد السوري، يعتقد أن الخلافات العميقة التي تصل في أحيانٍ كثيرة إلى درجة الاشتباكات المسلحة وسقوط قتلى وجرحى وأسرى بين الفصائل الإسلامية المعروفة، مثل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية»، قد تكون وليدة أسباب فرضتها تطورات الميدان ومقتضيات المعركة ضد النظام السوري، لكن الحقيقة أن هذه الخلافات أعمق من ذلك، وهي أبعد تاريخياً حتى من لحظة اندلاع الأزمة السورية في آذار العام 2011. وقد يبدو غريباً أن نقول ان بعض جذور هذه الخلافات يمتد رجوعاً إلى العام 2008، وتحديداً إلى يوم السبت الخامس من تموز من ذلك العام، الذي شهد ما أصبح يعرف إعلامياً بـ «مجزرة صيدنايا».
و«مجزرة صيدنايا» كما اصطلح على تسميتها، أدّت في ذلك الحين إلى مقتل حوالي 25 سجيناً، معظمهم من السجناء الإسلاميين المتشددين. وبينما تبنت المعارضة السورية، مع منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام العربية والغربية، الرواية التي تقول إن السلطات السورية استقدمت كتيبة من الشرطة العسكرية لتفتيش سجن صيدنايا، وإن عناصر الكتيبة قاموا بالتفتيش بطريقة مستفزة لمشاعر الإسلاميين، فحصلت مشادة بين السجناء والشرطة العسكرية قتل فيها 9 أشخاص ما أدى إلى اندلاع أعمال احتجاجية داخل السجن سقط خلالها العدد المتبقي من القتلى. إلا أن الرواية الرسمية الصادرة عن السلطات السورية أكدت أن «بعض نزلاء السجن، المحكومين بجرائم متعلقة بالإرهاب في العراق وسوريا، قاموا بالاعتداء على زملائهم أثناء جولة تفقدية لمدير السجن، فاستدعيت قوات الأمن التي اشتبكت مع السجناء، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين».
واليوم، وبعد مرور خمس سنوات على أحداث «مجزرة صيدنايا»، قد يكون آن الأوان لإعادة صياغة للرواية الرسمية التي لم تجد آنذاك من يصدقها، بينما انتشرت الرواية الثانية انتشار النار في الهشيم، وبناءً عليها أطلق على تلك الأحداث مصطلح «المجزرة» وحُمّلتْ السلطات السورية المسؤولية الكاملة عنها.
ويأتي ذلك بعد صدور شهادات من بعض قيادات «الجهاد الشامي» ترجح صحة الرواية الرسمية، وربما لم تكن مثل هذه الشهادات تجد طريقها إلى النشر على الملأ لولا الخلافات العميقة التي تشتد يوماً بعد يوم بين الفصائل الإسلامية بعضها بعضاً، وبشكل خاص بعد أحداث مسكنة بين «أحرار الشام» و«داعش»، والتي تعتبر أكثر تلك الخلافات دموية حتى الآن، حيث سقط بسببها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين بينهم قادة و«أمراء».
فلم يكن من قبيل العبث أن يطالب القيادي «الشرعي» في «جبهة النصرة»، تركي الأشعري، وهو سعودي الجنسية، «بعزل سجناء صيدنايا من مجالس الشورى والإمارة»، مشيراً إلى أن ذلك هو السبيل الأوحد لحل مشاكل الشام. ولا يخفى أن مطالبة «الشرعي السعودي» البارز بعزل سجناء صيدنايا قد تترتب عليها تداعيات خطيرة على صعيد العلاقة بين «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية»، لأن هذه المطالبة تطال بالدرجة الأولى كلاًّ من «رئيس مجلس الشورى في الجبهة الإسلامية» أحمد عيسى الشيخ و«رئيس الهيئة السياسية» حسان عبود و«القائد العسكري» زهران علوش، فجميعهم من سجناء صيدنايا، لذلك سارع «الشرعي السعودي» إلى حذف تغريدته من حسابه، ولكن بعد فوات الأوان، لأن التغريدة كانت قد صُوّرت ونشرت على نطاق واسع.
ومع ذلك، كانت التغريدة الأخطر، والتي لم تحذف، حتى الآن، هي تأكيد الأشعري أن سبب أحداث مسكنة الدموية بين «الأحرار» و«داعش»، هي خلافات بين «أميرين» تعود إلى زمن سجن صيدنايا. ورغم أن الأشعري لم يقل أكثر من ذلك، إلا أن شهادته تسلط الضوء على نقطة في غاية الأهمية، وهي وجود خلافات كانت تستفحل بين سجناء صيدنايا، وان معارك مسكنة في ريف حلب قد تكون من تداعيات تلك الخلافات، وهو ما يشير إلى أهمية تلك الخلافات وخطورتها لدى الطرفين المتنازعين، بحيث لا مانع لديهما من دفع ثمنها من دماء «المجاهدين في سبيل الله»، كما يطلق كل طرف على عناصره.
وما لم يقله «القيادي الشرعي» تركي الأشعري، تولى أبو البراء الشامي تفصيله على نحو واضح. وربما تكون شهادة الشامي من أهم الشهادات في خصوص أحداث سجن صيدنايا. فقد أكد، في تغريدات له على حسابه على «تويتر»، أن «ما يحصل الآن من أحداث على الأرض عشناه في صيدنايا: تكفير + تخوين= اقتتال. هذه حقيقة لا خيال. السيناريو نفسه، ولكن الآن يوجد بالأيدي كل أنواع السلاح».
وحول سبب تلك الأحداث، يقول الشامي إن «معظم المشاكل التي كانت داخل صيدنايا ناتجة من الجهل بالدين والتعصب الأعمى والكذب على العلماء، بقصد أو بغير قصد».
ثم يوغل الشامي أكثر في التفاصيل، ليقول: «حتى اني أذكر أنه في أحد الأيام حصلت مشكلة بين الطرفين، وكانت هناك مساع للإصلاح، فخرج شخص من الطرف المغالي وبيده سكين وركض باتجاه الطرف الآخر». وفي تغريدة أخرى يقول: «حصل إشكال بين أخوة الدين، وكل فرد معه سيف وسكين وفريق بالطابق العلوي وآخر بالطابق السفلي»، مشيراً إلى أن «أكثر ما أثير داخل السجن كانت مسائل التكفير، والطامة كانت أن جميع السجناء يتحدثون بها بعلم وغير علم» وذلك على نحو قريب مما يحدث اليوم بين الفصائل الإسلامية التي تتبادل الاتهامات في ما بينها حول مسائل التكفير والخيانة والتخاذل ومشاريع «الصحوات».
ويختم الشامي: «كنا نتمنى ألا يتكرر سيناريو صيدنايا خارج أسواره لما رأينا من الشيء المحزن المبكي، ولكن الله أعلم بعباده».
إذاً، وبحسب شهادة أحد السجناء الذين كانوا متواجدين في السجن خلال تلك الفترة، فإن أحداث سجن صيدنايا تحدث من جديد اليوم خارج أسواره، ولكن بين الأطراف عينها، وبين السجناء أنفسهم الذين خرجوا وأصبحوا «أمراء وقادة الجهاد الشامي».
وكأنّ شهادة أبو البراء الشامي توحي بأن ما جرى في سجن صيدنايا وداخل أسواره لم يكن، في حقيقته، سوى «بروفة» للتراجيديا الدموية التي تعيشها سوريا منذ حوالي ثلاثة أعوام، تحت عناوين التكفير والجهل والعنف الأعمى، ولكن هذه المرة داخل سجن أكبر من سجن صيدنايا وليس أصغر من أسوار الجغرافيا السورية.
فهل تتحول «مجزرة صيدنايا» إلى متلازمةٍ تصيب بالعدوى كل من يقترب من الأزمة السورية، سواء بالجغرافيا أو بالتدخل؟ وهل تستمر لعنة صيدنايا في استـــدراج الســوريين، عبر «أمراء الجهاد وقادته»، نحو مجزرة جديدة قد لا يكون ثمة قاع للدمــاء المسفوكة فيها، ولا سقف لعدد ضحاياها؟

___________
«السفير»

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

تقرير لسيمور هيرش: هكذا حرّفت إدارة أوباما التقارير بشأن الهجوم «الكيميائي»

    ديسمبر 10, 2013   No comments
شن الصحافي الشهير سيمور هيرش، في تقرير بعنوان «السارين لمن؟»، نشره في موقع «لندن بوك ريفيو» بعد رفض مجلة «نيويوركر» نشره، هجوماً حاداً على الإدارة الأميركية، وعلى رأسها باراك أوباما، مفنداً كيف قامت الإدارة الأميركية بتحريف تقارير الاستخبارات الأميركية من أجل تحميل النظام السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية على غوطة دمشق، وتجاهلها تقارير الاستخبارات التي تتحدث عن أن «جبهة النصرة» أصبحت تملك القدرة على تصنيع غاز السارين. وحذر هيرش من انه بعد إزالة ترسانة الاسلحة الكيميائية السورية، فقد نصل في نهاية المطاف الى مرحلة تصبح فيها «النصرة» الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على تصنيع الأسلحة الكيميائية.

باراك أوباما لم يقل كل الحقيقة هذا الخريف عندما كان يحاول تحميل بشار الأسد مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي وقع قرب دمشق في 21 آب الماضي. في بعض الحالات أغفل معلومات استخباراتية مهمة، وفي حالات اخرى قدم استنتاجات على أنها حقائق. والأهم، انه فشل في الاعتراف بأمر معروف لدى مجتمع الاستخبارات الأميركي: الجيش السوري ليس الطرف الوحيد في الحرب الأهلية السورية الذي يمتلك السارين، وهو غاز الأعصاب الذي استنتجت دراسة للأمم المتحدة، من دون تحديد المسؤوليات، انه استخدم في الهجوم الصاروخي.

في الأشهر التي سبقت الهجوم، أصدرت وكالات الاستخبارات الأميركية سلسلة من التقارير السرية للغاية تشير بالدليل إلى أن «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» أصبحت تملك طريقة صنع السارين، وأنها قادرة على تصنيع كميات منه. وعندما وقع الهجوم، كان ينبغي أن يتم النظر إلى «النصرة» كمشتبه بها، لكن الإدارة (الأميركية) انتقت من معلومات الاستخبارات للتبرير الهجوم على الأسد.

في خطابه المتلفز بشأن سوريا في 10 أيلول الماضي، ألقى أوباما باللوم في الهجوم بغاز الأعصاب الذي استهدف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في الغوطة الشرقية على حكومة الأسد فقط، وأوضح بشكل لا لبس فيه انه مستعد لتطبيق تحذيره العلني السابق من أن أي استخدام الأسلحة كيميائية سيكون خرقاً لـ«الخط الأحمر». وقال «حكومة الأسد قتلت بالغاز أكثر من ألف شخص. نعرف أن نظام الأسد مسؤول، ولهذا، وبعد تفكير متأن، قررت أنه من مصلحة الولايات المتحدة الرد على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية من خلال ضربات عسكرية محددة».

أوباما كان ذاهباً إلى الحرب لدعم تهديده العلني، لكنه كان يقوم بهذا الأمر من دون أن يعرف من قام بالهجوم فجر 21 آب. لقد تحدث عن لائحة تشمل ما يمكن اعتباره أدلة قوية عن قدرات الأسد: «في الأيام التي قادت إلى 21 آب، نعرف أن عناصر من القوات السورية الخاصة بالأسلحة الكيميائية استعدت لهجوم قرب منطقة يتم فيه مزج غاز السارين. لقد وزعوا أقنعة الغاز على قواتهم، وبعدها أطلقوا الصواريخ من منطقة يسيطرون عليها على 11 منطقة يحاولون إزالة القوات المعارضة منها».

تأكيد أوباما كرره رئيس مكتب موظفيه دينيس مادونون الذي قال لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن «أحداً ممن تحدثت إليه لا يشك في ربط الاستخبارات للأسد ونظامه مباشرة بهجوم السارين».

لكن في مقابلات مع مسؤولين في الاستخبارات والجيش، ومع مستشارين حاليين وسابقين، وجدت قلقاً شديداً لديهم، وفي إحدى الحالات وجدت غضباً، بشأن ما اعتبروه تلاعباً متعمداً بالاستخبارات. ووصف أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في الاستخبارات، في رسالة الكترونية إلى أحد الزملاء، تأكيد الإدارة أن الأسد يتحمل المسؤولية بأنه «خدعة». وكتب أن «الهجوم لم يكن صنيعة هذا النظام».

وقال لي مسؤول رفيع المستوى سابق في الاستخبارات إن إدارة أوباما عدلت المعلومات المتوافرة، من ناحية التوقيت والسياق، من أجل السماح للرئيس ومستشاريه بإظهار أن معلومات الاستخبارات بعد أيام من الهجوم تبدو وكأنها حصلت وقت وقوع الهجوم. ويضيف أن هذا التحريف يذكره بحادث خليج تونكين (الواقع بين الصين وفيتنام) في العام 1964، عندما قامت إدارة جونسون بعكس تقرير لوكالة الاستخبارات من أجل تبرير عمليات القصف الأولي لشمالي فيتنام. وأشار المسؤول إلى حالة إحباط شديدة داخل الجيش والاستخبارات: «الشبان يرفعون أيديهم في الهواء ويقولون: كيف يمكننا مساعدة هذه الشخص (أوباما). عندما يغير هو وأصدقاؤه في البيت الابيض تقارير الاستخبارات كما يريدون؟».

وتتركز الشكاوى على ما لم تكن واشنطن تملكه: أي تحذير مسبق عن المصدر المحتمل للهجوم. تقوم استخبارات الجيش منذ سنوات بتقديم ملخص استخباراتي سري جدا صباح كل يوم إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، كما أن نسخة منه تذهب الى مستشار الامن القومي (للبيت الابيض) ومدير الاستخبارات القومية. التقرير الصباحي لا يتضمن أي معلومات سياسية أو اقتصادية، ولكنه عبارة عن ملخص لأهم الأحداث الأمنية حول العالم، وكل المعلومات الاستخباراتية المتوافرة حول الموضوع.

قال لي مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات انه بعد الهجوم قام بمراجعة التقارير الصادرة بين 20 إلى 23 آب. وخلال يومين (20 و21 آب)، لم يكن هناك ذكر لسوريا. وفي 22 آب كان الموضوع الرئيسي عن مصر. وكان هناك تقرير عن تغيير داخلي في قيادة إحدى المجموعات المتمردة في سوريا. لم تتم الإشارة أبدا إلى استخدام غاز الأعصاب في دمشق في ذلك اليوم. لكن موضوع استخدام السارين أصبح القضية الرئيسية في 23 آب، برغم انتشار مئات الصور والأفلام عن المجزرة بعد ساعات على «يوتيوب» و«فايسبوك» ومواقع اجتماعية أخرى على الانترنت. في هذه المرحلة فإن الإدارة الأميركية لم تكن تعرف أكثر من الجمهور.

ترك أوباما واشنطن صباح 21 آب لجولة تستمر يومين في نيويورك وبنسلفانيا. وبحسب المكتب الإعلامي في البيت الأبيض فقد تم تقديم ملخص له عن الهجوم وتزايد الإحباط الإعلامي والشعبي. عدم وجود معلومات استخباراتية واضحة ظهر في 22 آب، عندما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بيساكي للصحافيين «لا يمكننا ان نحدد تحديدا أكيدا استخدام (أسلحة كيميائية)، لكننا نقوم بكل ما في وسعنا كل دقيقة منذ وقوع هذه الاحداث لمعرفة الحقائق».

في 27 آب، تشددت نبرة الإدارة الأميركية، عندما قال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني للصحافيين، من دون تقديم أي معلومات محددة، إن أي إيحاء أن الحكومة السورية غير مسؤولة «مثل الاقتراحات المنافية للعقل من ان الهجوم لم يحصل أبدا».

ويظهر غياب الإنذار الأولي داخل مجتمع الاستخبارات الأميركية انه لم تكن هناك أي معلومات استخباراتية بشأن النيات السورية في الايام التي سبقت الهجوم. وثمة طريقتان على الأقل كان يمكن للولايات المتحدة ان تعرف بهذا الأمر مسبقا: والأمران كُشف عنهما في الوثائق التي كشف عنها المستشار السابق في وكالة الأمن القومي ادوارد سنودن.

في 29 آب، نشرت «واشنطن بوست» مقتطفات من الموازنة الأولية لكل برامج الاستخبارات، قدمها لها سودن. وفي مشاورات مع إدارة أوباما، قررت الصحيفة نشر جزء صغير من 178 صفحة، مصنفة أكثر من سرية جداً، لكنها لخصتها، ونشرت جزءًا منها يتناول مناطق فيها مشاكل، وأحدها يشير إلى فجوة في التجسس على مكتب الأسد. وتوضح هذه الصفحات أن أجهزة الاستخبارات كانت قادرة على مراقبة الاتصالات بين القيادات العسكرية في بداية الحرب الأهلية هناك، لكن «يبدو أن قوات الاسد عرفت بهذا الامر في ما بعد». وهذا يعني انه لم يعد بمقدور الوكالة التنصت على المحادثات بين القيادات العسكرية في سوريا، والتي كانت ستعرف بالتأكيد ان الاسد أصدر أمر الهجوم بغاز الأعصاب. (في بياناتها الاعلامية منذ 21 آب، لم تدّع إدارة أوباما إطلاقاً أن لديها معلومات تربط الأسد نفسه بالهجوم).

يقدم تقرير «واشنطن بوست» أيضا إشارات على نظام إنذار سري داخل سوريا، مخصص لتقديم إنذار مبكر عن أي تغيير في حالة ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. أجهزة الاستشعار هذه مرتبطة بمكتب الاستكشاف القومي، وهي الوكالة التي تتحكم بأقمار التجسس في المدار. وبحسب الصحيفة فإن لدى المكتب أيضا «أجهزة استشعار على الأرض» داخل سوريا.
لقد قال لي مسؤول استخبارات سابق، على معرفة بهذا البرنامج، انه تم زرع أجهزة استشعار قرب كل مواقع إدارة الحرب الكيميائية المعروفة في سوريا، وهي مخصصة لتقديم معلومات فورية عن أي تحريك للأسلحة الكيميائية، لكن الأهم في إطار الإنذار المبكر هو قدرة أجهزة الاستشعار على إرسال إنذار الى الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية عندما يتم تركيب رؤوس صواريخ محملة بالسارين، حيث ان الرأس الصاروخي، عندما يحمل بالسارين، يبدأ بالتآكل فورا، فهو من نوع «أستخدمه أو أخسره».

وقال المسؤول «ليس لدى الجيش السوري ثلاثة أيام من أجل التحضير لهجوم كيميائي. لقد وضعنا نظام الاستشعار من أجل الحصول على معلومات فورية، مثل نظام الهجوم الجوي أو الحريق. لا يمكن أن يكون لديك إنذار لمدة ثلاثة أيام، لان جميع المتورطين قد يكونون قتلوا... لا يمكنك أن تستهلك ثلاثة أيام على عملية الاستعداد لإطلاق غاز الأعصاب».

أجهزة الاستشعار لم تتلقَّ أي حركة في الأشهر والأيام التي سبقت 21 آب، يقول المسؤول الاستخباراتي السابق.
من الممكن انه تم تسليم السارين إلى الجيش السوري بطريقة أو بأخرى، ولكن عدم حصول إنذار يعني أنه لم يكن بمقدور واشنطن مراقبة الأحداث في الغوطة الشرقية كما تدّعي.

لقد عملت أجهزة الاستشعار في الماضي، والقيادة السورية كانت تعلم بهذا الأمر. في كانون الأول الماضي تلقت أجهزة الاستشعار ما يشير الى عملية إنتاج للسارين في أحد مخازن الأسلحة. ولم يكن واضحاً على الفور ما اذا كان الجيش السوري يتدرب على إنتاج السارين كجزء من تدريب (كل الجيوش تجري دائما مثل هذا التدريبات) أو أنه كان يستعد لهجوم. في ذلك الوقت حذر أوباما علنا سوريا من أن استخدام السارين «أمر غير مقبول». رسالة مماثلة مررت عبر القنوات الديبلوماسية. وتبين في ما بعد أن هذا الامر يأتي ضمن سلسلة تدريبات بحسب مسؤول سابق في الاستخبارات. ويضيف «اذا كان ما التقطته أجهزة الاستشعار في كانون الاول الماضي مهما جدا للرئيس ليخرج ويقول: توقفوا، فلماذا لم يصدر الرئيس الإنذار ذاته قبل ثلاثة أيام من الهجوم بالغاز في آب؟».

وأشار الى ان وكالة الامن القومي تراقب كل الترددات التي تستخدمها القوات السورية، لكنها لا تقوم بعملية تحليل للمعلومات في وقتها، بل يتم حفظ المعلومات. وبعد معرفة حجم الهجوم في 21 آب فإن الوكالة بذلت جهدا كبيرا من أجل البحث عن تفاصيل الهجوم، وقامت بمراجعة أرشيف الاتصالات المخزنة لديها. ويوضح «ما حصل هو أن وكالة الاستخبارات بدأت بكلمة: استخدام السارين. ووصلت إلى ثرثرات قد يكون لها علاقة بالموضوع». وتابع «هذا لا يقود إلى تحليل ذي ثقة، إلا اذا قررت أن بشار الاسد أمر بذلك، وبدأت تبحث عن أي شيء يدعم هذا الاعتقاد». يشبه هذا الامر التبريرات التي صدرت بشأن غزو العراق.

لقد احتاج البيت الأبيض إلى تسعة أيام لفبركة قضية ضد الحكومة السورية. في 30 آب دعا البيت الأبيض مجموعة منتقاة من الصحافيين في واشنطن وسلمهم تقريرا كتب عليه «تقييم الحكومة» عوضا عن تقييم مجتمع الاستخبارات. كان التقرير عبارة عن خلاصة سياسية لدعم قضية الإدارة ضد حكومة الأسد. لكنه كان، على الأقل، أكثر تحديدا من أوباما في خطابه في 10 أيلول: إن الاستخبارات الأميركية عرفت أن سوريا بدأت «تحضير الذخيرة الكيميائية» قبل ثلاثة أيام من الهجوم.
وفي خطاب عدائي أكثر في ذلك اليوم، قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري المزيد من التفاصيل. قال إن «العناصر السوريين المتخصصين بالأسلحة الكيميائية كانوا على الأرض، في المنطقة، يقومون بالتحضيرات» في 18 آب. وأضاف «عرفنا انه تم إبلاغ عناصر النظام بضرورة الاستعداد للهجوم عبر وضع أقنعة واقية من الغاز واتخاذ الاحتياطات الخاصة بالأسلحة الكيميائية».

لقد كان هناك رد فعل على شكل شكوى من قيادة «الجيش السوري الحر» وآخرين بشأن عدم إصدار إنذار. وقال رزان زيتونة، وهو أحد المعارضين المقيمين في إحدى المناطق التي تعرضت للهجوم بالسارين لمجلة «فورين بوليسي» إنه «من غير المعقول أنهم لم يقوموا بأي أمر لتحذير الناس أو على الأقل إيقاف النظام قبل حصول الجريمة».

وبعد خمسة أيام رد متحدث باسم مدير مكتب الاستخبارات القومية على الموضوع. وقال لوكالة «اسوشييتد برس»: «لنكن واضحين، الولايات المتحدة لم تكن تراقب في الوقت الذي حصل فيه هذا الهجوم الرهيب. لقد قامت وكالات الاستخبارات بجمع المعلومات وتحليلها بعد وقوعها وتقرير أن عناصر في نظام الأسد اتخذوا احتياطات قبل استخدام الأسلحة الكيميائية».
هذا الأمر يتناقض مع ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 31 آب اعتمادا على تقييم الحكومة من أن الاستخبارات الأميركية كانت قادرة على تسجيل «كل خطوة» لهجوم الجيش السوري وقت حصولها «من التحضيرات المكثفة إلى إطلاق الصواريخ إلى ردود فعل المسؤولين السوريين بعد ذلك».

وهكذا فإنه عندما قال أوباما إن الإدارة الأميركية عرفت مسبقا أن عناصر متخصصة بالأسلحة الكيميائية قامت بالتحضير للهجوم فإنه كان يعتمد، ليس على الاتصالات التي تم اعتراضها وقت حصول الهجوم، بل على اتصالات تم تحليلها بعد 21 آب بأيام. وفسر المسؤول السابق في الاستخبارات هذا الأمر بأن ملاحقة الثرثرات تعود إلى التدريبات التي جرت في كانون الأول الماضي، والتي قال أوباما من بعدها إن الجيش السوري بدأ بتعبئة العناصر المتخصصة بالأسلحة الكيميائية ووزع أقنعة مضادة للغاز على قواته. لم يتحدث تقييم البيت الأبيض وخطاب أوباما عن الأحداث التي قادت إلى هجوم 21 آب، ولكنهما تضمنا وصفاً لسلسلة الأحداث بعد تدريبات أجراها الجيش السوري على هجوم كيميائي. وقال المسؤول الاستخباراتي السابق «لقد قاموا بتركيب قصة قديمة. وهناك الكثير من القطع والأجزاء المختلفة. إن القطع التي استخدموها تعود إلى كانون الأول الماضي».

هل هذا ممكن؟ بالتأكيد، فأوباما لم يكن يعرف أن حكمه صادر بناء على تحليل لبروتوكول تدريب للجيش السوري على هجوم بالغاز عوضا عن أدلة مباشرة. في كلتا الحالتين، فقد توصل إلى استنتاج متسرع.


وقال البروفسور في التكنولوجيا والأمن القومي تيودور بوستول، بعد معاينة صور الأمم المتحدة من موقع الهجوم في الغوطة، إن الصواريخ المستخدمة في الهجوم مصنعة محلياً، وهي لا تلائم الصواريخ المشابهة ــ والأصغر حجماً ــ التي يملكها الجيش السوري.

«جبهة النصرة»

ويقارب تحريف البيت الأبيض لما يعرفه عن الهجوم تجاهل المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن تقلل من أهمية حكايته. هذه المعلومات تتعلق بـ«جبهة النصرة»، المجموعة الاسلامية المتمردة التي وضعتها واشنطن على لائحة الإرهاب.

ويعود الاضطراب الاميركي حيال «النصرة» والسارين إلى سلسلة من الهجمات الصغيرة الحجم بأسلحة كيميائية في آذار ونيسان. في ذلك الوقت تبادلت السلطات السورية والمتمردين الاتهامات بشن هذه الهجمات. وفي النهاية أكدت الأمم المتحدة حصول أربع هجمات من دون تحديد المسؤول عنها.

قال مسؤول في البيت الأبيض للصحافيين في نهاية نيسان الماضي ان مجتمع الاستخبارات قيم «بدرجات متفاوتة من الثقة» أن الحكومة السورية تقف وراء الهجمات. إن تقييم نيسان كان عبارة عن عناوين، ولكن التحذير ضاع في الترجمة.
وقال المسؤول إن تقييم الاستخبارات «غير كاف وحده. نريد إجراء تحقيقات أبعد من تقييم الاستخبارات لجمع الحقائق لنعرف ماذا يجب أن نعمل». بكلمات أخرى فإن البيت الأبيض لا يملك أي دليل على تورط الجيش أو الحكومة السورية.

وبعد شهرين من ذلك، أعلن البيت الأبيض، في بيان، تغيير تقييمه، مشيرا إلى ان مجتمع الاستخبارات «لديه ثقة كبيرة» في ان الحكومة السورية مسؤولة عن مقتل 150 شخصاً في هجمات بالسارين، من دون تقديم إيضاحات حول من قدم التقرير. ويقول تقرير البيت الأبيض «لا نملك تقارير حول ان المعارضة في سوريا تملك أسلحة كيميائية أو استخدمتها».

ويتناقض هذا التقرير مع الادلة التي لدى الاستخبارات الأميركية. قال لي مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات، في نهاية أيار، ان وكالة الاستخبارات الأميركية قدمت ملخصا الى إدارة اوباما عن «جبهة النصرة» وعملها مع السارين، وانها أرسلت تقارير اخرى تحذر فيها من ان لدى جماعات سنية متشددة اخرى ناشطة في سوريا وتنظيم «القاعدة» في العراق معرفة بكيفية إنتاج السارين. في ذلك الوقت كانت جماعات «النصرة» تعمل في مناطق قريبة من دمشق، ضمنها الغوطة الشرقية.

لقد صدر تقرير للاستخبارات منتصف الصيف يتحدث عن زياد طارق احمد، وهو خبير في الأسلحة الكيميائية في الجيش العراقي، قيل انه انتقل إلى سوريا، ويعمل في الغوطة الشرقية. قال لي المستشار إن طارق «الذي يعرف بأنه رجل النصرة، معروف بأنه يصنع غاز الخردل في العراق وهو خبير في صنع السارين واستخدامه». لقد صنفه الجيش الأميركي على انه هدف رفيع المستوى.

في 20 حزيران، تم تحويل برقية سرية من أربع صفحات إلى نائب مدير مكتب الاستخبارات في وزارة الدفاع ديفيد شيد حول ما تم معرفته عن قدرة «النصرة» على صنع غاز الأعصاب. وقال المستشار «ما تم تقديمه إلى شيد عبارة عن ملخص مكثف. لم يكن عبارة عن مجموعة نحن نعتقد». وأوضح أن البرقية لا تتحدث عما اذا كان الجيش السوري أو المتمردون قد شنوا الهجمات في آذار ونيسان، لكنها تؤكد التقارير السابقة حول قدرة «النصرة» على الحصول على السارين واستخدامه. وذكّر بأنّ عميلاً إسرائيلياً استطاع إخراج عينة من السارين المستخدم في الهجمات، ولكن من دون أن يأتي ذكر لها في البرقية.ولعلّ تحريف الادارة للحقائق بما يخص الهجوم بالسارين يجبرنا على طرح سؤال: هل لدينا القصة الكاملة عن توجه أوباما للابتعاد عن تهديده بـ«الخط الاحمر» لضرب سوريا؟ لقد كان يزعم ان لديه قضية صلبة، ولكنه وافق فجأة على الذهاب الى الكونغرس، وبعد ذلك وافق على عرض الأسد لإزالة أسلحته الكيميائية. يبدو انه جوبه في وقت ما بالمعلومات المتناقضة: دليل قاطع يكفي لإقناعه بتغيير خطة الهجوم، وتحمل انتقادات الجمهوريين.

ان قرار مجلس الامن الدولي في 27 ايلول الماضي يدعو الى «عدم قيام أي طرف في سوريا باستخدام وتطوير والحصول ونقل وتخزين أسلحة كيميائية». كما يدعو جميع الدول الى إبلاغ مجلس الأمن عن «حصول أي مجموعة» على أسلحة كيميائية. لم يتم تسمية أي مجموعة بالاسم.

وفي حين أن السلطة السورية تواصل عملية إزالة ترسانتها من الأسلحة الكيميائية، فإن السخرية في ذلك انه بعد تدمير الترسانة السورية، فإن «النصرة» وحلفاءها يمكن أن يكونوا الوحيدين الذين يملكون مكونات السارين، وهو سلاح استراتيجي. وقتها قد يكون هناك مفاوضات إضافية.
__________
صحيفة السفير

الجمعة، 8 نوفمبر 2013

حرب باردة بين «داعش» و«النصرة» 

    نوفمبر 08, 2013   No comments
رضوان مرتضى
لم يُقطع نزاع «داعش» و«جبهة النصرة». خلاف «إخوة الجهاد» استحال جمراً كامناً تحت الرماد. وما تردد من أخبار عن اشتباكات مسلّحة دارت بين أبناء «المشروع الواحد» خلال الأيام الماضية، تدحضه فتاوى تحريم الاقتتال ودعاة وحدة الصف. ورغم أن العديد من العمليات العسكرية تجرى بقيادة مشتركة في ميدان «الجهاد»، غير أنّ حرباً من نوع آخر تدور رُحاها في ميدان الإعلام بين حملة الفكر «القاعدي»

لا يختلف عاقلان، عارفان بشؤون بلاد الشام، على أنّ الإمرة في الميدان السوري المعارض للنظام هي للجهاديين الإسلاميين. تنظيم هؤلاء وخبرتهم القتالية منحاهم الغلبة على بقية فصائل المعارضة المسلّحة، ومنحا مشروعهم «إقامة الدولة الإسلامية على منهاج النبوة وحاكمية الله في الأرض» فرصة حقيقية، في مقابل ضياع مشروع المعارضين المشتتين المنادين بالدولة المدنية.

ولا يختلف اثنان، أيضاً، على أنّ الخلاف المستجدّ بين أُمراء «القاعدة» على أحقيّة القيادة والإمارة منذ نيسان الماضي، يصبّ في خدمة النظام. ورغم ظهور ذلك جلياً في ساحات القتال، أعيا داء السلطة والإمارة، ولا يزال، المصلحين من «قادة الجهاد» الذين توافدوا للتقريب بين «أمير جبهة النصرة الفاتح أبو محمد الجولاني» و«أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام أبو بكر البغدادي». وكذلك بين زعيم «القاعدة» الشيخ أيمن الظواهري والبغدادي الذي بات أتباعه يُطلقون عليه رسمياً لقب «أمير المؤمنين». لم تُفلح محاولات المصلحين، وجزء لا بأس به منهم مقيم في لبنان، في سحب النزاع من التداول الإعلامي بعد استحالته مناظرات صوتية عبر رسائل مسجّلة على هيئة ردّ وردّ مضاد. بل تُسجّل نقطة لـ«جبهة النصرة» التي صمتت، رغم استيلاء مقاتلي «الدولة» على مقارّ ومستودعات أسلحة وذخيرة عائدة لها في حلب والرقة. عدا عن سكوت أتباع الجولاني عن استيلاء «الدولة» على بئر نفط كانوا يسيطرون عليها في دير الزور، لتفادي تطوّر الأمر بين إخوة الخط الواحد. وبحسب معلومات الإسلاميين، تمكّن المصلحون من إرساء هدنة مرحلية، خفتت خلالها السجالات الإعلامية. وبعض الاجتماعات عقدها ممثلون عن الطرفين، مع الوسطاء، في لبنان، بحسب مصادر إسلامية.
في موازاة ذلك، جهد أمراء الأحياء لدى كلا التنظيمين في سحب نقاش «أحقية الإمرة» من بين العناصر، ولا سيما بعد انعكاسه فرقةً بين المسلّحين الإسلاميين الذين انقسموا إلى معسكرين، يتّهم كل منهما أمير الآخر بـ«خطيئة الخروج عن طاعة الأمير». فالجولاني خرج عن طاعة أميره البغدادي لمّا لم يُذعن لإعلان اندماج «الجبهة» و«دولة العراق» تحت مسمّى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وبدوره، خرج البغدادي عن طاعة أميره الظواهري عندما رفض إلغاء الدمج وإبقاء القديم على قدمه. محاولات لملمة الخلاف نجحت جزئياً بين حملة السلاح، بعدما ترافقت بـ«فتاوى تشدد على حرمة إهراق الدم المسلم»، ورواج مقولة «تقديمُ الكبار العقلاء، وتأخيرُ الصغار الذين تشتعل بهم الفتن». غير أنّ الخلافات انتقلت من ميادين السلاح إلى منتديات النقاش والإعلام. واستعاض البعض عن التصريح بالتلميح، فوُجّهت سهام النقد إلى كل من «الجبهة» و«الدولة» من دون تسميتهما، فيما اختار آخرون تسمية الأمور بمسمياتها من دون أن يعبأ بشعارات «وحدة الصف وانفراط العقد». وجاء أكثر هذه النقاشات حدّة في رسالة عُنوِنت بـ«من مجاهد إلى الشيخ أيمن الظواهري». انطلق المُرسِل فيها باعتذار من مخاطبته أميره علانية بعدما ضاقت به السُبل لإيصال صوته. وخاض بعدها في ما سماه «إمارة السُّفهاء». لم يُسمِّ المرسِل الذي وقّع رسالته باسم «أبو بكر الدمشقي» جهة محددة بعينها، لكنّه لمح إلى الممارسات التي تُرتكب في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي «داعش». وتحدّث عن «غلاظة وسطوة لدى الجهة الحاكمة تتسبب بنفور كثير من المسلمين منهم»، مشيراً إلى استسهال إقامة الحدّ والإعدامات الميدانية بشكل عشوائي. وفي السياق نفسه، خاض آخرون في «توافر شروط بيعة أبو بكر البغدادي إماماً»، مشككين بتوافرها ولا سيما لجهة «غياب شرطَي وجوب التمكين في الديار ومبايعة أهل الحل والعقد من قادة الجهاد له». وتحدّثوا عن «انحراف الدولة عن المنهج بممارساتها» واتّهامهم لها بـ«التسبب بتشكيل الصحوات نتيجة أفعالها».
كذلك يؤخذ على أنصار البغدادي مبايعتهم لرجل مجهول الهوية. وانعقاد البيعة، بحسب الجهاديين، تشترط الإشهار والمعرفة. لذلك نشط المناهضون للدولة في بثّ حملات التشكيك بجواز البيعة. وإزاء ذلك، أصدرت «الدولة الإسلامية» ملخّصاً عن سيرة حياة «أمير المؤمنين البغدادي». فسردت أصله وفصله، مروراً بمآثره وسعة علمه واطّلاعه في المجال الديني والشرعي، لسحب الذرائع من المشككين.
كذلك ردّ أنصار «الدولة» على الاتهامات الموجهة إليهم، فاستعادوا الأحاديث النبوية، لإثبات مشروعية دولة البغدادي وصحّة بيعته، مشيدين بسعيه لإقامة الخلافة الإسلامية. وبرّروا القسوة بـ«ضرورة وجود سلطان قاهر قائم بأمر الدنيا والدين يُخضع الأقران». وذكّر أحدهم بأن «بن لادن كان زعيم تنظيم جهادي في أفغانستان من بين ثلاثة وعشرين تنظيماً، لم يخضع له الكثير إلا بعدما أحدث أثراً غيّر مسار التاريخ، وهذا من سنن اجتماع البشر، مؤمنهم وكافرهم». ليس هذا فحسب، بل نُشرت في المنتديات الجهادية كُتب للشيخ أبي همام الأثري تُشجع المقاتلين الإسلاميين على بيعة البغدادي (كتاب «مدّ الأيادي لبيعة البغدادي» نُشر على منتدى «التوحيد والجهاد»، وكتاب «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام» نُشر على شبكة «المأسدة»). وشهدت حسابات بعض الجهاديين المنتمين إلى كل من «الجبهة» و«الدولة» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً على حساب تويتر، الكثير من الانتقادات والاتهامات التي تطعن بمشروعية بعضها بعضاً وصحة مرجعيته الفقهية. لا بل في بعض الأحيان كان يقوم مؤيد للدولة بالتقليل من قيمة عملية قامت بها الجبهة، مشيداً بتنظيمه عبر استعادة عملية ضخمة سبق أن نفّذها.
رسائل الشكوى الموجّهة إلى الظواهري لم تنته. إذ لم تقتصر على الخلافات القائمة في الساحة السورية. فقد نقلت شبكة «أنا مسلم» نص رسالة من الشيخ أبو بكر الزيلعي المعروف بـ«إبراهيم أفغان» إلى الظواهري، تحت عنوان «إني أنا النذير العريان»، تطرّق فيها إلى «النزاعات الداخلية مع الأمير في حركة الشباب الصومالي»، متحدّثاً عن «انحراف داخلي يُهدد بضياع ثمار التمكين». يُشار إلى أن الزيلعي كان أكثر المقرّبين من الشيخ عبد الله عزّام. وقد رافق بن لادن في جبال تورا بورا أثناء تعرّضها للقصف، علماً بأنّه أوفد في ما بعد من قيادة القاعدة إلى الصومال في أواخر ثمانينيات القرن الماضي لـ«إحياء فريضة الجهاد في الصومال»، حيث افتتح أول معسكرات التدريب هناك.

حزب الله و«النصارى»

تداولت منتديات جهادية رسالة صوتية لـ«أمير كتائب عبد الله عزّام في بلاد الشام» الشيخ السعودي ماجد الماجد، تحت عنوان «نُصِرت يا شام». تطرّق فيها إلى النزاعات القائمة بين الكتائب الإسلامية في سوريا، داعياً إلى «تقديم الانتماء للأمة على الانتماء للجماعات»، باعتبار أن «النزاع فرقة لا يستفيد منها سوى أعداء الأمة الإسلامية». وخصّص الماجد القسم الباقي من رسالته للداخل اللبناني، قائلاً: «لقد أبرأنا ذمَّتَنا، وقدَّمْنا الإعذار»، معتبراً أنّه رغم ذلك لم ينسحب حزب الله من الأرض السورية. وخلص إلى أنّ «حزب الله الإيرانيّ ومصالحَه في لبنان أهداف مشروعة لنا وللثوار»، مضيفاً: «وما وصل إلى مناطقكم من صواريخَ في البقاع والهرمل والضاحية وغيرِها، لم يكن إلا مناوشات». كما وجّه رسائل أخرى؛ إحداها إلى السياسيين، داعياً الى أن يتدخّلوا لسحب مقاتلي الحزب من سوريا لتجنيب لبنان الحرب. وأخرى إلى «تكتلات النصارى التي تصطفّ في صف حزب الله بأن تبتعد عنه صوناً لدماء المسيحيين». وسمّى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بالاسم، معتبراً أنّه «يعمل ليلَ نهار في حرب أهل السنّة في لبنان ومطاردتهم وقتلهم واعتقالهم». وختم رسالته بدعوة صريحة إلى «العسكريين من أبناء أهل السنّة» بترك الجيش كون «قيادته عميلة لإيران»، مخاطباً إياهم بـ«إيقاظ ضمائركم وغسل ما مضى بتوبة نصوح ترجعكم جنوداً لأمّتِكم».

السبت، 5 أكتوبر 2013

تركيا و«خط الجهاد» من آدي يمان إلى حلب!

    أكتوبر 05, 2013   No comments
محمد نور الدين

اقتربت المعارك بين التنظيمات الموالية لتنظيم «القاعدة» في سوريا والمنظمات الأخرى، ولا سيما «الجيش السوري الحر»، من الحدود التركية. لم تعد «القاعدة» مجرد توقع أو احتمال، بل أصبحت فعليا «الجار» الجديد لتركيا كما اجمع المحللون في تركيا.
لكن ذلك لم يغيّر كثيراً من نظرة المسؤولين الأتراك الى المسألة، فالحكومة التركية لا تزال تنظر الى كل التنظيمات المسلحة المعارضة في سوريا، بما فيها «جبهة النصرة»، على أنها نتاج ممارسات النظام. ولذلك، لم يتجرأ اي مسؤول تركي، حتى الآن، على وصف تنظيم «القاعدة»، بكل متفرعاته في سوريا، بأنه «ارهابي»، بل اقتصر الموقف على إدراجه ضمن إطار «المنظمات الراديكالية».

ويتحكم في هذا الموقف اكثر من عامل:

الأول، هو ان انقرة لا تزال تحبس نفسها في هدف واحد، هو إسقاط النظام في سوريا مهما كلّف الأمر، وبمعزل عن الطريقة.
أما الثاني فهو ان تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» («داعش») نصّب نفسه عدواً للشعب الكردي في سوريا، ويحارب المسلحين التابعين لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي. ولتركيا مصلحة في ذلك لمنع نشوء أي كيان كردي في شمال سوريا.
وبرغم التباين الكبير في العلاقات بين أنقرة والرياض حول الملف المصري، وعزل جماعة «الإخوان المسلمين»، فإن انقرة كانت مستعدة لتجاوز الأمر، عندما لاحت فرصة لإسقاط النظام في سوريا، وذلك بعد تهديد أوباما بتوجيه ضربة الى سوريا، فسارع داود اوغلو الى زيارة الرياض لتمتين الجبهة المؤيدة لتوجيه ضربة الى سوريا.
وبرغم الخطر الذي تشكله التنظيمات الأصولية على الاستقرار التركي – بالنظر إلى أن لتلك التنظيمات مشروعاً يتجاوز الأنظمة القائمة ومن بينها النظام التركي – فإن نظام «حزب العدالة والتنمية» لا يزال الراعي الأكبر لمد «الجهاديين» بالسلاح وكل انواع الدعم، وهو يمتنع عن اتخاذ اي إجراء يمنع تمدد الخطر التكفيري و«الجهادي» الى الداخل التركي.
ونشرت صحيفة «راديكال» مؤخراً تحقيقاً مهمّاً عن «خط الجهاد» الممتد في الداخل التركي من آدي يمان الى الحدود السورية، والذي يعكس مدى الحرية التي يتمتع بها «الجهاديون» داخل تركيا، من أجل تجنيد الشبان الأتراك للجهاد في سوريا. وهو بخلاف «خطوط الجهاد» الخارجية الأكبر الممتدة من الشيشان وتونس وأفغانستان عبر تركيا الى سوريا.
وتقول الصحيفة ان «هذا الخط يبدأ في محافظة آدي يمان ويسير الى الحدود السورية مرورا بمحافظات بينغول وباتمان وأورفة وديار بكر». وتضيف ان «جبهة النصرة والقاعدة اتخذت مركزا لها في مدينة آدي يمان نفسها لتجند الشبان بين 18 و30 عاما، عبر مجموعات من 15 شابا يرسلون الى سوريا عبر كيليس وهاتاي (لواء الاسكندرون) المحاذيتين لسوريا».
وتضيف أن أهالي الشبان المختفين يذهبون بأنفسهم الى معسكرات «القاعدة» في سوريا باحثين عن أبنائهم. لكن امراء الحرب حوّلوا الموضوع الى ابتزاز، اذ كانوا يوافقون أحيانا على إعادة الأبناء الى أهلهم مقابل فديات مالية».
ويروي والد أحد هؤلاء الشبان قائلا ان «ابنه كان يستعد لامتحان الجامعة عندما بدأ سلوكه يتغير. يمنع شقيقاته البنات من الخروج ويناقش الوضع في سوريا قائلا: انتم لا تفهمون الاسلام. يجب ان نحارب ونجاهد في سوريا من أجل الإسلام».
ويقول الوالد: «لقد تبين لي لاحقا، بعد المتابعة، ان ابني يشارك في خلية من 5 الى 6 أشخاص يشاهدون خلالها أفلام فيديو تحض على العنف. وقد هددني أحد الأشخاص الذين يتولون إعداد هذه الخلية بعدم تتبع ابنه مرة ثانية. ومن ثم انقطعت أخبار ابني وعلمت لاحقا انه في حلب يحارب الى جانب الجهاديين».
اللافت في كلام الوالد انه أبلغ السلطات الأمنية بالأمر، فأجابوه بأن ابنه راشد، ويحق له ان يفعل ما يشاء. وما كان من الوالد إلا ان ذهب بنفسه الى سوريا وجال في اربعة معسكرات وجد فيها شبانا أتراكا من مختلف المدن التركية، وعندما كان يقول انه جاء من اجل استرداد ابنه، كان أمراء المسلحين يقولون له: «وهل أنت كافر كي تمنع ابنك من الجهاد؟ اغرب عن وجوهنا. إن رأيناك هنا مرة ثانية فسندفنك في الأرض. ابنك وغيره سيبقون هنا 45 يوما لتلقي دورة تدريبية ومن بعدها يمكن لك أن تراه».
ويروي والد آخر انه ذهب الى سوريا ليبحث عن ابنه مع دليل، وقد وجد ان زعماء الجماعة التي كان فيها قد غيّروا اسمه وأصبح «أبو موسى»، ولا يزال في سوريا. وتقول الصحيفة ان محافظ آدي يمان ومدير الأمن فيها قد رفضا إجراء اي مقابلة مع الصحيفة لاستيضاح الأمر.
_____
السفير

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

هل ينشأ تحالف سوري دولي ضد الإرهاب؟

    سبتمبر 20, 2013   No comments
زياد حيدر
قد لا يطول الوقت قبل أن تظهر فيديوهات جديدة مثيرة للغثيان من اعزاز، مع بسط تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) سيطرته عليها.
المعركة التي لم يكن من مفر منها، تأتي في سياق المنافسة الحادة القائمة بين القوتين العسكريتين القائمتين في الشمال، «الجيش الحر» الذي يشكل تحالف فصائل مختلفة، ليست متفقة سوى في أهدافها القريبة وهي مقاتلة النظام، وتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة».
التنظيمان الأخيران، و«داعش» هو الأقوى بينهما، يمتلكان طموحا عقائديا معروفا، يتمثل في إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ووضع اليد على كل من المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، كما آبار النفط التي تستطيع أن توفر للتنظيمين، ومن خلفهما التنظيم العالمي لـ«القاعدة» مصدر تمويل كبيرا، يتفوق على كل مصادر تمويل التنظيم التقليدية أو السابقة.

وتنطوي معركة اعزاز على أبعاد أكبر من إطار التنافس بين الطرفين، واستفزازات فروع «القاعدة» في المعارضة السورية لسائر التنظيمات، عبر حبس أطباء ميدانيين وناشطين للمعارضة المقربة من «الائتلاف الوطني» المعارض، مرورا في وقت سابق بقتل قياديين من «الجيش الحر».
إذ ان تقدم «داعش» في الشمال الحلبي بعد بسط سيطرتها على الرقة، ونفوذها الكبير في سائر الشمال الشرقي في سوريا يغيران سياق الحسابات، التي تميل منذ عامين لاعتبار أي تراجع لقوى الجيش السوري أو النظام، تقدما للحلفاء الغربيين الإقليميين المعادين له. وتمثل حالة «داعش» تقدما لخطر أكبر بنظر العالم من «خطر» انتصار الرئيس بشار الأسد على خصومه الداخليين، وفق الحسابات الغربية، الأمر الذي قد يغير وجهة حسابات العديد من الدول، ولا سيما بعد صفقة «الكيميائي».
ووفقا لخبراء غربيين، سبق أن عاصروا أزمات تتقارب مع الأزمة السورية بمعطيات متعددة، فإن «السير باتفاق جنيف لنزع السلاح الكيميائي السوري قد يرافقه السير بعملية أخرى، ستشكل سابقة في العلاقات السورية الدولية بعد عامين ونصف عام من المجافاة».
ويبنى الخبراء على معطيات ديبلوماسية وأخرى أمنية، إضافة للتطورات الميدانية المتمثلة بتقدم تنظيم «القاعدة»، واستيلائه على المزيد من المناطق كما تمكنه من تشغيل منظومات الدبابات والرادارات البسيطة ومضادات الطيران التقليدية التي استولى عليها في معاركه.
ويدخل في سياق المعطيات الديبلوماسية التنسيق الذي جرى بين الجانبين السوري والألماني في تبادل المعلومات الأمنية المتعلقة بتنظيم «القاعدة» وإمداداته اللوجستية ومد الكوادر الأجنبية الذي يصله تحديدا. ورغم أن الجانب الألماني يتحرك في الظل، منذ أشهر، وتتجنب دمشق الإعلان عن تحركه علنا، إلا ان نشاط الديبلوماسية الألمانية لا يجري من دون متابعة أميركية حثيثة، وتنسيق غير مباشر بين عضوي حلف شمال الاطلسي، وذلك بينما تبقي دول أخرى على علاقات تواصل مع سوريا، كالنمسا واسبانيا واليونان وبعثة الاتحاد الأوروبي ودول شرقية أوروبية، ظلت تحتفظ بمنظور خاص للأزمة السورية، وأبقت على استقلالية قرارها باستمرار التواصل مع أركان السلطة في سوريا، وإن ضمن حدود دنيا، ومن دون إعلان.
من جهتها، تقدمت مصر في الصف العربي عن سائر الدول، وأجرت اختراقا في نظرة الجامعة العربية للأزمة السورية، باعتبارها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري. وقام وفد عسكري رفيع المستوى، منذ شهر تقريبا بزيارة خاصة لسوريا، التقى خلالها ارفع القيادات العسكرية السورية. ووفقا للمصدر الموثوق الذي اطلع «السفير» على هذه المعلومة، أراد الجيش المصري «الاستفادة من تجربة الجيش السوري في حربه على الإرهاب» ولا سيما أن الجيش يخوض حرب عصابات منذ عامين تقريبا.
ورغم تفادي الطرفين الإعلان عن الزيارة أو الإشارة إليها، إلا ان الجانب الأميركي أحيط بها علما، وذلك ضمن إطار «تقدير المخاطر الذي ينطوي عليه نمو وتمدد تنظيم القاعدة في الشرق العربي» انطلاقا من سوريا ومرورا بسيناء على حدود إسرائيل.
وتشكل مصر، من دون شك، عنصر ثقل رئيسيا في هذه العملية، وساهم التحول الهادئ في موقفها نحو دمشق بخلق ارتياح كبير لدى القيادة السورية، وإن كانت حاجة دمشق لدور مصري قيادي تبقى مرهونة بالتطورات المصرية الداخلية.
وفي سياق التحضير لتحالف «ضد الإرهاب» تسعى دمشق لحشد أكبر حملة «تسويق» ممكنة، لتوضيح التهديد الذي تشكله تنظيمات مثل «داعش» و«جبهة النصرة» على الشرق المتنوع والعالم ايضا. ورغم أن مهمة كهذه تبدو سهلة في ضوء الإجرام العلني الذي تفاخر به هذه التنظيمات، إلا ان الرهان على دفع الرأي العام الغربي نحو تحول اوضح في نظرته للأزمة في سوريا يستمر، ويشارك به، إلى جانب حلفاء سوريا، ناشطون وأعضاء كونغرس سابقون، كالذين زاروا دمشق أمس الأول والتقوا الأسد.
ويعتقد خبراء أن المدة الطويلة التي ستستغرقها عملية نزع «الكيميائي»، والمحادثات التي ستجري في سياق هذه العملية، كما ضرورة وجود قوات دولية متخصصة لحماية بعض المواقع، والخطر الذي ينطوي عليه وجودهم على الأرض السورية، سيدفع الدولة التي تمثل رأس حربة الحرب على النظام، إلى تغيير بعض حساباتها، حتى لو جاء ذلك في إطار نصوص سياسية باهتة، لاجتماع «جنيف 2» المرتقب، خصوصا أن واشنطن التي تعتقد أنها حصلت على صفقة تاريخية، بموضوع «الكيميائي» السوري، تنظر في النهاية، إلى مصالحها ومصالح إسرائيل فقط.
بالامس، قال الاسد في مقابلته التلفزيونية، ان «المشكلة الآن هي في تسلل أولئك الإرهابيين إلى سوريا. والمشكلة الأخطر التي نواجهها هي أيديولوجيتهم، وهذا أهم من نسبة المناطق التي نسيطر عليها نحن أو التي يسيطرون عليها هم. في المحصلة فإن أعدادا كبيرة منهم أجانب وغير سوريين وسيغادرون يوما ما أو سيقتلون داخل سوريا، لكن أيديولوجيتهم ستظل مصدر القلق الأكبر لسوريا والبلاد المجاورة. وينبغي أن يكون هذا مصدر قلق لأي بلد في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة».

السبت، 17 أغسطس 2013

لا انتحاري في تفجير الرويس... والقتلة معرفون: وقائع خطط التــكفيريين ضد المقاومة وناسها

    أغسطس 17, 2013   No comments

لبنان على حافة الهـاوية: الردع أو الانهيار



ابراهيم الأمين
منذ اعلان حزب الله انخراطه العلني في المعركة الى جانب الجيش العربي السوري ضد المجموعات التفكيرية، وضعت الاجهزة غير المدنية في الحزب تقديرات حول ردات الفعل سياسيا وطائفيا واعلاميا وامنيا وعسكريا. وكان متوقعا ان تبادر مجموعات المعارضة السورية المسلحة الى اطلاق صواريخ من مناطق الحدود باتجاه مناطق بعلبك الهرمل، وأُخذ بالحسبان انّ من الضروري المسارعة الى اتخاذ اجراءات تصعّب الأمر.
كذلك تحسبت المقاومة ومعها اجهزة رسمية لإمكانية قيام مجموعات مسلحة متطرفة، سورية وغير لبنانية، بعمليات امنية في العمق اللبناني وعدم الاكتفاء بمنطقة البقاع. وأعدت مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني قوائم تحذير ربطاً بما لديها من معلومات جمعتها من مصادرها المباشرة، او بالتعاون مع اجهزة امنية خارجية عن نشاط مجموعات متطرفة على صلة بتنظيم القاعدة. والمشكلة ان الجيش واجه حملة من انصار فريق 14 اذار بقيادة تيار «المستقبل» تحت عنوان انه لا وجود لمثل هذه المجموعات في لبنان. ومع ذلك، فقد واصل الجيش اجراءاته الاحترازية، وتعرض لعدة هجمات مباشرة من جانب هؤلاء، ولم تفلح محاولاته في الوصول الى اماكن يعيشون فيها داخل بلدة عرسال، او في الجرود التابعة لها.

ومع مرور الوقت، بدا واضحا ان هذه المجموعات قررت وضع خطة عمل تستفيد من خلالها من مجموعة عناصر، أبرزها الفوضى الامنية وعدم وجود تنسيق بين الاجهزة الامنية الرسمية، ووجود غطاء سياسي واعلامي لها يصل الى حد تبرير أفعالها، من خلال تحميل حزب الله مسؤولية اي عمليات امنية تحصل في مناطق نفوذه، إضافة الى شن حملة على كل محاولة لدخول منطقة عرسال، او بعض المخيمات الفلسطينية، كذلك الحملة غير المسبوقة التي تلت احداث عبرا شرقي صيدا.
وكانت العملية الاولى في بيروت من خلال قصف الضاحية الجنوبية بصواريخ كاتيوشا، وتكررت العملية لكن من خلال استخدام منطقة في كسروان، بعدما اتخذت اجراءات في مناطق عرمون وبشامون والتلال المشرفة على مطار بيروت والضاحية، لكنّ الاسترخاء الامني سمح لهذه المجموعة بالعودة الى هذه المنطقة، والقيام بحركة مراقبة ورصد ونقل لوجستي بين البقاع وبيروت وصيدا والمخيمات الفلسطينية في اكثر من منطقة، حيث جرى الإعداد لمشاريع ارهابية جديدة.
بعد تفجير بئر العبد في التاسع من تموز الماضي، سارعت مديرية الاستخبارات في الجيش الى تفعيل انشطة المكافحة لهذه المجموعات، وجرى تقاطع يومي للمعلومات مع جهاز امن المقاومة، بينما ظل فرع المعلومات «بليداً» لا يقوم بانشطة جدية، رغم التواصل الذي جرى بينه وبين استخبارات الجيش اللبناني من جهة، وحزب الله ايضا.
وخلال ثلاثة اسابيع كانت المعلومات الاساسية قد توافرت بفعل اخطاء ارتكبها الجناة، وبفعل اعمال متابعة وتحقيقات حرفية من نوع خاص. وجرى التوصّل الى نتائج اولية اتاحت التعرف إلى عدد من الاشخاص، حيث نُفّذت عمليات توقيف لبعضهم، ما ساعد على كشف بقية التفاصيل، بينما توارى الاخرون عن الانظار، علما ان كل عمليات الرصد تؤكد وجودهم في بلدة عرسال او في محيطها. وهو امر لا ينفيه ضباط من فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي ايضا.
وبعد تفجير الرويس، وجدت قيادة الجيش ان المطلوب المباردة الى خطوات عملانية وعلنية، لوضع الجميع امام مسؤولياتهم، فكان القرار الصعب الذي صدر أمس، وقضى بان يصدر وزير الدفاع فايز غصن بياناً يضمّنه المعلومات المفصلة الموثقة والاكيدة لدى مديرية الاستخبارات، وخصوصا أن الجيش يعاني بقوة حملة الانتقادات التي يتعرض لها منذ وقت بعيد من قبل فريق 14 اذار، وهي الحملة التي تكثفت بعد احداث عبرا، وبعد التوصّل الى معلومات عن نية فريق 14 اذار، وتيار «المستقبل» على وجه الخصوص، منع اي عملية دهم او متابعة امنية في بلدتي مجدل عنجر وعرسال.
وبحسب مصادر التحقيق، فقد امكن التوصل الى معلومات منها:
ـــ المجموعة التي تولت اطلاق الصواريخ على الضاحية الجنوبية تتكون من فلسطينيين، أبرزهم يُدعى أحمد طه، وهو متوارٍ حاليا في بلدة عرسال. ويتولى إدارة طه وتحريكه احد المسؤولين في تنظيم اسلامي فلسطيني معروف. وجرى شراء الصواريخ من احد المخيمات الفلسطينية في بيروت.
ـــ المجموعة التي اعدت ونفذت التفجيرات على طريق شتورا ـــ المصنع، وشتورا ــ زحلة، اتخذت من بلدة مجدل عنجر قاعدة لها، وهي كانت تتولى مراقبة الطرقات المؤدية الى سوريا مباشرة، او الى بعلبك، واعدت قائمة بسيارات تعتقد انها مخصصة لنقل كوادر او مقاتلين من حزب الله الى سوريا. وقد صارت لائحة الأسماء والتفاصيل الخاصة بها لدى مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني. وحاولت المديرية اعتقال عدد منهم مرات عديدة، لكنها ووجهت بمقاومة تدل على «إقامة محصنة» لهؤلاء في بلدة مجدل عنجر.
ـــ المجموعة التي كُلفت إعداد السيارات المفخخة وتفجيرها في الضاحية الجنوبية، كذلك العبوات على طريق الهرمل، اتخذت من عرسال قاعدة لها. وقد جمعت مديرية استخبارات الجيش اللبناني المعلومات المفصلة عن هؤلاء، وأورد الوزير غصن بعض الاسماء في بيانه امس، علما ان ح. الحجيري، هو الاسم الاكثر شهرة بين هؤلاء، بعدما تولى بنفسه وضع متفجرة بئر العبد الاولى في 9 تموز الماضي.
ـــ اتُّخذ القرار بتفجيرات الضاحية قبل اكثر من شهر ونصف شهر، وكُلّفت مجموعة بينها ح. الحجيري التوجه الى بيروت يوم 8 تموز الماضي، بسيارة ضمته واخرين، مع حقائب تحوي كمية كبيرة من المتفجرات والصواعق الخاصة بها. وأُبلغت هذه المجموعة ضرورة الحصول على سيارة من المنطقة القريبة من الضاحية وسرقتها وتفخيخها، وهو الامر الذي جرى نهاية نهار 8 تموز على شاطئ خلدة، حيث ترجل مسلحان من سيارتهما نحو سيارة كيا كانت تقف الى جانب الطريق، وبداخلها فتاة شيعية ومعها شاب سني، وأُجبرا على الخروج من السيارة التي عمد المسلحون الى نقل حقائب المتفجرات اليها، قبل الانطلاق بها نحو منطقة قريبة من الضاحية، بينما توجهت الفتاة صاحبة السيارة الى مخفر قريب لقوى الامن الداخلي، متقدمة بشكوى عن سرقة السيارة، واعطت مواصفات السارقين والسيارة التي كانت بحوزتهم، لكنّ قرار التنفيذ كان متخذا مسبقا، حيث توجهت سيارة الكيا بعد تفخيخها، ويقودها ح. الحجيري الى الضاحية عبر طريق مطار بيروت، ووصلت الى المرأب في بئر العبد، حيث تركت ثُم فُجّرت لاحقاً عن بعد.
ـــ كذلك تولّت مجموعة من الفرقة إياها سرقة سيارة بي ام اف وتفخيخها بكمية كبيرة من المتفجرات، وقادها احد اعضاء المجموعة الى منطقة الرويس أول من أمس، وركنها قرب صالون للحلاقة هناك، لتنفجر بعد نحو 15 دقيقة من مغادرته المكان. بحسب ما اظهرت التحقيقات الجارية الان.
ـــ وتشير معطيات التحقيقات الاولية الى ان المجموعة نفسها تقف خلف عمليتي التفجير في الضاحية الجنوبية، رغم حصول محاولة للتضليل من خلال بعض الاسماء.
كذلك تشير التحقيقات، الى ان ادارة الملف بكاملة عهد بها الى اشخاص من بلدة عرسال، ليسوا منتمين سابقا الى اي تنظيم اسلامي، لكن تولى ادارة عملهم وتمويلهم والتخطيط لهم واختيار الاهداف ثلاثة اشخاص، بينهم سوري وفلسطيني وسعودي. وهؤلاء يتبعون بواسطة جهة اخرى لجهاز امني تابع لدولة خليجية كبرى.

___________

الأحد، 28 يوليو 2013

صالح مسلم محمد: تركيا مرغمة بسبب الوضع في الشرق الأوسط، فإما أن تنقسم، وإما أن تجد حلاً لأكرادها، وربما للأكراد في الجوار، لما لا. وأنا لم أدعَ بصفتي الشخصية، وهي بادرة جيدة جداً ترسخ العلاقات مع الأتراك وتسهل التفاهم وتخفف من العداء

    يوليو 28, 2013   No comments
محمد بلوط
يومان تركيان لصالح مسلم محمد بعد 30 عاماً من القطيعة، والعودة الأسبوع الماضي كانت للتفاوض على وقع اشتباك سياسي واسع عنوانه التلويح بكيان كردي في شمال سوريا، وآخر عسكري مع «جبهة النصرة»، التي تنزل القطارات التركية في محطة رأس العين المئات من مقاتليها لمحاربة رفاق الأمين العام لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» (بي يي دي).
تجرع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وصول الوافد الكردي، ورفيق عبدالله أوجلان بالكثير من الازدراء العثماني «سيقابل رئيس الاستخبارت حقان فيدان ليقول له إنه لن يكون هناك حكم ذاتي كردي في الشمال السوري». في الواقع لم يصافح زعيم الـ«بي يي دي» السوري أحداً من الأمنيين الأتراك. واكتفى بلقاء كبار المسؤولين السياسيين في وزارة الخارجية التركية. وهو سيعود قريباً إلى اسطنبول.
 
 متغيرات كثيرة جعلت الأتراك يلتقون برفيق أوجلان السوري، ومن بينها تحطم الإستراتيجية التركية بعزل القوة الكردية الرئيسة في المعارضة، ومنعها من الانضمام إلى أي من الأطر الخارجية من «المجلس الوطني السوري» فـ«الائتلاف السوري»، وإخفاق الائتلاف بإيجاد تمثيل كردي ذي مصداقية، جعل الأتراك يلجأون إلى ضم «الديموقراطي الكردي» إلى إستراتيجيتهم في المنطقة، بالإضافة إلى فشل محاولات تحجيمهم عسكرياً، وانتصارهم في رأس العين، ووصول وحدات الحماية الشعبية الكردية إلى المعابر الحدودية، بالتزامن مع الحديث عن إدارة ذاتية كردية لا رادع داخلياً لها في الشمال السوري، ما جعل من الأكراد رقماً إقليمياً صعباً لا بد من التفاوض معه.
وفي الآتي مقابلة أجرتها «السفير» مع صالح مسلم لمناسبة زيارته التركية الأخيرة وتطورات الأحداث في شمال سوريا:
÷ صالح مسلم محمد، ما هي المتغيرات التي جعلت زيارة تركيا ممكنة، بعد كل القطيعة المعروفة بينكم؟
ـ الأتراك لديهم فوبيا من القضية الكردية، وخلال القرن العشرين حاربوها. وهناك اليوم تغيير في النظرة التركية للقضية الكردية، واعتراف بها، وهناك اتجاه تركي لحلها بين أكراد تركيا والسلطة التركية. وهذا يلقي بظلاله على الأكراد الآخرين، لذلك يريد الأتراك إقامة علاقات جيدة مع كل الأكراد.
وهم لديهم علاقات تجارية واقتصادية ممتازة مع اكراد الجنوب، كما أنهم في الطريق لحل مشاكلهم مع أكراد الشمال، وبدأوا يتقبلون اكراد غرب كردستان.
÷ ما الذي جعلهم يختارون هذه اللحظة للحوار معكم، هل الأمر من ضمن الاتفاق التركي مع أوجلان؟
ـ تركيا مرغمة على ذلك بسبب الوضع في الشرق الأوسط، فإما أن تنقسم، وإما أن تجد حلاً لأكرادها، وربما للأكراد في الجوار، لما لا. وأنا لم أدعَ بصفتي الشخصية، وهي بادرة جيدة جداً ترسخ العلاقات مع الأتراك وتسهل التفاهم وتخفف من العداء. ويعرف رفاقنا في هيئة التنسيق الوطنية مدى الضغوط التركية لإخراج حزبنا من صفوف الهيئة. اليوم انقلبت الأوضاع، ويريد الأتراك أن ندخل الائتلاف لكي يصبح «بي يي دي» محوراً للمعارضة السورية. يريدون أن يقود الـ«بي يي دي» المعارضة، وهذا تغيير كبير.
÷ كيف يشجعونكم على القيام بدور اكبر في المعارضة، وهل يقبلون بشروطكم وبمشروع الإدارة الذاتية في الشمال، وهم يقاتلونكم في الوقت ذاته عبر «جبهة النصرة» التي يدعمونها، وغيرها؟
ـ هنا المشكلة. نحن لا نعرف من يأمر من داخل هذه الفصائل «الجيش السوري الحر» أم «جبهة النصرة».
÷ هل تحدثتم مع الأتراك بهذه المسألة، وكيف ستنضمون إلى الائتلاف بينما تقاتل مجموعة كبيرة من فصائله من «اللواء 313» إلى «الفرقة 11» و«أحرار الرقة»، وحدات الحماية الشعبية الكردية؟
ـ لا لم نتحدث مع الأتراك بذلك. المشكلة هنا، قلنا «الجيش الحر» العلماني، الذي يقاتل من أجل الديموقراطية مستعدون للتفاهم معه. ولكن «الجيش الحر»، الذي نعرفه هو عبارة عن فصائل صغيرة، ولكن من يقود فعلاً هي المجموعات السلفية من «جبهة النصرة»، و«غرباء الشام»، و«أحفاد الرسول»، و«أحرار الشام» وغيرهم. ومن المستحيل ان نتعامل مع هؤلاء.
÷ الأتراك ضيقوا عليكم الحصار اقتصادياً وسياسياً، وأغلقوا في وجهكم ابواب الائتلاف، أقفلوا المعابر من المناطق الكردية، ومنعوا عبور الإغاثة، ثم سلطوا عليكم «جبهة النصرة»، كيف الصورة بعد الزيارة؟
ـ هناك تغيير جذري في الموقف التركي، ونتمنى أن يكون ذلك صحيحاً، ومن المحتمل أن نلتقي مجدداَ مع الأتراك لنرى اين اصبح تنفيذ ما اتفق عليه من خطط: تقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية، وفتح معبر الدرباسية، وتعهد الأتراك بمساعدتنا في التخلص من «جبهة النصرة» بأي شكل.
÷ كيف ؟
ـ من الممكن أن يقوموا بالضغط على «الجيش الحر» بإبعادهم عن مناطقنا.
÷ لكن «النصرة» وغيرها تأتي من تركيا؟
ـ هنا المشكلة، لا تستطيع أن تقول لمسؤول كبير أنت كاذب، أنت تدعمهم، وهو يقول لك إنه لا يدعمهم. ومعلومات رفاقنا لا تكذب.
÷ التفاهم الأهم هو حول الإدارة الذاتية؟
ـ حول الإدارة المدنية الانتقالية، والإدارة المدنية الذاتية هي الهدف الأبعد.
÷ ولكن كنتم تتحدثون عن إدارة ذاتية؟
ـ هناك سوء فهم. نحن نتحدث عن إدارة مدنية انتقالية تنبثق عن انتخابات محلية خلال ستة أشهر وثم برلمان، وهو ما سيشكل جزءاً من الحل السوري المستقبلي. ولم يعترض الأتراك عندما عرضت عليهم مشروعنا وتفهموا موقفنا. كانوا قد فهموا في البداية خطأ او ظنوا انها حكومة امر واقع، وادارة ذاتية، ولكن شرحت لهم أنها ادارة مدنية انتقالية لكردستان الغربية تضم كل المكونات العربية والكردية والمسيحية.
÷ أنزلتم المشروع إلى مستوى «بلدي»، أقل من «الوطني» الذي كان مطروحاً ومتداولاً عبر ما نشر من وثائق، وخصوصاً مشروع الدستور؟
ـ مشروعنا الحالي هو إدارة محلية من المستوى البلدي، أما مشروع الإدارة الذاتية فهو مشروع حل مستقبلي من ضمن الحل الشامل لسوريا، فيطرح خلال المفاوضات في جنيف او غيرها. نبدأ بالإدارة المدنية الانتقالية لأن الحل السوري الشامل قد يتأخر، أما مسودة الدستور التي تم تداولها فهي مجرد دراسة لما يمكن ان يكون عليه الدستور في المستقبل، وقد طلبناها من لجنة كلفناها بذلك، لم نقم نحن بتسريبها.
÷ الدستور هو الدولة؟
ـ نعم وهو مرحلة من المراحل اللاحقة.
÷ هل من الممكن أن يتدخل الجيش التركي في المناطق الكردية في سوريا لو تقدم مشروعكم الوطني للإدارة الذاتية؟
ـ لا أبداً، الأتراك سيفكرون ألف مرة قبل الإقدام على ذلك. وهم يرون المقاومة التي نبديها في المنطقة، كما يرون أن لا احد غيرنا يقاوم بشراسة هؤلاء الوحوش القادمين من القرون الوسطى، ستكون مقاومتنا شرسة.
÷ حول مؤتمر جنيف، هل غيرت الإدارة الانتقالية موقع الأكراد في أي مفاوضات سياسية مقبلة حول سوريا، سيكون الملف الكردي مستقلاً؟
ـ من المفروض أن يتغير هذا الموقع، وسيكون الملف الكردي بالطبيعة مستقلاً عن بقية الملفات، ولديه تصور للحل مختلف، وخلال 40 يوماً سيكون لدينا الإدارة الانتقالية، وهي ستوفر إطاراً اوسع من الهيئة الكردية العليا وأكثر شرعية.
÷ هل ستكونون في وفد منفصل داخل المعارضة؟
ـ لن نكون سبباً في تشتت المعارضة، اذا اتفقنا على وفد مشترك سنذهب معاً. ولكننا سنعين في الهيئة الكردية العليا من يمثلنا إلى تلك المفاوضات. وإذا لم تتفق اجنحة المعارضة في الائتلاف والهيئة على توحيد الوفد، فمن المستحسن عندئذ ان نذهب بوفد منفصل. ونحن نرى انهم لن يتوحدوا.
÷ هل ستقبل المعارضة بطرح المسألة الكردية بشكل منفصل في المفاوضات، وخصوصاً الائتلاف الذي يرفض ذلك؟
ـ بوسعنا أن نقلب الطاولة على الجميع كقوى موجودة على الأرض. حالتنا حالة خاصة.
÷ هل هو امتداد للاشتباك السياسي المستمر مع الائتلاف؟
ـ من يقاتلنا سواء في «الجيش الحر» او المجلس العسكري او غيره لا يتلقى اوامره من الائتلاف. وبرغم الحديث عن المفاوضات، إلا أن لا احد في الائتلاف يستطيع أن يفرض على هؤلاء أي حل لا يريدونه.
___________

«السفير»

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.