ناهض حتر
استدارة تركية كاملة نحو إيران ـــ المحور، لا تعوزها، كعادة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الرتوش البلاغية الفخمة حول التحالف التركي ـــ الإيراني لحفظ الأمن في المنطقة، وتجاوز الصراع المذهبي، ووحدة اقتصادية تتحوّل قطبا دولياً! يا سلام! كأن أنقرة الإخوانية لم تسع، على مدار ثلاث سنوات، إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وكأنها لم تشنّ حرباً مذهبية طاحنة، وتدعم الإرهاب التكفيري، في العراق والشام، بما أدى، فعلياً، إلى قيام «داعش»، ثقافةً وتنظيماً.
استدارة تركية كاملة نحو إيران ـــ المحور، لا تعوزها، كعادة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الرتوش البلاغية الفخمة حول التحالف التركي ـــ الإيراني لحفظ الأمن في المنطقة، وتجاوز الصراع المذهبي، ووحدة اقتصادية تتحوّل قطبا دولياً! يا سلام! كأن أنقرة الإخوانية لم تسع، على مدار ثلاث سنوات، إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وكأنها لم تشنّ حرباً مذهبية طاحنة، وتدعم الإرهاب التكفيري، في العراق والشام، بما أدى، فعلياً، إلى قيام «داعش»، ثقافةً وتنظيماً.
لا يمكن حكومة رجب أردوغان، في الواقع، أن تتبع سياسات إقليمية جديدة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط؛ فهي، في النهاية، حكومة إخوانية مركّبة، عضوياً، على مشروع عثماني، ليس له فكرة أو أداة أو أرضية أو حاضنة، سوى التحشيد المذهبي والتأزيم السياسي والميليشيات المتطرفة، المدلّلة والمتوسعة بفضل تنافس الخط الإخواني العثماني والخط الوهابي السعودي، على خدماتها الإجرامية.
سبق للعلاقات التركية ـــ السورية أن لامست حدوداً استراتيجية، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول فرصة لاحت لإسقاط النظام السوري، وانفتاح الشهية العثمانية للسيطرة على البلد الجريح، وتحديداً من خلال التحريض المذهبي والإرهاب التكفيري، وهما، كذلك، أداتا أنقرة لدخول العراق. ولا يساورنا الشك، لحظة، بأن أنقرة لن تعفّ عن استخدام هاتين الأداتين، في ظروف ملائمة، في إيران نفسها.
النهج الإخواني، كما هو معروف، قائم على انتهازية سياسية لا ضفاف لها، تتحسس موازين القوى وتتحيّن الفرص. وحين يغدو ذلك النهج مرتبطاً بطموحات قومية توسعية، فستكون المحصلة ذلك الأداء الغامض لحكومة أردوغان، من التقلّبات الحادة والخطابات الانفعالية وازدواجية المعايير وانعدام المسؤولية وارتكاب الجرائم وتسويغها والنزعة التدخلية والوقاحة. أما اقتراح أوغلو حول إقامة تكامل اقتصادي تركي إيراني، فلا يعدو أن يكون أكثر من تعبير عن نهم رجال الأعمال الأتراك، من داعمي الأردوغانية، للحصول على حصة من كعكة التجارة الإيرانية لفترة ما بعد العقوبات، أي مجرّد انتهاز للفرصة المتاحة لا غير؛ ذلك أن بناء كتلة اقتصادية ثنائية، يتطلب، أولاً، بناء كتلة سياسية بين الدولتين. وهو ما يبدو ـــ بالنظر إلى التناقضات الحادة في المصالح والسياسات بين الطرفين ـــ مستحيلاً.
يميّز عثمانيو أنقرة، بالطبع، بين الإيرانيين والعرب؛ فإيران قاومت العثمنة في الماضي ولم تخضع للسلطان التركي، والدولة الإيرانية الحديثة شكّلت، سواء في عهد الشاه أو في عهد الجمهورية الإسلامية، قوة إقليمية كبرى موازية. بالمقابل، وطّد إسلاميو تركيا نزعة العداء والاحتقار للعرب الذين تمرّدوا عن دور الرعية، وسعوا إلى بناء ذاتية قومية تعثرت، وانتهت إلى تراجع دولها الثلاث الكبرى: مصر المنهارة والعراق المدمَّر وسوريا الجريحة. وعلى هذه الخلفية، ربما ينظر أوغلو إلى إمكانية الفصل بين التحالف الثنائي مع إيران واستمرار السياسات التركية المعادية إزاء حلفاء طهران العرب، أو لنقل استمرار التنافس التركي الإيراني على النفوذ في العالم العربي، وخصوصاً في المشرق. ومن المؤسف أن المبادرة العربية الوحيدة المطروحة الآن في الواجهة، أي المبادرة السعودية، تصبّ في المصبّ نفسه.
في أي محاكمة عقلانية للمصالح العليا للمملكة العربية السعودية، سوف نجد أن الحل الممكن لتلافي وقوع العرب في الفراغ بين تركيا وإيران، وما ينشأ عن ذلك من مخاطر وتحديات، إنما يكمن في اتباع سياسات تصالحية مع سوريا والعراق، وإعادة بناء النظام العربي، وتوسيع مركزه إلى رباعيّة سعودية مصرية سورية عراقية؛ بدلاً من ذلك تتبع الرياض ـــ مدفوعة بالمصالح الضيقة للعائلة الحاكمة والنزعة المذهبية والرجعية الوهابية ـــ سياسات أخرى انتحارية: محاصرة العراق ومنع نهوضه، وتدمير سوريا، واستخدام الدعم المالي لمصر لتحييدها عن لعب دور إيجابي على المستوى الإقليمي؛ لقد برهنت السعودية، مجدداً، عن معاداتها العميقة للعروبة ونهضتها، وتمسكها بالانتماء إلى الدائرة الجهنمية، المذهبية الوهابية، كإطار وحيد لفهم المنطقة، حتى لو انتهى ذلك في أحضان تل أبيب!
المزيد من الضغط السعودي على سوريا والعراق، لن يسقطهما، كما ظهر جلياً خلال الفترة العصيبة الفائتة، لكنه سيوطّد نفوذ حليفتيهما، إيران، في صميم بناء الدولتين العربيتين، كلما احتاجتا أكثر إلى الدعم الخارجي في مواجهة الهجمة الخارجية. ولعلها مفارقة كاشفة أن العرب الذين يتخوفون من النفوذ الإيراني في سوريا هم الذين جعلوا من دمشق أقل استقلالاً نحو طهران، بما اقترفوه من جرائم بحق البلد العربي الوحيد الذي كان، إلى ما قبل 2011، حائزاً مقدرات قوة تضمن الحضور العربي على المستويين الإقليمي والدولي.
البديل الوحيد الممكن اليوم عن إحياء نظام عربي فائت، أو حتى لإحيائه وفق أسس جديدة، هو صيغة اتحادية بين العراق وسوريا، تتحول مركزاً لتوحيد المشرق كلّه في كتلة قادرة على مواجهة التحديات، المعادية والصديقة معاً.
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات