غسان ريفي
يدرك السلفيون خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان اليوم، خصوصاً بعدما بدأت العمليات الانتحارية تتخذ أشكالاً متعددة، وتطال الأبرياء، وتهدد بتمدد رقعتها الى مناطق أخرى.
ويدرك بعض المشايخ أيضا أن درجة الغليان المذهبي الناتجة من الحرب السورية قد وصلت الى الذروة، ما يجعلهم يفقدون السيطرة على كثير من المجموعات التي تجنح نحو التطرف وتدخل الى سوريا لمساندة التنظيمات الإسلامية المتشددة وتنفذ بعض العمليات الانتحارية، وهي لا تتوانى منذ فترة عن شن الهجوم على المشايخ واتهامهم بالتقصير حينا، وبالكفر أحيانا.
وجاء موقف السعودية الأخير حول رفض القتال في سوريا، ليعيد كثيراً من مشايخ الحالة السلفية الى المربع الأول المتعلق بدعم المعارضة السورية سياسياً وإنسانياً فقط.
ويخشى هؤلاء المشايخ من أن تشكل بعض المجموعات وأفكارها وبعض ممارساتها سبباً في جعل الحالة السلفية كبش محرقة في التسوية المقبلة على المنطقة، وهذا ما اعتاده السلفيون في محطات سابقة ودفعوا خلالها أثماناً باهظة.
لذلك ثمة تراجع تكتيكي ملحوظ من قبل رموز الحالة السلفية في لبنان، وفي طرابلس تحديداً، عن تقدم الصفوف أو قيادة أي تحركات داخلية، كما كان يحصل سابقاً، مع تمسك هؤلاء بالمبادئ والثوابت المتعلقة بدعم المعارضة في سوريا، ورفض مشاركة "حزب الله" بالحرب الى جانب النظام، وانتقاد "ممارسات السلطتين السياسية والعسكرية بحق السنّة في لبنان".
أمام هذا الواقع، وبعد تنامي العمليات الانتحارية وتنقّل المزنرين بالأحزمة الناسفة بين الضاحية والهرمل والشويفات وحصدهم الأبرياء، يرى كثير من المشايخ السلفيين أن خصومتهم السياسية مع "حزب الله" لا تعني إعلان حرب عليه من هذا النوع، وأن ما تتبناه "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" من عمليات انتحارية في مناطقه، يختلف شكلاً ومضموناً عن المواجهة التي يريدها السلفيون مع الحزب الذي يأخذون عليه مشاركته في الحرب السورية وتوريط لبنان فيها.
ويعتبر هؤلاء أن انغماس الحزب بالكامل الى جانب النظام هو الذي يشجع بعض المتحمسين من الشبان اللبنانيين على الذهاب الى سوريا، ويؤدي بالتالي الى قدوم الانتحاريين الى مناطقه، وهم يشددون في الوقت نفسه على رفض كل العمليات الانتحارية وإدانتها، لأن المواجهة الفعلية لا تكون بقتل الأبرياء، داعين في ذلك الى تطبيق القاعدة الشرعية: "لا تزر وازرة وزر أخرى".
ويشير عضو "هيئة علماء المسلمين" الشيخ زكريا المصري الى أن "ما تشهده الضاحية الجنوبية وسائر المناطق من تفجيرات، هو ناتج من ردة فعل على مشاركة الحزب في القتال الى جانب النظام"، ويرى أن "حزب الله يجني على نفسه وعلى جمهوره، لأن الدخول بحرب من هذا النوع لن تكون نزهة"، مؤكدا "أننا بموقفنا هذا نقوم بتوصيف ما يحصل، ولا نتبنى هذه التفجيرات أو من يقوم بها، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نمنعها، وعلى القوى الأمنية أن تأخذ دورها، وعلى الحزب أن ينسحب فورا من سوريا".
ويقول شيخ قراء طرابلس بلال بارودي "إن الحالة الاسلامية، والسلفيين تحديدا، ضد كل عمل أمني يطال الأبرياء مهما كانت مبرراته وأسبابه، لأن الجرأة تكون بالمواجهة وليس بالتفجيرات في المناطق الآمنة، لذلك نحن ندين بشدة كل التفجيرات ونعتبرها أنها لا تمت الى إسلامنا بصلة".
ويرى بارودي "أن الذين تسببوا بقدوم التفجيرات الى الأرض اللبنانية هم الذين شاركوا فعلياً بمساندة النظام السوري، وربما من تعرض للظلم على يد النظام وشركائه استجابوا لنداء العاطفة وليس لنداء العقل"، مشيراً الى أن "ما يحصل في لبنان هو عمل أمني مخابراتي بامتياز، على غرار ما يحصل في العراق، وهناك مجرم كبير يريد أن ينشر الدم والدمار في الساحة الإسلامية".
ويضيف: "نحن في حالة خصومة مع حزب الله نابعة من مواقفه، لكننا نرى أن ما يحصل في الضاحية لا يجوز، وقلنا بعد تفجيرَي مسجدي التقوى والسلام أن من فجر في طرابلس هو الذي يفجر في الضاحية، ونحن نحرص على استخدام المفردات التي توحد الكلمة والصف وتبلسم الجراح، وقد رفضنا كل التسجيلات المجهولة والمقنعة التي صدرت من بعض المجموعات، لكننا لا نلقى تجاوبا من حزب الله، بل على العكس فإنه يتهمنا بأننا بيئة حاضنة للإرهاب، ويدفع بعض الأبواق عبر وسائله الإعلامية لتهديدنا واستفزازنا وهدر دمنا". لافتا الانتباه الى أن "الفتنة السنية ـ الشيعية إذا حصلت في لبنان، فإنها ستطال الجميع ولن ينجو منها أحد".
ويؤكد بارودي "أننا سنبقى بيئة حاضنة للاعتدال، ونمد أيدينا للجميع بالإنصاف والعدالة والحق، لكننا لا نتراجع عن حقنا مهما حصل، ونقول إن الشعب السوري مظلوم ويجب مساندته، ولا يجوز مساندة النظام، ونعتبر أن السكوت عن ظلم النظام هو ظلم".
ويؤكد عضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ نبيل رحيم أن "السلفيين ليسوا في حالة حرب مع حزب الله، بل هم في حالة خصومة، انطلاقاً مما حصل في 7 أيار، وهيمنة الحزب على الحياة السياسية وعلى المفاصل الأساسية في الدولة، وتدخله في سوريا الى جانب النظام ضد الشعب السوري"، معتبراً أن "كل ذلك يسعّر الفتنة ويثير النعرات".
ويقول رحيم: "نحن لسنا مع أي تفجيرات تحصل في الأراضي اللبنانية أو تطال أي فريق، وندعو الى أن يكف جميع اللبنانيين عن تدخلهم العسكري والأمني في سوريا، ونؤيد في ذلك خيار الشعب السوري فقط".
ويضيف: "نحن لسنا مع التكفير ولسنا مع التفجير، وندين التفجيرات وهي تستهدف الأبرياء والآمنين، وهذه الاعمال ليست من الاسلام في شيء، وأخشى أن تتسع هذه العمليات. لذلك فإن انسحاب حزب الله من سوريا هو الحل الوحيد لمنع هذه العمليات من الانتقال الى لبنان".
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات