‏إظهار الرسائل ذات التسميات التغيير العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التغيير العربي. إظهار كافة الرسائل

السبت، 28 مارس 2015

إسلاميّو القاهرة يلتحقون بالسعودية: هل نسيتم عزل مرسي؟

    مارس 28, 2015   No comments
أحمد سليمان

لم يتجمع الفرقاء الإسلاميون في مصر على رأي واحد منذ «30 يونيو» 2013 كما تجمعوا على مساندة التدخل العسكري في اليمن ضد «أنصار الله»، معتبرين إياها حلقة مهمة في كسر «الهيمنة الإيرانية» على المنطقة.
باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي لم تعلن موقفاً واضحاً ومحدداً، فإن الطيف السياسي الإسلامي ــ بما في ذلك أنصار «الإخوان» وحلفاؤهم منذ عزل الرئيس محمد مرسي ــ بارك وساند أي تدخل مصري عسكري محتمل في اليمن، وبارك أيضاً الضربات التي وجّهتها الطائرات السعودية لـ«أنصار الله»، برغم اختلاف النيات والدوافع.

لم يتأخر السلفيون، مدفوعين بنزعة مذهبية واضحة، في إعلان التأييد لأي تدخل عسكري ضد «قوات الحوثيين» في اليمن. تأييد السلفيين غير منفصل عن مواقفهم الممتدة منذ «30 يونيو» 2013؛ منذ ذلك التاريخ والسلفيون يسيرون في ركاب النظام، مؤيدين ومباركين كل خطواته، كذلك فإن العلاقات القوية التي تربط بين الدعوة السلفية والنظام السعودي تعتبر أحد الدوافع المهمة لتأييد هذا التدخل، إضافة إلى نزعة الكراهية المذهبية التي يفسح لها السلفيون مساحة واسعة في خطابهم الفقهي والعقدي.
«الإخوان»: الانشغال السعودي في اليمن سيرتد على النظام المصري

رئيس «حزب النور» السلفي، يونس مخيون، قال إنهم «في الحزب والدعوة السلفية» يرون أن «الحوثيين خطر على المنطقة، وأن تحكّمهم في مضيق باب المندب يهدد الامن القومي المصري تهديداً مباشراً، وأن إيران عبر الحوثيين تسعى للتحكم في مصير العرب ومصر، وأنهم سيتصدون للتمدد الإيراني بكل قوة».
المباركة السلفية للتدخل العسكري نصرةً لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وتأييدهم السابق لعزل الرئيس محمد مرسي، يكشفان حجم الخلافات البينية بين أكبر فصيلين إسلاميين في مصر، وهو خلاف أكبر من أن يتم جسره أو احتواؤه. كل طرف (الإخوان والسلفيون) يرى في خصمه مهدداً وجودياً له. السلفيون الذين أيّدوا عزل مرسي وباركوه، انتفضوا لليمن، وهو ما أعاد الجدل بشأن ما قالته القيادات السلفية لـ«الإخوان» في مسارهم الذي اتخذوه عقب عزل مرسي: لو كانوا يطلبون شريعة لساندوهم، لكنهم يطلبون «شرعية» وهي أمر دنيوي؛ فهل التدخل العسكري في اليمن أمر نصرة لشريعة؟
حتى «الجماعة الإسلامية»، الحليف الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» منذ عزل مرسي عن سدة الحكم، أعلنت، في بيان رسمي، دعمها لـ«عاصفة الحزم» من أجل «وقف مغامرات الحوثيين، وقف أطماع إيران والشيعة في المنطقة»، في مفارقة تكشف أن الإسلاميين يعارضون نظام السيسي في مصر، ويباركونه في اليمن، فيما تدعم السعودية ما وصفته بـ«الشرعية» في اليمن في حين أنها الداعم الأكبر لعزل مرسي من رئاسة مصر.
الفتاوى الدينية كانت حاضرة في المشهد بقوة. بخلاف فتاوى «الدعوة السلفية»، كان للأزهر حضوره عبر علمائه الذين رأوا، على لسان محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، أن «من الواجب على مصر والدول العربية كلها، باعتبارهم أهل سنّة وجماعة، مواجهة المدّ الشيعي». وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه محمد يسري إبراهيم، وهو أمين عام «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تشكلت بدعم من جماعة الإخوان المسلمين عقب خلع الرئيس حسني مبارك بهدف تكوين جبهة «مشيخية» قادرة على تأمين دعم إضافي للتوجهات السياسية للجماعة وقادرة أيضاً على التغلب على السطوة الإعلامية الرهيبة التي كان يتمتع بها الدعاة المحسوبون على «الدعوة السلفية» في حينه.
وحدها جماعة الإخوان المسلمين لم تعلن موقفاً واضحاً من العمليات العسكرية في اليمن، إلا أن المعلومات الواردة تشير إلى أن الجماعة ترى في الانشغال السعودي باليمن أمراً سيكون له مردوده بتخفيف الدعم السعودي للنظام المصري، وهو ما سيهزّ النظام الذي يعتمد منذ «30 يونيو» بشكل كبير على المساعدات المالية الخليجية. كذلك ترى الجماعة أن هناك حاجة ضرورية للأطراف المعنية في التنسيق معها في اليمن عبر فرعها «حزب الإصلاح»، وهو ما قد يكون أحد أثمانه ضغطاً سعودياً ــ خليجياً على النظام المصري بضرورة تراخي القبضة الأمنية المشددة على الجماعة وأنصارها. وتنظر الجماعة إلى التقارب السعودي التركي القطري بشأن اليمن على أنه منفذ لها للولوج مرة أخرى إلى خريطة التفاعلات في المنطقة، ولعب أحد أدوار الفاعلين، بعدما اقتصر وجودها على مدار أكثر من عامين على دور المفعول والمنكل به.

الجمعة، 9 يناير 2015

كفى شماتة، الإرهاب في نفوسنا, لا بد من نهضة عربية إسلامية تصحح خلل الداخل قبل النظر الى الخارج

    يناير 09, 2015   No comments
سامي كليب
يكفي أن يلقي المرء نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا ذات الغالبية العربية الإسلامية بعد العمليات الإرهابية التي ضربت في اليومين الماضيين فرنسا، ليكتشف كم في نفوسنا من العنصرية والحقد اللذين يشجعان ضمناً الإرهاب ويهللان له.
لو أحصينا عبارة «طابخ السم آكله» كم مرة ترددت في الساعات الماضية، لفهمنا أن الأمراض الدفينة في مجتمعاتنا وفي عروبتنا وفي إسلامنا تشكل اليوم جسراً صلباً يعبر فوقه الإرهاب في كل اتجاه. لا بد من نهضة عربية إسلامية تصحح خلل الداخل قبل النظر الى الخارج، لأن هشاشة الداخل هي التي شرَّعت النوافذ والأبواب لكل غاز وطامع وطامح وسارق.

نعم في الممارسة الإسلامية خلل كبير. لنعترف بذلك. ثمة جمود فكري لم يتطور منذ قرون. وفي الممارسة عجز عن اللحاق بالتقدم العلمي والاجتماعي في الغرب، فلا نجد سبيلاً إلا في تحطيم هذا التقدم لكي نبقى والغرب على المستوى نفسه. نجره الى الأسفل طالما لم نرتق الى مرتبته.
نعم في العروبة خلل فاضح. لنعترف بذلك. تحولت العروبة الى مطيّة لديكتاتوريات وأنظمة تسلط أمني. قعمت الحرية والفكر وألغت العرقيات، فانتفضت العرقيات عند أول مفترق طرق. قتلنا عروبتنا لكثرة ما هللنا لها ونحن ننحرها.
نعم في اليسار العربي انتهازية مقيتة انهارت بمجرد تفكك الراعي السوفياتي، وانهارت أكثر حين عبرت ثروات طائلة الحدود كما حصل مثلاً حين نجح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في جذب معظم أقطاب اليسار اللبناني. تبيّن أن الشيوعية أو الاشتراكية مجرد تقطيع للوقت بانتظار الثروة، وحين يحضر المال تموت المبادئ على قارعات الطرق. ليس مهماً أن تكون شيوعياً وأنت فقير، الأهم أن تبقى حين تلوح لك الثروة.
لا شك أن من فقد قريباً أو عزيزاً في الحروب المتتالية على بلادنا والتي يتحمل الغرب جزءاً كبيراً من تأجيجها، له الحق في أن يُعبِّر عن بعض الغضب والشماتة. ولا شك أن من نُهبت خيراتُ بلاده من قبل هذا الغرب، يحق له أيضاً بعض الغضب. لكن أن نفرح بموت أبرياء على أيادي إرهابيين يزرعون الرعب والقتل والذبح باسم الدين، فهذه بحد ذاتها مصيبة.
الإرهاب هو الإرهاب. الذين قتلوا في فرنسا في اليومين الماضيين هم أنفسهم من يقتل في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر والصومال وتونس. لنتصالح مع أنفسنا ونعترف بأن المصيبة فينا قبل أن تكون في غيرنا.
إن تربيتنا المذهبية الحاقدة حتى على المذاهب الأخرى هي السبب. وتربيتنا الطائفية المشككة والمحتقرة للطوائف الأخرى هي السبب. وممارسة الدين التي كان يجب أن تحسن أخلاق مجتمعاتنا هي التي أغرقته بالتطرف والمذهبية والحقد والبغضاء.
يقال عن فرنسا اليوم «إن طابخ السم آكله»، ربما في أخطاء السياسة الفرنسية ما يجعل أماً ثكلى أو أباً مفجوعاً أو يتيماً يقول هذا، لكن ألم يُقل الشيء نفسه عن سوريا بتهمة أنها سهلت مرور إرهابيين لمقاتلة الأميركيين في العراق؟ ألم يقل الشيء نفسه عن غزة وهي تموت تحت الدمار والقتل في آخر حرب همجية إسرائيلية ضدها على أساس أن حماس متورطة بحربي مصر وسوريا.
تارة نلوم الغرب أنه انتهك بلادنا فقتل وقسَّم، وتارة نلوم إيران أنها وسعت نفوذها، وثالثة نلوم تركيا أنها تستعيد مجدها العثماني السلجوقي في بلادنا، ورابعة أن روسيا تستفيد من الدم العربي، وخامسة أن قواعد «الأطلسي» ومخالبه في جسدنا.
كل هذا ليس إلا قناعاً لضعفنا وجهلنا وتخلفنا وتقاتلنا وتناحرنا وتآمر بعضنا على بعضه الآخر. لا بد من إعادة صياغة أسس هذا العقل الإسلامي العربي لكي نحفظ الإسلام والعروبة ونحافظ على المسيحيين وكل الطوائف والأعراق والمكونات الأخرى في أوطاننا. لا بد من ثورة حقيقية في الممارسة الإسلامية وفي بعض التأويلات التي تشرع قتل المسلم للمسلم الآخر قبل أن تفكر بعدوّ هذه الأمة.
كفى شماتة لا تعبّر إلا عن جهل وحقد.

الأربعاء، 2 يوليو 2014

أبعد من داعش.. الشرق الأوسط بين خيارين... تطور المواقف الكردية المتوثبة نحو الإنفصال

    يوليو 02, 2014   No comments
أبعد من داعش.. الشرق الأوسط بين خيارين
محمد سيف الدين


 هاجس تقسيم العراق، حُكي عنه الكثير، ولكنه مع سيطرة داعش على مناطق واسعة يعود إلى الواجهة كأمرٍ واقعٍ مفروض، فكيف أدت هذه السيطرة إلى خلط الاوراق إقليمياً ودولياً؟ وأي أفق لـ"دولة داعش" في منطقة يتنازع عليها العالم منذ عقود؟ وأين تتجه المنطقة؟
  أدت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" السريعة على مناطق واسعة من العراق إلى قسمة جغرافيا البلاد على ثلاثة أقسام، هي: مناطق سيطرة الدولة المركزية، مناطق سيطرة الكرد، ومناطق سيطرة "داعش".

ونتيجة لهذا التمدد المفاجئ للتنظيم، بات لكلٍ من هذه المناطق الثلاث قواها العسكرية والاقتصادية المنفصلة واقعاً عن بعضها البعض.


تأكيدات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن الجيش استعاد زمام المبادرة وأنه سيعيد الأمور إلى وضعها السابق في فترة صغيرة، لم تظهر بشائرها بعد؛ وبالمقابل، يتحفز الأكراد باندفاعٍ شديد لاغتنام فرصة الحلم التاريخي بالانفصال عن السلطة المركزية، خصوصاً مع وصول داعش إلى المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.

خطوة داعش المباغتة طرحت تساؤلات كبرى حول مستقبل العراق والمنطقة، ودفعت دول جوار العراق إضافةً إلى الولايات المتحدة الأميركية إلى المسارعة لبحث المخاطر والفرص التي قد تتأتى من هذا الحدث المعاكس للسياق العام للأحداث في المنطقة.

وفي هذا السياق قبل انفلاش داعش، كان الجيش السوري يستعيد يوماً بعد آخر السيطرة على مناطق تواجد المجموعات المسلحة ومن بينها داعش، كما تمكنت الإدارة السورية من إجراء الانتخابات الرئاسية، ليفوز الرئيس بشار الأسد بولاية رئاسية هي الأولى له في ظل الدستور الجديد. وفي العراق، فازت لائحة المالكي بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان بين الكتل الأخرى، وكان البحث مركزاً على تشكيل الحكومة، والشخصية التي سوف تكلف بالتشكيل، مع حفاظ المالكي على فرص كبيرة بذلك.

وبشكلٍ مريب، تبدل المشهد لتسقط المناطق بسرعة بيد داعش، فيصبح التنظيم مسيطراً على ما يساوي حجم دولة متوسطة بين سوريا والعراق.
هل باستطاعة داعش إقامة دولة قابلة للاستمرار بين العراق وسوريا؟
  إن قيام دولة جديدة يتطلب توافر المقومات الرئيسة للدولة، أي وجود إقليم جغرافي بحدودٍ واضحة معترف بها من قبل الدول الأخرى، ووجود شعب يقطن هذه الأرض ويرتبط بها بارتباط الجنسية التي تعرّفها منظمة العدل الدولية بأنها "رابطة قانونية قائمة أساساً على رابطة إجتماعية وتضامن فعال في المعيشة والمصالح والمشاعر مع التلازم بين الحقوق والواجبات"، إضافةً إلى سلطة سياسية تنظم تفاعل السكان مع الأرض، وعلاقة الدولة بالخارج. يمتلك تنظيم داعش البنية العسكرية التي تخوله السيطرة على الجغرافيا بحدودٍ معينة، ومع سيطرته على مناطق غنية بالنفط في سوريا والعراق بات يمتلك مقومات اقتصادية ذاتية إلى جانب ما يمكن أن يتلقاه من جهات خارجية، والشكوك حول ذلك كثيرة. ولكن من جهة الشعب، فإن البيئة الحاضنة لأفكار "الدولة الداعشية" لا ترتقي إلى درجة الحديث عن شعبٍ مشكلٍ لأهم أركان الدولة.
أداة لدور محدد.. وبتاريخ انتهاء صلاحية
  كل البحث في مقومات الدولة بالنسبة لداعش يبقى غير ذي معنى بسبب عدم إيمان التنظيم أساساً بفكرة الدولة كوحدة سياسية تمارس السيادة على إقليمها من خلال المؤسسات، وتقيم العلاقات مع مثيلاتها من الدول، وتسعى لنيل الشرعية والشخصية القانونية الدولية، فضلاً عن أن "داعش" لا يعترف بالحدود أو حتى بالأمم المتحدة، ولا يمكن له إقامة علاقات دولية أو نيل اعتراف دولة واحدة من دول العالم.

وبالتالي لا يمكن اعتبار وجود تنظيم عسكري يسيطر على جغرافيا محددة كافٍ للقول بأن دولة جديدة تنشأ بين العراق وسوريا، وتوصيف الواقع الناشئ عن تمدد "داعش" بهذه الصورة لا يتعدى اعتباره حتى اللحظة، توسيعاً لحدود المعركة مع الإرهاب في كلا البلدين، إذا استثنينا نقطتين:

تطور المواقف الكردية المتوثبة نحو الإنفصال.

احتمال إنشاء كيانٍ طائفيٍ بدعم غربي وإقليمي عربي-إسرائيلي، يعقب القضاء على داعش.

وبناءً عليه، يبدو "داعش" كأداةٍ تستخدم لموقفٍ محدد تنتهي بانتهائه، رغم إعلان داعش "الخلافة الإسلامية" وتنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين.

في الأسباب الداخلية لانفلاش "داعش"

  لا شك بأن لتمدد "داعش" في العراق أسباباً داخلية عديدة، ترتبط بالعراق أكثر مما ترتبط بقدرات التنظيم المتطرف الذي لا يجد له حاضنة شعبية في المناطق التي يسيطر عليها داخل سوريا، والذي تسبق سيطرته على أي منطقة حركة نزوح السكان الهلعين.

وفي أول الأسباب تلك، يأتي النظام السياسي العراقي بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، حيث تحول إلى نظامٍ طائفي يقوم على تقاسم المنافع والمواقع بين الأحزاب والقوى الطائفية، من دون الالتفات بشكلٍ جدي إلى ضرورة بناء دولة ديموقراطية تعددية تقوم على احترام الطوائف من جهة، وبناء مفهوم المواطنة من جهة ثانية.

وكان بنتيجة هذا الخلل في النظام السياسي أن عاش العراق عشر سنوات من الأزمات السياسية المتتابعة، ومن الطبيعي أن تنتج هذه الأزمات فساداً في الدولة في كنف نظامٍ طائفيٍ، وأن تشعر كل فئة بأنها معنية بالدرجة الأولى بانتزاع حقوقها من الفئات الأخرى. وبالتالي فإن المكونات المختلفة تسعى في سبيل ذلك إلى استجلاب التدخلات الخارجية في شؤون البلاد.

من ناحية ثانية، يتبين وجود ثغرات جدّية في بناء القوى الأمنية للدولة، وأن الإنفاق العسكري العراقي على بناء قدرات اليد الغليظة للدولة لم يؤدِ إلى نتائج كافية لدرء خطر الإرهاب، خصوصاً في الناحيتين المسلكية والنفسية لرجال الأمن كما تبين الأحداث الأخيرة.

لقد سيطر مسلحو "داعش" في العاشر من حزيران-يونيو على الموصل، على الرغم من تواجد عشرات الآلاف من قوات الأمن العراقية في محافظة نينوى. تزداد الريبة مما حصل إذا علمنا أن الإنفاق العسكري العراقي بين عامي 2004 و2012 فاق 37031 مليون دولار*، بمعدل 2،6 % من إجمالي الناتج المحلي سنوياً.

ولا يمكن حصر التقصير في هذه الناحية بالحكومات العراقية المتعاقبة، فالاحتلال الأميركي عمد إلى حل الجيش العراقي كخطوة أولى بعد إسقاط نظام صدام حسين. ولم تعتن الإدارة الأميركية جدياً بكل الخطط التي قدمت للمرحلة الرابعة من الحرب، وهي التسمية التي أطلقت على مرحلة إعادة بناء قدرات الدولة العراقية بعد انتهاء المراحل الثلاث الأولى التي اشتملت على تفاصيل الأعمال الحربية وتفكيك النظام.

لقد تُرك العراقيون ليبدأوا من الصفر في المجال الأمني، برغم الحديث عن المساعدات الأميركية في التدريب والتسليح وبناء الأجهزة، بعد أن غيّر دونالد رامسفيلد خطة الـ 400 مليار دولار لإعادة بناء العراق واستعاض عنها بـ"تسهيل جهود العراقيين الهادفة إلى بسط الأمن في بلادهم وإعادة إعمارها باستخدام عائدات صادراتهم من النفط"، كما يقول الجنرال برنارد تراينور ومايكل غوردن في كتابهما "كوبرا 2.. التفاصيل الخفية لغزو العراق واحتلاله".

الأكراد.. أحداث تحاكي الحلم الدائم
  "العراق ينهار ونحن لم نكن سبباً، ولا يمكننا أن نظل رهينة للمجهول"، هكذا علّق رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني على سيطرة تمدد "داعش"، فانفصال الإقليم وإنشاء الدولة الكردية حلم تاريخي للأكراد ولآل البارزاني تحديداً، وبما أن خطوة "داعش" تؤدي إلى فرض أمرٍ واقعٍ على الأرض، فإن الأكراد يجدون في ذلك فرصتهم التاريخية لتحقيق حلم الانفصال.  القادة الأكراد، اعتبروا أن الوقت قد حان لإعلان الدولة الكردية المستقلة، ووزير الخارجية الأميركي جون  كيري سمع من البارزاني أن الأحداث الأخيرة أفرزت واقعاً جديداً وعراقاً جديداً، في الوقت الذي كان فيه كيري يتحدث عن حكومة وحدة عراقية. يزداد زخم الأكراد نحو الإنفصال مدفوعين باتفاق تصدير النفط مع تركيا، وبنَهَم إسرائيلي للنفط كما لفكرة دولة كردية تقسم العراق وتكون خطراً دائماً على إيران وسوريا. ولكن اللافت في المسألة هو الموقف التركي المتبدل والمعاكس للموقف التاريخي الرافض لاستقلال الأكراد.

ولطالما شكل رفض استقلال كردستان نقطة تقاطع بين كلٍ من العراق وتركيا وإيران، وهي إلى جانب سوريا الدول التي يسكن فيها الأكراد في منطقة متصلة تمتد من جنوب غرب إيران إلى جنوب شرق تركيا، ومن شمال شرق سوريا إلى شمال العراق. لذلك، كانت هذه الدول تعتبر في الاستقلال الكردي خطراً على وحدة التراب الوطني لكل واحدة منها.

المشهد الإقليمي بعد سيطرة "داعش"
 سارعت القوى الإقليمية والدولية مباشرة بعد الأحداث الأخيرة إلى التعامل مع الواقع المستجد ما بين النهرين، بعضها درءاً للخطر عن حدودها، والبعض الآخر محاولةً لاقتناص فرصة امتلاك أوراق جديدة ضرورية في مرحلة كسر التوازنات التي تمر بها المنطقة منذ ثلاث سنوات.
السعودية: وهم ضمان الدور
  تصف السعودية نشاط "داعش" في العراق بالإرهابي، وتنكر بإصرار اتهامات الحكومة العراقية لها بدعم التنظيم الذي يمتلك منذ فترة إمكانات مالية جعلته الأقوى بين الجماعات الجهادية التي تقاتل الجيش السوري منذ ثلاث سنوات.

غير أن اللافت في الرد السعودي على تلك الاتهامات تختصره "النصيحة" التي وجهها وزير الخارجية سعود الفيصل للمالكي حين قال: "إذا كان لنا نصيحة للمسؤول العراقي للقضاء على الإرهاب في بلاده هو أن يتبع السياسة التي تتبعها المملكة ولا يتهمها بأنها مع الإرهاب".

اتباع السياسة السعودية في مكافحة الإرهاب يدعو للتساؤل حول التمويل العلني للمنظمات الإرهابية في سوريا من قبل المملكة، في سبيل إسقاط نظام الأسد. وهل أن رسالة السعودية للمالكي تعني دعوته إلى الانخراط في رؤيتها للصراع في سوريا والمنطقة، كحلٍ يجنّب العراق خطر "داعش"؟

هذه الرؤية تفترض امتلاك الرياض بواعث اطمئنان على أنها بمنأى عن خطر التنظيم، وأن حدود نشاطه لن تتسع أبعد مما هي عليه اليوم، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى تفترض أن المملكة مطمئنة لثبات نفوذها عند سنّة العراق، وعدم إحساسها بخطرٍ حقيقي من أن يسحب "داعش" ورقة العراق منها. وبالتالي، فإن وهم الشعور السعودي بالقدرة على ضبط الأمور ووقفها عند حدٍ معين، قد يؤدي إلى مخاطر لا تحمد عقباها بالنسبة للمملكة.

بعيداً عن معاني الرد السعودي على الاتهامات العراقية، تبدو الأحداث العراقية الأخيرة فرصة لاستعادة الرياض قدرتها على المناورة في ساحةٍ من اثنتين كانت قد خسرتهما بانتخابات، من منطلق حاجة العراق اليوم إلى المساعدة للحفاظ على وحدته.

سوريا: الأكثر تأقلماً مع الخطر
  بعد فوز الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبالنظر إلى مسار تقدم الجيش السوري خلال العام الفائت، تبدو سوريا أكثر دول المنطقة تأقلماً مع خطر التنظيمات الإسلامية، إلى حدٍ يسمح لها بمساندة العراق في حربه ضد "داعش"، وليست الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو السوري فوق الأراضي العراقية إلاً صورة غلافٍ لملف التعاون الأمني السوري-العراقي في مواجهة التنظيم المتطرف.

ولا شك أن الدولتين تتقاسمان المخاطر الناتجة عن توسع حالة "داعش"، غير أن اختلاف المعطيات الداخلية عند كل منهما ربطاً بعامل الزمن مقلق للعراق أكثر مما هو لسوريا.

وفي المقلب الآخر، فقد لا يكون توسيع ساحة المعركة مكسباً لداعش، بل على العكس من ذلك، فإن "حكم" الدولة الإسلامية لهذه المساحة الواسعة يشكل المسمار الأمضى في نعش التنظيم، خصوصاً وأنه بات يواجه جيشين بقدرات متنوعة براً وجواً، فضلاً عن ملامسة الأخطار حدود دول إقليمية أخرى ستسارع بدورها إلى مد يد العون لهذين الجيشين كخطوة وقائية لحماية حدودها.

إلى جانب هذه المعطيات، تساعد تجربة حكم داعش في الرقة ومناطق أخرى على تسريع تلاشي أي قبول شعبي قد يكون موجوداً في العراق.

وبنتيجة كل ذلك، فإن الدول الأكثر تضرراً من تمدد "داعش" اليوم هي تلك المستجدة على التعامل مع خطره، وبعضها من حلفاء واشنطن في المنطقة، ما دفع بمراكز دراسات أميركية إلى دعوة الإدارة للتعاون مع دمشق، "حتى وإن بدا ذلك غير مستساغ بالنسبة للقوى الغربية الأخرى".

الأردن: نار على حدود الحقل اليابس
  تأتي الأردن في طليعة تلك الدول المهددة بخطر "داعش"، نظراً لتنامي التيارات الإسلامية فيها، وخصوصاً تلك المتطرفة منها.

مراكز الأبحاث الأميركية تلمست خطر "داعش" على الأردن، فحذّر "معهد واشنطن" من استهداف وشيك للمملكة الهاشمية، "بالتزامن مع تنامي قلق الدول الغربية من ارتداد وعودة المقاتلين الاجانب لبلدانهم". ورأى المعهد ان الاردن "يعاني من تنامي التهديد .. يعززه تجذر قوى الجهاد السلفية (التي) ارسلت مقاتليها الى سوريا ويخشى عودتهم .."، فيما رأى معهد "ستراتفور" الاستخباري ان "داعش" عازم على التمدد في الأردن "البوابة الوحيدة (المطلة على البحر) للدولة الاسلامية في العراق والشام .. بالرغم من جملة قيود وعقبات ميدانية تعترض مساره،" مستنداً بذلك الى قاعدة دعم "هامة من السلفيين والجهاديين .. تمكنه من شن هجمات في الاردن متى شاء،" مقارنةً بدول أخرى إذ "لا يستطيع الانتشار في تركيا، أو التوجه إلى لبنان."

بذلك، تصبح الأردن مضطرة إلى إعادة النظر بسياساتها السابقة تجاه الأزمة السورية والتنظيمات الإسلامية المشاركة فيها.

تركيا: التكتيك على حساب الاستراتيجيا
  انتظرت تركيا 20 يوماً لتعلن معارضتها الشديدة لانفصال اقليم كردستان عن العراق، ولا يبدو القادة في أنقرة مستثارين إلى حدٍ كبير من خطوة "داعش". استقلال كردستان لطالما كان كابوساً يؤرق الساسة الأتراك، ولكن حسابات التكتيك السياسي تبدو مربحة لهم، وإن كان الخطر الاستراتيجي ليس أقل من خسارة تركيا لجزء من أراضيها.

صحيفة " راديكال" نقلت عن حسين تشيليك نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم أن تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال العراق ليس مدعاة قلق لتركيا. ولكنها في السابق "كانت سبباً لإعلان الحرب، فالتلفظ بكلمة كردستان كان ممنوعاً، لكن في حال تقسيم العراق ويبدو أنه أمر لا مفر منه فإن الكرد هم إخوتنا". 

صحيفة "ميلليات" هي الأخرى تحدثت عن تغير موقف تركيا لجهة التعامل مع كردستان. الأجواء نفسها تنقلها الصحف الأميركية، حيث قالت "نيويورك تايمز" إن "الأكراد هم الحليف الأفضل لتركيا في العراق، إن لم يكن في المنطقة بأسرها"، وإن الثمرة الوحيدة لسياسات الثنائي أردوغان وأوغلو هي تمكنهما تدريجياً من "تحويل مشاعر مرارة الأتراك تجاه طموحات الاكراد إلى مصالحة وتحالف معهم في نهاية المطاف، جسّده اتفاق تصدير النفط عبر تركيا".

واشنطن وطهران: يد تصافح ويد تصارع
  منذ اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، والحديث عن "الفوضى الخلاّقة"ظن لا يتوقف. المصطلح الذي بات متداولاً حد الملل يجد ترجمته من خلال ترك تفاعلات التناقضات لطبيعتها وللوقت، حتى تنتج قوانينها الخاصة بحسب موازين القوى. واليوم وجدت واشنطن نفسها أمام فرصة لاستعادة بعض النفوذ في العراق، خصوصاً وانها تفاوض إيران في الملف النووي.

ومع اقتراب "داعش" الى نحو مئة كيلومتر عن أقرب نقطة إلى الحدود الإيرانية، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام فرصة لابتزاز إيران، واستعادة جزء مما خسرته في الساحة العراقية بعد انسحاب قواتها، وعدم رضاها على سياسة المالكي تجاه الأزمة السورية.

حاولت واشنطن حصر التنسيق مع إيران في تبادل المعلومات الأمنية فقط، على أن تعود هي إلى ممارسة الدور الأساسي في مساعدة العراق لمحاربة "داعش"، واللعب على عامل الوقت لابتزاز العراق أيضاً.

رفضت إيران ذلك، معلنة قدرتها على محاربة الإرهاب، واستعدادها لمساندة العراق، وتدخلت سوريا عبر طلعات سلاح الجو لضرب أهداف داخل الأراضي العراقية، ما أتاح الفرصة أمام الجيش العراقي لاستعادة زمام المبادرة من جهة، وسحب ورقة الضغط هذه من يد واشنطن، التي سارعت إلى إبداء استيائها عبر وزارة الخارجية التي قالت: "لا نحبذ تدخل سوريا في العراق لإعتبارات إستراتيجية رغم الفائدة التكتيكية حالياً".

إلا أن واشنطن ملزمة بمساعدة العراق بحسب الاتفاقية الأمنية بين الاثنين، والتي كان الأميركيون يتوقعون الحصول من خلالها على نظام سياسي موالٍ لهم، وبالتالي فهي اليوم مضطرة للتدخل من جهة، وقلقة من العودة إلى وحول المنطقة من جهة أخرى.

الناطقة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف أعلنت انه في الوقت الذي يشكل فيه "داعش" عدواً مشتركاً للولايات المتحدة وإيران والعراق وسوريا فإنها (الولايات المتحدة) لا تشترك مع سوريا وإيران في المصلحة الإستراتيجية.

بدوره، وزير الخارجية جون كيري حاول التهرب من مسؤولية بلاده في ما وصل العراق إليه، قائلاً: "لسنا السبب في أحداث العراق.. ولن ندفع بأي قوات عسكرية".

مهما يكن، فإن الولايات المتحدة ستشارك في محاربة داعش، لا مفر من ذلك، ولكن دعواتها وحليفتها بريطانيا إلى حكومة وحدة وطنية عراقية تترك الباب مفتوحاً امام عدة احتمالات، فهل ستكون هذه المشاركة إلى جانب حكومة المالكي؟ أم ينتظر الغرب تشكيل الحكومة التي طالب بها ليمد يد المساعدة؟

موسكو أيضاً سارعت إلى تمتين نفوذها المتصاعد في المنطقة، أتمت صفقة طائرات مقاتلة من نوع سوخوي 25 مع العراق، وأعلنت أنها تريد علاقات جيدة مع عراقٍ موحد وقوي، كما جاء في تصريح وزير خارجيتها سيرغي لافروف لمناسبة الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين موسكو وبغداد. غير أن موسكو لا تصدر ضجيجاً كثيراً حول أحداث العراق، ربما بسبب نجاح خطة الإشغال التي حركها الغرب في أوكرانيا، وربما أيضاً لأنها مطمئنة لفاعلية الحلفاء في الشرق الأوسط وقدرتهم على الثبات بعد الجولتين الإنتخابيتين في سوريا والعراق.

أبعد من الإقليم

  لم تنفصل أحداث بلاد الشام يوماً عن أحداث مصر، وبالاتجاه المعاكس، يكون للتغيير الذي أحدثه فوز عبد الفتاح السيسي بالرئاسة المصرية أثره البالغ في التعاطي مع أحداث العراق الأخيرة.

والحديث عن السيسي هنا يعني تبدل الرؤى الاستراتيجية المصرية حيال تحالفات القاهرة الدولية، ومحاولة استعادة الدور المصري القديم في المنطقة. ومن دون المبالغة بقدرة مصر اليوم على التحول إلى سياسة خارجية مستقلة وداعمة للقضايا العربية، يمكن القول إن البلاد بدأت مساراً جديداً عنوانه الإنفتاح على الجميع، وتخطي المحظورات الأميركية والإسرائيلية السابقة، من دون القطع مع واشنطن. وعليه فإن أولى نتائج هذا النسق الجديد في السياسة الخارجية المصرية يتمظهر بمسارعة كيري إلى زيارة القاهرة، بالتوازي مع تحسن علاقات الأخيرة مع كل من طهران وموسكو، ومع خطوة السيسي باتجاه الجزائر لإعادة ابتكار نواة موقف عربي قوي يكون ذخراً له في ولايته الأولى.

إن خسارة مصر المتوقعة والتي لم تحدث بعد –بعيداً عن السيناريوهات السينمائية الدراماتيكية- تعني للولايات المتحدة أن هناك ضرورة كبرى لإعادة التوازن في مكان ما من الشرق الأوسط، وهذا ما يعزز أهمية الاستفادة من تمدد "داعش" لاستعادة دور مفقود لمصلحة المحور الآخر.

وتزداد اهمية العلاقة المصرية الجزائرية، والتحول المصري الواعي والبطيء، بالنظر إلى الوسائل المستخدمة في المعركة على العراق، وقبله على سوريا. إن الوسيلة الأبرز بيد داعش ومحركيها هل التركيز على العصبية الطائفية، والبحث عن بيئات حاضنة للتطرف الداعشي بوجه الطوائف الأخرى في المنطقة؛ ومن الطبيعي أن يكون الترياق لهذا السم، موقف يرتكز إلى العروبة، ورفض الإنقسام والتقسيم على أساسٍ طائفي، وهذا تحديداً دور الجزائر وسوريا، ومصر وفي قلبها الأزهر، والعراق وفيه المرجعية الشيعية العليا وشيوخ السنة الذين أعلنوا منذ اللحظة الأولى مساندتهم للجيش العراقي في وجه "داعش".

استنتاجات
  يحتاج العراق إلى حملة إصلاح سريع تسير بالتوازي مع استعادة الجيش زمام المبادرة في حربه مع الإرهاب، كما يحتاج إلى التركيز على استيعاب المتطوعين من كل فئات الشعب في الجيش، وعدم السماح باستهداف القوات الامنية العراقية بخطابٍ طائفي، إضافة إلى استثمار الالتفاف الديني من كافة الفئات حول المؤسسات الأمنية الرسمية.

إلى جانب ذلك، لا بد من تعميق الصلات بالدول العربية التي تعاني من العدو نفسه، وفي طليعتها مصر والجزائر وسوريا، فضلاً عن التعاون مع الجهات الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة في مواجهة التطرف وأدواته.

ولا شك في ان من يدفع ثمن الأحداث الحالية في دول المنطقة هم المواطنون بالدرجة الأولى، لذلك فإنه من الاولى إشراك المواطنين ببرامج مكافحة الإرهاب على الصعد كافة، في سبيل إعادة اللحمة الضرورية للنسيج الإجتماعي في العراق والمنطقة.

كما ان باستطاعة العراق الاستفادة من التهديد الذي يشكله "داعش" لدول المنطقة، والانطلاق في مرحلة جديدة من العلاقات القائمة على وحدة العدو، ما يؤدي إلى محاصرة المتطرفين، وتعرية القوى الداعمة لهم.

وبما أن الخطر المتأتي عن تمدد "داعش" الأخير ليس عسكرياً وإنما هو الفتنة الطائفية التي تفسح المجال أمام احتمالات كارثية في المنطقة، فإن المعالجة الفضلى تكون بالعمل على المدى الطويل في عزل الفكر المتطرف بين شعوب المنطقة.

بهذا فقط، يمكن تجنب السيناريو الدائم للأفلام الهوليودية الطويلة، حيث يفتك المستذئبون بالبشر طويلاً، ثم يأتي البطل الأميركي ليخلص البشرية منهم.

إن أحداث العراق الأخيرة مرشحة لأن تشكل الحفل الختامي لما سمي بالربيع العربي، من خلال توسيع رقعة المواجهة لتستوعب تدمير الأدوات القديمة التي استخدمت خلال السنوات الثلاث التي مرت، ومنها "داعش"؛ كما هي مرشحة لأن تكون بداية مشروع تفتيتي جديد لا يستثني خطره أحداً من دول المنطقة. للحوار الإيراني-السعودي دور مركزي في اختيار إحدى الوجهتين لمسار الأحداث.


____________________________________________
أرقام الإنفاق العسكري مأخوذة من الكتاب السنوي لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي عن "التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي لعام 2013".

الثلاثاء، 17 يونيو 2014

قسيم العراق.. ابحثوا عن السعودية ... الدور السعودي في الفصل الجديد من محنة العراق

    يونيو 17, 2014   No comments
السعودية تجد نفسها اليوم معنيّة بصورة مباشرة بقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة
فؤاد إبراهيم

ناشط وباحث سياسي _ السعودية

تضافر الذاتي والموضوعي والمحلي وتالخارجي ليؤول الى وقوع العراق تحت خطر الانفلاش بعد سيطرة داعش بخليطه البعثي والتكفيري والقاعدي على محافظة نينوى وتهديده محافظات أخرى بعد سيطرته على اجزاء منها مثل صلاح الدين وديالى وصولاً الى أطراف العاصمة بغداد

فيما يُستأَنَف قرعُ طبول الفتنة مجدداً على امتداد المشرق العربي، ثمة ما يلفت الى الدور السعودي في الفصل الجديد من محنة العراق. ولأن السعودية تجد نفسها اليوم معنيّة بصورة مباشرة بقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة، فما توافر لديها من معطيات يجعلها طرفاً مستهدفاً في المرحلة المقبلة. ويمكن هنا رصد أهم المعطيات:


أولاً: الخسائر المتعاقبة التي لحقت بالسعودية منذ إلغاء الضربة العسكرية الاميركية على سوريا في أيلول العام الماضي، الذي سجّل انتصاراً كبيراً لمصلحة المعسكر الآخر الممتد من ايران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى لبنان ومعه فلسطين، الى جانب بطبيعة الحال روسيا والصين.

وتتمثل الخسائر في:
1 ـ الانجازات العسكرية التي حقّقها الجيش السوري خلال عام، والتي أحبطت، في النتائج، رهان إسقاط النظام، ودفعت القيادة السعودية في نهاية المطاف الى إصدار أمر ملكي في 3 شباط الماضي بتجريم المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في الخارج. وبدا واضحاً منذ الأمر الملكي تراجع الخطاب السعودي بالرغم من مواصلته دعم الجماعات المسلّحة في سوريا، في سياق دفع شرورها لا على سبيل استكمال شروط إسقاط النظام..

إن انسداد أفق المعارك في سوريا، وتالياً وقف الدعم عن الجماعات المسلّحة، وخصوصاً تلك التي تضم في صفوفها آلاف المقاتلين الأجانب، وتلاشي البيئات الحاضنة لهم تدريجاً في المناطق السورية، وتخلي الرعاة الخليجيين عنهم، دفعت جميعها بهم إلى البحث عن ساحات قتال أخرى ناضجة، أو يمكن إنضاجها على وجه السرعة لناحية امتصاص الفائض البشري من الجماعات المسلّحة، التي وجدت نفسها أمام طريق مسدود، فإما القتال دونما أفق واضح، أو البحث عن بدائل تنطوي على احتمالات التعويض المعنوي..

2ـ الانتصار الكاسح الذي حقّقه ائتلاف دولة القانون في العراق برئاسة نوري المالكي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في مقابل هزيمة ماحقة تكبّدها حلفاء السعودية مثل إياد علاوي وأسامة النجيفي.. بكلمة أخرى، وفي المحصلة ترى السعودية نفسها أكبر الخاسرين في انتخابات العراق الأخيرة، لكونها تمنح خصمها اللدود نوري المالكي فرصة مريحة لنيل أصوات كافية لاختياره لولاية ثالثة.

وهنا لا بد من وقفة عند كلمة تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة سابقاً، الذي يعمل هذه الأيام بمثابة ناطق إعلامي باسم شقيقه سعود الفيصل، وزير الخارجية، في الجلسة العامة لمؤتمر الأمن، الذي نظّمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في 22 نيسان الماضي. تحدّث تركي الفيصل بصيغة التحذير بأنه «في حال فوز نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته، في الانتخابات التي يجري الإعداد لها في الفترة الراهنة، سوف يقسّم العراق».

لم تكن مجرد توقعات أوردها الأمير تركي في كلمته، بل هي رسالة واضحة الى المعسكر الآخر. وطالب دول الخليج بدعم من وصفها بـ (القوى الوطنية العراقية غير الطائفية)، وطالب دول مجلس التعاون الخليجي (باستعادة العراق ومساعدته على العودة إلى المحيط العربي لأهميته في الأمن الإقليمي للمنطقة).

ترجمة هذه التصريحات لا تتطلب جهداً ذهنياً خاصاً، فقد تكفّل كتّاب سعوديون بإفشاء المخبوء فيها. على سبيل المثال، كتب سعد بن عبد القادر القويعي في صحيفة (الجزيرة) السعودية، التي وصفت مقاتلي داعش في الموصل بالثوّار، مقالاً في 26 نيسان الماضي يشرح فيه كلمة تركي الفيصل في المؤتمر السالف الذكر حول تقسيم العراق، وقال ما نصّه «أن بقاء – رئيس الوزراء – نوري المالكي في الحكم لدورة ثالثة، سيشجع على تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم «كردية، وسنية، وشيعية»، كما أن عزيمة التقسيم ستقوى، وتتسارع حالما تؤدي انتخابات نهاية الشهر الجاري إلى فوز تحالف المالكي، أو الإجماع عليه من قبل التحالف الشيعي الذي يدعمه».

الطريف في الأمر، لم يلفت انتباه تركي الفيصل ولا شارحي كلمته بأن الحديث يدور حول انتخابات برلمانية تخضع لرقابة دولية، وتلتزم الى حد كبير معايير النزاهة، بمعنى آخر ما يطلبه تركي الفيصل هو الغاء إرادة الناخب العراقي، أو تزويرها، إذا جاءت لمصلحة المالكي!
فما جرى في العراق بعد هجوم داعش على الموصل هو الترجمة العملانية للموقف السعودي، وتحذير تركي الفيصل من فوز المالكي بولاية ثالثة دونه تقسيم العراق الذي بات في عهدة داعش واخواتها.

3 ـ بات معلوماً ما تمثله عودة المقاتلين السعوديين الى الديار من خطورة على المملكة السعودية وعلى أمن المنطقة بصورة عامة. وبات معلوماً أيضاً تفويض وزير الداخلية محمد بن نايف بإدارة ملف المقاتلين السعوديين، بناء على ترتيبات مع الأجهزة الامنية الأميركية (وكالة الأمن القومي، وزارة الامن الداخلي، وكالة الاستخبارات المركزية، وقسم مكافحة الارهاب في البيت الأبيض) وقد التقى رؤساءها في زيارته الى واشنطن في 12 شباط الماضي، حيث كانت المفاوضات قد تطرقت الى «مواضيع اقليمية وثنائية وإلى الالتزام المشترك والعميق بمكافحة الارهاب والمجموعات المتطرفة في المنطقة» بحسب (الحياة) في 13 شباط الماضي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين.

وبصرف النظر عن أداء محمد بن نايف، الذي لا ريب في أنه أفاد من التفويض لناحية ضرب كل الخصوم، وفي مقدمهم الاصلاحيون والناشطون السياسيون والحقوقيون في الداخل، الا أن ثمة ما ظهر لاحقاً، ويشي بمعطيات جديدة، وهي أن الداخلية السعودية لم تضع خطة استيعاب وإعادة تأهيل للعائدين من ساحات القتال، وأن عدد المقاتلين السعوديين العائدين كان ضئيلاً جدا، بل لا يكاد يذكر، ما يشي بتنفيذ الخطة «ب»، إذ أوجدت لهم ساحة قتال بديلة، لما تمثله عودتهم من خطورة بالغة على النظام الذي يعيش أسوأ أيامه، بفعل التصدّع البنيوي العميق نتيجة النزاع المحتدم على السلطة بين الملك والجناح السديري الذي يخسر مواقعه الاستراتيجية لمصلحة أبناء عبد الله، وكذلك السخط الشعبي المتصاعد في ظل تآكل شعبية وهيبة النظام، الأمر الذي يجعل إمكانية انفلات الأوضاع الأمنية راجحة وقد تفضي الى تفكك الكيان.

لم يكن محض صدفة تعاقب التطوّرات بطريقة منظمة، سواء إخلاء المواقع العسكرية، وصدور تعليمات من قيادات عسكرية ومدنية عراقية في الموصل بعدم المواجهة، وانتقال مجموعات مقاتلة من سوريا الى الموصل بصورة منظمة وعاجلة، ولم يكن مشهد قوافل السيارات الجديدة والغالية الثمن (يطلق عليها في السعودية اسم شاصي تويوتا، قيمة الواحدة منها 50 ألف دولار وتستعمل لتثبيت الرشاشات وراجمات الصواريخ) والمحمّلة بالمقاتلين والعتاد المتوسط والمعدّ لمهمة كبرى كالتي دخلت الى العراق كان وليد قرار ساعات أو حتى أيام.

وجد النظام السعودي نفسه محاصراً بوقائع تؤول الى عزله وخنقه، ولم يعد أمامه سوى تخريب المعادلة السياسية العراقية، بعدما خسر الرهان في سوريا. الإذعان لتلك الوقائع يعني حكماً انتظار تمدّد داعش ووصول مقاتليها الى الخليج، وحينئذ سوف يكون الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة من الماضي، فالسيناريو الذي يرسمه الخبراء الاستراتيجيون لهذه المنطقة في حال وصول الجماعات المسلّحة اليها حالك ومخيف. لقد وعد الملك عبد الله في لقاء مع وفد سياسي عراقي عام 2007 بتقديم ضعف ما أنفقته المملكة على نظام صدام حسين في حربه ضد ايران (1980 ـ 1988) من أجل إسقاط حكومة نوري المالكي. وذكر الأخير في لقاء معه في ربيع 2011 بأن زعيم تيار المستقبل سعد الحريري نقل إليه أن الملك عبد الله يرفض أن تبقى عاصمة العباسيين في يد المالكي، وعاصمة الامويين في يد الأسد، لذا لا بد من تحرير إحداهما على الأقل.

المشاريع الحالمة صالحة في ظروف أخرى تكون فيها السعودية قادرة على أداء دور فاعل في النظام الاقليمي، لكن الأخطار المحدقة بالكيان تدفع بها إلى خفض سقف توقعاتها.

في مثل حال الوهن التي يعانيه النظام السعودي، يقتفي الأخير السيناريو السوري بحذافيره في العراق لجهة صرف الأنظار وإفراغ مخزون الغضب الشعبي. فقد كانت المملكة في آذار 2011 على وشك أن تشهد ربيعاً عربياً يتدحرج من منطقة الى أخرى، لكن نجح النظام في حرف مساره، عبر حملة شاركت فيها المؤسسات الاعلامية والدينية والسياسية والأمنية لناحية صنع قضية بديلة، وهي إسقاط «النظام النصيري في سوريا» بحسب الادبيات الوهابية، فنسي كثيرون قضيتهم الخاصة، وحين انهار مشروع اسقاط الأسد في سوريا، بدأت الارتدادات تلوح في الأفق، ومنها تهديدات داعش بالوصول الى داخل المملكة وتصفية الحساب مع (آل سلول)، أي آل سعود بحسب أدبيات القاعدة…فكان العراق بديلاً.

انتشرت بعد السيطرة على الموصل من قبل داعش مقاطع فيديو عديدة على (يوتيوب) لمقاتلين سعوديين كما تكشف عن ذلك لهجاتهم النجديّة والجنوبية السعودية وهم يتفحّصون ما يعدونه غنائم من الجيش العراقي، ويتهكمون على ما يعدونهم أسرى من الجنود العراقيين.. وعاد السعوديون الى تصدّر العمل الانتحاري، حيث يزج داعش بعناصره السعوديين لتنفيذ ما يعتقدونه عمليات استشهادية، حيث بدأها السعوديان ابو سليمان وأبو عوض الجزراوي، وهو اسم حركي لتبدأ موجة الانتحاريين السعوديين..

معطى آخر: مقتل ضابط سعودي على يد القوات العراقية قرب الموصل.. مواقع التواصل الاجتماعي تفيض بروايات عن مقاتلين سعوديين في الموصل وصلاح الدين وديالى وغيرها.. وسوف تتكشف مع الأيام أعداد وأدوار السعوديين في البنية التنظيمية والعسكرية لتنظيم داعش.

على أية حال، لم يتطلب تدجيج المناخ العام في المملكة السعودية بكل عناصر التحريض وشد العصب المذهبي وقتاً طويلاً، سوى تحريك البوصلة قليلاً إلى اليمين باتجاه الشمال الشرقي، فصار العراق ميداناً بديلاً لمشاغلة قطاعات المقاتلين السعوديين على وجه الخصوص، قبل أن ينفّذوا مخطط اجتياح الخليج من البوابة الكويتية، كما أخبروا في بياناتهم الأخيرة، ما دفع بالكويت إلى إعلان الاستنفار العام على حدودها مع العراق.

____________

الأربعاء، 28 مايو 2014

بهجت سليمان السفير السوري المبعد من الاردن: صافحت الملك عبدالله وهنأته بالعيد ولم اتبادل معه اي حديث

    مايو 28, 2014   No comments


بهجت سليمان السفير السوري المبعد من الاردن: صافحت الملك عبدالله وهنأته بالعيد ولم اتبادل معه اي حديث.. يبدو انه فوجيء بوجودي وطلب ابعادي.. يسعدني ان اطرد الى بلدي.. وهناك غرفة عمليات ضد سورية باحد فنادق عمان.. وهذه اسباب حلق لحيتي

كد الدكتور بهجت سليمان السفير السوري المبعد من الاردن ان قرار ابعاده من عمان جرى اتخاذه اثناء انعقاد مؤتمر “اصدقاء سورية” الذي انعقد في لندن يوم الخميس قبل الماضي.
وقال الدكتور سليمان في حديث مع محطة “الميادين” انه تعرض طوال السنوات الثلاث الماضية ومنذ بدء الاحداث في سورية الى مضايقات من الحكومة الاردنية، وقال ان الخلافات مع الحكومة الاردنية بلغت ذروتها في آيار (مايو) عام 2013 عندما انعقد اجتماع لاصدقاء سورية الذين وصفهم باصدقاء اسرائيل في عمان وتصدى له لانه يهدف للتآمر على بلاده.
وشرح طبيعة لقائه مع الملك عبد الله الثاني قبل ابعاده بيومين، وقال انه مصافحة ضمن المهنئين بعيد الاستقلال، وقال له كل عام وانتم بخير، وعلم بعد ذلك انه استدعى رئيس المراسم ووزير الخارجية وحدثت ضجة فربما قال لهم، حسب قول الدكتور بهجت، ماذا يفعل هذا السفير هنا لماذا لم يطرد؟
واعرب الدكتور سليمان عن اعتقاده ان الاردن يريد سفيرا سوريا عبارة عن “شاهد زور”، وان يوافق على كل تدخلاتهم في شؤون بلاده ولا يفتح فمه، وقال ان الاردن استدرج آلاف السوريين لاخذهم الى مركز الاعتقال تحت مسمى لاجئين.
وكشف ان غرفة عمليات مركزية موجودة في احد فنادق الاردن وغرف اخرى على طول الحدود بهدف التآمر على سورية، وقال ان في هذه الغرفة مسؤولون امريكيون وبريطانيون وفرنسيون واسرائيليون واتراك وسعوديون يديرون معظم العمليات العسكرية ضد سورية.
واشار السفير سليمان الى ان هناك آلاف “الارهابيين” في المناطق الحدودية الاردنية السورية، وانهم يريدون اقامة منطقة عازلة في درعا وليس بهدف الوصول الى دمشق، تكون شبيهة بمنطقة سعد حداد في جنوب لبنان وحكومة الاردن تتعاون في هذا الخصوص.
واكد ان الاردن يسمح للمسلمين و”الارهابيين” بالتوجه الى سورية ويريدهم ان يموتون هناك وان لا يعودوا، وهذا سبب قصف قافلة منهم كانت تعبر الحدود الى الاردن.
وقال انه كسفير وكشخص لم يسيء مطلقا للشعب الاردني او جيشه او عشائره، ولكن عندما يتعرض احدهم لسورية او رئيسها فانه لا يتردد في الرد فلدى السوريين كبرياء وشموخ لا يمكن التنازل عنهما.
واعترف انه كان يريد تحويل يوم الانتخابات الرئاسية الى مهرجان كبير ويضع صندوق اقتراع شرفي للمواطنين الاردنيين والعرب للتصويت والتعبير عن رأيهم خاصة اولئك الذين قالوا انهم سينتخبون الرئيس بشار الاسد لانه ضمانة لامن سورية وامن سورية من امن الاردن، كما اعترف بانه كان يقيم ندوات في منزله يحضرها حوالي 150 شخصا من مثقفي الاردن يتم تبادل وجهات النظر فيها.
وتساءل السفير سليمان بان البرلمان الاردني صوت بالاجماع على طرد السفير الاسرائيلي من عمان، فلم تلتزم الحكومة بقرار ممثلي الشعب، ولكنها اقدمت على طردي كسفير لسورية وقال كيف يتم تفسير هذا التناقض.
وقال ان الاردن وضع سلسلة من الشروط على اي سفير جديد لسورية، وقال انهم يريدون ان يكون هذا السفير مندوب علاقات عامة يحضر الحفلات، وان يشكر اي احد يهاجم سورية.
وعندما سئل عن دوره الجديد المستقبلي بعد ابعاده قال انه جندي يخدم بلده منذ 40 عاما وحارب مرتين في مواجهة الاسرائيليين مثلما خدم في المجالات الامنية والعسكرية والسياسية والفكرية وسيقبل اي مهمة يتكلف بها.
وعندما سأله المذيع كمال خلف الذي اجرى اللقاء عن اسباب حلقة للحيته بعد ابعاده، قال انه اولا لا يكره كلمة “طرد” التي استخدمت، فليس هناك اجمل من ان يطرد الانسان الى وطنيه، وثانيا قرر ان يطلق العنان للحيته طالما انه خارج وطنه، وسيحلقها فور عودته وهذا اول شيء فعله بعد دخوله الى بيته!

الاثنين، 24 مارس 2014

متى يحين أوان المراجعة كي لا نصل إلى «الانتحار الذاتي»؟

    مارس 24, 2014   No comments
ابراهيم الأمين

سيكون أمام باحثين جدّيين مجالات كثيرة ووقت أكثر لدرس واقع لبنان خلال العقد الأخير. وسيكتشف الناس بعد وقت، قصير أو طويل، حقائق لا يعتقدون اليوم بوجودها. كما سيظلّ الوقت مفتوحاً أمام علمانيين، أو لاطائفيين، لإظهار عناصر القوة في خطابهم، علّهم يجذبون الشارع صوبهم.
لكن السؤال الملحّ، اليوم، هو الأزمة الهائلة التي تعصف بمشرقنا العربي، على خلفية صراع سني ــــ شيعي. هكذا هو شكله اليوم. من دون مواربة أو احتيال. والسؤال الأكثر إلحاحاً يتعلّق بقسم كبير من المتبنّين للمذهب السياسي ــــ السني، ويخوضون معركة ضد إيران وحزب الله، وصار قسم منهم يتعامل مع الشيعة على أنهم أعداء لهم.

النقاشات الهادئة قليلة مع أصحاب هذه الوجهة. وقلّما يتاح إحداث خرق يسمح بمجرد التواصل، بحثاً عن فهم أدقّ لخلفية الموقف. ولأن الأمر يلامس مرحلة الانتحار الذاتي عند قسم من هؤلاء، وجب نقل النقاش الى العلن، ووجب دفع الأمور صوب النهاية، بعدما صار الموت انتحاراً هو خيار هؤلاء. وهنا لا مجال للتشاطر، ولا للتستّر خلف أوهام. ولا حتى التغاضي عن حقائق قائمة.
في العقل الجمعي للمنتمين الى «السياسية السنية»، هناك تصورات عامة حكمت السلوك الجمعي. وافق هؤلاء على أن تمثّلهم قوى دينية وسياسية واقتصادية، ظهرت على شكل دول وحكومات وقوى وتيارات وهيئات، وهي التي تقود هذا الشارع منذ عقود عدة. وأبرز هؤلاء مملكة آل سعود وشقيقاتها في الخليج العربي، وحكّام دول أخرى عاشوا على دعم هؤلاء، ورجال أعمال تقرّر أن يصبحوا رؤساء دول وحكومات وتيارات سياسية، بأمر من هؤلاء أيضاً. وبعد كل ما مرّ، لم يحصد هؤلاء سوى الفشل والخيبة. لم ينجحوا في بناء دولة، ولا في رفع مستوى الناس، ولا في تقدم علمي حقيقي، ولا في بناء اقتصاد حقيقي، ولا في بناء جيش قوي. وهم، اليوم، يفقدون مواقعهم واحداً تلو الآخر، وإذا ما استمرت السياسات نفسها، فحتى مواقع نفوذهم في الخليج العربي ستسقط خلال أقل من عقد على أبعد تقدير.
الانتفاضة الأولى على هذا العقل الحاكم باسم الدين جاءت من أتباع الدين نفسه، وقامت على شكل قابل للاستخدام. هذا ما حصل يوم التزمت ممالك الجزيرة العربية مشروع مواجهة الشيوعية بوصفها الوباء، وتدرّج الأمر حتى حدود معركة أفغانستان، لينتهي الأمر الى بناء دولة متخلّفة تحت حكم «طالبان» ممثلة السلف الصالح كما يعتقدون. قبل أن تصبح، وسريعاً جداً، عبئاً على أهلها وعلى رعاتها. وتكون النتيجة انتفاضة من قبل المدرسة، باسم تنظيم «القاعدة»، بوصفه أداة ثورية عالمية لهذه القاعدة الاجتماعية الملتحقة بالفكر الديني والعقائدي نفسه السائد في الجزيرة العربية. وما لبثت هذه الثورة العالمية أن أدخلت نفسها في مغامرة، ليس فيها شيء من الحسابات المنطقية. برغم مشروعية الكثير من شعاراتها، وانتهى الأمر بها طريدة، تديرها الفوضى التي منعت شيخها الراحل أسامة بن لادن حتى من تصحيح بعض الأخطاء. وها هي، اليوم، أداة للاستخدام في حروب العالم الكبيرة.
وفي لبنان، حاولت هذه العصبية العالمية تقديم نموذج مدني لها، من خلال تجربة رفيق الحريري، انتهت الى مشكلة بينه وبين ثلثي اللبنانيين قبل مقتله، بطريقة تشير الى طبيعة الصراع. ومن ثم بدأ انهيار إمبراطورية ذات جذر مالي قوي، وبقيت منها عصبية تعيش مرحلة الأفول. وهي حاولت اللجوء الى وعاء أيديولوجي من خلال تيارات دينية بدت غريبة عن طبيعة أهل المنطقة، ثم ما لبثت هذه التيارات أن تمردت، ولو على دفعات، معلنة خروجها عن طاعة ولي الأمر.
جاء «الربيع العربي» ليفتح الباب أمام تجارب أخرى. لكن الصدمة تمثلت في خطأ قاتل ارتكبه تيار «الإخوان المسلمين» الذي استسلم لغواية السلطة، بديلاً من سؤال الهوية الوطنية، والبرنامج الاقتصادي البديل، والمشاركة رداً على العقل الإقصائي الذي طارد هذه الجماعة سابقاً. ثم ارتكب هذا التنظيم العالمي خطأً قاتلاً آخر، بقبوله تأجير حراك الشارع العربي لمصلحة أنظمة متخلفة وبالية وغير مستقلة، فأعيد الشارع الى حضن ممالك الجزيرة العربية، لينتهي به الأمر شلالاً من الدماء، كما هي الحال في ليبيا ثم في سوريا ولبنان.
لا حاجة الى استعراض ما يمكن لهذا العقل الجمعي أن يرى فيه استفزازاً وتحدياً له، من نجاح ثورة إيران في بناء دولة قوية، قابلة للعيش والتطور، وقادرة على مواجهة العالم كله، وخوض معارك قاسية عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية وإعلامية، مع نتائج فيها الكثير من الربح والقليل من الخسائر. والتحول الى رمز لعقل جمعي آخر، يخص أتباع «الشيعية السياسية»، الى نجاح هذا التيار في انتزاع حكم العراق، بكل ما فيه من مشكلات بنيوية وعقلية قد تقود الى كوارث، إلى نجاح تجربة حزب الله كقوة مقاومة صارت لاعباً إقليمياً مهماً، وصولاً الى حماية أبرز الحلفاء في سوريا اليوم.
هذه النتائج المقابلة ربما تعزز الإحباط لدى المنتمين الى العقل الجمعي لأتباع «السنية السياسية». لكن السؤال الحقيقي عند الفرد وعند المجموعة وعند الجماعة من هذا التيار هو: أين يقع الخلل؟ هل هو في أصل الفكرة، أم في المعتقد السياسي ــــ المذهبي، أم في القيادة، أم في آليات التفكير والعمل، أم في الأدوات والحلفاء؟
ما نراه اليوم، من سياسة مملكة آل سعود، وشقيقاتها في الجزيرة العربية، الى حالة «الإخوان المسلمين» في كل العالم العربي والإسلامي، إلى تفرعات «القاعدة» وأخواتها، الى الوجوه الغريبة التي تنشط في سوريا وليبيا وسيناء، الى حالات مدنية مثل أحزاب العدالة والتنمية في تركيا وبقية العالم، الى تيار المستقبل في لبنان. كل هذه القوى تتبع سياسة تعني أن هؤلاء لا يزالون اليوم، وبعد عقد من الزمن، وخسارة كل هذه المشاريع، وفشل كل هذه البرامج، يصرّون على رفض المراجعة وعلى القول: لقد تم إفشالنا!
ليس بمقدور أحد إقناع آخر، أي آخر، بالتراجع الى الخلف بقصد التفكير والمراجعة. وليس بوسع إيران تعديل مزاج هذا الشارع. كما ليس بمقدور شخص مثل السيد حسن نصر الله، اليوم، إقناع جمهور هذا التيار الواسع، بمغادرة هذا المشروع. وليس منطقياً أن يفكر بأمر كهذا، وإن كانت استحقاقات كبيرة تنتظره وحزبه في كل العالم. إلا أن السؤال يعود ليرمى في وجه من يجب أن يتحمل المسؤولية عن مصيره.
السؤال، اليوم، هو برسم كل كاره لحزب الله، وكل رافض لإيران، وكل مشكك في حقيقة أن المقاومة تستهدف القضاء على إسرائيل، وكل مقتنع بأن محور بيروت ــــ دمشق ــــ بغداد ــــ طهران ــــ موسكو، هو محور الشر بعينه. وعلى صاحب هذا الشعور، أو هذه الوجهة، أن يهدأ. وأن يجلس مع نفسه قليلاً، وأن يفكر من دون توتر، مثلما يفكر عندما يختار مدرسة لابنه، ومثلما يدقق عند اختياره لمسكنه أو عمله، ومثلما يحسب تجارته، وأن يدرس الأسباب والمقدمات والنتائج.
وفي ترجمة لهذه الحالة عندنا في لبنان، يفترض بمن هو حامل لهذا الموقف أن يتوقع المزيد من النار. سينتقل القتال الى داخل البيت الواحد. وستتقاتل مجموعات هذا التيار في ما بينها، كما بدأت الأمور في طرابلس، وكما تشتعل النار بصمت، ولكن بقوة، في عرسال وقرى البقاعين الأوسط والغربي، وكما هو الترقب والقلق في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو النازحين السوريين في لبنان.
ما يحصل اليوم، هو مرحلة جديدة عنوانها تصفية الحسابات بين الفاشلين أنفسهم. وسيسعى الكبار من هؤلاء، الذين يتسمون بانتهازية كبيرة، إلى الحفاظ على مواقعهم، بأن يجعلوا الناس يدفعون الثمن عنهم. فيجعلون كوادرهم كبش محرقة. ويتذرعون بالعجز عن العون، بينما هم يكدسون الأموال المنهوبة في جيوبهم. ويسعون الى رفع سقف خطاب التعبئة والتحريض، خشية أن يبتعد المصلّون عن مساجدهم.
السؤال اليوم أمام هؤلاء، ليس: لماذا نكره حزب الله؟ بل لماذا نفشل في مواجهته؟
لا نفع، هنا، لكل ترهات عن اندساس عناصر المخابرات السورية بينهم، أو عن دخلاء بعث بهم حزب الله، ولا عن جيش متغطرس تقوده الدولة الصفوية. كل هذا الكلام لن ينفع في شيء. كما لن تنفع الحريرية أي محاولة لرفع الصوت تحريضاً بقصد كسب الشارع المتوتر. ومن لا يجيد القراءة، فليتعلم من خصمه، وحتى من عدوه. لا أن يبقى أسير فكرة تجعله يهرب الى الأمام، منتقلاً من هزيمة الى أخرى، وإلى حيث يرى في الانتحار قتلاً، خياراً وحيداً للانتساب الى دار الله!
_______
 الأخبار

السبت، 8 مارس 2014

وثائق حول دور «أبو مازن» في «جنيف 2»: نصح أوباما ببقاء الأسد

    مارس 08, 2014   No comments
سامي كليب

لم ينتبه كثيرون الى عبارة خطيرة وردت في خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمام المجلس الاستشاري الأخير لحركة «فتح»، عندما أشار الى أن «مشروع جنيف 2 صناعة فلسطينية». قد يكون في التوصيف بعض مغالاة، لكن فيه، أيضاً، كثيراً من الواقعية تكشفها وثائق توفّرت مؤخراً حول دور «أبو مازن» في الدفاع عن سوريا والمساهمة في اطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في أعزاز. ولعلّ هذا الدور، الذي بقي بعيداً من الاضواء، اكتسب أهمية خاصة أيضاً لأنه تزامن مع الاتهامات السورية لحركة «حماس» بالتورّط في الحرب. أمر مهّد لعلاقة اشتدت أواصرها لاحقاً مع القيادة السورية

ليس محمود عباس طارئاً على سوريا. عرفها مذ وصلها يافعاً مع اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة. لا يزال، حتى اليوم، يرسم للبلد الشقيق والمضيف صورة مشرقة يذكرها كلما طاب له ذكرها. حين غرقت سوريا في حربها، اختار «ابو مازن» ان يبحث عما يصلح ذات البين وينحو صوب حل سياسي. أدرك عباس، ذو التجربة الطويلة في العمل السياسي، أن من مصلحة الفلسطينيين المقيمين على الاراضي السورية أن يبقوا في منأى عن الصراع، لكنه لم يفلح كثيراً في منعهم من الغرق فيه. كانت تدخلات اخرى في المخيمات، وخصوصاً اليرموك، أقوى من مساعيه.

سعى عباس، بداية، الى ربط علاقات مع بعض اطراف المعارضة الداخلية. كانت الاتصالات الاولى مع هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة، وتحديداً مع كل من حسن عبد العظيم ولؤي حسين والدكتورة منى غانم وزيرة شؤون الاسرة سابقاً وامينة سر تيار بناء الدولة. أرسل موفدين الى دمشق تحت غطاء بحث الملف الفلسطيني. أسند ربط الخطوط من دمشق الى بيروت فعمان الى الناشط الفلسطيني نضال السبع، ابن المناضل سعيد السبع اول مدير لمكتب منظمة التحرير في الجزائر والسودان وممثل فلسطين في مؤتمر القمة العربي الذي عقد بعد نكبة 1967 والمجاهد الى جانب الشهيد عبد القادر الحسيني.

بقرادوني على الخط

كانت فكرة «ابو مازن» انه لا بد من حوار سوري ــــ سوري. سعى حثيثاً الى ذلك. لكنه بحث، ايضاً، عن كيفية اعادة ربط بعض خيوط الاتصال بين القيادة السورية وكل من المشير عبد الفتاح السيسي في مصر والرئيس الاميركي باراك اوباما.
زار الوسيط الفلسطيني دمشق في 7 آذار 2013. قصد رئيس جهاز الامني القومي اللواء علي المملوك. جرى بحث في الاحتمالات. كان المملوك قد أعدّ نسختي «دي في دي» تحتويان الكثير من المعلومات المتعلقة بعمليات «القاعدة» في سوريا وصوراً لبعض العمليات الخطيرة. سلّمت إحدى النسختين الى الوزير السابق ورئيس حزب الكتائب سابقاً كريم بقرادوني الذي كلف بنقلها الى «ابو مازن» في عمان. كان بقرادوني على خط بعض الاتصالات مع المعارضة الداخلية السورية بغية البحث عن قواسم مشتركة بينها وبين القيادة السورية. بعض الاجتماعات لأطراف المعارضة حصلت في منزله في بيروت.
في مرحلة لاحقة، بلورت القيادة الفلسطينية في رام الله مشروعاً لحل سياسي قدّمته الى هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة. ارسلت نسخة منه الى منسق هيئة التنسيق في المهجر هيثم منّاع. كانت النصيحة الفلسطينية ان تتوحّد هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة والمعارضة الداخلية في جبهة سياسية واحدة لتشكيل نواة صلبة وتوسيع هامش المعارضة. تزامن ذلك مع فتح قناة اتصال بين لؤي حسين والشيخ معاذ الخطيب رئيس «الائتلاف السوري المعارض» يومها. ساهمت الاتصالات في اقناع الخطيب بالمجاهرة بالاستعداد للحوار مع النظام. اعتقد البعض ان اميركا نصحته بذلك. نفت واشنطن ليتبين ان ناصحيه هم فلسطينيون.
حصل لقاء، بالصدفة أيضاً، في أحد فنادق عمان مع الرئيس الحالي لـ «الائتلاف» أحمد الجربا. كان الوسيط الفلسطيني هناك مع وفد تيار بناء الدولة.
توالت خطوات معارضة الداخل لتشكيل نواة صلبة للمعارضة، واقناع معارضة الخارج بتوسيع النواة والاتجاه نحو حل سياسي تفاوضي. عقد في جنيف «مؤتمر جنيف للمعارضة الديمقراطية السورية» يومي 28 و29 كانون الثاني 2013، أعقبه اجتماع «الحلف المدني الديمقراطي» يومي ٢ و٣ آذار الماضي. صاغ الحلف مبادرة تفيد بقبوله «عدم وضع شروط مسبقة للحوار مع النظام»، لكنه اضاف «ضرورة ان يكون للحوار عنوان واضح هو الدخول في مرحلة انتقالية، اعتماداً على بيان جنيف ١ والوصول، عبر التفاوض، الى حكومة بصلاحيات كاملة وإنتخاب رئيس جديد».


نضال السبع يسلّم عباس هدية علي مملوك
تلقى الوسيط الفلسطيني نسخة من البيان الختامي. ناقشها مع بقرادوني. تبيّن أن فيها الكثير من النقاط الايجابية التي يحتمل أن يوافق النظام عليها. صيغت من البيان ثماني نقاط نُقلت الى اللواء المملوك الذي سرعان ما سأل الوسيط: «من اين جئت بها؟». بعد ثلاثة ايام جاء الجواب من القيادة السورية: «الورقة جيدة، ولكن دمشق تتحفظ عن بند الحكومة بصلاحيات واسعة، كما يحق للرئيس بشار الاسد ان يترشح في أي انتخابات رئاسية جديدة». نصح المسؤول السوري، كذلك، بضرورة ان يشدد «ابو مازن» في لقاءاته الدولية على دور «القاعدة» وتنامي الارهاب في سوريا.
تلقت منى غانم التحفظات السورية. استهجنت، بداية، صياغة البنود الثمانية، وسألت من اين جاءت. قال الوسيط انها خلاصة بيان الحلف المدني الديمقراطي في فرنسا. قالت: «اننا متمسكون بنقاط البيان، بما فيها ما يتعلق بالصلاحيات والرئيس».

عباس لأوباما: فليترشح الاسد

سجل الوسيط الفلسطيني التحفظات وأرسل الورقة ببنودها وتحفظاتها الى الرئيس عباس في ١١ آذار ٢٠١٣. ذهب بعدها بيومين الى موسكو، وقدّم الورقة الى الرئيس الروسي. اهتم فلاديمير بوتين بالاقتراحات. وسّع الاجتماع ليضم كلاً من وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف بوصفهما المكلفين من الكرملين بمتابعة ملف الازمة السورية.
عاد عباس من موسكو ليستقبل بعد اسبوع، وتحديداً في ٢٠ آذار ٢٠١٣ الرئيس الأميركي باراك أوباما في رام الله. قال له ابو مازن: «هذه ورقة تحوز بالحد الأدنى على موافقة كل الأطراف». توقف أوباما عند تحفظات النظام على بندي المعارضة بخصوص الصلاحيات وعدم ترشح الاسد. سارع عباس للنصح بتجاوز الشروط المسبقة. قال: «ليطرح هذا الموضوع للتفاوض في جنيف ٢، فحين نذهب للتفاوض يجب ان لا نحدد ما يجب ان نختلف او نتفق عليه مسبقاً».
قال اوباما ان من الصعب القبول بترشح الاسد، فردّ ابو مازن: «لنعتبر ان المواطن السوري بشار حافظ الاسد يريد الترشح، كيف ستمنعه؟ لننتظر ماذا تقول نتائج صندوق الانتخاب». بدا أوباما موافقاً على تجاوز هاتين النقطتين. لاحقاً، قال الرئيس الفلسطيني لبعض المقربين «ان قضية ترشح الاسد سُحبت من التداول الدولي، ولم تعد السبب الذي يحول دون جلوس مكوّنات الازمة السورية على طاولة التفاوض الحر». ثمة من نقل عنه أكثر من ذلك: «لقد قطع النظام السوري مرحلة الخطر».
تبيّن ان ورقة التفاوض قطعت، هي الاخرى، مرحلة الخطر. صارت مادة جيدة لـ «جنيف 2». نوقشت في لقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة. بعد ذلك، وصل بوغدانوف الى لبنان مروراً بطهران. فور وصوله، عقد لقاء مع وفد من هيئة التنسيق الوطني ضم حسن عبد العظيم ورجاء الناصر وصالح المسلم (الحزب الديمقراطي الكردي). قال المسؤول الروسي لهيئة التنسيق: «أنتم الممثل الشرعي للمعارضة الداخلية وستكونون جزءاً أساسياً من جنيف ٢». انتعش الحاضرون.


عباس يستقبل وفد "تيار بناء الدولة" (لؤي حسين ومنى غانم) بحضور نضال السبع
لم تتوقف مساعي محمود عباس عند هذا الحد. أبقى الاجتماعات قائمة على اكثر من مستوى مع المعارضة. استقبل في عمان كلاً من حسن عبد العظيم ورجاء الناصر واحمد العسراوي (عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق). قال للحاضرين: «انا ساعي خير في الازمة السورية وغير منحاز، وأنا مع كل الشعب السوري وأطيافه. ما يدفعني الى هذا الجهد هو انني اعتقد انه إذا تجاوزت سوريا أزمتها بخير ومن دون نتائج سلبية على مستوى وحدتها ودورها القومي، فان هذا سيمثل انتصاراً للقضية الفلسطينية». وتحدّث «ابو مازن»، بمرارة، عن الانعكاسات السلبية للاحداث السورية على القضية الفلسطينية. قال ان القضية غابت عن الاعلام العربي والعالمي لتحلّ مكانها أخبار الغوطة ودرعا.
فوجئ المعارضون السوريون بحجم النقد الذي وجّهه عباس لجماعة «الاخوان المسلمين». طال نقده الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. تعمّد، في المقابل، كيل المديح لوزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي. قال إن دوراً مهماً ينتظر مصر الجديدة على الصعيد العربي والاقليمي والدولي، ونصح هيئة التنسيق بتوثيق علاقتها بمصر، واعداً بأن يساهم شخصياً في تأمين الاتصال. ويبدو انه فعل. فخلال زيارة الاخضر الابراهيمي الاخيرة الى سوريا، قال لحسن عبد العظيم انه لمس اهتماماً خاصاً به من قبل «ابو مازن» والسيسي.
عُقد لقاء عباس مع هيئة التنسيق في ٢١ أيلول ٢٠١٣، وتبعه لقاء آخر مع تيار بناء الدولة ايضاً، في عمان، في ١٤ تشرين الأول ٢٠١٣. استمع في اللقاء الثاني من لؤي حسين الى مداخلة مطوّلة عن تاريخ الازمة السورية وتطوّرها. قال ان تياره يسعى الى حل سياسي سلمي، وانه يراهن على الرئيس الفلسطيني ذي النشأة السورية لتسهيل ذلك. حضر اللقاء حفيد «ابو مازن»، وتخللته بعض الهدايا.

«ابو مازن» والكيميائي السوري

في الرابع من أيلول ٢٠١٣، وفيما كانت مخاطر التدخلات العسكرية الخارجية تلقي بظلالها على سوريا، اتصل رجاء الناصر، امين سر هيئة التنسيق، هاتفياً، بنضال السبع، قناة اتصال «ابو مازن» في لبنان، طالباً موعداً عاجلاً مع السفير الروسي الكسندر زاسبيكين. حُدّد الموعد بعد يومين. وصل الناصر والسبع الى السفارة، تبعهما حسن عبد العظيم قادماً بسيارة أجرة من دمشق.
عُرض خلال الاجتماع اقتراح ينص على ان تضع الحكومة السورية ترسانتها الكيميائية في عهدة خبراء روس، على ان تستعيدها بعد حل الازمة بناء على «جنيف ٢».
نوقش اقتراح من ثلاثة بنود: أولها التخلي عن الترسانة الكيميائية، وثانيها عقد جلسة عاجلة لـ «جنيف ٢»، وثالثها وقف لاطلاق النار. قال السفير الروسي الذي يعمل نجله كأبرز مساعدي بوغدانوف: «هذا يفترض عقد جنيف ٢ خلال شهرين. هل تكون المعارضة السورية جاهزة في غضون هذه الفترة؟». ردّ الحاضرون: «نعم».
اقترح زاسبيكين ان يصبح الاقتراح مشروع مبادرة حل للكيميائي تعلنه هيئة التنسيق فتتبنّاه موسكو وتقدّمه على أنه مبادرة دولية. غادر وفد الهيئة بيروت الى مصر للمشاركة في «مؤتمر لنصرة سوريا» بدعوة من حمدين صباحي.
بعد اقل من ٢٤ ساعة، أي في 7 ايلول، اتصل السفير الروسي بالوسيط الفلسطيني. كانت الساعة تشير الى السابعة صباحاً. قال له «ان لافروف يشارك في قمة العشرين، وهو موجود معي على الخط، ويريد صياغة المبادرة حول الكيميائي من هيئة التنسيق. لا بد من ان يعلنوها». اتصل السبع برجاء الناصر الذي ارسل المبادرة الى بريده الالكتروني. تبيّن ان مرسلها هو هيثم مناع .
كانت المفاجأة ان بنداً رابعاً قد اضيف الى المبادرة يشدّد على انشاء حكومة انتقالية موسّعة الصلاحيات. تبيّن ان الإضافة جاءت من قبل المجلس التنفيذي في الهيئة.
في التاسع من أيلول ٢٠١٣، وصل وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى موسكو ليعلن، بعد ساعة واحدة من اجتماعه بلافروف، الموافقة على الحل الكيميائي بحسب الصيغة الراهنة التي انتجتها المداولات الدولية لاحقاً.
كان محمود عباس قد ابلغ قناة اتصاله، بعد تسلمه ورقة هيئة التنسيق حول الحل الكيميائي، ان الفكرة في طريقها الى أن تتخذ بعداً دولياً، بحيث تتم اعادة إنتاجها على نحو ينزع فتيل هذه الازمة، ويشكّل، في الوقت عينه، مدخلاً الى عقد «جنيف ٢». وقال انه هو نفسه يسعى الى تمريرها حيث يستطيع مع قادة الدول الذين يلتقي بهم.
قدّرت القيادة السورية عالياً دور عباس في كل ذلك. أرسل له اللواء علي المملوك نسخة من قرآن نادر غير منقّط. أُرسلت نسخة اخرى الى السفير الروسي في بيروت.
ماذا بعد؟
يقول مقربون من عباس إن لديه الآن «خطة ب» لانقاذ «جنيف 2» في حال فشله بسبب الشروط والشروط المضادة. ربما كان هذا ممكناً وربما لا. لكن الاكيد ان دور عباس في وأد الحرب السورية وتفادي تدخل خارجي يبقى، في كل الاحوال، أفضل بكثير من ادوار عربية ارادت لسوريا ان تُدمر وتنتهي.

رسالة هيثم مناع إلى الوسيط الفلسطيني

هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي: خطوات لقطع الطريق أمام التدخل العسكري
بناء على مداولات المكتب التنفيذي والبيان الصحفي الصادر عن الاجتماع بتاريخ 2013/8/31، ونظراً للظروف الخطيرة والمتمثلة باستخدام السلاح الكيماوي وتصاعد أعمال العنف مما يهدّد وحدة البلاد ويساهم في خلق أجواء تندفع من خلالها التهديدات الخارجية بالتدخل العسكري، ولقطع الطريق على مثل تلك التداعيات، تقترح هيئة التنسيق الوطنية الخطوات التالية:
1 ــــ يتم توافق دولي سوري على وضع السلاح الكيماوي بإشراف مباشر من روسيا الاتحادية، ويسلم بعد تشكيل حكومة انتقالية إلى السلطات السورية الرسمية آنذاك.
2 ــــ يتم الاتفاق على عقد جلسة عاجلة لمؤتمر جنيف 2 خلال أسابيع على قاعدة المبادئ التي تم التفاهم عليها في جنيف1، وبمشاركة قوى المعارضة الأساسية.
3 ــــ يكون وقف إطلاق النار المتزامن البند الأول على جدول أعمال مؤتمر جنيف ويترافق مع وضع آلية عملية له.
4 ــــ تُسَلم السلطة بشكل عاجل إلى حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة وبرئاسة شخصية معارضة يتم التوافق عليها تأخذ على عاتقها إدارة البلاد والحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة المجتمع والتحضير للانتقال الديمقراطي.

دمشق
المكتب التنفيذي
أمين السر/ نائب المنسق العام في المهجر/ المنسق العام

مقترح لؤي حسين لـ «أبو مازن»

مقترحات لعقد مؤتمر جنيف 2

لا يجوز أن يقتصر الحل على أطراف النزاع فقط، بل يجب أن تشارك في هذا الحل أيضاً الأطراف التي لا تنتمي إلى أطراف النزاع.
لا يجوز، بأي شكل من الأشكال، أن يفشل مؤتمر جنيف 2. من ناحية الاتفاق على وقف إطلاق نار بين النظام والمجموعات المسلحة، التي تقبل ذلك. ومن ناحية الاتفاق على تأليف حكومة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، تقود المرحلة الانتقالية.
يجب الاتفاق بين جميع الأطراف، قبل انعقاد المؤتمر، على أن المرحلة الانتقالية لا سمة رئيسية لها، ولا تتركز السلطة فيها بيد شخص واحد أو طرف واحد، بل هي مرحلة انتقالية بين حالة النزاع المسلح، ومرحلة انتخابية تحتكم فيها جميع الأطراف إلى صناديق الاقتراع. لا بد من تأجيل فكرة المساءلات والمحاسبات القانونية إلى فترة لاحقة. فالأولوية الآن لإيقاف حالة الاقتتال وزيادة الارتكابات.
لا بد من قبول أنه لا يمكن تمثيل جميع السوريين أو جميع الأطراف السياسية في المؤتمر، لكن يجب أن يكون المؤتمر بداية لعملية سياسية مفتوحة، يمكن أن تنضم إليها أطراف إضافية في أي وقت. وكل هذا يعني ضرورة وجود وفد سوري ثالث، إضافة الى وفد السلطة ووفد المعارضة، كي لا تكون اتفاقيات جنيف بين طرفي النزاع فقط من دون مشاركة الأطراف التي لم تكن مع السلطة والمعارضة في نزاعهما المسلح، وهي تعبر عن إرادة الغالبية الساحقة من السوريين. ويتماشى هذا الأمر مع بيان جنيف، الذي يرى أن هيئة الحكم يجب أن تتألف من شخصيات من السلطة والمعارضة والأطراف الأخرى. وبالتالي أن يتألف وفد السلطة من شخصيات مخوّلة ومفوّضة من السلطة السورية، إضافة إلى أطراف ومجموعات تقبل أن تكون ضمن هذا الوفد. ويتألف وفد المعارضة من شخصيات من الائتلاف السوري، والمجموعات والقوى التي تقبل أن تكون ضمن وفد المعارضة. ويتألف الوفد الثالث من مجموعات سياسية ومدنية يكون مركز عملها في الداخل السوري، إضافة إلى شخصيات عامة ممن لم تكن مع السلطة أو المعارضة في نزاعهما المدمر. ويشارك في هذا الوفد ممثلون عن المجموعات المسلحة المعارضة، التي لا تريد أن تكون ممثلة بوفد المعارضة.
وتشرف على تأليف هذا الوفد بعثة السيد الأخضر الإبراهيمي، وتحديداً مكتب دمشق، إضافة إلى الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس.

«أبو مازن» ومساعي حلّ الأزمة السورية | عباس لهيئة التنسيق: احذروا الأميركيّين وثقوا بالروس



سعى «أبو مازن» إلى إبقاء اتصالاته بعيدة عن عيون الأميركيين والفرنسيين
بعد نشر الجزء الأول من وثائق حول دور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في السعي الى حل الأزمة السورية، وصلتنا مجموعة أخرى من الوثائق والاتصالات تؤكد أن «أبو مازن» سعى الى إقناع المعارضة بالانفتاح على موسكو والحذر من أميركا، وساهم في المبادرة العربية الأولى، ودفع أموالاً لبعض أركان المعارضة في المجلس الوطني وغيره، وكان دائماً حريصاً على الحل السلمي التفاوضي، لا على أي حل عسكري أو تدخل أجنبي. الجزء الأول، الذي نشرناه قبل أسبوعين، ركّز على علاقة عباس مع تيار بناء الدولة. في هذا الجزء، رواية عن علاقته الوطيدة بهيئة التنسيق، ثم الانفتاح على كل أطياف معارضة الخارج

حصل اللقاء الأول بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس هيئة التنسيق الوطنية في الخارج هيثم منّاع، في فندق «موريس» في باريس، في نيسان 2011. استمع «أبو مازن»، بإمعان، الى شرح منّاع. كان القيادي المعارض يؤكد لاءاته الشهيرة: لا لتسليح الثورة، لا للتدخل الخارجي، لا لأسلمة الثورة. اعتبر أن التسليح ينتهي بانتصار صاحب السلاح الأهم، أي السلطة. ورأى أن الأسلمة تدفع الى التمذهب والتطيّف. أما التدخّل الخارجي فيعني الخيانة. كان محقّاً في كل ذلك.
 
انطلقت العلاقة على نحو دائم وممتاز بين الجانبين. صار «أبو مازن»، كلما سافر الى باريس، يكلّف رئيس استخباراته بالاتصال برئيس هيئة التنسيق المقيم هو الآخر في فرنسا ويلتقيان.
جرى اللقاء الثاني في الفندق نفسه قبيل المبادرة العربية. اقترح عباس ذهاب وفد من هيئة التنسيق للقاء وزير الخارجية المصري نبيل العربي. قال منّاع: «ليس عندي مشكلة معه، فهو رجل أحترم مواقفه». كلّف عباس كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات الاتصال بالعربي. فوجئ الوزير المصري بالطلب، وسارع الى القول: «أنا مش عايز أشوف هيثم المالح». ضحك عريقات، وقال: «لا. لا. أنا أحدثك عن هيثم منّاع»، فأجاب العربي: «آه، ده رجل محترم». تحادث منّاع والعربي مباشرة عبر الهاتف وحُدّد موعد اللقاء.
يعرف محمود عباس عائلة منّاع جيداً (اسمها الحقيقي هو العودات، وقد حمل هذا الاسم من زوجته الراحلة لظروف خاصة، علماً بأن منّاع قريب لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع وللكاتب المعارض حسين العودات). كان «أبو مازن»، في شبابه، يزور درعا، ويوزع روزنامات حركة فتح بعيد تأسيسها للحصول على دعم مادي. آنذاك، تعرف على والد هيثم في المنطقة التي انطلقت منها شرارة الأزمة السورية، وعبرها قد تمر شرارات أزمات أخرى إذا استمر الخيار العسكري قائماً.
ذهب منّاع مع عدد من رفاقه الى القاهرة. كان اللقاء مع العربي ودياً وأكثر ميلاً الى الحل السياسي. جرى البحث في عدد من الاحتمالات. تعزّز الحوار في جلسات لاحقة، حضر بعضها أيضاً الكاتب سمير عيطة. في تلك اللقاءات مع «أبو مازن» والعربي، وُضعت البذور الأولى للمبادرة العربية التي تغيّرت مضامينها لاحقاً مع الدخول الخليجية، وتحديداً دخول القطري والسعودي على الخط. في تلك اللقاءات أيضاً، وضعت بعض بذور الحل في جنيف وآفاق التسوية السياسية مع السلطة.

«أبو مازن»: لا أثق بأميركا

نصائح «أبو مازن» لوفد هيئة التنسيق كانت لافتة. في أحد اللقاءات قال لهم: «كل الناس تعتبرني رجل أميركا. ربما نحن أخطأنا بحصرية الاعتماد على الأميركيين في مرحلة معينة، فلا تكرروا خطأنا. لا تعفّسوا كما عفّسنا». قالها باللهجة الدارجة، مضيفاً: «أنا أكثر ثقة بالروس. لو وعدكم الروس بإعطائكم سبع تفاحات فهم سيعطونها، أما إذا وعدكم الأميركيون بـ 100 تفاحة فستجدون الصندوق فارغاً. الأميركيون يعدون ولا يعطون شيئاً». نصح بالذهاب الى موسكو. النصيحة نفسها وجّهها منّاع، لاحقاً، الى مؤتمر المعارضة في القاهرة. قال لهم: «اذهبوا الى موسكو، لا إلى نيويورك، إن كنتم تريدون حلاً».
عرض الرئيس الفلسطيني على هيئة التنسيق مساعدة مالية. ردّ هيثم منّاع: «نحن نشكرك جزيل الشكر. حاجتنا الأولى الآن هي للمساعدة السياسية». حينها، أهداه «أبو مازن» مسبحتين عليهما علم فلسطين، واحدة له والأخرى لحسين العودات.
سعى «أبو مازن» الى إبقاء اتصالاته تلك بعيدة عن أعين الأميركيين والفرنسيين. لكن، كيف يمكن الابتعاد وأجهزة الاستخبارات الغربية تتابع وتراقب وتوظّف وتحرك؟. لم يكن صعباً على الاستخبارات الفرنسية رصد تلك اللقاءات. ساهم في ذلك أن وفد هيئة التنسيق كان موجوداً في الفندق نفسه الذي نزل فيه وفد من المعارضة الليبية.


الأمير تميم كان إيجابياً إلى أقصى حد خلال لقائه وفد هيئة التنسيق (أ ف ب)
انتشر خبر اللقاءات. وصل الى قطر. حين التقى خالد العطية (وزير الخارجية الحالي) بالقيادي في هيئة التنسيق عبد العزيز الخيِّر، بادره بالقول: «نحن نعرف أن هيثم منّاع التقى السفير الروسي في جنيف قبل توجهه الى القاهرة، لكننا نعرف كيف نشتري موقف الروس». أجابه الخيِّر: «القضية أهم بكثير من أي مبلغ في العالم بالنسبة إلى الروس. سوريا محور استراتيجي أساسي لهم في المنطقة لن يتنازلوا عنه مهما كانت المبالغ كبيرة». بقي المال هاجس الراغبين بقلب النظام السوري بالقوة. في إحدى المرات، قال مسؤول قطري: «والله لم نترك مسؤولاً لم نشتره. يا أخي والله اشترينا الكثير من أعضاء الكونغرس ولم نفلح».

تميم: مع الحل السلمي

في تلك الفترة، التقى منّاع ووفد كبير من هيئة التنسيق ولي عهد قطر الأمير (الحالي) تميم. وفق رواية أحد أعضاء الوفد، فإن «الأمير تميم كان إيجابياً الى أقصى حد. قال إنه، شخصياً، يدعم خط هيئة التنسيق وسيدافع عنه. وأكد ضرورة حقن الدماء وتجنب السلاح والبحث عن حل سلمي للحراك».
كانت لغة الأمير تميم مغايرة تماماً لتلك التي يستخدمها رئيس الوزراء آنذاك. كان حمد بن جبر آل ثاني يريد، مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، استخدام كل الوسائل، بما فيها العسكرية لإسقاط النظام السوري بالقوة.
قال الأمير تميم لمنّاع: «أنا التقيت بك مرة واحدة، والوالدة (الشيخة موزة) مرة أخرى. لماذا لا تقابل المسؤولين الآخرين؟». ابتسم منّاع ابتسامته المعهودة، التي غالباً ما تختصر موقفاً سياسياً كبيراً، وأجاب: «أنا أبتعد عادة عن الحكام». ضحك الجميع. لم يستمر الضحك طويلاً. عملت قطر بعدها، ولمدة طويلة، مع السعودية ودول غربية على إبعاد هيئة التنسيق عن أي اجتماع أو مؤتمر، ثم اشترطت عليها ــــ لأي مشاركة ــــ أن تكون جزءاً من الائتلاف السوري المعارض. شرط لا تزال الهيئة ترفضه حتى اليوم، معتبرة أن الائتلاف صنيعة الخارج ولا يمثل المعارضة.

«أبو مازن» يموّل المعارضة؟

بقي «أبو مازن» على خط هيئة التنسيق مؤمناً بأنها، مع معارضة الداخل وبعض الأطراف المعارضة في الخارج، تستطيع أن تحاور السلطة وتصل الى حل. يقال إن ضغوطاً أميركية وأوروبية وخليجية مورست عليه للتخفيف من تلك العلاقة. يقال، أيضاً، إن نصائح أسديت له بالتواصل مع المجلس الوطني ثم الائتلاف. بعض الروايات المعارضة تؤكد أن «أبو مازن» دفع أموالاً لبعض من هم في المجلس. ثمة من يشير الى أسماء ميشال كيلو وعمار القربي ورضوان زيادة. لا أحد يستطيع الجزم بهذا الأمر، لكنها واحدة من الروايات التي تدور في كواليس التواصل.

غسان سلامة على الخط

في تلك الكواليس، كان الرئيس الفلسطيني يوسّع دائرة التشاور. سعى الى الوقوف على آراء مجموعة من الخبراء. اجتمع بكل من مروان المعشر رئيس الوزراء الأردني السابق، والدكتورة ريما خلف، والدكتور غسان سلامة والدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي. استمع الى شروحات مفصلة عن كيفية الخروج بتسوية سلمية للأزمة السورية. في تلك الجلسات، وُضع عدد من التصورات القادرة على الجمع بين موقف الدولة السورية والمعارضة. كان الاتجاه العام هو لتحسين شكل النظام وتطويره، لا لتغييره. ثمة روايات تؤكد أن جزءاً من حركة الإبراهيمي في جنيف استند الى نصائح سلامة بعد اللقاءات مع «أبو مازن» والمعارضة. ثمة من يذهب، أبعد من ذلك، الى الحديث عن دور سلامة في المساهمة في صياغة بنود «جنيف 1». لا أحد يستطيع الجزم.

عمل «أبو مازن»، أيضاً، على عقد لقاءات في عمان لبعض أطراف المعارضة. اعتذر منّاع عن عدم الذهاب. كانت ذريعته أنه إذا ذهب الى الأردن فلا بد له من زيارة مخيم الزعتري، لكن أسباباً أمنية تمنعه من ذلك.
في اللقاءات بين عباس ومناع وقيادات هيئة التنسيق، طُرحت أفكار كثيرة لبناء الثقة. بينها، مثلاً: «الإفراج عن معتقلي هيئة التنسيق، الإفراج عن النساء والمعاقين، فك الحصار وإجراءات من الطرفين لبناء الثقة بين المعارضة والسلطة».

اغتيال في براغ

تكثفت الضغوط على «أبو مازن». تعدّدت الطلبات للانفتاح على المعارضة في تركيا. وجد الطرف الفلسطيني نفسه في شبكة معقّدة من تضارب المصالح. اختار الرئيس الفلسطيني أن يبقي الخيوط مع الجميع. طرح في بعض الاجتماعات وجود مسؤولين عسكريين. وصلت الاتصالات الى بعض ضباط «الجيش الحر». فجأة، اغتيل السفير الفلسطيني في براغ جمال الجمل. قيل إنه قتل في حادث عرضي بعد انفجار عبوة في خزانة قديمة في منزله. العائلة شكّكت، وقالت إن الخزانة تستخدم منذ فترة طويلة. ثمة من يعتقد أن سبب الاغتيال موجود في خزائن مُحكمة الإقفال على أسرار لن تُكشف قبل فترة طويلة، وربما ليس قبل أن ينجلي غبار المعارك في سوريا. هذا إذا كُشفت.
سعى عباس الى توسيع شبكة الاتصالات منذ عام 2012. فتح خطوطاً مع القربي وكيلو و«مجموعة أميركا». تبيّن، لاحقاً، أن الكثير من نقاط اتفاق الدوحة كانت قد نوقشت بين «أبو مازن» وهيئة التنسيق وبعض أطراف المعارضة الأخرى، وخصوصاً معارضة الداخل.
أبقى اتصالاته مع موسكو أيضاً. يذكر أحد أعضاء هيئة التنسيق أن مناع ورجاء الناصر كانا في العاصمة الروسية في آذار الماضي، فاتصل «أبو مازن» ناصحاً بأن يبقى وفد هيئة التنسيق فيها بضعة أيام. أجابه مناع: «لا أستطيع. لديّ موعد في إيران مع علي أكبر صالحي»، فأصرّ عباس قائلاً: «نحن نحمل مبادرة للتسوية لكم». كانت تلك المبادرة التي حملها إليه الوزير اللبناني السابق كريم بقرادوني الى عمان (راجع الحلقة الأولى من هذه الوثائق).

مصر والجيش السوري

كانت مصر أيضاً على خط الاتصالات. دخل وزير الخارجية الجديد نبيل فهمي في أجوائها. منذ تولّيه مهماته، بدأ فهمي يعبّر عن مناخ جديد في مصر لصالح التسوية السلمية في سوريا والحفاظ على الجيش السوري. يصفه مناع بأنه «أذكى وزير خارجية منذ سنوات. دقيق، حازم يعرف كيف يختصر وقته ووقت زائره بتحديد نقاط واضحة للنقاش أو التسويات».
في تلك الفترة، نُسجت علاقات بعيدة عن الأضواء بين الأجهزة المصرية والسورية. طلبت دمشق رفع العلاقة الى المستوى الدبلوماسي. طلبت القاهرة بعض المبادرات الإيجابية. تأخر الجانب السوري بالردّ، لكن العلاقات مع وزير الخارجية وليد المعلم قائمة وبأفضل بكثير مما كانت عليه سابقاً.
كان رأي عباس أن الحلّ السياسي في سوريا يتطلب تعاوناً بين أطراف المعارضة وروسيا ومصر. ركّز الرئيس الفلسطيني كثيراً على دور القاهرة بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي. كان دائماً يقول إن الجيش المصري حريص على الجيش السوري لأن في ذاكرة الجيشين تاريخاً من التعاون والأمن القومي المشترك. عمل «أبو مازن» ومناع وهيئة التنسيق كثيراً على إقناع الروس بعدم قطع العلاقة مع مصر، حتى في عهد مرسي. استمروا في العمل لتقريب القاهرة من موسكو. وقال منّاع في أحد لقاءاته مع مسؤول روسي كبير: «لا تغفلوا حضور مصر في جنيف، فدورها بات مهماً جداً، وهي قادرة على المساعدة كثيراً في التأثير الإقليمي وفي إيجاد حلول».

مناع منبوذ أميركياً وخليجياً

لماذا لم تفلح كل اتصالات الرئيس الفلسطيني مع هيئة التنسيق بإشراكها في مؤتمر جنيف؟ بعض الجواب يفهمه قارئ الوثائق من وثيقة تتعلق بلقاء جرى بين منّاع ومسؤول أميركي في جنيف في آذار 2013. بادر المسؤول الأميركي، الذي ربطته علاقة وطيدة ومصلحية بالرئيس السابق رفيق الحريري، مناع بالقول: «كل شيء يناقضنا. أنت في نيكاراغوا كنت مع خوسيه أورتيغا، وفي فنزويلا كنت مع هوغو تشافيز، وفي العراق كنت ضدنا...». سمع منّاع كلاماً مماثلاً من مسؤول خليجي كبير من أولئك الذين اعتقدوا طويلاً بأن إسقاط الأسد بالقوة بات قاب قوسين أو أدنى.

عباس بين سوريا و«حماس»

لماذا لعب «أبو مازن» كل هذه الأدوار؟ معارض سوري قريب منه يقول: «كان في ذهنه أن إنقاذ سوريا مهم للقضية الفلسطينية، لأنها لو سقطت لضاعت فلسطين. وفي ذهنه، أيضاً، أن الحل السلمي هو نقيض الحلول التي ذهبت برياحها حركة حماس. وفي ذهنه، أخيراً، أن العلاقة القوية مع سوريا وانفتاح الغرب على إيران الحليفة لسوريا يمكن أن يشكلا له سنداً لمواجهة الهجمة الأميركية الإسرائيلية عليه حالياً لفرض حل على أساس يهودية الدولة».
محاولات ربما لم تظهر كثيراً في الإعلام، لكنها لا شك أعطت بعض الثمار، وخصوصاً إذا ما علمنا أن علاقة «أبو مازن» تحسّنت كثيراً مع السلطة السورية في الأعوام الثلاثة الماضية. يُحسب له، في كل الأحوال، أنه حاول إنقاذ سوريا التي احتضنت الفلسطينيين ودعمت قضاياهم طويلاً، بينما كثير من العرب ساهموا في تدميرها.

نقد غير مسبوق

لم يتعرض مقال لحجم من النقد كالذي نشرناه في الحلقة الأولى («الأخبار»، العدد ٢٢٣٠، الاثنين ٢٤ شباط ٢٠١٤) عن دور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في السعي إلى حل الأزمة السورية. نؤكد في هذه الحلقة الثانية والأخيرة أن كل ما نشرناه مستند الى وثائق وصور وروايات ممن ساهموا في تلك اللقاءات. ربما يضير البعض أن يلعب «أبو مازن» مثل هذا الدور. فحبذا للناقدين أن ينشروا ما يناقض أو يصحح هذه الروايات، إذا كانت لديهم رواية أخرى. أما إذا كان المستهدف منها «أبو مازن»، فهذا أمر آخر.
______

الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

حزب الله، خطوة تنظيم عاجلة

    ديسمبر 11, 2013   No comments
ناهض حتر
إقدام وفد «المجموعة اللبنانية للإعلام ـ تلفزيون المنار» على الاعتذار عن تغطية الحراك الشعبي البحريني السلمي، من أجل تلافي قرار عربي بوقف بث القناة ــــ كما حصل بالنسبة للتلفزيونات السورية ــــ ليس مجرد «سقطة» أو «تصرف خاص بأعضاء الوفد». فالوصف الأول أخلاقي، فكأن مندوبي «المنار» تخلوا و«خانوا». وهذا لا يفيد بشيء في تحليل جدي، كما أن تبرير الحزب ليس مقنعاً؛ فوفد «المنار» حزبي أو خاضع للمستويات الحزبية. دعونا، إذاً، نعالج الحدث باكتشاف جذوره:

أولاً، لعل التماسك الفكري السياسي المعروف عن حزب الله، قبل العام 2011، قد تعرّض للكثير من التصدعات بسبب التطورات النوعية الكبيرة التي شهدها المشرق والعالم العربي. فقد انتقل الحزب من الاطمئنان الصوفي إلى واحدية فكرية ــــ سياسية، تتمحور حول مقاومة إسرائيل، إلى الدخول في شبكة تناقضات فرضها الواقع، واندرج فيها الحزب ميدانياً، وحوّلته إلى قوة إقليمية متعددة الجبهات والمداخلات. وهو ما لم يحظ سوى بالمعالجات المتتابعة في خطابات حسن نصر الله، من دون أن ينخرط الحزب في مراجعة فكرية ــــ سياسية، يبدو أنها مؤجلة حتى إشعار آخر، ربما بسبب صعوبتها المزدوجة. فهي، من جهة، تحتاج إلى خيال سياسي وابداع فكري وورشات نقاش صريحة وشجاعة، إضافة إلى أنها تطرح، من جهة أخرى، ضرورة إعادة تنظيم وعي أعضاء الحزب وجمهوره.

(1)حزب الله، كما هو معروف، حزب إسلامي، وجد نفسه يقاتل في صفوف نظام قومي علماني هو النظام السوري، ضد قوى إسلامية، صحيح أن التركيز، هنا، هو على الجماعات التكفيرية، ولكن المواجهة، في سوريا، تشمل، أيضاً، الإخوان المسلمين وكل تيار إسلامي معارض للدولة العلمانية. وفي تسويغ ذلك، برز مبرران، أحدهما سياسي مما تلح عليه خطابات السيد حسن نصرالله، فتوضح ــــ وهذا صحيح ــــ أن الدفاع عن النظام السوري، هو، واقعياً وميدانياً واستراتيجياً، دفاع عن المقاومة ذاتها، وعن سلاحها وخطها، والثاني شعبي لا محيد عنه، ينظر بعين الرضا والحماسة لمشاركة الحزب في معركة سوريا، من موقع مذهبي ضمني.

(2) وعلى خلفية الصراع مع سوريا بالذات، دخل حزب الله في تناقض في ما يتصل بالموقف من «حماس»؛ ففي الأساس، لكانت الأيديولوجية الواحدية الواقفة خلف أولوية البندقية ضد إسرائيل، وبمعزل عن كل الأبعاد السياسية، ستحافظ على العلاقات بين حزب الله وحماس. وقد مشى الحزب وراء محاولة الفصل تلك، وفشل أو تعثّر، سواء بسبب الرفض السوري أو بسبب ضغوط حلفاء الحزب الجدد من قوميين ويساريين أو بسبب ضغوط جمهور الحزب نفسه، ذلك الذي رأى في السلوك الحمساوي خيانة للمقاومة.

(3) وامتدّ الارتباك، بطبيعة الحال، إلى الشأن المصري؛ فمنطلقات حزب الله، تجعله يميل إلى الإخوان والإسلاميين، تحت مقولة الخامنئي، عن «الصحوة الإسلامية»، لكن، في المقابل، يجد الحزب نفسه مضطرا إلى النظر إلى الجيش المصري ونظامه، كحليف جديد للنظام السوري، لا يمكن الاستخفاف بحضوره ووزنه النوعي.
(4) وإذا كان السقوط المدوّي للإسلام السياسي السني في العالم العربي، مريحاً لحزب الله في الميدان السوري، فهو يطرح الأسئلة حول مستقبل الإسلام السياسي الشيعي العربي أيضاً، في لبنان نفسه، ولكن أشدّ هولاً في العراق، حيث أصبح واضحاً أن إنهاء الانشقاق والفلتان الأمني وعودة الدولة ودورها الخدمي والتنموي والإقليمي، هو رهن بالعودة إلى علمانية الدولة.

ثانياً، التداخل أو قل التماهي بين حزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران، كان سالكا، بلا تناقضات جوهرية ــــ اللهم الا في مقاربة الشأن العراقي ــــ لكن اليوم، بعدما بدأت مسيرة التفاهمات الإيرانية ــــ الأميركية، حدث افتراق موضوعي في مضمون وشكل مقاربة حزب الله للموقف من السعودية والخليج، سواء حول سوريا ولبنان والبحرين ــــ وهي مقاربة المجابهة الصريحة كما رسم ملامحها خطاب نصر الله في اتهام السعودية بالإرهاب ــــ وبين مقاربة الدولة الإيرانية التي تنزع إلى توسيع نطاق المصالحات البراغماتية (وهي تتضمن، بالطبع، تقديم تنازلات) مع الخلايجة، بل والسعي الدؤوب للتفاهم مع السعودية. وهو ما يحقق المصالح المشروعة للدولة الإيرانية.

كل أشكال التناقضات السابقة ــــ وسواها كثير ــــ أثّرت، وتؤثّر على أعضاء حزب الله ــــ ربما من دون مقاتليه ــــ وخصوصا كوادره الإدارية والفنية ومؤسساته ووسائل إعلامه، بعدة نزعات، كالاضطراب والبراغماتية والشعبوية والميركنتيلية الخ وهو ما يطرح على الحزب، من دون تأخير، مهمة القيام بخطوة تنظيم عاجلة، تعيد تعريف أيديولوجيا الحزب واستراتيجيته وتؤكد استقلاليته الفكرية والسياسية ووسائله، وذلك في غرفة نقاش لا تستبعد الحلفاء والأصدقاء.
_____
«الأخبار»

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

تقرير لسيمور هيرش: هكذا حرّفت إدارة أوباما التقارير بشأن الهجوم «الكيميائي»

    ديسمبر 10, 2013   No comments
شن الصحافي الشهير سيمور هيرش، في تقرير بعنوان «السارين لمن؟»، نشره في موقع «لندن بوك ريفيو» بعد رفض مجلة «نيويوركر» نشره، هجوماً حاداً على الإدارة الأميركية، وعلى رأسها باراك أوباما، مفنداً كيف قامت الإدارة الأميركية بتحريف تقارير الاستخبارات الأميركية من أجل تحميل النظام السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية على غوطة دمشق، وتجاهلها تقارير الاستخبارات التي تتحدث عن أن «جبهة النصرة» أصبحت تملك القدرة على تصنيع غاز السارين. وحذر هيرش من انه بعد إزالة ترسانة الاسلحة الكيميائية السورية، فقد نصل في نهاية المطاف الى مرحلة تصبح فيها «النصرة» الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على تصنيع الأسلحة الكيميائية.

باراك أوباما لم يقل كل الحقيقة هذا الخريف عندما كان يحاول تحميل بشار الأسد مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي وقع قرب دمشق في 21 آب الماضي. في بعض الحالات أغفل معلومات استخباراتية مهمة، وفي حالات اخرى قدم استنتاجات على أنها حقائق. والأهم، انه فشل في الاعتراف بأمر معروف لدى مجتمع الاستخبارات الأميركي: الجيش السوري ليس الطرف الوحيد في الحرب الأهلية السورية الذي يمتلك السارين، وهو غاز الأعصاب الذي استنتجت دراسة للأمم المتحدة، من دون تحديد المسؤوليات، انه استخدم في الهجوم الصاروخي.

في الأشهر التي سبقت الهجوم، أصدرت وكالات الاستخبارات الأميركية سلسلة من التقارير السرية للغاية تشير بالدليل إلى أن «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» أصبحت تملك طريقة صنع السارين، وأنها قادرة على تصنيع كميات منه. وعندما وقع الهجوم، كان ينبغي أن يتم النظر إلى «النصرة» كمشتبه بها، لكن الإدارة (الأميركية) انتقت من معلومات الاستخبارات للتبرير الهجوم على الأسد.

في خطابه المتلفز بشأن سوريا في 10 أيلول الماضي، ألقى أوباما باللوم في الهجوم بغاز الأعصاب الذي استهدف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في الغوطة الشرقية على حكومة الأسد فقط، وأوضح بشكل لا لبس فيه انه مستعد لتطبيق تحذيره العلني السابق من أن أي استخدام الأسلحة كيميائية سيكون خرقاً لـ«الخط الأحمر». وقال «حكومة الأسد قتلت بالغاز أكثر من ألف شخص. نعرف أن نظام الأسد مسؤول، ولهذا، وبعد تفكير متأن، قررت أنه من مصلحة الولايات المتحدة الرد على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية من خلال ضربات عسكرية محددة».

أوباما كان ذاهباً إلى الحرب لدعم تهديده العلني، لكنه كان يقوم بهذا الأمر من دون أن يعرف من قام بالهجوم فجر 21 آب. لقد تحدث عن لائحة تشمل ما يمكن اعتباره أدلة قوية عن قدرات الأسد: «في الأيام التي قادت إلى 21 آب، نعرف أن عناصر من القوات السورية الخاصة بالأسلحة الكيميائية استعدت لهجوم قرب منطقة يتم فيه مزج غاز السارين. لقد وزعوا أقنعة الغاز على قواتهم، وبعدها أطلقوا الصواريخ من منطقة يسيطرون عليها على 11 منطقة يحاولون إزالة القوات المعارضة منها».

تأكيد أوباما كرره رئيس مكتب موظفيه دينيس مادونون الذي قال لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن «أحداً ممن تحدثت إليه لا يشك في ربط الاستخبارات للأسد ونظامه مباشرة بهجوم السارين».

لكن في مقابلات مع مسؤولين في الاستخبارات والجيش، ومع مستشارين حاليين وسابقين، وجدت قلقاً شديداً لديهم، وفي إحدى الحالات وجدت غضباً، بشأن ما اعتبروه تلاعباً متعمداً بالاستخبارات. ووصف أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في الاستخبارات، في رسالة الكترونية إلى أحد الزملاء، تأكيد الإدارة أن الأسد يتحمل المسؤولية بأنه «خدعة». وكتب أن «الهجوم لم يكن صنيعة هذا النظام».

وقال لي مسؤول رفيع المستوى سابق في الاستخبارات إن إدارة أوباما عدلت المعلومات المتوافرة، من ناحية التوقيت والسياق، من أجل السماح للرئيس ومستشاريه بإظهار أن معلومات الاستخبارات بعد أيام من الهجوم تبدو وكأنها حصلت وقت وقوع الهجوم. ويضيف أن هذا التحريف يذكره بحادث خليج تونكين (الواقع بين الصين وفيتنام) في العام 1964، عندما قامت إدارة جونسون بعكس تقرير لوكالة الاستخبارات من أجل تبرير عمليات القصف الأولي لشمالي فيتنام. وأشار المسؤول إلى حالة إحباط شديدة داخل الجيش والاستخبارات: «الشبان يرفعون أيديهم في الهواء ويقولون: كيف يمكننا مساعدة هذه الشخص (أوباما). عندما يغير هو وأصدقاؤه في البيت الابيض تقارير الاستخبارات كما يريدون؟».

وتتركز الشكاوى على ما لم تكن واشنطن تملكه: أي تحذير مسبق عن المصدر المحتمل للهجوم. تقوم استخبارات الجيش منذ سنوات بتقديم ملخص استخباراتي سري جدا صباح كل يوم إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، كما أن نسخة منه تذهب الى مستشار الامن القومي (للبيت الابيض) ومدير الاستخبارات القومية. التقرير الصباحي لا يتضمن أي معلومات سياسية أو اقتصادية، ولكنه عبارة عن ملخص لأهم الأحداث الأمنية حول العالم، وكل المعلومات الاستخباراتية المتوافرة حول الموضوع.

قال لي مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات انه بعد الهجوم قام بمراجعة التقارير الصادرة بين 20 إلى 23 آب. وخلال يومين (20 و21 آب)، لم يكن هناك ذكر لسوريا. وفي 22 آب كان الموضوع الرئيسي عن مصر. وكان هناك تقرير عن تغيير داخلي في قيادة إحدى المجموعات المتمردة في سوريا. لم تتم الإشارة أبدا إلى استخدام غاز الأعصاب في دمشق في ذلك اليوم. لكن موضوع استخدام السارين أصبح القضية الرئيسية في 23 آب، برغم انتشار مئات الصور والأفلام عن المجزرة بعد ساعات على «يوتيوب» و«فايسبوك» ومواقع اجتماعية أخرى على الانترنت. في هذه المرحلة فإن الإدارة الأميركية لم تكن تعرف أكثر من الجمهور.

ترك أوباما واشنطن صباح 21 آب لجولة تستمر يومين في نيويورك وبنسلفانيا. وبحسب المكتب الإعلامي في البيت الأبيض فقد تم تقديم ملخص له عن الهجوم وتزايد الإحباط الإعلامي والشعبي. عدم وجود معلومات استخباراتية واضحة ظهر في 22 آب، عندما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بيساكي للصحافيين «لا يمكننا ان نحدد تحديدا أكيدا استخدام (أسلحة كيميائية)، لكننا نقوم بكل ما في وسعنا كل دقيقة منذ وقوع هذه الاحداث لمعرفة الحقائق».

في 27 آب، تشددت نبرة الإدارة الأميركية، عندما قال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني للصحافيين، من دون تقديم أي معلومات محددة، إن أي إيحاء أن الحكومة السورية غير مسؤولة «مثل الاقتراحات المنافية للعقل من ان الهجوم لم يحصل أبدا».

ويظهر غياب الإنذار الأولي داخل مجتمع الاستخبارات الأميركية انه لم تكن هناك أي معلومات استخباراتية بشأن النيات السورية في الايام التي سبقت الهجوم. وثمة طريقتان على الأقل كان يمكن للولايات المتحدة ان تعرف بهذا الأمر مسبقا: والأمران كُشف عنهما في الوثائق التي كشف عنها المستشار السابق في وكالة الأمن القومي ادوارد سنودن.

في 29 آب، نشرت «واشنطن بوست» مقتطفات من الموازنة الأولية لكل برامج الاستخبارات، قدمها لها سودن. وفي مشاورات مع إدارة أوباما، قررت الصحيفة نشر جزء صغير من 178 صفحة، مصنفة أكثر من سرية جداً، لكنها لخصتها، ونشرت جزءًا منها يتناول مناطق فيها مشاكل، وأحدها يشير إلى فجوة في التجسس على مكتب الأسد. وتوضح هذه الصفحات أن أجهزة الاستخبارات كانت قادرة على مراقبة الاتصالات بين القيادات العسكرية في بداية الحرب الأهلية هناك، لكن «يبدو أن قوات الاسد عرفت بهذا الامر في ما بعد». وهذا يعني انه لم يعد بمقدور الوكالة التنصت على المحادثات بين القيادات العسكرية في سوريا، والتي كانت ستعرف بالتأكيد ان الاسد أصدر أمر الهجوم بغاز الأعصاب. (في بياناتها الاعلامية منذ 21 آب، لم تدّع إدارة أوباما إطلاقاً أن لديها معلومات تربط الأسد نفسه بالهجوم).

يقدم تقرير «واشنطن بوست» أيضا إشارات على نظام إنذار سري داخل سوريا، مخصص لتقديم إنذار مبكر عن أي تغيير في حالة ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. أجهزة الاستشعار هذه مرتبطة بمكتب الاستكشاف القومي، وهي الوكالة التي تتحكم بأقمار التجسس في المدار. وبحسب الصحيفة فإن لدى المكتب أيضا «أجهزة استشعار على الأرض» داخل سوريا.
لقد قال لي مسؤول استخبارات سابق، على معرفة بهذا البرنامج، انه تم زرع أجهزة استشعار قرب كل مواقع إدارة الحرب الكيميائية المعروفة في سوريا، وهي مخصصة لتقديم معلومات فورية عن أي تحريك للأسلحة الكيميائية، لكن الأهم في إطار الإنذار المبكر هو قدرة أجهزة الاستشعار على إرسال إنذار الى الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية عندما يتم تركيب رؤوس صواريخ محملة بالسارين، حيث ان الرأس الصاروخي، عندما يحمل بالسارين، يبدأ بالتآكل فورا، فهو من نوع «أستخدمه أو أخسره».

وقال المسؤول «ليس لدى الجيش السوري ثلاثة أيام من أجل التحضير لهجوم كيميائي. لقد وضعنا نظام الاستشعار من أجل الحصول على معلومات فورية، مثل نظام الهجوم الجوي أو الحريق. لا يمكن أن يكون لديك إنذار لمدة ثلاثة أيام، لان جميع المتورطين قد يكونون قتلوا... لا يمكنك أن تستهلك ثلاثة أيام على عملية الاستعداد لإطلاق غاز الأعصاب».

أجهزة الاستشعار لم تتلقَّ أي حركة في الأشهر والأيام التي سبقت 21 آب، يقول المسؤول الاستخباراتي السابق.
من الممكن انه تم تسليم السارين إلى الجيش السوري بطريقة أو بأخرى، ولكن عدم حصول إنذار يعني أنه لم يكن بمقدور واشنطن مراقبة الأحداث في الغوطة الشرقية كما تدّعي.

لقد عملت أجهزة الاستشعار في الماضي، والقيادة السورية كانت تعلم بهذا الأمر. في كانون الأول الماضي تلقت أجهزة الاستشعار ما يشير الى عملية إنتاج للسارين في أحد مخازن الأسلحة. ولم يكن واضحاً على الفور ما اذا كان الجيش السوري يتدرب على إنتاج السارين كجزء من تدريب (كل الجيوش تجري دائما مثل هذا التدريبات) أو أنه كان يستعد لهجوم. في ذلك الوقت حذر أوباما علنا سوريا من أن استخدام السارين «أمر غير مقبول». رسالة مماثلة مررت عبر القنوات الديبلوماسية. وتبين في ما بعد أن هذا الامر يأتي ضمن سلسلة تدريبات بحسب مسؤول سابق في الاستخبارات. ويضيف «اذا كان ما التقطته أجهزة الاستشعار في كانون الاول الماضي مهما جدا للرئيس ليخرج ويقول: توقفوا، فلماذا لم يصدر الرئيس الإنذار ذاته قبل ثلاثة أيام من الهجوم بالغاز في آب؟».

وأشار الى ان وكالة الامن القومي تراقب كل الترددات التي تستخدمها القوات السورية، لكنها لا تقوم بعملية تحليل للمعلومات في وقتها، بل يتم حفظ المعلومات. وبعد معرفة حجم الهجوم في 21 آب فإن الوكالة بذلت جهدا كبيرا من أجل البحث عن تفاصيل الهجوم، وقامت بمراجعة أرشيف الاتصالات المخزنة لديها. ويوضح «ما حصل هو أن وكالة الاستخبارات بدأت بكلمة: استخدام السارين. ووصلت إلى ثرثرات قد يكون لها علاقة بالموضوع». وتابع «هذا لا يقود إلى تحليل ذي ثقة، إلا اذا قررت أن بشار الاسد أمر بذلك، وبدأت تبحث عن أي شيء يدعم هذا الاعتقاد». يشبه هذا الامر التبريرات التي صدرت بشأن غزو العراق.

لقد احتاج البيت الأبيض إلى تسعة أيام لفبركة قضية ضد الحكومة السورية. في 30 آب دعا البيت الأبيض مجموعة منتقاة من الصحافيين في واشنطن وسلمهم تقريرا كتب عليه «تقييم الحكومة» عوضا عن تقييم مجتمع الاستخبارات. كان التقرير عبارة عن خلاصة سياسية لدعم قضية الإدارة ضد حكومة الأسد. لكنه كان، على الأقل، أكثر تحديدا من أوباما في خطابه في 10 أيلول: إن الاستخبارات الأميركية عرفت أن سوريا بدأت «تحضير الذخيرة الكيميائية» قبل ثلاثة أيام من الهجوم.
وفي خطاب عدائي أكثر في ذلك اليوم، قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري المزيد من التفاصيل. قال إن «العناصر السوريين المتخصصين بالأسلحة الكيميائية كانوا على الأرض، في المنطقة، يقومون بالتحضيرات» في 18 آب. وأضاف «عرفنا انه تم إبلاغ عناصر النظام بضرورة الاستعداد للهجوم عبر وضع أقنعة واقية من الغاز واتخاذ الاحتياطات الخاصة بالأسلحة الكيميائية».

لقد كان هناك رد فعل على شكل شكوى من قيادة «الجيش السوري الحر» وآخرين بشأن عدم إصدار إنذار. وقال رزان زيتونة، وهو أحد المعارضين المقيمين في إحدى المناطق التي تعرضت للهجوم بالسارين لمجلة «فورين بوليسي» إنه «من غير المعقول أنهم لم يقوموا بأي أمر لتحذير الناس أو على الأقل إيقاف النظام قبل حصول الجريمة».

وبعد خمسة أيام رد متحدث باسم مدير مكتب الاستخبارات القومية على الموضوع. وقال لوكالة «اسوشييتد برس»: «لنكن واضحين، الولايات المتحدة لم تكن تراقب في الوقت الذي حصل فيه هذا الهجوم الرهيب. لقد قامت وكالات الاستخبارات بجمع المعلومات وتحليلها بعد وقوعها وتقرير أن عناصر في نظام الأسد اتخذوا احتياطات قبل استخدام الأسلحة الكيميائية».
هذا الأمر يتناقض مع ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 31 آب اعتمادا على تقييم الحكومة من أن الاستخبارات الأميركية كانت قادرة على تسجيل «كل خطوة» لهجوم الجيش السوري وقت حصولها «من التحضيرات المكثفة إلى إطلاق الصواريخ إلى ردود فعل المسؤولين السوريين بعد ذلك».

وهكذا فإنه عندما قال أوباما إن الإدارة الأميركية عرفت مسبقا أن عناصر متخصصة بالأسلحة الكيميائية قامت بالتحضير للهجوم فإنه كان يعتمد، ليس على الاتصالات التي تم اعتراضها وقت حصول الهجوم، بل على اتصالات تم تحليلها بعد 21 آب بأيام. وفسر المسؤول السابق في الاستخبارات هذا الأمر بأن ملاحقة الثرثرات تعود إلى التدريبات التي جرت في كانون الأول الماضي، والتي قال أوباما من بعدها إن الجيش السوري بدأ بتعبئة العناصر المتخصصة بالأسلحة الكيميائية ووزع أقنعة مضادة للغاز على قواته. لم يتحدث تقييم البيت الأبيض وخطاب أوباما عن الأحداث التي قادت إلى هجوم 21 آب، ولكنهما تضمنا وصفاً لسلسلة الأحداث بعد تدريبات أجراها الجيش السوري على هجوم كيميائي. وقال المسؤول الاستخباراتي السابق «لقد قاموا بتركيب قصة قديمة. وهناك الكثير من القطع والأجزاء المختلفة. إن القطع التي استخدموها تعود إلى كانون الأول الماضي».

هل هذا ممكن؟ بالتأكيد، فأوباما لم يكن يعرف أن حكمه صادر بناء على تحليل لبروتوكول تدريب للجيش السوري على هجوم بالغاز عوضا عن أدلة مباشرة. في كلتا الحالتين، فقد توصل إلى استنتاج متسرع.


وقال البروفسور في التكنولوجيا والأمن القومي تيودور بوستول، بعد معاينة صور الأمم المتحدة من موقع الهجوم في الغوطة، إن الصواريخ المستخدمة في الهجوم مصنعة محلياً، وهي لا تلائم الصواريخ المشابهة ــ والأصغر حجماً ــ التي يملكها الجيش السوري.

«جبهة النصرة»

ويقارب تحريف البيت الأبيض لما يعرفه عن الهجوم تجاهل المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن تقلل من أهمية حكايته. هذه المعلومات تتعلق بـ«جبهة النصرة»، المجموعة الاسلامية المتمردة التي وضعتها واشنطن على لائحة الإرهاب.

ويعود الاضطراب الاميركي حيال «النصرة» والسارين إلى سلسلة من الهجمات الصغيرة الحجم بأسلحة كيميائية في آذار ونيسان. في ذلك الوقت تبادلت السلطات السورية والمتمردين الاتهامات بشن هذه الهجمات. وفي النهاية أكدت الأمم المتحدة حصول أربع هجمات من دون تحديد المسؤول عنها.

قال مسؤول في البيت الأبيض للصحافيين في نهاية نيسان الماضي ان مجتمع الاستخبارات قيم «بدرجات متفاوتة من الثقة» أن الحكومة السورية تقف وراء الهجمات. إن تقييم نيسان كان عبارة عن عناوين، ولكن التحذير ضاع في الترجمة.
وقال المسؤول إن تقييم الاستخبارات «غير كاف وحده. نريد إجراء تحقيقات أبعد من تقييم الاستخبارات لجمع الحقائق لنعرف ماذا يجب أن نعمل». بكلمات أخرى فإن البيت الأبيض لا يملك أي دليل على تورط الجيش أو الحكومة السورية.

وبعد شهرين من ذلك، أعلن البيت الأبيض، في بيان، تغيير تقييمه، مشيرا إلى ان مجتمع الاستخبارات «لديه ثقة كبيرة» في ان الحكومة السورية مسؤولة عن مقتل 150 شخصاً في هجمات بالسارين، من دون تقديم إيضاحات حول من قدم التقرير. ويقول تقرير البيت الأبيض «لا نملك تقارير حول ان المعارضة في سوريا تملك أسلحة كيميائية أو استخدمتها».

ويتناقض هذا التقرير مع الادلة التي لدى الاستخبارات الأميركية. قال لي مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات، في نهاية أيار، ان وكالة الاستخبارات الأميركية قدمت ملخصا الى إدارة اوباما عن «جبهة النصرة» وعملها مع السارين، وانها أرسلت تقارير اخرى تحذر فيها من ان لدى جماعات سنية متشددة اخرى ناشطة في سوريا وتنظيم «القاعدة» في العراق معرفة بكيفية إنتاج السارين. في ذلك الوقت كانت جماعات «النصرة» تعمل في مناطق قريبة من دمشق، ضمنها الغوطة الشرقية.

لقد صدر تقرير للاستخبارات منتصف الصيف يتحدث عن زياد طارق احمد، وهو خبير في الأسلحة الكيميائية في الجيش العراقي، قيل انه انتقل إلى سوريا، ويعمل في الغوطة الشرقية. قال لي المستشار إن طارق «الذي يعرف بأنه رجل النصرة، معروف بأنه يصنع غاز الخردل في العراق وهو خبير في صنع السارين واستخدامه». لقد صنفه الجيش الأميركي على انه هدف رفيع المستوى.

في 20 حزيران، تم تحويل برقية سرية من أربع صفحات إلى نائب مدير مكتب الاستخبارات في وزارة الدفاع ديفيد شيد حول ما تم معرفته عن قدرة «النصرة» على صنع غاز الأعصاب. وقال المستشار «ما تم تقديمه إلى شيد عبارة عن ملخص مكثف. لم يكن عبارة عن مجموعة نحن نعتقد». وأوضح أن البرقية لا تتحدث عما اذا كان الجيش السوري أو المتمردون قد شنوا الهجمات في آذار ونيسان، لكنها تؤكد التقارير السابقة حول قدرة «النصرة» على الحصول على السارين واستخدامه. وذكّر بأنّ عميلاً إسرائيلياً استطاع إخراج عينة من السارين المستخدم في الهجمات، ولكن من دون أن يأتي ذكر لها في البرقية.ولعلّ تحريف الادارة للحقائق بما يخص الهجوم بالسارين يجبرنا على طرح سؤال: هل لدينا القصة الكاملة عن توجه أوباما للابتعاد عن تهديده بـ«الخط الاحمر» لضرب سوريا؟ لقد كان يزعم ان لديه قضية صلبة، ولكنه وافق فجأة على الذهاب الى الكونغرس، وبعد ذلك وافق على عرض الأسد لإزالة أسلحته الكيميائية. يبدو انه جوبه في وقت ما بالمعلومات المتناقضة: دليل قاطع يكفي لإقناعه بتغيير خطة الهجوم، وتحمل انتقادات الجمهوريين.

ان قرار مجلس الامن الدولي في 27 ايلول الماضي يدعو الى «عدم قيام أي طرف في سوريا باستخدام وتطوير والحصول ونقل وتخزين أسلحة كيميائية». كما يدعو جميع الدول الى إبلاغ مجلس الأمن عن «حصول أي مجموعة» على أسلحة كيميائية. لم يتم تسمية أي مجموعة بالاسم.

وفي حين أن السلطة السورية تواصل عملية إزالة ترسانتها من الأسلحة الكيميائية، فإن السخرية في ذلك انه بعد تدمير الترسانة السورية، فإن «النصرة» وحلفاءها يمكن أن يكونوا الوحيدين الذين يملكون مكونات السارين، وهو سلاح استراتيجي. وقتها قد يكون هناك مفاوضات إضافية.
__________
صحيفة السفير

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.