ربى الحسيني
قمة عربية استمرت خمس دقائق... أطراف غير راضية ولكنها لا تجرؤ على التعبير عن رأيها، خصوصاً لقطر، فمصالحها بيد من يسيطر فعلاً على القرار العربي المشترك.
إمارة صغيرة جعلت حتى السعودية تقف خلفها، وتؤجل خلافها معها إلى ما بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، ليتحول الخلاف إلى من سيحل مكانه.
هنا مقاطع من رواية القمة العربية الأخيرة في الدوحة (26 – 27 آذار الماضي)، حين سُلِّم «لائتلافُ السوري» مقعد سوريا في الجامعة، ترويها مصادر مطلعة لـ«السفير»:
÷ ما حصل، لا يتفق مع أي قاعدة قانونية، وهو مخالف لقرار الجامعة العربية الصادر في اجتماع المجلس الوزاري للجامعة في السادس من آذار العام 2012.
÷ ما تريده قطر تستطيع فعله، حتى ولو كان رمزياً، ولا يمت لما يحصل على الأرض بأية صلة، فالشعب السوري، وثورته ومستقبله، آخر ما يهم الإمارة الصغيرة: زعامتها أولاً... وأخيراً.
ما حصل في قمة الدوحة الأخيرة، بحسب المصادر، هو أن «الدول الخليجية عينت سلطة في سوريا: هذا هو الرئيس وهذا هو رئيس الحكومة».
وكما هو معروف، فإن قرار استبدال «السلطة» السورية في الجامعة كان جاهزاً ومحسوماً، فقطر لم تكن على استعداد حتى لمناقشته، تضيف المصادر.
دخل المجتمعون إلى الجلسة. جلسوا لفترة خمس دقائق، ثم خرجوا، من دون أي نقاش.
ومن المعروف أن دولتين فقط تحفظتا على القرار، وهما الجزائر والعراق. أما غالبية الدول الأخرى، بحسب المصادر، فوافقت برغم معارضتها المخفية.
وتصف المصادر ما حصل أو يحصل في الجامعة منذ بدء الأزمة السورية: «يوجد طرف ناشط في اتجاه معين، وأطراف أخرى لا تتفق مع نشاطه أو رأيه، لكنها توافق على أي قرار من دون أي اعتراض علني، وذلك حفاظاً على مصالحها الخاصة، ولعدم اضطرارها إلى إحداث أي صدام بسبب قضية تعتبرها رمزية ولا تؤثر على الأرض».
ولأن قرارات الجامعة لا تصدر عادة بالإجماع - وهي بالتالي لا تلزم من يؤيدها – فإنّ الدول العربية لا ترى خسارة في أي قرار غير مؤثر يصدر عن هذه القمة أو تلك.
وباختصار، فإن ما حصل في الدوحة «لا تنطبق عليه أية قاعدة قانونية»، بحسب المصادر، فالقرار ليس طرد دولة بل استبدال سلطة دولة، وذلك لا يعكس سوى منطق الوهن والضعف الذي أصاب الجامعة منذ زمن.
وبمقارنة هذا القرار بالوضع الليبي، يتثبّت غياب المنطق القانوني عنه كلياً، فحين تقرر تسليم «المجلس الوطني الانتقالي» مقعد ليبيا، كان قرار بهذا الخصوص قد صدر فعلاً عن مجلس الأمن الدولي، ووقتها كان النظام الليبي قد خسر نفوذه على العاصمة طرابلس ومناطق عدة كانت وقعت تحت السيطرة الكاملة للمعارضة المسلحة، وبالتالي فإن عناصر السيادة كانت كلها موجودة.
ولكن الأمر يختلف تماماً في الحالة السورية، فالنظام لا يزال موجوداً في دمشق، وما زالت دول عدة تعترف بشرعيته، عدا أنه لا يزال ممثلاً في الأمم المتحدة، وهذا ما يخلق التناقض الرهيب بين الجامعة العربية والأمم المتحدة.
وبالرغم من أن قطر وحلفاءها سيتحركون من أجل طرد النظام السوري من الأمم المتحدة، إلا أن ثمة دولاً عديدة ستقف ضدهم خوفاً من حدوث سابقة قد تنقلب عليهم مستقبلاً.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، فمما يضاعف غياب المنطق، هو أن القرار بحد ذاته يتناقض مع آخر سبق ان صدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، ودُعيت فيه المعارضة السورية إلى تشكيل هيئة انتقالية أو موقتة.
وبموجب الآلية المقترحة، فإنّه بعد تشكيل هذه الهيئة المعارضة، يقوم رئيسها الذي يصبح بمقام رئيس دولة أو من يصبح «رئيس الحكومة» أو «وزير الخارجية» بتوجيه رسالة إلى الأمين العام للجامعة العربية يحيطه علماً فيها بأن هذه الهيئة قد شُكلت، وبالتالي يُعين مندوب دائم لها لدى الجامعة. ولكن هذا كله أصلاً لم يحدث. ما يعني أن القواعد الإجرائية قد تم التغاضي عنها.
تضيف المصادر أن الأمانة العامة للجامعة سعت بالفعل لتوضيح هذه الفكرة، فالقرار يناقض ما سبقه، ويفتقر إلى الصفة القانونية، لكنّ أحداً لم يسمع.
ومن المفارقات، أن الدول العربية المعترضة على هذا القرار أو غيره، لا تجرؤ على الإعلان عن موقفها، خوفاً على مصالحها المرتبطة بدول الخليج وخصوصاً قطر، فتلجأ إلى الأمانة العامة للجامعة.
وعلى سبيل المثال، يأتي المصريون ويقولون: «إن هذا غير ممكن»، ويطلبون من الأمانة العامة التدخل، ولكن الأخيرة ليست دولة وليست صاحبة القرار. وحين تطلب الأمانة العامة من مسؤولي هذه الدول العربية التعبير عن رأيهم، يتحججون «بالحسابات»، وهذا ما حصل فعلاً مع سلطنة عُمان، التي لا تستطيع الخروج عن القرار الخليجي.
يضاف إلى ذلك كله، بحسب المصادر، ان ما حدث في قمة الدوحة الأخيرة أثر بشكل مباشر في مهمة المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي. وهنا تبدأ قضية أخرى، فالإبراهيمي لم يُدع أصلاً إلى حضور القمة العربية!
وباختصار، تقول المصادر، فإن ثمة حاجة إلى «البحث عن اللا منطق» داخل الجامعة العربية لفهم ما يحصل أو ما يفرض على القرار العربي: ما يحصل هو «بدع».
وتشير المصادر إلى أن قطر تراهن فعلاً على أن دولتين ستتحفظان، ودولاً أخرى، ببساطة، لن تعترض، بالرغم من أن غالبيتها غير موافق على ما يقدّم من مشاريع قرارات، في ما يمكن وصفه بـ«التأييد السلبي».
أما تغير توازن القوى حالياً بين الدول العربية فهو ناتج أساساً، وفقاً لرأي المصادر، من غياب دور مركزي للدول الأساسية، أي مصر والعراق وسوريا.
سياسة قطر حالياً واضحة، فهي تدفع بجماعة «الإخوان المسلمين» في كل مكان، من مصر إلى تونس إلى سوريا لتتقدم نحو السلطة، ولذلك انتقلت من حليف لسوريا إلى عدو.
«تلك هي تركيبتها... تنتقل من حليف إلى آخر، وتنام مع الجميع»، تضيف المصادر، وما حصل في القرار حول سوريا، هو أن قطر وجدت لحظة سانحة لتعيّن نفسها قوة عظمى في ظل غياب الآخرين.
ولكن الدعم القطري لـ«الإخوان المسلمين» قد يقود إلى صدامات إقليمية في المستقبل.
وبالرغم من أن قطر تقود الدفة السورية وخلفها الإمارات والسعودية، إلا أن ذلك لن يدوم طويلاً إذا ما سقط نظام الأسد، فالإمارات، خصوصاً، في صدام مباشر مع القطريين في كل مكان، ورئيس شرطة دبي ضاحي خلفان يعبر فعلاً عن رأي الإمارات. صدام آخر ولكن أخف قائم فعلاً مع السعوديين، فهؤلاء لا يريدون حكماً إسلامياً شعبياً، بل يفضلون الحكم العسكري، ويريدون من السلفيين إزعاج الأنظمة فحسب.
ما فعلته قطر مع جزء من المعارضة السورية «الائتلاف»، هو انها هي من عينته أصلاً، وأحضرت بعض الشخصيات، وسفرتهم من مكان إلى آخر، من دون أن يكون لهم أي تأثير في الأرض.
وآخر ما سجله المشاركون في قمة الدوحة أن رئيس الحكومة الموقتة غسان هيتو، على سبيل المثال، ليس شخصاً معروفاً على الإطلاق، شقيقه ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو مجرد شخص محافظ ناشط على الأرض في ما له علاقة بالمساعدات، ولكن على الصعيد السياسي لا أحد يعرفه، حتى أن رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب سأل عنه: مَن يكون!
_____
المصدر: السفير
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات