‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحركات الإسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحركات الإسلامية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 10 مارس 2016

تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية... درس سعودي جديد في الديموقراطية «توحيد الخطاب الإعلامي»

    مارس 10, 2016   No comments
فليسقط الجدار!
بيار أبي صعب

في فيلم «جدار»، يقترح أحد الذين حاورتهم سيمون بيتون مقاربة مثيرة لجدار الفصل العنصري. «بنينا الجدار وفي ظنّنا أننا نعزل الشعب الفلسطيني، لكنّنا عزلنا أنفسنا في غيتو جديد». هذه النظريّة تنطبق على القرار الأخير لوزراء الاعلام في «دول مجلس التعاون الخليجي»: يريدون محاصرة الفضاء العربي الحرّ، فيعتقلون مجتمعاتهم في قمقم.

وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي، دعا أقرانه المجتمعين في الرياض، إلى «العمل المشترك على توحيد الخطاب الإعلامي للمجلس، على غرار سياسته الخارجية». إنّها محاولة طريفة لبناء ماكينة قمعيّة ضخمة، سترتد على بانيها عاجلاً أم آجلاً. هل هناك امكانيّة فعليّة لإقصاء كل صوت نقدي، ومنع شعوب كاملة من التطوّر؟ القرار الخليجي بـ «محاصرة حزب الله اعلاميّاً»، مفاعيله على أرض الواقع فولكلورية. لكن خطورته رمزيّة: الرجعيّات العربيّة تظنّ أن بوسعها، بهيمنتها الاقتصاديّة، أن تقول للعرب كيف يجب أن يفكّروا! أهلاً بكم في زمن التطهير الفكري.


رعاة «الربيع العربي»، يحلمون بإسكات كل الاصوات المغايرة بإسم «الاعتدال» و«العروبة». حرّاس الانحطاط رسموا الطريق الوحيد الممكن الى الحقيقة. ولن يتركوا لأي صحافي أو مثقف أو مبدع أو مناضل، أن يخاطبنا خارج منظومتهم الفكريّة. لن تمرّ أي تغريدة من الآن فصاعداً، تمجّد المقاومة مثلاً، أو تدين الاستبداد، أو ترفض العمالة للاستعمار. لكن سيبقى للمواطن الخليجي أصدقاء على الشاشة، مثل الداعية الصهيوني أفيخاي أدرعي، يهنّئونه بعيد الفطر، ويحاضرون عن العروبة وفلسطين! وما الجديد في ذلك؟ رفاق الشيخ الشهيد نمر النمر ممنوعون أصلاً من كل الشاشات. لكنّهم حاضرون بقوّة في ضميرنا، وفي قلب أهل الجزيرة من دون تمييزات مذهبيّة خسيسة. ألا تقوم مملكة القهر أساساً على المنع والتحريم، وإلغاء الآخر المختلف؟ ومع ذلك تشتغل نخبها العقلانيّة في الظل، من ليبرالية وقوميّة وتقدميّة، على بناء المستقبل.

يظن آل سعود، بهذا الجدار الاعلامي الذي يحاولون تشييده، أنّهم يعزلون «العدوّ». وهم مقتنعون بأنّهم سيتمكنون من إقصاء كل المنابر والمحطات والمواقع والتيارات التي لا تعجبهم. وبأنّهم سيسكتون الأصوات الحرّة التي تنتقد نظامهم الأوتوقراطي والتيوقراطي المتحصّن خلف أسوار الجاهليّة. لكنّهم في الحقيقة، لا يفعلون سوى عزل أنفسهم، وعزل شعبهم عن العصر والحضارة، ومنعه من التطوّر وتلقّي المعلومات والأفكار، فيما الحياة مستمرّة خارج السجن الكبير. كم من الوقت تمكن حماية النموذج الأوحد الذي ينتج تخلفاً وتعصباً وارهاباً؟ كم من الوقت سيصمد الاقتصاد الريعي غير المنتج؟ كم من الوقت ستهيمن الأيديولوجيا التكفيريّة التي أنجبت «القاعدة» و«داعش»، وتجرّ العرب إلى الحروب الأهليّة والتعصّب والفتنة والانغلاق الظلامي؟ الجدار الحديدي في الخليج، لن يسقطه إلا الفكر التنويري، والصحافة الحرّة، ونشر ثقافة النقد والاحتجاج والتغيير. وتلك هي الرسالة التي يضطلع بها الاعلام الممانع.

____________

وزراء اعلام الخليج: نسمع جعجعة، فهل نرى طحناً؟

 نادين كنعان

الحرب السياسية الهستيرية التي تشنّها السعودية ومن خلفها دول «مجلس التعاون الخليجي» على «حزب الله»، اتخذت أمس منحى جديداً ومختلفاً. المعركة هذه المرّة إعلامية بامتياز. بعد اجتماعهم الـ 24 أوّل من أمس، خرج وزراء إعلام مجلس التعاون بمجموعة قرارات إضافية تقضي بمحاصرة الحزب اللبناني إعلامياً و«اتخاذ الإجراءات القانونية كافة لمنع التعامل مع أي قنوات محسوبة عليه وعلى قادته وفصائله».

وبحسب البيان الرسمي، تشمل الإجراءات «التنظيمات التابعة لحزب الله والمنبثقة عنه كافة، باعتباره ميليشيا إرهابية تسعى إلى إثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة وأمن واستقرار دول المجلس والعديد من الدول العربية». أما العقوبات، فتشمل «شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي وكل ما يندرج تحت مظلة الإعلام». حتى إنّ وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي تحدّث إلى الصحافيين على هامش الاجتماع عن «اتفاق خليجي لإعداد آلية لمكافحة أبواق تنظيمات «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» وغيرها، من خلال مكافحتها برامجياً وإنتاجياً، وعلى مستوى الظهور الإعلامي، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي»، وفق ما ذكر موقع صحيفة «الوطن» السعودية أمس. ولفت الموقع إلى أنّه جرى الحديث أيضاً عن «توحيد الخطاب الإعلامي، وإسكات أبواق حزب الله».

الصيغة المطاطة والمبهمة للقرار تطرح علامات استفهام عدّة حول طبيعته والمؤسسات المقصودة فيه: ماذا تعني عبارة منع التعامل؟ وكيف ستتم هذه العملية؟ وما هي القنوات المحسوبة على «حزب الله»؟ هل هي محصورة بالمؤسسات التابعة له مباشرةً، أم تشمل أيضاً تلك المندرجة ضمن خط الممانعة؟ وهل يمكن أن ينسحب ذلك على مختلف المؤسسات الإعلامية اللبنانية بهدف تسعير الحملة الداخلية المضادة للحزب وزيادة التململ الداخلي منه؟ هل سيؤثر الموضوع على عملية إنتاج البرامج والمسلسلات، والتعاون اللبناني ــ الخليجي؟ وماذا عن ضيوف البرامج؟ هذه الأسئلة تظهر إلى الواجهة بمجرّد التعمّق في مضمون القرار الجديد. فهل خرجت الأمور عن السيطرة فعلاً، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها «زوبعة في فنجان» في إطار مواصلة الضغط السياسي على الحزب؟
في ظلّ التزام القنوات اللبنانية القريبة من خط «حزب الله» الصمت، يؤكد أحد الخبراء القانونيين، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار» أن «لا مفاعيل قانونية لهذا القرار». ويرى أنّ ما حصل لا يتواءم مع معايير تعامل الدول، واضعاً إياه في سياق «الاستخدام السياسي الرخيص». يبدو أستاذ القانون الدولي شفيق المصري قريباً من هذا الرأي، وخصوصاً أنّ القرار المتخذ هو ضد «جهة لبنانية وليس ضد الدولة ككل». ويوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّ مجلس الأمن الدولي أو أي هيئة دولية أخرى لم تصنّف «حزب الله» إرهابياً حتى الآن، ما يحول دون تطبيق دول مجلس التعاون الخليجي لقرارها الحديث استناداً إلى القانون الدولي لمكافحة الإرهاب.
من جهته، يشدد المدير العام لوزارة الإعلام حسّان فلحة على أنّ السؤال الأساسي الذي يجب طرحه اليوم: هل هناك تعريف واضح للإرهاب؟ يتشارك فلحة الرأي مع الخبير القانوني، مؤكداً أنّ القرار يندرج ضمن «القرارات السياسية»، وجازماً بأنّ «لبنان دولة ذات سيادة. «المنار» وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» تعمل وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية، وعليها أن تُحفظ وتُصان». ويتابع أنّه في حال حدوث أي خطأ، هناك «قوانين مرعية الإجراء تتم المحاسبة على أساسها وأمام القضاء اللبناني». وفيما يوضح فلحة «أنّنا ضنينون على العلاقة الممتازة مع الدول العربية»، يؤكد أنّ ذلك «لا يمنع المحافظة على المؤسسات الإعلامية اللبنانية».
لا تزال الصورة ضبابية بعد صدور القرار الخليجي الذي جاء بعد أشهر فقط على محاصرة «الميادين» و«المنار» (الأخبار 5/11/2015) على قمر «عربسات». الأيّام المقبلة ستكون كفيلة بإظهار مفاعيله المحتملة على الأرض. غير أنّ الأكيد أنّنا بتنا في حرب مفتوحة وحلقة جنون تستخدم فيها كلّ الأسلحة.
______________

بيار الضاهر: الآتي أعظم؟

زكية الديراني

لا يختلف اثنان على أنّ الإعلام اللبناني ليس في أفضل أحواله مع الأزمات التي تعصف به بسبب تراجع سوق الإعلانات والمناخ السياسي المتوتر. وجاء قرار دول «مجلس التعاون الخليجي» أخيراً ليزيد الضغط عليه، فقد أعلنت هذه الدول «منع التعامل مع أيّ قنوات تلفزيونية محسوبة على «حزب الله»»، وتسري هذه الإجراءات «على كل شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي».

البيان بدا فضفاضاً يحمل تأويلات عدّة. في هذا السياق، يتوقف رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر عند القرار، قائلاً لـ«الأخبار» إنّه «قرار متوقع، لكن لا يمكن التنبؤ بمقاصده فعلياً.
قبل أشهر، بدأت اللهجة الإعلامية لدول «مجلس التعاون الخليجي» تتبدّل، ولا أحد يعرف ما هي الخطوة الأخرى». ويوضح: «السؤال الذي يطرح نفسه حالياً: ما هي حيثيات القرار وتداعياته على الإعلام اللبناني بكل ميوله وانتماءاته؟ وهل سيطال الإعلام اللبناني بلا تمييز؟ هل سنعاقب مثلاً لو نقلنا وقائع جلسة الحوار اللبناني؟ مع القرارات التي اتُّخذت أخيراً بحجب قناتَي «الميادين» و«المنار» عن «عربسات» قبل أشهر، يتبين أنّ هناك حرباً إعلامية تتحضّر في الأفق وبدأت تأخذ منحى تصعيدياً».

_____________
هكذا ستتأثر شركات الإنتاج بالقرار
وسام كنعان
علاء رستم ـــ سوريا
المحتوى المطّاط الذي اتسم به بيان دول «مجلس التعاون الخليجي» أول من أمس يتيح وضع قوائم المنع بناء على مزاجه. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، لاكتشفنا أن خطوات مشابهة اتخذت ضد الدراما وشركات الإنتاج السورية منذ بدء «الثورة السورية» وظهور التصنيفات الموالية والمعارضة.
يومها، قررت محطات خليجية على نحو غير معلن مقاطعة الدراما السورية، وكل ما يصنع من برامج داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكن فترة زمنية بسيطة كانت كفيلة بتذويب هذا القرار وعودة تلك المحطات نحو أهدافها التجارية على وجه الخصوص، لنشاهد أعمالاً سورية تغزو الشاشات الخليجية ومن ثم دخلت كاميرا mbc للمرة الأولى مطاعم دمشق يوم نال السوري حازم شريف لقب برنامجها الشهير «أراب آيدول»، لتتوالى اللقاءات الخاصة في بعض برامجها الفنية. وربما المفاجأة الكبيرة حدثت يوم اشترى «التلفزيون العربي» (قطر) 22 مسلسلاً سورياً دفعة واحدة من شركة «سما الفن» (سورية الدولية) التي يملكها رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السوري محمد حمشو!

وفق هذا المنطق، لن يكون هناك تأثير فعلي على الأعمال الفنية التي تنتجها جهات يعدّها الخليج حليفة لـ «حزب الله». هذا ما يؤكده مدير تسويق كبرى شركات الإنتاج السورية في اتصالنا معه، مفضلاً عدم ذكر اسمه. وأوضح أنه قرأ القرار وأعاد دراسته مرّات عديدة وهو «لا يطاولنا وليس لنا أي علاقة مباشرة به، لأنه يتوجه إلى «حزب الله» ومؤسساته على نحو مباشر، ونحن كغيرنا من الشركات السورية نصنّف كشركة مدنية سورية لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، ولو أننا ما زلنا نعمل في سوريا. وقد بدأنا عملية التسويق السنوية المعتادة، ونتواصل مع جميع المحطات العربية من دون فيتو مسبق».

في المقابل، تخبرنا إحدى المسؤولات عن تنفيذ برامج الترفيه للمحطات الخليجية في لبنان والشرق الأوسط مفضلة أيضاً عدم ذكر اسمها بأنّ «القرار سيؤثر على نحو مباشر في برامج المواهب وغيرها من ناحيتين: الأولى هي صعوبة التصوير في لبنان وعدم القدرة على استضافة مشتركين خليجيين هنا». وبسبب تبعات هذا القرار، تكشف محدّثتنا بأنّه «جرى نقل تصوير برنامج توك شو هو «أنا زهرة جونيور» الذي يصوّر لمصلحة قنوات «أبو ظبي» إلى دبي، بعدما كان مقرراً تصويره في لبنان بسبب مخاوف من استقدام المشتركات إلى لبنان. ومن الممكن التفكير في نقل تصوير بعض البرامج إلى مصر في حال عدم حلّ هذه المشكلة قريباً». أما الناحية الثانية التي يؤثر فيها القرار، «فستكون على برامج المواهب التي تستقدم مشتركين من مختلف أنحاء الوطن العربي ومن مختلف الانتماءات السياسية. وهذا سيؤثر في الحرية في اختيار المشتركين، وسيجعل البرامج تخسر شرائح معينة من جمهورها على نحو مسبق. لذا، قد نتباحث مع القنوات التي نعمل معها لكي تستنثى برامجنا من هذا القرار والعمل على تحييدها كلياً عن السياسة».
لا أحد يعرف إلى أين ستصل الأمور ولا شيء يبدو نهائياً. تشير كل المعطيات وآراء المتخصصين في إنتاج البرامج والمسلسلات في لبنان وسوريا على أن الأمور ستحسم كلياً في شهر نيسان (أبريل) المقبل، على اعتبار أن القرارات النهائية المتعلقة بإنتاج البرامج الفنية التي تعرض في رمضان تتخذ في هذا الشهر. وحينها سيتّضح المشهد: إما مقاطعة إعلامية نهائية بين لبنان وسوريا من جهة، والخليج من جهة ثانية، ما سيكون ذا نتائج سلبية على الجميع أو تهدئة ودبلوماسية تحقن مصالح متعلقة بصناعة الميديا والترفيه والدراما.

_____________

تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية
نور الدين بالطيب
تونس | على أثير إذاعة «ماد» التونسية أمس، رحّب سفيان بن فرحات، كبير المعلّقين في الإذاعة ورئيس تحرير أعرق صحيفة تونسية مملوكة للدولة وناطقة بالفرنسية «لا براس» (بتهكم)، بقرار مجلس التعاون الخليجي القاضي بمقاطعة ما سمّاه «الأذرع الإعلامية» لـ«حزب الله».

ترحيب بن فرحات بهذا القرار يعكس رأياً عاماً في تونس مناصراً للحزب باعتباره حزب مقاومة للكيان الصهيوني. ويأتي ذلك بعدما رفضت تونس والجزائر الموافقة على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب، باعتبار حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية».

هذا الرأي العام لا يتعلق بتونس والجزائر فقط، بل بمجمل المغرب العربي الذي يحمل حساسية قديمة ضد الوهابية التي قاومها المغاربة منذ القرن التاسع عشر، عندما ردّ شيوخ جامع الزيتونة، المعروف بـ«الجامع الأعظم»، ورفضوا دعوة الوهابيين بنشر مذهبهم في المغرب العربي عبر المجموعات السلفية التي تموّلها بعض الدول الخليجية.
قرار مجلس التعاون الخليجي لن يكون ذا تأثيرات كبيرة على الأرض، فمعظم الإذاعات والفضائيات التونسية لا علاقة لها بدول الخليج، ولا تحصل على أي مساحة إعلانية منها، وكذلك الصحف التي تحصل على مساحات إعلانية محدودة لا تمثّل إلاّ نسبة صغيرة من مواردها المالية. وقياساً بالمزاج الشعبي في منطقة شمالي المغرب العربي، فإنّ كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لا يمكنها التضحية بمتابعيها الذين يرفضون مزاجياً ووجدانياً الاصطفاف وراء دول الخليج من أجل حفنة من الدولارات.
قرار مجلس التعاون استقبله الاعلاميون التونسيون بتهكّم، وهذا ليس غريباً على منطقة المغرب العربي التي ساندت القضايا القومية وقدّمت آلاف الشهداء منذ الأربعينيات دفاعاً عن فلسطين. ولعل وسائل الإعلام الوحيدة التي تصطف وراء الإسلام السياسي الوهابي وتدافع عنه هي المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف التي تساند حركة «النهضة» وتدافع عن تحالفاتها.

____________

هكذا تدحرج الغضب السعودي من واشنطن إلى بيروت

المملكة العربية السعودية.. إلى أين؟
يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.
وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية.
وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».
وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي».
وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي».
وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية».
واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان».
ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».

الانزعاج الأميركي
وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته».
وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه.
يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران.
واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها.
وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان.
ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب.
وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.

الحسابات السعودية
ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها.
لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه.
وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية.
ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط.
ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل.
أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى.
في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً.
كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.
الى ذلك، التقى الرئيس تمام سلام أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان، فيما وصفت مصادر السرايا الاجتماع بالإيجابي جداً.
وأكد السفير الكويتي عبد العال القناعي باسم الوفد حرص دول الخليج قاطبة على لبنان دولة وأمناً واستقراراً ومؤسسات، وعلى الاستمرار في تعزيز هذه العلاقة، «وقد لمسنا من الرئيس سلام الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وإزالة أي شوائب قد تعيق تقدمها، وحمّلنا رسالة واضحة الى دولنا سننقلها بكل أمانة وصدق».

السبت، 23 يناير 2016

عبد الفتاح مورو: الوهابية أساس «داعش» ومصدّرتها

    يناير 23, 2016   No comments
عبد الفتاح مورو
مختلفٌ عبد الفتاح مورو، النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب التونسي، وأحد مؤسسي حركة «النهضة»، عن أقرانه من علماء الدين. يدعو إلى «فهم» الواقع، والعمل بمقتضياته، وإخراج الإسلام من «العبادات الضيّقة». «إخواني» الجذور، لكنّه يختلف معهم إلى حدّ النقد. باحثٌ عن تجربة للإسلام السياسي، ليتمكّن من أن يطعّم بها «النهضة»، لتقود تونس، مجدداً. يحاول الوقوف على «الحياد»، من أزمات المنطقة، من محيطها إلى خليجها، لكن «الوهابية» تستفزّه، فهي من صدّرت «داعش... وفتكت بالأمّة»
 نور أيوب


■ في زيارتكم السابقة لبنان، كنتم في ضيافة «الجماعة الإسلامية»، كيف تصفون علاقتكم بالتيارات الإسلامية، بشكل عام، وبالجماعة بشكلٍ خاص؟

علاقتنا بالحركات الإسلامية «حيادية». نلبّي دعوة كل من يدعونا لنتباحث معه في الشأن العام، أو لبناء علاقة ثنائية.

وفي لبنان، لم يدعُنا غير «الجماعة»، وحين استجبنا لدعوتهم، لم يكن موقفنا بأننا معهم على حساب غيرهم، ولا نساند طرفاً على طرف. وهذا ينطبق على التيارات السياسية المختلفة.

■ هل تتعاطفون مع «الجماعة الإسلامية»، أم تتعاطون معها على أساس «الحياد»؟
نتعاطف مع كل الحركات الإسلامية، التي تنطلق من منطلق إسلامي. هناك فروق في الممارسة وفهم الواقع، وهناك اختلافات تفرضها طبيعة الميدان. نحرص على أن نأخذ تجارب غيرنا، واستخلاص ما يفيدنا منها، لتنظيم أساليب عمل جديدة لم نعرفها من قبل. ونحن حريصون على أن نطعّم تجربتنا بنتائج تجربة الآخرين. والجماعة الإسلامية تندرج في هذا الإطار.

■ حزب الله، هو الجناح الشيعي، في التيارات الإسلامية اللبنانية، هل حدث لقاء بينكم وبينهم؟
حتى الآن لم نُدعَ إلى لقاء كهذا. وإن دُعينا، سنستجيب في حدود العلاقات الثنائية. القرار تأخذه مؤسساتنا (التابعة لحزب النهضة) المعنية، وتضبط موضوع الاتفاق، كما تضبطه مع غيره من الأطراف. وحزب الله هو طرفٌ مؤثر في الساحة اللبنانية السياسية، ويهمنا أن نفهم ما يحدث على هذه الساحة.

■ كيف تنظرون إلى حزب الله؟
على الصعيد اللبناني، لا نتدخل بدوره، فهذه قضية لبنانية، ولا يمكن أن نقيّم، لا بالسلب ولا بالإيجاب. لكننا نؤيده في بعض القضايا، ونتوقف عند أخرى. علاقتنا الأولى بـ«حزب الله»، كانت في تدخله البطولي في القضية الفلسطينية، ووقوفه إلى جانب المقاومة الفلسطينية. أما ما يجري في سوريا، فنحن نتوقف عنده.

«النهضة» في الحكم، وخارجه

■ أوضحتم أنّكم تسعون إلى الاستفادة من تجارب الآخرين. حالياً، هناك ثلاث تجارب سياسية على قاعدة الحكم الإسلامي. التجربة التركية، التجربة الإيرانية وتجربة «الإخوان المسلمين» في مصر. كيف تقرأ هذه التجارب؟
هذه التجارب مطروحة للدرس في نطاق مؤسساتنا التقييمية. ولنا من ينكبّ على دراستها، واستخلاص المشترك بينها، وما يفرّقها، إضافةً إلى أسباب نجاحها وفشلها. من جهتي، لا أستطيع أن أقيّمها. ولكن، لا يمكن أن نتجاهل التجربة الإيرانية القائمة منذ 1979، والتي قطعت مخاضات مختلفة، وآلت إلى ما هي عليه. ولا يمكن، أيضاً، أن نلغي التجربة التركية أو المصرية. دورنا الحالي، أن نساهم في الحكم، وأن يكون لنا موقف منه. لذا نحن بحاجة الى أن ندرس هذه التجارب، ونستخلص منها العبر.

■ ما طبيعة علاقة «النهضة» مع تركيا وإيران ومصر والسعودية؟
ليس للحركة علاقة مباشرة مع الدول. أبداً. علاقتها، فقط، بالوطن التونسي، لأننا نعتبر أنفسنا حركة وطنية تونسية من منظومة البلد السياسية. نعم، لدينا علاقات مع الأحزاب والحركات. وإذا توفّر حزب أو حركة في أيّ بلد، يرغب في التواصل معنا، فنحن مستعدّون لذلك، وبنطاق شفّاف.

■ حزب «العدالة والتنمية»، هل هناك أي علاقة معه؟
العلاقة موجودة، وليست علاقة بدولة. نأخذ منهم معالم التجربة التركية، والتي تفيدنا في التعامل مع الفرقاء السياسيين، علماً بأن هذه التجربة ليست تجربة إسلامية، إنما تجربة سياسية في وطن علماني، ويُطلق عليها إسلامية، وليس فيها معالم التجربة الإسلامية. رغم ذلك، فهذه التجربة هي ملهمة لحركتنا، التي تريد أن تجد لنفسها روابط مع إسلاميين وغيرهم من العلمانيين.

■ ما مدى تأثير «الإخوان المسلمين» في مصر على «النهضة» في تونس؟
شخصياً، أعتبر أنه ليس لنا علاقة عضوية مع «الإخوان»، وهذا أعلناه منذ 1978، حين انفصلنا عضوياً عنهم. لكن تجربتهم هي أكثر التجارب الإسلامية اهتماماً من قبلنا، وذلك لقيمة مصر وما يحدث بها، ومدى تأثيرها على الحراك الإسلامي في تونس. و«النهضة» تأثرت بما حدث في مصر. سقوط الإسلاميين من الحكم في مصر، أثّر بشكلٍ كبيرٍ على موقفنا من الفرقاء السياسيين في تونس.

■ هل تعتبرون أن «الإخوان» أخطأوا في حكم مصر؟ وهل حاولتم تجنّب ذلك في إدارتكم؟
كان لنا موقف من إدارتنا للحكم. شخصياً، تميّزت عن «النهضة»، رافضاً تسلّم الحكم في تونس وفي مصر. دعوت «الإخوان»، المصريين، قبل أن يدخلوا في الانتخابات البرلمانية الى أن يشاركوا بحدود الثلث، ولا يتجاوزوا ذلك. وقلت إنّه لا مجال للتباري على موقع رئاسة الجمهورية. وكان تخوفي على التجربة المصرية، كي لا تؤثر على تجربتنا في تونس. وهنا، يجب الالتفات، إلى أن الخصومة المصرية هي بين حكم مدني وآخر عسكري، وليس مع العلمانيين.

(تصوير مروان بو حيدر)

أما «الإخوان» فخاصموا العلمانيين. لم يستطيعوا أن يقهروا «العسكر»، لأنه جزء كبير من الاقتصاد المصري ومجتمعه وحياته اليومية. قضيتنا ليست حكماً إسلامياً أو أو... قضيتنا تحقيق الحريات. وهذا ما لم يفهمه «الإخوان». فالقضية، في مصر، بين طرفي نزاع، الأوّل هو جهاز سلطة عسكري، كان متخفياً بقناع مدني، وأزاله عنه حين بدأ يضرّه، وهو متمسّك بمنصبه، ولا يريد التنازل. أما الثاني، فهو «الإخوان». والصدمة، أن «الإخوان» قدّموا أنفسهم على أنهم مدافعون عن الثورة. لكنهم لم يكونوا ثوريين من قبل. ولم يكن لهم برنامج انتقال ديموقراطي. فوجئوا بالحكم كما فوجئ غيرهم، لكنّهم فرضوا على أنفسهم التصدي للقضية، ولم يكونوا على قدر المجابهة، فكانوا الطرف الأضعف فيها.
■ تداولت أوساط عن مبادرة مشتركة بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والشيخ راشد الغنوشي، لإصلاح «ذات البين» بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و«الإخوان». ما صحّة ذلك؟
لا أعلم، ولا أجزم ولا أرفض. ولكن من الممكن أن يكون قد حدث ذلك، وهو ممكنٌ نظرياً. ثم، من قال ان «الإخوان» يرغبون في حلٍّ اليوم؟ أو السيسي؟ الطرفان لا يريدان حلّاً. المبادرة هي «تمنّ» لمن يعزّ عليهم بقاء قيادة «الإخوان» في السجن، وهذا ما يعزّ علينا. لقد تحولت مصر إلى ساحة صراع بين حاكم بالسلاح ومحكوم بالاضطهاد. وما يُنسب إلى «الإخوان» على أنهم إرهابيون، هو افتراء، هم ليسوا كذلك، هم إصلاحيون.

■ هل ابتعد «الإخوان» عن أفكار سيد قطب؟
لقد تمت مراجعة أفكار سيد قطب. ويبدو أن الذين استأثروا بها هم «جماعة الجهاد والهجرة». وقد تبنت الحركات «الجهادية» هذا الفكر. أما «الإخوان»، فبقوا على خط الأستاذ حسن البنّا، صاحب الخط الإصلاحي، الذي لا ثورة فيه، بل إصلاح. وأنا أحرص على أن يبقى «الإخوان» كذلك. فمصر لا تتحمل هزّات، وضعها «هش».

■ كيف تصف حزبي تونس، «النهضة» و«النداء»، والأزمات التي يمرّان بها.
قضيّة انقسام «النداء» مزعجة ومقلقة، بالنسبة إلى إسلامي. الحزبان حديثا الوجود. فـ«النهضة» متقوقعٌ ويخشى أي مبادرة، أما «النداء»، فأسفر عن شقّين، وسيسفر عن شقوقٍ أخرى. كيف يمكن أن نسند سياسة الدولة إلى هكذا حزبين؟ وهما غير قادرين على تيسير سياسة شؤون البلد.

■ هل توافقون على توريث ابن الرئيس القائد السبسي؟
هذا غير وارد، وغير ممكن، لا رئاسياً ولا حزبياً. وهذه كذبة.

■ هل «النهضة» في استراحة محارب لاستعادة تسلّم الحكم؟
يهمّني أن تُقيّم التجربة، وتُهيّأ الكوادر. نحن بحاجة إلى أن نهيئ لحزب قوي بعد عشر سنوات، بعد تداولين آخرين للسلطة. نحتاج إلى أن نكون حزباً قوياً ومتمكناً، وأصحاب نظرة إصلاحية تستطيع تجنيد الشعب لخدمتها، وسنقوم بورشة إصلاحية، وتغيير السياسات والقيادات. وقد اقترحت مشروعاً بتغيير ثلثي للقيادة، وتطعيمهم بآخرين شباب.

«الربيع العربي» والإسلام... وملفات المنطقة

■ المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، اعتبر «الربيع العربي» «صحوة إسلامية»، هل توافقه؟
كلا، لقد أخطأ التقدير. أنا، ومن منطلق ناشط في هذا الحراك، لم يكن للإسلاميين دورٌ مميز، لم يهيئوا له. الأحداث فرضت بشكلٍ متتال على المجتمع التونسي، والإسلاميون تحركوا بعدما أُفسح لهم المجال بالتحرك. ما خطّطوا، ولا وجهوا، ولا هيأوا، ولم يعطوا أسباب النصر، إنما استغلوا واستفادوا.
المرشد الأعلى أطلق تفاؤلاً هذه التسمية، منطلقاً من أن الحراك هيّأ للإسلاميين الحكم. لقد وصل الإسلاميون إلى الحكم لأنهم كانوا الطرف المستضعف في فترة الاستبداد. عندما قَدِموا لم يكونوا جاهزين للحكم. ولا يمكن أن ينجحوا كما فعلت الثورة الإيرانية وغيرها. لم يكن لنا وجود في الإعلام وبين المثقفين. لو كان لنا مجال على مدى 30 سنة لكنا استطعنا أن نبني النموذج وأن نقود بالشكل الصحيح.

■ ما هي قراءتكم للحرب في سوريا؟
أتسعت الحرب أكثر من اللزوم. وخرجت القضية من طور خلاف بين حاكم ومحكوم، إلى توظيف عالمي وإقليمي، ونحن نتوقف أمامه. ونرى أن توسيع النزاع بهذا الشكل، اليوم، سينتهي ضد الشعب السوري، وسيؤثّر على البنية الأساسية في سوريا، وما يهمنا استقرار سوريا وبقاؤها سنداً للرأي العربي الموحد. وفي الحقيقة، فإن الصورة ضبابية لدينا، وهي قائمة على ما ينقل إلينا من الصحافة. وليس لدينا اتصال مباشر بالأطراف الفاعلة حتى نقف على حقيقة الأمر، لإعراضنا عن هذه الأطراف كي تضعنا في الصورة، وبات الإعراض متبادلاً، بيننا وبينهم، ما جعلنا نكتفي بما ينقل إلينا من الصحافة.

■هل حاولت الأطراف المتنازعة في سوريا أن تفتح جسراً للتواصل معكم، لتبيّن وجهة نظرها؟
لم يحصل ذلك.

■ كيف تتعاطون كـ«حركة النهضة» مع الحرب السعودية على اليمن؟
الصراع اليمني هو «يمني ــــ يمني»، لكنه بين السعودية وإيران. فالسعودية تريد التوسّع، وإيران بعدما تحوّلت من قوة قطريّة إلى قوّة إقليمية، باتت تريد السيطرة. أما «النهضة» فلا تصطف بصراع بين المسلمين. إن كان ولا بد، لنكن «دعاة سلم بينهم».

■ كيف انعكس التوتر الإيراني ــــ السعودي على المنطقة؟
لم يعد التوتر سياسياً، أصبحَ بين عربٍ وفرس، وأخذ منحى سنيّاً ــــ شيعيّاً. التوظيف المذهبي للقضايا السياسية خطيرٌ جداً. والخلاف الديني لا ينتهي، لأنه مبدئي. وهنا، أشدّد على مبدأ الوحدة الإسلامية. وأدعو لكي يتصالح أصحاب الشأن ويعلّمونا. نحن لم نستثمر عقولنا، ولا المعرفة، عكس تركيا وإيران اللتين أقدّرهما.

■ هل يمكن أن تتبعوا دولة كبرى؟
العلاقات الدولية لا تخضع للتقييم الأخلاقي. هناك من يريد أن يساعدك. فالقضية هي «مصلحة»، ولا يمكن التعامل خارج إطارها. ولكن هل هناك دولة لا تتبع أحداً؟ إذا فُرضت علينا التبعية، نتبع من يقدم لنا الخدمة الوطنية. بلدنا لا إمكانات فيها. لا شيء. قوتنا في الخدمات، ويجب أن نفتح أبوابنا للجميع.

يرى عبد الفتاح مورو أن «الوهابية» هي الأساس الفكري لـ«داعش»، وأن المملكة السعودية هي «المصدّر» الرئيسي للتنظيم. ويضيف مورو أن «علماء السعودية جامدون فكرياً، ولا يمكن أن أتوافق معهم». ويأسف أن تصادر حرية الشعوب، وخصوصاً السوري، بفتاوى «غير مقبولة»؛ فالدعوة إلى الجهاد في أرض الشام، والفتوى التي أطلقها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، ليست «شرعية»، مشيراً إلى أن «من دعا إلى الجهاد فتح الباب لتدويل القضية السورية، وهذا خطأ». ولفت إلى أن ما يجري الآن، في سوريا، «ليس حرباً جهادية، فالذين أفتوا لم يقدّموا الوسائل العملية لإنجاح الجهاد».

تقسيم مقبل في ليبيا... وشباب تونس غذاء «داعش»

لا يحبّذ عبد الفتاح مورو التدخل العسكري في ليبيا. يرى أن «الوضع صعب ومعقّد». فالليبيون لم يدركوا، حتى الآن، خطورة الوضع. بعضهم مجيّر لخدمة الغرب، أما الآخر فيعتبر الاستقواء بالغرب، أيضاً، على نظيره، أمراً محبّذاً للوصول إلى السلطة. أما العقدة الأساسية، وفق مورو، فهي أنه «لا تنازل»، من أي طرف لأجل الآخر، أو من أجل ليبيا.
يرى الرجل أن «الأجنبي الذي يعينك، اليوم، سيستخدمك غداً فستصبح أسيراً له»، مشيراً إلى أنّه طلب من «الإسلاميين الخروج من الساحة كمنازع، والبقاء فيها كمراقب ومشارك».
وعن التدخل الأجنبي، ينفي مورو إبلاغ الغرب الدولة التونسية نيته بالتدخل، لكنه لا يستبعد ذلك، مستشرفاً أن ليبيا ماضية إلى التقسيم.
ويشدّد مورو على أن «داعش» تجد «سنداً» في ليبيا، ذلك لافتقاد شبابها «الوعي والفهم المعكوس للثورية والإسلام». وينفي عن «داعش ليبيته»، بل يرجعه إلى أصله في العراق وغذائه من الشباب التونسيين، الذين حرموا النشاط في تونس وذهبوا إلى ليبيا. كما يرى أن «أرض ليبيا ليست أرض إرهاب، ولا أهلها لهم طبائع إرهابية»، مشيراً إلى أن «الإرهاب استغل الفراغ الموجود في البلد».
أما عن سبب الجهاد «التونسي»، وانضمام الشباب إلى التنظيم المتطرّف، فيرى أن تونس تفتقر إلى «مصانع العقول»، حاسماً أن «المعاهد هي التي تصنع الشباب».
ويؤكّد أن الشباب التونسيين المنتسبين إلى التنظيم «لم يتخرجوا في المعاهد، لقد عاشوا على الفراغ، هم أبناء شوارع، وتعلموا الإسلام من الفضائيات والمطبوعات المشبوهة». لكنه يأسف أن «تونس باتت أرضاً خصبة للجهاديين، بسبب فقدانها المنهج التعليمي الواضح».
________
«الأخبار»

السبت، 2 يناير 2016

حملة الاعدامات في السعودية والاخطار التي يمكن ان تترتب عليها داخليا وخارجيا.. لماذا جاءت بهذه الضخامة في العدد؟ وما هي الاسباب الحقيقية التي املتها؟ وهل هناك خطأ في الحسابات؟

    يناير 02, 2016   No comments

عبد الباري عطوان


 اذا كان الهدف من تنفيذ احكام الاعدام بالرصاص، او بحد السيف، في حق 37 متهما بالارهاب في المملكة العربية السعودية هو “ارهاب” الآخرين، ومنعهم من الاقدام على اي اعمال احتجاج، او هجمات، وعنف ضد النظام ومؤسساته ومصالحه، فان ما قد يترتب عليها من ردود فعل، ونتائج قد تكون عكسية تماما.
من المؤكد ان العهد السعودي الجديد الذي بدأ بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة قبل عام تقريبا، يريد ان يعزز الانطباع الذي يقول بأنه “عهد الحزم” وممارسة سياسة القبضة الحديدية، والتخلي عن سياسة “المهادنة” التي اتبعها الملوك السابقون، واول تطبيق لهذا “التحول” جاء من خلال اعلان الحرب في اليمن لمواجهة التحالف “الحوثي الصالحي” تحت ذريعة مواجهة النفوذ الايراني، وها هو يدشن مطلع العام الميلادي الجديد بهذا العدد الضخم من الاعدامات التي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1980، حيث جرى اعدام 63 متشددا اسلاميا اقتحموا الحرم الملكي الشريف بقيادة “الداعية” جهيمان العتيبي.

الحزم ضروري وعلى درجة كبيرة من الاهمية، شريطة ان يأتي في التوقيت المناسب، ويمتلك اصحابه ادوات القوة وعناصرها، وفي اطار استراتيجية محكمة، وفي ظل ظروف اقليمية ودولية ملائمة، ولا نعتقد ان هذه الشروط، او معظمها، متوفرة حاليا في الحالة السعودية، فليس من الحكمة خوض حربين في الوقت نفسه، واحدة في سورية، واخرى في اليمن، لمواجهة النفوذ الايران، في وقت يتعزز هذا النفوذ باتفاق مع الولايات المتحدة، والدول الست العظمى، تنهي حصار امتد لما يقرب من الثلاثين عاما، وتلقي دولة عظمى مثل روسيا بكل ثقلها العسكري والسياسي خلف النظام السوري، وتخوض حربه مباشرة ضد معارضيه المسلحين، وتتراجع العوائد النفطية، وتتسم سياسات الحليف الامريكي التاريخي بالتردد والارتباك.
اعدام 46 سنيا متهمين بالتشدد، وتبني فكر تنظيم “القاعدة”، والاقدام على احتجاجات وتفجيرات، بصورة مباشرة او غير مباشرة، بين اعوام 2003 الى 2006، من اجل التغطية على اعدام الداعية الشيعي نمر النمر، المتهم بالتحريض على احتجاجات سلمية تطالب بالديمقراطية، وحقوق الانسان، على غرار ثورات الربيع العربي الاخرى التي حظيت وتحظى (في سورية) بدعم القيادة السعودية، لن يخفي الحقائق، ولن يمتص حالة الغضب والاحتقان في اوساط ابناء الطائفية الشيعية، بل قد يؤدي لاول مرة الى توحيد “الغضبين” السني والشيعي معا، واقدام خلايا متطرفة من الجانبين على ردود فعل انتقامية في الوقت نفسه.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” ندين الارهاب الذي يفتك ارواح الضحايا الابرياء ويزعزع الامن والاستقرار باشكاله كافة، ونفرق بينه وبين المطالبة المشروعة بالحريات والاصلاح، والحق في الاحتجاج، على المظالم والقمع والفساد ومصادرة الحريات، ومن هذا المنطلق، نعارض احكام الاعدام وتمثيلها من قبل المملكة العربية السعودية، عندما تصدر عن نظام قضائي يفتقد الى المصداقية، ولا يتوفر فيه الحد الادنى من قيم العدالة وآلياتها، ولهذا ندين تنفيذها في حق المتهمين الـ47 فجر هذا اليوم داخل سجون المملكة في 12 مدينة، فجميع الذين جرى تنفيذ هذه العقوبة في حقهم لم يحظوا بمحاكم عادلة، ولم يتمكنوا من الدفاع ن انفسهم، في ظل نظام قضائي يحكم على “مغرد” على “التويتر” الجلد والسجن عشر سنوات، ويمنع شاعرة من الكتابة في الصحف، وحق التعبير بالتالي، لخمسة عشرة عاما، وبأمر من امير منطقة وليس من محكمة رسمية، وبسبب قصيدة، وهو الشاعر والمثقف.
الاضطهاد والاقصاء والقمع في المملكة العربية السعودية هي الممارسات الوحيدة، التي يمكن القول، بانها تتم ليس من منطلقات مذهبية او طائفية، لانها لا تفرق بين سني وشيعي عندما يتعلق الامر بالمطالبة بالحريات والاصلاحات والعدالة، ولكن لا بد من الاعتراف بان ابناء الاقلية الشيعية كانوا الاكثر معاناة، وتعرضوا طوال عقود لمعاملة تمييزية اقصائية، وكمواطنين من الدرجة الثانية موضع شكوك في ولائهم، ومن يقول غير ذلك، مكابر يتعامى عن الحقيقة.
لا نريد ان نستبق الامور، ولكننا نكاد ان نجزم بأن تنفيذ احكام الاعدام هذه ستترتب عليها اعمال انتقامية، وردود فعل خطيرة، مما قد ينعكس سلبا على امن المملكة واستقرارها، ويصب المزيد من الزيت على نار مشاكلها الامنية المتفاقمة، ويزيد من ضخامة حجم ملفها المتعلق بغياب الحريات والقضاء العادل، ناهيك عن استقلاليته، وانتهاك حقوق الانسان.
ان اكبر اعداء السعودية هم الذين يأتون من صلب نظامها، ويتبنون مثل هذه السياسات والمواقف التي تفاقم من ازماتها، وتفجرها حروبا في الداخل، الى جانب حروبها الاخرى في الخارج، التي ما زالت في بداياتها، وتستعصي على الحزم والحسم معا، وقد تمتد لعقود.
حروب الخارج مكلفة بشريا وماليا وسياسيا وعسكريا، لكن حروب الداخل، اذا ما اندلعت، هي الاكثر كلفة على الصعد كافة، خاصة عندما تتفجر في الوقت الخطأ، وفي ظل احتقان شعبي كبير، واوضاع اقتصادية مأزومة، وبطالة مرتفعة.
من جرى تنفيذ احكام الاعدام بهم لهم حواضن وامتدادات شعبية وقبلية وطائفية، مثلما لهم انصار في الداخل والخارج، ولا نعتقد ان من اتخذ القرار، حسب حساباته جيدا، تماما مثلما فعل عندما ورط بلاده في حروب خارجية، واليمنية منها خاصة.
ايام المملكة القادمة صعبة، بل صعبة جدا، ونكتفي بهذا القدر.

الأحد، 6 ديسمبر 2015

نائب ميركل للسعوديين: ولى زمن غض الطرف... "يجب وقف تمويل الرياض للمساجد المتهمة بتغذية التطرف"

    ديسمبر 06, 2015   No comments
دعا سيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأحد السعودية إلى وقف تمويل المساجد الأصولية في الخارج المتهمة بتغذية التطرف.
وشدد غابرييل على أن "المساجد الوهابية في جميع أنحاء العالم ممولة من السعودية".
وأضاف لصحيفة "بيلد أم سونتاغ" الألمانية: "في ألمانيا العديد من الإسلاميين الذين يعتبرون أشخاصا خطيرين خرجوا من هذه المجتمعات".
وحذر غابرييل، وهو أيضا وزير الاقتصاد الألماني، من توجيه انتقادات كثيرة تؤدي إلى العداء مع السعودية، أحد الأطراف الرئيسية في محاولة إنهاء الحرب السورية.
لكنه قال: "في الوقت نفسه، علينا أن نوضح للسعوديين أن زمن غض الطرف قد ولى".
وحض غابرييل على اتخاذ تدابير حاسمة في ألمانيا ضد المساجد المتطرفة المرتبطة بالإسلام السلفي الأصولي.
وقال إن "هذه الأصولية المتطرفة المتواجدة في المساجد السلفية ليست أقل خطورة من التطرف اليميني".
من جهته، حث رئيس المجموعة البرلمانية في الحزب "الديموقراطي الاجتماعي" الالماني توماس اوبرمان على اتخاذ خطوات ضد الخطابات التي تتعارض مع الحريات الأساسية المكفولة في الدستور الألماني.
واضاف "سنمنع الدعم الذي تقدمه السعودية في بناء أو تمويل المساجد في ألمانيا حيث يتم نشر الأفكار الوهابية".

ورفضت الحكومة الالمانية الجمعة نتائج تقرير اصدرته وكالة الاستخبارات الالمانية يدين السعودية، ووصفت الرياض بانها شريك اساسي في حل النزاع في المنطقة.
واندلع الخلاف غير المعتاد بين المستشارية الالمانية ووزارة الخارجية من جهة ووكالة الاستخبارات الخارجية الالمانية من جهة اخرى، عندما اصدرت الوكالة تقريرا الاربعاء تتهم فيه السعودية بتغيير في سياستها الخارجية في شكل يزعزع الاستقرار في المنطقة.

الاستخبارات الألمانية تحذّر السعودية من السياسة "الإندفاعية"

عبّر جهاز الاستخبارات الاتحادية الألماني "بي.إن.دي"، في بيان علني نادر اليوم الأربعاء، عن قلقه من أن السعودية باتت "اندفاعية" في سياساتها الخارجية مع ترسيخ ولي ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان لأقدامه.
وقال جهاز الاستخبارات إنه مع فقدان السعودية الثقة في الولايات المتحدة كضامن للنظام في الشرق الأوسط، تبدو الرياض مستعدة لخوض مزيد من المخاطر في إطار تنافسها الإقليمي مع إيران.
وأشار إلى جهود الخصمين للتأثير في الأحداث في سوريا ولبنان والبحرين والعراق، حيث تبدو السعودية مستعدة بشكل متزايد لتحمل مخاطر عسكرية وسياسية ومالية لضمان ألا تفقد نفوذها في المنطقة.
وقال ان "الموقف الديبلوماسي الحذر حتى الآن للزعماء الأكبر سناً في الأسرة الملكية يجري إحلال سياسة تدخلية اندفاعية محله"، مضيفة أن السعوديين لا يزالون ملتزمين بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.


________________

جريدة السفير

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

«أحرار الشام» تُقصي رافضي «الارتهان لتركيّا» ... وتستعدّ لـ«الاحتراب»

    أغسطس 26, 2015   No comments
«أحرار الشام» تُقصي رافضي «الارتهان لتركيّا» ... وتستعدّ لـ«الاحتراب»

 صهيب عنجريني

«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» ماضيةٌ في رسم مسارها وفقَ إيقاعٍ مضبوطٍ على النغمة التركيّة. وباتَ مألوفاً أن تُزامن «الحركة» بين كلّ خطوة تخطوها بغية الإيحاء بتحرّرها من ثقل «الانتماء القاعدي»، وبين أي تصريحٍ تركيّ في شأن «المنطقة الآمنة»، أو التعاون التركي الأميركي في الشمال السوري. في هذا السياق، حرصت «أحرار الشام» في اليومين الأخيرين على إصدار ثلاثة بيانات لافتة، وبالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن «بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على تنفيذ عمليات جوية شاملة لإخراج مقاتلي تنظيم الدولة من المنطقة الحدودية السورية».

وخصّصت «الحركة» أحد بياناتها لتجديد التأكيد على عدم «وجود ارتباط بين الحركة وبين تنظيم القاعدة»، وهو أمر بات التنصّل منه محور تحركات «الحركة» في الشهور الأخير. أمّا البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» البدء بـ«إعادة هيكلة الجناح العسكري ليكون نواة جيش نظامي»، فهو في واقع الأمر لا يعدو كونَه إعلاناً لاستقطاب مقاتلين جُدد يرفدون صفوف «الحركة» تحت ستارٍ «وطني». ويأتي ذلك استعداداً لـ«التحديات» التي تنتظر«الحركة» في الشمال السوري على وجه الخصوص، والتي يُرجّح أن تتطلّب منها الانخراط في معارك على جبهات عدّة. فعلاوةً على المعارك ضدّ تنظيم «داعش»، التي يتهيّأ «الأحرار» لبدء مرحلة جديدة منها حال ورود ضوء أخضر أميركيّ، يبدي رعاة «الحركة» الأتراك تحسّباً كبيراً لاضطرارها إلى دخول احتراب مع شركاء الأمس في «جبهة النصرة». ومنَ المُنتظر أن يكون هذا الاحتراب بمثابة عربون أخير تُقدمه «الحركة» في سبيل مباركة غربية لارتدائها «العباءة المعتدلة» («الأخبار»، العدد 2651). من هذه الزاوية تحديداً، يغدو البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» فصل أحد أعضاء «المكتب الشرعي» هو أخطر البيانات الصادرة عنها أخيراً. البيان المذكور صدر عن «المكتب الشرعي العام»، وأوضح أنّ «الشرعي أبو شعيب المصري يعتبر مفصولاً عن المكتب الشرعي بسبب عدم انضباطه بتوجيهات المكتب الشرعي». ولا يمكن اعتبار هذا الإعلان مجرّد «إعلان فصل»، بل ينبغي التعامل معه على أنّه «إعلان حرب جديدة» ضدّ أصحاب الهوى «القاعدي» ومُعارضي الارتماء كليّاً في الحضن التركي. ويُعتبر «الشرعي» المفصول رأس حربة في هذا السياق، وهو صاحب الموقف الشهير الذي أعلن فيه براءته من تأييد «الحركة» للتدخل التركي، كذلك انتقد المواقف الصادرة عن «مسؤول العلاقات الخارجية» لبيب النحاس والتي حاول فيها الأخير التقرّب من الرأي العام الغربي، وتسويق «اعتدال الحركة» لديه. وفي مقابل ذلك تبنّى المصري «فتوى تحرّم التعاون مع الدول الاقليمية وخاصة تركيا». وكما كان متوقّعاً، فقد أثار فصل المصري حفيظةَ «جبهة النصرة» التي باتت في ريبة دائمةٍ من توجّهات «أحرار الشام» المستجدّة («الأخبار»، 2663). وسارعَ المُنظّر «الجهادي» المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان، أردني من أصل فلسطيني) إلى استغلال الفصل لتجديد هجومه على قيادة «أحرار الشام». ونقلت مصادر «جهاديّة» عن المقدسي (الذي يُعتبر أحد أبرز مُنظري تنظيم القاعدة، ومن المؤثرين في توجهات جبهة النصرة) تعليقَه على الحادثة من «رؤية شرعيّة بحتة». وتكتسب المهاجمة من زاوية «شرعيّة» أهميّة خاصةً في حالات الخلافات المماثلة بين «الفصائل»، وعادةً ما تكونُ مقدّمة لتسعير المواقف، ومظلّة في كثير من الأحيان لشن المعارك. وجاء هجوم المقدسي أمس على «قيادة الأحرار» حادّاً، وشبيهاً لما صدر عنه إبّان تأييدها التدخل التركي («الأخبار»، 2647). وكان من أبرز ما جاء في تعليق المقدسي الأخير اتّهامه «قادة الأحرار» بأنّهم «يريدون إمّعات... طراطير تنساق لهم بلا تفكير ولا وعي ولا محاولة اجتهاد».

القحطاني «يجرح ويداوي»

وكان لافتاً أنّ تعليق أبو ماريّا القحطاني (شرعي النصرة المُجمّد) على فصل «أحرار الشام» لأبي شعيب المصري قد وافقَ من حيث المؤدّى تعليقَ المقدسي، على الرغم من أن القحطاني يُعتبر محسوباً على تيّار «مهادن». أبو ماريّا انتقد «قادة الحركة» في سلسلة تغريدات عبر صفحته على موقع «تويتر»، مؤكّداً أنّه « ليس لإخواننا في الحركة الحق أن يلزموا هذا الأخ الشرعي (أبو شعيب) بمسألة فقهية يراها». واستغلّ القحطاني الحادثةَ لمهاجمة معظم «الفصائل» في ما يخصّ «الشرعيين»، في ما يبدو أنّه غمزٌ من قناة «جبهة النصرة» أيضاً. وقال القحطاني إنّ «غالب الشرعيين في الجماعات يكون أداة بيد القادة، يشرعن لهم ما يشتهون وما يرون. وأحياناً يستخدم القضاء للتصفيات السياسة». وأضاف: «أصبحت الجماعات كالحكومات الجبرية تستخدم المؤسسة الإعلامية والشرعية بما فيها القضاء بأنها تبع لها وتأتمر بأمرها وهي ظاهرة جبرية». لاحقاً لذلك، حرص القحطاني على نشر سلسلة تغريدات جديدة، امتدح عبرها «ما تقدمه الحركة من جهود في الساحة الشامية».

توضيحٌ «إخواني»

في موازاة ذلك، أصدر «المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا» أمس بياناً توضيحيّاً في شأن ما تداولته وسائل إعلام حول «رغبة الجماعة في التكامل مع «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». ونفى المكتب أن يكون ما نُشرَ في هذا السياق «تصريحاً صادراً عن الجماعة»، مؤكداً أنّ «أصل الكلام حوار أجراه المراقب العام (محمّد وليد) مع صحيفة العهد التابعة للمكتب الإعلامي للجماعة، وقد تم اقتطاع جزء منه بصورة مخلة ونشره على أنه تصريح». وقال المكتب إنّ «حديث المراقب العام (في الحوار) كان عن رؤية للتكامل ما بين السياسي والعسكري، وما بين الجماعة وبقية الفصائل على اختلافها وتنوّعها، ولم يقتصر الحديث على فصيل محدد». وكان الحوار المذكور قد نُشر منتصف الشهر الجاري، وقال فيه وليد إنّ «أحرار الشام فصيل سوري كبير، (...) ونحن نرى أن ما بيننا وبينهم من القواسم المشتركة ما يجعلها أرضاً خصبة لتعاون كبير، وفرصة لخلق التكامل بين السياسي والعسكري. وهذه رؤيتنا مع جميع الفصائل السورية الفاعلة على اختلافها». ومن المعروف أنّ القواسم المشتركة بين الطرفين كثيرة، وأبرزها أن المكوّن «الإخواني الهوى» يلعب دوراً نافذاً داخل «حركة أحرار الشام». كذلك يُعتبر «حزب العدالة والتنميّة» راعياً أساسيّاً للطرفين.

___________________________________________________

«المنطقة الآمنة»: «أحرار الشام» تتهيّأ لارتداء «عباءة أردوغان المعتدلة»؟


يكاد تعبير «المناطق الآمنة» يكون الأكثر وروداً في تصريحات المسؤولين الأتراك على امتداد الحرب السوريّة. مرّات كثيرة تكرّر المشهد ذاته: تكثيف للمساعي التركيّة في هذا السياق، تصاعدٌ يوحي بأنّ التنفيذ بات قاب قوسين، قبلَ أن تشير بوصلة حلفاء أنقرة إلى اتجاه معاكس، ويُعلّق الأمر. في الأيّام الأخيرة عاد الحديث عن إنشاء «منطقة آمنة في الشمال السوري» إلى الواجهة، وبتسارع كبير. ومن دون استبعاد احتمال تكرار السيناريو ذاته، ثمّة مستجدّات عدّة ينبغي أخذُها في عين الاعتبار قد تلعبُ دوراً في الوصول إلى نهاية مختلفة.

مستجدّات تبدو مرتبطةً بالشأن الداخلي التركي بقدر ما هي مرتبطةٌ بتطورات المشهد في الشمال السوري. فمنذ الانتكاسة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، كان واضحاً أنّ الملف السوري هو أبرز الملفات التي سيسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلالها إلى «إعادة الأمور إلى نصابها» وفقاً لمنظور حزبه. سواء قادت المجريات إلى انتخابات مُبكرة، أو نجحت المناورات في جذب شركاء معارضين إلى حكومة تركيّة ائتلافيّة. في هذا التوقيت اللافت جاء الدخول التركي على خط المشهد العسكري عبر بوابة «محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلاميّة». وبات من المسلّم به أن محاربة «داعش» تبدو تفصيلاً جزئيّاً في سلّة الأهداف التركيّة المتوخّاة في المرحلة الراهنة، والتي يحضر فيها الهاجس الكردي بقوّة. وبالنظر إلى جغرافيّة المنطقة التي يدور الحديث عنها، يتضح ببساطة أنّها فُصّلت على مقاس هذا الهاجس. فقيام «المنطقة الآمنة» المنشودة سيكون كفيلاً بمنع اتصال مناطق النفوذ الكردي على طول الخط الحدودي (تفصل بين عفرين غرباً وعين العرب والحسكة شرقاً). كذلك، فإن من شأن المنطقة المذكورة أن تحول بين مناطق سيطرة «داعش» في ريف حلب (الباب تحديداً) وبين الشريط الحدودي. التناقضات بين تصريحات المسؤولين الأتراك وتصريحات حلفائهم في شأن «المنطقة الآمنة» ما زالت قائمة. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن صحيفة «نيويورك تايمز» كانت قد نقلت يوم الاثنين عن «أربعة مسؤولين كبار اطلعوا على المحادثات (الأميركية ــ التركية)» أن «الكثير من التفاصيل لم يتم تحديدها، بما في ذلك عمق الشريط داخل الأراضي السورية». الصحيفة نقلت أيضاً عن «مسؤول كبير في إدارة أوباما» قوله إنّ «هناك تفاصيل لا يزال يتعين العمل عليها، ولكن ما نتحدث عنه مع تركيا هو التعاون لدعم شركاء على الأرض في شمال سوريا لمواجهة داعش»، مشيرة إلى استخدام المسؤول تعبير «إقامة منطقة خالية من داعش، وضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار على طول الحدود التركية مع سوريا».

من هم الشركاء المحتملون؟

في انتظار جلاء حقيقة الموقف الأميركي، واتضاح مدى إمكان «إنشاء المنطقة»، فإن السؤال الأبرز هو: من هم الشركاء المحتملون؟ إذ ستقع على عاتق هؤلاء مهمة الانتشار وبسط النفوذ في «المنطقة الآمنة»، وتالياً «ضبط أمنها والدفاع عنها». وهو ما أشار إليه بوضوح رئيس الحكومة التركيّة أحمد داوود أوغلو، الذي قال «قواتنا البرية في سوريا هي الفصائل التي نتعاون معها». ويبدو بديهيّاً أن إدراج أبرز المجموعات المؤثرة في الميدان (وهي المجموعات الجهاديّة) في قائمة الاحتمالات هو أمرٌ مستحيل. وعلى الرغم من أن الأتراك دعموا (وما زالوا) كلّ تلك المجموعات (بما في ذلك داعش الذي تبدلت العلاقة معه أخيراً فقط)، غيرَ أنّ الأمر مختلفٌ في حالة «المنطقة الآمنة». ويمكن الجزم بأن الأتراك سيعمدون إلى دعم «الجهاديين» خارج «المنطقة» لضمان أهداف عدّة، مثل إلهاء تلك المجموعات، والسعي إلى إخراج مزيد من المناطق عن سيطرة الدولة السورية، وبطبيعة الحال مواصلة إنهاك الجيش السوري. أمّا داخل «المنطقة» فثمّة مجموعات مرشّحة عملت في الفترة الأخيرة على تصوير نفسها بعيدة عن قائمة «الجهاديين»، وعلى رأسها تأتي «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». مصدرٌ من داخل «الحركة» يجزم بأنّ «للأحرار دوراً رئيسيّاً في المنطقة الآمنة». ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «هذه ليست توقعات، ثمّة اتصالات كثيرة ومستمرّة بين قادة الحركة، والأصدقاء والداعمين، ومناقشة لدور الحركة في كل التفاصيل». وبعيداً عن «تفاؤل الأحرار المُفرط»، فإن دعم هذه المجموعة يبدو رهناً بالقبول الأميركي، وهو أمرٌ مُستبعد التحقق بالنظر إلى الشراكة المستمرّة بينها وبين «النصرة»، وباقي مكوّنات «جيش الفتح». وتبرز «الفصائل التركمانيّة» متسلحةً بدعم تركي مُطلق، وبكونها حافظت على نفسها بعيدة من «الشائبة الجهاديّة». ويبدو لافتاً في هذا السياق أنّ هذه الفصائل لم تخض معارك حقيقيّة منذ فترة طويلة، وبصورة توحي بأنّ ضابط إيقاعها التركي يرغب في احتفاظها بقوّتها للوقت المناسب. كذلك فإنّ عدم خوضها المعارك قد جنّبها الدخول في تحالفات تغلب عليها الصبغة «الجهاديّة». أبرز هذه المجموعات «كتيبة السلطان محمد الفاتح»، و«كتيبة السلطان مراد»، و«كتيبة السلاجقة»، و«كتيبة أحفاد الفاتحين». ومن التفاصيل اللافتة في هذا السياق يبرز تصريحٌ لـ«رئيس المجلس التركماني السوري» عبد الرحمن مصطفى، قبل أيّام، إذ نقلت عنه وكالة «الأناضول» التركيّة قوله إن «المجموعات التركمانية المقاتلة في سوريا اتخذت قراراً بتقديم دعم أكبر بعضها لبعض، والعمل على إنشاء جيش تركماني في حال سمحت الظروف بذلك». ولا يعني ذلك أنّ الاعتماد على «التركمان» دون سواهم هو أمر سهل، إذ سيكون الأمر كفيلاً بإثارة تحفّظات «عرقيّة» لدى بعض المجموعات، فضلاً عن أنّ «المنطقة الآمنة» في هذه الحالة ستبدو أشبه بـ«كانتون تحرسه الجندرمة التركيّة». وهو أمرٌ يصفه مصدرٌ من «كتائب أبو عمارة» بأنّه «غير وارد، ولا مقبول». ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «الفصائل التركمانية إخوة لنا، والتفاهم بيننا وبينهم أمرٌ قائم. هناك مجموعات من بينهم يشاركوننا في غرفة عمليات فتح حلب. ونحن ومعظم فصائل الغرفة مستعدون لمشاركتهم في حفظ أمن المنطقة العازلة (الآمنة)».

_______

«الأخبار»

الجمعة، 21 أغسطس 2015

هل تبدأ حركة الإخوان مراجعة فكرها ومنهجها مـــــن اليمن؟

    أغسطس 21, 2015   No comments
اتصالات «أنصار الله» ــ «الإصلاح»: وحدة في مواجهة خطة «الاستنزاف»؟

في العام الماضي، قاد الجيش اليمني حملةً عسكرية في محافظة شبوة ضد تنظيم «القاعدة». وقف حزب «الاصلاح» (الإخوان المسلمون) ضد هذه الحملة وأطلق إعلامه حملة تحريض ضد الجيش، وفتح معركة عمران كتخفيف عن «القاعدة» في شبوة، محاولاً حينها الإيحاء بأن التهديد هو على العاصمة وليس من «القاعدة».

الحوار بين «أنصار الله» وحزب «الإصلاح» انطلق منذ بداية الحوار الوطني حتى إعلان العدوان السعودي على اليمن في آذار الماضي. هدف الحوار حينها إلى تذليل العقبات وتجنب كل الخلافات بين الطرفين، ولكن في كل مرة كان الحوار يصطدم بالعقبة السعودية التي لم يستطع «الإصلاح» تجاوزها، في الحوار الأخير في فندق «موفمبيك» في العاصمة صنعاء. وقبل العدوان، طلب «أنصار الله» من مندوب «الإصلاح» أن يفصح عن الضمانات التي يريدونها مكتوبة، مؤكداً استعداد «أنصار الله» للتوقيع عليها، فكان ردّ مندوب «الإصلاح» القيادي محمد قحطان: «اذهبوا إلى الرياض، وما تتفقون عليه مع السعوديين نلتزم به». وكان «العرض» يقضي بأن يرشح «الإصلاح» أي اسم لرئاسة المجلس الرئاسي، رغم أن الحزب الاشتراكي كان يرغب في ترشيح اسم من قبله، فتم الضغط عليه ليسحب مرشحه لمصلحة مرشح «الإصلاح».

قبل ذلك، عقد لقاء ثلاثي ضم «أنصار الله» وحزب «الإصلاح» وحزب «المؤتمر الشعبي». الاجتماع نتج منه اتفاق، غير أن مندوب «الاصلاح»، محمد قحطان، الذي كان في الاجتماع الثلاثي، نكث بعهوده وتراجع عن الاتفاق، بحضور بقية المكونات والمبعوث الدولي السابق جمال بن عمر.

أوساط «الإصلاح» ترى أن «أنصار الله» استعجلت في الاعتقالات السياسية، وأنها لو دعت الهيئة العليا ومجلس الشورى لحزب «الإصلاح» وطلبت منهم موقفاً من العدوان، لكان الوضع اختلف. بل أكثر، هم يقولون إن الحركة لو سألت الحزب عن البيان الصادر عنه والذي أيّد العدوان، لكانت الهيئتان قررتا تحويل من صاغ البيان إلى المحكمة القضائية.
وكانت هاتان الهيئتان قد اتخذتا موقفاً رافضاً لهذا العدوان. وتضيف هذه الأوساط أن «الإصلاح ليس مع العدوان، ومن أيّد العدوان هم نفر قليل لا يمثلون السواد الأعظم من الحزب»، وأن هذا الموقف أضرّ بـ«الإصلاح» قبل أن يضرّ بـ«أنصار الله»، مؤكدين أن من أيّدوا العدوان «سيبقى موقفهم يلاحقهم لسنوات عديدة».

في شهر رمضان الماضي، عُقدت لقاءات عدة بين «أنصار الله» و«الإصلاح»، وحصل بعض الانفراج السياسي بينهما، تُوّج بإطلاق سراح عدد من سجناء «الإصلاح» من سجون صنعاء، غير أن الوضع الميداني بقي على ما هو عليه، ولم تتح أحداث العدوان تطوير التواصل والتوصل إلى تفاهمات بينهما.
وعلمت «الأخبار» أن لقاءات عقدت بين «أنصار الله» و«الإصلاح» تم خلالها نقاش القضايا الخلافية ووجهة نظر كل طرف منها. وتم التطرق إلى «القضايا المشتركة»، وهي أكثر مما يفرق، مثل قضايا الإسلام واليمن والأمة العربية، الموقف من فلسطين، من إسرائيل، ومن الولايات المتحدة، إضافة إلى بعض الأنظمة في الإقليم التي وضعت «أنصار الله» و«الإصلاح» على قائمة «الإرهاب»، والمعني هنا بشكل أساسي السعودية والامارات. وقالت مصادر مطلعة إن تلك اللقاءات شهدت تطابقاً في وجهات النظر حول إبعاد اليمن عن التبعية للآخرين وإن دول العالم لن تنفع البلد. كذلك أكد المجتمعون أن ما ينفع هو تقبّل الآخر والتعايش معه وأن ليس بمقدور أحد إلغاء أيّ مكوّن من المكوّنات، وأن اليمن يتّسع للجميع، بما فيهم القوى اليسارية والقومية والعلمانية.
وعلمت «الأخبار» أن هناك مساعي للمساعدة على إخراج بعض قيادات «الإصلاح»، مثل محمد قحطان وحمود المخلافي، كبادرة حسن نية من أجل العمل على التصحيح والمشاركة مع بقية القوى السياسية في موقف موحد من العدوان ومن الحلّ السياسي ليكون يمنياً ــ يمنياً.
في هذا الوقت، تقول المصادر إن موقف «أنصار الله» ثابت من المؤيدين للعدوان أو من الفارّين إلى السعودية من «الإصلاح» أو غيره، وإن هذا الموقف لا يمكن التهاون فيه، أما الأشخاص الذين يرفضون العدوان فيُدرس الموقف تجاههم، علماً بأن بعض الأسماء سيطلق سراحهم في الساعات والأيام المقبلة.
وقد علمت «الأخبار» بمحاولات تجري مع بعض القيادات من «الإصلاح» للعمل على اتخاذ موقف بتصحيح «الخطأ التاريخي» المؤيد للعدوان، وحثّ هذه القيادات على اتخاذ موقف كبير وشجاع يصحّح أخطاء القرارات الخاطئة، لأنه لا يمكن أن تعالج بقرارات أدنى من مستوى تلك القرارات السلبية، لا سيما أن هناك خشية من فصل الجنوب عن الشمال وحصر الصراع في الشمال، لإنهاك حزب «الاصلاح» و«أنصار الله»، خصوصاً أن المعلومات تفيد بأن دولة الإمارات تعمل من خلال فريق العمل المكلف بإدراة العدوان على اليمن على رصد موازنات مالية ضخمة لقتال الطرفين، حزب «الإصلاح» و«أنصار الله»، على حدّ سواء.
ويتساءل البعض في حال ذهاب دول العدوان إلى تأييد انفصال الجنوب، ماذا سيكون موقف قيادات «الاصلاح»؟ وينطلقون من مبدأ أن طرفاً واحداً في اليمن لا يستطيع أن يدافع عن الوحدة. فالمطلوب من الأطراف تكرار الاجتماعات وتطوير نتائجها حتى تنتقل من الكلام النظري إلى خطوات عملية، بدءاً من إيقاف الحرب الداخلية وتوحيد الصفوف للدفاع عن وحدة البلد، من خلال قرارات مصيرية تجمع الجميع في منتصف الطريق.

__________________
عن «الأخبار»

الأربعاء، 22 يوليو 2015

حرب سوريا تعصف بالإسلاميين: الإخوان والسلفيون وإفرازات النزاع عن القيادة والريادة...دولة البغدادي تؤزم أحرار الشام وجبهة النصرة والقاعدة

    يوليو 22, 2015   No comments
حرب سوريا تعصف بالإسلاميين: الإخوان والسلفيون وإفرازات النزاع عن القيادة والريادة...دولة البغدادي تؤزم أحرار الشام وجبهة النصرة والقاعدة

 ____________________

جنود سوريون أعدمهم المسلحون في 2012
"أحرار الشام" و"جبهة النصرة" ... التكفير وجها لوجه   

أحمد فرحات


 ليس من الصعوبة إثبات الرابط القوي بين "حركة احرار الشام" و"تنظيم القاعدة" العالمي، على المستوى الفكري أو العملاني، وان حاول قادتها إخفاء هذا الأمر في التصريحات العلنية، والإطلالات الإعلامية. غير أن سيرة حياة مؤسسيها وقادتها، تشير إلى أن معظمهم خرجوا من سوريا إلى أفغانستان والعراق، وقاتلوا إلى جانب تنظيم القاعدة وأبو مصعب الزرقاوي، وعادوا إلى سوريا، ليطبقوا المشروع الذي خرجوا على أساسه، وهو إقامة ما يزعمون انه "الدولة الإسلامية"، أو كما يحب شرعيوها أن يسموها "الحكومة الراشدة".


اختلفت التسميات والهدف واحد، تحقيق ما عجز عنه تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن والصومال، بتأسيس "دولة" بحسب مفهومهم، وإن شابه بعض التعديل نتيجة تبدل الظروف.

من هي أحرار الشام؟

سبقت هذه الحركة ما سمي ب "الجيش الحر" في حمل السلاح ضد الدولة في سوريا، حيث أعلن عن تأسيسها في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2011، وقبل هذا التاريخ، وبالتحديد في منتصف العام نفسه، عملت في السر، أي مباشرة بعد خروج أحد مؤسسيها من السجن وهو أبو خالد السوري، والذي اغتيل بحي الهلك في حلب.

خاض مسلحو الحركة معارك عديدة مع الجيش السوري، ارتكبوا العديد من المجارز بحق أبناء الشعب. وعند دخولهم إلى حي النيرب في حلب، ارتكبوا المجزرة الشهيرة بحق آل بري، عبر إطلاق الرصاص عليهم، حيث كانت تنشط وقتها تحت إسم "كتائب أحرار الشام"، وذلك أواخر الشهر السابع من عام 2012.

وفي حلب أيضاً، أقدمت أحرار الشام على هدم ضريح الشيخ الصوفي أحمد موصللي في باب الحديد، بذريعة أن "هذه القبور شرك"، وهذه بالمناسبة نفس الذريعة التي يستخدمها "داعش" لهدم القبور والمقامات والآثار التاريخية.

وفي سجل هذه الحركة، دخولها إلى مدينة الرقة شرق سوريا، قبل أن تنسحب منها اثر معارك مع داعش، رغم أن الطرفين تعاونا في المدينة، قبل اندلاع المواجهات بين داعش والنصرة، بحسب ما تشير العديد من المعطيات الميدانية، وعمليات الصلب بحق المواطنين السوريين.

لعبت حركة أحرار الشام في بدايات تأسيسها دوراً بارزاً في اجتذاب المقاتلين الأجانب وتأطيرهم، خصوصاً بعد الدعوات التي أطلقت من خارج سوريا إلى ما يسمونه "الجهاد" في الشام، وتحدثت تقارير عديدة عن علاقة تربط الحركة بالليبي الايرلندي مهدي الحاراتي، الذي أسس لواء الأمة في سوريا، قبل أن يغادرها، ويصبح رئيساً لبلدية العاصمة الليبية طرابلس.

رغم إصرار الحركة على تقديم نفسها على أنها "سورية"، فإنها تضم المئات وربما الآلاف من الأجانب أو "المهاجرين"، الذين تقلدوا مناصب قيادية فيها، ومنهم، ابو سعد المصري، ابو محمد المصري، ابو مصعب التونسي، ابو عبد الله النجدي، ابو انس المصري، ابو الحسن التبوكي، وهم الموقعون حديثاً على بيان حمل عنوان "بيان مهاجري الشام بخصوص جماعة البغدادي". كما أن ساحات المواجهة مع الجيش السوري تشهد يومياً مقتل مسلحين أجانب منها. ولكن الحركة لم تجعل من نفسها مركزاً لإستقطاب الأجانب، لتجنب التبعات السياسية والإعلامية لذلك.

علاقة أحرار الشام بجبهة النصرة

ارتباط "أحرار الشام" بتنظيم القاعدة، لا يجعل منها حركة تابعة، حيث سعى قادتها إلى التمايز عن سلفية القاعدة، من دون أن يحيدوا عن "المنهج"، فيما تشير أنباء إلى أن "مشروع أحرار الشام" تبلور أثناء وجود زعيمها السابق حسان عبود في سجن صيدنايا، برفقة أبو خالد السوري والعديد من الشخصيات، وذلك خلال السنوات التي تلت اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وفي خطتهم الاستفادة من الضغط الدولي على الحكومة السورية آنذاك.



على المستوى النظري، تستلهم حركة أحرار الشام مبادءها من 3 شخصيات أساسية:

1_ الفلسطيني عبد الله عزام، أحد مؤسسي تنظيم القاعدة الذي اغتيل عام 1989.

2_ السوري أبو مصعب السوري المعتقل حالياً، بحسب ما أشار أيمن الظواهري في احدى تسجيلاته الصوتية.

3_ السوري عبد المنعم مصطفى حليمة "ابو بصير الطرطوسي" المتواجد في تركيا.

رغم أن الأخير يعتبر من أشد منتقدي جبهة النصرة (حتى أنه أفتى بحرمة الإنتماء إليها)، ويختلف مع منظري تنظيم القاعدة الأساسيين امثال أبو قتادة الفلسطيني، فإن حركة أحرار الشام وجبهة النصرة في العديد من المفاهيم، لا يفرقهما سوى الإرتباط الرسمي للثانية بتنظيم القاعدة العالمي.

هذا الإرتباط الذي بات عبئاً على زعيم النصرة أبو محمد الجولاني، فقيد حركته، وجعل جماعته مطلوبة دولياً بتهمة الإرهاب، فحرمه هذا الأمر من ضم الجماعات المسلحة في سوريا تحت ردائها.

غير أن الجولاني وبسبب ضعف خبرته التنظيمية، وخلفيته الفكرية التي تكفر العمل السياسي والديمقراطية، فشل في تقديم جبهته على أنها مقبولة في اطلالتيه الأخيرتين على قناة الجزيرة القطرية، رغم إعطائه الأمان للولايات المتحدة وللعدو الإسرائيلي، بإعلانه الصريح أنه لا ينوي استهداف الغرب، ذلك لأن وصمة إرتباطه بالقاعدة، تمنع الإدارة الأميركية من التعاون مع جماعته بشكل علني، في محاربة داعش، وإسقاط الدولة السورية.

احرار الشام ليست كذلك، فلا إرتباط علنياً لها بتنظيم القاعدة، ومن تردد أنه بايع الظواهري (مؤسس الحركة حسان عبود)، قتل في انفجار غامض في بلدة رام حمدان بريف ادلب العام الماضي.

وبعد ذلك توجهت الحركة سريعاً إلى الغرب، مستغلة مساعي واشنطن في إيجاد حليف لها في سوريا، كقوات برية تعتمد عليها لمحاربة داعش والجيش السوري، وراحت تقدم أوراق اعتمادها إلى دوائر صنع القرار في واشنطن ولندن، عبر مقالتين الأولى في "واشنطن بوست" الأميركية والثانية في "ديلي تلغراف" البريطانية، حملتا توقيع المدعو لبيب النحاس، وهو شخص غير معروف، عرف عن نفسه على أنه مدير العلاقات الخارجية السياسية للحركة.

ودعا النحاس في مقالته في الصحيفة البريطانية لندن إلى زيادة مشاركتها بالتحالف الدولي في ضرب داعش. امر فسر على ان احرار الشام تريد التفرد في قرارات الجماعات المسلحة، كما أن عبارات التودد للغرب، رأت فيها العديد من قيادات الجماعات على أنها أقرب إلى الخيانة.

الخلاف بين الحركة والتنظيم

وردا على مقال النحاس الأخير، هاجم العديد من مؤيدي القاعدة ومنظريها في سوريا وخارجها حركة أحرار الشام.

ومن أبرز الأصوات المنتقدة، احد المرجعيات الكبيرة لتنظيم القاعدة وهو أبو قتادة الفلسطيني، الذي اعتبر أن أحرار الشام هي في وسط طريق الإنحراف، وستحتاج الكثير للعودة إلى الصواب، وقال إنها "مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله مقابل قبول اوراق الاعتماد"، وإنها "مستعدة لمعاداتنا من أجل ارضاء الغرب".

أحد أمراء جبهة النصرة في ريف ادلب المدعو أبو سعد السوري، دعا حركة أحرار الشام للعودة إلى الضابط الذي تأسست عليه الحركة، ويقصد بذلك الولاء للسلفية الجهادية، و"إلا فإنها ستخسر النخب، ولا يبقى في صفوفها إلا فضلات جمال معروف"، بحسب ما غرد على حسابه على موقع تويتر.

موقف الفلسطيني استدعى رداً من مسؤولي الحركة، ومؤيديها على صفحات التواصل الإجتماعي، واعتبر البعض أن "الساحة ليست محلا لإعادة التجارب السابقة الفاشلة التي جرت على أمة ويلاتها"، في إشارة إلى إتهام الفلسطيني بعلاقته بأحداث الجزائر، والقتال الذي دار هناك بين الجماعات المسلحة المحسوبة على "التيار الجهادي".

رسمياً كان لأحرار الشام رد عنيف، حيث اتهم عضو مجلس شورى الحركة "أبو عزام الأنصاري"، أبو قتادة بالكذب، وبأنه كان على علاقة بالمخابرات الجزائرية ابان وجوده في بريطانيا.

تفجر الخلافات بين أبرز ركني ما يسمى "غرفة عمليات جيش الفتح" على هذا النحو، استدعى تدخلاً من المسؤول الشرعي للحركة المدعو أبو العباس الشامي، فحاول الرجل جمع التناقضات، حيث اعتبر أن مفهوم العمل السياسي أشمل من "المشاركة البرلمانية في ظل أنظمة جاهلية ﻻ تعترف بحاكمية الله تعالى للمجتمع".

ويكون بذلك قد جدد التزام الحركة بمبدأ الحاكمية وتكفير المجتمعات التي سوّق لها سيد قطب، (باعتبار أن أي مجتمع لا يحتكم إلى الشريعة هو كافر)، مؤكداً ارتباط الحركة بالفكر التكفيري، لتجنب الصدام مع تنظيم القاعدة، خصوصاً أن تداعيات حرب داعش والنصرة، لا تزال ماثلة أمام "الجهاديين". لكنه بالمقابل أعطى ما أسماه العمل السياسي الذي تقوم به حركته، مفهوماً أوسع بكثير من الذي حرمه السيد قطب.

ويبدو أن الساحة السورية أمام مشهد جديد، وصراع جديد بين "إخوة المنهج"، شبيه بذاك الذي دار بين داعش والنصرة وبالتالي تفجر تجربة "جيش الفتح"، فهل سيتم إحتواء الأزمة، أم أن التنافس على السلطة سيولد حربا جديدة بينهما.

الجواب على هذا السؤال رهن بالأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن أبرز المستفيدين من هذا الصراع إن حصل، هو ما يطلق على نفسه "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، الطامح إلى لعب دور أكبر على "الساحة"، ولا يكون ذلك إلا بإنهاك منافسيه لا سيما أنه علاقته مع جبهة النصرة ليست على ما يرام، وخلافه مع أحرار الشام بات معروفا، بعد خروجه مؤخراً من مظلة ما يسمونه "الجبهة الإسلامية".

____________________

في نفس السياق, نشر موقع إخوان سوريا مقالا حول أتهام أحرار الشام بالإنحراف, ودفاعا عنهم, كتب مجاهد مأمون ديرانية:

كُفّوا عن أحرار الشام


قبل ثلاثة أيام نشرت جريدة "واشنطون بوست" الأمريكية مقالة كتبها لبيب النحاس، مدير مكتب العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام الإسلامية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وخاض في الأمر من يعلم بعلم ومن لا يعلم بغير علم، وذهبت التوقعات والتخرصات ذات اليمين وذات الشمال.

نُطمئن المحبّين والمشفقين، ونؤكد للطاعنين والمرجفين: إن حركة أحرار الشام لم تُبدّل ولم تغير، وإنها ما تزال ماضية على الطريق الصحيح إن شاء الله. ليس الطريق الذي يرضاه أعداء سوريا وخصومُها، ولا الطريق الذي يحبه الذين اتخذوا من آلام السوريين وتضحياتهم مِرقاةً يرتقون عليها إلى مشروعهم الخاص، بل الطريق الذي اختاره وارتضاه أحرار سوريا لأنفسهم ولبلدهم، الطريق إلى دولة مسلمة قوية مستقلة ومجتمع مسلم حر كريم.

* * *

في الخامس من أيلول الماضي نشر قيادي الحركة، أبو يزن الشامي رحمه الله، نشر رسالته التاريخية الشهيرة التي قال فيها: "نحن أحرص على الساحة الشامية لأنها بلدنا وثورتنا وفيها استُشهد أعزّ إخواننا من كل الفصائل. نعم أنا كنت سلفياً جهادياً وحُبست على هذه التهمة في سجون النظام، واليوم أستغفرُ الله وأتوب إليه وأعتذر لشعبنا أننا أدخلناكم في معارك دونكشوتية كنتم في غنى عنها. أعتذر أننا تمايزنا عنكم يوماً، لأني عندما خرجت من السجن الفكري الذي كنت فيه واختلطت بكم وبقلوبكم قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- عندما قال: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم". أعتذرُ منكم، أعتذر، وإن شاء الله قابل الأيام خيرٌ من ماضيها لثورتنا ولإسلامنا".

لم يكن هذا هو موقف أبي يزن وحده، بل كان هو الرأي الجامع الذي اتفق عليه قادة الحركة الكبار، الذين قرروا قراراً لا رجعة فيه: "أن تلتحم الحركة بالشعب السوري، وأن يكون جهادُها جهادَ أمة لا جهاد نخبة". بعد أربعة أيام من نشر تلك الكلمة التاريخية استُشهد أبو يزن واستُشهد القادة جميعاً، رحمهم الله. مَضَوا إلى رحمة الله، ولكن الفكرة بقيت، لأن الأفكار لا تموت، وما لبث القادة الجدد -وفقهم وحماهم الله- أن استلموا الراية وأكملوا الطريق.

* * *

لم يبدل الإخوة ولم يغيروا. كانت حركة أحرار الشام ملكاً للسوريين جميعاً وبقيت كذلك. كان عامةُ الناس هم همَّها ورفعُ المعاناة وكشف المحنة عنهم هو هدفَ الحركة، وما يزال.

ما هو التنازل الخطير الذي قدمته حركة أحرار الشام كما يزعم المرجفون؟ لقد أكدت الحركة -في هذه المقالة الأخيرة- جديتها في قتال النظام وفي قتال داعش، فمَن يجادل في وجوب قتال الاثنين؟ لا يجادل في قتال داعش وقتال النظام إلا أحمق بلا عقل أو خائن بلا دين. أمّا أمريكا فقد علمنا ما انطوت عليه من كذب وغدر ومكر بسوريا وأهلها وثورتها، فنحن نَحْذر منها حَذَرَ العاقل من عدوه (هم العدو فاحذرهم) ولكنّا لم تبلغ بنا الحماقة أن نستعدَيها على الشعب السوري لتأتيه بالجحافل والأساطيل، فإنّ ما اجتمع على سوريا من الأعداء يكفي قارة بأكملها ويزيد، فلا حاجةَ بنا إلى استعداء المزيد.

فهل ينقم الناقمون على حركة أحرار الشام أنها تسعى بكل سبيل لتخفيف المحنة على أهل سوريا وتقصير طريق الآلام؟

* * *

كُفّوا عن أحرار الشام. ما يسوؤكم في قوم اختاروا أن يكونوا في خندق واحد هم وعامة الناس؛ قوم حملوا هَمّ الناس وشعروا بمعاناة الناس وأبَوا أن يكونوا وَقوداً لمشروعات الغرباء؟ لئن سخط على الحركة بعضُ الساخطين فيكفيها أن تنافح عنها مئات الأقلام وأن ترتفع ملايين الأكفّ لها بالدعاء.

في يوم من الأيام قدّم رجل من المسلمين اسمُه عبد الله بن حذافة تنازلاً هائلاً بميزان الناقدين الناقمين على الحركة اليوم: قبّلَ رأس كبير الروم! لو أدركوه لقالوا: انظروا كيف فرّط هذا المسلم وتنازل وهانت عليه نفسُه بعدما رفعه الإسلام، حتى رضي أن يقبّل رأس علج من العلوج؟!

لحسن حظه أنه عاش في زمان العمالقة لا في زمان الأقزام، الذين فهموا الدين على حقيقته لا الذين فهموه بالمقلوب، الذين يعلمون أن دم امرئ مسلم أغلى من الدنيا وما فيها، فقال حكيم الإسلام وأعظم فقهاء الأمة وخليفةُ خليفةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: حقٌ على كل مسلمٍ أن يقبِّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أول من يصنع ذلك"... هذا وهو قد استنقذَ من الأسر بضعة أنفس، عشراتٍ فحسب، فكيف بمن يسعى لاستنقاذ ملايين؟ لو كان الأمر إليّ لقلت: حق على كل سوري أن يقبل رأس لبيب، وأنا أول الفاعلين.

_____

مقال مجاهد مأمون ديرانية منقول عن موقع إخوان سوريا: 


http://ikhwanSyria.com/?TkRZek16TT0rdQ==

الثلاثاء، 21 يوليو 2015

حوار شامل مع محمد حسنين هيكل: ايران بعد الاتفاق النووي وصورة المنطقة والعلاقات مع أميركا

    يوليو 21, 2015   No comments

 طلال سلمان


بقميص أبيض مفتوح الصدر وبنطال أسود استقبلنا "الأستاذ" متوكئاً على "الووكر" لكسر في ساقه، في الشاليه القائم في منتجع الروّاد على الساحل الشمالي الذي يمتد بامتداد الشاطئ بين الاسكندرية ومرسى مطروح عند الحدود مع ليبيا.
البحر الهادئ فيروزي بسطحه الهادئ يمتع النظر ويغري بالتأمل. قال وهو يلاحظ انبهارنا بالمشهد الجميل: هنا كان الماريشال مونتغمري يقيم مركز قيادته أثناء معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية.. وكان يبدأ نهاره مع أول شعاع للشمس فيسبح عارياً.

بدأ يستجوبنا عن أحوال لبنان بتفاصيله التي لا تنتهي، وبدأنا نسأله عن أحوال مصر في محاولة لفهم ما يجري فيها من تطورات يختلط فيها القرار السياسي المفرد في غياب المؤسسات التي تحمي هذا القرار بالزخم الشعبي مع الدماء التي يسفحها الإرهاب في نواح عدة من مصر، أخطرها سيناء التي ظلت متروكة لدهور، والتي اتخذها الإرهاب قاعدة خلفية، مسنداً ظهره إلى العدو الإسرائيلي.


وباشرنا الحوار يواكبنا إحساس من يجلس إلى موسوعة: فالتجربة عريضة والثقافة مميزة، والمتابعة دقيقة، والتحليل يستند إلى معلومات تفصيلية تتجاوز الأخبار والمعرفة المباشرة بأصحاب القرار، والذاكرة المميزة التي تحتفظ بشبابها... كل ذلك يحضر مع "الأستاذ" فإذا هو دائرة معارف: يعرف الكثير الكثير من المرجعيات السياسية معرفة مباشرة، ويعرف عن البلاد وأحوالها، لا سيما العربية وبعض الغرب البريطاني والأميركي وبعض الشرق، روسيا أساسا ثم الصين والهند وصولا إلى اندونيسيا، اقتصاداً وثقافة وتوجهات، لهذا كله فهو "الأستاذ".

وبلغة "البدو" هو العارفة. ذاكرته نضرة، ومعلوماته شاملة، فضلاً عن أنها تستند إلى معرفة مباشرة بأصحاب القرار وصانعي السياسة.. ثم انه متابع دقيق وخزينه المعرفي يسهل عليه تحليل الحاضر واتجاهات الريح، ما يمكّنه من استقراء المستقبل.
يعرف البلاد وحكامها، يعرف نخبها الثقافية والقادة المؤثرين في التوجهات وفي القرار، ثم ان له ذاكرة فيل، فهو نادراً ما ينسى قائداً أو قيادات سبق له أن عرفها، عن قرب، في هذا البلد أو ذاك. يعرف الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ. يعرف قادة مفكرين مؤثرين في الغرب، بريطانيا وأميركا وفرنسا، وفي الشرق. ثم ان له صلات بالنخب، يتابع حركتها ونتاجها الفكري والثقافي حتى اليوم. ويعرف معظم القياديين من الساسة العرب... والأهم انه قارئ نهم ومتميز، تمكنه صلاته بكبريات الصحف العالمية برؤساء تحريرها والكتّاب فيها أن يعرف كثيراً عن الآفاق الثقافية وحركة التجديد فيها.
يعرف مصر كلها، بتاريخها القديم وبصناع تاريخها الحديث، من زعماء أحزاب العهد الملكي والنخب الثقافية، إلى القائد الذي تجاوز معه الراوية إلى موقع الصديق والمستشار ومبلور الأفكار والمفسر والشارح للقرارات، جمال عبد الناصر.
عرف السادات جيداً واختلف معه إلى حد الذهاب إلى السجن، وعرف مبارك إلى حد القطيعة بعدما اكتشف عبثية الحوار معه، وعرف كل من كان له موقع في العهود الثلاثة السابقة على "الميدان"، كما كان يعرف بعض المجلس العسكري. وحاور الإخوان الذين يعتبرونه خصماً. واجتهد في نصح محمد مرسي، فلما يئس ابتعد، ثم انحاز إلى "الميدان" وتفهم أسباب حركة الجيش التي انتهت بتولي المشير عبد الفتاح السيسي قمة السلطة عبر استفتاء شعبي كان محكوم النتائج.
..ولقد ذهبنا إليه للحديث عن إيران، التي عرفها امبراطورية بالشاه وإحدى زوجاته شقيقة الملك فاروق، ورئيس الحكومة الذي قاد عملية تغيير ثوري الدكتور محمد علي مصدق سنة 1951، والذي قاتله الاميركيون والغرب والامبراطور، ولم تتيسر الحماية لهذا الزعيم الشعبي الذي لعب دوراً تاريخياً وصار بطلا وطنيا لا منازع له في شعبيته حين أقدم على تأميم البترول، وواجه الامبراطور والغرب والرأسمالية الإيرانية وأجبر الشاه على التنازل عن كثير من صلاحياته... ثم قاتله الغرب عموماً وتمكنوا من "أسره" ثم تصفيته سياسياً.
كذلك فهو قد واكب الثورة الإسلامية في إيران، فكان بين أوائل من حاوروا الخميني الإمام بمنطق المتفهم والمساند ولكن من موقع عربي... كما عرف الكثير من قيادات الثورة ومن متابعي نهج الخميني بعد رحيله وأبرزهم هاشمي رفسنجاني رئيساً وركناً في قيادة الحكم لفترة طويلة... وما يزال يقرأ التطورات في إيران بعيون عربية.
ربما لكل هذه المعارف اخترنا ان نحاوره حول التطورات الأخيرة، وتحديداً حول اتفاق فيينا وما بعده، ورؤيته لإيران ما بعد هذا التطور، وكيف سيكون موقف الغرب منها وكيف سيتصرف الحكم المصفح بالشعار الثوري في المرحلة الجديدة التي سيقبل فيها الغرب عليها... ثم أين روسيا والصين؟ قبل أن نتوقف أمام محطة العرب وإيران من اليمن إلى لبنان مروراً بالسعودية إلى الخليج.
البداية: أوباما وقدراته..
بدأنا بمحاولة استعادة رأي "الأستاذ" بالرئيس الأميركي باراك أوباما، انطلاقاً من خطابه أمام جامعة القاهرة سنة 2009 ثم الانطباعات التي تكوّنت لديه بعد ولايتين له:
ـ ألم أكن على حق في ما قلته يومها؟ انه خطيب مفوّه، لكن تكوينه ضده، أصوله ولون بشرته، وموقع السود في النظام الأميركي.
بماذا يتحدى أوباما الكونغرس؟ علينا التمييز بين أن يختلف مع الكونغرس ويمارس اللعبة في إطار نصوص معينة أو بين أن يتحدى الكونغرس. أنا لا أراه يتحدى الكونغرس وقد اقتربت ولايته الثانية من نهايتها. سيمر الاتفاق، سيحدث الكونغرس ضجيجاً كبيراً حوله ولكنه يبقى من اختصاص الرئيس وإدارته. لا يمكن في أميركا أن يتم توقيع اتفاق ولو بالحروف الأولى ضد إرادة الكونغرس حيث إن هناك دائما توافقا بين الكونغرس والإدارة في هذه المسائل.
التحدي الوحيد الموجود في المنطقة بالنسبة إلى السياسة الأميركية هو إيران. فالعالم العربي كله كما نرى! وفي تركيا من هم مثل أردوغان لا يُبنى على مواقفهم. هذا هو التحدي الوحيد حيث لن ترضى أميركا عن طيب خاطر بنظام كالنظام الإيراني: أن تقر بوجوده كحقيقة واقعة وهي لا تملك حلاً آخر! ولكنه لن يكون النظام الأفضل بالنسبة إليها.
سحب هيكل نفساً من سيكاره، ثم استأنف كلامه فقال:
ـ لو كان هناك "سلاح اقتصادي" قد يؤذي إيران لكان آذاها في السنوات التي اشتد فيها الحصار الاقتصادي عليها.
هناك أمر جديد حصل نتيجة المفاوضات بين أميركا وإيران وهو أن حاجزاً كبيراً كان قائما بين أوروبا وافريقيا وآسيا وبين إيران قد انكسر من غير محاذير بعد فك الحظر الأميركي. وذلك برغم ان العداء الأميركي لإيران سيستمر. وبعد أن وصلوا الآن إلى نوع من الاتفاق لن تضطر دول كثيرة إلى مراعاة الحظر الأميركي الذي كان قائماً.
توقف عن الكلام لحظات ونظر إلينا يتفحصنا ثم عاد إلى تحليل شخصية أوباما وقدرته على القرار:
ـ لا يمكن أن تأتي بأحد من خارج سياق القوى الحقيقية وتتوقع منه أن يصل إلى التفرد بالقرار. مجيء أوباما هو دليل بحد ذاته على أزمة قرار وأزمة قوى في أميركا، فليس من الطبيعي أن تأتي برئيس "أسود" وبأغلبية الأصوات في الانتخابات.. فالأغلبية هي للبيض (WASP). إذا جئت برئيس من أقلية ضدها تمييز تاريخي ولا تملك مفاتيح القوة ومضطهدة فأنت تريده أن يحقق لك هدفاً. السود حتى هذه اللحظة في أميركا 12ـ 14% وليست لديهم أي من مفاتيح القوة، وهناك تمييز عنصري بحقهم. القوى الحقيقية في أميركا لديها هدف في هذه اللحظة. وبغض النظر عما إذا كان أوباما قد نجح أو فشل فهو لم يحقق الهدف. حتى لو كانت هناك محاولة من قبله بشكل معين فليس معنى ذلك انها قد تنجح. لا أعتقد انه غيّر صورة أميركا كثيراً وهو أمر صعب للغاية بالنسبة له. الذي يغير أميركا هي الصدمات المتوالية في فيتنام وإيران وأماكن أخرى.
تسألني عن الدليل؟ أعطني دليلاً واحداً أن أوباما غيّر سياسة في منطقة ما. نتكلم هنا عن تغيير حقيقي وليس لعبة العلاقات العامة في الشكل (كيف يدخل أوباما ويفتحون له الأبواب ويتراقص في مشيته وهو طويل، ويتكلم بثقة)...
واستنتج "الأستاذ":
ـ تقدم أميركا نفسها أمام الخارج بوجه آخر يمكن ان يكون مقبولاً في العالم، بأنه ليس لديهم تمييز عنصري ومشاكل إنسانية من هذه الطبيعة. فشلت سياسة الاحتواء الأميركية السابقة. ما غيّر الأوضاع ليس أوباما، بل ما غيرها هو أن كوبا وقفت وإيران وقفت. فلم يصل رئيس في أميركا إلى السدة واتخذ خيارات جديدة وغيّر الأوضاع. بل كان يأتي "الرئيس" ويجد أمامه حقائق مختلفة تسقط خياراته القديمة. يمكن أن نقول إن الحصار الذي كان مفروضا على إيران سيخف. لكن الحرب على النظام في إيران، وإن لم تعد موجودة في الشكل الذي كانت عليه سابقاً، لا زالت مستمرة. والإيرانيون يدركون ذلك. تراهن أميركا على تحولات انفتاحية داخل النظام الإيراني. لكن النظام الإيراني لم يفعل مثل ما فعلناه في مصر حيث قرر السادات ليلاً السفر إلى تل أبيب وركب الطائرة في الصباح فكان ظهر اليوم التالي في مطار بن غوريون. هذا أمر لم يفعله ولن يفعله أحد غيره.
[Media:202804]
الزيارة الأولى: 1951..
صمت لحظة ثم عاد يستذكر تاريخ علاقته بإيران، قال:
ـ أوّل زيارة لي إلى طهران كانت سنة 1951 أيام مصدّق، وعرفت الشاه وعرفت أشرف (شقيقة الشاه)... ثم عرفت الخميني والخامنئي ورفسنجاني وخاتمي الذي تكرم فزارني في برقاش.
وفي تقديري أن علينا ألا نبالغ في مدى تأثير الاتفاق النووي. هو مهم جداً ولكن أميركا لن تترك العالم كله يجري مباشرة الى إيران بل تريد أن تتصل مع إيران علنا بقدر معلوم لكنها لا تريد لأحد غيرها أن يتصل. ما تمثله إيران هو الطموح المستقل الذي وصل إلى حد المعرفة النووية (وتباعا السلاح النووي)، وهذا غير مقبول من أميركا. هناك فرق بين ان تتعامل لفترة مع حقائق تدرك انه ليس بإمكانك ان تغيرها الآن، ولكن تتعامل معها مع افتراض أنك قد تكون قادراً على تغييرها في مرحلة لاحقة. فلو نجح النموذج الإيراني ورُفع عنه الحصار وتركته ينمو، تكون الخطة قد فشلت. وما تقوم به أميركا اليوم هو انها تشغل إيران الى ان تكون قد استولت بالكامل على سوريا، وتشغل إيران الى ان تكون قد استولت بالكامل على الأردن. العامل النفسي يلعب دوراً وقد بات الجميع يخاف من إيران وفي هذه الحالة تسقط كل التحفظات. والمعركة تدور حالياً في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران. والرئيس السيسي يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب أو الانفتاح. الدول القوية قد تقوم ببعض الأشياء التي تستسهل أن تقدم عليها هي، ولكن لا تسمح لك أن تفعلها أنت. فهي قد تسمح لبعض الدول التي يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم على ذلك، ولكن ان تقوم بها أنت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحة، فهذا لن يكون مقبولا.
وخلص "الأستاذ" إلى الاستنتاج:
- لم ينتهِ التناقض الإيراني الأميركي ولن ينتهي بوجود هذا النظام في إيران. فإما ان يتغير النظام فيها أو يتم إسقاطه. فأميركا أمام نظام في إيران رافض للهيمنة الأميركية وملاصق لروسيا وللصين، وهو في منطقة وموقع جغرافي يشكل نقطة ارتكاز مشرفة على روسيا والصين وتركيا... يمكن ان تقبل أميركا بترتيبات في هذه اللحظة، ولكن لن ينتهي عداء أميركا مع هذا النظام مهما كان، إلا اذا غيّر النظام طريقته أو غيرت أميركا مطالبها منه. التناقض الحالي بين الاثنين أكبر من ان يحل، ولن توفر أميركا أي قيد تقدر ان تفرضه على تمدد النووي الإيراني. نحن هنا أمام علاقة قوة: هل تستطيع اميركا ان تقبل بقوة في المنطقة قادرة على الانتشار والتأثير خارج حدودها ولا تكون حليفة لها؟... ان التناقض بين الدولتين كبير جدا ويجب ان يغير أحدهما طبيعته. هل ستغير الثورة الإيرانية رأيها في مفهومها للاستقلال؟ ولو تواضعت اميركا قليلا او لو روّضت إيران تنتهي المشكلة. ما نشهده اليوم هو الاستمرار للوضع الذي جاء بعد الثورة الإيرانية، والحيرة بين إمكانية احتواء الثورة وهي ترفض أن تُحتوى، وبين ضربها وهذا أمر لا يقدر عليه أحد ولا يرغب فيه احد، فلا يستطيع أحد ان يتحمل حرباً في هذه الظروف. هناك طرف متمرّد وطرف آخر يريد أن يروّضه وهنا تدخل في صراع دون ان "يمسكوا في هدوم بعض"، وإذا جلسوا إلى الطاولة فهم قد جلسوا لطرح موضوع محدد. هناك دولة محورية بين 5+1 وهي أميركا، فهل تستطيع اميركا ان تقبل في هذه اللحظة نظاماً ثورياً خارجاً على طاعتها ويمارس سياسة مستقلة؟
إيران بعد الاتفاق..
سألنا عما بعد الاتفاق النووي، فقال هيكل:
ـ أميركا لن تقبل بوجود أي نظام في إيران يسمح بوجود دولة قوية. فإيران وتركيا تشكلان قاعدة المواجهة الأميركية الأمامية مع روسيا، بصرف النظر عما إذا كان في روسيا قيصر أو زعيم شيوعي. في العودة إلى التاريخ والجغرافيا، تشكل روسيا خطراً حقيقياً على أوروبا، ويتحسب الأميركيون من روسيا بحد ذاتها وليس من النظام الشيوعي فيها. هزيمة أميركا في إيران ستكون مدوّية، كما كان لوقع سقوط الشاه والعائلة البهلوية، ثم ان فشل أميركا حتى الآن في تطويع الثورة الإيرانية أو استبدالها بنظام آخر يضعها أمام نزاع خطر قد يدخل في مرحلة يقلم فيها الطرفان أظافر بعضهما بعضا، ويصعب على أميركا أن تقبل بنظام قوي في إيران. هذه مسألة في غاية الأهمية.
واستنتج "الأستاذ":
ـ الاتفاق سيجعل إيران أقل شعوراً بالعزلة. لأن الغرب قد نجح، ولو بالفوضى، في أن يجعل العراق بؤرة عزل لإيران، وسوريا كانت تشكل نقطة ارتكاز لإيران في المنطقة... أما اليوم فإيران وحدها في الإقليم وليس لديها حلفاء طبيعيون لما تمثله الآن، ولا حتى تركيا.
وكان بديهيا أن يستدرك هيكل ليتوقف أمام عنصر مؤثر في التطورات المحتملة، فقال:
ـ أما الحركات والتنظيمات التي تعتمد عليها، فكلها ضعيفة. يشكل "حزب الله" قوة كبيرة في لبنان، ولكن لبنان كله (مع احترامي لكم) له حدود في التأثير، فكيف إذا كانت سوريا مدمرة بهذه الطريقة التي هي عليها اليوم؟ وإذا كان العراق يعيش أو يموت بالطريقة التي نشهدها. نحن أمام مأزق حقيقي، فلا تحمل الناس أكثر مما تطيق. صحيح أن لدى السيد حسن نصر الله إشعاعاً معيناً في لبنان وخارجه، لكن لا تحمّله أكثر مما يطيق، فليست لديه القدرة على التحرك والحركة خارج حدود لبنان. صحيح أن لديه سمعة جيدة، ولكن السمعة لا تشكل بحد ذاتها قوى تقاتل على الأرض. قتال "حزب الله" في سوريا هو للدفاع عن نفسه، وليس في معركة إثبات نفوذ. إذن فهو بحالة دفاع عن النفس في سوريا لأنه مستهدف، فمن يريد أن يضرب إيران اليوم يحاول ان يقص أجنحتها في أي مكان لديها فيه نفوذ. وقتال "حزب الله" هو من أجل بقائه ودفاعا عن نفسه وعما يمثله في لبنان، وهذا ما يؤكد مشروعيته في انه يقاوم، وليس في انه جزء من مشروع إيراني. إيران قد تستفيد من ذلك، وكذلك مصر برغم اننا لا نعترف بذلك: فنحن نستفيد من كل بؤرة مقاومة معطِّلة لتسوية شاملة في لحظة ضعف العالم العربي وتهاويه بهذه الدرجة.
ـ وماذا عن مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق، إذا ما حاولنا استكشاف الآفاق المحتملة؟
قال "الأستاذ":
ـ ليس صحيحاً أن كل الملفات قد طُويت وتم فتح الملف النووي وحده. لقد فتحت كل الملفات. والموقف الأميركي يهتم بإيران أكثر من اهتمامه بما حولها. إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة. وعندما تكون الطريق إلى إيران مفتوحة، فسيدخل فيها الاميركيون إلى آخر مدى. الشيخ راشد بن مكتوم كان شاطراً في هذه المسألة وكان مستعداً أن يضرب من يحاول الاستهانة بإيران. هناك حقائق في الجغرافيا، فالسعودية تهيمن على الخليج وهناك إيران وتأثير الهند وباكستان، ولكن لإيران التأثير الأكبر في المنطقة.
ثم استدرك فأضاف:
ـ لقد فتحت كل الملفات بين أميركا وإيران، وقد لامسوا المواضيع من دون أن يجدوا لها الحل. كل من لديه مصالح متشابكة يدخل الى المفاوضات وقد وضع أجندة بالمواضيع المطروحة، وهي تتضمن تلك التي لها أولوية في هذه اللحظة.
رأينا العقوبات والحصار في مصر خلال عهد عبد الناصر، وكذلك واجهت كوبا هذا المصير. إيران تتعرض لما تعرضت له كل حركة تمرد في وجه الهيمنة الأميركية. ذلك حصل لعبد الناصر وحصل لكاسترو وللصين وآخرين كثيرين، وإيران تعلمت من تجربة الآخرين ودرست تلك التجارب جيداً، ولن يعيد أحد تجربة ما قام به السادات في مصر فينقلب على ذاته. ونتيجة تجربة السادات وحسني مبارك واضحة أمام الجميع.
واستنتج "الأستاذ": ـ ليس هناك أقوى من شعب على أرضه مع حضارة مستمرة. الإيرانيون لم يفعلوا سوى أنهم كانوا أنفسهم. هناك حضارة فارسية على هذه الأرض وفي هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمة كبيرة. فمصر مثلا وبرغم كل ما أصابها مارست هذا الأمر في فترة ما.
عن مصر وروسيا والسعودية..
ـ وماذا عن مصر؟.. طالما قد استذكرت تجربتها في الماضي؟
ليت هناك رؤية واضحة بالنسبة إلى ما ستكون عليه مصر مستقبلا، ولكنها بدأت تستعيد توازنها حيث ان فترة الفوضى التي سادت في مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت. والمصريون اليوم مرهقون بما يواجههم ويتخيلون أن هناك إنقاذاً سيأتي من العالم العربي، لكن لا مفر أمامهم من أن يعتمدوا على أنفسهم.
روسيا كانت قد دخلت في صميم الشرق الأوسط. ولُسعت فيه ودفعت فيه خسائر برغم حسن نياتها، ثم انتكست بعد أن خرجت مصر من المعادلة الإقليمية فيه، والآن تقف سوريا عند باب الخروج.
هناك تناقض، تاريخياً، بين إيران وروسيا، وهناك شك طبيعي روسي. التجربة الشيوعية في روسيا لم تكتمل ولكنها تركت مواريث ثقافية أثرت في أمور كثيرة، ما قام به ستالين وخروشوف أو غورباتشوف أنهم نظروا إلى مطالب روسيا في المنطقة بمقدار قوتها. والصراع التاريخي بين روسيا وإيران طويل جداً وكذلك التداخل بينهما، وصيغ التعايش في ما بينهما لم تعش كثيراً، فالشاه حاول ومن قبله، والروس يرغبون في فترة من غير مشاكل كما يرغبون بسلام مع كل حدودهم (مع أوروبا أو مع الجنوب) لأنهم يشعرون انهم يحتاجون إلى إعادة بناء واسعة جداً، فأحوالهم ليست جيدة. روسيا لا تزال بلد عالم ثالث، وهي غنية بالموارد، وقد دخلت في ثورة صناعية حقيقية، برغم انها "عالم ثالث" ولكنها في أفضل حالات العالم الثالث، ولو أن واحدة من جمهورياتها لديها كل مظاهر العالم الأول ولديها قوة. لو امتلكت إيران مثلاً القنبلة النووية فلن يجعلها ذلك دولة من دول العالم الأول.
انتقلنا إلى الأبعاد العربية لهذا التطور المؤثر دولياً، وكذلك انعكاسها على الجوار الإيراني، فقال هيكل:
ـ في نقاط الارتكاز في المنطقة، باكستان ليست نقطة ارتكاز بل هي نقطة تواجد فقط. فلا يكفي ان تحتل أميركا بلداً ليكون نقطة ارتكاز. نقاط الارتكاز (pivots) في المنطقة هي تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد ما والهند إلى حد ما. أما باكستان فلديها مشاكل كثيرة وخطيرة. أما الدول العربية، فمصر مشغولة  ولا يوجد هناك تحالف عربي يمكن ان يحل محلها في الدور الذي يمكن ان تلعبه، والسعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة.
وإذا عدنا إلى أساس الموضوع فالسعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها. أما البدائل فلا بدائل! ولا أحد عنده سلطة تخوله ان يكون البديل. هناك مشكلة حقيقية وهذا هو ما يبقي السعودية.
الجيش يتحكم به هم أمراء الأسرة. هم أذكياء إلى درجة ان الوحدات الرئيسية في الجيش هي بقيادة أمراء. هل هناك من يملك المصداقية المطلوبة؟ لا أدري. كلهم يتساوون ولا أحد يظهر انه البديل، حالة الصراع الموجودة هي مع البرجوازية الناشئة.
عن سوريا والعراق واليمن.. والوضع العربي
وكان بديهيا أن نسأل عن سوريا التي تقلق أوضاعها المضطربة الجميع... فقال هيكل:
ـ سوريا لم تكن مركزاً لدعم بؤر المقاومة في المنطقة بل حاولت أن تفيد منها لمصلحتها. إذا تحدثنا عن مشروع تقسيم في سوريا فذلك يعني اننا نتحدث أيضاً عن مشروع تقسيم في العراق، وتأثيرات ذلك في شبه الجزيرة العربية كبيرة جداً، ولا أظن ان الاميركيين يريدون ذلك. ما يريدونه هو ان يتخلصوا من النظام الحاكم حالياً وان يأتوا بنظام يناسب مصالحهم (وليس مصلحة إيران بطبيعة الحال).
العراق الحالي كان تركيبة جديدة، والقوى التي أنشأته لم تعد تهتم فيه اليوم وتركته لأهله الذين يرغبون في الحفاظ على التماسك الداخلي فيه.
والأكراد المشكلة الأكبر فيه، وهم جادون في محاولتهم لتحقيق مطالبهم فيه بصرف النظر في ما إذا كانت محقة. هناك قاعدة للدولة الكردية وهي موجودة على ارض موجودة، وسيكون في منتهى الصعوبة ان تمنع قيام الدولة. وإذا استطعت ان تمنعها فستلقى مقاومة كبيرة من الأكراد لفترة طويلة. والحقيقة ان للأكراد الحق في ان تكون لهم دولة تمثل قوميتهم بلغتها وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، ولو تركهم العرب ليقيموا هذه الدولة فسيقاومها آخرون (تركيا وإيران).
واستدرك الأستاذ فقال:
لا أعرف كيف ومتى ستنتهي المصائب التي يقع فيها العالم العربي، والكارثة أن كل ذلك يحدث في اشنغال مصر.
 سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن. عندما تدخّل عبد الناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا على محافظتين فيها. اليمن مرهق وسترهق السعودية حتماً في دخولها في حرب مع اليمن ولكنها حذرة جداً. فالقبائل يعرف بعضها بعضاً جيداً. ولن يتوغل السعوديون في الداخل اليمني سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجودة هناك.
السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي، ولكن يمكنها أن تشكو الى الأميركيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابياً حتى الآن. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة. كلهم يتساوون في الخوف من إيران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض على إيران في الفترة الأخيرة والتشكيك في نياتها.
إذا أكملت أية دولة دورة تخصيب اليورانيوم يكون لديها القدرة على صناعة القنبلة النووية خلال 6 أشهر. ما قامت به إيران هي انها تعهدت ألا تطور سلاحاً نووياً وقد امتلكت المعرفة النووية. هناك دول في الخليج (الامارات وقطر) تبرز في محطات معينة أن لها علاقة في تمويل ودعم التكنولوجيا في مجالات مختلفة، ولكن يبقى هناك فرق بين ان تشتري التكنولوجيا وتستخدمها دون القدرة على استيعابها وبين أن تستوعبها.
وخلص هيكل إلى الاستنتاج بعد هذا الاستعراض والمقارنة بين إيران والدول العربية:
ـ الدول هي التي تصنع عقول الحكام وليس العكس لأن المجتمعات هي التي تترك أثراً.
هناك من كان وضعه أسوأ منا وهي ألمانيا، فقد تقسمت ودمرت وتبهدلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن كان لدى شعبها نواة الإرادة المستقلة. مشكلتنا في العالم العربي أنك لا تجد بين المسؤولين من لديهم الإرادة لصنع تاريخهم. المنطقة الأغنى هي الخليج، والمنطقة الأهم وهي مصر والشام عندها مشاكل كثيرة، أما المغرب العربي فهو غارق في مشاكله و "زهقان" من المشرق العربي... فأين يبقى الأمل؟ في السودان؟
لقد دخل العالم العربي كله في فراغ. هناك فكرة انهارت وهناك قوى إقليمية ظهرت، لم تظهر لدينا قوة بديلة او فكرة بديلة. ولكي يبادر أحدهم عليه ان يتمتع بإمكانية القبول أو مصداقية القبول، ولا يملك أحد المصداقية المطلوبة في العالم العربي، أبداً. المصداقية تائهة في مكان ما وهي خارج العالم العربي. كلهم يتكلم بكلام جيد ولكن لا أحد منهم يعني ما يقوله، ولا يملك أحداً تشخيصا حقيقيا للمنطقة أو لأحوال العالم من حولها.
في إيران هم قادرون على ان يفهموا ما يجري في العالم ومن حولهم. لقد استطاعت الثورة الإيرانية ان تأخذ ثوابت الثقافة والحضارة الفارسية باستمرار. هناك أمة كانت تتقدم واستمرت في ذلك وكان الانتقال سلساً. وهذا أمر يمكن أن يحدث في بلدين: عندنا هنا في مصر، وفي إيران، وإلى حد ما تركيا طبعا. فهذه أوطان حقيقية والباقي كله يشكل فسيفساء بين أوطان حقيقية.
ـ ومتى تنتهي الفوضى في العالم العربي؟
ـ نحتاج بين 12 إلى 15 سنة.
عن مصر والإخوان وإسرائيل
عدنا إلى المنطقة العربية ومآسيها والتعثرات السياسية الخطيرة، وانكشاف الأنظمة وعجزها ضمن الفراغ السياسي الذي تعيش فيه عن مواجهة "داعش"، واضطرارها إلى طلب النجدة الأميركية. سألنا "الأستاذ":
ـ لقد ربطت الحديث عن "داعش" بالفراغ، هل هناك خوف على مصر؟
ورد جازماً: لا خوف على مصر. "داعش" لا تعيش في مصر. طبيعة مصر مختلفة. هناك جماعات إرهابية خطرة موازية لداعش لكن التنظيم لم يصل إلى هنا، ولا ينجح "داعش" في مصر. لقد نجح الإخوان مثلا، كحركة محلية. داعش والبغدادي لا أحد يقبل بهما في مصر. حسن البنا ممكن أما البغدادي فلا أحد يقبل به.
سألنا: قلت ان تنظيم الاخوان نشأ، في الأصل، محلياً، لماذا لا يزال مستمرا حتى الآن؟
ـ قوته في انه ورث التنظيمات الصوفية. الطرق الصوفية لها نفوذ قوي في مصر. حسن البنا كان صوفيا، وهو استخدم البنية التحتية للصوفيين. حسن البنا وفي مكتبي في "اخبار اليوم" سلمني البيان ذاته الذي جاء فيه ان المتطرفين في التنظيم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين. التنظيم (الاخوان) متأثر بالطرق الصوفية ولكن هذا التأثير هو الذي يجعل له جذوراً في مصر. الناس في مصر عندها عشق للدين. وهناك يسار حقيقي في مصر. هناك أحزاب في مصر وعندها برامج سياسية وخصوصا الوفد له برنامج، ويمكن ان يقوم ائتلاف.
مصر تمشي إلى مستقبل ما. أنا أرى أن أحوال مصر لا بأس بها. هناك اقتصاد مأزوم ومرهق جداً. التعليم ليس مدمرا تماما. أنا أخشى من الأحكام المطلقة. التعليم ليس مدمرا الى هذا الحد. التعليم الخصوصي طول عمره موجود. من يأتي بالمعلم الخصوصي هو من طبقة معينة. النظام التعليمي معمول لاستيعاب 6 ملايين واليوم يتم تحميله من 30 إلى 35 مليوناً، من دون تحديثه بذريعة ان نصف علم أفضل من جهل كامل. النصف الجاهل كارثة. أنا أراهن على أنه في التصنيع ليس بالضرورة ان نحتاج الى مستوى علمي معين. الوظائف العامة في الدولة لا تتحمل أكثر من 9 أو 10 ملايين. علينا الاتجاه الى التعليم المهني لغايات واضحة مثل الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات. عليك ان تخلق وظيفتك. استنفدنا الوظائف العامة. لازم نسلم ان مصر كلها في ازمة. وهي في مرحلة الانتقال من حال إلى حال. أنت امام بلد لا يزال يدعي انه كويس وهو مفلس.
... وكان لا بد ان نستعيد ما يجسد الواقع المأساوي الذي نعيش. قلنا: لقد كدنا ننسى فلسطين..
ـ فلسطين تجسد تردي الواقع العربي. ومن باب الطرافة لا أكثر، أستذكر أنني ذهبت مع احمد بهاء الدين مرة للقاء القائد الراحل ياسر عرفات في تونس، وكان معنا ادوارد سعيد على أساس انه خبير في المجتمع الإسرائيلي، وهذا تخصصه، وطلب إلينا "أبو عمار" ان نذهب للقاء محمود عباس (ابو مازن) فذهبنا إليه... ولقد حاول الرجل ان يقنعنا وبحماسة، بأن المجتمع الإسرائيلي ليس كتلة صماء بل فيه كتل وجماعات وتنوعات ويمكن النفاذ منها وسمعناه أنا وبهاء قد أصابنا الاستغراب أمام هذا التحليل.
وكان بديهيا أن نسأل عن إسرائيل وموقفها من الاتفاق.. فقال "الأستاذ":
ـ إسرائيل لا تتأثر كثيراً، طالما يعتبر الطرف الأميركي حمايتها من مسؤولياته المباشرة. كانت إسرائيل تراهن على صدام اميركي مع إيران وهي لا تستطيع ان تتصادم مع إيران، ثم أصيبت بخيبة ما عند توقيع الاتفاق.
ـ إسرائيل في اية مرحلة من عمرها الافتراضي؟
ـ المرحلة التي يبدأ فيها العد التنازلي لإسرائيل هي عندما يكون هناك عالم عربي قوي. الآن إسرائيل مهيمنة على المنطقة كلها.
ـ وماذا عن أميركا.. ألا يمكن ان تكبر التناقضات الداخلية، في الولايات المتحدة الأميركية عندما تلملم انتشارها في العالم؟!
ـ لن يحصل ذلك. بالمصالح لا أحد يمكن ان ينسحب. اميركا لم تعد قادرة على الانسحاب. بلد تجارته وموارده الأولية كلها في العالم الخارجي. لا يمكن لأميركا ان تخرج من عندك ومن عند غيرك ما لم يكن عندك قدرة على التعايش معها من خلال نموذج معين. لنأخذ نموذج إيران: إيران إرادة واحدة. العالم العربي إرادات كثيرة وليس إرادة واحدة.
أما في الأفكار والثقافة فإن النموذج الأوروبي العلماني (الفرنسي) هو أقدر على التأثير من النموذجين الأميركي والروسي، وهو نموذج ثقافي أولا واقتصادي ثانيا. انه البحر الأبيض المتوسط.
ـ وماذا عن تركيا؟
ـ تركيا إلى المأدبة المتوسطية والأوروبية والأردوغانية. أما عن أردوغان، فكل واحد منا يعبّر في النهاية بطباعه عن طبيعته. كيف تطلب من مخلوق يفترض ان طبعه لا يعبر عن طبيعته وطبيعته لا تعبر عن طبعه انه تركي عثماني بالتأكيد!
وبعد لحظات استدرك "الأستاذ" فقال: ـ في أي حال، لقد ظلمنا الاتراك. هم لعبوا دوراً مهما في حماية الإسلام وأرض الإسلام بعد انهيار العصر المملوكي. محمد علي من داخل الإسلام كان فريدا في بابه.
بين الأمبراطوريتين..
وعاد الأستاذ إلى إيران والاتفاق ليستنتج:
ـ لا اميركا يمكنها ان تتجاهل إيران ولا إيران تتجاهل اميركا. قدر من التطبيع جيد، لكنّ هناك قدرا كبيرا من التناقضات بينهما.
أعتقد ان الكوبيين تصرفوا بطريقة جدية مع أميركا وليس هناك أي نوع من أنواع التبعية.
وختمنا بسؤال من واقع الحال في عالمنا:
ـ هل أميركا أعظم امبراطورية في تاريخ البشرية؟
ورد بسرعة: لا، أبداً. إنكلترا هي أعظم واكبر. في النفوذ والاقتصاد والتحول والعصر الصناعي. هي نشأت في وقت مثالي. فترة التجارة والصناعة والبحر. لا امبراطورية وافقت زمنها وعصرها بقدر الإمبراطورية البريطانية. أميركا قوية جدا لكن "ده كلام ساكت" كما يقولون. الحقيقة ان الإمبراطورية الحقيقية في التاريخ بعد الإمبراطورية الرومانية هي الإمبراطورية البريطانية.. لكل امبراطورية نهاية بالسيطرة ولكن ليس بالنفوذ. الإمبراطورية البريطانية باقية بقوة ما دامت اللغة الإنكليزية باقية. الإنكليزية صارت لغة التكنولوجيا وهذا من حظهم. الإمبراطورية باقية باللغة. ليس بالضرورة ان تبقى بالقواعد والجغرافيا. لازم نسلم ان الإمبراطورية البريطانية والرومانية هما نموذجان مهمان ومختلفان تاريخيا. الوعاء لكل حاجة هو اللغة. حظ الإنكليز ان الثورة التكنولوجية قد منعت سقوطهم. فالانكليزية هي اللغة المعتمدة في وسائل التواصل والتقنيات والإعلام واللغة السائدة هي اللغة الإنكليزية. قلت مرة لمارغريت تاتشر: أنتم فقدتم امبراطورية في الجغرافيا ولكنكم وجدتم امبراطورية في اللغة. قالت لي: ما أصح هذا الكلام!
كنا نود أن نسأل أكثر فنعرف أكثر ولكننا لم نشأ أن نستبق حواراُ أوسع عن أحوال العرب بعنوان مصر في المقبل من الأيام.
 وستكون لنا عودة إلى " الأستاذ " لاستكمال الحوار المفتوح مع عقله وثقافته السياسية البلا حدود.

_______________
السفير

طباعة    
جريدة السفير 2015©

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.