الاثنين، 4 أبريل 2016

«الإخوان المسلمون» أكلتهم ثورة «الربيع»: «إخوان اليمن»: من نشوة السلطة إلى «لعبة الكبار»... الإخوان الذين تفتّتوا... ذاتياً... الإخوان الذين تفتّتوا... ذاتياً; «النهضة»: لسنا «إخواناً»

    أبريل 04, 2016   No comments


بين مصر وتونس: الإسلاميون في الزمن الجديد
مثّل عام 2013 بالنسبة إلى الحركات الإسلامية في العالم العربي محطة تحوّل ضمن الإطار العام للمرحلة التاريخية التي كانت قد بدأت قبل ذلك بعامين، عقب اندلاع ما سمي «الربيع العربي». بين «الاخوان» في مصر، و«النهضة» في تونس، تجربتان متناقضتان... فهل تكون من تداعيات «الزمن الجديد»، تغيرات جذرية في مفاهيم أبرز تلك الحركات؟
محمود مروة

في صيف عام 2013، عُزل «الإخوان المسلمون» عن الحكم في مصر، فيما كانت «حركة النهضة» في تونس تواجه معارضة شديدة وأزمة سياسية كادت أن تطيح حكومة علي العريض (أحد قادتها) خلال مدة قياسية، قبل أن تؤدي في فترة لاحقة إلى تنازل «النهضة» عن الحكومة.

اليوم، بعد أقل من ثلاثة أعوام على ذلك الصيف، الذي أشعل البلدين، يمكن الوقوف على المشهدين التاليين: في مصر، يواصل حكام القاهرة الجدد الإمساك بمفاصل الحياة السياسية (لحدود خنقها)، بالتوازي مع مواصلة المعركة على «جماعة الإخوان المسلمين» على كافة الصعد. أما في تونس، فقد انقلب المشهد، لتبدو الحياة السياسية مخدّرة نتيجة للائتلاف الناشئ قبل أكثر من عام بين القطبين، «نداء تونس» و»حركة النهضة».
هناك معطى مشترك يمكن أن يمثّل ركيزة للانطلاق بعملية مقاربة واقعي «الإخوان» و»النهضة» خلال المرحلة الراهنة: لقد فتح عام 2011 بالنسبة إليهما على زمن جديد، سمح لهما بأن يصلا إلى السلطة وإلى الحكم في بلديهما. بيد أنّ إخفاق تجربة «الإخوان» وما تبع ذلك من صراع مفتوح مع «الدولة»، يضطر الجماعة إلى إقرار استراتيجيات عمل جديدة، بصورة لم تعتدها في تاريخها. بالتزامن، فإنّ نجاح عملية استقرار «النهضة» في السلطة، يدفعها إلى تسريع التحوّل «من كونها حزبا (حركة) إحتجاجيا(ة) إلى كونها حزب دولة»، وفق تعبير زعيمها، راشد الغنوشي، قبل شهر.

«الإخوان»: ولادة ثالثة؟


يقدّم الباحث في مركز «كارنيغي»، جورج فهمي، في حديث لـ«الأخبار»، مقارنة بين كيفية تعامل كل من «النهضة» و«الإخوان» مع «الواقع السياسي الجديد بعد الربيع العربي». وهو بينما يشير إلى «براغماتية النهضة»، يلفت إلى «سعي (الاخوان) إلى محاولة بناء تحالف إسلامي». وهو الأمر الذي سيدفع، وفقا له، إلى «أزمة بين التيارين الإسلامي والمدني»، وخصوصاً في ظل إصرار «الإخوان» على «إستراتيجيات التصعيد في مواجهة الخصوم السياسيين».
تنظر «الجماعة إلى الدولة على أنها الجائزة التي تحلم بتملكها والاستحواذ عليها»، وفق عبارة المؤرخ المصري، خالد فهمي، في مقابلة سابقة أجراها مع «الأخبار»، لكن في عام 2013، فإنّ خروجها من السلطة وتشتت مراكز قواها وقياداتها، بفعل المعركة المفتوحة عليهم على جبهات العمل السياسي، والإجتماعي، كما الدعوي، وضع الجماعة أمام أزمة يبدو أنها لم تشهد مثيلاً لها.

يتجه «الإخوان» لأكبر انقسام في تاريخهم وهم بحاجة إلى انطلاقة جديدة

قد تندرج المعركة المفتوحة مع «الإخوان» راهناً في سياق الصراع الأكبر المستمر بين مختلف أنظمة الحكم المصرية و«الجماعة» منذ تأسيسها، على الرغم من أنّ هذا الصراع كان يشهد فترات مهادنة، كما حصل مثلاً خلال عقد السبعينيات في عهد أنور السادات، حين عرف «الإخوان» ولادة ثانية، تُرجمت بالتوسع في العمل السياسي والاجتماعي.
لكن أمام الأزمة التي تشهدها «الجماعة»، يبقى السؤال الرئيسي: أي مستقبل ينتظرها؟ عملياً، هناك قراءات للمرحلة الراهنة تذهب باتجاه القول بأنّ «الانقلاب العسكري وتجربة الحكم تعززان من الاتجاه الداعي إلى الفصل بين دور الجماعة كمؤسسة اجتماعية والممارسة السياسية التنافسية»، وذلك وفق ورقة بحثية قدمها الباحث المصري والناشط الشبابي في «الإخوان»، عمار فايد، ضمن سلسلة «إعادة النظر في الحركات الإسلامية» التي ينظمها معهد «بروكينغز». ويصل فايد في ورقته إلى حد اعتبار أنّ «الانقلاب العسكري وضع (الجماعة) أمام استحقاقات يمكن أن تغيّر وجهها في السنوات المقبلة، وهو ما يفتح الباب لديناميات داخل المنظمة الكبيرة قد تفضي لإعادة تعريف دورها السياسي والاجتماعي والديني».
يوضح عمار فايد، في حديثه لـ«الأخبار»، أنّ «قرار الجماعة منقسم بين جبهتين: الأولى تمثل القيادة التقليدية (القائم بأعمال المرشد الدكتور محمود عزت والأمين العام للجماعة محمود حسين) من ناحية. ومن ناحية أخرى، اللجنة الإدارية العليا التي انتخبت في تشرين الأول/أكتوبر 2015 ثم قرر الدكتور محمود عزت ايقاف عدد من أعضائها، لكن غالبية اللجنة رفضت القرار وما زالت مستمرة في العمل ويتبعها حوالي 40% من المكاتب الإدارية في الجماعة».
وفيما يشدد فايد، المقيم في اسطنبول، على أنّ «المشهد شديد التغير وما زال قيد التشكل»، إلا أنه يستدرك قائلاً: «بصورة عامة، ما من آمال كبيرة على التوافق بين الجبهتين، ويبدو أن الجماعة تتجه لأكبر انقسام في تاريخها»، مؤكداً في سياق حديثه أنّ «الجماعة بالفعل بحاجة إلى انطلاقة جديدة».

«النهضة»: لسنا «إخواناً»

«أعتقد أنه قد حان الوقت للاعتراف بأنّ المقاربة التقليدية التي تربط مجمل الأحزاب السياسية المعاصرة التي ترتكز على القيم الإسلامية بجماعة الإخوان المسلمين (على أنها التنظيم الأم)، قد ظهرت محدوديتها»؛ عبارة ذُكرت في مداخلة ضمن سلسلة «إعادة النظر في الحركات الإسلامية» للنائب عن «حركة النهضة»، سيدة الونيسي، في شهر شباط الماضي.
يضاف ذلك التصريح إلى نفي قادة رفيعين في «النهضة»، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، «أي صلة سياسيّة أو تنظيميّة بحركة الإخوان المسلمين». وهو الأمر الذي يكرره الشيخ راشد الغنوشي بنفسه، وإن حاول الاستدراك بأنّ «هناك علاقات فكرية تربطنا مع بقية الطيف الإسلامي في المنطقة».
إنّ ما يجري في تونس، يُعدّ مثيراً، إذ تريد «النهضة» التي تأثرت انطلاقتها بمرحلة الولادة الثانية لـ»الإخوان» نهاية السبعينيات، والتي كانت ضمن «التنظيم العالمي للإخوان»، تريد خلع عباءة «الإخوان». الأمر الذي يصفه البعض بـ «تونسة الحركة» للانسجام مع الواقع الجديد ومع دورها المستجد في قلب السلطة التونسية، وللتأقلم مع الواقع الإقليمي المتغيّر. هو أمر من المرجّح أن يحسم بشأنه المؤتمر العام المقبل للحركة بعد نحو شهر، وتكريسه بالرغم من بعض المعارضات الداخلية، إلا أنّ ما يعدّ مهماً في هذا السياق، ليس احتمال بقائها من عدمه تحت تلك العباءة، بل إنّ أكثر الأمور إثارة يتمثل بمراقبة قدرة حركات الإسلام السياسي الناشئ في القرن العشرين على التبدّل.

1967 إسلامي؟

تعيد مديرة مكتب منظمة «انترناسيونال الرت» في تونس، ألفة لملوم، في حديثها لـ«الأخبار»، رسم إطار عام لمقاربة واقع «النهضة». تقول: «دأب خصومها في تونس منذ الثمانينيات على تصنيفها تنظيما إخوانياً»، موضحة أنّ «في ذلك بعض من القصور في الرؤية، إذ إنّ الجذع التاريخي المشترك لكل الحركات الإسلامية السنية التي شهدت صعودا في أعقاب هزيمة 1967 وتراجع المد القومي في المنطقة العربية، لا يمكن أن يحجب حقيقة أن هذه الحركات غير متجانسة»، إلا أنّ الباحثة التونسية تؤكد أنّ تلك الحركات «وعلى غرار باقي الفاعلين السياسيين، يحكم تطورها ليس فقط مرجعيتها العقائدية، بل كذلك البيئة التي تنشأ فيها وتتفاعل معها، فتؤثر فيها وتتأثر بها، ضمن موازين قوى عامة ليست هي اللاعب الوحيد ضمنها».
هذا تأكيد إضافي على التبدلات المحتملة ضمن «النهضة»، لكن كيف تترجم تجربة هذه الحركة وتجربة «الإخوان» في الأعوام الأخيرة في سياق قراءة تاريخ الحركات الإسلامية؟ هنا، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، أشرف الشريف، في حديثه إلى «الأخبار»، إنّ «البعض يرى أن الفترة الحالية بالنسبة للإسلاميين شبيهة بفترة ما بعد 1967 بالنسبة للتيار القومي واليساري في العالم العربي، لكني من جهتي أرى أن من المبكر إصدار مثل هذه الأحكام لعدة اعتبارات». وفي سياق شرح مطوّل لتلك الاعتبارات، يشير إلى التفاوت في تجارب «إدماج الإسلام السياسي في العملية الديموقراطية»، إضافة إلى عدم وجود «بدائل سياسية وأيديولوجية جذابة تملأ الفراغ الذي تركه الإسلاميون». وفي إحدى النقاط، يلفت إلى أنّ «الإسلام السياسي عبر أربعين عاما من عمر ظاهرة الصحوة الاسلامية خلق جسما ديموغرافيا واجتماعيا ضخما، وامتدادات ثقافية وقيمية مهمة... ومن شبه المستحيل أن يختفي كل هذا تحت القمع أو بسبب فشل تجارب بارزة له في الحكم». ويرجح شريف هنا بأن «تظهر أشكال جديدة للتعبير السياسي عن هذه الأفكار والموجودات الاجتماعية»، مؤكداً في السياق أنّ «مصر هنا هي الرقم الصعب لأن المستقبل فيها غامض جدا بالنسبة للتيار الإسلامي» عامة.

فرنسوا بورغا: «النهضة» لم تخفق

هناك توجه لدى بعض الأكاديميين في الغرب للإشادة بتجربة «النهضة» في تونس. قد يمكن القول إنّ الأكاديمي الفرنسي، فرنسوا بورغا، هو أحد هؤلاء. سألته «الأخبار» إن كان يعتقد بوجود اختلاف جوهري بين الخلفية الفكرية لكل من «إخوان» مصر و«النهضة»، يساهم بشرح مسارهما المتباين. فكان جوابه التالي:
ينتمي الإخوان المسلمون المصريون، و«النهضة»، بشكل غير قابل للنقاش إلى عائلة فكرية واحدة. وهذه العائلة الفكرية تتبع نهجاً واحداً تجاه الإرث الذي يشكله الفكر السياسي الموصوف بالغربي، قائما على عملية استعادة أو استملاك انتقائية، بدلاً من رد الفعل الرافض عشوائياً، الذي يتصّف به الجناح «السلفي» للتيار الإسلامي، لكنّ هذا لا يمنع وجود اختلافات ذات دلالات، ولا سيما في مجال الإستراتيجية.
لقد مكّن الربيع العربي لكليهما التحقق من أهمية قاعدتيهما الانتخابية. ولكنه مكنهما أكثر من تقدير المسافة المهمة التي تفصل ــ في مناخ إقليمي ودولي عدائي في غالبيته ــ بين الحصول على أغلبية انتخابية والتمكن من (إدارة) جهاز الدولة.
قد يمكننا القول إن النهضة «استفادت» من سقوط الإخوان المصريين، وعرفت كيف تتبنى بصورة استباقية، موقفاً واقعياً تراجعياً، وهو الذي يلومها عليه جزء من قواعدها، لكن في ما يخصني، أرفض اعتباره إخفاقاً.


___________________


 تحوّلَ «العدالة والتنمية» إلى نموذج للحركات الإسلامية

على هامش الحديث عن أحوال «الإخوان المسلمين» والحركات المتأثرة بها في الشرق الأوسط، كان لا بد من وقفة، ولو سريعة، مع أحد الوجوه الأكاديمية التركية البارزة في الغرب، حميد بوزرسلان. يشرح الأكاديمي والكاتب التركي لـ«الأخبار» طبيعة العلاقات بين الطرفين، ملقياً الضوء في الوقت نفسه على أثر «جيل ثالث» يحيط بزعيم «العدالة والتنمية»
محمود مروة

■ كيف تفسّر تحوّل الرئيس التركي خلال الأعوام الماضية ليمثّل الوجه الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» في الشرق الأوسط؟ وهل تعتبر أنّ «حزب العدالة والتنمية» مرتبط فكرياً بفكر «الإخوان»؟

«حزب العدالة والتنمية» في تركيا ونزعة «الإخوان المسلمين» (التي تتوسع لتشمل النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب) ينحدران من مسارين تاريخيين، ومن تقليدين مختلفين لا يلتقيان. الأول يعود بجذوره إلى التيار الاسلامي الذي نشأ في نهاية السلطنة العثمانية، وعلى الرغم من خلفيته السلفية، فإنّ الثانية نشأت في بدايات ثلاثينيات القرن الماضي. لكن خلال العقدين المنصرمين، فإنّ (الطرفين) تطورا بصورة متشابهة، وسط تفاعل متبادل بينهما من دون شك.

الحرب العالمية الأولى لم تنته بالنسبة إلى أردوغان

وهكذا، نشاهد فقدانهما للزخم الثوري مع إقرار بالحدود الموجودة، وتخلّيهما عن مشاريع الاقتصاد الإسلامي وتحوّلهما نحو النيوليبرالية. أيضاً، لا بد من الإشارة إلى أنهما يقبلان الآن، ولو شكلياً، العمل في أطر ديموقراطية، فيما يصرّان أكثر في المقابل على الاستقامة في ممارسة الواجبات الدينية وينمّيان ظاهرة عبادة القوة.
مع تمكن «العدالة والتنمية» في تركيا من الوصول إلى الحكم في مطلع القرن الحالي، وإنتاجه لصيغة (بدا أنها) تجمع بين الاسلام والديموقراطية والليبرالية والقوة الاقتصادية، فقد أصبح نموذجاً لسائر الحركات الاسلامية المنتشرة في الشرق الأوسط. لكن خلافاً لما كان يتمناه الثنائي رجب طيب أردوغان ــ أحمد داود أوغلو، لم يكن إعجاب النهضة والإخوان المسلمين بحزب «العدالة والتنمية» وبزعيمه مؤشراً لرغبتهما في هيمنة تركيا كدولة أو دعمهما لأي مشروع توسعي.
وبالفعل شعرَت مجموعة من المفكرين الإسلاميين، خلال مؤتمر عقد في إسطنبول مع زملاء أتراك لهم في عام 2011، بضرورة التأكيد على أن العالم العربي ليس مستعمرة أوروبية أو ولاية عثمانية.
ولست متأكداً من أن «حزب العدالة والتنمية» الذي عانت صورته من ترديات كبيرة في العامين الماضيين لا يزال يعتبر كنموذج يحتذى من قبل سائر الحركات الاسلامية.

نشاهد في تركيا عملية نكوص مؤسساتي هائلة

■ لماذا نجح الخطاب الإسلامي ــ المحافظ في حجز مكانة كبيرة له في تركيا خلال الأعوام الأخيرة؟
يمكن شرح هذا الأمر من خلال عوامل مرتبطة بتاريخ مديد، لكن أيضاً من خلال الوضعية الحالية. لا ينبغي نسيان حقيقة أن تركيا الحالية أقيمت على أساس إبادة أرمنية وعمليات استبدال (قسرية) لمجموعات بشرية مع اليونان، وأن 40 إلى 50% من سكان البلاد ينحدرون من أصول بلقانية أو قوقازية. والمسألة الكردية بما هي قضية إقليمية بامتياز، والمسألة العلوية بدرجة أقل، هما مصدران للنزاع والعنف. كل هذه العوامل تؤدي إلى بروز «هوية قومية» تركية ــ سنية هشة.
علاوة على ذلك، تشهد تركيا التي تضاعف عدد سكانها خلال العقود الماضية، تحولات اجتماعية واقتصادية هائلة، ما يدفع بالطبقات المحرومة وحتى المتوسطة منها إلى تفضيل السلطة، والهيمنة الذكورية، والسيطرة الاجتماعية، إضافة إلى توحيد الرؤية في ما يخص المجال العام.
لذلك نستطيع أن نفهم الآن، وبصرف النظر عن حالات استثنائية، لماذا تنال الأحزاب المحافظة أو المحافظة جداً ما بين 60 إلى 65% من الأصوات... منذ 1950!

■ ألا يوجد أسباب أخرى؟
هناك أيضاً عوامل ظرفية: منذ عدة سنوات، همّش الجيل الأول والثاني من «حزب العدالة والتنمية»، وذلك لفائدة جيل ثالث لا ينحدر من (لم يشهد) نضالات الإسلاميين القديمة، وهو يحدد رؤية أردوغان للعالم. ووفق هذا الجيل، فإن الحرب العالمية الأولى، التي لم يكن لها من هدف (وفق رؤيتهم) سوى تدمير الإمبراطورة العثمانية، لم تنته بعد، وحتى ان المعارك الحاسمة هي بحكم الآتية. عندما نقرأ هذا، يولد لدينا انطباع بأن تاريخ العالم ليس إلا تاريخ عداء تجاه تركيا.
ضمن أجواء كهذه، يتم تفسير أي انشقاق، أو أي خلاف، على أنه فعل خيانة أو أنه مرتبط بعداوات داخلية أو خارجية. ونشاهد في تركيا بالتوازي، نكوصا مؤسساتيا هائلا، يترجم بانتقال كل شرعية المؤسسات إلى شخص أردوغان. هذا التطور يعزز أردوغان، بينما هو المسؤول الرئيسي عن حالة العنف التي تجد تركيا نفسها فيها.

_______________________

بين «ثورتين»: هكذا أعدّ «إخوان سوريا» ما استطاعوا

الأزمة السورية ليست الحدث الأول من نوعه الذي شهدته البلاد في تاريخها الحديث. في أواخر سبعينيات القرن الماضي استعرت في سوريا «أزمة الإخوان». ورغم الفوارق الكبيرة بين «الأزمتين»، لكنّهما تتشاركان قواسم كثيرة، على رأسها «الجماعة»
صهيب عنجريني

كانت «جماعة الإخوان المسلمين» في قلب الحدث السوري قبل انطلاقته، خلافاً لما تمّ الترويج له من أنها «دخلت على خط الأزمة في وقت متأخر». يذهب كثيرٌ من المرويّات إلى أنّ «أول بيان صدر عن الإخوان في الأزمة تأخر إلى نيسان 2011». في واقع الحال، كانت «الجماعة» قد اتّخذت خطوات تمهيدية، ظهر منها إلى العلن ثلاث.

تعود الأولى إلى مطلع شهر آب 2010 حيث شهدت مدينة اسطنبول التركية قيام «مجلس شورى الإخوان» بانتخاب محمد رياض الشقفة «مراقباً عاماً» وفاروق طيفور نائباً له (كانا من قادة العمل العسكري لإخوان سوريا خلال أحداث الثمانينيات). مثّلت الخطوة عودة لهيمنة «الجناح الحموي» في مقابل «الجناح الحلبي»، كما مهّدت لتحوّل «الجماعة» عن مسار «السياسة الناعمة» الذي انتهجه المراقب الأسبق (علي صدر الدين البيانوني) منذ عام 1996 وأثمر فتح قنوات حوار مع السلطات السوريّة، وصولاً إلى إعلان الجماعة تعليق نشاطها السياسي عام 2009 (كان فاروق طيفور من أشدّ معارضي القرار). لم تستغرق القيادة الجديدة وقتاً طويلاً للبدء بإعادة ترتيب الأوراق. في مطلع عام 2011 اتّخذ قرار إنهاء العمل بتعليق النشاط السياسي، وكان ذلك بمثابة خطوةٍ ثانية. الثالثة جاءت نهاية كانون الثاني 2011 مع إصدار «الجماعة» بياناً بعنوان «الشام على خطى الحرية». وكان بمثابة تنفيذ لـ«تهديدات» إعلاميّة على لسان الشقفة قبل شهر قال فيها «إذا استمر النظام في تجاهله لإرادة الشعب، فسنحرّض الشعب على المطالبة بحقوقه حتى يصل إلى مرحلة العصيان المدني».

رسائل إلى دمشق

جاء البيان رسالة إلى دمشق في سلسلة رسائل «حامية» بدأت بعد أيام قليلة من انتخاب «المراقب» الجديد ونائبه، حيناً عبر وسائل الإعلام وآخر عبر صندوق بريد أنقرة. كانت الأخيرة قد اضطلعت بالإشراف على إعادة ترميم «البيت الإخواني». ولعل أبرز الخطوات في هذا السياق كانت «إعادة الاعتبار» إلى الوجه الإخواني البارز عدنان سعد الدين في اجتماع اسطنبول 2009. عرفت عن سعد الدين معارضته الشديدة لأي مفاوضات مع السلطات منذ عام 1986، وتزعّم «جناح بغداد» في مقابل «جناح الرياض» الذي تزعّمه عبد الفتاح أبو غدّة. ورغم عودة الوفاق بين «الجناحين» بدءاً من عام 1996، غير أن خلافاً كبيراً نشب بين سعد الدين والبيانوني «المراقب العام» سنة 2002 نجم عنه إقصاء سعد الدين مجدّداً. بين اجتماعي اسطنبول 2009 (عودة سعد الدين) واسطنبول 2010 (انتخاب الشقفة وطيفور) زاد حضور قضية الإخوان على خط أنقرة ــ دمشق. تبدّلت لهجة الرسائل ليدخل التهديد على الخط منذ تشرين الأول 2010، وصولاً إلى بيان كانون الثاني 2011. عادت الرسائل في منتصف آذار 2011 مع بدء التحركات في الشارع. وعلى وقع تصاعد الأحداث في درعا، تجاوزت المطالب الإخوانيّة حاجز «إلغاء القانون 49» وضمت المطالبة بسلسلة إجراءات وقراراتٍ سريعة تُحوّل «الجماعة» من محظورة إلى شرعيّة مؤهّلة للمشاركة في الحكم. قبل الخطاب الأوّل للرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب (30 آذار) عُرضت تلك المطالب عبر أنقرة في شكل «صفقة».

ردود دمشق

لم تكن العلاقة مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قد تأزّمت بعد. انقسمت الآراء داخل الدائرة الضيقة في دمشق ما بين متحمّس لـ«الصفقة» ورافض لها بشكل كلّي. كان الرافضون يرون في الاستجابة نوعاً من «الرضوخ غير مضمون العواقب». رسمَ التباين ما يمكن وصفه بـ«استراتيجيّة النصف» التي طبعت تعامل السلطات مع الأشهر الستة الأولى من الأزمة، وقوامها السير نصف خطوة في كل اتجاه، بحيث تستمرّ القبضة الأمنية حاضرة في الشارع، بالتزامن مع الإعلان عن «سلسلة إجراءات إصلاحيّة». تضمّن خطاب الأسد الأول جملةً مفتاحية لخصت الرد على الرسالة الأخيرة: «إذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها». بعد الخطاب بأيّام (5 نيسان 2011) أصدر الإخوان بياناً حمل صبغة سياسيّة وتضمّن مطالب عامّة لا تقتصر على «الجماعة» فحسب.

من التظاهر إلى التسلّح: حاضرون

رأت الجماعة في دوران عجلة التظاهرات فرصةً مثاليّة للضغط على السلطات التي خلُصت تقييماتُها للوضع إلى أنّ «ثقل الإخوان في الشارع السوري لا يخوّلهم النجاح في تأجيج الشارع». اتّخذت الأجهزة «إجراءات احترازيّة» في معظم المدن والمناطق التي وُصّفت «بيئة داعمة للإخوان»، لكنّها لم تمنع الشارع من التفاعل سريعاً مع أحداث درعا في عدد من المدن مثل دوما وحرستا وحمص.

أوّل «تنظيم» سياسي محسوب على الإخوان ظهر في شباط 2011

كان لـ«الجماعة» دور أساسي في حشد المتظاهرين عبر وسائل عدّة «إعلاميّة» وفّرتها منصّات كثيرة، منها ما هو رسمي (مثل قناتي «الجزيرة» و«العربيّة») ومنها غير رسمي مثل مواقع التواصل الاجتماعي (أبرز المنصّات على مواقع التواصل كانت «صفحة الثورة السوريّة» التي باشرت نشاطها في شباط 2011). في البيئات التي سبق للجماعة أن تغلغلت فيها، أخذ النشاط طبيعةً أكثر مباشرة، عبر تنسيق التحركات وقيادتها من خلال بعض رجال الدين أو الوجاهات الاجتماعيّة المتعاطفة مع الإخوان (تُعتبر مدينتا دوما وحرستا في ريف دمشق من أوضح تلك الأمثلة). في درعا ساهمت «الجماعة» بشكل فعّال في الترويج لفكرة «ضرورة التسلّح لحماية التحرك السلمي»، ولعبت دوراً أساسيّاً في إدخال شحنات سريعة من الأسلحة الفردية عبر الحدود الأردنيّة. أمّا في حمص فكان لـ«اللجنة العامّة لحماية المدنيين» (برئاسة العضو السابق في جماعة الإخوان هيثم رحمة) دورٌ محوري في إرسال الأسلحة والمال إلى المقاتلين. ولعب أحد أفراد الجماعة (حسام أبو هابيل) دوراً أساسيّاً في تنظيم عمليات تهريب الأسلحة عبر الأراضي اللبنانيّة، ولاحقاً في تشكيل ميليشيات عدّة. بدأ أبو هابيل نشاطه في وقت مُبكر من عمر الأزمة (أيار 2011 على الأرجح)، قبل أن يتّسع نشاطه ويُصبح أكثر تنظيماً. وبحلول آب 2012 بات قادراً على «جمع ما يتراوح بين 40 و50 ألف دولار شهريّاً لإمداد الميليشيات الاسلامية في محافظة حمص بالسلاح ومعونات أخرى»، وفقاً لما نقلته عنه صحيفة «دايلي تليغراف» حينها. وقد نقلت الصحيفة تأكيد أبو هابيل أنّ «مهمّتنا بناء دولة مدنية ولكن على أساس إسلامي، ونحاول التوعية بالإسلام والجهاد». كذلك، لعب العضو في الجماعة خالد خلف (أصبح عضواً في «المجلس الوطني» بعد إنشائه) دوراً محوريّاً في توفير الأسلحة منذ أيّار 2011 لمسلّحين في كلّ من حمص وحماة ودير الزور.

«العمل السياسي»

كانت «الجماعة» سبّاقة في مجالات العمل السياسي، مستندة إلى قاعدة متينة من التحالفات مع أبرز اللاعبين الإقليميين في الشأن السوري (تركيا وقطر في الدرجة الأولى، ولاحقاً السعودية). أوّل «تنظيم» سياسي محسوب على الإخوان ظهر إلى العلن قبل بدء التظاهر في سوريا، وتحديداً في 18 شباط 2011، حيث شُكّلت «مجموعة العمل الوطني من أجل سوريا»، وكان من أبرز أعضائها أحمد رمضان وعبيدة نحّاس. لاحقاً كانت المجموعة جزءاً أساسيّاً في «المجلس الوطني السوري» الذي شكل في تشرين الأول 2011. وقد حظيت بممثلين في «الائتلاف» المعارض منذ تشكيله عام 2012، وفي «الحكومة المؤقتة» عند تشكيلها عام 2013. كذلك شاركت المجموعة في «مؤتمر جنيف 2» عام 2014.

«ثورة الأمس»

تعود بذور الخلاف بين «الجماعة» وحزب البعث إلى ستينيات القرن الماضي. فقد شهدت حماة مواجهات بين الطرفين، من أشهرها أحداث ثانوية الحوراني في آذار 1964، إثر قيام طالب إخواني بكتابة آية قرآنية «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون». تشرح الحادثة جوهر الخلاف: «الجماعة» تطالب بـ«حكم الله»، وترى من يحكم بسواه «كافراً»، والبعث يقبض على السلطة ويعتمد لاحقاً دستوراً لا ينص على أن «دين الدولة هو الإسلام» (الدولة بأكملها وليس الرئيس). شكلت أحداث مسجد السلطان (حماة 1964) مفصلاً مهماً. دأب الإخوان على تأكيد «سلميّة حراكهم» حينها، لكن روايتهم حملت لاحقاً اعترافاً بوجود أسلحة في حوزة المعتصمين «كان بعض عناصر الإخوان يحملون مسدسات صغيرة وأسلحة بسيطة أخرى عبارة عن زجاجات مولوتوف لا يتجاوز عددها سبع زجاجات أو ثماني»، وبأن أولى ضحايا تلك الحادثة كانت من البعثيين «حدث أن قتل طالب بعثي أثناء التظاهرات، فاستدعى عبد الحليم خدام (محافظ حماة حينها) الجيش الذي حاصر المسجد». استمرّت الحال بين مدّ وجزر قرابة عقدين، نفّذت «الجماعة» خلالهما تفجيرات واغتيالات ونفّذت السلطات عمليات اعتقال وتعذيب. احتدمت المواجهات بعد تشكيل مروان حديد «الطليعة المقاتلة» (1975) مروراً بـ«مجزرة المدفعيّة» في حلب (حزيران 1979)، والتي كانت أول مجزرة من نوعها في تاريخ سوريا الحديث، ثم محاولة اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد (حزيران 1980) وصولاً إلى صدور القانون 49 (تموز 1980)، ثم «مجزرة حماة» 1982.

«الطلائع المقاتلة»

في «الأزمة» الأولى حاولت «الجماعة» تسويق فكرة عدم ارتباط «الطليعة المقاتلة» بها. وهو أمر ثبت لاحقاً عدم صحّته وفقاً لوثائق عدّة، منها واحدة صادرة عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية DIA عام 1984، ورفعت عنها السريّة عام 2013. في الأحداث الراهنة طوّر الإخوان وسائلهم عبر السعي إلى تشكيل مجموعات مختلفة في مناطق كثيرة، على ألّا ترتبط المجموعات بهم ظاهريّاً ووفّروا لها كل وسائل الدعم اللازمة. أبرز هذه «الطلائع المقاتلة» كانت «حركة أحرار الشام»، «ألوية صقور الشام»، «سرية أبو عمارة»، «تجمّع فاستقم كما أُمرت»، «كتائب الفاروق» (التي تحولت لاحقاً إلى نواة لـ«حركة حزم»)، «لواء التوحيد»، «هيئة دروع الثورة»، وغيرها.


_____________

«إخوان اليمن»: من نشوة السلطة إلى «لعبة الكبار»
في مسار لا يختلف كثيراً عن مآلات العمل السياسي لتنظيم «الإخوان المسلمين» في الإقليم، انتقل حزب «الاصلاح» في اليمن بسرعةٍ فائقة من الصعود نحو السيطرة على مفاصل الحكم، إلى البحث عن دور في مستقبل بلدٍ مزّقته الحرب
جوي سليم

أربع سنوات كانت كافية لهدم أحلام حزب «التجمع اليمني للإصلاح» وقلب واقعه رأساً على عقب. بعد موجة «الربيع العربي» والآمال التي عقدها الحزب الذي يصنَّف بكونه الفرع اليمني لتنظيم «الإخوان المسلمين» على وضع اليد على السلطة السياسية بشكل كامل، وجد نفسه بحاجة إلى إثبات «جدارته» من جديد ضمن «لعبة الكبار» لحجز مكان له في صيغة الحكم المقبلة.
نجح «الإصلاح» في قيادة مسار «انتفاضة فبراير» (2011) التي التحق بها متأخراً، وبالسيطرة على قرارها حين انشقّ اللواء علي محسن الأحمر وبدأت «عسكرة» الانتفاضة، قبل أن تنتهي بالمبادرة الخليجية التي حكمت اليمن ثلاث سنوات. ثم عززت تجربة حكومة «الوفاق الوطني» من «نشوة السلطة» لدى «الإصلاح»، حيث استطاع الحزب الحصول على أكثر من نصف الوزارات (خلافاً للمبادرة الخليجية) فيما كان رئيس الوزراء، أحمد سالم باسندوة محسوباً عليه أيضاً.
تأسس «الإصلاح» عام 1990 كوريثٍ للنشاط الاسلامي في اليمن. فالعمل السياسي الإسلامي لم يتخذ في اليمن إطاراً تنظيمياً إلا في ذلك العام، بعد سنوات طويلة من الحركة «الخجولة» والانكفاء إلى العمل من خلال القنوات التربوية والدعوية. ووصلت دعوة حسن البنّا إلى اليمن، بعد زيارته عام 1929 البلد الذي كان لا يزال تحت الحكم الإمامي. لكن اقتباس التجربة الإخوانية في العقود التي تلت، تعثّر لأسباب عدة، أبرزها أن ذلك الزمن كان يعجّ بالأحزاب والحركات القومية والماركسية. فاقتصر النشاط الاسلامي في الخمسينيات والستينيات ــ برغم بعض المحاولات التي لم يكتب لها النجاح ــ على المدارس والمعاهد الاسلامية التي بدأت بالظهور.

مثل «الإصلاح» أداةً لضرب أي مشروع يساري أو تحديثي

وبرغم التأثر المبكر بـ»الجماعة»، يبقى الحديث عن تنظيم «إخواني» في اليمن مفتقر إلى الدقة. فحزب «الإصلاح» الذي يرتبط بالتنظيم الدولي، هو في الواقع وعاء لعدد من التيارات الدينية والقبلية والعسكرية، تُعدّ الوهابية التيار الطاغي عليها.
«كان الإصلاح أداةً لضرب أي مشروع يساري أو تحديثي في اليمن»، يقول المفكر وعضو اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي اليمني، محمد المقالح، إذ اتُهم الحزب الاسلامي بتنفيذ اغتيالات ضد قيادات «الاشتراكي» في المحافظات الشمالية، ومن بينها اغتيال الأمين العام لهذا الحزب جارالله عمر عام 1993، من ضمن موجة فتاوى التكفير. في ذلك الوقت، كان «الإصلاح» يمارس نشاطه الدعوي والسياسي من خلال قنوات الدولة في مكتب الإرشاد والمعاهد العلمية ومنابر المساجد والإعلام الرسمي، وهو ما أدى الدور الأساسي في «الغزو السلفي» الذي عرفه المجتمع اليمني.
وفي قضية العلاقة بـ»الاخوان المسلمين»، يمكن القول إن الحزب يميل كيفما تميل الرياح. فحين وصل التنظيم الى السلطة في مصر عام 2012، تعاطى الحزب اليمني مع الموضوع وكأن له حصة فيه. أما حينما أدرجت السعودية «الجماعة» على لائحة «الإرهاب»، فخرج الحزب ببيان يتبرأ فيه من علاقته بـ»الإخوان»، إذ إن علاقته بالمملكة تظلّ على رأس لائحة أولوياته.
إلا أن علاقة الحزب الذي أسسه الشيخ عبدالله الأحمر بالرياض شابتها بعض «الانتكاسات» خلال العقدين الأخيرين. أبرز الاختلافات بين الجهتين، كان إبان «حرب الوحدة» (الحرب على الجنوب) ثم الانتفاضة اليمنية. وشهدت العلاقة بين «الإصلاح» والرياض فتوراً حاداً، في سياق الاختلاف السعودي القطري ودور «الإخوان» فيه خلال «الربيع العربي»، قبل أن تعود الحرارة إلى علاقة الطرفين بعد موت الملك عبدالله.
وفي أيلول من عام 2014، مني «الإصلاح» بهزيمة سياسية أقصته عن المشهد السياسي في اليمن. فبعد دخول قوات «أنصار الله» إلى صنعاء، انكفأ مقاتلو «الإصلاح» عن القتال، حتى سيطرت «أنصار الله» على «اللواء 310 مدرع» التابع لعلي محسن الأحمر، قبل أن يفرّ الأخير إلى الرياض.
وتعتقد شريحة واسعة من اليمنيين أن «الإصلاح» أثبت، خصوصاً مع تأييده للحرب السعودية المستمرة، أنه منقاد تماماً خلق قيادة علي محسن. وأن محمد اليدومي، رئيس الحزب ليس سوى واجهة للحزب ولا سلطةً فعلية له. أما قرار الحزب الحقيقي، فهو بيد «اللواء» والملياردير حميد الأحمر، ويقيم الاثنان في الرياض، حيث تدار شؤون الحزب اليوم.
يرى هؤلاء أن «الاصلاح» فقد الكثير في هذه الحرب على مستويات عدة ولا سيما الجماهيري. وفي هذا الإطار، يقول هؤلاء إنه «في كل بيت في صنعاء اليوم هناك ثأر مع الإصلاح». فمع بدء حملة «عاصفة الحزم»، كان «الاصلاح» من الجهات القليلة التي أصدرت بياناً رسمياً يؤيد الحرب، قبل أن يصبح مسلحوها عماد الحرب البرّية ولا سيما في الشمال. وأظهرت وثائق وتقارير صحافية قتال «الإصلاح» إلى جانب «القاعدة» على عدد من الجبهات، أبرزها تعز التي تُعدّ إحدى أكثر الجبهات استنزافاً لهذا الحزب، بسبب حالة العداء الاماراتية ــ الاصلاحية، السبب الأبرز في تعثر «معركة تعز».
المقالح يرى في حديثٍ إلى «الأخبار» أن ما آل إليه «الإصلاح» هو «انتحار جماهيري». وبالنسبة لحجز «الإصلاح» موقعا في التسوية السياسية بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهو ما بدأ يظهر مع تعيين علي محسن الاحمر «نائباً عاماً للقوات المسلحة» أخيراً، فيقول المقالح إن الحزب قد يعود إلى العمل السياسي ولكن كحالة طائفية لتمثيل «مكون» في صيغة الحكم المقبلة. وقد يتحقق ذلك فقط في حال نجحت السعودية في إرساء صيغة طائفية لهذا البلد بعد الحرب، يضيف، ما يعني أن نفوذ «الإصلاح» السابق وسطوته على الحكم وتغلغله في مؤسسات الدولة، قد ذهبت جميعها إلى غير رجعة.

________

الإخوان الذين تفتّتوا... ذاتياً


عمّان _ الأخبار | شهد التنظيم الإخواني في الأردن أزمة حقيقية خلال السنوات الخمس الماضية، بدءا من مبادرة إشكالية عرفت باسم «الملكية الدستورية» إلى مبادرة عرفت باسم «زمزم» وأحدثت شرخا في جسم الجماعة، ثم جاء انقسام جديد بعدما حصل أعضاء منها على ترخيص يحمل اسم «جمعية جماعة الإخوان المسلمين»، بقيادة المراقب العام السابق، عبد المجيد الذنيبات.

بداية الأزمة كانت في فكرة «الملكية الدستورية»، التي حملت الأفكار نفسها التي يسير عليها نظام الحكم في بريطانيا، وكان مهندسها القيادي الإخواني ارحيل الغرايبة، وروج لها في واشنطن على هامش مشاركته في أحد المؤتمرات. لكن هذه المبادرة نامت في مهدها، بعد الهجوم الذي تعرض له الغرايبة من داخل التنظيم وخارجه.
بعد تفاقم الأزمة الداخلية في صفوف الجماعة، ولدت مبادرة جديدة باسم «المبادرة الأردنية للبناء - زمزم» التي وقف وراءها الغرايبة ومعه القيادي نبيل الكوفحي، ووصفت بـ»الانقلاب الأبيض». منذ انطلاقة «زمزم» والماكينة الإعلامية في المملكة لم تتوقف عن تحليل ما حدث، كما حرص الإعلام القريب من الحكومة على استغلال ما جرى لتعتيم الصورة القاتمة ضد منافسها السياسي الوحيد تقريبا.
في السياق التاريخي، ومع تشكيل المكتب التنفيذي لـ»الإخوان» قبل نحو عامين وبعد فوز همام سعيد بمنصب المراقب العام، وبرغم أن رأي الأغلبية كان أن يشكل همام فريق عمل متجانس، لأن التجربة السابقة في المكتب التوافقي القائم على المحاصصة كانت معطّلة للعمل وقائمة على الترضيات، فإن الرجل كما يقول أنصاره، ونتيجة للتجربة السابقة، اعتمد على مبدأ الكفاءة في اختيار أعضاء المكتب التنفيذي والفريق العامل معه.
في هذه الأثناء، قرر التيار الذي عرف باسم «حمائم الإخوان» رفض المشاركة في أي موقع داخل الجماعة كرد فعل على ما سموه فوز تيار «الصقور» بالأغلبية في مجلس الشورى مع أنها وصفت بأنها «انتخابات تامة وحرة».
راهن هؤلاء على أن المراقب العام لن يستطيع تشكيل مكتب تنفيذي ولن يحظى بالثقة المطلقة من أعضاء الشورى، ولن ينجح في هذه المرحلة الصعبة، فقدروا أن عزوفهم سيحبط القيادة. لكن سعيد قرر تشكيل مكتب تنفيذي من شخصيات صاحبة كفاءة وخبرة وليست بالضرورة من المحسوبة على تيار الصقور، مثل زياد الخوالدة ووائل السقا ومحمد الشحاحدة سعود أبو محفوظ، فيما كان سعيد نفسه وأحمد الزرقان هما المحسوبان تاريخيا وتقليديا على جناح «الصقور».
شعر «حمائم الإخوان» بأنهم أخطأوا التقدير، فحاولوا الضغط من خلال مجلس الشورى لفك «المكتب التنفيذي» وإعادة تركيبه كي يدخلوا إلى المكتب من جديد. بعد عدة محاولات قادها المراقب السابق عبد المجيد الذنيبات (صاحب الانشقاق اللاحق) مع «مكتب الإرشاد العالمي» وحديثه عن شبهة مال سياسي في الانتخابات الداخلية، انقسم هذا التيار إلى جهتين: جهة عدلت مسارها وغيرت رأيها وانخرطت في العمل، وفريق ثان وجد نفسه ومستقبله خارج الجماعة (مبادرة زمزم).
اجتمع مؤسسو «زمزم» في لقائهم الأول في نهاية 2012 بعد ما يقارب ستة أشهر على تشكيل المكتب التنفيذي. حضر اللقاء نحو ستين شخصية دون أن يعلموا بتفاصيل ما دعوا إليه. خلال الجلسة طرقت ورقتان كانت الثانية تنص على تشكيل إطار جديد يشمل بعض معاني وأهداف «زمزم» ما تسبب في انسحاب عدد من الحضور.
أهم من رفضوا فكرة المبادرة شكلا وتوقيتا القياديان عبد اللطيف عربيات وسالم الفلاحات، اللذان رأيا أنها فكرة انشقاقية. وحديثا، أكدت مصادر مطلعة في وزارة الشؤون البرلمانية والسياسية أن «زمزم» تقدمت رسميا بطلب لتأسيس حزب سياسي جديد. ويحمل الحزب اسم «حزب زمزم» إلى جانب صيغة أولية لبعض الأفكار والمبادئ الخاصة به.
استمرت مؤسسات الدولة الإعلامية المناكفة للإخوان بالعمل بمبدأ زيادة الشرخ، فأبرزت نموذج «زمزم» وعملت على مدحه وفتح المجال لقيادات المبادرة حتى جاء موعد إعطاء الترخيص الحكومي الشهير لـ»جمعية جماعة الإخوان المسلمين»، بقيادة عبد المجيد الذنيبات، في محاولة لإحداث شرخ إضافي إلى جانب «زمزم»، مع أن الجمعية لم تلق قبولا لدى القواعد الإخوانية التي نأت أجزاء كبيرة منها عن هذه الخلافات، وفي النتيجة عن المشاركة الفعالة في النشاطات، التي حاصرتها الحكومة في السنة الأخيرة بحجة وجود جمعية مرخصة هي المسموح لها بالنشاطات.
وقد سبقت الترخيص لجميعة الذنيبات مؤتمرات تصحيحية وصفت بالانقلابية على الجماعة الأم، وصولا إلى تدخل الحكومة في الأسبوع الماضي لمنع الأخيرة من إجراء انتخاباتها الداخلية.
يشار إلى أنه قبل الإعلان عن ترخيص الجمعية اعتقلت السلطات الرسمية الرجل الثاني في الجماعة الأم، زكي بني ارشيد، على خلفية منشور له على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وسجن بتهمة الإساءة إلى دولة شقيقة هي الإمارات.
لكن بني ارشيد أعلن في اليوم الأول من خروجه من السجن مبادرة وطنية للإصلاح فتحت شهية المتحمسين في التنظيم وخارجه على فكرة لم شمل الصف الإخواني. ونظريا، استطاع الرجل جمع بعض الشتات عبر توافقات مع التيارات في الجماعة على تمرير الانتخابات الداخلية المقبلة واستبعاد أي مناكفات.
ويذكر أن بني ارشيد، في آخر جلسة لشورى الجماعة، التي اعتقل عقب انتهائها، استطاع أن يساهم في تشكيل توافق عبر طي «ملف زمزم»، ولكن خبر الاعتقال غطى على هذا التوافق، الذي لا يبدو أن نتائجه ستثمر في ظل التشتت الذاتي واستغلال الحكومة له.


_______________
أشواك سيد قطب

وسام اللحام

في روايته "أشواك"، يعبّر سيد قطب (1906-1966) عن خيبة الأمل التي تسبّبها قصة حب فاشلة عاشها البطل مح حبيبته بسبب التقاليد الاجتماعية المحافظة. صدرت رواية "أشواك" سنة 1947 وقد أهداها قطب إلى حبيبته كاتبا: "إلى التي خاضت معي في الأشواك فدميت ودميت وشقيت ثم سارت في طريق، وسرت في طريق: جريحين بعد المعركة.

لا نفسها إلى قرار ولا نفسي إلى استقرار". كان هذا قبل أن يتحول سيد قطب ويصبح مفكر الاخوان المسلمين الأبرز الذي سيدفع حياته ثمن مواقفه ويجري اعدامه شنقا زمن حكم الرئيس جمال عبد الناصر.
كيف تحولت شكوى سيد قطب من لوعة الحب وأشواكه إلى رفض عارم وجارف لكل سلطة غير اسلامية؟ لا شكّ أن هذا السؤال يعكس الأزمة التي يعيشها العالم العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى اليوم حول مفاهيم الهوية والقومية والحداثة، التي دخلت بقوة مع توسع الهيمنة الغربية على المستويات الاقتصادية والعسكرية والفكرية. وقد تنكر قطب لاحقا لروايته "أشواك"، إذ عدّها غير اسلامية تنتمي إلى فترة حياته "الجاهلية" التي امتدت لما يقارب الأربعين سنة كما وصف نفسه في كتابه "معالم في الطريق" الذي استعملته المحكمة لادانته بسبب تحريضه الشباب على التمرد والعمل لاقامة الشريعة وحاكمية الله.
سافر قطب سنة 1948 إلى الولايات المتحدة في بعثة كممثل عن وزارة التربية بغية دراسة مناهج التعليم الحديثة لكنه عاد وقد تغير بشكل كبير إذ هاله واقع الحياة في أميركا التي وصفها في كتاب له كمجتمع يعاني ثلاث آفات رئيسية: المادية، العنصرية والانفلات الجنسي. لقد رأى قطب أن الدول الصناعية تفوقت من حيث التقدم التكنولوجي لكنها تنتج دون قيم روحية واخلاقية حيث أضحت الحرية مجرد سعي وراء الملذات والرغبات الجامحة. وعقب عودته إلى مصر تقرب قطب شيئا فشيئا من حركة الاخوان المسلمين حتى توج انقلابه الفكري مع انضمامه رسميا إلى صفوف الاخوان المسلمين سنة 1953 إذ اعتبر الاخوان بوصفهم القوة الوحيدة التي تستطيع الوقوف بوجه تمدد الحضارة الغربية في العالم الاسلامي.
ومن أشواك الحضارة الغربية إلى أشواك ثورة الضباط الاحرار التي أنهت النظام الملكي في مصر سنة 1952. فقد أيدت حركة الاخوان الثورة في أول الأمر لا بل جرى تعيين سيد قطب نفسه مستشارا للمجلس العسكري وأصبح بالتالي المدني الوحيد الذي حضر اجتماعات المجلس. سرعان ما نشأ الخلاف بين قادة الانقلاب والاخوان اذ رفض المجلس العسكري مطالب هؤلاء بتطبيق الشريعة كمنع بيع الكحول واغلاق الحانات. كذلك رفض المجلس مطالب الاخوان بالانتقال الى نظام حكم دستوري مدني واجراء استفتاء شعبي حول تطبيق الشريعة. وهكذا بعد تصاعد حدة الخلاف حُلت حركة الاخوان المسلمين وزج بسيد قطب في الحبس بعد تعرضه للتعذيب، وبقي في الحبس حتى سنة 1964 حين أُفرج عنه بناء على طلب من الرئيس العراقي عبد السلام عارف، لكن ما لبث ان اعتُقل من جديد بعد ثمانية أشهر بتهمة الارهاب والإعداد لانقلاب مسلح فأُدين وأُعدم في 29 اب 1966.
تأثر سيد قطب خلال فترة اعتقاله بكتابات أبي الأعلى المودودي الذي نظّر لمفهوم حاكمية الله وجاهلية المجتمعات البشرية وكان أول من استعمل هذه المفاهيم بشكل سياسي وضد مسلمين اخرين. وقد سار قطب على النهج نفسه فأصّل لفكرة الحاكمية في كتابه الضخم "في ظلال القرآن"، حيث كتب ان "إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور".
فكل مجتمع لا يقوم على تطبيق شرع الله هو مجتمع جاهلي يفتقر للشرعية لأن فكرة التوحيد تفرض أن سلطة التشريع، وتحديد الحلال والحرام، يعودان حصرا لله. فقبول سلطة بشرية أكانت لانسان مفرد أو لمجموعة معينة أو لايديولوجيا محددة كالقومية أو الشيوعية شرك يؤدي بالمجتمع إلى الكفر والسقوط في الجاهلية. لذلك كان لا بد من "إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر، وتحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها" فلا بد من "الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان، لتحرير الإنسان في الأرض، كل الأرض".
وهكذا نفهم كيف تجري عملية تكفير دول ومجتمعات بأكملها. فمعيار الحاكمية ليس تركيبة الشعب السكانية، بل تطبيق شرع الله. فالبلاد التي لا تطبق فيها الشريعة هي دار حرب حتى لو كانت الغالبية الساحقة من سكانها مسلمة مؤمنة. فالحكومة الاسلامية هي حكم الشرع، والدولة الاسلامية لا تعرف حدودا جغرافية، بل هي تمتد لتشمل كل الاراضي الخاضعة لحاكمية الله. من هنا كانت الدعوة ضرورية في مرحلة أولى لشرح حقيقة الدين لمن ضل من البشر ومن ثم لا بد من الجهاد والقوة لمواجهة الحكومات التي تقوم على مفاهيم جاهلية. فالثورة الاسلامية واجب لتدمير العراقيل التي يفرضها الانسان بين المؤمن والله.
هذه هي وصفة سيد قطب لتحرير الانسان من أشواك الجاهلية. فمن أشواك الحب، أنهى قطب حياته محاربا أشواك الطواغيت وحكم الكفار في مجتمع جاهلي لكي يتحول هو نفسه إلى شوكة الاخوان المسلمين الفكرية الأهم. صحيح أن بعض الورد لا شوك له، لكن أيضا بعض الشوك لا ورد له.
_______________
*كاتب وأستاذ جامعي

ISR Weekly

About ISR Weekly

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.