‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإخوان المسلمون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإخوان المسلمون. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 29 أبريل 2021

الإسلام السّياسي والمراجعات الأردوغانية

    أبريل 29, 2021   No comments

عبد الباري عطوان

هذا الانفِتاح السّياسي التّركي التّدريجي والمُتسارع على المملكة العربيّة السعوديّة ومِصر وبدرجةٍ أقل على الإمارات والبحرين، بات محور اهتِمام الأوساط السياسيّة في المِنطقة العربيّة، وموضع تساؤلات المُحلّلين ورجال الإعلام، بالنّظر إلى حجم العَداء والتوتّر الذي كانت تتّسم به العُلاقات بين هذه الأطراف طِوال السّنوات العشر الماضية تقريبًا.

فمَن كان يتصوّر، وقبل أشهر، أن يُشيد الدكتور إبراهيم كالين، مُستشار الرئيس رجب طيّب أردوغان السّياسي، بالقضاء السّعودي ويُؤكّد احتِرام أحكامه التي أصدرها بالسّجن على ثمانية مُتّهمين مُتورّطين في عمليّة اغتيال جمال خاشقجي، ووصول أوّل وفد دبلوماسي تركي إلى القاهرة الأُسبوع المُقبل، بعد زيارات سريّة على مُستوى مَسؤولي أجهزة المُخابرات، واتّصالات هاتفيّة بين وزيريّ خارجيّة البلدين وتبادُل التّهاني بمَقدم شهر رمضان، و”لجم” محطّات المُعارضة المِصريٍة، وربّما قريبًا الليبيّة في إسطنبول ووقف انتِقاداتها لحُكومات بلادها؟

فإذا كانت العُلاقات وصلت بين تركيا ومِصر إلى حافّة المُواجهة العسكريّة على الأراضي الليبيّة، فإنّ نظيرتها بين تركيا والمملكة العربيّة السعوديّة دخلت ميادين الحرب الاقتصاديّة، والإعلاميّة، واتّسمت في بعض الأحيان إلى التّنافس الشّرس على زعامة المرجعيّة السنيّة في العالم الإسلامي، وما زالت المُقاطعة السعوديّة للبضائع والسياحة التركيّة قائمة، ولكن بقرار غير رسميّ علنيّ، حتّى كتابة هذه السّطور، وإن كانت هُناك مُؤشّرات عن بَدء تآكُلِها.

 

***

أربعة تطوّرات رئيسيّة تَقِف خلف هذا الانقِلاب الوشيك في العُلاقات بين تركيا ومُعظم مُحيطها العربيّ:

الأوّل: إدراك القِيادة التركيّة أنّ سِياسة “الصّدمة والتّرويع” السياسيّة والإعلاميّة التي مارستها طِوال السّنوات العشر الماضية، وضدّ مِصر ودول مجلس التّعاون الخليجي بزعامة السعوديّة، أعطت نتائج عكسيّة وارتدّت سلبًا على تركيا، واقتصادها وزعامتها الإسلاميّة، الأمر الذي دفع حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى اتّخاذه قرارًا في اجتماعه التّنظيمي الأخير في أنقرة إلى التخلّي عن هذه السّياسات التي أغرقت تركيا في حُروبٍ ومُواجهات وأزمات في مُحيطها الإقليمي أدّت إلى عزلها، وإضعاف اقتِصادها، واستِبدالها بسِياسات انفتاحيّة تقوم على التّهدئة والحِوار، وإعطاء مساحة أكبر للدّبلوماسيّة.

الثّاني: يبدو أنّ الرئيس أردوغان وصل إلى قناعةٍ مفادها أنّ “الإسلام السياسي” الذي تبنّاه، ودعمه بعد “ثورات” الرّبيع العربي، لن ينجح في تغيير الأنظمة القائمة، ومِصر والسعوديّة وسورية وليبيا والعِراق على وجه الخُصوص، وأنّ الاستِمرار في هذا الرّهان، في ظِل الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة، والعُزلة التركيّة والعَداء الغربيّ مُكلِفٌ جدًّا لتركيا والحزب الحاكم فيها.

الثّالث: تَصاعُد النّفوذ الإيراني في المِنطقة المدعوم بترسانةٍ عسكريّة قويّة، والانحِياز للقضايا العربيّة المركزيّة، وأبرزها مُواجهة المشروع الصّهيوني، وتأسيس محور المُقاومة بأذرع عسكريّة جبّارة في اليمن ولبنان وسورية والعِراق وفِلسطين المُحتلّة، في إطار مُقاطعة تامّة لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، ووصول صواريخه مُؤخّرًا إلى مُحيط ديمونة في النّقب.

الرّابع: التِقاء الرئيس أردوغان مع قادة مِصر والسعوديّة والإمارات ودول خليجيّة أُخرى على أرضيّة القلق والرّعب من الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقِيادة جو بايدن التي أعلنت مُنذ اليوم الأوّل تغيير السّياسيات الأمريكيّة تدريجيًّا ضدّها، أيّ الدّول المذكورة، فقد أوقفت دعمها للتّحالف السّعودي في حرب اليمن، واعترفت بِما وصفته جرائم الإبادة التركيّة للأرمن، وكانت وما زالت أكثر ميلًا للموقف الإثيوبي في أزَمة سدّ النهضة، ولم يُبادِر بايدن بإجراء أيّ اتّصال مع الرئيس المِصري.

السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هذه الأيّام، هو عمّا إذا كان قطار “التّهدئة” التّركي الذي بات على وشك الانطِلاق سيتوقّف في القاهرة والرياض وأبو ظبي فقط، أم أنّه سيُعرّج في طريق الذّهاب أو العودة إلى دِمشق الأقرب جُغرافيًّا إلى أنقرة؟

هُناك نظريّتان: الأُولى تقول بأنّ الرئيس أردوغان سيُحاول استِخدام الورقة الطائفيّة، أو العِرقيّة التركمستانيّة ومُحاولة تأسيس “محور سنّي” في مُواجهة النّفوذ الإيراني المُتصاعِد، ومن أجل تعزيز تدخّله العسكريّ في سورية الذي بدأ يتآكل، ولكن ما يُضعِف هذه النظريّة احتِمالات الرّفض المِصري لهذه النّزعات الطائفيّة والمذهبيّة والتمسّك بعلمانيّة الدّولة ومبدأ التّعايش بين الأديان والمذاهب فيها.

والثّانية تُؤكِّد بأنّ هذه المُصالحات التركيّة المُتسارعة مع اثنين من أهم أقطاب السّاحة العربيّة، أيّ السعوديّة ومِصر تَصُب في مصلحة الطّرفين، وقد تكون تمهيدًا للمُصالحة مع سورية أيضًا، بالنّظر إلى حالة الانفِراج الرّاهنة في عُلاقاتهما مع دِمشق، وعدم مُعارضتهما لاستِعادة مِقعَدها في الجامعة العربيّة، وهُناك معلومات غير مُؤكَّدة عن بوادر تهدئة تركيّة سوريّة بوِساطةٍ روسيّة وإعادة فتح جُزئيّ لقنوات الحِوار الاستِخباري.

***

هذا الانقِلاب في الموقف التركيّ هو اعتِرافٌ أوّليّ بفشل سِياسة التدخّلات السياسيّة العسكريّة السّابقة، وخاصّةً في ليبيا وسورية، وهي السّياسات التي تعرّضت لانتِقادات داخليّة شَرِسَة، وشكّلت ذخيرةً قويّةً في يد أحزاب المُعارضة، وإحداث انشِقاقات في صُفوف الحزب الحاكم، ونسف أبرز إنجازاته وهي التّنمية وقوّة الاقتِصاد التّركي والعُملة الوطنيّة.

الرئيس أردوغان أخطأ في تدخّلاته هذه، وخَلَقَ العديد من الأعداء دُون أن يُحافظ على أيّ من الأصدقاء، خاصّةً بمُساهمته بخلق حالة من عدم الاستِقرار والفوضى في كُل من ليبيا وسورية والعِراق، وسيضطرّ في نهاية المطاف إلى التّراجع عن هذه التّدخّلات، تقليصًا للخسائر، فمَن كانَ يتَصوّر أنّه سيَطرُق أبواب القاهرة والرياض طالبًا الوِد، ويتخلّى عن حركة “الإخوان المسلمين” ويُجَمِّد أذرعها الإعلاميّة، ويُقَدِّمها ككبش فِداء للحِفاظ على ما أسماه مصالح تركيا.. واللُه أعلم.

_____________________________

المصدر


الاثنين، 3 يونيو 2019

حرب سعودية على «حماس»: حملة اعتقالات وتجميد حسابات... والحركة «أجرت مراجعة شاملة»

    يونيو 03, 2019   No comments
عبد الرحمن نصار، ماجد طه 


لم تعد المهادنة تنفع «حماس» في علاقتها بالسعودية التي تخطّت الحدود المقبولة حتى لأسوأ العلاقات. فَمِن هجمة إعلامية واتهام بـ«الإرهاب» على خلفية «التواصل الممتاز» مع إيران، وصولاً إلى رفض قيام إسماعيل هنية بجولة خارجية، تشنّ الرياض حملة مجنونة تشمل أيضاً اعتقالات وعمليات ترحيل، وتجميداً لحسابات، ومنعاً ورقابة على الحوالات. في المقابل، تحاول «حماس»، بمساعدة من طهران وحزب الله، إحداث اختراق على صعيد العلاقة مع حضنها الأدفى: دمشق.


تتواصل منذ أكثر شهرين الحملة السعودية بحق سعوديين وفلسطينيين مقيمين في المملكة، متمثلة في سلسلة اعتقالات طاولت العشرات مِمَّن تتهمهم الرياض بالارتباط بحركة «حماس». ومن أبرز هؤلاء الطبيب الاستشاري الثمانيني، محمد الخضري، الذي مثّل الحركة في منتصف التسعينيات حتى 2003 لدى السعودية. وعلى رغم ترك الرجل موقعه منذ سنوات، أُبقي رهن الاحتجاز في ظلّ «ظروف صحية صعبة»، طبقاً لمصادر عائلية مقرّبة منه. تقول مصادر ـــ تحفّظت على ذكر اسمها ــــ إن حملة الاعتقالات تزامنت مع إغلاق ورقابة مشدّدين على الحسابات البنكية، وحظر على إرسال أي أموال من المملكة إلى قطاع غزة، مضيفة أن الاعتقالات شملت أفراداً لا علاقة لهم بالحركة، لكن قيادة الأخيرة تفضّل التزام الصمت حتى لا يُحسبوا عليها، وتجنّباً للتصعيد والإضرار بالمسجونين «أملاً في الوصول إلى تفاهم يقضي بالإفراج عنهم».
وعلمت «الأخبار» أن عدد المتهمين بجمع تبرعات وإدارة أموال لـ«حماس» في السعودية تخطّى 60 شخصاً، بمن فيهم فلسطينيون وسعوديون، وقد وجّهت إليهم السلطات تهماً بـ«دعم حركة إرهابية وغسل الأموال لدعم الإرهاب والتطرف». كما أنه، خلال العامين الماضيين، بلغ عدد الفلسطينيين المرحَّلين من المملكة أكثر من 100، أغلبهم متهمون بدعم المقاومة مالياً أو سياسياً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكانت الرياض قد فرضت، منذ نهاية 2017، رقابة مشددة على أموال الفلسطينيين في المملكة، وأخضعت جميع التحويلات المالية لِمَن تسمّيهم «الأجانب الفلسطينيين» لرقابة مشددة، ليس إلى القطاع فحسب، بل إلى جميع دول العالم، خشية تحويل هذه الأموال بطرق غير مباشرة وعبر دول أخرى. وباتت مكاتب تحويل الأموال تطلب من الفلسطينيين إحضار حجج قوية للتحويل، ولا تسمح بأن يرتفع سقف الحوالة الواحدة عن 3000 دولار أميركي.
في غضون ذلك، بدأ عدد من عائلات المعتقلين إرسال مذكرات إلى جهات قانونية لمعرفة مصير ذويهم، في وقت تشهد فيه العلاقة بين السعودية و«حماس» أسوأ مراحلها، خاصة أنها تأتي مع هجمة إعلامية سعودية تستهدف «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وتعزو المصادر هذه الحملة إلى إخفاق محاولة مصرية لإقناع الفصائل بترك إيران والتخلي عنها مقابل ضخّ أموال سعودية وإماراتية تجاه القطاع قبل نحو سنة، وهو «عرض رفضته الحركتان، وأكدتا وقتذاك للقاهرة أنه لا يمكن لطرف أن يحدد علاقاتهما مع الباقين». وفق المصادر، ردّت «حماس» بأن أي منحة تأتي للشعب الفلسطيني هي موطن ترحيب، لكن من دون أثمان سياسية، وهو ما أقفل الباب أمام رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، في جولته الخارجية التي لم ينجح في إجرائها، ولا سيما خلال زيارته الأخيرة لمصر التي خشيت أن تُغضِب السعودية، لكنها كانت تحتجّ بالتحفظ الأميركي بعد إدراج هنية في «قائمة الإرهاب».

وخلال المؤتمر الذي عقدته الفصائل في غزة الخميس الماضي، قبيل «يوم القدس العالمي»، ظهر أن كلتا الحركتين، «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، هاجمتا السعودية بصفتها راعية لـ«صفقة القرن». وبدا الأمين العام لـ«الجهاد»، زياد النخالة، أكثر وضوحاً حين هاجم «مَن يحاولون الاحتفاظ بحقول النفط التي دُمِّرت نتيجة لعدوانهم على اليمن»، فيما طالب قائد «حماس» في القطاع، يحيى السنوار، البحرينيين بـ«إعلان الحداد» في اليوم الذي ستُعقد فيه ورشة المنامة الاقتصادية. تقول المصادر إن نبرة السنوار العالية «كانت نتيجة للدور السياسي الواضح لدول الخليج في استهداف القضية الفلسطينية، وحالة العداء التي تصاعدت بعد اشتراط السعودية على قطر طرد قيادة حماس لاستئناف العلاقة بينهما».
يشار إلى أنه، قبل أربع سنوات، بدأ النظام السعودي حملة مشددة على مصادر التمويل الشعبية لـ«حماس»، بعد اعتقال شبكة كان يديرها مسؤول الحركة في الخارج حالياً ماهر صلاح، الذي اعتُقل في 2015، ووُجّهت إليه تهمة «غسل الأموال»، قبل أن يُفرَج عنه نهاية 2016 ويُبعَد إلى تركيا. لكن أخطر ما وصلت إليه العلاقة كان إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، «حماس منظمة متطرفة»، خلال كلمة أمام البرلمان الأوروبي منتصف شباط/ فبراير 2018، وهو ما تكشّف أيضاً ضمن التهم الموجهة إلى عدد من رجال الدين السعوديين المعتقلين منذ عامين، والذين تتهمهم السعودية بدعم «الإرهاب»، ومن ضمنه «حماس».

في ملف آخر، وبعدما راوحت علاقة «حماس» بسوريا بين مدّ وجزر منذ تثبيت الأخيرة انتصارها الميداني، بدأت غيمة الخلاف تنقشع تدريجياً، ولا سيما من جهة الحركة، تحديداً بعد صعود القيادة الجديدة (المكتب السياسي الجديد من بعد خالد مشعل) التي أخذت على عاتقها تذويب الخلافات مع محور المقاومة وتوطيد العلاقة معه. وعلى خط موازٍ، يسير التواصل مع كلّ من قطر وتركيا على خطّ بارد، مع أفضلية للدوحة بناءً على دورها في غزة. ويرجع ذلك إلى اندلاع الأزمة الخليجية، وطلب القطريين رسمياً من عدد من قادة «حماس» مغادرة أراضيها، وتحديداً نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري وعدد من أعضاء المكتب، علماً بأن العاروري كان مقيماً في الأراضي التركية قبل أن تطلب منه أنقرة المغادرة.
عملياً، منذ استقرار العاروري قبل أكثر من عامين في لبنان، كان ملف العلاقة مع سوريا على رأس الأولويات، إذ شهد حراكاً لافتاً في الأشهر القليلة الماضية، وفق ما تفيد به قيادات من الحركة، قالت إنه جرت لقاءات اشتُرط أن تكون «غير معلنة وغير رسمية»، وسادت إحداها «أجواءُ العتب» من الجانب السوري. وسبقت هذه الحوارات اتصالاتٌ عبر وسطاء فلسطينيين وآخرين انتهت بموجبها أزمات ميدانية في مخيم اليرموك، كما حدث في مسألة استيعاب بعض الأفراد المسلحين مِمَّن كانوا ضمن ما يعرف «جماعة أكناف بيت المقدس». وذكرت المصادر نفسها أنه جرى أخيراً لقاء بين العاروري ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي المملوك، بوساطة من إيران وحزب الله، لكن الاجتماع لم يسفر عن نتائج مباشرة. كما جمع لقاء آخر قيادة الحركة مع مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، انتهى إلى «نقل العلاقة بين الجانبين من مرحلة العداء إلى الهدنة... إن جاز التعبير»، تبعاً للمصادر.

تأتي هذه اللقاءات نتيجة لوساطتين أجراهما كل من قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد، أفضت إلى الاتفاق على أن أي جولة مقبلة لهنية ستشمل زيارة لدمشق. وبناءً على لقاء «حمساوي» ـــــ إيراني في طهران، أُبلغت الأخيرة أن الحركة «أجرت مراجعة شاملة للموقف من سوريا»، كما أن «محور المقاومة بحاجة إلى التوحّد في مواجهة الخطط الأميركية للمنطقة».

ما تنتظره «حماس» الآن هو الوصول إلى مرحلة يرى فيها الأطراف أن الموقف جاهز لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها، على رغم أن أوساطاً كثيرة تستبعد أن يعود مستوى التواصل كما كان. يقول القيادي في «حماس»، إسماعيل رضوان، إن حركته حريصة على «استعادة سوريا دورها الريادي في دعم القضية، فهي كانت ولا تزال وستبقى داعمة للقضية ومكاناً لمرابض المقاومين ضد الاحتلال». وأضاف معقّباً على عدد من تساؤلات «الأخبار»: «ليس بيننا وبين سوريا أي عداء ولن يكون، فهي الشقيق والحاضن للمقاومة والداعم للقضية». وأشار إلى أن هناك حاجة ملحة لعودة العلاقة من أجل مواجهة «صفقة القرن» التي رأى أنها تستهدف سوريا كما تستهدف القضية الفلسطينية. وسبقت كلامَ رضوان تصريحات لنائب رئيس «حماس» في غزة، خليل الحية، قال فيها إن سوريا داعم أساسي للمقاومة، علماً بأن الأشهر الماضية شهدت تعقيبات شبيهة من قيادات أخرى، على أن الأزمة القائمة مع السعودية الآن تدفع إلى تواصل أفضل كما ترى الحركة.

الأربعاء، 20 فبراير 2019

مراجعات سلفية: «النصرة» تبحث عن جلد جديد: ثوب «الإخوان» في الخدمة

    فبراير 20, 2019   No comments

 صهيب عنجريني

بدّلت «جبهة النصرة» جلدها مرات عديدة على امتداد السنوات السابقة، من دون أن يغيّر ذلك شيئاً في جوهرها المتطرف. اليوم، تتسارع جهود أبو محمد الجولاني لإعادة تصدير جماعته في صورة جديدة، تطمح إلى التشبّه بـ«جماعة الإخوان المسلمين». وإذا ما رأت خطط الجولاني النور، فإنها لن تعدو كونها «تكتيكات ضرورية» وفق ما يروج في الكواليس، مع التشدّد في التزام «الجهاد» استراتيجية ثابتة.

لا تجد «هيئة تحرير الشام/ النصرة» حرجاً في تغيير أزيائها. كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، أثبت زعيم الجماعة المتطرفة، أبو محمد الجولاني، استعداده لتعديل التكتيكات و«المنهجيات»، وقدرته على ضبط التناقضات داخل جماعته. ولا يعدم الجولاني الوسائل والأدوات الناجعة، وخاصة حين تمنحه تعقيدات المشهد السوري «كتفاً إقليمياً» يتّكئ عليه، وهو أمرٌ لم تُحرم «النصرة» منه، باستثناء فترات مؤقتة، كانت أشدّها وطأة فترة الانكماش القطري في مستهلّ الأزمة الخليجية الأخيرة.


البراغماتية في نظر الجولاني حصان تمكن الاستعانة به دائماً، و«فقه الضرورة» جاهزٌ لتقديم «المسوّغات الشرعية». بالاستفادة مما تقدم، لا يزال مشروع «النصرة» مستمرّاً في تسجيل «النقاط»، والقفز درجات إلى أعلى السلم، في خضمّ المشاريع «الجهادية» التي انخرطت منذ مطلع العام الحالي في سباق جديد على رسم مشهدية إدلب. وتحظى «النصرة» بمكانة «فريدة» وسط الصراع المذكور، بوصفها قاسماً مشتركاً بين مشاريع متناقضة، تتباين رؤاها في النظر إلى الدور الوظيفي الذي يمكن للجماعة لعبه، وتتوافق على أهميتها في المعادلة.

دعم «التمكين» المستتر
توحي المعطيات المتتالية بأن السباق راهناً قد حُسم لمصلحة المشروع القطري، الذي يلحظ أهمية دعم الجولاني ومدّ يد العون لجماعته على طريق تحقيق «التمكين». وباشرت الأدوات الإدارية للجولاني نشاطاً مكثّفاً في سباق مع الوقت، لرسم ملامح «التمكين» المنشود، في صورة تتوخّى تورية «الراية السوداء» خلف ستار «مدني»، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن «تحكيم الشريعة» بوصفه جوهر المشروع. وسمح تعزيز القبضة العسكرية لـ«تحرير الشام» بتكريس هيمنة «إدارية» لـ«حكومة الإنقاذ» على كثير من تفاصيل الحياة اليومية في إدلب، وبشكل خاص قطاعات التعليم والاقتصاد والطاقة.

اللافت أن هيمنة «الإنقاذ» على قطاع التعليم ركّزت تحديداً على التعليم الجامعي الخاص، فيما تركت مهمة تعليم الأطفال لـ«المكاتب الدعوية» في الدرجة الأولى. وتطالب «الإنقاذ» الجامعات والمعاهد الراغبة في مواصلة عملها بتسديد مبالغ باهظة مقابل منحها «التراخيص» اللازمة. وبالتوازي، كثّفت «سلسلة المكاتب الدعوية» في الشهرين الأخيرين «نشاطاتها التعليمية»، فافتتحت عشرات المراكز والمكاتب و«حلقات العلم» الجديدة المخصّصة للأطفال واليافعين، إضافة إلى توسيع عدد «المدارس القرآنية» التابعة لـ«دار الوحي الشريف». ودشّنت «سلسلة المكاتب الدعوية في بلاد الشام» حملة توزيع مجاني لمعونات غذائية، وسلع استهلاكية، علاوة على توزيع معونات مالية في بعض القرى والبلدات.

«الجهاد» استراتيجية ثابتة
رغم حرص «تحرير الشام» على إظهار بعض التفاصيل التي توحي باستعدادها لالتزام الاتفاقات الخاصة بإدلب («سوتشي» على وجه الخصوص)، إلا أنها تعمل على أرض الواقع بطريقة مغايرة. وراجت أخيراً صور لوحات إعلانية عملاقة في بعض الطرق والأوتوسترادات، وقد أزيلت عنها العبارات الداعية إلى «الجهاد»، وطُليت باللون الأبيض محلّ الأسود. في المقابل، وجّهت «وزارة الأوقاف» في «حكومة الإنقاذ» رسالة إلى أئمة وخطباء المساجد، تنصّ على وجوب التزام «بث روح الجهاد في الأمة، وتحريض المسلمين على البذل والعطاء في سبيل الله... والدعوة لتحكيم الشريعة والاعتصام ورصّ الصفوف». كذلك، كثّف «المكتب الشرعي» التابع لـ«الجناح العسكري» في «تحرير الشام» أعماله «الدعوية»، وضمّ في الأسابيع الأخيرة عشرات «الدعاة» إلى كوادر «فريق العمل الدعوي/ الفاتحون»، فيما بوشرت حملة أعمال موسّعة لحفر وتجهيز سلاسل خنادق جديدة في كثير من مناطق سيطرة «تحرير الشام»، التي يُراد لها أن «تستلهم تجربة غزة»، وفقاً لما يتم تداوله في الكواليس.

قرى «جهادية» نموذجية!
تعوّل «تحرير الشام» على نجاح مشروع «القرى النموذجية»، الذي باشرت تنفيذه قبل فترة «الإدارةُ العامة للخدمات الإنسانية»، بتمويل قطري معلن. ويتوخّى المشروع كسب «الحواضن الشعبية»، وجمع مئات العائلات في تجمعات سكنية تُدار بـ«أحكام الشريعة»، من دون الحاجة إلى «تحكيم السيف». وأُنجز بناء أولى القرى في منطقة سرجيلّا في جبل الزاوية، وتضمّ 500 شقة سكنية، فيما يستمر العمل على تشييد تجمعات مماثلة، وعلى تحسين ظروف تجمعات أخرى (موجودة سابقة) وإعادة تأهيل بناها التحتية.
واعتُمدت «منهجية» أولية لإدارة «القرى النموذجية» وفق «الشريعة الإسلامية»، وقد بوشر تنفيذها أخيراً على سبيل التجربة، استعداداً لتحويلها إلى آلية شاملة تُطبّق في كل التجمعات المماثلة. وعمّمت «إدارة القرية» التعليمات على السكان وأصحاب المحال، وعلى رأسها «إلزامية التعليم الشرعي» وإلحاق الأطفال ببرنامج «صلاتي حياتي»، والتزام أصحاب المحال بعدم بيع التبغ، وبإغلاق محالّهم في مواقيت الصلوات الخمس. ويتوخّى «المشروع» التحول إلى «نموذج ناجح للتنمية الجهادية، وتكريس العمل على أساس خدمي دعوي». ويضع على رأس أهدافه «تعزيز البيئة الحاضنة للجهاد، وامتلاك قلوب الناس، وإشراك الأهالي في تبني المشروع، والقضاء على المعاصي، وإنشاء جيل مسلم يحارب الروس والمجوس ومرتزقة النظام من خلال الدعاة العاملين في المشروع».

نحو «الأخونة»؟
لم يأتِ صبّ الاهتمام على «التمكين» من فراغ؛ إذ تعدّه بعض «الاجتهادات الشرعية» شرطاً أساسياً من شروط «حكم الشريعة» و«إقامة الحدود». وترى تلك «الاجتهادات» أنه إذا «كان في إقامة الحدود فساد يربو على مصلحة إقامتها لم تُقم»، وأن «تطبيق الحدود في حال انعدام السلطان أو ضعفه هو فرض كفاية». ويبدو أن «تحرير الشام» في مرحلتها الراهنة باتت تسعى إلى «بلوغ التمكين بالموعظة الحسنة»، على ما تلاحظه مصادر «جهادية» مواكبة للمشهد في إدلب. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن كواليس إدلب تشهد في الفترة الراهنة جهوداً حثيثة لتطعيم «منهجية النصرة» بسلوكيات «سياسية» تستلهم تجارب «جماعة الإخوان».

وربّما تقدم هذه التفاصيل تبريراً مفهوماً لإبعاد أبو اليقظان المصري عن الواجهة «الشرعية». وكان المصري «شرعياً في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام»، قبل أن يستقيل في مطلع الشهر الحالي، عقب خلاف بينه وبين «قيادة الهيئة»، التي وجّهت له إنذاراً لأنه «يخالف أوامر الجماعة ولا يلتزم بالضوابط الإعلامية التي تقدّرها». وعُرف المصري بوضوحه في التعبير عن روح «المشروع الجهادي» المتطرف، خلافاً لتيارات أخرى داخل «الهيئة» لا تجد مانعاً في المواربة إذا ما «دعت الضرورة».

ولا تمثّل هذه التغييرات سابقة في سجل «جبهة النصرة»، بل هي في الواقع تأتي إحياءً لمرحلة مماثلة عرفتها «النصرة» عقب سيطرتها مع «جيش الفتح» على كامل محافظة إدلب، وفي خضم النقاشات التي كانت مستعرة وقتذاك حول «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة». وراجت في تلك الفترة أحاديث عن ضرورة «تشكيل جسم سياسي لجيش الفتح» يستلهم تجربة «حركة طالبان»، الأمر الذي أعيد إلى التداول أخيراً مع تغيير المسميات (إذ لم يعد لتحالف «جيش الفتح» وجود). وكانت «الأخبار» قد تناولت المشروع الجاري إحياؤه إبّان طرحه أول مرة قبل أربعة أعوام .
______________
عن «الأخبار» 

السبت، 12 يناير 2019

حركة النهضة وخلفيّات بيانها بشأن سوريا... هل هناك مراجعة إخوانية شاملة أم مجرد مناورة سياسية؟

    يناير 12, 2019   No comments
محمد الرصافي المقداد

في بيان لم تعرف بعد دواعي إصداره في هذا الوقت، دعا حزب حركة النهضة التونسي إلى مصالحة وطنية شاملة في سوريا.

جاء في البيان بخصوص (مصالحة وطنية شاملة يستعيد فيها الشعب السوري حقه في أرضه وفي حياة ديمقراطية، وتضع حداً للتقاتل وما نتج منه من مآسٍ إنسانية، وتعيد إلى سوريا مكانتها الطبيعية في المنظمات الدولية والعربية).

ولئن عُدّ البيان مفاجئاً للبعض، فإن مضمونه بما حواه، لا يعدّ مفاجأة، ذلك أنّ ما جاء فيه، لم يكن يتضمن تغييراً في موقف الحركة المبدئي، الذي يتّفق تماماً مع الموقف العام لحركة الإخوان العالمية، التي يُنظر إلى حركة النهضة على أنها جزء منها، باعتبار أن حركة الإخوان السورية، شاركت بصورة عملية في الأعمال الإرهابية، بمختلف مناطق سوريا، وكان لها دور خفيّ في الإعداد لها قبل الأحداث وأثناءها وحتى اليوم.

وحتى لا يؤوّل البيان على حسب تصوّر من رأى فيه تغيّراً لموقفها، صرّح القيادي في الحركة والنائب في مجلس نواب الشعب السيد عبد اللطيف المكي بأن موقف حزبه لم يتغيّر وبقي على ما هو عليه. داعماً مطامح الديمقراطية والثورة السلمية للشعب السوري - بحسب قوله - مبيّناً أنّ الذين يتّهمون حركة النهضة بأنها داعمة للعنف في الأزمة السورية، هم من أوّلوا بيان الحركة، على أساس أنه تحوّل استراتيجي في موقفها... وختم بالقول: الآن عندما برزت تطورات جديدة تسير بالأزمة السورية إلى الحوار، النهضة ذكّرت بموقفها ودعت إلى المصالحة السورية الشاملة. (حقائق أون لاين 4/1/2019).

وذهاب السيد عبد اللطيف المكي، الى اعتبار أن سياسة حركة النهضة الخارجية، تقف إلى جانب مطامح الشعب السوري في الديمقراطية، والثورات السلمية في الوطن العربي، مستحضراً معارضة الحركة، في مؤتمر ما سمّي أصدقاء سوريا، تسليح المعارضة السورية، وهو موقف أثار غضب المشاركين من المعارضة.

التطوّرات الجديدة التي أشار اليها القيادي في حركة النهضة، والتي نسبها إلى الحوار، ليست جديدة في واقع الأمر. ذلك أنّ مؤتمرات الحوار السوري برعاية الأمم المتحدة (مؤتمرات جنيف/ أستانا) بدأت لم تؤدِّ إلى شيء تقريباً، وظهر فيها النظام السوري الأقدر على تقديم الحلول سياسياً - أمام ارتباك واختلاف الجانب المقابل له من المعارضة، التي تبيّن عدم امتلاكها قرارها السياسي- والأقوى على محاربة الإرهاب التكفيري الغازي لبلاده (تركيا/ الأردن)، من أول يوم بدأت فيه العمليات العسكرية، والجيش السوري لم يخرج حينها من ثكنه وقواعده.

فإن كان السيد عبد اللطيف مكي يقصد بالتطورات قرارات دول الخليج مثل الإمارات والبحرين ومن سيتبعهما كالكويت والسعودية بإعادة بعثاتها وتشغيل سفاراتها في العاصمة السورية دمشق، فذلك لا يستدعي أن تُصدر بشأنه حركة النهضة بياناً، لأنه لا يعنيها بحال من الأحول، وهي لا تخرج عن أمرين: إما أن تكون مناورة سياسية، ومحاولة أخيرة لإبقاء خيط مودّة يربط من جديد، الأنظمة التي دعمت الفصائل الإرهابية المسلحة، في مسعى منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من علاقة، أو أنها خضوع للأمر الواقع الذي أصبح عليه الوضع الميداني في سوريا.

السيد المكي وحركة النهضة تناسيا، أنّ في صلب الحكومة السورية وزارة، اسمها وزارة المصالحة (تأسست سنة 2012)، استطاعت جهودها أن تعيد إلى حضن الوطن، معظم من غرّر بهم الغرب وعملاء الصهيونية، وأسهمت في حقن دماء كثيرة، كانت ستذهب هدراً لولا تلك الجهود الوطنية، فعن أي مصالحة يتحدّث بيان الحركة؟ 

جدير بالذكر أن الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، قرر في فبراير/شباط 2012، قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وطرد سفيره من تونس، وإغلاق سفارة بلاده في دمشق، بمشاركة وتحريض من حركة النهضة، التي كانت الطرف الأقوى في السلطة آنذاك.

حركة تبييض الوجوه السياسية، التي نشهدها اليوم على مستوى حكومات، انضمّ اليها حزب حركة النهضة، ليعبّر بأسلوبه عن براءته من التهم الموجّهة اليه، في دعم الأعمال المسلحة في سوريا منذ انطلاقها، وينطبق هذا تماماً على الدّول التي موّلت الفصائل المسلحة بالمال والعتاد، وتريد أن تمسح ما طبع ملامحها، من نقض لميثاق جامعة الدول العربية، وغدر بأصول الأخوّة وحسن الجوار العربي.

وتبدو حركة النهضة المعرقل الوحيد، لعودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، ليس من حيث المبدأ فقط، وإنما أيضاً لاعتبار مهمّ آخر، يتلخّص في أن عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلدين، سوف تفتح ملفّاً شائكاً وثقيلاً، في دعم الإرهاب من طرف شخصيات بارزة في الحركة، ستكون تحت طائلة المساءلة والمحاكمة، إذا ثبت تورطها في الإشراف على شبكات تسفير الشباب التونسي، للقتال في سوريا، عبر وسائط وهميّة، كجمعيات خيرية، أو نحوها من الجمعيات التي عملت سنوات 2011 و2012 و2013.

وأتذكّر جيّداً في مؤتمر نظمته الكلية الزيتونية سنة 2012، وحضره الدكتور يوسف القرضاوي  إلى جانب رئيس حركة النهضة، وكنت من بين الحضور، الكلمة التي ألقاها الشيخ راشد الغنوشي، والتي عبّر فيها عن موقف لم يكن نابعاً من الشعب السوري، قائلاً إن الشعوب العربية التي ثارت على حكامها، كانت تنادي بإسقاطهم فقط، بينما نادى الشعب السوري بإعدام الرئيس.

وكنت حاضراً أيضاً أثناء اندلاع الأزمة في ريف دمشق، فلم أسمع بمقالة الشيخ أبداً، بل إنّ كل ما سمعته لم يكن ليرقى الى إسقاط النظام، وأنا كنت متابعاً لما يجري في درعا، عبر قناة الفتنة القطرية (الجزيرة)، واستمعت إلى شاهد عيان منها قال بالحرف الواحد: ( أنقذونا من حزب الله والحرس الثوري الايراني)، والحال أنه لا وجود لأحد من هؤلاء، بل إنه لا وجود للجيش السوري في بداية الأحداث، وهذا يؤكّد أن التحريض بالكذب، كان أسلوباً دعائياً خبيثاً، مخادعة للشعب السوري، المتعايش بمختلف طوائفه في أمن وأمان، في محاولة لإثارته طائفياً، وهذا ما حدث فعلاً.

التنصّل من تبعات الأعمال والمواقف بدأت وتيرته تتصاعد، وما خفي بالأمس القريب، سيظهر حتماً في المقبل من الأيام، على ضوء جدارة النظام السوري في القيادة، وانتصار جيشه وروافده، وتراجع دول كبرى ساهمت في إطالة أزمته، وكانت تصر على رحيله، عن مواقفها، وهي لم تجد اليوم بدّاً من الإقرار ببقائه، وفي مقدمتها أميركا ودول الغرب، والأيام حبلى بالأحداث.

الخميس، 10 أغسطس 2017

اتجاهات الإخوان المسلمين في ظل المتغيرات الدولية

    أغسطس 10, 2017   No comments
عمر الردّاد

محطتان بارزتان في التاريخ السياسي المعاصر لجماعة  الإخوان  المسلمين أسهمتا  في دخول الإخوان السياسة الدولية, باعتبارها جماعة سياسية ذات مرجعية دينية  لها ثقلها , نجحت في إقناع  أوساط غربية بأنها  الخيار الأنسب لتامين مصالحه من جهة ,والتقليل من خطر الإرهاب الإسلامي, الأولى كانت 11 سبتمبر, والثانية مخرجات “الربيع العربي”.

ففي الأولى ،قدم الإخوان أنفسهم باعتبارهم يمثلون الإسلام المعتدل وأنهم يرفضون الإرهاب ويستنكرون ما قامت به القاعدة, وفي ظل اندفاعه غربية في أمريكا وأوروبا لفهم الإسلام والمسلمين وجد الإخوان المسلمون ضالتهم ,وركزوا على تفسير ظاهرة الإرهاب بدكتاتوريات وفساد أنظمة الحكم العربية والإسلامية وفشلها، وبالتزامن قدّمت إيران نفسها باعتبارها تمثل الإسلام الصحيح , وتم بعناية إنتاج مقاربة الوهابية وتحميلها المسؤولية وحيدة عن 11 سبتمبر, وبعد دراسات مستفيضة تولدّت مقاربات في أمريكا وأوروبا، عنوانها ان الإخوان المسلمين جماعة إسلامية معتدلة ,وبحال دعمها يمكن ان تحقق مصالح الغرب ,بمكافحة التطرف والإرهاب,والبدء ببناء أسس الديمقراطية ,فكانت التسهيلات التي قدمت للأمريكان من قبل الإخوان المسلمين وإيران في أفغانستان والعراق ,دليلا على تلك المقاربة.
أما في المحطة الثانية وهي الربيع العربي , فكان انكشاف النظام الرسمي العربي وفي ظل ثبوت ان الدولة العربية التي نشأت, بعد الاستعمار العربي هشة وان كل ما نشا في ظلالها من مؤسسات وجيوش وأحزاب , كانت هياكل بلا جذور حقيقية ,حيث برزت مؤسستا القبيلة والدين باعتبارهما المرجعية الحقيقية , ورغم أن أيا ممن خرجوا الى الشوارع في الربيع العربي لم يرفعوا شعار المطالبة بعودة الخلافة الإسلامية , وكما حدث إبان الثورة الإيرانية على الشاه,نجح الإخوان ومعهم القاعدة وداعش, في اختطاف الثورات,فيما غاب العلمانيون والقوميون والمستقلون ,لأسباب مرتبطة في جلّها بالتنظيم والتخطيط, ودعم جهات عربية وأجنبية للإخوان ,فغابت شعارات وأهداف هذا الربيع  ,فكانت النهضة في تونس والتنظيم الدولي في قيادة مصر, ولاحقا قيادة الحكومة في المغرب, وحمل الإخوان السلاح بالثورة الليبية ,والثورة السورية, والمشاركة بفاعلية في انتخابات المجالس النيابية وغيرها من المؤسسات التمثيلية,في العديد من الدول العربية والإسلامية, في ظل شعور عارم بالنصر,وقناعات ان هناك لحظة تاريخية لاستلام السلطة, بصيغ تعكس الخلافة الإسلامية.
لكن تجارب الإخوان في الحكم خاصة في مصر,وتطورات الإرهاب لاحقا , طرحت شكوكا عميقة حول وعودهم للغرب,وإمكانية الركون لاعتبارهم الجهة التي يُعول عليها في إمكانية إحداث التغيير المنشود,فموقفهم تجاه الإرهاب موضع شكوك في ظل ليس فقط عدم إدانتهم له ,بل في تبريره وترديد مقولات الإرهابيين انه رد فعل على استبداد الأنظمة او سياسات الغرب,وخاصة دعم إسرائيل , والموقف من الديمقراطية والتعددية والأخر ,حيث استحوذ الإخوان على كامل السلطة في مصر,واستقطبوا إرهابيين الى السلطة , فيما كانت تجربتهم مختلفة في تونس ,إضافة لعدم امتلاكهم برامج اقتصادية وخدمية وتنموية حقيقية, وان مخرجات سياساتهم هي ذاتها مخرجات القاعدة والإرهاب المرتبطة بالخلافة بمفهومها الشامل,وكانت جماعة الإخوان وسعّت دوائر اتصالها ,خلال الربيع العربي ,وفق خطابين: الأول مع الغرب يؤكد في حال وصولهم إلى السلطة التزامهم بالديمقراطية, بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات المسيحية والتشاركية والحرية ,والثاني خطاب محلي يجّرم الغرب الكافر ويدعو للقضاء على إسرائيل ويُحرض على العنف باسم المقاومة , فيما أسهمت المراكز والجمعيات والهيئات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين , في أمريكا وأوروبا واستراليا, من خلال خطاب تحريضي في إنتاج متطرفين إسلاميين ,انضموا لداعش وقبلها القاعدة في العراق وسوريا.
وخلافا لقناعات الإدارة الأمريكية السابقة , ولأدراك الغرب عموما خاصة في أوروبا, بعد العمليات الدامية في العواصم الأوروبية , وشيوع مقاربات وأفكار مرتبطة بالاسلاموفوبيا,ان الإرهاب الإسلامي مرتبط بايدولوجيا تحريضية , متورط فيها الإخوان المسلمون, إضافة لكون عدد غير قليل من التنظيمات الإرهابية كانت اخوانية بالأصل, برزت أسئلة كبرى حول علاقة الإخوان المسلمين بالإرهاب , لدرجة ان الإدارة الأمريكية الجديدة تقترب من اعتبارهم تنظيما إرهابيا,فيما تزداد احتمالات اتخاذ دول أوروبية القرار نفسه, ترافق ذلك مع انشقاقات في صفوف تنظيمات الإخوان المسلمين في الدول العربية والإسلامية جماعات وأفراد ,كشف كثير منها جوانب التنظيم السري للجماعة ومخططاته ,وخاصة علاقة الإخوان بالتنظيمات الإرهابية ,وانفتاح أوساط اخوانية على إيران , في إطار تحالفات  بالنزاعات الإقليمية .
ورغم محاولات التجديد داخل الجسم الاخواني , والقناعة بضرورة الاستجابة للمتغيرات الدولية والإقليمية ,خاصة بعد مصير تجربة الحكم الاخواني في مصر,والشكوك الأوروبية والأمريكية بالتجربة الإسلامية في تركيا,كعنوان لتجربة حكم إسلام حداثي, وأخيرا النزاع بين قطر ودول عربية ,لأسباب عديدة, من بينها دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين, إلا أن النجاحات كانت محدودة, وعمليا ما زالت هناك شكوك في استجابة قيادات الجماعة  لتلك الدعوات وإصلاح برامجها وهياكلها وطرق عملها لعل أولها وأهمها الفصل بين السياسي والدعوي, لدرجة يمكن معها القول ان الربيع الذي شهده الجسم الاخواني ,حقق نتائج اقل بكثير من الربيع العربي.
مؤكد ان تنظيم الإخوان المسلمين مرّ بظروف وأزمات عديدة , خلال تاريخه خاصة صراعه مع الدولة المصرية في أوائل خمسينات القرن الماضي , الا انه تمكن من الصمود وإعادة البناء في ظل ظروف دولية, تغيرت منذ انهيار الشيوعية العالمية ,ويبدو ان الإطراف الدولية التي أسهمت في إنتاج ودعم الإخوان والإسلام السياسي, جادة اليوم في الإطاحة بالطرفين, بعد انتهاء الدور الوظيفي لهما,حيث بدأت خلايا تفكير غربية بإعداد دراسات لما بعد الإسلام السياسي” الاسلاموية”في ظل سقوط الايدولوجيا والأفكار الكبرى ,تؤيدها وقائع تشير الى تراجع شعبية الإخوان المسلمين,تتزامن مع أحاديث عن “صفقات كبرى” وحلول لازمات المنطقة ,مؤكد ان الإسلام السياسي وأطيافه ليس جزءا منها , فهل تدرك قيادات الإخوان إن هوامش المناورة تضيق لأسباب مختلفة,وان ما يشغل الشعوب الإسلامية اليوم ليس إغلاق خمارة في حيّ بمدينة كبيرة,وان قضايا المرأة اكبر من حصرها بالحجاب , وان  البني الفكرية والسياسات الاخوانية الحالية ،غير قادرة على ترجمة  شعارات الربيع العربي (الإصلاح ,الحرية, مكافحة الفساد…)  , وان رسالة البوعزيزي ,مُفجر ثورات الربيع العربي فهمها الغرب:نحن نحرق أنفسنا ,لكي نعيش مثلكم!

الجمعة، 23 يونيو 2017

خطة السعودية لتجريد قطر من أسلحتها الثلاثة

    يونيو 23, 2017   No comments
بقلم قاسم عزالدين
 
لمطالب السعودية - الإماراتية التي تخرج إلى العلن بموافقة أميركية، تكشف التصعيد السعودي أملاً بهزيمة قطر والعودة بها إلى حجم إمارة تحت مرمى المملكة. لكن هذا التصعيد الضاغط ربما يفتح أمام قطر طريق مراجعة خياراتها السياسية في محاور المنطقة. 

لائحة المطالب والشروط السعودية، جرى تداول بنودها الأساس بينما كانت الإدارة الأميركية تدرس تدخلها لحل الأزمة الخليجية، ولم تخرج اللائحة إلى العلن بشكلها الحالي إلا بعد أن أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الموكل بالملف أن الإدارة تدعم الجهود الكويتية لحل الأزمة وهو أمر يدل على أن واشنطن تختار المماطلة. فوزير الخارجية الموكل بحل الأزمة، كان قد تميّز عن دونالد ترامب الذي يميل إلى السعودية، يحثّ السعودية على تقديم أدلّة على اتهاماتها، وفق تعبير المتحدثة باسم الخارجية هيذر نورت.

وقد أعرب تيلرسون بعدها عن ثقته بحل قريب، بحسب تصريح جاء في ختام جولة مباحثات مع وفود خليجية في واشنطن، ولا سيما لقاءه بمستشار أمير دولة قطر لشؤون الاستثمار محمد بن حمد آل ثاني.

هذه الأجواء التي تغيّب عنها وزير الخارجية القطري عبد الرحمن آل ثاني، أتاحت المراهنة القطرية على مبادرة أميركية يحملها تيلرسون تستند إلى غربلة الأسماء التي ينبغي أن تغادر قطر، وإلى ضبط الإعلام القطري وتشذيب الدعم القطري للإخوان المسلمين وحماس من دون قطع الأوصال وقلب ظهر المجنّ.

وفي هذا السياق قال تيلرسون ينبغي أن تكون المطالب السعودية معقولة وقابلة للتنفيذ، لكن هذه المراهنة سرعان ما يلقيها تيلرسون جانباً، كما يدل نشر اللائحة في الصحافة الأميركية، على الرغم من أن الوزير الإماراتي أنور قرقاش اتهم قطر بإفشاء المطالب لإفشال الوساطة الكويتية.

 التهديد بمهلة عشرة أيام للتنفيذ، قد يشي بأن السعودية تمهّد لانقلاب أو غزو محتمل. لكن هذا الأمر قد يكون في غير أوان بعد الدخول التركي إلى القاعدة العسكرية في الدوحة والمناورة الأميركية - القطرية المشترّكة.

وفي هذا الإطار قد لا يبقى أمام الضغط السعودي - الإماراتي أكثر من طريق الغاز القطري إلى الإمارات؛ ففي مقابل ورقة الضغط الأخيرة في أيدي السعودية والإمارات تشمل لائحة المطالب إقفال القاعدة التركية، ما اعتبره وزير الدفاع التركي تدخلاً في علاقات أنقرة مع الدول الخليجية.

وتشمل في المقام الأول ليس فقط التخلي عن الإخوان المسلمين، بل محاربتهم وملاحقتهم وتسليم اللوائح بأسمائهم وملفاتهم، والتخلي بذلك عن نفوذ قطر في المنطقة العربية وخارجها أشبه بطلب الانتحار السياسي.

المطالب والشروط الأخرى المدرجة في اللائحة، تبدو تمويهاً للمطلب الأساس الذي يمدّ قطر بالنفوذ وطموحات المصالح، فالمطالبة بوقف دعم حزب الله وأنصار الله والقطيعة مع إيران قد تكون من باب التحريض المجاني وذرّ الرماد في العيون.

أمّا المطالبة بوقف دعم وتمويل النصرة والقاعدة و"داعش" وغيرها، فهي ما يمكن أن تكون سهاماً موجهة للسعودية وتحالف واشنطن، وفق تعبير وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم الذي أفصح عن شراكة تحالف واشنطن في السراء والضراء لدعم هذه الجماعات عبر غرفتي عمليات "موك" و"موم" في اسطنبول والأردن.

لعلّ أفضل ما يلخّص شروط السعودية وهدفها، هو إعلامي سعودي "من عظام الرقبة" كما يُقال، فهو يقول إن أسلحة قطر الثلاثة هي الإعلام والمال والدبلوماسية النشطة.

وفي السياق يكاد الإعلامي الشهير أن يفصح عن آمال السعودية لتجريد قطر من هذه الأسلحة لتحجيمها من دور إقليمي كبير إلى ما هي عليه في قلّة سكانها وصغر مساحتها وضعف جيشها. وفي وراء الآمال السعودية قد لا تكون قطر وحدها هدفاً للسعودية في الخليج، وربما تنتقل السعودية في المدى المنظور أو الأبعد إلى اتهام سلطنة عمان أيضاً بدعم الإرهاب.

وما يشير إلى ذلك ويفسّر ربما المماطلة الأميركية في حل الأزمة الخليجية، هو ما كشفه موقع "بلومبيرغ" الممدعوم من قطر بحسب الاتهامات المتبادلة بين قطر والإمارات في واشنطن. فهو يذكر أن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي "رايك واديل" ذهب إلى السلطنة الأسبوع الفائت لهذا الغرض بصحبة "مايك بومبو" من وكالة الاستخبارات الأميركية.

الحصار السعودي على قطر يعوّل على مزيد من الضغط لكسر أضلع نفوذ الإمارة وطموحاتها الإقليمية، لكن هذا الضغط قد يولّد خيارات سياسية قطريّة لكسر الحصار في الانفتاح على تقاطعات إقليمية ودولية منعتها الخيارات السياسية القطرية مع تحالف واشنطن.

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.