فرضت الحروب الداخلية بين المجموعات الجهادية مراجعة فلسفة التكفير التي أعتمدوها لإلغاء مخالفيهم. الآن، أصبحوا مضطرين لمراجعة "عقيدتهم بما في ذلك مبدأ "التكفير" الذي لطالما أعتمدوه لتقسيم الشعوب بما فيها الشعوب المسلمة. نداء أيمن الظواهري، أسفله، واحد من هذه المحاولات. يلي هذا "النداء" تحليل معمق بقلم أبرز المراقبين والمعلقين عن الفكر الإسلامي الحديث والحركات الجهادية المعاصرة.
نداء عاجل لأهلنا في الشام
الكاتب : أيمن الظواهري
تاريخ الإضافة: 2014-01-25
الكاتب : أيمن الظواهري
تاريخ الإضافة: 2014-01-25
بسم الله الرحمن الرحيم
بسمِ اللهِ، والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وآلهِ وصحبِهِ ومن والاهُ
إخواني الكرامَ الأعزاءَ الأفاضلَ/ مجاهدي الإسلامِ وليوثَ الجهادِ من كلِ المجموعاتِ الجهاديةِ في شامِ الرباطِ والجهادِ والفتحِ والانتصارِ قريبًا بإذنِ اللهِ.
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته.
وبعد
أيها الإخوةُ الكرامُ الأحبةُ. تعلمون أني وإخواني في جماعةِ قاعدةِ الجهادِ نُكنُ لكم جميعًا الحبَ والاحترامَ، ونعرفُ قدرَكم، ونثني على ثباتِكم، وننظرُ إليكم على أنكم أملُ الأمةِ في إقامةِ الحكومةِ المسلمةِ في شامِ الرباطِ والجهادِ، وأنكم بشرى تحريرِ بيتِ المقدسِ، وأن جهادَكم المباركَ خطوةٌ متقدمةٌ على طريقِ إعادةِ الخلافةِ الراشدةِ على منهاجِ النبوةِ قريبًا بعونِ اللهِ.
وتعلمون إخواني الكرامَ أننا في كلماتِنا المتعددةِ سواءً ما صدر مني أو من إخواني الكرامِ الأحياءِ أو الشهداءِ تقبلهم اللهُ، كنا نخاطبُكم جميعًا، كإخوةٍ لنا بلا تفريقٍ بين مسلمٍ ومسلمٍ ومجاهدٍ ومجاهدٍ، بل نعتبرُكم جميعًا إخوانَنا في الإسلامِ والجهادِ والهجرةِ والرباطِ، وتكررَ من إعلامِ الجماعةِ أكثرَ من مرةٍ؛ أن أُخوةَ الإسلامِ التي بيننا هي أقوى من كلِ الروابطِ التنظيميةِ الزائلةِ المتحولةِ. وأن وحدتَكم واتحادَكم وتآلفَكم أهمُ وأعزُ وأغلى عندنا من أيةِ رابطةٍ تنظيميةٍ، فوحدتُكم واتحادُكم ووحدةُ صفِكم تعلو فوقَ الانتماءِ التنظيميِ والعصبيةِ الحزبيةِ، بل يُضحى -بلا ترددٍ- بتلك الروابطِ التنظيميةِ الحزبيةِ إذا تعارضت مع تآلفِكم ووحدتِكم واصطفافِكم في صفٍ واحدٍ كالبنيانِ المرصوصِ في مواجهةِ عدوِكم العلمانيِ الطائفيِ، الذي تدعمُه القوى الرافضيةُ الصفويةُ وروسيا والصينِ، وتتواطؤُ معه الحملةُ الصليبيةُ المعاصرةُ.
وتعلمون أننا لا نقبلُ أن تُمسَ حرمةُ مسلمٍ ولا مجاهدٍ، ولا أن يُعتدى على نفسِه ولا مالِه ولا عرضِه ولا كرامتِه، ولا أن تلصقَ به تُهمُ الكفرِ والردةِ، وأننا نعتبرُ أن التنظيماتِ الجهاديةِ في شامِ الرباطِ والجهادِ -التي تضحي بأنفسِها وأموالِها جهادًا في سبيلِ اللهِ وإعلاءً لكلمةِ اللهِ وسعيًا في تحكيمِ شرعِ اللهِ- هم إخوانُنا، الذين لا نقبلُ أن يُوصفوا بالردةِ والكفرِ والمروقِ.
وأذكرُ إخواني الكرامَ مجاهدي الإسلامِ في شامِ الرباطِ والجهادِ بقولِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا".
وتعلمون أيها الأحبةُ الكرامُ أننا دعونا وندعو وسنظلُ -بإذنِ اللهِ- ندعو الجميعَ لأن يسْعَوا لإقامةِ الحكومةِ المسلمةِ في شامِ الرباطِ والجهادِ، وأن يختاروا من يرضَونه -ممن تتوفرُ فيه الشروطُ الشرعيةُ- حاكمًا لهم، وأن من يختارونه هو اختيارُنا، وأننا لا نرضى أن يَفرضَ أحدٌ نفسَه عليهم، لأننا نسعى لعودةِ الخلافةِ الراشدةِ على منهاجِ النبوةِ، التي تتحاكمُ للشريعةِ، وتنشرُ الشورى، وتبسطُ العدلَ، وتحمي الحقوقَ، وتردُ العدوانَ.
إخواني الكرامَ مجاهدي الإسلامِ في كلِ المجموعاتِ الجهاديةِ في شامِ الرباطِ والجهادِ، لقد أدمت قلوبَنا وقلوبَ الأمةِ -التي تعلقت قلوبُها بكم- فتنةُ القتالِ، التي استشرت بين صفوفِ مجاهدي الإسلامِ.
ولذا ندعو جميعَ إخوانِنا في كلِ المجموعاتِ الجهاديةِ، وندعو فضلاءَ أهلِ الشامِ من العلماءِ والدعاةِ والوجهاءِ ومشايخِ القبائلِ والمهنيين والتجارِ والكتابِ والصحفيين والإعلاميين وأهلِ الرأيِ، وكلِ حرٍ شريفٍ في الشامِ يسعى لإسقاطِ حكمِ الأسدِ العلمانيِ الطائفيِ الجائرِ المجرمِ وإقامةِ الحكومةِ العادلةِ المسلمةِ، لأن يسعَوا لإيقافِ هذه الفتنةِ، التي لا يعلمُ إلا اللهُ إلى ماذا ستنتهي.
ندعوهم جميعًا لأن يسعَوا لإيقافِ القتالِ بين إخوةِ الجهادِ والإسلامِ فورًا، وأن يؤسسوا لهيئةِ تحكيمٍ شرعيةٍ، تفصلُ بين المجموعاتِ المختلفةِ في المظالمِ، التي تدعيها كلُ مجموعةٍ على أختِها المجاهدةِ، وأن يشكلوا آليةً لإلزامِ الجميعِ بأحكامِها.
أسألُ اللهَ العظيمَ الحليمَ بأسمائِه الحسنى وصفاتِه العليا، أن يؤلفَ بين قلوبِ المجاهدين، ويوحدَ بين صفوفِهم، ويجمع َكلمتَهم، ويجنبنا وإياهم والمسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطن.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلمَ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي
14 ربيع الأول 1435
____________________وجهات نظروتحاليل:
هل شقّ البغدادي عصا الطاعـة؟
بقلم رضوان مرتضى
لم يكن تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، الذي أصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تابعاً في يوم من الأيام لتنظيم «القاعدة». القصة عمرها من عُمر بيعة أبو مصعب الزرقاوي لشيخه أسامة بن لادن، لكنّ جديدها خلافٌ فقهي، أحد وجوهه تقوده السعودية. أما رسائل النصح ومبادرات توحيد الصف، فلم تُفلح بعد. هنا الحكاية الكاملة.
أكّد بيان نُسب الى «قاعدة الجهاد» المعروف عالمياً بـ«القاعدة»، ونشره «مركز الفجر للإعلام» المعني بإصدار منشورات الجهاد العالمي، أن «لا صلة» له «بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأن «قاعدة الجهاد» «لم تُخطر بإنشائها، ولم تُستأمر فيها ولم تُستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها»، مؤكداً أنها «ليست فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست مسؤولة عن تصرفاتها».
ليست المرّة الأولى التي يتبرّأ فيها تنظيم «القاعدة» من «الدولة الإسلامية»، لكنها الإشارة الأكثر دلالة على تجذّر الخلاف بينهما. فقد سبق أن دعا «زعيم الجهاد العالمي» أيمن الظواهري، في الثامن من تشرين الثاني الفائت، إلى حل «الدولة الإسلامية»، معلناً أن «جبهة النصرة هي فرع التنظيم في سوريا». إعلانٌ أعقبته مشاركة «النصرة» إلى جانب «الجبهة الإسلامية»، المدعومة سعودياً، في بعض المعارك ضد «الدولة».
لا تبدأ الحكاية هنا، ولا تُختصر بصراع «أمراء الجهاد» على إمرة الساحة السورية، إذ إنّ بين «معركة النهروان»، التسمية التي أطلقتها «الجبهة الإسلامية» على معركتها مع «الخوارج في الدولة»، و«حروب الردّة» كما يُسمّي مقاتلو «الدولة» حربهم ضد تحالف الفصائل الذي يواجهونه، خلافاً فقهياً يصل حدّ التكفير والإخراج من الملّة. هكذا يُعيد التاريخ نفسه على أرض الشام. تُشبّه «الدولة» معركتها بـ«حروب الردّة» التي خاضها الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصدّيق ضد المرتدين، فيما تُشبّه باقي الفصائل المقاتلة تنظيم «الدولة الإسلامية» بالخوارج الذين قاتلهم الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب. وتستعر الحرب مجدّداً بين «إخوة الجهاد»، لتتحارب فصائل المعارضة المسلّحة في معركة لا هوادة فيها، لم تُفلح معها مبادرات الإصلاح ورسائل النصح.
لم تفلح كل محاولات منظّري «السلفية الجهادية» في وقف الاقتتال، ومنها رسالة أمير «أنصار الشريعة في تونس» الشيخ أبو عياض التونسي الذي أصدر بيان «تأييد ونصرة لإخواننا المجاهدين في الشام»، وهجوم مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية الشيخ المصري هاني السباعي على «المشاركين في الهجوم على الدولة»، ورسالة الشيخ الأردني عصام البرقاوي المعروف بـ«أبو محمد المقدسي» التي تضمّنت انتقادات شديدة لـ«الدولة»، ودعوة الشيخ عمر عثمان المعروف بـ«أبو قتادة الفلسطيني» للبغدادي إلى الانسحاب من سوريا أو الانضواء والقتال تحت راية «جبهة النصرة». كل هذه المواقف وُضعت في خانة رسائل النصح أو العتب ولم تؤدّ إلا إلى زيادة الانقسام. وحدها مبادرة الشيخ السعودي عبدالله المحيسني التي عرفت بـ«مشروع مبادرة الأمة» لإنشاء محكمة إسلامية كانت الأكثر جدّية. وقد وافق على هذه المبادرة معظم الفصائل المقاتلة، باستثناء «الدولة» التي شكرت صاحبها، معتبرة أن «القتال في سوريا ليس فتنة بين المجاهدين، بل حرب من الفئة الباغية ضد المجاهدين».
وسط تضارب مواقف شرعيي الجهاد العالمي بين تبادل الاتهام بـ«نكث البيعة» و«الخروج على الأمير» و«المغالاة في التكفير»، يجدر العودة إلى بداية القصة. هل أخذ الظواهري البيعة أصلاً من البغدادي حتى يصفه بالخارج عليه، فيما الوقائع تشير إلى أنّ زعيم «جبهة النصرة» هو من انشق عن طاعة البغدادي الذي أرسله الى سوريا؟ وما هي علاقة «القاعدة» بـ«دولة العراق الإسلامية» التي باتت تُعرف اليوم بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»؟
تعود القصة إلى أيام الاحتلال الأميركي للعراق في عام ٢٠٠٣. يومها أُحصي ١٦ فصيلاً سنيّاً تقاتل على أرض العراق، منها «جيش أهل السنّة» و«أنصار الإسلام» و«جيش الصحابة» و«جيش الخلافة» و«فصائل جيش محمد» و«جماعة التوحيد والجهاد» التي برزت بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي لم يلبث أن بايع زعيم «القاعدة» في حينه أسامة بن لادن، علماً بأنهما كانا على رأس جماعتين مستقلتين في الأساس، وأن بن لادن كان مبايعاً لزعيم دولة طالبان الملّا محمد عمر.
بعد مبايعة الزرقاوي لـ«القاعدة»، استبدل اسم تنظيمه بـ«القاعدة في بلاد الرافدين». وجرى بعدها توحيد الفصائل تحت مسمّى «مجلس شورى المجاهدين» الذي شكّل أتباع الزرقاوي عموده الفقري. وأُنشئ لاحقاً «حلف المُطيبين» الذي بويع «أبو عمر البغدادي» أميراً عليه قبل أن يُشكّل «دولة العراق الإسلامية» الهادفة إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية في المناطق التي يغلب عليها أهل السنّة في العراق. وفي عُرف هؤلاء، كان ذلك ضرورة لأن هذه المناطق كانت خاضعة لسيطرتهم ويحتاج ساكنوها الى دولة تسيّر أمورهم، وهنا مربط الفرس. فـ«دولة العراق» جرى تشكيلها على أنها «إمارة حُكم» لا «إمارة حرب». وبحسب أحد المشايخ السلفيين، «الإمارة في المنهج السلفي على ضربين: إمارة إسلامية عامة، أي ولاية المسلمين تحت مسمى الخلافة، كما في عهد النبي محمد. وإمارة إسلامية خاصة، إما أن تكون دعوية وجهادية أو إمارة حُكم». وبحسب هؤلاء، هنا وقع الخلاف بين «الدولة» من جهة والفصائل الجهادية التي خلطت بين إمارة الحكم وإمارة التنظيم من جهة ثانية، إذ إن «إمارة الحكم» التي أعلنها البغدادي من مهماتها رعاية شؤون المسلمين، لكونها تسيطر على مساحات واسعة ومن واجبها الاهتمام بالمسلمين الموجودين ضمن رقعة سيطرتها، ما يعني أن «إمارة التنظيم تحوّلت إلى إمارة حُكم في سوريا». أما «إمارة التنظيم»، فمهمتها القتال حتى القضاء على العدو، من دون الالتفات إلى تسيير شؤون الناس، ثم الانتقال إلى الجهاد في منطقة أخرى بعد تحريرها.
في سوريا، جرى إسقاط ما سبق على الأحداث الجارية، ليُصبح الأمر على الشكل الآتي: قرّر البغدادي مدّ سلطانه، فشكّل «جبهة النصرة» عبر تكليف الجولاني بتنسيق «العمليات الجهادية» في سوريا. ولمّا طلب إليه الاندماج، رفض الجولاني الانصياع لأمر أميره، فوقع الشقاق الذي بات معروفاً. أما «الضرورة الشرعية» التي انطلق منها البغدادي لإعلان دولته، فمستمدة من كون المناطق الخاضعة لسيطرته تحتاج إلى حاكم. لذلك أصبح لزاماً، في المنظور الشرعي، تحوّل تنظيمه في سوريا إلى دولة، أي «الانتقال من إمارة الجماعة إلى إمارة الحُكم»، باعتبار أن إمارة الجماعة التي تكون في طور ما قبل الدولة. وأعقب ذلك تشكيل مجلس شورى نصّب البغدادي أميراً للمؤمنين، ثمّ عيّن ولاة ووزراء وعمّالاً لجباية أموال الزكاة. وحدّد السياستين الداخلية والخارجية. وبالتالي، أصبح على كل الفصائل المسلّحة الموجودة في مناطق سيطرته، إما أن تبايعه وتنضم إليه إن أرادت البقاء مع سلاحها، أو تخرج لتقاتل في مناطق أخرى، أو تسلّم سلاحها من دون اشتراط مبايعة أمير الدولة.
وفي استعادة لبعض التجارب المماثلة، فقد سار البغدادي على خطى زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر الذي تولّى «إمارة الدولة الإسلامية في أفغانستان»، أي انتقل من «إمارة التنظيم» إلى «إمارة الحكم»، ثم سقطت إمارة حكمه مع الاحتلال الأميركي لأفغانستان، فعاد إلى إمارة التنظيم. كذلك فعل «أنصار الشريعة» الذين ساروا على النهج نفسه في اليمن. وكذلك هي «إمارة الحُكم» في مالي بقيادة تنظيم «القاعدة» هناك.
هكذا يعتبر البغدادي نفسه «أمير حُكم»، فيما اعتبره الظواهري «أمير تنظيم»، علماً بأن الظواهري نفسه «أمير جماعة»، لأن لا منطقة خاضعة لسيطرته ليُطبّق فيها الإسلام، وإن كان «أمير جهاد عالمي»، لأن هناك فصائل تتبع له في كل أنحاء العالم.
في المحصّلة، القتال بين «جهاديي» سوريا لا يزال مستمراً. المقاتلون الأجانب الذي يُعرفون بـ«المهاجرين» يقفون إلى جانب «الدولة»، فيما يختار معظم الأنصار، أي أبناء سوريا، صفّ «النصرة» وحلفائها، علماً بأنّ أتباع الجولاني حائرون، وفي منازل مختلفة، بين عدو وحليف وناءٍ بنفسه. ووسط ذلك، يتفاقم صراع خفي على السعودية. «الجبهة الإسلامية» تحارب «الدولة»، بقرارٍ سعودي، فيما «الدولة» و«النصرة» تتفقان على تكفير النظام الحاكم فيها.
__________
«القاعدة» يتبرأ من «داعش»: قطيعة .. أم إعلان حرب؟
بقلم عبدالله سليمان علي
كلام له ظهر وبطن، ولكنه أيضاً سلاح ذو حدّين. البيان الصادر عن «تنظيم قاعدة الجهاد ـــ القيادة العامة» حول عدم وجود أي صلة بين تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) هو أقلّ من إعلان حرب، ولكن أكثر من مجرد قطيعة وطلاق بائن.
في البداية ينبغي التنويه أن البيان يعود إلى تاريخ سابق، وتحديداً إلى 22 كانون الثاني الماضي، والأيام وإن كانت قليلة إلا أن لها حساباتها في مجريات المشهد «الجهادي» على الأراضي السورية، نظراً لتسارع الأحداث ووتيرة تطورها المتصاعدة. ففي ذلك التاريخ صدر التسجيل الصوتي لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري «نداء عاجل لأهل الشام»، والذي طالب فيه بوقف إطلاق النار بين الفصائل الإسلامية، وتشكيل هيئة قضائية للنظر في النزاع.
وقد اعتبر هذا النداء تراجعاً في حدة موقف الظواهري من «داعش»، قياساً على الموقف الذي كان قد أعلن عنه أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام)، وحمّل فيه «داعش» مسؤولية تصاعد النزاع نتيجة سياسته الخاطئة.
لكن «السفير» أشارت في حينه إلى أن التسجيل الصوتي للظواهري كان مصحوباً ببيان سري أكثر قسوة في مضمونه من التسجيل الصوتي المعلن، وهو هذا البيان الذي نشره مركز «الفجر»، التابع لتنظيم «القاعدة»، بعد أسبوعين من وصوله إلى بعض القيادات «الجهادية» في سوريا.
وجاء في البيان «تعلن جماعة قاعدة الجهاد أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها». وأضاف ان التنظيم «ليس فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطه بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاته».
وشدد البيان على «البراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهداً أو مسلماً أو غير مسلم». وأشار خاصة الى «البراءة من الفتنة التي تحدث في الشام بين فصائل المجاهدين ومن الدماء المحرمة التي سفكت فيها من أي طرف كان». ودعت قيادة «القاعدة» «كل ذي عقل ودين وحرص على الجهاد، الى أن يسعى جاهداً في إطفاء الفتنة، بالعمل على الإيقاف الفوري للقتال، ثم السعي في حل النزاعات بالتحاكم إلى هيئات قضائية شرعية للفصل في ما شجر بين المجاهدين».
ظهر وبطن. لأن البيان من حيث الظاهر لم يأت بجديد على صعيد العلاقة بين «القاعدة» و«الدولة الإسلامية». فمن المعروف أنه ليس هناك علاقة تنظيمية بين الطرفين، كما أن الظواهري نفسه أعلن في رسالة سابقة أن «جبهة النصرة» هي فرع «القاعدة» في الشام وطالب «الدولة الإسلامية» بالعودة إلى العراق. أما في العمق، فالرسالة من البيان واضحة، وهي أن قيادة خراسان (تاريخياً كان يطلق على أفغانستان وجزء من باكستان اسم إقليم خراسان، وبناءً على منطقهم باستعادة كل شيء إسلامي فإن «القاعدة» يستخدم هذا الاسم) غير راضية عن «النهج» الذي يسلكه «الدولة الإسلامية»، وفيه تهديد مبطن بأن الوقت لن يطول قبل أن تعلن قيادة خراسان تبرؤها من هذا «النهج» الضالّ، كما تبرأت اليوم من العلاقة التنظيمية.
وسلاح ذو حدّين. لأن كل طرف سوف يجد السبيل المناسب إلى تفسير البيان وتأويله بما ينسجم مع مصالحه ومفاهيمه. فالقيادة العامة لتنظيم «القاعدة» تريد وضع مسافة بينها وبين «داعش» تسمح لها بالاستفادة من المناخ الجديد في المنطقة، الذي يوحي بتقبّله لـ«القاعدة» وتنظيماتها، ولا يمانع من اندماجها أو تحالفها مع تنظيمات أخرى، من دون أن يكون سيف مكافحة الإرهاب مسلطاً على رقابها.
أما تنظيم «الدولة الإسلامية» فسوف يتمسك بتفسير للبيان يخدم الأدبيات التي طالما شكلت أساس خطابه، وعلى رأسها تأكيده المستمر أنه تنظيم مستقل عن «القاعدة»، وأنه ليس ثمة بيعة في رقبة زعيمه أبي بكر البغدادي للظواهري. ومن الواضح أن البيان سيشكل مستنداً قوياً في أيدي أنصار «داعش» لهذه الجهة. كما أن صدور مبادرة «التبرؤ وإعلان عدم وجود علاقة» عن قيادة خراسان، من شأنه أن يزيح عن كاهل «داعش» عبئاً معنوياً كبيراً، طالما ترددت قياداته في التعبير عنه، رغم أنهم في منعطفات كثيرة كانوا راغبين فيه أكثر من رغبة قيادة خراسان.
علاوة على ما سبق، تجدر الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وقد تعطي مؤشراً لتحديد الشخصية الأكثر نفوذاً داخل المشهد «الجهادي» في سوريا، فالبيان الصادر عن قيادة خراسان أتى بعد أيام فقط من قيام أبو خالد السوري، «أمير أحرار الشام» في حلب، ومندوب الظواهري لحل الخلاف بين «النصرة» و«داعش»، بتوجيه نداء إلى أيمن الظواهري يطالبه فيه باتخاذ موقف حاسم من «داعش» والتبرؤ من أفعاله، حيث قال مخاطباً الظواهري: «يا شيخنا إن ما حدث ويحدث من قتل للمسلمين تحت أسباب واهية، ما أنزل الله بها من سلطان، بسبب ما يدعى الدولة في العراق ثم في الشام، سببه تأخركم كقيادة للجهاد في العالم في الإنكار عليهم والتبرؤ منهم ومن أفعالهم، حتى لا يخدع أحد بهم». وأضاف السوري ان «اعترافكم بهم، وإسباغكم الغطاء الشرعي عليهم، أساء ويسيء إلى الجهاد وإلى التنظيم»، وطالبه بأن «ابرأ إلى الله منهم، ولا تمهلهم مرة بعد مرة، واعلم أنك مسؤول ومحاسب».
وهذه الاستجابة من الظواهري أو قيادة خراسان لمطلب أبي خالد السوري، لا توحي بوجود علاقة بين «أحرار الشام» و«القاعدة» وحسب، بل إنها ترقى لتكون دليلاً على محورية الدور الذي يقوم به أبو خالد السوري، سواء داخل حركة «أحرار الشام» وإضفاء طابع «القاعدة» عليها، أو لجهة تأثيره على قيادة خراسان، واستدراج الأخيرة لاتخاذ مواقف لا تصب في النهاية إلا في مصلحة «حركة أحرار الشام» البعيدة كلياً عن أي انتقاد يربط بينها وبين الإرهاب كما هي الحال مع «جبهة النصرة».
وقال قائد من «جبهة النصرة» في شمال سوريا، لوكالة «رويترز»، إن البيان يعني أن موقف جماعته لم يعد على الحياد. وأضاف «نحن الآن في حرب مع جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسنقضي عليها نهائيا».
_________
عن تحالف الأضداد والحرب على الإرهاب
بقلم سعدون يخلف
«إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو تنظيم تابع للمخابرات السورية، ويتلقى دعماً لا نظير له من إيران وحزب الله، وتتحكم فيه دوائر مخابراتية دولية، وذلك لأجل القيام بأعمال عدوانية ضد المدنيين العُزّل لتشويه ثورة الشعب السوري”. هذا الخبر ليس مصدره وكالات الأنباء العالمية بل هو من نسج خيالي إلا أنه يتقاطع مع العديد من الوقائع والتحليلات التي تقرُّ بأن هذا التنظيم لا علاقة له بالثورة السورية وفصائلها لا من قريب ولا من بعيد.. ماذا لو كان هذا الخبر يعبر عن الحقيقة؟، وماذا سيقول أولئك المحللون المختصون في حركات الإسلام السياسي الذين ملأوا شاشات التلفزيونات ضجيجاً وصخباً؟، يستحضرون من خلاله تاريخ الحركات الإسلامية مع العنف والقتل والدمار، فيخلطون الكثير من الحقائق، ويزيّفون الوقائع، من أجل أن يصلوا في التحليل الأخير إلى أن الحركات الإسلامية هي حركات عنف وإرهاب لأنّها تستمد مرجعيتها من المطلق الديني، لذلك لا بد من الوقوف في وجه هذا المشروع التدميري القاتل لروح التعايش بين البشرية.
لا بدّ من إقرار حقيقة مهمّة في هذا الشأن، وهي أن التطرف صفة لصيقة بكل جماعة إنسانية سواء اتخذت من الشرائع السماوية قانوناً للحياة، أو اتخذت من قوانين الأرض منهاجاً للعيش، لذلك فعندما نستدعي التطرف وعلاقته بالجماعات الإنسانية من الأفضل ألاّ نسقطه على دين إلهي أو قانون أرضي بالمطلق، لأن الدين أو القانون ما هو إلا منظومة تعمل على تنظيم حياة الناس ومعيشتهم، أما التطرف فهو سوء الفهم للنص الديني أو القانون الإنساني، هذا أولا.
ثانيا، إن هناك حملة شعواء ضد الإسلام وتعاليمه من طرف العقل الديني والسياسي الغربي منذ اللقاء الأول الذي أدى، كما هو معروف تاريخياً، إلى الصدام، حيث سجل المسلمون انتصارات معتبرة، يعتبرها المسلم فتحاً جديداً ويراها الغربي غزواً، وذلك بغية إثبات حقيقة واحدة في الأخير، وهي أن الإسلام هو دين العنف، ومعتنقيه هم الذين يزرعون الإرهاب في كل مكان من العالم، أو أن الإسلام يمثّل حدود الدم مع غيره بما يحدث من أعمال عنف وتدمير كما علق المفكر الأمريكي “صموئيل هنتنغتون” في كتابه المشهور “صدام الحضارات”، للأسف انتقلت الرؤية الغربية للإسلام من الخارج الغربي إلى الداخل الإسلامي، فأصبح العقل السياسي العربي يصف الإسلام بالإرهاب، ويتعامل مع أحداث العنف الجارية فيه بأنها إفراز للجماعات التي تتخذ من تعاليم الإسلام منهاجاً في الفكر والسياسة، والأنظمة العربية بهذه الرؤية التي تريد تسويقها في إعلامها تحاول أن تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تريد أن تقول للغرب بأن معركتها معه واحدة وهي ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي يزرع الموت من خلال الانتحاريين والسيارات المفخخة والطائرات الملغومة في كل مكان من العالم، وتغطي في المقابل عجزها في التنمية والبناء في الداخل لأنها تخوض حرباً ضد الإرهاب الذي يريد إفساد حياة الناس.
السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: لماذا يتشارك العقل السياسي الغربي مع العقل السياسي العربي في حربه ضد الإرهاب؟، إن كنا نتفهم عداء الغرب المسيحي للإسلام بحكم دواعي التاريخ وضرورات الجغرافيا، هذا العداء الذي استمر رغم تطليقه عوالم الدين منذ صيحة ديكارت المدوية “أنا أفكر إذن أنا موجود”، وإعـلان نيتشه بـــ “أن الله قد مات”، إلا أنه ورث عنه التعلق بالأشياء وحبه للسيطرة، إذن فمبررات الغرب واضحة لأنه يريد من خلال هذه الحرب تدمير الأعداء الذين يقفون أمام طموحه في السيطرة والهيمنة على العالم، وبما أن الإسلام يشكّل قوة كبرى تستطيع أن تقف في وجه أي قوة تريد السيطرة لما يحمله من قيم ومبادئ وتعاليم تمجّد الاستقلال وتتشوق للحرية وتناصر المظلومين وتعلي من قيمة الإنسان، فهذه القيم مغايرة لمنهج الغرب في الحياة ونظرته للوجود.
لذلك كله، فالغرب في كل مرة يحاول صناعة الأعداء من أجل تمرير مشروعه منذ أن تخلص من الاتحاد السوفيتي، ولأن هذا المشروع لا يمكن أن يستمر إلا بوجود أعداء حتى ولو كانوا وهميين، فهو يسعى لصناعة هؤلاء الخصوم من خلال سياقه المعروف، صورة واحدة، صوت واحد، وخطاب واحد، وكلنا يتذكر الكذبة الأمريكية عن العراق وقوته وعلاقة نظامه بالقاعدة وامتلاكه للأسلحة النووية، وبعد الغزو ثبت أن ما سُوّق هو مجرد كذب في كذب، وتبين أن الهدف الحقيقي هو النّفط ومحاولة زعزعة المنطقة بمزيد من التدخلات وإثارة الفوضى والقلاقل، فالذي يكذب عن العراق وقوة نظامه سيتجرأ مرة أخرى ويصنع عدواً آخر، وليكن هذه المرة عدواً ليس له مكان معروف وغير مرتبط بدولة بعينها، وينتقل من مكان إلى آخر، لذلك فمن حق أمريكا زعيمة العالم الحر أن تتبع هذا العدو للقضاء عليه، فأعلنت الحرب على أفغانستان من أجل ملاحقة “أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة الذي صار بين ليلة وضحاها يؤرّق أمريكا أكبر قوة عسكرية في العالم، وهل يعقل أن شخصاً يعيش في جبال تورا بورا يخيف أمريكا التي يرتعد منها حكام دول وتهابها جيوش العالم في الشرق والغرب؟، لا نقول هذا الكلام هكذا اعتباطاً، فالتاريخ القريب يخبرنا من خلال الوثائق المسربة من المخابرات الأمريكية بأن الكثير من التقارير عن قوّة الاتحاد السوفيتي مزيفة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، فقد اعتمدت هذه المؤسسة سياسة تضخيم العدو بغية تمرير مشاريعها في الهيمنة والسيطرة.
إذا كانت هذه مبررات الغرب في عدائه للإسلام والمسلمين، فما لا نتفهمّه ويجعلنا نقع في حيرة ودهشة هو هذا العداء لكل ما هو إسلامي من طرف الأنظمة العربية التي تكتب في ديباجة دساتيرها “الإسلام هو دين الدولة”، قد يقول البعض بأن المقصود من الإسلام هو تلك الممارسات المتطرفة من طرف أقلية من المسلمين تشوّه الدين السمح الذي يدعو إلى التعايش والحب والرحمة والسلام، للأسف هذا ما يقوله الغرب أيضا عندما يوجه سهام حرابه للمسلمين، فأمريكا خلال حملاتها الحربية تقول بأن الهدف من الحرب هو الإسلام المتطرف لا الإسلام المعتدل الذي يمثله في رأيها حكام العرب، فبشار الأسد مثلا عندما أراد الوقوف في وجه ثورة شعبه السلمية التي نادت بالقليل من الكرامة والقليل من العزة والقليل من العدل والمساواة واجهه بالسلاح، وقدم نفسه للغرب بأنه جندي في صفوف الناتو يحارب جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية تريد أن تنّغص حياة السوريين وتعيدهم إلى عصور التطرّف والظلامية، وهدد إسرائيل وهو المقاوم والممانع بأن أمنها من أمن سوريا، نفس الشيء يقوم به الجنرال عبد الفتاح السيسي عندما فشل في تثبيت نظامه الانقلابي، فهو يصنف الشعب حسب هواه ويحدد من هو الشريف ومن هو غير الشريف، ويلصق صفة الإرهاب على من يعارضه حتى ولو كان هذا الذي يعارضه لا يشاركه في الوطن الواحد، لذلك صارت حركة حماس المقاومة للكيان الصهيوني إرهابية لأنها تريد زعزعة أمن مصر واستقرارها، والكل يعلم أن هذه الاتهامات باطلة الهدف منها هو التقرب إلى إسرائيل ومن ثم إلى الغرب، كما أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عندما أراد أن يقضي على اعتصام أهالي الأنبار المظلومين والمكلومين استدعى نفس الأسطوانة المشروخة وهو محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي فجهز الجيش وطلب الدعم من المجتمع الدولي وهو الآن يقتل نفوساً بريئةً أرادت أن ترفع الظلم عن كاهلها، بأن تعامل كغيرها من شعوب العالم بكرامة واحترام، هذا هو المشترك الوحيد الذي تتفق فيه أنظمة العرب من المحيط إلى الخليج، فكلها مشغولة بحرب مقدسة ضد الإرهاب، هذه الحرب التي ستكون حتماً على حساب حياة الشعوب ورفاهيتهم وحريتهم.
السّمة المشتركة في هذا العدو الذي يطلق عليه مسمى “الإرهاب” سواء في الغرب أو في الشرق هي إسلاميته، حيث يحمل أفكاراً إسلامية ويتزين بلبوس إسلامي حتى ولو كان تاجر مخدرات أو تبغ أو سلاح، زد على ذلك أنه يحمل في بطاقة هويته “مسلم سني”، لأن الشيعي صار بقدرة قادر صديقاً للغرب وحليفاً للشيطان الأكبر، وهذا ما تدعوه ضرورات المرحلة في جعل المسلم الشيعي في حالة مواجهة مع المسلم السني وفق رؤية “برناد لويس”، مما يثير الشكوك ويخلق الظنون بأن المقصود من هذه الحرب ليس الإرهاب أو التطرف أو التعصب كما يشاع ويذاع بل المقصود منها الإسلام وتعاليمه وقيمه.
نعود إلى السؤال السابق لماذا يتحالف الأضداد في العالمين الغربي والشرقي ضد الإسلام؟.
يتواطأ الأضداد، على حد تعبير المفكر اللبناني “علي حرب”، في محاربة الإسلام، لأن هذه الأنظمة لا تستمد شرعيتها من شعوبها بل من رضا ذلك الغربي الأجنبي الذي يوفر لها الدعم والحماية في مقابل ذلك مساعدته على بسط نفوذه وهيمنته على المنطقة، ولا يتسنى له ذلك إلا بمحاربة من يعكر صفو هذه السيطرة، كذلك أن الأمن والاستقرار في المنطقة يضع هذه الأنظمة على المحك، ويجعلها مجبرة على القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية تقوي الجبهة الداخلية وتعمل على تحرير نفسها من قوى الاستبداد والطغيان الذي هو مقدمة للتحرر من الهيمنة الخارجية.
لذلك لا بد على الغيورين على الإسلام وشعوبه وعلى جغرافيته أن يرفعوا لواء الدفاع عنه من هذا الباب، أي تحديد مفهوم الإرهاب، حتى لا يكون مطية في يد كل ديكتاتور يتخذه مبرراً لاستمراره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن يشمل الإرهاب أي عنف يمارس ضد حياة الإنسان وأمنه مهما كانت ديانة وشريعة من يمارسه حتى لا يكون مقصوراً على المسلمين فقط، فلا بد أن يشمل أيضا ذلك الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين بدم بارد، أو ذاك المسيحي الذي يخلق الرعب في أوساط الأمنيين دولا وأفراداً، كما أنه يجب أن يشمل إرهاب الدول فما يفعله بشار الأسد في حق شعبه الآن هو إرهاب بعينه لا يختلف عما يفعله الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، أو الاحتلال الأمريكي عند غزوه العراق أو أفغانستان..إن لم يفقهُما فدحاً وشناعةً، لأن إرهاب الدول يفوق إرهاب الأفراد.
__________
«القاعدة» يتبرأ من «داعش»: قطيعة .. أم إعلان حرب؟
بقلم عبدالله سليمان علي
كلام له ظهر وبطن، ولكنه أيضاً سلاح ذو حدّين. البيان الصادر عن «تنظيم قاعدة الجهاد ـــ القيادة العامة» حول عدم وجود أي صلة بين تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) هو أقلّ من إعلان حرب، ولكن أكثر من مجرد قطيعة وطلاق بائن.
في البداية ينبغي التنويه أن البيان يعود إلى تاريخ سابق، وتحديداً إلى 22 كانون الثاني الماضي، والأيام وإن كانت قليلة إلا أن لها حساباتها في مجريات المشهد «الجهادي» على الأراضي السورية، نظراً لتسارع الأحداث ووتيرة تطورها المتصاعدة. ففي ذلك التاريخ صدر التسجيل الصوتي لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري «نداء عاجل لأهل الشام»، والذي طالب فيه بوقف إطلاق النار بين الفصائل الإسلامية، وتشكيل هيئة قضائية للنظر في النزاع.
وقد اعتبر هذا النداء تراجعاً في حدة موقف الظواهري من «داعش»، قياساً على الموقف الذي كان قد أعلن عنه أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام)، وحمّل فيه «داعش» مسؤولية تصاعد النزاع نتيجة سياسته الخاطئة.
لكن «السفير» أشارت في حينه إلى أن التسجيل الصوتي للظواهري كان مصحوباً ببيان سري أكثر قسوة في مضمونه من التسجيل الصوتي المعلن، وهو هذا البيان الذي نشره مركز «الفجر»، التابع لتنظيم «القاعدة»، بعد أسبوعين من وصوله إلى بعض القيادات «الجهادية» في سوريا.
وجاء في البيان «تعلن جماعة قاعدة الجهاد أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها». وأضاف ان التنظيم «ليس فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطه بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاته».
وشدد البيان على «البراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهداً أو مسلماً أو غير مسلم». وأشار خاصة الى «البراءة من الفتنة التي تحدث في الشام بين فصائل المجاهدين ومن الدماء المحرمة التي سفكت فيها من أي طرف كان». ودعت قيادة «القاعدة» «كل ذي عقل ودين وحرص على الجهاد، الى أن يسعى جاهداً في إطفاء الفتنة، بالعمل على الإيقاف الفوري للقتال، ثم السعي في حل النزاعات بالتحاكم إلى هيئات قضائية شرعية للفصل في ما شجر بين المجاهدين».
ظهر وبطن. لأن البيان من حيث الظاهر لم يأت بجديد على صعيد العلاقة بين «القاعدة» و«الدولة الإسلامية». فمن المعروف أنه ليس هناك علاقة تنظيمية بين الطرفين، كما أن الظواهري نفسه أعلن في رسالة سابقة أن «جبهة النصرة» هي فرع «القاعدة» في الشام وطالب «الدولة الإسلامية» بالعودة إلى العراق. أما في العمق، فالرسالة من البيان واضحة، وهي أن قيادة خراسان (تاريخياً كان يطلق على أفغانستان وجزء من باكستان اسم إقليم خراسان، وبناءً على منطقهم باستعادة كل شيء إسلامي فإن «القاعدة» يستخدم هذا الاسم) غير راضية عن «النهج» الذي يسلكه «الدولة الإسلامية»، وفيه تهديد مبطن بأن الوقت لن يطول قبل أن تعلن قيادة خراسان تبرؤها من هذا «النهج» الضالّ، كما تبرأت اليوم من العلاقة التنظيمية.
وسلاح ذو حدّين. لأن كل طرف سوف يجد السبيل المناسب إلى تفسير البيان وتأويله بما ينسجم مع مصالحه ومفاهيمه. فالقيادة العامة لتنظيم «القاعدة» تريد وضع مسافة بينها وبين «داعش» تسمح لها بالاستفادة من المناخ الجديد في المنطقة، الذي يوحي بتقبّله لـ«القاعدة» وتنظيماتها، ولا يمانع من اندماجها أو تحالفها مع تنظيمات أخرى، من دون أن يكون سيف مكافحة الإرهاب مسلطاً على رقابها.
أما تنظيم «الدولة الإسلامية» فسوف يتمسك بتفسير للبيان يخدم الأدبيات التي طالما شكلت أساس خطابه، وعلى رأسها تأكيده المستمر أنه تنظيم مستقل عن «القاعدة»، وأنه ليس ثمة بيعة في رقبة زعيمه أبي بكر البغدادي للظواهري. ومن الواضح أن البيان سيشكل مستنداً قوياً في أيدي أنصار «داعش» لهذه الجهة. كما أن صدور مبادرة «التبرؤ وإعلان عدم وجود علاقة» عن قيادة خراسان، من شأنه أن يزيح عن كاهل «داعش» عبئاً معنوياً كبيراً، طالما ترددت قياداته في التعبير عنه، رغم أنهم في منعطفات كثيرة كانوا راغبين فيه أكثر من رغبة قيادة خراسان.
علاوة على ما سبق، تجدر الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وقد تعطي مؤشراً لتحديد الشخصية الأكثر نفوذاً داخل المشهد «الجهادي» في سوريا، فالبيان الصادر عن قيادة خراسان أتى بعد أيام فقط من قيام أبو خالد السوري، «أمير أحرار الشام» في حلب، ومندوب الظواهري لحل الخلاف بين «النصرة» و«داعش»، بتوجيه نداء إلى أيمن الظواهري يطالبه فيه باتخاذ موقف حاسم من «داعش» والتبرؤ من أفعاله، حيث قال مخاطباً الظواهري: «يا شيخنا إن ما حدث ويحدث من قتل للمسلمين تحت أسباب واهية، ما أنزل الله بها من سلطان، بسبب ما يدعى الدولة في العراق ثم في الشام، سببه تأخركم كقيادة للجهاد في العالم في الإنكار عليهم والتبرؤ منهم ومن أفعالهم، حتى لا يخدع أحد بهم». وأضاف السوري ان «اعترافكم بهم، وإسباغكم الغطاء الشرعي عليهم، أساء ويسيء إلى الجهاد وإلى التنظيم»، وطالبه بأن «ابرأ إلى الله منهم، ولا تمهلهم مرة بعد مرة، واعلم أنك مسؤول ومحاسب».
وهذه الاستجابة من الظواهري أو قيادة خراسان لمطلب أبي خالد السوري، لا توحي بوجود علاقة بين «أحرار الشام» و«القاعدة» وحسب، بل إنها ترقى لتكون دليلاً على محورية الدور الذي يقوم به أبو خالد السوري، سواء داخل حركة «أحرار الشام» وإضفاء طابع «القاعدة» عليها، أو لجهة تأثيره على قيادة خراسان، واستدراج الأخيرة لاتخاذ مواقف لا تصب في النهاية إلا في مصلحة «حركة أحرار الشام» البعيدة كلياً عن أي انتقاد يربط بينها وبين الإرهاب كما هي الحال مع «جبهة النصرة».
وقال قائد من «جبهة النصرة» في شمال سوريا، لوكالة «رويترز»، إن البيان يعني أن موقف جماعته لم يعد على الحياد. وأضاف «نحن الآن في حرب مع جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسنقضي عليها نهائيا».
_________
عن تحالف الأضداد والحرب على الإرهاب
بقلم سعدون يخلف
«إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو تنظيم تابع للمخابرات السورية، ويتلقى دعماً لا نظير له من إيران وحزب الله، وتتحكم فيه دوائر مخابراتية دولية، وذلك لأجل القيام بأعمال عدوانية ضد المدنيين العُزّل لتشويه ثورة الشعب السوري”. هذا الخبر ليس مصدره وكالات الأنباء العالمية بل هو من نسج خيالي إلا أنه يتقاطع مع العديد من الوقائع والتحليلات التي تقرُّ بأن هذا التنظيم لا علاقة له بالثورة السورية وفصائلها لا من قريب ولا من بعيد.. ماذا لو كان هذا الخبر يعبر عن الحقيقة؟، وماذا سيقول أولئك المحللون المختصون في حركات الإسلام السياسي الذين ملأوا شاشات التلفزيونات ضجيجاً وصخباً؟، يستحضرون من خلاله تاريخ الحركات الإسلامية مع العنف والقتل والدمار، فيخلطون الكثير من الحقائق، ويزيّفون الوقائع، من أجل أن يصلوا في التحليل الأخير إلى أن الحركات الإسلامية هي حركات عنف وإرهاب لأنّها تستمد مرجعيتها من المطلق الديني، لذلك لا بد من الوقوف في وجه هذا المشروع التدميري القاتل لروح التعايش بين البشرية.
لا بدّ من إقرار حقيقة مهمّة في هذا الشأن، وهي أن التطرف صفة لصيقة بكل جماعة إنسانية سواء اتخذت من الشرائع السماوية قانوناً للحياة، أو اتخذت من قوانين الأرض منهاجاً للعيش، لذلك فعندما نستدعي التطرف وعلاقته بالجماعات الإنسانية من الأفضل ألاّ نسقطه على دين إلهي أو قانون أرضي بالمطلق، لأن الدين أو القانون ما هو إلا منظومة تعمل على تنظيم حياة الناس ومعيشتهم، أما التطرف فهو سوء الفهم للنص الديني أو القانون الإنساني، هذا أولا.
ثانيا، إن هناك حملة شعواء ضد الإسلام وتعاليمه من طرف العقل الديني والسياسي الغربي منذ اللقاء الأول الذي أدى، كما هو معروف تاريخياً، إلى الصدام، حيث سجل المسلمون انتصارات معتبرة، يعتبرها المسلم فتحاً جديداً ويراها الغربي غزواً، وذلك بغية إثبات حقيقة واحدة في الأخير، وهي أن الإسلام هو دين العنف، ومعتنقيه هم الذين يزرعون الإرهاب في كل مكان من العالم، أو أن الإسلام يمثّل حدود الدم مع غيره بما يحدث من أعمال عنف وتدمير كما علق المفكر الأمريكي “صموئيل هنتنغتون” في كتابه المشهور “صدام الحضارات”، للأسف انتقلت الرؤية الغربية للإسلام من الخارج الغربي إلى الداخل الإسلامي، فأصبح العقل السياسي العربي يصف الإسلام بالإرهاب، ويتعامل مع أحداث العنف الجارية فيه بأنها إفراز للجماعات التي تتخذ من تعاليم الإسلام منهاجاً في الفكر والسياسة، والأنظمة العربية بهذه الرؤية التي تريد تسويقها في إعلامها تحاول أن تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تريد أن تقول للغرب بأن معركتها معه واحدة وهي ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي يزرع الموت من خلال الانتحاريين والسيارات المفخخة والطائرات الملغومة في كل مكان من العالم، وتغطي في المقابل عجزها في التنمية والبناء في الداخل لأنها تخوض حرباً ضد الإرهاب الذي يريد إفساد حياة الناس.
السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: لماذا يتشارك العقل السياسي الغربي مع العقل السياسي العربي في حربه ضد الإرهاب؟، إن كنا نتفهم عداء الغرب المسيحي للإسلام بحكم دواعي التاريخ وضرورات الجغرافيا، هذا العداء الذي استمر رغم تطليقه عوالم الدين منذ صيحة ديكارت المدوية “أنا أفكر إذن أنا موجود”، وإعـلان نيتشه بـــ “أن الله قد مات”، إلا أنه ورث عنه التعلق بالأشياء وحبه للسيطرة، إذن فمبررات الغرب واضحة لأنه يريد من خلال هذه الحرب تدمير الأعداء الذين يقفون أمام طموحه في السيطرة والهيمنة على العالم، وبما أن الإسلام يشكّل قوة كبرى تستطيع أن تقف في وجه أي قوة تريد السيطرة لما يحمله من قيم ومبادئ وتعاليم تمجّد الاستقلال وتتشوق للحرية وتناصر المظلومين وتعلي من قيمة الإنسان، فهذه القيم مغايرة لمنهج الغرب في الحياة ونظرته للوجود.
لذلك كله، فالغرب في كل مرة يحاول صناعة الأعداء من أجل تمرير مشروعه منذ أن تخلص من الاتحاد السوفيتي، ولأن هذا المشروع لا يمكن أن يستمر إلا بوجود أعداء حتى ولو كانوا وهميين، فهو يسعى لصناعة هؤلاء الخصوم من خلال سياقه المعروف، صورة واحدة، صوت واحد، وخطاب واحد، وكلنا يتذكر الكذبة الأمريكية عن العراق وقوته وعلاقة نظامه بالقاعدة وامتلاكه للأسلحة النووية، وبعد الغزو ثبت أن ما سُوّق هو مجرد كذب في كذب، وتبين أن الهدف الحقيقي هو النّفط ومحاولة زعزعة المنطقة بمزيد من التدخلات وإثارة الفوضى والقلاقل، فالذي يكذب عن العراق وقوة نظامه سيتجرأ مرة أخرى ويصنع عدواً آخر، وليكن هذه المرة عدواً ليس له مكان معروف وغير مرتبط بدولة بعينها، وينتقل من مكان إلى آخر، لذلك فمن حق أمريكا زعيمة العالم الحر أن تتبع هذا العدو للقضاء عليه، فأعلنت الحرب على أفغانستان من أجل ملاحقة “أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة الذي صار بين ليلة وضحاها يؤرّق أمريكا أكبر قوة عسكرية في العالم، وهل يعقل أن شخصاً يعيش في جبال تورا بورا يخيف أمريكا التي يرتعد منها حكام دول وتهابها جيوش العالم في الشرق والغرب؟، لا نقول هذا الكلام هكذا اعتباطاً، فالتاريخ القريب يخبرنا من خلال الوثائق المسربة من المخابرات الأمريكية بأن الكثير من التقارير عن قوّة الاتحاد السوفيتي مزيفة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، فقد اعتمدت هذه المؤسسة سياسة تضخيم العدو بغية تمرير مشاريعها في الهيمنة والسيطرة.
إذا كانت هذه مبررات الغرب في عدائه للإسلام والمسلمين، فما لا نتفهمّه ويجعلنا نقع في حيرة ودهشة هو هذا العداء لكل ما هو إسلامي من طرف الأنظمة العربية التي تكتب في ديباجة دساتيرها “الإسلام هو دين الدولة”، قد يقول البعض بأن المقصود من الإسلام هو تلك الممارسات المتطرفة من طرف أقلية من المسلمين تشوّه الدين السمح الذي يدعو إلى التعايش والحب والرحمة والسلام، للأسف هذا ما يقوله الغرب أيضا عندما يوجه سهام حرابه للمسلمين، فأمريكا خلال حملاتها الحربية تقول بأن الهدف من الحرب هو الإسلام المتطرف لا الإسلام المعتدل الذي يمثله في رأيها حكام العرب، فبشار الأسد مثلا عندما أراد الوقوف في وجه ثورة شعبه السلمية التي نادت بالقليل من الكرامة والقليل من العزة والقليل من العدل والمساواة واجهه بالسلاح، وقدم نفسه للغرب بأنه جندي في صفوف الناتو يحارب جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية تريد أن تنّغص حياة السوريين وتعيدهم إلى عصور التطرّف والظلامية، وهدد إسرائيل وهو المقاوم والممانع بأن أمنها من أمن سوريا، نفس الشيء يقوم به الجنرال عبد الفتاح السيسي عندما فشل في تثبيت نظامه الانقلابي، فهو يصنف الشعب حسب هواه ويحدد من هو الشريف ومن هو غير الشريف، ويلصق صفة الإرهاب على من يعارضه حتى ولو كان هذا الذي يعارضه لا يشاركه في الوطن الواحد، لذلك صارت حركة حماس المقاومة للكيان الصهيوني إرهابية لأنها تريد زعزعة أمن مصر واستقرارها، والكل يعلم أن هذه الاتهامات باطلة الهدف منها هو التقرب إلى إسرائيل ومن ثم إلى الغرب، كما أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عندما أراد أن يقضي على اعتصام أهالي الأنبار المظلومين والمكلومين استدعى نفس الأسطوانة المشروخة وهو محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي فجهز الجيش وطلب الدعم من المجتمع الدولي وهو الآن يقتل نفوساً بريئةً أرادت أن ترفع الظلم عن كاهلها، بأن تعامل كغيرها من شعوب العالم بكرامة واحترام، هذا هو المشترك الوحيد الذي تتفق فيه أنظمة العرب من المحيط إلى الخليج، فكلها مشغولة بحرب مقدسة ضد الإرهاب، هذه الحرب التي ستكون حتماً على حساب حياة الشعوب ورفاهيتهم وحريتهم.
السّمة المشتركة في هذا العدو الذي يطلق عليه مسمى “الإرهاب” سواء في الغرب أو في الشرق هي إسلاميته، حيث يحمل أفكاراً إسلامية ويتزين بلبوس إسلامي حتى ولو كان تاجر مخدرات أو تبغ أو سلاح، زد على ذلك أنه يحمل في بطاقة هويته “مسلم سني”، لأن الشيعي صار بقدرة قادر صديقاً للغرب وحليفاً للشيطان الأكبر، وهذا ما تدعوه ضرورات المرحلة في جعل المسلم الشيعي في حالة مواجهة مع المسلم السني وفق رؤية “برناد لويس”، مما يثير الشكوك ويخلق الظنون بأن المقصود من هذه الحرب ليس الإرهاب أو التطرف أو التعصب كما يشاع ويذاع بل المقصود منها الإسلام وتعاليمه وقيمه.
نعود إلى السؤال السابق لماذا يتحالف الأضداد في العالمين الغربي والشرقي ضد الإسلام؟.
يتواطأ الأضداد، على حد تعبير المفكر اللبناني “علي حرب”، في محاربة الإسلام، لأن هذه الأنظمة لا تستمد شرعيتها من شعوبها بل من رضا ذلك الغربي الأجنبي الذي يوفر لها الدعم والحماية في مقابل ذلك مساعدته على بسط نفوذه وهيمنته على المنطقة، ولا يتسنى له ذلك إلا بمحاربة من يعكر صفو هذه السيطرة، كذلك أن الأمن والاستقرار في المنطقة يضع هذه الأنظمة على المحك، ويجعلها مجبرة على القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية تقوي الجبهة الداخلية وتعمل على تحرير نفسها من قوى الاستبداد والطغيان الذي هو مقدمة للتحرر من الهيمنة الخارجية.
لذلك لا بد على الغيورين على الإسلام وشعوبه وعلى جغرافيته أن يرفعوا لواء الدفاع عنه من هذا الباب، أي تحديد مفهوم الإرهاب، حتى لا يكون مطية في يد كل ديكتاتور يتخذه مبرراً لاستمراره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن يشمل الإرهاب أي عنف يمارس ضد حياة الإنسان وأمنه مهما كانت ديانة وشريعة من يمارسه حتى لا يكون مقصوراً على المسلمين فقط، فلا بد أن يشمل أيضا ذلك الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين بدم بارد، أو ذاك المسيحي الذي يخلق الرعب في أوساط الأمنيين دولا وأفراداً، كما أنه يجب أن يشمل إرهاب الدول فما يفعله بشار الأسد في حق شعبه الآن هو إرهاب بعينه لا يختلف عما يفعله الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، أو الاحتلال الأمريكي عند غزوه العراق أو أفغانستان..إن لم يفقهُما فدحاً وشناعةً، لأن إرهاب الدول يفوق إرهاب الأفراد.
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات