علي فواز
تركيا دولة وازنة في المنطقة، تستند إلى مجموعة عوامل القوة، منها موقعها الجيوسياسي وعضويتها في حلف الناتو عدا عن امتلاكها لجيش قوي. لكن تحديات عدة بدأت تضيّق على وريثة العثمانيين منذ عام 2015 أو قبل ذلك. بوضوح سعى أردوغان إلى امتطاء "الربيع العربي" لتكون له الكلمة العليا في المنطقة. اليوم تواجه أحلام السلطان فشلاً استراتيجياً غير عادي. كيف تحاول تركيا التعويض عن خسائرها في سوريا والمنطقة عام 2016؟ على ماذا تعتمد وما هي حساباتها؟ ما الدليل على علاقتها المزعومة بداعش؟ ما هي أهم التحديات التي تواجهها؟ كيف توازن بين علاقتها مع إيران ومع الغرب وإسرائيل؟ وما هي مساحة صلاحياتها المرسومة من الدول الأخرى؟ هل تنجو أم تتحول إلى "رجل مريض"؟ المختص بالشؤون التركية الدكتور محمد نورالدين يستعرض هذه الجوانب وغيرها ضمن ملف "ملامح 2016".
يكمن التحدي الأول والأساسي الذي تواجهه تركيا في كيفية الحفاظ على الحد الأدنى من دور مؤثر في المنطقة.
يكمن التحدي الأول والأساسي الذي تواجهه تركيا في كيفية الحفاظ على الحد الأدنى من دور مؤثر في المنطقة. خلال السنوات الماضية كانت أنقرة تطمح إلى أن يكون لها الكلمة العليا في محيطها. كانت تسعى، لا إلى دور رئيسي فحسب، بل إلى الدور الرئيسي.
لم يكن غريباً في هذا السياق أن تدعو إلى شرق أوسط جديد ترسم هي ملامحه وتقوده. هذه الدعوة صدرت حرفياً عن وزير الخارجية آنذاك في كلمة له داخل البرلمان، تحديداً في 27 نيسان/ أبريل عام 2013. حينذاك كانت تركيا تضع نفسها في موقع السيد الجديد في المنطقة. سيد يلغي أدوار كل الأفرقاء الآخرين من سوريا ومصر إلى إيران والسعودية.
تركيا دولة وازنة في المنطقة، تستند إلى مجموعة عوامل القوة، منها موقعها الجيوسياسي وعضويتها في حلف الناتو عدا عن امتلاكها لجيش قوي. لكن تحديات عدة بدأت تضيّق على وريثة العثمانيين منذ عام 2015 أو قبل ذلك. بوضوح سعى أردوغان إلى امتطاء "الربيع العربي" لتكون له الكلمة العليا في المنطقة. اليوم تواجه أحلام السلطان فشلاً استراتيجياً غير عادي. كيف تحاول تركيا التعويض عن خسائرها في سوريا والمنطقة عام 2016؟ على ماذا تعتمد وما هي حساباتها؟ ما الدليل على علاقتها المزعومة بداعش؟ ما هي أهم التحديات التي تواجهها؟ كيف توازن بين علاقتها مع إيران ومع الغرب وإسرائيل؟ وما هي مساحة صلاحياتها المرسومة من الدول الأخرى؟ هل تنجو أم تتحول إلى "رجل مريض"؟ المختص بالشؤون التركية الدكتور محمد نورالدين يستعرض هذه الجوانب وغيرها ضمن ملف "ملامح 2016".
يكمن التحدي الأول والأساسي الذي تواجهه تركيا في كيفية الحفاظ على الحد الأدنى من دور مؤثر في المنطقة.
يكمن التحدي الأول والأساسي الذي تواجهه تركيا في كيفية الحفاظ على الحد الأدنى من دور مؤثر في المنطقة. خلال السنوات الماضية كانت أنقرة تطمح إلى أن يكون لها الكلمة العليا في محيطها. كانت تسعى، لا إلى دور رئيسي فحسب، بل إلى الدور الرئيسي.
لم يكن غريباً في هذا السياق أن تدعو إلى شرق أوسط جديد ترسم هي ملامحه وتقوده. هذه الدعوة صدرت حرفياً عن وزير الخارجية آنذاك في كلمة له داخل البرلمان، تحديداً في 27 نيسان/ أبريل عام 2013. حينذاك كانت تركيا تضع نفسها في موقع السيد الجديد في المنطقة. سيد يلغي أدوار كل الأفرقاء الآخرين من سوريا ومصر إلى إيران والسعودية.
ذروة هذا المشروع الطموح تمثلت في وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر عام 2012. أيّد الرئيس السابق محمد مرسي الدور التركي وذهب باتجاه العداء لإيران ولبشار الأسد.
تصريح وزير الخارجية التركي آنذاك من قاعة البرلمان كان ناتجاً من فائض قوة. تصوّرَ الأتراك كما لو أن الأمر بات محسوماً وأن الدور الرئيسي في المنطقة معقود لهم.
أخذت الأحداث التي تتالت بعد ذلك منحى تراجيدياً بالنسبة للسلطان الجديد. أطيح بالإخوان المسلمين في تونس وفي ليبيا. لم يعد الوضع بيد طرف واحد في هذين البلدين لا سيما في ليبيا حيث كان هناك سعي تركي إلى السيطرة.
لكن بعد الإطاحة بمرسي انقلب المشهد رأساً على عقب. اكتملت الخسارة التركية.
تراجع العلاقات التركية مع مصر بعد تسلم السيسي الحكم انسحب أيضاً على السعودية والإمارات ودول الخليج. هذه الدول التي دعمت الانقلاب على مرسي باتت العلاقات التركية متوترة معها. قبل ذلك تموضعت تركيا بمواجهة محور المقاومة.
في سوريا لم يتحقق الهدف القاضي بإسقاط النظام. يمكن القول إن عام 2015 شهد منذ بدايته انهيار المشروع التركي.
ثم جاء التدخل الروسي في سوريا. لم يكن أردوغان يتوقع هذه الخطوة. الحدث المفصلي كان إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015. هذه المغامرة رتبت حصاراً غير مسبوق على النفوذ التركي في سوريا. لم يعد هناك سبيل إلى تغيير ميداني جذري كانت تعد له تركيا. وصلت الحركة التركية في سوريا إلى أدنى مستوى لها بحيث حرّم على طائراتها اختراق المجال الجوي السوري.
انتهى عام 2015 على تراجع مشروع الدور التركي في المنطقة وفي سوريا إلى أدنى مستوياته. لم يعد أمام أنقرة سوى محاولة البحث عن ماء الوجه في 2016.
كيف حاول السلطان تعويض خسائره؟
سعت تركيا للعودة إلى الواقع الإقليمي عبر خطوتين.
في السياسة لا يوجد مزاح أو نكات. لكن المحاولات التركية لتعويض خسائرها يمكن إدراجها في هذا السياق. سعت تركيا للعودة إلى الواقع الإقليمي عبر خطوتين. رفعت شعار محاربة تنظيم داعش واعتبرت أنه يشكل تهديداً لها واتهمته بمعظم التفجيرات التي وقعت داخل أراضيها. بعض هذه التفجيرات كانت وراءها المخابرات التركية أو أطراف أخرى ولكن ليس داعش.
الخطوة الثانية تمثلت في دخولها إلى بعشيقة في العراق بحجة محاربة داعش. استغلت الانقسام العراقي لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة لا تتواجد فيها قوات جوية روسية.
إذا أردنا أن نترجم هذه الخطوة بلغة السياسة فهي تقول ما يلي: أنا موجودة على الأرض. أنا هنا وقادرة على شبك علاقات مع البيشمركة، وقادرة على إدخال قواتي بذريعة محاربة داعش ليكون لي حصة من الكعكة على الأرض، وأنا في تحرير الموصل لي كلمة وأنا لي كلمة في تقرير مستقبل العراق.
الخطوات التركية الاستعراضية كانت مكشوفة للآخرين. محاولة إعادة تحريك الدور التركي عبر أفعال غير واقعية لا يمكن صرفها. يستطيع الحاكم التركي الدخول إلى بعشيقة بقوات معينة ولكن إذا كان الثمن حرباً مع طرف آخر فسوف ينسحب. يعلم هذا الحاكم أن أكثر من طرف يتمنى وقوعه في هذا الفخ. لذا هو يكتفي بممارسة سياسة المشاغبة والتشويش ورفع العصا ولا يتعدى ذلك.
________________________________________
ورقة داعش
لا تستطيع السلطات التركية التخلي عن داعش طالما أن الأزمة السورية لم تنته.
علاقة السلطات التركية مع داعش جلية. لا تستطيع هذه السلطات التخلي عن التنظيم الإرهابي طالما أن الأزمة السورية لم تنته. تحتاج أنقرة إلى هذه الورقة كوسيلة للحصول على دور مؤثر وفاعل في سوريا.
الأدلة على هذه العلاقة كثيرة. قبل أن يوزع الروس صوراً تثبت وجود علاقة تجارية ويرصدون حركة الشاحنات التي تنقل النفط إلى الأراضي التركية، كانت هناك تقارير صادرة عن لجان تحقيق في البرلمان التركي حول هذا الأمر. هذا عدا عن وثائق كثيرة تدل على هذا الأمر، منها ما نشر في الإعلام التركي.
لنتأمل قليلاً التفجيرات التي حدثت داخل تركيا. تلك التفجيرات التي اتهمت أنقرة داعش بالمسؤولية عنها لم يتبن الأخير أي واحدة منها.
مؤشر آخر. تفجير سوروتش في 20 تموز يوليو 2015 وتفجير أنقرة في 10 تشرين الأول أكتوبر 2015. الشخصان اللذان قاما بالعملية كانا على لوائح المشتبه بأنهم يمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية. مع ذلك لم تقم المخابرات التركية بأي خطوة، علماً أنها بررت عجزها عن منع تفجير اسطنبول الذي وقع في كانون الثاني يناير 2016 بأن الانتحاري عبر من سوريا ولم يكن ضمن لوائح المشتبه بهم.
بغض النظر عن ذلك، التفجيران سالفا الذكر استهدفا الأكراد.
لنفترض أن هذه قرينة ضعيفة. لماذا لا يستهدف داعش المصالح التركية؟ لو كان يريد استهداف تركيا لكان اختار أهدافاً أكثر إيلاماً.
________________________________________
فشل استراتيجي
من أبرز التحديات التي ستواجهها تركيا في سياستها الخارجية هذا العام هو لجم الكرد في سوريا.
في بداية 2013 لم يكن أحد يتوقع تغييراً استراتيجياً على الأرض يتمثل بسيطرة الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري على مساحة تقدر بـ 500-600 كلم على الحدود مع تركيا. يعد هذا الأمر فشلاً استراتيجياً لا يصدق لتركيا بعد كل هذا التدخل في سوريا.
هذا الواقع من أكبر التحديات التي تواجهها تركيا في المنطقة. ما يزيد خطورته إعلان الكرد السوريين الحكم الذاتي. هؤلاء لهم علاقة بالحالة الكردية في الداخل التركي. هم منتمون إلى عبدالله أوجلان ويتماهون مع القاطع الآخر من الحدود في تركيا.
من أبرز المؤشرات على فشل الرهان التركي على دور في سوريا ظهور الشريط الكردي من حدود العراق إلى جرابلس، وظهور الجيب الآخر في عفرين.
من أبرز التحديات التي ستواجهها تركيا في سياستها الخارجية هذا العام هو لجم الكرد في سوريا والحؤول دون أن يشكلوا حالة كيانية تؤثر على الداخل التركي.
________________________________________
الدور الوظيفي
بالمنظار الغربي تعتبر تركيا دولة وظيفية، بخلاف دول وازنة في المنطقة مثل إيران ومصر.
بالمنظار الغربي تعتبر تركيا دولة وظيفية، بخلاف دول وازنة في المنطقة مثل إيران ومصر (بمعزل عن غياب دورها بل ربما تبعيته لدول أخرى في هذه المرحلة). تبقى تركيا موضع تقدير ودعم بمقدار ما تخدم المصالح الغربية وتحديداً الأميركية والإسرائيلية. هذا الدور يرافق تركيا منذ انضامها إلى حلف الأطلسي. لا يعني ذلك أن لا تبادر بمفردها إلى ممارسة دور يتخطى هذه الوظيفية أو محاولة القيام بذلك. لكن الغرب يستطيع أن يلجمها متى رأى أنها تجاوزت الحدود المرسومة لها. هو معني أيضاً بإبقائها ضمن حد أدنى من الحماية ليحافظ على الهيبة المعنوية لحلف الناتو.
إذا فرضنا أن تركيا حاولت استخدام داعش باتجاه معين يتخطى الخطط المرسومة من قبل الغرب فإنه سرعان ما يلجمها. هذا يفسر الحديث الأميركي والأوروبي خلال مرحلة معينة عن ضرورة ضبط الحدود التركية السورية. ذلك أن جرعة دخول داعش باتجاه الأراضي السورية تكون تخطت الحدود بما لا يتناسب مع السقف الأميركي. ننطلق في ذلك من قناعة أن الأميركي متورط كما التركي في رعاية داعش.
يحاول الأتراك المشاغبة على الدور المرسوم. ينجحون أحياناً ولكن لا يستطيعون الاستمرار في هذه السياسة التي تواجه الفشل لاحقاً.
هنا يمكن أن يطرح سؤال: هل المشروع التركي الذي سبق الحديث عنه للهيمنة على المنطقة كان بموافقة أميركية أم جزءاً من المشاغبة؟
بقدر ما يخدم هذا المشروع المصالح الأميركية بقدر ما ينال الدعم. إذا كانت واشنطن في مرحلة معينة بحاجة إلى تغذية الصراع المذهبي في المنطقة، لا مشكلة عندهم أن يرفع أردوغان الصوت ويتكلم عن إيران الشيعية. لكن قد لا يفيدهم هذا الخطاب إذا كانت العلاقات الإيرانية الأميركية تذهب باتجاه تهدئة وإذا كان هذا الخطاب في طريقه لتشكيل قوة تكون لاحقاً خارج السيطرة.
المصلحة الأميركية العليا تقتضي أن لا يكبر دور أي دولة في المنطقة. يتعامل الأميركيون مع المشروع العثماني التركي في المنطقة بما يخدم مصالحهم. يسمحون له بالتنامي بما يتوافق مع هذه المصالح ويرسمون له حدوداً.
علاقة الغرب بتركيا تقع بين حدّين. لا يستطيع الغرب التخلي عن تركيا. ليس فقط بسبب صراعه مع روسيا. بالنهاية تركيا تتمتع بموقع استراتيجي وجغرافي هام ولديها جيش قوي وهي جارة أوروبا. لذا من الصعب تركها تخرج عن السياق الغربي.
بالمقابل لا يمكن أن يقبل الغرب بأن يتعاظم الدور التركي في غفلة عنه. العين دائماً على العثمانيين لا سيما في ظل الخطاب الديني والقومي لحزب العدالة والتنمية. خطاب بعيد كل البعد عن العلمانية ويمكن أن يهدد الأمن القومي والديني الأوروبي.
________________________________________
إسرائيل.. علاقة بحكم الوظيفة
ما ذكره أردوغان إنه "بحاجة إلى إسرائيل وإن إسرئيل بحاجة إليه في المنطقة" لم نكن نسمعه قبل ذلك.
تراجع الدور التركي في المنطقة لا يزعج الغرب كثيراً. ذلك أنه يدفع أنقرة بحكم الحاجة إلى دول أخرى في الإقليم في محاولة لموازنة الدور الروسي المستجد والدور الإيراني المتعاظم وصمود النظام في سوريا.
كان هذا من أهم أسباب السعي التركي للانفتاح على إسرائيل. جزء منه لتعويض الخسائر في السياسة الخارجية.
ما ذكره أردوغان إنه "بحاجة إلى إسرائيل وإن إسرئيل بحاجة إليه في المنطقة" لم نكن نسمعه قبل ذلك. بالأساس كان هناك خطأ شائع تم تدواله عن وجود توترات بالعلاقة بين الدولتين إثر حادثة سفينة مرمرة.
الصفة الاستراتيجية لم تسقط عن تلك العلاقة. إذا نظرنا إلى العلاقة من النواحي الاقتصادية والأمنية والوظيفية لن نلاحظ أي أثر للتوتر. عدا عن ذلك، بمجرد أن تقوم تركيا بإضعاف الطرف المقاوم للسياسة الغربية في المنطقة مثل إيران وسوريا وحزب الله فإنها تلقائياً تخدم المصالح الإسرائيلية. هذا الدور تقوم به تركيا ودول إقليمية أخرى غيرها.
الدور الوظيفي لتركيا يقتضي بأن تكون جزءاً من حماية الأمن القومي الإسرائيلي وترسيخ الوجود الصهيوني.
هناك أمثلة كثيرة تدل على عدم وجود انقطاع هام في العلاقات، باستثناء التوتر الذي ساد المنابر. سعى أردوغان إلى توظيف خطاباته ضد الحكومة الإسرائلية أولاً للتغلغل في المنطقة، وثانياً لكسب أصوات المتدينين في الداخل التركي. هؤلاء يميلون بطبيعتهم إلى معاداة إسرائيل.
________________________________________
إيران.. فرصة وتهديد
تشكل العلاقات مع إيران فرصة وتهديد في الوقت نفسه بالنسبة لتركيا.
تشكل العلاقات مع إيران فرصة وتهديد في الوقت نفسه بالنسبة لتركيا. حاجة إيران إلى إعادة تأهيل بناها التحتية وإلى الاستثمارات يوفر فرصة اقتصادية لتركيا.
في الشق الاقتصادي نستطيع أن نميز مرحلتين:
- على المديين القريب والمتوسط هناك فرصة للشركات التركية بأن تنال حصة وازنة ومرحب بها من إيران رغم الخلافات السياسية. القرب الجغرافي يوفر لتركيا المسلمة مزايا في هذا الإطار. إيران تصدر بالأساس الغاز والنفط إلى تركيا. بعد رفع العقوبات عن طهران قد يتعزز هذا الجانب خصوصاً أن تركيا تبحث عن بدائل للغاز الروسي في حال حدثت مشكلة في المستقبل.
- على المدى البعيد تكون إيران استكملت تأهيل بناها التحتية وبناء مصانعها وبدأت بالإنتاج. امتلاكها لثروات الغاز والنفط يجعلها قادرة على إنتاج صناعات أقل كلفة في الأسواق من الصناعات التركية.
لا ننسى أن اليد العاملة الإيرانية أقل كلفة أيضاً من التركية. هذا الأمر سوف يشكل تهديداً للصناعات والزراعات التركية.
على الصعيد السياسي سوف تختلف طريقة تعاطي الغرب مع إيران بعد الاتفاق النووي. إذا كان هناك استثمارات فرنسية في إيران فإن موقفها سوف يتغير في مقاربة مسائل سياسية تتعلق بإيران. لن يتماهى بشكل كامل لكنه لن يبقى بالسلبية نفسها. هذا يقود إلى تعزيز الدور الإيراني في المنطقة في العديد من القضايا.
تركيا التي كانت الوكيل المعتمد لدى الغرب عليها أن تشعر بالقلق حول هذا الأمر. أي تقدم إيراني في ملفات المنطقة سوف يكون على حساب دورها.
________________________________________
عوامل القوة
ممنوع أن تتحوّل تركيا إلى بلد ضعيف. إضعافها ينعكس على قوة الاطلسي.
أحد أهم مصادر قوة تركيا هو استقرار نظامها السياسي. وجود "العدالة والتنمية" وأردوغان وحدهما في الحكم يعزز قوتهما لا سيما أنه نابع من انتخابات ديموقراطية. هذا يجعل أي تعاطي مع تركيا يأخذ بعين الاعتبار عدم وجود سلطة بديلة. يستتبع ذلك تحرر في السياستين الداخلية والخارجية. لا يعد القابض على زمام الحكم خائفاً من حسابات داخلية سواء فشل في الخارج أم لا. المفارقة هنا أن حسابات الناخب التركي لا علاقة لها بالسياسة الخارجية إلا بمقدار ما تؤثر بالداخل كملف اللاجئين والذي يبقى تأثيره محدوداً. أساس انتصارات أردوغان تتعلق بالصراع بين الإسلاميين والعلمانيين.
استقرار أردوغان في الداخل إذا تم تثبيته لا يدفعه إلى التنازل في ملفات لها علاقة مثلاً بكرد سوريا أو حلب أو داعش. طالما أنه يشعر بالأمان السياسي وعدم المساءلة في الداخل لماذا يتنازل؟
نقطة القوة الثانية عضوية تركيا في حلف الناتو. سوف تبقى أنقرة حاجة إلى الغرب نظراً إلى موقعها وخصوصيتها لا سيما في ظل استمرار صراع الغرب مع روسيا، وحتى مع إيران رغم الاتفاق النووي.
على هذا الأساس يتعذر إلحاق الهزيمة بالدور التركي بالكامل. ممنوع أن تتحوّل تركيا إلى بلد ضعيف. إضعافها ينعكس على قوة الاطلسي. هذا يجعلها بمنأى عن شرارات التهديدات الخارجية المتنقلة. على رأس هذه التهديدات خطر التقسيم.
هذا الأمر من أهم العوامل التي تعتمد عليها أنقرة بمعزل عمن هو في السلطة. المحافظة على وحدة الأراضي التركية وعدم التنازل أمام الكرد. هؤلاء تكمن مأساتهم في مصلحة الغرب بالحفاظ على قوة تركيا ووحدتها في خضم الصراع الإقليمي والدولي.
الجيش القوي لا يمكن اعتباره ورقة رابحة بالمطلق. ذلك أن استخدامه له حدود مرتبطة بالمظلة الأطلسية. خضوعه لشروط وقيود عدة يجعلنا نصنفه نقطة قوة وغير قوة في الوقت نفسه.
________________________________________
حلم أردوغان
التحديات الداخلية التي واجهتها تركيا عام 2015 لا تزال قائمة ويتوقع أن تستمر في 2016.
التحديات الداخلية التي واجهتها تركيا عام 2015 لا تزال قائمة ويتوقع أن تستمر في 2016.
العنوان الأول في هذه التحديات يرتبط بتكوين السلطة لجهة السعي إلى تعديل النظام من برلماني إلى رئاسي. هذا ليس مجرد تغيير شكلي، بل يفتح الباب أمام تعديل بنيوي في وظيفة النظام لجهة حصر الصلاحيات والسلطات بيد شخص واحد، هو رئيس الجمهورية.
هذا المشروع المعلن منذ أكثر من عامين طبع بشكل قوي التطورات السياسية في تركيا في 2015. كان أيضاً سبباً لرفض أردوغان نتائج انتخابات 7 حزيران يونيو 2015 التي حرمت حزب العدالة والتنمية من الاحتفاظ بمفرده بالسلطة.
الفشل بتحقيق نتيجة مرضية دفعه إلى الدعوة لانتخابات مبكرة حصلت في الأول من تشرين الثاني نوفمبر 2015. شكل الأمر سابقة في تاريخ تركيا التي لم تحصل فيها دورتان انتخابيتان لا تفصل بينهما أكثر من أربعة أشهر.
مجدداً فشل أردوغان. لم تكن نتائج الانتخابات المعادة كفيلة بتحقيق الحلم. لم يحصل حزب العدالة والتنمية على ثلثي المقاعد في البرلمان (367 نائباً)، وهي المقاعد اللازمة لإقرار أي تعديل دستوري. لم يحصل حتى على 330 مقعداً، وهو العدد اللازم لتحويل اقتراح تعديل الدستور إلى استفتاء شعبي. نال الحزب 317 نائباً.
السعي إلى تعديل النظام سيبقى العنوان الأبرز الذي يواجه تركيا في العام 2016. لتحقيق ذلك ليس أمام حزب العدالة والتنمية سوى مسارين:
الأول، إقناع الأحزاب الأخرى بتأييد تعديل النظام إلى رئاسي. هذا الأمر لم ينجح به حتى الآن ومن المستبعد أن يتمكن من استمالة 13 نائباً من أي حزب آخر ليطرح مشروع التعديل على النواب ونيل العدد الكاف (330) لطرحه على الاستفتاء الشعبي. ربما ينجح مع بعض نواب حزب الحركة القومية، لكن هذا يحتاج الى زيادة جرعة تأجيج النزعة القومية ضد الأكراد.
الخيار الثاني، وهو طرح انتخابات نيابية جديدة. هذا الخيار الذي بدأ أردوغان يلمح إليه ليس مستبعداً نظراً لسوابقه في اتباع سياسة حافة الهاوية والمغامرة.
هنا يراهن أردوغان على ضعف المعارضة وتفككها، وعلى حصار حزب الشعوب الديموقراطي سياسياً وحصار الكرد عسكرياً. الطريق مفتوحة نظرياً لكي يرفع عدد نوابه إلى 330.
إذا حصل ذلك ونجح أردوغان ستتحول السلطة في تركيا ضمن ظروف القمع والتضييق على الحريات إلى سلطة استبدادية.
خطورة هذا الأمر تتجلى في ظل التعددية الدينية والطائفية والإثنية في تركيا. الغالبية من العرق التركي ومن الطائفة السنية. في ظل سياسة التمييز ضد الكرد كعرق، وضد العلويين كمذهب، وفي ظل الانقسام الكردي التركي، والسني العلوي، حتماً سيكون الرئيس تركياً (الانتماء إلى العرق التركي) وسنياً.
وفي ظل غلبة النزعة المحافظة القومية والمذهبية والتي لا تقل عن 60-65% من عدد الناخبين، فإنه لن يكون بمقدور أي حزب أن ينافس على منصب الرئاسة (انتخابات الرئاسة في النظام المقترح على أساس حزبي). هذا سيعني تأبيد سيطرة الثنائية القومية المذهبية للعدالة والتنمية على الحكم لعقود في ظل عدم اعتراف لا بالهوية الكردية ولا بالهوية العلوية.
سيؤدي هذا الأمر إلى توجهات جديدة داخل المجتمع. الجماعات والأحزاب التي تحاول الحصول على حقوقها أو التعبير عن نفسها لا يعد أمامها إلا طريق العنف لتحقيق غاياتها. في ظل هذه الحالة ستكون العلمانية أكبر الضحايا.
________________________________________
تحدي الكرد
تشير استطلاعات الرأي الداخلية إلى أن المسألة الكردية تشكل قلقاً كبيراً للمواطنين مقارنة بما كان عليه الوضع عام 2015.
قد يكون التحدي الداخلي الأول غير ضاغط أمنياً على الاستقرار. لكن القضية الكردية التي دخلت اليوم مرحلة جديدة امتداداً لعام 2015 تشكل بالتأكيد ضغطاً أمنياً.
في هذه القضية يجب أن نتذكر أمرين. عام 2015 دخل الكرد البرلمان للمرة الأولى في تاريخهم كحزب وليس كمستقلين. شكل هذا الأمر تعبيراً مرتفعاً عن الهوية السياسية الكردية في تركيا والتي لم يكن يعبر عنها سياسياً سابقاً بهذا الشكل البارز والقوي. هذا التحول في التوازن السياسي الداخلي كان من أسباب فشل حزب العدالة والتنمية في نيل الغالبية المطلقة في البرلمان في انتخابات 7 حزيران/يونيو 2015.
أمر آخر. حزب العمال الكردستاني في النهاية هو حزب تركي. يمثل كرد الداخل وينتمي إلى الحالة السياسية التركية.
هذا الحزب بالتنسيق أو بالتواطؤ مع حزب الشعوب الديموقراطي انتقل إلى محطة أمنية تتمثل بالتصعيد ضد الدولة التركية. الهدف إظهار أن المناطق الكردية تخضع عملياً وعلى الأرض للسيادة الكردية وليس التركية، بمعزل عمن هو موجود في السلطة.
في مطلع كانون الأول ديسمبر من العام 2015 عقد اجتماع بين قيادات الحزبين رفع خلاله للمرة الأولى وبشكل رسمي مطلب الحكم الذاتي. هذا المطلب كان يطرح سابقاً في أدبياتهم وعلى منابرهم لكنه الآن بات علنياً ورسمياً.
الفارق أن الكرد لا يحاولون تطبيق شعارهم اليوم عبر العمل السياسي، كطرحه على البرلمان على سبيل المثال. ذهبوا إلى فرض أمر واقع أمني وعسكري في مناطقهم ومنع القوات والأجهزة الأمنية الرسمية من التواجد فيها.
عام 2016 يتوقع أن يفشل الحل الأمني من قبل الدولة لهذه القضية. الحل الأمني لم ينجح في السابق. الحل الأمني لا ينجح مع 12 مليون كردي.
من جهة ثانية لا يمكن أن تتنازل الدولة عن سيادتها. الاحتمالات مفتوحة هنا. يمكن أن يستمر الخيار الأمني للدولة ويمكن في المقابل أن تعود المفاوضات. قد تعود بعد أن تجهض الحكومة هذه الانتفاضة إلى حدها الأدنى وتفرض نفسها في موقع لا يمكن تجاوزه بحيث لا يبقى خيار أمام الكرد سوى التفاوض.
تشير استطلاعات الرأي الداخلية إلى أن المسألة الكردية تشكل قلقاً كبيراً للمواطنين مقارنة بما كان عليه الوضع عام 2015.
في الخلاصة، الحالة الكردية المستجدة ستبقى ضاغطة على تركيا. هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها حرب شوارع داخل المدن بعد أن كانت تنحصر سابقاً في الأرياف. الفرق أنها تحدث هذه المرة مع وعي سياسي أكبر واختلاف في الظروف الإقليمية. باتت هذا الظروف تساعد الأكراد أكثر على تحصيل مكاسب وتحسين الشروط.
________________________________________
اللاجئون
العقوبات التي تتعرض لها تركيا من روسيا انعكست سلباً على المؤشرات الاقتصادية. مواجهة القيود يوازيها ازدياد المشكلات مع دول الجوار ودول أخرى والتي أدت إلى تراجع الحركة التجارية مع الخارج. انعكس ذلك على الاقتصاد من حيث البطالة وتراجع النمو.
من ضمن التحدي الاقتصادي الاجتماعي مسألة اللاجئين السوريين. لا يقل هؤلاء عن مليونين ونصف المليون. بعد تفجيري اسطنبول العام الماضي حضرت هذه المسألة بقوة باعتبارها تهديداً أمنياً، إضافة إلى كونها تهديداً اقتصادياً واجتماعياً. الاتفاق مع أوروبا لا ينهي المشكلة. فقط الحل السياسي في سوريا ينهيها. لذا فإن التهديد المتعدد المستوى الذي تشكله لتركيا لن يتوقف.
_____________
المصدر: الميادين نت
المصدر: الميادين نت
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات