‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإخوان المسلمون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإخوان المسلمون. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 3 مايو 2017

عقيدة التكفير ترتد على معتنقيها ومسايريها: يمهل ولا يهمل

    مايو 03, 2017   No comments
«حرب الوجود» في الغوطة: النار تلتهم «الإخوة الأعداء»

 صهيب عنجريني

الاقتتال الذي تشهده الغوطة الشرقيّة بين «جيش الإسلام» من جهة، وكل من «فيلق الرّحمن» و«جبهة النصرة/ فتح الشّام» ليس عابراً ولا يمكنه أن يكون. وليست معارك الأيّام الأخيرة بين الفريقين سوى جولات جديدة في سياق «معركة هيمنة ووجود» تعود جذورها إلى سنواتٍ خلت، وتُغذّيها خلافات «منهجيّة عقائديّة» تستندُ بدورها إلى ارتباطات إقليميّة.

يُعدّ «جيش الإسلام» ممثلاً لـ«وهابية سوريّة» تعزّز حضورها في خلال السنوات الأخيرة بفضل الحرب، فيما يرتبط «فيلق الرحمن» بشكل غير معلنٍ رسميّاً بجماعة «الإخوان المسلمين». أمّا «النصرة»، فـ«الفرع السوري لتنظيم القاعدة» من دون أن يغيّر «فك الارتباط» من حقيقة الأمر شيئاً. بطبيعة الحال يرتبط «جيش الإسلام» ارتباطاً وثيقاً بالسعوديّة بفضل المقوّمات «العقائدية» المذكورة، علاوةً على التمويل المفتوح الذي توفّره له المملكة. أمّا «فيلق الرحمن» فبتركيا ارتباطه الوثيق، وإلى «الهوى الإخواني» الذي وفّر له بيئة حاضنة في غير منطقة من الغوطة يعود الفضل في تحقيقه حضوراً «عسكريّاً» حاول أن ينازع «جيش الإسلام» هيمنته عليها. وبدورها تحافظ قطر على تأثير ونفوذ كبيرين داخل «النصرة»، ولا سيّما في صفوف منتسبيها الجدد الذين انضمّوا إليها في خلال الحرب السوريّة، متموّلين برواتب وأسلحة يوفّرها «الراعي القطري». وكما ترك صراع النفوذ التقليدي بين «مثلث الدعم الإقليمي» أثره في معظم تفاصيل الحرب السوريّة (وخاصّة فصول الحرب والاحتراب المتتالية بين المجموعات المسلّحة) تبدو بصماته حاضرة ومؤثّرة في مُجريات الغوطة الأخيرة. ولعلّ أوضح انعكاسات هذه البصمات تلك التي يُعبّر عنها اصطفاف «فيلق الرّحمن» و«جبهة النصرة» جنباً إلى جنب (أنقرة والدوحة) في مواجهة «جيش الإسلام» (الرّياض). ثمّة في العمق عوامل أخرى شديدة التّأثير، من بينها الاصطفافات «المناطقيّة» داخل الغوطة (وهي اصطفافات قامت في الدرجة الأولى على الانتماء الأيديولوجي)، علاوةً على سباق الهيمنة الداخلي. ومنذ بواكير الظهور المسلّح بصورته «الفصائليّة» العلنيّة نظر «جيش الإسلام» ومؤسّسه زهران علّوش إلى كل مجموعة تُشكَّل خارج عباءته على أنّها تهديد لسطوته ونفوذه، وحجر عثرة في طريق هيمنته على الغوطة الشرقيّة.

ولا تجافي هذه النظرة الواقع في شيء، نظراً إلى أنّ عدداً من المجموعات المسلّحة التي شُكّلت في الغوطة قد اتّخذ من «مجابهة علوش» عموداً أساسيّاً من أعمدة إنشائه. تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إنّ أوّل «احتراب» داخلي شهدته الغوطة (قبل ما يزيد على أربعة أعوام) كان فاتحةً لمسيرة بلا أفق واضح. وبغض النظر عن فصول «الحرب والسلم» التي تمرّ بها العلاقة بين المجموعات المتناحرة تبعاً لجملة ظروف محلية وإقليمية، فقد أثبتت التجارب المماثلة السابقة أن النسبة العظمى من «حروب الإخوة الأعداء» لم تعرف نهايةً حقيقيّة إلا بنجاح طرفٍ في إلغاء وجود الطرف الآخر، أو تصفية وجوده في منطقة بعينها على أقل تقدير.
وبات معروفاً أن معارك اليوم بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» ليست سوى فصل جديد من فصول العداء المستحكم بين الطرفين. ويبدو لافتاً أنّ آخر حلقات هذه السلسلة (قبل المعارك الحاليّة) كانت قد شهدت اصطفافاً مماثلاً لاصطفاف اليوم (راجع «الأخبار»، العدد 2875) . لكن تصفية وجود «النصرة» في الغوطة الشرقيّة كانت هدفاً سريّاً على قوائم «جيش الإسلام» حينها، بينما باتت اليوم مطلباً واضحاً أُعلن في «بيان رسمي». البيان الذي صدر أمس جاء في صورة «رسالة» من «القيادة العامة لجيش الإسلام» إلى «فيلق الرحمن»، وقالت إنّ «جيش الإسلام قد عقد العزم على حل جبهة النصرة في الغوطة الشرقية وتقديم متزعميه إلى القضاء». واتهمت الرسالة «الفيلق» بتقديم «المؤازرة إلى النصرة» وحوت تهديدات مبطّنة في حال عدم وقوفه «على الحياد». فيما أكّد «بيان مضاد» أن «جيش الإسلام اتخذ من القضاء على هيئة تحرير الشام (تحالف عموده الأساس «النصرة») ذريعة للهجوم على مقار ومستودعات (فيلق الرحمن) والاعتداء على عناصره». وواصل «جيش الإسلام» اتهاماته لـ«الفيلق» بـ«إيواء عناصر من (النصرة) ومن بينهم قادة أردنيون»، علاوة على «تسليح بعضهم وتجنيدهم للقتال في صفوف الفيلق ضد الجيش، وخاصة في بلدة المحمديّة». وقال مصدر من «فيلق الرحمن» لـ«الأخبار» إنّ «هذه الاتهامات كاذبة جملة وتفصيلاً، وهي مجرّد محاولات واهية للتعمية على الهدف الأساسي من عدوانهم الآثم». وأكّد المصدر أنّ الهدف المذكور ليس سوى «التخفيف عن ميليشيات النظام، في مواصلة لمهمات عمالة قيادات «جيش الإسلام» التي لم تعد تخفى على أحد». في المقابل، طغت على كلام مصادر «جيش الإسلام» نبرة «قويّة» بدت واثقة من أنّ تصفية وجود «أذناب القاعدة» (المقصود «النصرة») في الغوطة باتت «مسألة وقت»، مع التلويح بمصير مماثل لـ«فيلق الرحمن» إن لم «يلتزم الحياد».
وفي تكرار للسيناريوات المعهودة في حالات مماثلة، برزت أمس محاولات للتوسط بين الأطراف قام بها هذه المرة «مجلس شورى أهل العلم». وقال «المجلس» في بيان له إنه شكّل لجنة استمعت إلى طرفي النزاع وخرجت بجملة توصيات منها «وقف كافة مظاهر الاقتتال وإطلاق سراح المعتقلين والخضوع لحكم الشرع»، و«رد الحقوق المالية والعينية لفيلق الرحمن من جيش الإسلام». علاوة على «تشكيل لجنة لتقدير الأضرار بين الطرفين» تضم ممثلاً عن كلّ منهما، وثالثاً عن «شورى أهل العلم». وبدا لافتاً أنّ البيان المذكور لم يشر إلى «النصرة» على الإطلاق، فيما خصّص بنداً لتأكيد «حرمة مسألة تغلّب فصيل على آخر».
و«التغلّب» في جوهره هو «فتوى» تتيح للمجموعة الأقوى فرض سيطرتها وإخضاع سواها بالقوّة، ويُتَّهَم «جيش الإسلام» بأنّه يسعى إلى تطبيقها في الغوطة. وتعليقاً على البيان، قال مصدر من «جيش الإسلام» لـ«الأخبار» إنّ «استجابتنا لأي مبادرة شرعية لحقن الدماء بين الإخوة أمر مسلّم به، لكنّ أذناب القاعدة خارج هذه المعادلة حتماً». المصدر أعرب عن «عدم ارتياحه الشخصي لبعض ما ورد في البيان»، ولمّح إلى ارتباط بعض «مشايخ المجلس» بـ«حركة أحرار الشام» التي «يتحكم ببعض مشايخها هوى قاعدي»، لكنه أكد في الوقت نفسه أنّ «هذا ليس موقفاً رسميّاً، والموقف الرسمي سيصدر عن القيادة بالطرق التي تراها مناسبة». ميدانيّاً، استمرّ الاستنفار في صفوف الأطراف بعد صدور «بيان أهل العلم» بساعتين ولم ينعكس أي أثر له. فيما بدا لافتاً بدء حملة هجوم إعلامية قوية ضد «جيش الإسلام» على خلفيّة قيام عناصره بتفريق مظاهرة خرجت ضدّه في عربين بالرصاص الحيّ، ما أدى إلى «سقوط جرحى».
______________
«جيش الإسلام» يحارب «القاعدة»: حرب «الفصائل» و«النصرة» انطلاقاً من الغوطة؟

 صهيب عنجريني

الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠١٦


معارك حامية الوطيس تشهدها مناطقُ عدّة في غوطة دمشق الشرقية بين «جيش الإسلام» من جهة، و«جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» من جهة ثانية. ورغم أنّ حدوث اشتباكات بين المجموعات في الغوطة بات أمراً معهوداً بين فترة وأخرى، غيرَ أنّ المشهد يبدو مختلفاً هذه المرة، سواء من حيث طبيعة المعارك وشدّتها أو من حيث عدد المجموعات المنخرطة في الحدث واتّساع رقعة الاشتباكات.

للوهلة الأولى، توحي المُجريات بأنّ ما تشهدُه الغوطة أشبه بـ«ثورة فصائل» ضدّ «جيش الإسلام»، لكن المعلومات المتوافرة تؤكّد أنّ الأمور ذاهبة في اتجاه فتح حرب تصفية ضد «جبهة النصرة» في الغوطة. المتحدث الرسمي باسم «جيش الإسلام» إسلام علّوش سارع إلى إصدار بيان يتهم فيه «النصرة» ومجموعات أخرى بمهاجمة مقار «جيش الإسلام» في كلّ من: زملكا، جسرين، حمورية، عين ترما، مسرابا وكفربطنا. وبدا لافتاً أنّ البيان حرص على الزج باسم «حركة أحرار الشام»، علاوة على «لواء فجر الأمة» بوصفهما مُساهمَين في الاعتداءات، كما حرص على الإشارة إلى ارتباط «النصرة» بتنظيم «القاعدة». مصدر مرتبط بـ«حركة أحرار الشام» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «عناصر الحركة لم يتدخلوا في الاشتباكات»، موضحاً أنّ «عدداً من قادة الحركة باشروا اتصالات مكثفة سعياً إلى احتواء الوضع ومنع تفاقمه»، وهو كلامٌ أيّده ناشطان إعلاميّان من داخل الغوطة (كلّ على حِدة) لـ«الأخبار». وفيما تعذّر التواصل مع أحد الناطقين الرّسميين باسم «جيش الإسلام» (إسلام علّوش، وحمزة بيرقدار) أكّد مصدر ميداني داخله لـ«الأخبار» أنّ «الأحرار (أحرار الشام) لم ينخرطوا بشكل مباشر في الاعتداءات، لكننّا نعتبرهم مشاركين في الاعتداء ما لم يصدروا توضيحاً رسميّاً يتبرّأ ممّا حصل». المصدر ردّ هذا الموقف إلى أنّ «اعتداءات النصرة علينا تمّت تحت راية جيش الفسطاط الذي يضمّ أيضاً الأحرار وفجر الأمّة والفيلق (فيلق الشام)». وعبرَ صفحتيهما على موقع «تويتر» حرص الناطقان (علّوش وبيرقدار) على الإشارة إلى ارتباط «النصرة» بـ«الفسطاط» كما اتّهما «المعتدين» بـ«منع وصول مؤازرات أرسلها جيش الإسلام إلى جبهتي المرج وبالا».

وتحمل هذه التصريحات اتهاماً مبطّناً بإضعاف موقف «جيش الإسلام» على هاتين الجبهتين في مواجهة الجيش السوري. ولم تبق التهمة مبطّنة، إذ سارعت عشرات المصادر إلى تبنّيها علناً عبر صفحات إعلامية عدّة. وخلال الساعات الأخيرة، بدا أنّ مناطق الغوطة تشهد سباقاً في «الحشد والتجييش»، حيث أوردت مصادر من السكّان معلومات متقاطعة عن استعدادات ضخمة في صفوف كل الأطراف المتقاتلة. ولم ترشح معلوماتٌ دقيقة عن عدد القتلى الذين قضوا في معارك أمس، فيما بات مؤكّداً أنّ ثلاث نقاط اشتباك (على الأقل) شهدت استخدام أسلحة ثقيلة من الطرفين. كما أدّت التطورات إلى حدوث انشقاقات داخل «فيلق الرّحمن» لمصلحة «جيش الإسلام»، كان أبرزها إعلان «كتيبة الدفاع الجوي في فيلق الرحمن» انضمامها إلى «جيش الإسلام، ومبايعة الشيخ عصام البويضاني على السمع والطاعة». في الوقت ذاته، باشر عدد من «رجال الدين المحايدين» حملة اتصالات في مسعى لـ«الحيلولة دون اشتعال الغوطة»، حسب تعبير أحد «وجهاء» بلدة جسرين لـ«الأخبار». المصدر امتنع عن الكشف عن النتائج الأوليّة للمساعي، وعزا الأمر إلى ضرورة «التريّث قبل الخوض في أحاديث من هذا النوع منعاً لإفشال المساعي». وأضاف «هذه فتنة كبرى، وإذا لم يتمّ احتواؤها سريعاً فالنتائج لا تُحمد عقباها».
ولا يبدو «جيش الإسلام» وحيداً في مواجهة «اعتداءات النصرة»، إذ أصدرت «قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية» بياناً أكّدت فيه أنّ «عناصر جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة اعتدوا على دورية لقيادة الشرطة في بلدة مسرابا». وفي تطوّر يبدو مؤشّراً على تصعيد وشيك للأحداث دخل «المجلس العسكري لدمشق وريفها» على خط الأحداث عبر بيانٍ اتّهم فيه «جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» بالاعتداء على مقارّ تابعة له. وقال البيان الذي تداولته بعض الصفحات المعارضة وحمل توقيع «أمين سر المجلس» إنّ قوة تابعة للطرفين «اقتحمت مركز قائد المجلس العسكري (عمّار النمر) من دون مراعاة أي حرمة». ومن المعروف أنّ النمر «قائد المجلس العسكري» يحتفظ بعلاقات جيّدة مع «جيش الإسلام»، فالمجلس المذكور أعلنت ولادتُه قبل عام تحت إشراف «القيادة الموحدة للغوطة الشرقيّة» التي تزعّمها مؤسّس «جيش الإسلام» المقتول زهران علّوش (راجع «الأخبار»، العدد 2570). وعلى نحو مماثلٍ لبيان «جيش الإسلام»، حرص بيان «المجلس» على اتهام مبطّن لـ«المعتدين» بالتواطؤ مع الجيش السوري عبر «تزامن هذا الاعتداء الغاشم مع حشود لميليشيات الأسد على أطراف الغوطة».

_____________
رجل السعوديّة يظهر في تركيا... «طبخة إقليمية عسكريّة» قيدَ الإعداد؟

صهيب عنجريني

الاثنين ٢٠ نيسان ٢٠١٥


من جديد نجح زهران علّوش في التحوّل إلى نجم المشهد. قائد «جيش الإسلام» الذي أثار الجدل منذ بروزه على مسرح الحدث في مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، وتحوّله من شخص «يتحاشاه الجميع» (وفقاً لأحد جيرانه في السنوات التي سبقت اعتقاله، أي قبل 2009) إلى «قائد القيادة الموحّدة للغوطة الشرقيّة». قصص عدة حُكيت عن علوش، وأسباب إطلاق سراحه من سجن صيدنايا العسكري (مثله مثل عدد من متزعّمي المجموعات الجهاديّة).

قيل الكثير عن «ارتباطه بالمخابرات السوريّة»، وهو أمر عاد إلى التداول خلال اليومين الماضيين، بعد الكشف عن وجوده في تركيا، حيث انشغل الجميع بالبحث عن الطريقة التي خرج بها من الغوطة المُحاصرة والطريق الذي سلكه، «فهل مرّ عبر مناطق سيطرة الدولة السوريّة، أم عبر مناطق سيطرة تنظيم داعش؟». ومن منهُما سهّل خروجه؟
لكنّ حصر وسائل الخروج من الغوطة بالطريقتين المذكورتين هو أمر يخالفُ الواقع، فليسَ من المستبعد (بل هو مرجّح) وجود طرق سرّية تُستخدم عند الضرورة، وهو أمرٌ لمّح إليه شخص مرتبط بـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، من دون أن يخوض في تفاصيله، إذ قال عمار كريّم عبر صفحته في «تويتر»: «لولا أنك أخي في الإسلام لكشفت طريقك الذي خرجت منه (...) زهران علوش في تركيا... خرج من الغوطة قبل أيام». وفي هذا السياق، قال ناشط مُعارض لـ«الأخبار» إن «الوسائل موجودة دائمة، لكنها تنطوي على مخاطرة طبعاً»، مضيفاًَ: «سبق لي أن خرجت من الغوطة، ودخلتُها منذ حوالى شهرين ونصف الشهر». ومن المرجّح أن الأراضي الأردنية كانت محطة عبرها زهران، ليغادرها جوّاً إلى تركيا. ومن الملاحظات الجديرة بالتوقف عندها في هذا السياق، أنّ الحفاظ على سرّية تحركات علّوش يؤشّر على مستوى «أمني» متقدّم يقودها، ودائرة محيطة موثوقة، خاصة أن هذه الرحلة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق له أن زار السعودية عام 2013، وزار الأردن مرتين على الأقل بين عامي 2013 و2014، كما يُرجّح قيامه بزيارات سابقة لتركيا. ورغم اختلاف الظروف الميدانية بين الزيارات السابقة والحاليّة، غير أنّ جميعها لم يُكشف عنها إلّا بعد حدوثها.
على أنّ السؤال الأهم من طريقة خروج علّوش هو السؤال عن أسباب خروجه، وظهوره الاستعراضي في تركيّا في هذا التوقيت بالذات، وهو المحسوب في الدرجة الأولى على السعوديّة. ورغم أن بعض المصادر ذهبت إلى ترويج أن «علوش خرج بشكل نهائي من سوريا»، غير أن هذه الفرضيّة أضعفُ من أن تؤخذ في عين الاعتبار. فمن المُسلّم به أن طريقة عمل «جيش الإسلام» تجعلُ من غياب قائده مقدمةً لتفكّكه. ومن المعروف أن «جيش الإسلام» استمرّ على مدار السنوات الماضية في تعزيز قدراته، من دون أن يخوض معارك تستنزفه بشكل كبير. ودأبت مصادر «الإسلام» بين وقت وآخر على تأكيد أنّ «معركة دمشق الكبرى هي الغاية، ومن أجلها يتم الحشد». هذه المعطيات تجعل من المسلّم به أن «طبخةً» ما تُعدّ في المطابخ الإقليمية، وأن علّوش أحد مكوّناتها، خاصة أن تقارير عدّة تحدثت عن مرحلة تنسيق جديدة بين اللاعبين السعودي والتركي، تجعل من الرياض المهندس الأول لمشهد المعارضة المسلّحة في سوريا، ومن أنقرة لاعباً مُساعداً. وهو ما أفضَى على الأرجح إلى تفكك «الجبهة الشاميّة» في الشمال السوري أخيراً، مطيحاً «جماعة الإخوان المسلمين» من قمّة الهرم في الشمال من دون محاولة إقصائهم كليّاً، ما يوحي بأن طبيعة وجودهم في المرحلة القادمة ستكون خاضعة لجملة معايير توافقُ «المرحلة السعودية». وثمّة مُعطيات ترتبط بالمشهد في الغوطة ينبغي أخذها في الاعتبار، يبدو أنّها جاءت كتمهيدٍ لما يُعدّ في «المطبخ الإقليمي»، وعلى رأسها يأتي الإعلان عن ولادة جديدة لـ«المجلس العسكري في دمشق وريفها» أواخر الشهر الماضي. ولادة تمّت تحت إشراف «القيادة الموحدة للغوطة الشرقيّة» التي يتزعّمها علّوش. وكان الأخير قد تصدّر مشهد الإعلان عن «المجلس»، وقال في كلمة له إنّه «منظومة واحدة تعمل مع القيادة العسكرية الموحدة وضمن التوجيهات التي تصدر من القيادة العسكرية الموحدة»، كما أكّد أنه يُمهد لـ«بناء مرحلة جديدة من مراحل العمل الثوري وفي ظروف بدأت فيها عجلة العمل الثوري تندفع نحو الأمام»، وينسجم مع طبيعة مرحلة «الانتقال من حرب العصابات إلى الحرب النظامية». ومن المؤشرات التي قد تشي بملامح المرحلة القادمة، أنّ «رئيس المجلس» عمّار النمر أعلن في مؤتمر صحافي أول من أمس «تأييد المجلس لعملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن»، وتمنّى على القائمين عليها أن «تتمدد إلى سوريا».
وفي السياق التمهيدي ذاته يُمكن إدراج المعارك الأخيرة التي خاضَها علّوش ضدّ تنظيم «الدولة الإسلاميّة». وهي معارك تضمن إعادة التذكير بما روّج له طويلاً من أن «جيش الإسلام حجر زاوية في محاربة تطرف داعش»، وتصلحُ بالتالي لتلميع قائده للعب دورٍ يحظى بدعمٍ يتجاوز الإقليمي إلى الدولي. وتنسجم هذه المعطيات مع ما أكده مصدر محسوب على «أجناد الشام» من أنّ «علوش ليس القيادي الوحيد الموجود في تركيا حاليّاً». المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «معظم القادة المعروفين وصلوا أو على وشك الوصول، تمهيداً لسلسلة اجتماعات سيشارك فيها سليم إدريس وعسكريّون آخرون».

الجمعة، 27 يناير 2017

موقف الإخوان-سوريا الرسمي من مؤتمر أستانة

    يناير 27, 2017   No comments
تعتبر تركيا وقطر الراعي الدولي للإخوان المسلمون بعد ما يسمى بالربيع العربي. ثم أتجهت تركيا نحو روسيا مؤخرا... فما هو موقف الإخوان من مؤتمر أستانة؟

 ___________________
الموقف الرسمي من مؤتمر أستانة

بِسْم الله الرحمن الرحيم

إنطلاقاً من مبادئ الإسلام العظيم فقد حرصت جماعة الإخوان المسلمين في سورية على كلّ مبادرة من شأنها إيقاف نزيف الدماء والحفاظ على أرواح شعبنا السوري وتحقيق أهداف ثورته، وتعاملت معها بإيجابية وروح وطنية عالية.

وفي هذا السياق أصدرت الجماعة بياناً رحّبت فيه باتفاقية وقف إطلاق النار التي وقّعتها الفصائل العسكرية بتاريخ ٣٠ كانون أول ٢٠١٦، واعتبرتها خطوة مهمّة وإيجابية على طريق الحل السياسي.

واليوم والفصائل العسكرية تتّجه للمشاركة في مؤتمر أستانة فإننا نؤكد على مايلي:

أولاً: إنّ لقاء أستانة يهدف لتثبيت وقف إطلاق النار واختبار جدّية النظام وميليشياته من الالتزام بهذه الاتفاقية، والاتّفاق على إكمال العملية السياسية في جنيف، وهو الدور الذي تقوم به الهيئة العليا للتفاوض بما تملكه من شرعية دولية ومرجعية أممية، حسب وثيقة مؤتمر الرياض ومرجعيات جنيف.

ثانياً: نؤكّد على تمسّكنا بمبادئ الثورة وثوابتها، والعمل على تنفيذ البنود الإنسانية الواردة في قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، وأن نتحرك جميعاً عن موقف واحد متماسك سياسياً وعسكرياً، ونعتبر أنّ مساحات الاجتهاد السياسي لا تستدعي الخلاف والتخوين، بل يجب أن ندعم بعضنا البعض ضمن رؤية الثورة المتفق عليها.

ثالثاً: مازالت روسيا وإيران والمليشيات الشيعية تمارس القتل والقصف في وادي بردى والغوطة وجنوب دمشق وريف إدلب وحلب، والذهاب لأيّ مبادرة أو خطوة سياسية لا يعني السكوت عنهم وعدم مواجهتهم وردعهم.

رابعاً: اعتبار بشار الأسد ونظامه وأجهزته الأمنية خارج نطاق التفاوض وأنّه لامستقبل لهم في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سورية بعد المجازر التي ارتكبوها بحقّ الشعب السوري.

خامساً: إنّ ثقتنا بنصر الله كبيرة وإنّ ثورات الشعوب ستنتصر في النهاية مهما كانت الصعوبات والتضحيات، وواجبنا هو الحفاظ والثبات على أهداف الثورة وعدم التفريط بها أو بجزء منها مهما كانت الضغوط ومن أيٍّ كان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

جماعة الإخوان المسلمين في سورية
٢٢ ربيع الثاني ١٤٣٨
٢٠ كانون ثاني ٢٠١٧

الخميس، 19 مايو 2016

الغنوشي: لم يعد هناك مبرر للإسلام السياسي في تونس

    مايو 19, 2016   No comments

قال زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إنه لم يعد هناك مبرر للإسلام السياسي في تونس قائلاً إن ثورة 2011 وضعت حداً لكل من الديكتاتورية والعلمانية المتطرفة على حد قوله.

وفي مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية قبل أيام من المؤتمر العام للنهضة المقرر بين 20 و22 أيار/ مايو الجاري قال الغنوشي "نحن نعتقد أن الإسلام السياسي رغم تحفظنا على المصطلح الذي هو غربي، كان ردة فعل على مسألتين: الديكتاتورية في البداية ثم العلمانية المتطرفة. لكن ثورة 2011 وضعت حداً لكلاهما. وتونس تعيش اليوم في ديمقراطية" مضيفاً أن "دستور 2014 وضع حدوداً للتطرف العلماني والديني في الوقت نفسه وبالتالي لم يعد هناك مبرر للإسلام السياسي في تونس".

ولفت الغنوشي إلى أنه إضافة إلى ذلك فإنه "تم تشويه مفهوم الإسلام السياسي من خلال التطرف الذي تقوده القاعدة وداعش من هنا كانت الحاجة لإظهار الفرق بين الديمقراطية الإسلامية التي نتبناها والإسلام الجهادي المتطرف الذي نريد الابتعاد عنه أكثر". 

ورداً على سؤال عما إذا كانت النهضة بذلك تعلن خروجها من الإسلام السياسي قال الغنوشي "نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية الإسلامية. نحن مسلمون ديمقراطيون لا يدعون بعد الآن الاسلام السياسي".    

زعيم حركة النهضة وصف العلاقة مع حزب نداء تونس بأنها جزء من المشاركة في الحكومة التي يمكن أن تتطور إلى تحالف استراتيجي لكن "لم نصل الى تلك المرحلة بعد". وقال إن هذه المشاركة الحكومية لمصلحة البلد، مضيفاً "نتعلم من خلالها إدارة المصالح المتباينة خصوصاً في بلد كبلدنا عانى لفترة طويلة من احتكار القرار السياسي. لذلك نحن بحاجة لتعلم التعايش والعيش مع الاختلاف".

الاثنين، 4 أبريل 2016

«الإخوان المسلمون» أكلتهم ثورة «الربيع»: «إخوان اليمن»: من نشوة السلطة إلى «لعبة الكبار»... الإخوان الذين تفتّتوا... ذاتياً... الإخوان الذين تفتّتوا... ذاتياً; «النهضة»: لسنا «إخواناً»

    أبريل 04, 2016   No comments

بين مصر وتونس: الإسلاميون في الزمن الجديد
مثّل عام 2013 بالنسبة إلى الحركات الإسلامية في العالم العربي محطة تحوّل ضمن الإطار العام للمرحلة التاريخية التي كانت قد بدأت قبل ذلك بعامين، عقب اندلاع ما سمي «الربيع العربي». بين «الاخوان» في مصر، و«النهضة» في تونس، تجربتان متناقضتان... فهل تكون من تداعيات «الزمن الجديد»، تغيرات جذرية في مفاهيم أبرز تلك الحركات؟
محمود مروة

في صيف عام 2013، عُزل «الإخوان المسلمون» عن الحكم في مصر، فيما كانت «حركة النهضة» في تونس تواجه معارضة شديدة وأزمة سياسية كادت أن تطيح حكومة علي العريض (أحد قادتها) خلال مدة قياسية، قبل أن تؤدي في فترة لاحقة إلى تنازل «النهضة» عن الحكومة.

اليوم، بعد أقل من ثلاثة أعوام على ذلك الصيف، الذي أشعل البلدين، يمكن الوقوف على المشهدين التاليين: في مصر، يواصل حكام القاهرة الجدد الإمساك بمفاصل الحياة السياسية (لحدود خنقها)، بالتوازي مع مواصلة المعركة على «جماعة الإخوان المسلمين» على كافة الصعد. أما في تونس، فقد انقلب المشهد، لتبدو الحياة السياسية مخدّرة نتيجة للائتلاف الناشئ قبل أكثر من عام بين القطبين، «نداء تونس» و»حركة النهضة».
هناك معطى مشترك يمكن أن يمثّل ركيزة للانطلاق بعملية مقاربة واقعي «الإخوان» و»النهضة» خلال المرحلة الراهنة: لقد فتح عام 2011 بالنسبة إليهما على زمن جديد، سمح لهما بأن يصلا إلى السلطة وإلى الحكم في بلديهما. بيد أنّ إخفاق تجربة «الإخوان» وما تبع ذلك من صراع مفتوح مع «الدولة»، يضطر الجماعة إلى إقرار استراتيجيات عمل جديدة، بصورة لم تعتدها في تاريخها. بالتزامن، فإنّ نجاح عملية استقرار «النهضة» في السلطة، يدفعها إلى تسريع التحوّل «من كونها حزبا (حركة) إحتجاجيا(ة) إلى كونها حزب دولة»، وفق تعبير زعيمها، راشد الغنوشي، قبل شهر.

«الإخوان»: ولادة ثالثة؟


يقدّم الباحث في مركز «كارنيغي»، جورج فهمي، في حديث لـ«الأخبار»، مقارنة بين كيفية تعامل كل من «النهضة» و«الإخوان» مع «الواقع السياسي الجديد بعد الربيع العربي». وهو بينما يشير إلى «براغماتية النهضة»، يلفت إلى «سعي (الاخوان) إلى محاولة بناء تحالف إسلامي». وهو الأمر الذي سيدفع، وفقا له، إلى «أزمة بين التيارين الإسلامي والمدني»، وخصوصاً في ظل إصرار «الإخوان» على «إستراتيجيات التصعيد في مواجهة الخصوم السياسيين».
تنظر «الجماعة إلى الدولة على أنها الجائزة التي تحلم بتملكها والاستحواذ عليها»، وفق عبارة المؤرخ المصري، خالد فهمي، في مقابلة سابقة أجراها مع «الأخبار»، لكن في عام 2013، فإنّ خروجها من السلطة وتشتت مراكز قواها وقياداتها، بفعل المعركة المفتوحة عليهم على جبهات العمل السياسي، والإجتماعي، كما الدعوي، وضع الجماعة أمام أزمة يبدو أنها لم تشهد مثيلاً لها.

يتجه «الإخوان» لأكبر انقسام في تاريخهم وهم بحاجة إلى انطلاقة جديدة

قد تندرج المعركة المفتوحة مع «الإخوان» راهناً في سياق الصراع الأكبر المستمر بين مختلف أنظمة الحكم المصرية و«الجماعة» منذ تأسيسها، على الرغم من أنّ هذا الصراع كان يشهد فترات مهادنة، كما حصل مثلاً خلال عقد السبعينيات في عهد أنور السادات، حين عرف «الإخوان» ولادة ثانية، تُرجمت بالتوسع في العمل السياسي والاجتماعي.
لكن أمام الأزمة التي تشهدها «الجماعة»، يبقى السؤال الرئيسي: أي مستقبل ينتظرها؟ عملياً، هناك قراءات للمرحلة الراهنة تذهب باتجاه القول بأنّ «الانقلاب العسكري وتجربة الحكم تعززان من الاتجاه الداعي إلى الفصل بين دور الجماعة كمؤسسة اجتماعية والممارسة السياسية التنافسية»، وذلك وفق ورقة بحثية قدمها الباحث المصري والناشط الشبابي في «الإخوان»، عمار فايد، ضمن سلسلة «إعادة النظر في الحركات الإسلامية» التي ينظمها معهد «بروكينغز». ويصل فايد في ورقته إلى حد اعتبار أنّ «الانقلاب العسكري وضع (الجماعة) أمام استحقاقات يمكن أن تغيّر وجهها في السنوات المقبلة، وهو ما يفتح الباب لديناميات داخل المنظمة الكبيرة قد تفضي لإعادة تعريف دورها السياسي والاجتماعي والديني».
يوضح عمار فايد، في حديثه لـ«الأخبار»، أنّ «قرار الجماعة منقسم بين جبهتين: الأولى تمثل القيادة التقليدية (القائم بأعمال المرشد الدكتور محمود عزت والأمين العام للجماعة محمود حسين) من ناحية. ومن ناحية أخرى، اللجنة الإدارية العليا التي انتخبت في تشرين الأول/أكتوبر 2015 ثم قرر الدكتور محمود عزت ايقاف عدد من أعضائها، لكن غالبية اللجنة رفضت القرار وما زالت مستمرة في العمل ويتبعها حوالي 40% من المكاتب الإدارية في الجماعة».
وفيما يشدد فايد، المقيم في اسطنبول، على أنّ «المشهد شديد التغير وما زال قيد التشكل»، إلا أنه يستدرك قائلاً: «بصورة عامة، ما من آمال كبيرة على التوافق بين الجبهتين، ويبدو أن الجماعة تتجه لأكبر انقسام في تاريخها»، مؤكداً في سياق حديثه أنّ «الجماعة بالفعل بحاجة إلى انطلاقة جديدة».

«النهضة»: لسنا «إخواناً»

«أعتقد أنه قد حان الوقت للاعتراف بأنّ المقاربة التقليدية التي تربط مجمل الأحزاب السياسية المعاصرة التي ترتكز على القيم الإسلامية بجماعة الإخوان المسلمين (على أنها التنظيم الأم)، قد ظهرت محدوديتها»؛ عبارة ذُكرت في مداخلة ضمن سلسلة «إعادة النظر في الحركات الإسلامية» للنائب عن «حركة النهضة»، سيدة الونيسي، في شهر شباط الماضي.
يضاف ذلك التصريح إلى نفي قادة رفيعين في «النهضة»، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، «أي صلة سياسيّة أو تنظيميّة بحركة الإخوان المسلمين». وهو الأمر الذي يكرره الشيخ راشد الغنوشي بنفسه، وإن حاول الاستدراك بأنّ «هناك علاقات فكرية تربطنا مع بقية الطيف الإسلامي في المنطقة».
إنّ ما يجري في تونس، يُعدّ مثيراً، إذ تريد «النهضة» التي تأثرت انطلاقتها بمرحلة الولادة الثانية لـ»الإخوان» نهاية السبعينيات، والتي كانت ضمن «التنظيم العالمي للإخوان»، تريد خلع عباءة «الإخوان». الأمر الذي يصفه البعض بـ «تونسة الحركة» للانسجام مع الواقع الجديد ومع دورها المستجد في قلب السلطة التونسية، وللتأقلم مع الواقع الإقليمي المتغيّر. هو أمر من المرجّح أن يحسم بشأنه المؤتمر العام المقبل للحركة بعد نحو شهر، وتكريسه بالرغم من بعض المعارضات الداخلية، إلا أنّ ما يعدّ مهماً في هذا السياق، ليس احتمال بقائها من عدمه تحت تلك العباءة، بل إنّ أكثر الأمور إثارة يتمثل بمراقبة قدرة حركات الإسلام السياسي الناشئ في القرن العشرين على التبدّل.

1967 إسلامي؟

تعيد مديرة مكتب منظمة «انترناسيونال الرت» في تونس، ألفة لملوم، في حديثها لـ«الأخبار»، رسم إطار عام لمقاربة واقع «النهضة». تقول: «دأب خصومها في تونس منذ الثمانينيات على تصنيفها تنظيما إخوانياً»، موضحة أنّ «في ذلك بعض من القصور في الرؤية، إذ إنّ الجذع التاريخي المشترك لكل الحركات الإسلامية السنية التي شهدت صعودا في أعقاب هزيمة 1967 وتراجع المد القومي في المنطقة العربية، لا يمكن أن يحجب حقيقة أن هذه الحركات غير متجانسة»، إلا أنّ الباحثة التونسية تؤكد أنّ تلك الحركات «وعلى غرار باقي الفاعلين السياسيين، يحكم تطورها ليس فقط مرجعيتها العقائدية، بل كذلك البيئة التي تنشأ فيها وتتفاعل معها، فتؤثر فيها وتتأثر بها، ضمن موازين قوى عامة ليست هي اللاعب الوحيد ضمنها».
هذا تأكيد إضافي على التبدلات المحتملة ضمن «النهضة»، لكن كيف تترجم تجربة هذه الحركة وتجربة «الإخوان» في الأعوام الأخيرة في سياق قراءة تاريخ الحركات الإسلامية؟ هنا، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، أشرف الشريف، في حديثه إلى «الأخبار»، إنّ «البعض يرى أن الفترة الحالية بالنسبة للإسلاميين شبيهة بفترة ما بعد 1967 بالنسبة للتيار القومي واليساري في العالم العربي، لكني من جهتي أرى أن من المبكر إصدار مثل هذه الأحكام لعدة اعتبارات». وفي سياق شرح مطوّل لتلك الاعتبارات، يشير إلى التفاوت في تجارب «إدماج الإسلام السياسي في العملية الديموقراطية»، إضافة إلى عدم وجود «بدائل سياسية وأيديولوجية جذابة تملأ الفراغ الذي تركه الإسلاميون». وفي إحدى النقاط، يلفت إلى أنّ «الإسلام السياسي عبر أربعين عاما من عمر ظاهرة الصحوة الاسلامية خلق جسما ديموغرافيا واجتماعيا ضخما، وامتدادات ثقافية وقيمية مهمة... ومن شبه المستحيل أن يختفي كل هذا تحت القمع أو بسبب فشل تجارب بارزة له في الحكم». ويرجح شريف هنا بأن «تظهر أشكال جديدة للتعبير السياسي عن هذه الأفكار والموجودات الاجتماعية»، مؤكداً في السياق أنّ «مصر هنا هي الرقم الصعب لأن المستقبل فيها غامض جدا بالنسبة للتيار الإسلامي» عامة.

فرنسوا بورغا: «النهضة» لم تخفق

هناك توجه لدى بعض الأكاديميين في الغرب للإشادة بتجربة «النهضة» في تونس. قد يمكن القول إنّ الأكاديمي الفرنسي، فرنسوا بورغا، هو أحد هؤلاء. سألته «الأخبار» إن كان يعتقد بوجود اختلاف جوهري بين الخلفية الفكرية لكل من «إخوان» مصر و«النهضة»، يساهم بشرح مسارهما المتباين. فكان جوابه التالي:
ينتمي الإخوان المسلمون المصريون، و«النهضة»، بشكل غير قابل للنقاش إلى عائلة فكرية واحدة. وهذه العائلة الفكرية تتبع نهجاً واحداً تجاه الإرث الذي يشكله الفكر السياسي الموصوف بالغربي، قائما على عملية استعادة أو استملاك انتقائية، بدلاً من رد الفعل الرافض عشوائياً، الذي يتصّف به الجناح «السلفي» للتيار الإسلامي، لكنّ هذا لا يمنع وجود اختلافات ذات دلالات، ولا سيما في مجال الإستراتيجية.
لقد مكّن الربيع العربي لكليهما التحقق من أهمية قاعدتيهما الانتخابية. ولكنه مكنهما أكثر من تقدير المسافة المهمة التي تفصل ــ في مناخ إقليمي ودولي عدائي في غالبيته ــ بين الحصول على أغلبية انتخابية والتمكن من (إدارة) جهاز الدولة.
قد يمكننا القول إن النهضة «استفادت» من سقوط الإخوان المصريين، وعرفت كيف تتبنى بصورة استباقية، موقفاً واقعياً تراجعياً، وهو الذي يلومها عليه جزء من قواعدها، لكن في ما يخصني، أرفض اعتباره إخفاقاً.


___________________


 تحوّلَ «العدالة والتنمية» إلى نموذج للحركات الإسلامية

على هامش الحديث عن أحوال «الإخوان المسلمين» والحركات المتأثرة بها في الشرق الأوسط، كان لا بد من وقفة، ولو سريعة، مع أحد الوجوه الأكاديمية التركية البارزة في الغرب، حميد بوزرسلان. يشرح الأكاديمي والكاتب التركي لـ«الأخبار» طبيعة العلاقات بين الطرفين، ملقياً الضوء في الوقت نفسه على أثر «جيل ثالث» يحيط بزعيم «العدالة والتنمية»
محمود مروة

■ كيف تفسّر تحوّل الرئيس التركي خلال الأعوام الماضية ليمثّل الوجه الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» في الشرق الأوسط؟ وهل تعتبر أنّ «حزب العدالة والتنمية» مرتبط فكرياً بفكر «الإخوان»؟

«حزب العدالة والتنمية» في تركيا ونزعة «الإخوان المسلمين» (التي تتوسع لتشمل النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب) ينحدران من مسارين تاريخيين، ومن تقليدين مختلفين لا يلتقيان. الأول يعود بجذوره إلى التيار الاسلامي الذي نشأ في نهاية السلطنة العثمانية، وعلى الرغم من خلفيته السلفية، فإنّ الثانية نشأت في بدايات ثلاثينيات القرن الماضي. لكن خلال العقدين المنصرمين، فإنّ (الطرفين) تطورا بصورة متشابهة، وسط تفاعل متبادل بينهما من دون شك.

الحرب العالمية الأولى لم تنته بالنسبة إلى أردوغان

وهكذا، نشاهد فقدانهما للزخم الثوري مع إقرار بالحدود الموجودة، وتخلّيهما عن مشاريع الاقتصاد الإسلامي وتحوّلهما نحو النيوليبرالية. أيضاً، لا بد من الإشارة إلى أنهما يقبلان الآن، ولو شكلياً، العمل في أطر ديموقراطية، فيما يصرّان أكثر في المقابل على الاستقامة في ممارسة الواجبات الدينية وينمّيان ظاهرة عبادة القوة.
مع تمكن «العدالة والتنمية» في تركيا من الوصول إلى الحكم في مطلع القرن الحالي، وإنتاجه لصيغة (بدا أنها) تجمع بين الاسلام والديموقراطية والليبرالية والقوة الاقتصادية، فقد أصبح نموذجاً لسائر الحركات الاسلامية المنتشرة في الشرق الأوسط. لكن خلافاً لما كان يتمناه الثنائي رجب طيب أردوغان ــ أحمد داود أوغلو، لم يكن إعجاب النهضة والإخوان المسلمين بحزب «العدالة والتنمية» وبزعيمه مؤشراً لرغبتهما في هيمنة تركيا كدولة أو دعمهما لأي مشروع توسعي.
وبالفعل شعرَت مجموعة من المفكرين الإسلاميين، خلال مؤتمر عقد في إسطنبول مع زملاء أتراك لهم في عام 2011، بضرورة التأكيد على أن العالم العربي ليس مستعمرة أوروبية أو ولاية عثمانية.
ولست متأكداً من أن «حزب العدالة والتنمية» الذي عانت صورته من ترديات كبيرة في العامين الماضيين لا يزال يعتبر كنموذج يحتذى من قبل سائر الحركات الاسلامية.

نشاهد في تركيا عملية نكوص مؤسساتي هائلة

■ لماذا نجح الخطاب الإسلامي ــ المحافظ في حجز مكانة كبيرة له في تركيا خلال الأعوام الأخيرة؟
يمكن شرح هذا الأمر من خلال عوامل مرتبطة بتاريخ مديد، لكن أيضاً من خلال الوضعية الحالية. لا ينبغي نسيان حقيقة أن تركيا الحالية أقيمت على أساس إبادة أرمنية وعمليات استبدال (قسرية) لمجموعات بشرية مع اليونان، وأن 40 إلى 50% من سكان البلاد ينحدرون من أصول بلقانية أو قوقازية. والمسألة الكردية بما هي قضية إقليمية بامتياز، والمسألة العلوية بدرجة أقل، هما مصدران للنزاع والعنف. كل هذه العوامل تؤدي إلى بروز «هوية قومية» تركية ــ سنية هشة.
علاوة على ذلك، تشهد تركيا التي تضاعف عدد سكانها خلال العقود الماضية، تحولات اجتماعية واقتصادية هائلة، ما يدفع بالطبقات المحرومة وحتى المتوسطة منها إلى تفضيل السلطة، والهيمنة الذكورية، والسيطرة الاجتماعية، إضافة إلى توحيد الرؤية في ما يخص المجال العام.
لذلك نستطيع أن نفهم الآن، وبصرف النظر عن حالات استثنائية، لماذا تنال الأحزاب المحافظة أو المحافظة جداً ما بين 60 إلى 65% من الأصوات... منذ 1950!

■ ألا يوجد أسباب أخرى؟
هناك أيضاً عوامل ظرفية: منذ عدة سنوات، همّش الجيل الأول والثاني من «حزب العدالة والتنمية»، وذلك لفائدة جيل ثالث لا ينحدر من (لم يشهد) نضالات الإسلاميين القديمة، وهو يحدد رؤية أردوغان للعالم. ووفق هذا الجيل، فإن الحرب العالمية الأولى، التي لم يكن لها من هدف (وفق رؤيتهم) سوى تدمير الإمبراطورة العثمانية، لم تنته بعد، وحتى ان المعارك الحاسمة هي بحكم الآتية. عندما نقرأ هذا، يولد لدينا انطباع بأن تاريخ العالم ليس إلا تاريخ عداء تجاه تركيا.
ضمن أجواء كهذه، يتم تفسير أي انشقاق، أو أي خلاف، على أنه فعل خيانة أو أنه مرتبط بعداوات داخلية أو خارجية. ونشاهد في تركيا بالتوازي، نكوصا مؤسساتيا هائلا، يترجم بانتقال كل شرعية المؤسسات إلى شخص أردوغان. هذا التطور يعزز أردوغان، بينما هو المسؤول الرئيسي عن حالة العنف التي تجد تركيا نفسها فيها.

_______________________

بين «ثورتين»: هكذا أعدّ «إخوان سوريا» ما استطاعوا

الأزمة السورية ليست الحدث الأول من نوعه الذي شهدته البلاد في تاريخها الحديث. في أواخر سبعينيات القرن الماضي استعرت في سوريا «أزمة الإخوان». ورغم الفوارق الكبيرة بين «الأزمتين»، لكنّهما تتشاركان قواسم كثيرة، على رأسها «الجماعة»
صهيب عنجريني

كانت «جماعة الإخوان المسلمين» في قلب الحدث السوري قبل انطلاقته، خلافاً لما تمّ الترويج له من أنها «دخلت على خط الأزمة في وقت متأخر». يذهب كثيرٌ من المرويّات إلى أنّ «أول بيان صدر عن الإخوان في الأزمة تأخر إلى نيسان 2011». في واقع الحال، كانت «الجماعة» قد اتّخذت خطوات تمهيدية، ظهر منها إلى العلن ثلاث.

تعود الأولى إلى مطلع شهر آب 2010 حيث شهدت مدينة اسطنبول التركية قيام «مجلس شورى الإخوان» بانتخاب محمد رياض الشقفة «مراقباً عاماً» وفاروق طيفور نائباً له (كانا من قادة العمل العسكري لإخوان سوريا خلال أحداث الثمانينيات). مثّلت الخطوة عودة لهيمنة «الجناح الحموي» في مقابل «الجناح الحلبي»، كما مهّدت لتحوّل «الجماعة» عن مسار «السياسة الناعمة» الذي انتهجه المراقب الأسبق (علي صدر الدين البيانوني) منذ عام 1996 وأثمر فتح قنوات حوار مع السلطات السوريّة، وصولاً إلى إعلان الجماعة تعليق نشاطها السياسي عام 2009 (كان فاروق طيفور من أشدّ معارضي القرار). لم تستغرق القيادة الجديدة وقتاً طويلاً للبدء بإعادة ترتيب الأوراق. في مطلع عام 2011 اتّخذ قرار إنهاء العمل بتعليق النشاط السياسي، وكان ذلك بمثابة خطوةٍ ثانية. الثالثة جاءت نهاية كانون الثاني 2011 مع إصدار «الجماعة» بياناً بعنوان «الشام على خطى الحرية». وكان بمثابة تنفيذ لـ«تهديدات» إعلاميّة على لسان الشقفة قبل شهر قال فيها «إذا استمر النظام في تجاهله لإرادة الشعب، فسنحرّض الشعب على المطالبة بحقوقه حتى يصل إلى مرحلة العصيان المدني».

رسائل إلى دمشق

جاء البيان رسالة إلى دمشق في سلسلة رسائل «حامية» بدأت بعد أيام قليلة من انتخاب «المراقب» الجديد ونائبه، حيناً عبر وسائل الإعلام وآخر عبر صندوق بريد أنقرة. كانت الأخيرة قد اضطلعت بالإشراف على إعادة ترميم «البيت الإخواني». ولعل أبرز الخطوات في هذا السياق كانت «إعادة الاعتبار» إلى الوجه الإخواني البارز عدنان سعد الدين في اجتماع اسطنبول 2009. عرفت عن سعد الدين معارضته الشديدة لأي مفاوضات مع السلطات منذ عام 1986، وتزعّم «جناح بغداد» في مقابل «جناح الرياض» الذي تزعّمه عبد الفتاح أبو غدّة. ورغم عودة الوفاق بين «الجناحين» بدءاً من عام 1996، غير أن خلافاً كبيراً نشب بين سعد الدين والبيانوني «المراقب العام» سنة 2002 نجم عنه إقصاء سعد الدين مجدّداً. بين اجتماعي اسطنبول 2009 (عودة سعد الدين) واسطنبول 2010 (انتخاب الشقفة وطيفور) زاد حضور قضية الإخوان على خط أنقرة ــ دمشق. تبدّلت لهجة الرسائل ليدخل التهديد على الخط منذ تشرين الأول 2010، وصولاً إلى بيان كانون الثاني 2011. عادت الرسائل في منتصف آذار 2011 مع بدء التحركات في الشارع. وعلى وقع تصاعد الأحداث في درعا، تجاوزت المطالب الإخوانيّة حاجز «إلغاء القانون 49» وضمت المطالبة بسلسلة إجراءات وقراراتٍ سريعة تُحوّل «الجماعة» من محظورة إلى شرعيّة مؤهّلة للمشاركة في الحكم. قبل الخطاب الأوّل للرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب (30 آذار) عُرضت تلك المطالب عبر أنقرة في شكل «صفقة».

ردود دمشق

لم تكن العلاقة مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قد تأزّمت بعد. انقسمت الآراء داخل الدائرة الضيقة في دمشق ما بين متحمّس لـ«الصفقة» ورافض لها بشكل كلّي. كان الرافضون يرون في الاستجابة نوعاً من «الرضوخ غير مضمون العواقب». رسمَ التباين ما يمكن وصفه بـ«استراتيجيّة النصف» التي طبعت تعامل السلطات مع الأشهر الستة الأولى من الأزمة، وقوامها السير نصف خطوة في كل اتجاه، بحيث تستمرّ القبضة الأمنية حاضرة في الشارع، بالتزامن مع الإعلان عن «سلسلة إجراءات إصلاحيّة». تضمّن خطاب الأسد الأول جملةً مفتاحية لخصت الرد على الرسالة الأخيرة: «إذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها». بعد الخطاب بأيّام (5 نيسان 2011) أصدر الإخوان بياناً حمل صبغة سياسيّة وتضمّن مطالب عامّة لا تقتصر على «الجماعة» فحسب.

من التظاهر إلى التسلّح: حاضرون

رأت الجماعة في دوران عجلة التظاهرات فرصةً مثاليّة للضغط على السلطات التي خلُصت تقييماتُها للوضع إلى أنّ «ثقل الإخوان في الشارع السوري لا يخوّلهم النجاح في تأجيج الشارع». اتّخذت الأجهزة «إجراءات احترازيّة» في معظم المدن والمناطق التي وُصّفت «بيئة داعمة للإخوان»، لكنّها لم تمنع الشارع من التفاعل سريعاً مع أحداث درعا في عدد من المدن مثل دوما وحرستا وحمص.

أوّل «تنظيم» سياسي محسوب على الإخوان ظهر في شباط 2011

كان لـ«الجماعة» دور أساسي في حشد المتظاهرين عبر وسائل عدّة «إعلاميّة» وفّرتها منصّات كثيرة، منها ما هو رسمي (مثل قناتي «الجزيرة» و«العربيّة») ومنها غير رسمي مثل مواقع التواصل الاجتماعي (أبرز المنصّات على مواقع التواصل كانت «صفحة الثورة السوريّة» التي باشرت نشاطها في شباط 2011). في البيئات التي سبق للجماعة أن تغلغلت فيها، أخذ النشاط طبيعةً أكثر مباشرة، عبر تنسيق التحركات وقيادتها من خلال بعض رجال الدين أو الوجاهات الاجتماعيّة المتعاطفة مع الإخوان (تُعتبر مدينتا دوما وحرستا في ريف دمشق من أوضح تلك الأمثلة). في درعا ساهمت «الجماعة» بشكل فعّال في الترويج لفكرة «ضرورة التسلّح لحماية التحرك السلمي»، ولعبت دوراً أساسيّاً في إدخال شحنات سريعة من الأسلحة الفردية عبر الحدود الأردنيّة. أمّا في حمص فكان لـ«اللجنة العامّة لحماية المدنيين» (برئاسة العضو السابق في جماعة الإخوان هيثم رحمة) دورٌ محوري في إرسال الأسلحة والمال إلى المقاتلين. ولعب أحد أفراد الجماعة (حسام أبو هابيل) دوراً أساسيّاً في تنظيم عمليات تهريب الأسلحة عبر الأراضي اللبنانيّة، ولاحقاً في تشكيل ميليشيات عدّة. بدأ أبو هابيل نشاطه في وقت مُبكر من عمر الأزمة (أيار 2011 على الأرجح)، قبل أن يتّسع نشاطه ويُصبح أكثر تنظيماً. وبحلول آب 2012 بات قادراً على «جمع ما يتراوح بين 40 و50 ألف دولار شهريّاً لإمداد الميليشيات الاسلامية في محافظة حمص بالسلاح ومعونات أخرى»، وفقاً لما نقلته عنه صحيفة «دايلي تليغراف» حينها. وقد نقلت الصحيفة تأكيد أبو هابيل أنّ «مهمّتنا بناء دولة مدنية ولكن على أساس إسلامي، ونحاول التوعية بالإسلام والجهاد». كذلك، لعب العضو في الجماعة خالد خلف (أصبح عضواً في «المجلس الوطني» بعد إنشائه) دوراً محوريّاً في توفير الأسلحة منذ أيّار 2011 لمسلّحين في كلّ من حمص وحماة ودير الزور.

«العمل السياسي»

كانت «الجماعة» سبّاقة في مجالات العمل السياسي، مستندة إلى قاعدة متينة من التحالفات مع أبرز اللاعبين الإقليميين في الشأن السوري (تركيا وقطر في الدرجة الأولى، ولاحقاً السعودية). أوّل «تنظيم» سياسي محسوب على الإخوان ظهر إلى العلن قبل بدء التظاهر في سوريا، وتحديداً في 18 شباط 2011، حيث شُكّلت «مجموعة العمل الوطني من أجل سوريا»، وكان من أبرز أعضائها أحمد رمضان وعبيدة نحّاس. لاحقاً كانت المجموعة جزءاً أساسيّاً في «المجلس الوطني السوري» الذي شكل في تشرين الأول 2011. وقد حظيت بممثلين في «الائتلاف» المعارض منذ تشكيله عام 2012، وفي «الحكومة المؤقتة» عند تشكيلها عام 2013. كذلك شاركت المجموعة في «مؤتمر جنيف 2» عام 2014.

«ثورة الأمس»

تعود بذور الخلاف بين «الجماعة» وحزب البعث إلى ستينيات القرن الماضي. فقد شهدت حماة مواجهات بين الطرفين، من أشهرها أحداث ثانوية الحوراني في آذار 1964، إثر قيام طالب إخواني بكتابة آية قرآنية «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون». تشرح الحادثة جوهر الخلاف: «الجماعة» تطالب بـ«حكم الله»، وترى من يحكم بسواه «كافراً»، والبعث يقبض على السلطة ويعتمد لاحقاً دستوراً لا ينص على أن «دين الدولة هو الإسلام» (الدولة بأكملها وليس الرئيس). شكلت أحداث مسجد السلطان (حماة 1964) مفصلاً مهماً. دأب الإخوان على تأكيد «سلميّة حراكهم» حينها، لكن روايتهم حملت لاحقاً اعترافاً بوجود أسلحة في حوزة المعتصمين «كان بعض عناصر الإخوان يحملون مسدسات صغيرة وأسلحة بسيطة أخرى عبارة عن زجاجات مولوتوف لا يتجاوز عددها سبع زجاجات أو ثماني»، وبأن أولى ضحايا تلك الحادثة كانت من البعثيين «حدث أن قتل طالب بعثي أثناء التظاهرات، فاستدعى عبد الحليم خدام (محافظ حماة حينها) الجيش الذي حاصر المسجد». استمرّت الحال بين مدّ وجزر قرابة عقدين، نفّذت «الجماعة» خلالهما تفجيرات واغتيالات ونفّذت السلطات عمليات اعتقال وتعذيب. احتدمت المواجهات بعد تشكيل مروان حديد «الطليعة المقاتلة» (1975) مروراً بـ«مجزرة المدفعيّة» في حلب (حزيران 1979)، والتي كانت أول مجزرة من نوعها في تاريخ سوريا الحديث، ثم محاولة اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد (حزيران 1980) وصولاً إلى صدور القانون 49 (تموز 1980)، ثم «مجزرة حماة» 1982.

«الطلائع المقاتلة»

في «الأزمة» الأولى حاولت «الجماعة» تسويق فكرة عدم ارتباط «الطليعة المقاتلة» بها. وهو أمر ثبت لاحقاً عدم صحّته وفقاً لوثائق عدّة، منها واحدة صادرة عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية DIA عام 1984، ورفعت عنها السريّة عام 2013. في الأحداث الراهنة طوّر الإخوان وسائلهم عبر السعي إلى تشكيل مجموعات مختلفة في مناطق كثيرة، على ألّا ترتبط المجموعات بهم ظاهريّاً ووفّروا لها كل وسائل الدعم اللازمة. أبرز هذه «الطلائع المقاتلة» كانت «حركة أحرار الشام»، «ألوية صقور الشام»، «سرية أبو عمارة»، «تجمّع فاستقم كما أُمرت»، «كتائب الفاروق» (التي تحولت لاحقاً إلى نواة لـ«حركة حزم»)، «لواء التوحيد»، «هيئة دروع الثورة»، وغيرها.


_____________

«إخوان اليمن»: من نشوة السلطة إلى «لعبة الكبار»
في مسار لا يختلف كثيراً عن مآلات العمل السياسي لتنظيم «الإخوان المسلمين» في الإقليم، انتقل حزب «الاصلاح» في اليمن بسرعةٍ فائقة من الصعود نحو السيطرة على مفاصل الحكم، إلى البحث عن دور في مستقبل بلدٍ مزّقته الحرب
جوي سليم

أربع سنوات كانت كافية لهدم أحلام حزب «التجمع اليمني للإصلاح» وقلب واقعه رأساً على عقب. بعد موجة «الربيع العربي» والآمال التي عقدها الحزب الذي يصنَّف بكونه الفرع اليمني لتنظيم «الإخوان المسلمين» على وضع اليد على السلطة السياسية بشكل كامل، وجد نفسه بحاجة إلى إثبات «جدارته» من جديد ضمن «لعبة الكبار» لحجز مكان له في صيغة الحكم المقبلة.
نجح «الإصلاح» في قيادة مسار «انتفاضة فبراير» (2011) التي التحق بها متأخراً، وبالسيطرة على قرارها حين انشقّ اللواء علي محسن الأحمر وبدأت «عسكرة» الانتفاضة، قبل أن تنتهي بالمبادرة الخليجية التي حكمت اليمن ثلاث سنوات. ثم عززت تجربة حكومة «الوفاق الوطني» من «نشوة السلطة» لدى «الإصلاح»، حيث استطاع الحزب الحصول على أكثر من نصف الوزارات (خلافاً للمبادرة الخليجية) فيما كان رئيس الوزراء، أحمد سالم باسندوة محسوباً عليه أيضاً.
تأسس «الإصلاح» عام 1990 كوريثٍ للنشاط الاسلامي في اليمن. فالعمل السياسي الإسلامي لم يتخذ في اليمن إطاراً تنظيمياً إلا في ذلك العام، بعد سنوات طويلة من الحركة «الخجولة» والانكفاء إلى العمل من خلال القنوات التربوية والدعوية. ووصلت دعوة حسن البنّا إلى اليمن، بعد زيارته عام 1929 البلد الذي كان لا يزال تحت الحكم الإمامي. لكن اقتباس التجربة الإخوانية في العقود التي تلت، تعثّر لأسباب عدة، أبرزها أن ذلك الزمن كان يعجّ بالأحزاب والحركات القومية والماركسية. فاقتصر النشاط الاسلامي في الخمسينيات والستينيات ــ برغم بعض المحاولات التي لم يكتب لها النجاح ــ على المدارس والمعاهد الاسلامية التي بدأت بالظهور.

مثل «الإصلاح» أداةً لضرب أي مشروع يساري أو تحديثي

وبرغم التأثر المبكر بـ»الجماعة»، يبقى الحديث عن تنظيم «إخواني» في اليمن مفتقر إلى الدقة. فحزب «الإصلاح» الذي يرتبط بالتنظيم الدولي، هو في الواقع وعاء لعدد من التيارات الدينية والقبلية والعسكرية، تُعدّ الوهابية التيار الطاغي عليها.
«كان الإصلاح أداةً لضرب أي مشروع يساري أو تحديثي في اليمن»، يقول المفكر وعضو اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي اليمني، محمد المقالح، إذ اتُهم الحزب الاسلامي بتنفيذ اغتيالات ضد قيادات «الاشتراكي» في المحافظات الشمالية، ومن بينها اغتيال الأمين العام لهذا الحزب جارالله عمر عام 1993، من ضمن موجة فتاوى التكفير. في ذلك الوقت، كان «الإصلاح» يمارس نشاطه الدعوي والسياسي من خلال قنوات الدولة في مكتب الإرشاد والمعاهد العلمية ومنابر المساجد والإعلام الرسمي، وهو ما أدى الدور الأساسي في «الغزو السلفي» الذي عرفه المجتمع اليمني.
وفي قضية العلاقة بـ»الاخوان المسلمين»، يمكن القول إن الحزب يميل كيفما تميل الرياح. فحين وصل التنظيم الى السلطة في مصر عام 2012، تعاطى الحزب اليمني مع الموضوع وكأن له حصة فيه. أما حينما أدرجت السعودية «الجماعة» على لائحة «الإرهاب»، فخرج الحزب ببيان يتبرأ فيه من علاقته بـ»الإخوان»، إذ إن علاقته بالمملكة تظلّ على رأس لائحة أولوياته.
إلا أن علاقة الحزب الذي أسسه الشيخ عبدالله الأحمر بالرياض شابتها بعض «الانتكاسات» خلال العقدين الأخيرين. أبرز الاختلافات بين الجهتين، كان إبان «حرب الوحدة» (الحرب على الجنوب) ثم الانتفاضة اليمنية. وشهدت العلاقة بين «الإصلاح» والرياض فتوراً حاداً، في سياق الاختلاف السعودي القطري ودور «الإخوان» فيه خلال «الربيع العربي»، قبل أن تعود الحرارة إلى علاقة الطرفين بعد موت الملك عبدالله.
وفي أيلول من عام 2014، مني «الإصلاح» بهزيمة سياسية أقصته عن المشهد السياسي في اليمن. فبعد دخول قوات «أنصار الله» إلى صنعاء، انكفأ مقاتلو «الإصلاح» عن القتال، حتى سيطرت «أنصار الله» على «اللواء 310 مدرع» التابع لعلي محسن الأحمر، قبل أن يفرّ الأخير إلى الرياض.
وتعتقد شريحة واسعة من اليمنيين أن «الإصلاح» أثبت، خصوصاً مع تأييده للحرب السعودية المستمرة، أنه منقاد تماماً خلق قيادة علي محسن. وأن محمد اليدومي، رئيس الحزب ليس سوى واجهة للحزب ولا سلطةً فعلية له. أما قرار الحزب الحقيقي، فهو بيد «اللواء» والملياردير حميد الأحمر، ويقيم الاثنان في الرياض، حيث تدار شؤون الحزب اليوم.
يرى هؤلاء أن «الاصلاح» فقد الكثير في هذه الحرب على مستويات عدة ولا سيما الجماهيري. وفي هذا الإطار، يقول هؤلاء إنه «في كل بيت في صنعاء اليوم هناك ثأر مع الإصلاح». فمع بدء حملة «عاصفة الحزم»، كان «الاصلاح» من الجهات القليلة التي أصدرت بياناً رسمياً يؤيد الحرب، قبل أن يصبح مسلحوها عماد الحرب البرّية ولا سيما في الشمال. وأظهرت وثائق وتقارير صحافية قتال «الإصلاح» إلى جانب «القاعدة» على عدد من الجبهات، أبرزها تعز التي تُعدّ إحدى أكثر الجبهات استنزافاً لهذا الحزب، بسبب حالة العداء الاماراتية ــ الاصلاحية، السبب الأبرز في تعثر «معركة تعز».
المقالح يرى في حديثٍ إلى «الأخبار» أن ما آل إليه «الإصلاح» هو «انتحار جماهيري». وبالنسبة لحجز «الإصلاح» موقعا في التسوية السياسية بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهو ما بدأ يظهر مع تعيين علي محسن الاحمر «نائباً عاماً للقوات المسلحة» أخيراً، فيقول المقالح إن الحزب قد يعود إلى العمل السياسي ولكن كحالة طائفية لتمثيل «مكون» في صيغة الحكم المقبلة. وقد يتحقق ذلك فقط في حال نجحت السعودية في إرساء صيغة طائفية لهذا البلد بعد الحرب، يضيف، ما يعني أن نفوذ «الإصلاح» السابق وسطوته على الحكم وتغلغله في مؤسسات الدولة، قد ذهبت جميعها إلى غير رجعة.

________

الإخوان الذين تفتّتوا... ذاتياً


عمّان _ الأخبار | شهد التنظيم الإخواني في الأردن أزمة حقيقية خلال السنوات الخمس الماضية، بدءا من مبادرة إشكالية عرفت باسم «الملكية الدستورية» إلى مبادرة عرفت باسم «زمزم» وأحدثت شرخا في جسم الجماعة، ثم جاء انقسام جديد بعدما حصل أعضاء منها على ترخيص يحمل اسم «جمعية جماعة الإخوان المسلمين»، بقيادة المراقب العام السابق، عبد المجيد الذنيبات.

بداية الأزمة كانت في فكرة «الملكية الدستورية»، التي حملت الأفكار نفسها التي يسير عليها نظام الحكم في بريطانيا، وكان مهندسها القيادي الإخواني ارحيل الغرايبة، وروج لها في واشنطن على هامش مشاركته في أحد المؤتمرات. لكن هذه المبادرة نامت في مهدها، بعد الهجوم الذي تعرض له الغرايبة من داخل التنظيم وخارجه.
بعد تفاقم الأزمة الداخلية في صفوف الجماعة، ولدت مبادرة جديدة باسم «المبادرة الأردنية للبناء - زمزم» التي وقف وراءها الغرايبة ومعه القيادي نبيل الكوفحي، ووصفت بـ»الانقلاب الأبيض». منذ انطلاقة «زمزم» والماكينة الإعلامية في المملكة لم تتوقف عن تحليل ما حدث، كما حرص الإعلام القريب من الحكومة على استغلال ما جرى لتعتيم الصورة القاتمة ضد منافسها السياسي الوحيد تقريبا.
في السياق التاريخي، ومع تشكيل المكتب التنفيذي لـ»الإخوان» قبل نحو عامين وبعد فوز همام سعيد بمنصب المراقب العام، وبرغم أن رأي الأغلبية كان أن يشكل همام فريق عمل متجانس، لأن التجربة السابقة في المكتب التوافقي القائم على المحاصصة كانت معطّلة للعمل وقائمة على الترضيات، فإن الرجل كما يقول أنصاره، ونتيجة للتجربة السابقة، اعتمد على مبدأ الكفاءة في اختيار أعضاء المكتب التنفيذي والفريق العامل معه.
في هذه الأثناء، قرر التيار الذي عرف باسم «حمائم الإخوان» رفض المشاركة في أي موقع داخل الجماعة كرد فعل على ما سموه فوز تيار «الصقور» بالأغلبية في مجلس الشورى مع أنها وصفت بأنها «انتخابات تامة وحرة».
راهن هؤلاء على أن المراقب العام لن يستطيع تشكيل مكتب تنفيذي ولن يحظى بالثقة المطلقة من أعضاء الشورى، ولن ينجح في هذه المرحلة الصعبة، فقدروا أن عزوفهم سيحبط القيادة. لكن سعيد قرر تشكيل مكتب تنفيذي من شخصيات صاحبة كفاءة وخبرة وليست بالضرورة من المحسوبة على تيار الصقور، مثل زياد الخوالدة ووائل السقا ومحمد الشحاحدة سعود أبو محفوظ، فيما كان سعيد نفسه وأحمد الزرقان هما المحسوبان تاريخيا وتقليديا على جناح «الصقور».
شعر «حمائم الإخوان» بأنهم أخطأوا التقدير، فحاولوا الضغط من خلال مجلس الشورى لفك «المكتب التنفيذي» وإعادة تركيبه كي يدخلوا إلى المكتب من جديد. بعد عدة محاولات قادها المراقب السابق عبد المجيد الذنيبات (صاحب الانشقاق اللاحق) مع «مكتب الإرشاد العالمي» وحديثه عن شبهة مال سياسي في الانتخابات الداخلية، انقسم هذا التيار إلى جهتين: جهة عدلت مسارها وغيرت رأيها وانخرطت في العمل، وفريق ثان وجد نفسه ومستقبله خارج الجماعة (مبادرة زمزم).
اجتمع مؤسسو «زمزم» في لقائهم الأول في نهاية 2012 بعد ما يقارب ستة أشهر على تشكيل المكتب التنفيذي. حضر اللقاء نحو ستين شخصية دون أن يعلموا بتفاصيل ما دعوا إليه. خلال الجلسة طرقت ورقتان كانت الثانية تنص على تشكيل إطار جديد يشمل بعض معاني وأهداف «زمزم» ما تسبب في انسحاب عدد من الحضور.
أهم من رفضوا فكرة المبادرة شكلا وتوقيتا القياديان عبد اللطيف عربيات وسالم الفلاحات، اللذان رأيا أنها فكرة انشقاقية. وحديثا، أكدت مصادر مطلعة في وزارة الشؤون البرلمانية والسياسية أن «زمزم» تقدمت رسميا بطلب لتأسيس حزب سياسي جديد. ويحمل الحزب اسم «حزب زمزم» إلى جانب صيغة أولية لبعض الأفكار والمبادئ الخاصة به.
استمرت مؤسسات الدولة الإعلامية المناكفة للإخوان بالعمل بمبدأ زيادة الشرخ، فأبرزت نموذج «زمزم» وعملت على مدحه وفتح المجال لقيادات المبادرة حتى جاء موعد إعطاء الترخيص الحكومي الشهير لـ»جمعية جماعة الإخوان المسلمين»، بقيادة عبد المجيد الذنيبات، في محاولة لإحداث شرخ إضافي إلى جانب «زمزم»، مع أن الجمعية لم تلق قبولا لدى القواعد الإخوانية التي نأت أجزاء كبيرة منها عن هذه الخلافات، وفي النتيجة عن المشاركة الفعالة في النشاطات، التي حاصرتها الحكومة في السنة الأخيرة بحجة وجود جمعية مرخصة هي المسموح لها بالنشاطات.
وقد سبقت الترخيص لجميعة الذنيبات مؤتمرات تصحيحية وصفت بالانقلابية على الجماعة الأم، وصولا إلى تدخل الحكومة في الأسبوع الماضي لمنع الأخيرة من إجراء انتخاباتها الداخلية.
يشار إلى أنه قبل الإعلان عن ترخيص الجمعية اعتقلت السلطات الرسمية الرجل الثاني في الجماعة الأم، زكي بني ارشيد، على خلفية منشور له على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وسجن بتهمة الإساءة إلى دولة شقيقة هي الإمارات.
لكن بني ارشيد أعلن في اليوم الأول من خروجه من السجن مبادرة وطنية للإصلاح فتحت شهية المتحمسين في التنظيم وخارجه على فكرة لم شمل الصف الإخواني. ونظريا، استطاع الرجل جمع بعض الشتات عبر توافقات مع التيارات في الجماعة على تمرير الانتخابات الداخلية المقبلة واستبعاد أي مناكفات.
ويذكر أن بني ارشيد، في آخر جلسة لشورى الجماعة، التي اعتقل عقب انتهائها، استطاع أن يساهم في تشكيل توافق عبر طي «ملف زمزم»، ولكن خبر الاعتقال غطى على هذا التوافق، الذي لا يبدو أن نتائجه ستثمر في ظل التشتت الذاتي واستغلال الحكومة له.


_______________
أشواك سيد قطب

وسام اللحام

في روايته "أشواك"، يعبّر سيد قطب (1906-1966) عن خيبة الأمل التي تسبّبها قصة حب فاشلة عاشها البطل مح حبيبته بسبب التقاليد الاجتماعية المحافظة. صدرت رواية "أشواك" سنة 1947 وقد أهداها قطب إلى حبيبته كاتبا: "إلى التي خاضت معي في الأشواك فدميت ودميت وشقيت ثم سارت في طريق، وسرت في طريق: جريحين بعد المعركة.

لا نفسها إلى قرار ولا نفسي إلى استقرار". كان هذا قبل أن يتحول سيد قطب ويصبح مفكر الاخوان المسلمين الأبرز الذي سيدفع حياته ثمن مواقفه ويجري اعدامه شنقا زمن حكم الرئيس جمال عبد الناصر.
كيف تحولت شكوى سيد قطب من لوعة الحب وأشواكه إلى رفض عارم وجارف لكل سلطة غير اسلامية؟ لا شكّ أن هذا السؤال يعكس الأزمة التي يعيشها العالم العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى اليوم حول مفاهيم الهوية والقومية والحداثة، التي دخلت بقوة مع توسع الهيمنة الغربية على المستويات الاقتصادية والعسكرية والفكرية. وقد تنكر قطب لاحقا لروايته "أشواك"، إذ عدّها غير اسلامية تنتمي إلى فترة حياته "الجاهلية" التي امتدت لما يقارب الأربعين سنة كما وصف نفسه في كتابه "معالم في الطريق" الذي استعملته المحكمة لادانته بسبب تحريضه الشباب على التمرد والعمل لاقامة الشريعة وحاكمية الله.
سافر قطب سنة 1948 إلى الولايات المتحدة في بعثة كممثل عن وزارة التربية بغية دراسة مناهج التعليم الحديثة لكنه عاد وقد تغير بشكل كبير إذ هاله واقع الحياة في أميركا التي وصفها في كتاب له كمجتمع يعاني ثلاث آفات رئيسية: المادية، العنصرية والانفلات الجنسي. لقد رأى قطب أن الدول الصناعية تفوقت من حيث التقدم التكنولوجي لكنها تنتج دون قيم روحية واخلاقية حيث أضحت الحرية مجرد سعي وراء الملذات والرغبات الجامحة. وعقب عودته إلى مصر تقرب قطب شيئا فشيئا من حركة الاخوان المسلمين حتى توج انقلابه الفكري مع انضمامه رسميا إلى صفوف الاخوان المسلمين سنة 1953 إذ اعتبر الاخوان بوصفهم القوة الوحيدة التي تستطيع الوقوف بوجه تمدد الحضارة الغربية في العالم الاسلامي.
ومن أشواك الحضارة الغربية إلى أشواك ثورة الضباط الاحرار التي أنهت النظام الملكي في مصر سنة 1952. فقد أيدت حركة الاخوان الثورة في أول الأمر لا بل جرى تعيين سيد قطب نفسه مستشارا للمجلس العسكري وأصبح بالتالي المدني الوحيد الذي حضر اجتماعات المجلس. سرعان ما نشأ الخلاف بين قادة الانقلاب والاخوان اذ رفض المجلس العسكري مطالب هؤلاء بتطبيق الشريعة كمنع بيع الكحول واغلاق الحانات. كذلك رفض المجلس مطالب الاخوان بالانتقال الى نظام حكم دستوري مدني واجراء استفتاء شعبي حول تطبيق الشريعة. وهكذا بعد تصاعد حدة الخلاف حُلت حركة الاخوان المسلمين وزج بسيد قطب في الحبس بعد تعرضه للتعذيب، وبقي في الحبس حتى سنة 1964 حين أُفرج عنه بناء على طلب من الرئيس العراقي عبد السلام عارف، لكن ما لبث ان اعتُقل من جديد بعد ثمانية أشهر بتهمة الارهاب والإعداد لانقلاب مسلح فأُدين وأُعدم في 29 اب 1966.
تأثر سيد قطب خلال فترة اعتقاله بكتابات أبي الأعلى المودودي الذي نظّر لمفهوم حاكمية الله وجاهلية المجتمعات البشرية وكان أول من استعمل هذه المفاهيم بشكل سياسي وضد مسلمين اخرين. وقد سار قطب على النهج نفسه فأصّل لفكرة الحاكمية في كتابه الضخم "في ظلال القرآن"، حيث كتب ان "إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور".
فكل مجتمع لا يقوم على تطبيق شرع الله هو مجتمع جاهلي يفتقر للشرعية لأن فكرة التوحيد تفرض أن سلطة التشريع، وتحديد الحلال والحرام، يعودان حصرا لله. فقبول سلطة بشرية أكانت لانسان مفرد أو لمجموعة معينة أو لايديولوجيا محددة كالقومية أو الشيوعية شرك يؤدي بالمجتمع إلى الكفر والسقوط في الجاهلية. لذلك كان لا بد من "إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر، وتحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها" فلا بد من "الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان، لتحرير الإنسان في الأرض، كل الأرض".
وهكذا نفهم كيف تجري عملية تكفير دول ومجتمعات بأكملها. فمعيار الحاكمية ليس تركيبة الشعب السكانية، بل تطبيق شرع الله. فالبلاد التي لا تطبق فيها الشريعة هي دار حرب حتى لو كانت الغالبية الساحقة من سكانها مسلمة مؤمنة. فالحكومة الاسلامية هي حكم الشرع، والدولة الاسلامية لا تعرف حدودا جغرافية، بل هي تمتد لتشمل كل الاراضي الخاضعة لحاكمية الله. من هنا كانت الدعوة ضرورية في مرحلة أولى لشرح حقيقة الدين لمن ضل من البشر ومن ثم لا بد من الجهاد والقوة لمواجهة الحكومات التي تقوم على مفاهيم جاهلية. فالثورة الاسلامية واجب لتدمير العراقيل التي يفرضها الانسان بين المؤمن والله.
هذه هي وصفة سيد قطب لتحرير الانسان من أشواك الجاهلية. فمن أشواك الحب، أنهى قطب حياته محاربا أشواك الطواغيت وحكم الكفار في مجتمع جاهلي لكي يتحول هو نفسه إلى شوكة الاخوان المسلمين الفكرية الأهم. صحيح أن بعض الورد لا شوك له، لكن أيضا بعض الشوك لا ورد له.
_______________
*كاتب وأستاذ جامعي

السبت، 28 نوفمبر 2015

حادثة إسقاط المقاتلة الروسية وصراع الولايات المتحدة للهيمنة وإقصاء القوى الصاعدة مثل روسيا والصين يعزز الاعتقاد بأن صاحب القرار ليس تركيا منفردة

    نوفمبر 28, 2015   No comments
 معالجة حادثة إسقاط المقاتلة الروسية ضمن موازين القوى الدولية وصراع الولايات المتحدة للهيمنة وإقصاء القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، يعزز الاعتقاد بأن صاحب القرار لا تنطبق عليه مواصفات دولة من الدرجة الثانية، كتركيا، والتي لا تقدر على تحمل نتائج فعلة لها انعكاسات إقليمية ودولية بمفردها.

تراجع سريعاً تبرير تركيا عالمياً بالزعم أن إسقاط القاذفة الروسية جاء عقب اختراقها الأجواء والسيادة التركية، على الرغم من اختراق الطائرات الحربية التركية المتكرر لأجواء اليونان والعراق وسوريا وأرمينيا. وأثار موجة تداعيات وردود فعل متباينة، أبرزها توفير الرئيس أوباما غطاء سياسياً لأردوغان وحقه "في الدفاع عن سيادة أراضيه وأجوائها" واعتباره العمليات العسكرية الروسية "تسهم في تفاقم الأزمة لا سيما باستهدافها قوى من المعارضة السورية تدعمها تركيا."

وقطع الرئيس الروسي بوتين الشك باليقين، صبيحة الجمعة 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بإعلانه أن قيادة بلاده أبلغت الولايات المتحدة مسبقاً بمهمة طائرتها قاذفة القنابل التي أسقطها سلاح الجو التركي، واستطراداً أن تركيا بحكم موقعها في حلف الناتو تلقت علماً بهوية الطائرة ومنطقة عملياتها.

وقال الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي إن ”الولايات المتحدة قائدة التحالف الذي تشارك فيه تركيا، تعرف مكان وتوقيت مرور طائراتنا، وتم ضربنا في المكان والتوقيت المحدد بالضبط" مؤكداً أن زعم تركيا الجهل بطائرة السوخوي 24 "عذر عبثي" محذراً أردوغان من اللعب بالنار.

في نظر القانون الدولي الصرف، المقاتلة الروسية "لم تقم بمهمة عدائية تجاه تركيا" وبالتالي فإن تركيا عرضت نفسها للمساءلة بارتكابها "جريمة حرب" بل من أبرز تداعيات القرار التركي أنه ضاعف من احتمالات مساءلة القيادة التركية وتكبيدها أثماناً باهظة في مقدمتها تعزيز الموقف الروسي وانخراطه الفعلي في سوريا، جسده الكرملين بإرسال أحدث منظومة في دفاعاته الجوية،
أس 400، للأراضي السورية وبالقرب من الحدود التركية، وخشية تل أبيب من إمكانية تهديدها لأي طائرة تقلع أو تهبط في مطار اللد، أو أي طائرة "إسرائيلية" في سماء لبنان. 

كما أرسلت موسكو أحد أحدث طراداتها العسكرية، موسكوفا، قبالة سواحل اللاذقية والذي يعتبره حلف الناتو "قاتل حاملات الطائرات" لمميزاته التسليحية المتطورة منها منظومة دفاع صاروخية من طراز "فورت" مشابهة لمنظومة أس 300 وتتميز بقدرة مناورة عالية".

تركيا من جانبها حافظت على لهجة التصعيد والتحدي، لا سيما بعد اعلان روسيا تخاذ اجراءات مقاطعة اقتصادية بديهية ضدها، للتمويه على قرارها "بتعليق" طلعات مقاتلاتها بالقرب من الحدود السورية، رافقتها موسكو بتصعيد عملياتي من جانبها وتحديداً في الشريط الممتد من جرابلس السورية الى واحل البحر المتوسط، وهي المنطقة التي صرح اردوغان بانه سيعلن عن انشاء منطقة "آمنة،" أو حظر جوي.

تراجع تركيا ميدانياً دللت عليه موسكو باستهداف حقيقي مدروس لقوافل حاملات النفط السوري المهرب باتجاه الأراضي التركية، بل نيتها الاستمرار والتدرج في ذلك لحرمان تركيا من التنعم بالمسروقات السورية. التراجع ايضا دليل بيّن على هوية صاحب القرار في التصعيد والتهدئة، ومؤشر أيضاً على أن اردوغان وطموحاته بعد فوز حزبه باغلبية المقاعد البرلمانية مؤخرا، يبدو ابعد ما يكون عن تحقيق اي من اهدافه المعلنة بتقسيم سوريا وبسط نفوذه عليها وعلى العراق في آن.

الدول الملحقة بالتحالف مع تركيا، لا سيما في الخليج العربي، اعربت عن ارتياحها الفوري لاسقاط الطائرة الروسية باعتباره "قرار سياسي وتصعيد محسوب" من تركيا، كما اوضح الصحافي "السعودي" جمال الخاشقجي، مبشرا ان "ما قبل الحادث لن يكون هو ذاته ما بعد ذلك." رئيس مركز "بيلغي اسلام" البحثي في انقره، اتيلا صانديكلي، اعتبر قرار بلاده تهور سياسي وجاءت "هذه الحادثة لتزيد الطين بلة."

الناتو يحفظ خط التراجع
استجاب حلف الناتو لدعوة تركيا بالانعقاد الطاريء في مقره ببروكسل متخذا قراره بدعم انقره دون التكامل مع مطلبها بتدخل الحلف عسكريا لجانب احد اعضائه، بل طالب بعض مندوبيه الرئيسيين انقره "التحلي بالتهدئة وعدم التصعيد،" والادلاء بصريح العبارة ان تركيا "لم تقم بمرافقة المقاتلة الروسية خارج مجالها الجوي،" مناشدين انقرة عدم الاقتراب من "حافة الهاوية."

منذ دخول روسيا المباشر في القتال في سوريا، استمزجت قيادتها العسكرية ردود فعل حلف الاطلسي عبر اختراق طائراتها الاجواء التركية على مدى يومين متتاليين، مما دفع قيادة الحلف "التنديد بانتهاك سيادة الاجواء التركية، وانتهاكها مسرح عمليات قوات الحلف."

في هذا السياق أيضاً، حل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ضيفا على البيت الابيض في اطار زيارة كانت مقررة مسبقا، فور وقوع اسقاط القاذفة الروسية، رمى منها حث واشنطن الانضمام الفعلي لجهود موسكو وتصديهما المشترك لداعش، الأمر الذي لم يلقَ تعاطفا جادا من قبل الرئيس اوباما. وتوجه عقب ذلك للقاء الرئيس الروسي بوتين في موسكو بغرض التنسيق العملياتي المذكور. اللافت انها المرة الاولى التي يعرب فيها الجانب الفرنسي عن حشد الجهود جنبا الى جنب مع الجيش العربي السوري، وروسيا، لمقاتلة داعش، "الذي يشكل العدو الاوحد لفرنسا." حركة هولاند ادت باردوغان للتغريد وحيدا خارج السرب على يد اقرب حلفائه الاوروبيين.

لعل الأبرز في التصريحات الفرنسية منذ جولة هولاند ولقاءاته مع اوباما وميركل وبوتين "احجامه" عن المطالبة برحيل الرئيس الاسد كما درجت السياسة الفرنسية عليه منذ بدء هجمات المجموعات المسلحة على الدولة السورية. هولاند تسلم "تصدر" الملف السوري ليس للهجمات الارهابية الاخيرة في بلاده، بل ايضا بحكم انشغال المانيا ومستشارتها ميركل بالازمة الاقتصادية مع اليونان وتداعياتها على لحمة الاتحاد الاوروبي برمته. وعليه، نستطيع القول ان فرنسا هولاند اضحت في المقعد الامامي الاوروبي والغربي معا في التعامل مع الازمة السورية.

علاوة على ما تقدم في الساحة السورية، لوحظ تراجع اوروبي واضح، المانيا وفرنسيا بالذات، من تصعيد الموقف مع روسيا في اوكرانيا وشبه جزيرة القرم، مما يؤشر إلى أن المبادرة الفرنسية نضجت بمباركة اميركية لتجاوز مرحلة سياسية عادت على الدول الاوروبية بالضرر الاقتصادي واستشراء الارهاب في اراضيها. حركة هولاند "المفاجئة" وتصريحاته الايجابية نحو الجيش العربي السوري ربما أتت تتويجا واقتداء بسلفه شارل ديغول القائل "رجال الدولة يتراجعون امام المحن."

آفاق المرحلة المرئية
الاستناد إلى لغة التصريحات الرسمية حصراً لا يعدو كونه أحد العوامل التي تؤخذ في الحسبان لاستقراء التحركات السياسية للقيادات المنخرطة والفاعلة في الصراع: بوتين، اوباما، هولاند، والى درجة اقل بكثير يأتي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. التصريحات التصعيدية الصادرة عن كل من روسيا وتركيا تؤشر على نضوج ازمة يحرص الطرف الاضعف على عدم الذهاب بعيدا فيها لنقطة التفجير.

مفصل الافتراق الروسي الأميركي ليس في الموقف من شخص وموقع الرئيس السوري بشار الاسد، بل لطبيعة تعريف القوى والمجموعات الارهابية. موسكو ودمشق تعتبران أن كل من يحمل السلاح ضد الدولة السورية ويرتبط باجندة وتمويل خارجي تنطبق عليه صفة الإرهاب ينبغي اجتثاثه. واشنطن وحلفاؤها الإقليميون يوفرون الدعم التسليحي والتمويلي والغطاء السياسي لمروحة واسعة من مسميات واستنساخات التنظيمات الإرهابية، وتحرص على إقصاء روسيا من التعرف على مواقع "المعارضات المعتدلة" واستهدافها.

بيد أن الاغراض المرجوة من استيلاد تلك المجموعات ومشتقاتها لم تؤتِ أكلها في اطار الاستراتيجية الاقليمية والكونية للقوتين العظميين، وتراجعت اهميتها الميدانية بالنسبة لمشغليها باضطراد مع بدء الدعم الجوي الروسي لقوات الجيش العربي السوري. واضحت "عبأً" على مشغليها ينبغي ادارته وتحجيمه الى مستوى بقائها تحت السيطرة وعند الطلب، لاسيما بعد اعلان قادة من "لواء التركمان" مسؤوليته عن اغتيال الطيار الروسي اثناء هبوطه بمظلته في قرية يمادي السورية.

تفجيرات باريس الاخيرة فرضت واقعاً جديداً ومستجداً على بعض الدول الاوروبية، وتحول بعض مواقفها بالابتعاد عن دعم الارهابيين وتسهيل دخولهم للاراضي السورية عبر تركيا. وجاءت تحركات فرنسا هولاند والتقرب من روسيا تجسيد على التحولات الجارية في المواقف الاوروبية. وأثمرت ايضاً انحراف المانيا بنفس الاتجاه، اذ صرحت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، الجمعة 27 نوفمبر، ان بلادها قررت الانضمام ومشاركة فرنسا الحرب على الارهاب "بناء على طلبها."

على هدي قاعدة "رب ضارة نافعة" يستعيد الرئيس الروسي بوتين مركزيته في تصدر التحركات السياسية على امتداد الساحة الدولية، اسوة بما حققه من نجاح في دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة الاخيرة، باعلانه انخراط بلاده مباشرة في الازمة السورية.

ستشهد باريس مطلع الاسبوع المقبل، الاثنين 30 نوفمبر، انعقاد "مؤتمر باريس للمناخ،" الذي سيحضره عدد وافر من قادة العالم من بينهم الرئيس الاميركي باراك اوباما.

حافظ الرئيس بوتين على "تجاهل" استقبال مكالمات الرئيس اردوغان للتحدث معه هاتفيا عقب اسقاط المقاتلة الروسية. وجاء في آخر تصريحات اردوغان انه وجه طلبا رسميا للقاء الرئيس بوتين في باريس خلال انعقاد المؤتمر المذكور وتقديم الاعتذار العلني رسميا، كما يعتقد. سبق طلب اردوغان الاخير تصريحات ادلى بها رئيس الوزراء التركي احمد داوود اوغلو يعلن استعداد بلاده "لتهدئة الاوضاع مع روسيا .. والاستعداد للتعاون معها بشأن داعش."

الرئيس بوتين لم يعلن عن استجابته او جوابه بعد، بيد ان الاجواء السياسية الراهنة تطغى عليها نتائج زيارة الرئيس الفرنسي لموسكو واعلان الجانبين تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالمجموعات الارهابية في سوريا.

في هذا السياق، نعود "لرؤية" المحلل "السعودي،" جمال الخاشقجي بأن ما سبق عملية اسقاط المقاتلة الروسية ليس كما بعدها. اردوغان وحلفاؤه كانوا يعدون لمرحلة يوفرون الدعم المطلوب "لمجموعات التركمان" للسيطرة على الشريط الجغرافي الفاصل بين الحدود المشتركة مع تركيا والارياف السورية الشمالية، لا سيما محافظة اللاذقية. وتعالت المراهنات على "حشر" روسيا في المستنقع السوري والفتك به.

روسيا قبل اسقاط قاذفتها السوخوي غيرت قواعد الاشتباك والعاملين في الساحة السورية، كما دلت عليها التحركات الاميركية المباشرة وعبر الوكلاء. تداعيات الطائرة وفرت لها ذخيرة اضافية، سياسيا وعسكريا، لتعزيز حضورها وفرض شروطها على الوكلاء والاصلاء المعادين للدولة السورية؛ واستطاعت تحييد حاملة الطائرات الفرنسية من مهامها السابقة بلاستعداد لقصف نفوذ الدول السورية الى الانضمام لجهودها في شن غارات جوية على مواقع داعش.

نجم الرئيس الروسي يلمع مجدداً على الساحة الدولية واصبح محور التحركات الدولية التي تطلب وده والتوسل اليه في مؤتمر باريس المقبل.

ميدانياً، تضاعفت انجازات الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، مدعومة بالتغطية الجوية الروسية، واستعاد عدد كبير من الممرات والمراكز الاستراتيجية التي خضعت لسيطرة المجموعات المسلحة لفترة قريبة. انهيار المسلحين في جملة من المواقع الحساسة بلغت حدا لم يستطع الاعلام الغربي وحليفه الخليجي تحديدا التغاضي عنه، وان على مضض، وعززت التصريحات الغربية المطالبة بضرورة العمل الجاد مع روسيا في محاربة داعش.

من بين أبرز انجازات الغارات الروسية اسقاطها نظرية اردوغان، وداعميه من دول الخليج العربي، لإنشاء "منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي" داخل الاراضي السورية؛ وقلبت روسيا المعادلة لتحرم تركيا من حلمها ببسط سيطرتها الامبراطورية وتفتيت سوريا وتقاسم غنائمها مع الممولين العرب والذين يكنون العداء لسوريا.

الأبعاد الاقتصادية لإسقاط القاذفة
سواء أخذ أردوغان وداعميه في الحسبان التأثيرات الاقتصادية أم لا، فإنها صبت في المحصلة برفد الخزينة الروسية بمزيد من اموال النفط عقب ارتفاع اسعار النفط الخام في الاسواق الدولية؛ كما شهدت اسعار الذهب ارتفاعا بنسبة 7 دولارات للأوقية في الاسواق العالمية.

اوروبا زادت نسبة قلقها من تدهور الاوضاع العالمية نتيجة تصرف حكومة اردوغان نظرا لدخول فصل الشتاء واعتمادها بنسبة كبيرة على توريد الغاز الروسي، لا سيما وان تركيا ذاتها تعتمد عليه بنسبة 57% من احتياجاتها، علاوة على ما تحصده من واردات لمرور انابيب الغاز الروسي المتجهة لاوروبا عبر اراضيها.

تصريح وزير الدفاع الروسي الكسندر شويغو حول المقاتلة باعتباره حادثة اسقاطها "عملا عدائيا .. تستدعي اتخاذ جملة من التدابير للرد عليها،" تجسدت على الفور بمقاطعة السياحة لتركيا التي تعد المحطة الاولى للسياح الروس. كما لم يغفل الخبراء السياسيين والاقتصاديين على السواء تداعيات اقدام روسيا على تخفيض او قطع توريداتها من الغاز بالكامل عن تركيا؛ والتداعيات الاخرى على مشاريع بناء مفاعلات نووية روسية لتركيا العام المقبل، ومشروع خط الانابيب "ترك ستريم" لنقل الغاز الروسي لاوروبا عبر تركيا واليونان لتفادي مروره بالاراضي الاوكرانية.

نمو الاقتصاد التركي في تراجع، وكذلك قيمة العملة التركية في الاسواق الدولية، مما سيفاقم من خيارات الرئيس اردوغان واضطراره لاعادة النظر في سياساته التصعيدية مع موسكو، يضاف الى ذلك الخلافات والتباينات السياسية بين دول الاتحاد الاوروبي، من ناحية، ومع الولايات المتحدة من ناحية اخرى، على ضوء المخاطر الناجمة عن فتح تركيا حدودها لتدفق اللاجئين، السوريين وغيرهم، للدول الاوروبية.

قرار الإسقاط بيد من؟
السؤال الجوهري الذي يتردد على ألسنة الخبراء العسكريين والسياسيين والمراقبين الإعلاميين على السواء من هو الطرف صاحب قرار إسقاط القاذفة الروسية "عن سبق إصرار وترصد" كما تعتقد روسيا الرسمية والشعبية.

الولايات المتحدة، على الرغم من تصريحاتها السريعة بدعم تركيا وتفسيرها العملية بحصرها "بين روسيا وتركيا،" رامية بذلك إلى إبعاد الشبهة عن أي دور فاعل لواشنطن، جسدتها تصريحات قادة البنتاغون واتهام القادة الروس "بالمبالغة" لمدى إنجازاتهم في سوريا.

في مؤتمر الدول الصناعية الأخير في انطاليا التركية اتهم الرئيس الروسي بوتين "بعض الدول المشاركة" في القمة بدعم الارهاب والجماعات الارهابية في سوريا، وفُهم من سياق حديثه انه كان يقصد تركيا والسعودية بالدرجة الاولى. بل ذهب ابعد من ذلك في رفضه اي كلام يحدد "مصير الرئيس السوري،" متسلحا بالموقف والقانون الدولي الذي لا يجيز التدخل الاجنبي بالشؤون الداخلية لأي بلد.

روسيا ماضية في تصويب بوصلة الإرهاب نحو تركيا "وجيران سوريا" من الدول؛ بتأكيد وزير خارجيتها سيرغي لافروف في أحدث لقاء ضمه مع وزير الخارجية السوري الزائر، وليد المعلم، 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، التزام بلاده "تقديم كل المساعدات الضرورية لقيادة الجمهورية العربية السورية في ملاحقة الارهابيين والقضاء عليهم." واتهم تركيا وقيادتها بأنها "تغامر قيادة تركيا الى وضع صعب جدا .. في المنطقة بشكل عام."

أمام إصرار روسيا، وعلى أعلى المستويات، تقديم تركيا اعتذاراً رسمياً على فعلتها، رفضت الاخيرة مجرد التعرض للفكرة وتظاهرت بجهلها هوية الطائرة وان جيشها "لم يتعمد اسقاط طائرة روسية". اللافت أن تصعيد لهجة الخطاب السياسي التركي جاء مواكباً لوصول قوات أميركية خاصة لمدينة عين العرب – كوباني بحجة "تدريب ودعم الاكراد."

الدعم الأميركي لتركيا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وإيلاؤها التدخل في ملفات إقليمية حساسة في الصراع الاستراتيجي الدولي، وتوفيرها الغطاء السياسي الفوري، يؤشر على أن قرار اسقاط المقاتلة الروسية نجم عن "تخطيط" مسبق نميل الى تعريفه بالمدروس بعناية، يعززه التصريحات المتناقضة لتركيا حول هوية الطائرة، من ناحية، والزعم بتوجيهها سلسلة تحذيرات متتالية دحض صدقيتها مساعد الطيار الروسي الناجي من الهجوم.

معالجة حادثة إسقاط المقاتلة ضمن موازين القوى الدولية وصراع الولايات المتحدة للهيمنة واقصاء القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، يعزز الاعتقاد بأن صاحب القرار لا تنطبق عليه مواصفات دولة من الدرجة الثانية، كتركيا، والتي لا تقدر على تحمل نتائج فعلة لها انعكاسات اقليمية ودولية بمفردها.

____________________________________________
المصدر: مكتب
الميادين بواشنطن بالتعاون مع مركز الدراسات العربية
____________________________________________


إردوغان "حزين" إسقاط الطائرة الروسية 

أعرب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن "حزنه" لإسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية-التركية، متمنياً ألا تتكرّر الحادثة.
وقال اردوغان، في لقاء في باليكيسير التركية السبت، إن "هذا الحادث أحزننا جداً، لم نكن نريد ذلك، ولكن الأمر وقع وآمل في ألا يتكرّر. وسنبحث هذه المسألة ونجد لها حلاً"، معتبراً أن قمة المناخ التي ستُعقد في باريس الاثنين المقيل "تمثّل فرصة سانحة للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما يخدم ترميم العلاقات مع موسكو".
وأضاف: "لا نُريد أن يؤدّي التوتر بيننا وروسيا، إلى نتائج محزنة في المستقبل، كما أننا نرغب في أنّ يتعامل الطرفان بشكل أكثر إيجابية مع هذه الحادثة"، ورأى أنه "لا يُمكننا إزاحة بعضنا البعض من الأفق. لا ينبغي أن يتعمّق هذا الوضع إلى ما هو أكثر من ذلك في العلاقات بين البلدين، بما قد يُفضي في المستقبل إلى نتائج أشدّ أثراً. تركيا لم تكن في أي وقت من دعاة التوتّر، ولن تدعو إلى التوتر أبداً. نحن نريد مستقبلاً آمناً للعلاقات بين البلدين وسوف نتحرّك قدماً انطلاقاً من ذلك".
وتوجّه إلى موسكو قائلاً:" تعالوا لنحلّ المسألة فيما بيننا، ولا نمنحها بُعداً يُلحق الضرر بجميع علاقتنا"، مشيراً إلى أن أنقرة مستمرة في التعاون مع موسكو على المستوى الدولي وعبر القنوات الديبلوماسية.
بدوره قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو "من المهم إجراء لقاء بين الرئيس، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في باريس الاثنين المقبل، وأتمنى أن يعقد، كما يجب أن تبقى قنوات الاتصال في أوضاع كهذه مفتوحة".

اجراءات عقابية روسية

في المقابل، وقع الرئيس الروسي مرسوماً يتبنى سلسلة اجراءات اقتصادية عقابية رداً على اسقاط الطيران التركي الثلاثاء لمقاتلة روسية قرب الحدود السورية.
وأورد نص المرسوم الذي نشره الكرملين ان هذه الاجراءات التي اعدتها الحكومة الروسية و"الهادفة الى ضمان الامن القومي وامن المواطنين الروس" تشمل حظر الرحلات بين روسيا وتركيا ومنع ارباب العمل الروس من توظيف اتراك، واعادة العمل بنظام تأشيرة الدخول بين البلدين.
وأوضح الكرملين على موقعه الإلكتروني أن الإجراءات ستؤثر على الواردات من بعض البضائع التركية وعلى عمليات الشركات التركية في روسيا والاستعانة بأتراك في شركات روسية.
وكان المتحدث باسم الرئيس الروسي قال إن بوتين مستنفر تماماً لمواجهة ما يعتبره الكرملين تهديداً غير مسبوق من تركيا.
وفي تعليقات تعكس مدى غضب الكرملين بسبب هذا الحادث وصف المتحدث ديميتري بيسكوف تصرف سلاح الجو التركي بأنه "جنون مطبق"، وقال إن تعامل أنقرة مع الأزمة بعد وقوعها ذكره "بمسرح العبث".
وأضاف بيسكوف لبرنامج "نيوز أون ساترداي" التلفزيوني الروسي: "لا أحد يملك الحق في إسقاط طائرة روسية غدراً من الخلف"، واصفاً الدليل التركي الذي يقول إن الطائرة الروسية وهي من طراز "سوخوي-24 " اخترقت المجال الجوي التركي بأنه "رسوم كرتونية".
وقال بيسكوف إن الأزمة دفعت بوتين الذي يجهز وزراؤه إجراءات اقتصادية انتقامية ضد تركيا "للاستنفار" بطريقة الجيوش في أوقات الأزمات.
وأضاف "الرئيس مستنفر.. مستنفر تمامًا.. مستنفر للحد الذي يقتضيه الموقف. هذا الظرف غير مسبوق. هذا التحدي لروسيا غير مسبوق. لذا وبشكل طبيعي سيكون رد الفعل على قدر هذا التهديد".

ويقول الرئيس التركي إن بلاده لن تعتذر عن اسقاط المقاتلة لكنه قال اليوم السبت إن الحادث أصابه بالحزن وأن قمة المناخ في باريس الأسبوع القادم قد تكون فرصة لإصلاح العلاقات مع موسكو.

_______________________________
("روسيا اليوم"، الأناضول"، ا ف ب، رويترز)


الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

«عصا» البشير والانقلابات الخاسرة: من كتف إيران إلى كنف السعودية

    نوفمبر 04, 2015   No comments
خليل كوثراني


 كأن البدايات منحت عمر البشير ليونة فريدة في إدارة الظهر لرفاق الأمس. حين أنجز الرئيس السوداني آخر الانقلابات العسكريّة في العالم العربي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أتبعه بانقلاب على الحليف والداعم الرئيس لإطاحته نظام الصادق المهدي، حسن الترابي. تجربة المشير الانقلابيّة في الداخل، يستنسخها الأخير في علاقات السودان الخارجية. بمرونة وخفة ينقل البشير «عصاه» من كتف إيران إلى كنف السعوديّة، معيداً تموضع الخرطوم لحظة اشتباك إقليمي

لم يرصد لإيران في العالم العربي، بعد سوريا، صديق أكثر قرباً من نظام عمر البشير. كان السودان حتى وقت متأخّر شريكاً غير معلن في «محور الممانعة»، تثير علاقاته الاستراتيجية بإيران حنق كل من السعودية وإسرائيل على السواء. كثيراً ما اتهمت تل أبيب الخرطوم بنقل أسلحة إيرانية إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتوّجت اتهاماتها بالغارة الشهيرة على مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في العاصمة السودانية عام 2012.

يربط البعض بين هذا الهجوم وواحدة من الوثائق السعودية التي كشفتها «ويكيليكس» في حزيران الماضي. في البرقية المذيّلة بعبارة «سرّي جداً» يخطر دبلوماسيون سعوديون سفارة بلادهم في السودان بمزاعم عن وصول معدات نووية إلى مطار الخرطوم، بينها أجهزة طرد مركزي، مصدرها إيران.

المحطة الأبرز زمن التباعد السوداني ــ السعودي، كانت في آب عام 2013، حين اعترضت الرياض طائرة الرئيس المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف، وهي في طريقها إلى طهران. إهانة لم تمنع عمر البشير، بعد قرابة سنة، من إرسال أولى إشارات الانفضاض عن طهران، وتلقّف مغريات خصم البارحة، طمعاً بدعم اقتصادي يعيد ترتيب البيت الداخلي للبلد الفقير والخارج من الحرب ومخاض انفصال الجنوب.

أحكم البشير التصويب على هدف يقنع النظام السعودي بصدق «توبته». في أيلول عام 2014، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية إغلاق المركز الثقافي الإيراني بحجة أنه «أصبح مهدداً للأمن الفكري والاجتماعي في السودان». هذا العزف على وتر «نشر التشيّع» عبّد طريق البشير إلى قصور جدة والرياض. بالتزامن مع الإعلان عن إقفال المركز الإيراني، حطّت طائرة الرئيس السوداني في مطار جدّة، في زيارة هدفها المعلن أداء مناسك الحج. من المدينة المنورة أطلق البشير، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط»، مواقف دشّنت شبه قطيعة مع إيران، مقابل استدارة نحو المحور السعودي.

لم يكتف الرجل وقتها بإسداله الستار على حالة الفتور في علاقة الخرطوم بالرياض على خلفيّة تقارب الأولى مع طهران ورواسب دعم السودان لبغداد إبّان حرب الخليج، بل ذهب البشير بعيداً لدى إجابته عن سؤال الصحيفة السعودية إذا ما كان إغلاق المركز الإيراني من باب التقيّة السياسيّة والتمويه بالقول «الحقيقة أننا ضدّ التشيّع تماماً».

رأى عمر البشير في الحرب السعودية على اليمن فرصة سانحة لإثبات ولائه للرياض، وبالتالي استدرار ما ينتظره من رفع لحجم استثمارات الأخيرة في بلاده. إثبات سيحتاج إليه البشير، كما ستظهر وثيقة تداولتها وسائل إعلام سودانية تكشف ارتياب الرياض من نيات النظام السوداني. في نص الوثيقة السرية الموقّعة بخط رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، بعد أيام على انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، والحاملة عنوان: «السودان وعاصفة الحزم»، يخاطب الحميدان جهة لم يسمّها بالقول: «وكان السودان لفترات طويلة حليفاً قوياً لإيران في المنطقة، ومهدّداً لأمن المملكة العربية السعودية وللمنطقة العربية بأسرها بهذا التحالف المشبوه، وقد تم رصد مساعدات عسكرية كبيرة للحوثيين، قدمت لهم من قبل إيران، وقامت حكومة البشير بإيصالها عبر جيبوتي... واتضح بعد مراجعة الكثير من التقارير الاستخباراتية أن (عمر) البشير شخصيّة لا يمكن الاعتماد عليها، وأنه يودّ الإمساك بكل أوراق اللعبة في يديه، من إعلان تحالفه مع المملكة العربية السعودية على الملأ والاحتفاظ بعلاقات سريّة مع إيران من جهة أخرى». ويخلص تقرير المخابرات السعودية إلى التوصيات الآتية: «توصي اللجنة العليا المكلفة بمتابعة ملف السودان ودوره في عاصفة الحزم، بتوخي الحذر البالغ في كشف أي أسرار حربية تتعلق بمخططات المملكة لمحاربة الحوثيين للجانب السوداني، كما توصي بمسايرة السودان واتخاذ سياسة النفس الطويل معه، ومراقبة قياداتهم العسكرية بالمملكة...».

بالتوازي مع إطلاق الحرب على اليمن، استدعى الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الرئيس عمر البشير، وسحب منه موافقة الخرطوم على الانخراط في العمليات العسكرية. أياماً معدودة وأرسلت الرياض وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي إلى السودان، مغدقاً وعود توسيع التعاون بين البلدين، ورفع الاستثمارات السعودية في قطاع الزراعة السوداني. استثمارات توقعت حكومة الخرطوم أن تصل إلى قيمة 15 مليار دولار أميركي بحلول 2016.

ضمان استجرار البترودولار السعودي صوب حقول ضفاف النيل وفدادينها، في ظل التشكيك السعودي في نيات البشير، يلزمه تعدّي الإعلان المساير للرياض عن الانضمام إلى حرب اليمن ووضع طائرات سودانية غير فاعلة تحت تصرف السعوديين وإغراءات وزير دفاع الخرطوم للمملكة بالحديث عن موقع بلاده الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، نحو مشاركة قوات برية في العمليات الحربية.

منتصف تشرين الأول وصلت إلى ميناء عدن، جنوبي اليمن، كتيبة مقاتلة من الجيش السوداني عبر البحر الأحمر، قدرت بـ300 ضابط وجندي. خطوة علّقت طهران عليها على لسان مساعد وزير خارجيتها، حسين أمير عبداللهيان، باعتبارها «لن تجدي نفعاً». رغم دبلوماسية التصريح، اختارت الخرطوم أن تخلق سجالاً مع الإيرانيين عبر الرد على كلام عبداللهيان، فوصف وزير خارجيتها إبراهيم غندور موقف بلاده بأنه يأتي ضمن «موقف عربي موحد ساندته الجامعة العربية، وبعد أن شعرنا بخطورة الوضع من استيلاء الميليشيات على السلطة الشرعية».

البشير هو الآخر تصدّى للدفاع عن مشاركة السودان، مانحاً موقف بلاده من الحرب صفات «ثابت ومبدئي ووفي لالتزامات أخلاقية»، ومؤكّداً ــ أثناء تخريج دفعة جديدة من القوّات المسلّحة الأسبوع الماضي ــ أنه «ما كان للسودان أن يقف موقفاً سلبياً تجاه قضايا أمته العربية».

وتفيد المعلومات أن المطلوب من السودان، سعودياً، لا يقتصر على تعزيز الوضع في عدن بعد أن قويت شوكة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في المدينة. القوات الموالية للرياض على الأرض ترتقب وصول دفعات جديدة من القوات السودانية للالتحاق بمعركة تعز. معركة يجري الحديث عن توسيعها، في موازاة حديث سياسي عن عدم وثوق الإمارات بالرئيس عمر البشير ذي الأصول الإسلامية. ما بين الإماراتيين والبشير أكثر من عدم وثوق؛ فصاحب الجذور الإخوانية سيتخذ من مساحة تمركز حزب «الإصلاح»، أي محافظة تعز، مساحة لعمل قواته. أمر يصطدم بأجندة أبوظبي لإقصاء الإسلاميين، وهو ما ترجم حالة توتر بين القوات الإماراتية المتمركزة في عدن والجنود السودانيين الواصلين حديثاً، وفق بعض الأنباء.

نجح البشير، عبر إرساله قوات إلى اليمن، في إحراج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. تجديده التداول في ملف مثلث حلايب الحدودي الخلافي مع القاهرة، في هذا التوقيت، وطلبه وساطة الرياض، يقولان للنظام السعودي إنه أولى بـ«الرز» من جاره الذي لم يبع السعودية سوى الكلام. لكن ربما لم يكن في متوقع الزعيم السوداني أن أموال الخليجيّين لن تبقى «زي الرز» عن قريب، وفق أرقام صندوق النقد الدولي. المفارقة أن وزير البترول، في الدولة التي يطمع بخزائنها عمر البشير، علي النعيمي، يبشّر مواطنيه برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية. يذكر البشير تماماً ماذا يعني قرار مماثل، وهو الذي قتل جنوده المواطنين السودانيين في الشوارع وهم يحتجّون على تخفيض الحكومة دعم المحروقات عام 2013، فيما عرف «بانتفاضة سبتمبر».

توقيع أربعة اتفاقات اقتصادية بين الرياض والخرطوم

بحث الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز أمس، في الرياض، مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير والوفد المرافق، العلاقات الثنائية وأوجه التعاون بين البلدين في المجالات كافة، وسبل تطويرها وتعزيزها، إضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة.

وعقب جلسة المباحثات، وقّعت أربع اتفاقيات بين الحكومة السعودية والسودانية في حضور سلمان والبشير.
وشملت الاتفاقية الأولى مشروع اتفاق إطاري بشأن المشروع الطارئ لمعالجة العجز الكهربائي، محطة كهرباء البحر الأحمر 1000 ميغاواط مع الخط الناقل، فيما شملت الاتفاقية الثانية مشروع اتفاق إطاري بشأن الإسهام في خطة إزالة العطش في الريف السوداني وسقيا الماء للفترة من 2015 إلى 2020، والاتفاقية الثالثة مشروع اتفاق إطاري بشأن تمويل مشروعات سدود (كجبار والشُريك ودال). ووقع الاتفاقيات الثلاث التي جرت بين وزارة المالية، وزير المالية إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، وعن الجانب السوداني وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود عباس.
أما الاتفاقية الرابعة فتتعلق بالشراكة في الاستثمار الزراعي بين وزارة الزراعة السعودية ووزارة الموارد المائية والكهرباء في السودان، في مشروع أعالي عطبرة الزراعي، ووقّعها وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي ووزير الموارد المائية والكهرباء السوداني معتز موسى سالم.

_______
(الأخبار)

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.