‏إظهار الرسائل ذات التسميات الربيع العـربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الربيع العـربي. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

السعودية وراء وقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات” ... حكام العرب مستمرون في سياسة تكتيم الأفواه والإستعلاء

    نوفمبر 06, 2015   No comments

لندع جانبا الذرائع والحجج التي تستخدمها السلطات السعودية لوقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات”، الذي يوجد مقر مجلس ادارته في عاصمتها الرياض، وتملك حوالي ثلث اسهمه، ونتحدث عن ظاهرة اكثر اهمية واخطر، وهي تحول هذه السلطات الى الجهة التي تقرر من هو موضوعي، ومن هو حر، ومن هو منحاز، ومن هو عدو، ومن هو صديق، ومن هو مهني، ومن هو غير مهني، ومن يجب ان يبقى على “العربسات”، او “النيل”، او اي قمر صناعي عربي آخر، ومن يجب ان يطرد، ومن هو المطرب او المطربة، ومن هو الشاعر او الشاعرة، ومن هو المبدع، ومن هو غير المبدع.

السعودية ومعظم حلفائها في مجلس التعاون، والتحالف العربي الذي تقوده في اليمن، هو الذي قرر حجب القنوات الفضائية اليمنية التابعة للتحالف “الحوثي الصالحي”، مثلما قرر قبلها اغلاق القنوات الليبية الرسمية لدولة عربية مساهمة في القمر الصناعي نفسه، واتخذ القرار نفسه، وبالاعذار نفسها، لاغلاق القنوات السورية، فممنوع ان يكون هناك رأي آخر، لانهم يخافونه وكل منابره الاعلامية، مهما كانت بائسة وفقيرة ماليا وفنيا، وهم الذين يملكون الامبراطوريات واذرعتها الاعلامية التي تتناسل وتتناسخ مثل الارانب، وتنفق المليارات لتمويلها.

***
لا نعرف من اعطى السلطات السعودية هذه القوة، ومنحها هذا “الفيتو”، ولماذا الصمت عليه من دول مثل مصر والعراق والجزائر والمغرب والكويت والاردن، والقائمة طويلة، وبأي حق هي التي تحجب من تشاء وتبقي من تشاء، باسم العرب والمسلمين، والجامعة العربية ومؤسساتها.
السلطات السعودية فعلت، وتفعل، كل هذا، وما هو اكثر، وانطلقت الآن من دائرة حرب التعتيم الاعلامي التي برعت فيها جيدا طوال الثلاثين عاما الماضية الى التدخل العسكري المباشر، وكل هذا تحت شعار حماية الشعوب، ونشر قيم العدالة الاجتماعية، وترسيخ قيم الديمقراطية، والقضاء العادل المستقل.

نفهم هذا التغول لو كانت الامبراطوريات الاعلامية السعودية، والاخرى الدائرة في فلكها، قمة المهنية والموضوعية والحيادية، ولا تعتمد اي اجندات خاصة وتحترم الرأي الآخر، ولا تضع قوائم سوداء وحمراء وصفراء لضيوفها، واذا كنا مخطئين حدثونا لو تفضلتم عن موضوعية “العربية”، ومهنية “الجزيرة” خاصة في الشؤون اليمنية والمصرية والليبية والسورية، افيدونا حول “اعتدال” وعدم طائفية اكثر من مئة قناة اسلامية تمولها الدول الخليجية، والسعودية منها على وجه الخصوص؟
السبب او الذريعة التي تستخدمها السلطات السعودية في وقف بث قناة “الميادين” ظهور ضيف ايراني على قناتها تهجم عليها اثناء كارثة الحج الاخيرة، كلام جميل، وعذر مقبول، ولكن من حقنا ان نسأل المسؤولين السعوديين، عما كانوا يتوقعون ان يكون رد فعل المسؤولين الايرانيين، عن مقتل اكثر من 300 من حجاجهم سحقا تحت الاقدام، واختفاء اكثر من مئتين لم يتم العثور على اي منهم حتى الآن، او الحصول على رد واضح حول مصيرهم وغيرهم المئات من الحجاج الآخرين من السلطات السعودية؟
هل يتوقع المسؤولون السعوديون من اب مكلوم، او ابن فقد والده، او الدته، او الاثنين، ان يتغنى بالترتيبات السعودية الرائعة والعالية المستوى لموسم الحج، وان يشيد بحكومة خادم الحرمين الشريفين على رعايتها، وحرصها على ارواح الحجاج؟
مر اكثر من شهرين الآن على كارثة الحجاج، ولم نسمع او نقرأ حتى الآن رقما حقيقيا موثقا علميا عن عدد الضحايا، او مصير المجهولين، ولم نقرأ او نسمع، حتى كتابة هذه السطور، معلومات موثقة عن كيفية حدوث هذه الجريمة، ومن هو المسؤول عنها رغم وجود آلاف الكاميرات، ورغم تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وكل ما سمعناه هو ارسال خادم الحرمين برقية تهنئة الى ولي عهده رئيس اللجنة العليا المشرفة على رعاية شؤون الحجاج وسلامتهم بمناسبة النجاح الكبير لجهوده في هذا الاطار.
اليمن افقر بلد عربي، وربما في العالم بأسره، يواجه قصفا يوميا، ومنذ سبعة اشهر، من اكثر من مئتي طائرة، من احدث ما انتجته المصانع الامريكية، تلقي بحممها على رؤوس اليمنيين، وتقتل وتدمر كيفما تشاء، وتقصف معامل للحليب وتعبئة المياه واعراس، وسط حصار بحري وجوي وبري خانق، اوصل اكثر من عشرين مليون يمني الى المجاعة، وبات خيار المواطن اليمني اما الموت جوعا، او قصفا، نعم.. الحوثيون يقصفون ويقتلون ايضا، ولكن من الذي ذهب الى حربهم؟ ومن البادي في اشعال فتيلها؟ ومن الذي انفق اكثر من 300 مليار دولار على شراء احدث الصواريخ والقذائف واشدها فتكا في السنوات الثلاث الماضية فقط، ويستخدمها حاليا في اليمن؟
***
ممنوع علينا وغيرنا الكتابة عن كل هذه القضايا بموضوعية، ممنوع ان نردد ما يقوله بان كي مون امين عام الامم المتحدة عن مقتل ما يقرب العشرة آلاف يمني، ممنوع ان نتحدث عن كارثة الحج، ونطالب بمعرفة عدد القتلى، هل هم 760 قتيلا؟ ام 2200 قتيل؟ ام اربعة آلاف؟.. ممنوع ان نتحدث عن اي اهمال او تقصير.. ممنوع ان نتطرق للتواطؤ العربي مع حلف الناتو، ودوره في تحويل ليبيا الى دولة فاشلة، تهيمن عليها الميليشيات المسلحة تماما، مثلما كان ممنوعا علينا ان نتعاطف مع اكثر من مليون عراقي قتلهم الحصار بعد غزو الكويت عام 1990، او اكثر من مليون بسبب الغزو والاحتلال الامريكي، واذا تحدثنا فاننا غير موضوعيين، وغير مهنيين، او مجوس، وعملاء لايران، مثلما كنا عملاء لصدام حسين، في نظر اسياد الموضوعية والمهنية، والقيم الديمقراطية، واصحاب البرلمانات التي لا يوجد لها مثيل في العالم، الذين يبكون دما حاليا على العراق وصدام الذي تآمروا مع الامريكان على حصارهما وتدميرهما.

لقد طفح كيلنا من غروركم وغطرستكم وعجرفتكم.. استمروا في هذا النهج، ونبشركم بانكم توحدون الغالبية الساحقة من فقراء العرب، واصحاب الضمائر الحية ضد انظمتكم.

احجبونا.. اطرودنا من عربساتكم.. امنعونا من قنواتكم ومطاراتكم.. واشتمونا كما شئتم.. سنظل نكتب ونكتب حتى ولو على الجدران.. وسننتصر دائما للمظلومين العرب، واولهم شعوبكم.. ولن ترهبونا مطلقا.

الجمعة، 31 يوليو 2015

استياء عام، تلاعب، ومواجهات طائفية... المزاب في مواجهة غياب الدولة الجزائرية

    يوليو 31, 2015   No comments

سليمة ملّاح *


مطلع تموز/ يوليو الجاري، اندلعت اشتباكات في بلدات عدة في وادي المزاب الواقع في ولاية غرداية الصحراوية، على بعد 700 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية. تسبب شبان مجهزّون بأسلحة بيضاء، وكذلك بقنابل المولوتوف والأسلحة النارية، باشتباكات عنيفة بين المزابيين (أو بني مزاب) والشعانبة (أو الشعامبة). وفي حصيلة أيام العنف الثلاثة، سُجل سقوط 23 قتيلاً وعشرات الجرحى واحتراق العديد من المحال والمنازل.
في الرواية التي روّجتها وسائل الإعلام للأحداث، يظهر الصراع على أسس طائفية وإثنية بين الأمازيغ الذين يتكلمون البربرية والإباضيين والعرب والمتحدثين باللغة العربية وهم من المالكيين. أما وسائل التواصل الاجتماعي فكانت شاهدة على توسع دائرة الحقد التي تتجاوز القدرة على احتوائها.
يبدو مهماً تفكيك هذه الصورة كي لا يتم استخدامها كأساس لاعتداءات عنصرية تجاه مكون معين عادةً ما تكون مبنية على وصمه بسمات محددة. تختزل وسائل الإعلام "المستقلة" الصراع بمواجهة ثنائية بين المزابيين والشعانبة، متجاهلة العديد من الحقائق التاريخية والاجتماعية والسياسية، التي يؤدي غيابها إلى استمرار العنف المتفجر، والتي لو أُظهرت لسمحت بفك بعض خصائص هذا العنف.


وادي المزاب: منطقة بثقافات مختلفة

كان وادي المزاب ملاذاً لأتباع المذهب الإباضي، السابق للمدارس الأربع الأساسية لدى أهل السنة والجماعة، الذين هربوا من البصرة في العراق ليستقروا في جبل نفوسة في ليبيا ومن ثَم في الجزائر، حيث أسسوا في العام 761 مملكة تيهرت.
وقد ترك الإباضيون مرغمين هذا المكان في العام 909، وانتقلوا جنوباً باتجاه وادي المزاب، بعدما أمضوا فترة في منطقة ورقلة، حيث نشروا ثقافتهم المدينية. هذه البقعة التي اختاروا الإقامة فيها لم تكن خالية تماماً، إذ كانت ممراً للقبائل الرحل التي احتك بعضها بالإباضيين فتبنوا مذهبهم واستقروا بدورهم في المنطقة. نشأت في وادي المزاب سبع مدن مُسيّجة (تدعى القصور) هي: العطف في العام 1012، وبنورة في 1065، وغرداية 1085، ومن ثَمّ بني يزقن 1321 ومليكة 1355، وفي وقت لاحق بريان 1631، وأخيراً القرارة 1691.
في ما يخص الشعانبة، فالمعلومات الموثقة عنهم قليلة. تشير مصادر إلى أنه عند وصول الإباضيين، كانت في المنطقة قبائل رحل متحدرة من قبيلة زيناتة (بربر) وبني هلال (عرب)، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن هذه القبائل وصلت لاحقاً. الشعانبة، وهم من المالكيين والناطقين باللغة العربية، وهم بالتأكيد من البربر، لكن يعتبرون أنفسهم عرباً.
اختلط الشعانبة بالإباضيين، ونشأت بينهم علاقات تجارية، استقروا في مدنهم حتى القرن الثاني عشر حيث أسسوا في الوادي المجاور مقرهم (قصرهم) الخاص تحت اسم متليلي، إلا أنهم كانوا يعودون بقوافلهم بانتظام. لا بدّ من الإضافة إلى أن هناك مجموعات عُرفت بـ "العرب" استقرت منذ قرون في منطقة ( بني مرزوق والمدابيح وأولاد نايل..). هذه المجموعات، المتخاصمة أحياناً والمتحالفة أحياناً أخرى، شهدت تغييرات متبادلة، فقد اعتنق بعض الإباضيين المذهب المالكي والعكس.
في العام 1317، ولوضع حدّ للخصومات الموجودة بين الطرفين، تمّ توقيع معاهدة بينهما حصل بموجبها استقرار عائلات إباضية في متليلي فيما انتقل شعانبة إلى مدن (قصور) الإباضيين. وفي القرن الرابع عشر جرى توقيع اتفاقية ثانية. وعلى مرّ العقود، شهدت القصور تدفق المالكيين وكذلك اليهود والمسيحيين، مع استمرار التبادل التجاري وكذلك الثقافي مع الجماعات الرحل وشبه الرحل. هذه القدرة على احتواء المزابيين المتجذرين بعمق في وادي المزاب هي ثمرة تنظيم قائم مبني على مؤسسات سياسية ودينية متينة، وعلى مبادئ تضامن موروثة وروح مساواة تكفل نوعاً من الانسجام الاجتماعي والوضع الاقتصادي المستقر.


اختلالات متصاعدة


لم يعرف سكان القصور الاضطرابات الاجتماعية الناتجة من السياسة الاستعمارية، كما تمكنوا من مقاومة انعكاسات الحداثة العنيفة. ولكن يبدو أن هذا المجتمع المحافظ والمحمي استطاع بصعوبة مقاومة الضربات التي تعرض لها في العقود الأخيرة.
شهد وادي المزاب تنامياً ملحوظاً في عدد سكانه منذ الاستقلال، من دون أن تتوفر لديه الموارد لمواجهة الموجات الأخيرة من النزوح لسكان مناطق الشمال المضطربة في التسعينيات، الطامعين بالازدهار النسبي لهذه المنطقة. وهكذا ازداد عدد سكان وادي المزاب من 50 ألفاً بعد الاستقلال إلى حوالي 200 ألف (تحصي الولاية أكثر من 350 ألفا من السكان).
اليوم، يعتبر الإباضيون ديموغرافياً من الأقليات في موطنهم الأصلي. وقد حصلت تغيرات مفاجئة من حيث الشكل المدني وإمكانية الوصول إلى المياه والزراعة، أثرت جميعها على شكل المجتمع التقليدي الذي أُفرغت بنيته السياسية من مكوناتها الأساسية من خلال المؤسسات العامة المستحدثة، من ضمنها المجالس البلدية.
عمّت حال من الاستياء غذّتها نسب البطالة المرتفعة في صفوف الشبان، ولكنها لم تكن مقتصرة على هذه المنطقة. فالاحتجاجات هزت مدناً أخرى دورياً، إلا أن حال التمرّد في ولاية غرداية، حيث لا يتمتع السكان الوافدون حديثاً ببنى اجتماعية منظمة كما في مناطق أخرى، أخذت شكل المواجهات الطائفية ـ الأهلية.
في الماضي القريب، جرى احتواء الصراعات الناشئة بين المذاهب على نحو فعال. ولكن منذ سبع سنوات تقريباً، خيمت حال من التوتر الدائم. فقد عرفت مدينة بريان منذ العام 2008 اهتزازاً أمنياً ومواجهات عنيفة في الأحياء المختلطة، أسفرت عن سقوط خمسة قتلى وعدد من الجرحى وتدمير مئات المنازل، فيما أجبرت عائلات بأكملها على ترك منازلها وأملاكها، واضطر أطفال كثر إلى ترك مدارسهم والانتقال إلى أخرى. وتحولت الطريق الوطنية رقم واحد إلى خط تماس يفصل بين المجموعتين المتنازعتين.
الهدوء الحذر الذي دام لأقل من أربع سنوات في المنطقة توقف في ربيع العام 2013 عندما تحولت مدينة غرداية من جديد مسرحاً للمواجهات. ومنذ ذلك الحين، عاشت مدن عدة أحداثاً عنيفة، ازدادت حدتها مع كل جولة عنف. وفي فترة تقارب الـ15 شهراً، أحصي أكثر من 10 قتلى بينما غادرت مئات العائلات منازلها المتضررة أو المدمرة، كما دُنست القبور والأضرحة.
يبدو الوضع ميئوساً منه، خاصة أن السلطات لا تقدم أية حلول سياسية جدية. هذه السلطات اختارت إدارة أمنية للأوضاع الخارجة عن سيطرتها. هكذا لم يعد لدى السكان أي ثقة بالقوى الأمنية المتهمة بالتراخي، وبالتحيز لطرف دون آخر. وفي نهاية المطاف، فإن رجال الامن الذين تم نشرهم في المنطقة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ما لبثوا أن تمردوا في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، حيث جرى استدعاء الجيش ونشره للمرة الأولى على الارض.
وافتتح العام 2015 في المزاب بموجة من الاعتداءات والحرائق وتدخل عنيف للشرطة التي استعملت الغاز المسيل للدموع متسببة بوفاة العديد. وهكذا، بعد فترة قصيرة من زيارة وزير الداخلية، في 2 تموز/ يوليو، بغرض إنشاء لجنة وزارية مشتركة مولجة البحث في احتمالات التهدئة في مزاب، تفجرت مجدداً ليل الرابع والخامس من تموز/ يوليو موجة العنف، أولاً في بريان ومن ثم في بنورة، لتطال لاحقاً الوادي بأكمله.


انهيار ممنهج؟


كما في السابق، توافق سكان مزاب على مختلف مشاربهم على فضح موقف الحكومة التي اكتفت بخطوات رمزية وبمفاوضات بين ممثلين وهميين عن المذاهب، مع استبعاد الفاعلين الحقيقيين في المجالات الاجتماعية والسياسية. كما فضح السكان أيضاً غياب أي برنامج اقتصادي في ظلّ وجود مصانع مهترئة عفّى عليها الزمن. أضف إلى ما سبق، عدم جدوى برامج الدمج المهني في حين أن حقل حاسي رميل للغاز الطبيعي الذي يعد الأكبر في الجزائر لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مدينة بريان التي شهدت فورة عمرانية سريعة وعشوائية إلى حدّ كبير. علاوة على ذلك، قدمت الوعود من أجل التعويضات وإعادة الإعمار من دون أن تقترن بإجراءات عملية. فشل السلطات كان واضحاً، يزيده وضوحاً الحصانة التي نالها مرتكبو الأفعال الجرمية إبان الاضطرابات التي عززت الشعور بتخلي الدولة وأجهزتها الأمنية عن دورها.
كثرت التساؤلات بشأن الإرادة الفعلية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة وحول ما إذا كان هناك استغلال للوضع المحلي الذي يزداد هشاشة. أما الفوضى وانعدام الامن اللذان تغلغلا باطراد في هذه المنطقة، التي تعتبر تقاطعاً للطرق العابرة للصحراء، فقد شكلا بيئة حاضنة لأوساط المافيا المتورطة في صفقات متعددة، من ضمنها المخدرات، وذلك بالتواطؤ مع عدد من المسؤولين.
يواجه سكان وادي المزاب أيضاً تحدياً إضافياً: ذاك المتعلق بخطاب الكراهية الذي يروجه بعض السلفيين بينما تبقى الإدارة والقضاء غائبين عن المشهد. دعوات القتل لا تصدر فقط عن الدعاة والمحرضين المحليين لكن أيضاً عن قنوات تلفزيونية سعودية ووهابية، مثل سلسلة قناة "إقرأ" التي بثت منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2013 أربع مرات برنامج "كرسي العلماء" الذي يعتبر الإباضيين من "الخوارج" ويبيح قتلهم.
عبّر العديد من الفاعلين السياسيين والمراقبين عن قلق حقيقي إزاء تصاعد العنف مطلع تموز/ يوليو 2015. وتساءل البعض عن تورط "جزء من السلطة" في ذلك، ولمّح البعض الآخر إلى تورط قوى خارجية موجودة في المزاب، كأرضية خصبة لزعزعة الأمن في الجزائر، على غرار ما يحصل في بعض دول المغرب والمشرق.
تبقى المشكلة الأساسية متمثلة في فشل النظام الاستبدادي وعجزه إلى حد كبير، فقد أضعفته الصراعات الداخلية الهادفة لخلافة الرئيس بوتفليقة. كما تبدو السلطة عاجزة في وجه الانهيار الكبير لأسعار النفط وتآكل التوازنات الداخلية الهشة. هذا التدهور في الوضع الاجتماعي - الاقتصادي يصبح مقلقاً، لا سيما مع المناخ الجيوسياسي المنتشر في المنطقة ومع الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها السلطة الجزائرية.
واقع وجود تلاعب في المزاب لا يعفي النظام من مسؤوليته في رسم مخرج سياسي يعزز في حده الأدنى الثقة بين الجزائريين. ومن الضروري والعاجل الخروج من الإدارة الحالية للأزمة، المستندة إلى حلول مؤقتة، لأنه ومن دون أدنى شك، فإن خطر مواجهة الاختلالات الكبرى لم يعد سيناريو مستبعداً.
___________________________

عن السفير...
 (ترجمة: هيفاء زعيتر)
* رئيسة تحرير موقع Algeria Watch

 

السبت، 28 فبراير 2015

الإسلام والتوحّش: معالم من معارك الغرب الدعائيّة

    فبراير 28, 2015   No comments
أسعد أبو خليل

العولمة، في معنى من معانيها، تعني استبطان واجترار قيم ومفاهيم الغرب من قبل غير الغربيّين - ومن دون إدراك واعٍ - حتى ولو كانت تلك القيم والمفاهيم على تضاد مع مصالح غير الغربيّين. عولمة القيم هي في محاكاة الرجل الأبيض المُستعمِر من دون أن تلاحظ (تلاحظي) ذلك. إن عولمة الاستعمار والهيمنة الفعاليّة هي في إيهام المُستعمَر ان ما ينطق به وحتى ما يعتقد انه يؤمن به بقوّة وحماسة هو نتاج ذاتي غير متأثّر باستعمار بدأ ولم ينتهِ.

كتب إدوار سعيد في ختام كتاب «الثقافة والإمبرياليّة» ان واحداً من الأذى الاستعماري ان شعوب العالم النامي تظنّ ان هويّاتها خاصّة بها وحدها، أو أصيلة، فيما هي ناتجة عن تقسيمات أتى بها المُستعمِر لخدمة أغراضه هو، لكن بات يُخيّل لسكّان رواندا وبوروندي أن تقسيم الـ «هوتو» والـ «توتسي» هو اجتماعي عميق، مع أن الألمان والبلجيك هم الذين حوّلوا الفارق (الهامشي جينيّاً) بعد الحرب العالميّة الأولى بين الشعب المحلّي إلى تقسيم طبقي واجتماعي ووظيفي (استعان البلجيك بأقليّة الـ «توتسي» لفرض حكمهم واصدروا بطاقات هويّة للتفريق بين الفريقيْن). هل أن الإيمان العربي (الباطل) بأنهم بيض (فيما هم أفرو- آسيويّون) ناتج من قناعة خالصة أم هو محاولة للتماهي مع ميزات الرجل الأبيض في البلاد وفي المهاجر؟
إن خطاب الغرب التاريخي العدائي ضد الإسلام يُستبطن من قبل مسلمين (حتى لا نتحدّث عن غيرهم) فيما يقوم الغرب بإعادة شحذ أدوات حروبه الماضية في بلاد العرب والمسلمين. لكن البيت الأبيض عقد قبل أيّام مؤتمراً لمكافحة «التطرّف» ودعا إليه رهطاً من المعتدلين، من السعوديّة ودولة الإمارات ومصر وقطر واوغندا والبحرين والأردن بالإضافة إلى ممثّل عن طاغية كازخستان، حتى لا نتحدّث عن خارقي حقوق الإنسان في الغرب. (ودعا، في من دعا، رسّاماً أردنيّاً زعم ان قصصه المصوّرة تباع بالملايين وأنه إستطاع ان يخلق للعرب والمسلمين أبطالاً جدد، لا يشكّلون خطراً على المصالح الأميركيّة. وزعم الرسّام - الذي لم يسمع به احد واسمه سليمان البخيت، وهو ابن لرئيس وزراء سابق للنظام الهاشمي الصهيوني - أن متطرّفين اعتدوا عليه بسبب مكافحته التطرّف). قرّرت أميركا مكافحة التطرّف، مثلما هي كافحت في حقبة الحرب الباردة مظاهر التطرّف اليساري والعلماني والمتنوّر والنسوي في كل بلاد العالم النامية، وعملت مع النظام السعودي والأردني والباكستاني على نشر قيم الجهاد الإسلامي الرجعي لدحر الشيوعيّة (من الضرورة قراءة الفصل الأوّل - على الأقلّ - من كتاب الصديق جوزيف مسعد، «الإسلام في الليبراليّة»، والذي يخوض في تاريخ الخطاب السياسي الليبرالي الاستعماري نحو الإسلام والمسلمين). كانت أميركا تحضّ على تعبئة دينيّة جهاديّة للمسلمين من أجل محاربة فكر التنوير والشيوعيّة في زمن الحرب البادرة.
وقد تعرّض أوباما إلى انتقادات من فريق كبير من الساسة في أميركا لأنه تمنّع عن استعمال وصف «الإسلامي» للتطرّف، لأن التطرّف هو إسلامي بالعرف الأميركي. ووصف التطرّف بالإسلامي يصبّ في مجرى السجال السياسي الدائر والذي لا نهاية له: هل الإسلام برّاء أم أن الإسلام مذنب؟ والحكم على الإسلام وإدانته من خواص التعاطي الغربي مع الإسلام: والإسلام في قفص الاتهام، إن كان في القرون الوسطى أو في عصر الليبراليّة الاستعماريّة. وموضع توّحش «داعش» بات على كل شفّة ولسان، غرباَ وشرقاً. التنظيم المذكور يتقصّد الإرهاب تكتيكاً وهدفاً، وهو في هذا يختطّ لنفسه منجهاً مستحدثاً في الإرهاب الحديث. لكن «داعش» لم يخترع وسائل تعذيب جديدة، ولم يأت بعقيدة جديدة لم تعرفها منطقتنا - أو منطقتهم - من قبل. إن «داعش» هو التطبيق الفعلي لعقيدة حاكمة في مملكة القهر السعوديّة، لكن مع بثّ مُتلفزّ لتطبيق العقوبات، فيما تعاقب حكومة آل سعود مَن يتجرّأ على أخذ صورة أو فيديو بهواتفه لقطع الرؤوس والجلد الدوري في الساحات العامّة.
لقد ألصق التوحّش بالإسلام في الغرب، وحتى في الشرق حيث اجترّ الاستشراق المحلّي (الكنسي غالباً تاريخيّاً) مقولات العداء والكراهية ضد الإسلام. والخطاب النفطي السعودي المُوالي للغرب الصهيوني بات معنيّ بإعادة نشر وضخ مقولات الصهيونيّة الغربيّة نفسها ضد العرب والمسلمين. ولهذا فإن صفحات جريدة «الشرق الأوسط» و»المجلّة» (المملوكتيْن من قبل الملك السعودي الحالي) باتت تعجّ بكتابات عتاة الصهاينة وكارهي الإسلام في الغرب. أفردت مجلّة «المجلّة» مقالة غلاف مسهبة للليكودي الصهيوني، جوشوا مُرافتشيك، وهو ليس أكاديميّاً وليس خبيراً في شؤون الشرق الأوسط إلا إذا كان التعصّب ضد العرب هو الاختصاص الشرق اوسطي عينه - وهذا سارٍ في المعيار الصهيوني في أميركا، لنقد وإهانة وتشويه كتابات الراحل إدوار سعيد. أي أن حماة «الحرميْن» باتوا المُسوّقين المحليّين لعقيدة معاداة الإسلام، وللعقيدة التي تسهم في تقبيح صورة الإسلام في الغرب والشرق على حدّ سواء.
لا يمكن منهجيّاً نسب أفعال وجرائم أفراد من المسلمين إلى الدين نفسه

لكن هل يمكن الحديث عن وحشيّة أو إرهاب إسلامي؟ ولماذا لم يؤدّ نحو قرن من الإرهاب الصهيوني إلى استعمال وصم «الإرهاب اليهودي»؟ ووصم الإرهاب بصفة الدين - في الحالتيْن- جائر لأنه يحمّل الدين والعقيدة وزر أفعال أشخاص، قلّ عددهم أم كثر. إن الإرهاب والوحشيّة ليس صنو الدين، مع أن العلمانيّين والملاحدة يرغبون في نسبة كل إرهاب وكل وحشيّة إلى الدين. هذا لا يعني ان الدين - كل دين، أو أي دين - هو برّاء ممُا يصلق به بالضرورة خصوصاً في حالات تكون فيها السدة البابويْة - أعلى مرجع في الدين المسيحي تاريخيّاً - مسؤولة مثلاً عن الإعلان الرسمي للحروب الصليبيّة وعن إرهاب النساء تحت عنوان «محاربة الساحرات»، أو في قمع الأقليّات في زمن كان القسّ فيه حاكماً. وفي هذا لا ينطبق الوصم على الإسلام لسبب بسيط ان الحاكم هو الذي يُخضع الفقيه لسلطته، وليس العكس. إن المفتي السعودي أو حاكم الأزهر ليس إلا أداة بيد طاغية مُتغيّر: والطاغية يمتّ إلى الدين بصلة أضعف من صلته بالاستعمار. الحالة الإيرانيّة تختلف لأن الفقيه أخضع الحاكم لسلطته لكن نظريّة «ولاية الفقيه» لا تعبّر عن صلب العقيدة الشيعيّة ولا تحظى بإجماع المراجع الشيعيّة العليا حول العالم.
والحديث عن التوحّش في الإسلام يقتضي مساءلة فرضيّة نسب أفعال أفراد أو حكّام مسلمين إلى الإسلام نفسه. هادي العلوي كتب كتاباً مقروءاً جدّاً بعنوان «من تاريخ التعذيب في الإسلام». لكن العلوي بعنوانه هذا نسب كل ما جرى من تعذيب وجرائم إلى «الإسلام» بصورة عامّة، والتعميم من هذا النوع يفضي إلى مفاهيم وفكر الاستشراق التقليدي. لا يمكن منهجيّاً نسب أفعال وجرائم أفراد من المسلمين إلى الدين نفسه. وهذا النوع من التعميم لا يُستعمل بتاتاً عن اليهوديّة أو المسيحيّة. وقد استدرك العلوي متأخّراً ما وقع فيه من خطأ في المنهج فأضاف تعقيباً على طبعة لاحقة جاء فيها: «أرسل لي الفنّان العراقي أسعد علي بعد صدور هذا الكتاب إضمامة (ألبوم) تتضمّن صوراً لأشكال التعذيب في أوروبا حتى مطلع القرن التاسع عشر. وبعد ان تصفّحته قليلاً طويته وأخرجته من منزلي إذ لم تواتيني الشجاعة على مواصلة النظر فيه. وإنما ساعدني على وصف فنون التعذيب في تاريخنا أنها وردتنا محكيّة لا مكتوبة. وأقول في ختام هذا القسم إني كلّما خضت في تاريخ هذه الهمجيّة الكبرى وددت لو أن البشريّة لم توجد على الأرض» («فصول من تاريخ الإسلام السياسي»، ص. 327). تقرأ هذا الاستدراك وتقول في سرّك للمؤلّف: «بعد شو؟»، بعد ان الصقتَ كل ما مرّ على تاريخنا الطويل من تعذيب بالإسلام؟ وفي كتابه هذا يعترف العلوي ان الإسلام لم يُدخل «فنّاً» في فنون التعذيب إلا واستعاره من حضارات سبقته أو جاورته.
لكن المنهج الغربي الحالي يصرّ على أمريْن: 1) لوم الإسلام برمّته على أفعال كل مسلم في أي مكان في العالم. 2) العمل الدؤوب من أجل تغيير عقيدة الإسلام، وإعادة تفسير نصوصه الدينيّة بما يتلاءم مع مصالح الغرب ودولة العدوّ الإسرائيلي. (قلتُ مرّة لمراسل «نيويورك تايمز» عام 1993 بعد أن سألني عن التغطية المجنونة لتفجير «مركز التجارة العالمي» الأوّل عام 1993: ليس الهدف نفي تهمة الإرهاب عن بعض المسلمين. على العكس: إنه من حق المسلمين ان يكون لديهم عدد من المجرمين والإرهابيّين والأوغاد، مثلهم مثل كل الشعوب وأفراد الأديان، من دون ان تؤدّي أعمال المجرمين والإرهابيّين والمعتوهين - المسلمين بالولادة أو العقيدة - إلى تحميل الدين الإسلامي أو ثقافة العرب أو تاريخ المنطقة المسؤوليّة عن هذه الشرور غير المحصورة بالمسلمين.
هناك أكثر من طريقة لدراسة التوحّش الإسلامي المعاصر. أولاً، يمكن دراسة الظاهرة من خلال وضعها في سياقها السياسي والتاريخي المعاصر. هذا ما فعله روبرت بيب، في كتابه «الاستماتة للفوز» عن ظاهرة العمليّات الانتحاريّة المعاصرة والتي توصّل خلاصتها إلى الاسنتاج أنها غير مرتبطة بدين أو بعقيدة واحدة، وأن شعوباً مختلفة ذات مذاهب مختلفة (بما فيها يسار ملحد) ارتكبت أعمالاً كهذه بدافع مشترك: التخلّص من احتلال أجنبي. ثانياً، يمكن وضع الظاهرة في سياقها الإقليمي المعاصر، من دون الغوص في التاريخ السحيق. إن وحشيّة «داعش» أو غيرها من التنظيمات تمكن نسبتها إلى تنظيمات إرهابيّة معاصرة. لا حاجة إلى التفتيش في كتب الفقه (كما فعل الراحل العزيز، هادي العلوي، وكأن كتب الفقه هي التي تفسّر أفعال البشر من المسلمين، وليس العكس، وكأن ليس هناك من ظواهر اجتماعيّة واقتصاديّة أجدى بالفائدة في التفسير)، ولا حاجة للغوص في نظريّات عنصريّة عن «العقل العربي». إن ولادة الميليشيات المسلّحة في بلادنا كان في الثلاثينيات من القرن الماضي على يد الميليشيات الصهيونيّة (ولم يكونوا من المسلمين). هؤلاء كانوا الروّاد الحقيقيّين في تعريف المنقطة على أنماط من الوحشيّة والإرهاب لم تعرفها منطقتنا من قبل. العصابات الصهيونيّة هي كانت أوّل مَن لجأ إلى هذه الوحشيّة في الإرهاب: 1) رمي القنابل في المقاهي (في يافا في 17 آذار، 1937، للمرّة الأولى). 2) رمي القنابل على متن الحافلات (في صيف آب-أيلول عام 1937 في أنحاء مختلفة من فلسطين للمرّة الأولى). 3) رمي القنابل في الأسواق الشعبيّة (في 6 تمّوز عام 1937 في حيفا للمرّة الأولى). 4) تفجير الفنادق (في 22 تمّوز 1946 في القدس، للمرّة الأولى). 5) تفجير السفارات (في 1 أكتوبر من عام 1946 في روما للمرّة الأولى). 6) تفخيخ سيّارات الإسعاف (في 31 أكتوبر عام 1946 في بتاح تكفا، للمرّة الأولى). 7) تفخيخ الطرود البريديّة (في حزيران عام 1947 ضد أهداف بريطانيّة للمرّة الأولى). (راجع كتاب «من هم الإرهابيّون» الصادر بالإنكليزيّة عن مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة في عام 1972، والذي يجب ان يُترجم إلى كل لغات الأرض).
وهناك أيضاً ميلشيات اليمين الطائفي في الحرب اللبنانيّة، وتحديداً ميلشيات «حزب الكتائب» و»نمور الأحرار» و»حرّاس الأرز» و»التنظيم» (والذين انضووا في ما بعد في نطاق «القوّات اللبنانيّة). إن هذه المليشيات كانت أوّل ميلشيات حربيّة عربيّة معاصرة في التاريخ العرب الحديث. وهي - وإن لم تكن إسلاميّة، بل أدخلت في عقيدتها وشعاراتها ورموزها رسوماً ورموزاً مستوحاة من الدين المسيحي، وإن يكن من الإجحاف تحميل الدين المسيحي وزر جرائم حرب هؤلاء - كانت أوّل من تفنّن، كما الصهاينة، في اإبتكار وسائل تعذيب وحشيّة لم تشهدها منطقتنا من قبل. هناك من يقول إن الكل «فظّع» في الحرب وارتكب جرائم، لكن هذه المقولة التوفيقيّة تهدف إلى تبرئة المجرم وهي مجافية للحقيقة. لم تكن كل التنظيمات الفلسطينيّة واللبنانيّة متساوية في الجرم: لا في إشعال الحرب، ولا في استمرارها ولا في ممارسة التعذيب والتمثيل بالجثث. هناك تنظيمات يساريّة لبنانيّة وفلسطينيّة فرضت انضباطاً جبّاراً في سنوات الحرب، وإن كانت التنظيمات المرعيّة من قبل مخابرات الأنظمة العربيّة أقل التنظيمات انضباطاً، لا بل إن إجرامها كان مقصوداً بهدف التخويف - أو الإرهاب. لكن تنظيمات اليمين الطائفي التي أشعلت الحرب الأهليّة عام 1975 (بعد ان حاولت إشعالها عام 1969 وفي عام 1973) وبإيعاز من العدوّ الإسرائيلي، هي التي ابتكرت وسائل تعذيب لم تعرفها منطقتنا من قبل. قد يكون التنسيق والتناغم بين هذه الميلشيات والعدوّ الصهيوني أدت إلى مشاركة بين الطرفيْن في تطبيق أنواع مختلفة من الوحشيّة، أو الاستيحاء والإلهام المتبادل. لكن ميليشيات اليمين الطائفي بدأت مبكّرة في ترويع اللبنانيّات واللبنانيّين: هي التي كانت السبّاقة إلى ممارسة عمليّات الخطف الطائفي (والتي سارع إلى ممارستها «ثوّار» سوريا المرعيّين من قبل الأنظمة التركيّة والسعوديّة والقطريّة) وإلى القصف العشوائي على منازل الآمنين (والتي شاركت فيها ردّاً مدفعيّة حركة «فتح» بأمر من «أبو صالح»، الذي استغلّ غياب «أبو عمّار» عن الساحة اللبنانيّة). كانت الميلشيات اليمينيّة تقطع الأعضاء الذكوريّة للمخطوفين من المسلمين وتكدّسها في براميل في منطقة المرفأ. لقد ترك كتاب مجرم الحرب، جوزيف سعادة «أنا الضحيّة والجلاّد أنا» بالغ الأثر على الراحل جوزيف سماحة، وكان يشير إلى ضرورة قراءة الكتاب لفهم طبيعة الحرب الأهليّة في لبنان، ودور ميليشيات اليمين فيها. كانت الميليشيات أوّل من مثّل بالجثث ومَن كان يربطها إلى السيّارات والمسير بها بسرعة فائقة حتى تتحلّل الجثّة امام جمهور المُصفّقين على تخوم المخيّمات الفلسطينيّة حيث كانت المجازر ضد أهلها لا تكتمل إلا بفتح زجاجات الشمبانيا.
لم تعد الذاكرة اللبنانيّة المعاصرة تحتفظ بسجلّ لإجرام تلك الميلشيات (غير الإسلاميّة) المتحالفة مع الصهيونيّة. لقد نشر الاتحاد الاشتراكي العربي في لبنان (أو واحد من تنظيماته المُنشقّة بالاسم نفسه) كتاباً مرجعاً بالفرنسيّة عام 1976 واحتوى على صور وشهادات عن وحشيّة تلك الميلشيات. لم يقل أحد يومها بأن الجرائم تلك كانت نتيجة طبيعيّة لنصوص دينيّة مسيحيّة، أو ان مسح العوارض الوحشية عن الحياة اللبنانيّة تقتضي إعادة صوغ تفاسير جديدة للدين. كانت المجازر التي ارتكبتها الميلشيات تلك في المخيّمات الفلسطينيّة وفي النبعة وحي الغوارنة وسبناي من أبشع ما ارتكب من جرائم في الحروب الأهليّة حول العالم، بشهادة المراسلين الأجانب الذين غطّوا أكثر من حرب أهليّة. ولقد كنّ مراسل «واشنطن بوست»، جوناثان رندل، الذي غطّى أولى سنوات الحرب، كراهية فظيعة وعداء مستحكماً ضد ميليشيات «الكتائب» و»الأحرار» بسبب وحشيّتهم وكتب في ذلك كتاب «الذهاب إلى الآخر».
لا تريد أميركا ان تتصدّى للمُسببات الحقيقيّة للتطرّف والوحشيّة في منطقتنا. هي لا تريد ان تعترف بقسطها من المسؤوليّة وبقسطها من ممارسة الوحشيّة والإرهاب. أميركا والعدوّ الإسرائيلي والطائرات الغربيّة تحرق الجثث من أعلى، فيما يمعن «داعش» في حرقها من أسفل. الحرق حرقٌ وإن تعدّدت الأسباب والأدوات والجهات.
إن الخطاب الغربي عن الإسلام هذه الأيّام لا يختلف البتّة عن الخطاب الألماني النازي عن اليهود في الثلاثينيات. هاكم وهاكنّ مراسل «نيويورك تايمز في الدانمارك أندرو هيغنز، يكتب هذا الأسبوع عن المسلمين هناك: «كما في دول أوروبيّة أخرى، قد يتعايش المسلمون في الدانمارك مع جيرانهم لكنهم يحافظون على تعلّقهم بالقيم وبالعقليّة المُتأثّرة بالمؤامرات من بلدان منأشهم». لو ان هذا الكلام قيل عن اليهود اليوم لقامت تظاهرت حاشدة ضد الكاتب وضد الصحيفة. أما الخبير الفرنسي في شؤون الإسلام، أوليفي روا (الذي درس «إسلام الضواحي» في فرنسا) فقد دعا جهاراً في مقابلة مع صحيفة «إنفورماسيون» الدانماركيّة إلى «بناء نموذج وطني (دانماركي) للإسلام من خلال تمويل حكومي». لم تعد الدعوة إلى مشاركة حكومات الغرب في صنع إسلام جديد وملائم خافتة.
أما مجلّة «أتلانتك منثلي» فقد نشرت مقالة طويلة جدّاً عن «داعش» قبل أيّام واستعانت فيها بآراء المؤرّخ، برنارد هيكل، الذي يعترض على كل مَن يبرّئ الإسلام من جرائم «داعش»، وسخر فيها من مقولة ان الإسلام دين سلام (والحقيقة ان كل الأديان تقبل الحرب والسلم على حدّ سواء، ورهبان البوذيّة رعوا في السنيتيْن الماضيتيْن إرهاب البوذيّيين ضد المسلمين في بورما، وأجّجوا له). ويقول هيكل إن الإسلام هو مجموع «ما يفعله المسلمون». لكنه لا يقول لنا إذا كان ذلك ينطبق أيضاً على اليهود والمسيحيّين. ويعود هيكل إلى نصوص تمتد لقرون من الزمن ليدلّل على وحشيّة الإسلام، كأن النصوص التوراتيّة مسالمة ووديعة، وكأن الحياة التي عاشها المسيحيّون على مرّ القرون كان ملؤها التسامح والسلم، وكأن المسلمين يقيمون حياتهم بناء فقط على النصوص الدينيّة (فليقرأ كتاب ماكسيم رودنسون، «الإسلام والرأسماليّة»). الكاتبة سوزان جاكوبي ذكّرت قرّاء «نيويورك تايمز» بجرائم الحروب الصليبيّة. لكن المقارنات الدينيّة في الجرائم لا تفيد، لأنها في النهاية تقابل إجرام حقبة الصليبيّة بإجرام يتصل في أذهان الغربيّين بالإسلام.
لم يعرف العالم العربي توحشّاً مثل الذي شهده في الحرب العالميّة الثانية ولم يكن أطرافها أو مُخطّطوها أو منفّذوها من المسلمين. تطاحن الطرفان وقتلا بالملايين، وتعرّضت ملايين النساء للاغتصاب. قال الجنرال كرتس لو ماي، قائد القوّات الأميركيّة في الباسيفيك، لمساعده روبرت مكنمارا (الذي عمل لاحقاً وزيراً للدفاع في حرب فييتنام ثم رئيساً للبنك الدولي): «سنُحاكَم على جرائم حربنا لو هزمنا» - قالها فيما كان ومساعده يختاران مواقع الأحياء السكنيّة في طوكيو للقصف اليومي (قتل القصف الأميركي نحو 100000 مدنيّ ومدنيّة في ليلة قصف واحدة). وكتاب «حرب من دون رحمة» يروي بتفصيل فظائع ووحشيّة القوّات الأميركيّة في حربها في الباسيفيك. كانت آذان الجنود اليابانيّين تُقطع وتصنّع حمّالات مفاتيح، فيما كانت العظام تُسنّن وتصنّع قاطعات للورق. والفظائع الألمانيّة دخلت التاريخ البشري في القدرة على إستخدام التكنولوجيا الحديثة لقتل ملايين من البشر.
إن الوحشيّة بشريّة وليس خاصّة بدين أو بطائفة أو بعرق. هذا ما حاولت حنة أرندت ان تقوله في كتاب «أيخمن في القدس»، والذي أثار ضدّها غضبة الصهاينة. وميشيل فوكو درس استعراض القتل والتعذيب في التاريخ الأوروبي في كتاب «عقاب ومراقبة»، وارتباط طقوس التعذيب والقتل بطرق المراقبة والقمع الشامل من قبل السلطة. هذا لا يعفي المسلمين وغير المسلمين من المسؤوليّة عن تطويع الدين لغايات أنظمة وتنظيمات وعقائد وحشيّة. لكن هذه المسؤوليّة توازي مسؤوليّة الغرب الحاضر، وليس التاريخي فقط، عن وحشيّة رافقت كل حروبه المعاصرة، خصوصاً ضد المسلمين والعرب. إن وحشيّة «داعش» وتنظيماتها ولدت في سياق وحشيّة الحروب الأميركيّة، كما ان السياسات الغربيّة نحو سوريا على مدى السنوات الأربع الماضية هي التي لعبت دور القابلة القانونيّة لولادات تنظيمات وحشيّة. وإخراج أفلام وصور «داعش» يستقى من صور الوحشيّة الأميركيّة في العراق وأفغانستان.
طبعاً، يريد الغرب ان يجعل من موضوع الوحشيّة الداعشيّة الموضوع الأوحد من أجل ان يتيح لنفسه إعادة تعريف الإسلام ومن اجل الحصول على تنازلات سياسيّة من العرب والمسلمين. تستطيع ان تحلّل الإرهاب الداعشي دينيّاً - كما يفعلون في الغرب - لكنك تستطيع أيضاً ان تحلّل الظاهرة كواحدة من الإفرازات الوحشيّة للسياسات والحروب الأميركيّة في منطقتنا على مدى عقود طويلة. لكن وحشيّة إرهاب الغرب والعدوّ الإسرائيلي تحظى بتجميل، من قبل حكومات الغرب التي تطلي عدوانها بشعارات برّاقة عن الحريّة والديمقراطيّة، فيما يجترّ الليبراليّون المحليّون خطاب ذم الذات العنصري.

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

تونس تطوي انتخاباتها بتهنئة المرزوقي للرئيس الجديد الباجي القائد السبسي

    ديسمبر 23, 2014   No comments
طوت تونس أمس صفحةالانتخابات الرئاسية، فيما كان لافتاً حجم الاحتفاء الدولي بانتخاب الباجي القائد السبسي، الذي قال في أول كلمة له إنه سيكون «رئيساً لكل التونسيين»

تعهد الرئيس التونسي المنتخب، الباجي قائد السبسي، مساء أمس، بأن يكون «رئيساً لكل التونسيين»، داعياً مواطنيه الى نسيان «انقسامات» فترة الحملة الانتخابية.
وقال قائد السبسي (88 عاماً)، في كلمة عبر التلفزيون التونسي العام، «أؤكد أني سأكون إن شاء الله رئيساً لكل التونسيات والتونسيين»، شاكراً في الوقت ذاته منافسه الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي.
وقال «أتوجه بالشكر الى السيد الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي هاتفني منذ حين وهنأني على ثقة الشعب. أشكره وأقول له إن الشعب التونسي لا يزال في حاجة إليه، وأنا شخصياً، الى نصائحه».

وأظهرت النتائج الرسمية، أمس، فوز قائد السبسي بنسبة 55.68 في المئة، في أول انتخابات رئاسية حرة في تونس، أشادت بها الولايات المتحدة، التي رحبت بتونس ضمن «الدول الديموقراطية». وقال رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، «نعلن فوز الباجي قائد السبسي بنسبة 55.68 على المرزوقي الحاصل على 44.32 في المئة من الأصوات.»
وفي رد فعل على مواجهات بين محتجين ورجال أمن في بعض مناطق الجنوب التونسي، حيث حلّ المرزوقي في الطليعة، إثر إعلان النتائج، دعا قائد السبسي الى الهدوء. وقال «أريد أن أتوجه الى شعبنا، سواء في الجنوب أو الشمال... إن ما يجري في بعض مناطق الجنوب ما كان يجب أن يحصل»، مشككاً في أن يكون الأمر عفوياً. وأضاف «الحملة الانتخابية انتهت، وعلينا الآن أن ننظر الى المستقبل».
واشنطن تقود الاحتفاء بالانتخابات، والدوحة تنضمّ إلى المهنئين

وكان محتجون في تطاوين (جنوب) قد أحرقواً مقر «نداء تونس» احتجاجاً على فوز قائد السبسي. وقال شهود إن قوات الشرطة التونسية أطلقت في وقت سابق، أمس، قنابل الغاز في مدينة الحامة الجنوبية لتفريق مئات الشبان المحتجين على إعلان حملة السبسي. لكن المنصف المرزوقي دعا، في بيان، إلى الهدوء، قائلاً إن «تونس انتصرت».
وقال، في بيان، «أتابع بانشغال بعض التحركات غير السلمية هنا وهناك في علاقة بنتائج الانتخابات وأدعو الجميع إلى الكف عن أي أشكال التحريض والتشنج، وخاصة في هدا الظرف الحساس». وأضاف إن «نجاح الانتخابات وإتمام المرحلة الانتقالية في حد ذاته مكسب كبير لكل التونسيين، مهما اختلفت خياراتنا وتوجهاتنا، ويجب علينا أن نتحلى بالروح الرياضية وتغليب المصلحة العليا للبلاد على أي حسابات أخرى».
وتمثل الانتخابات الرئاسية الخطوة الأخيرة في مرحلة الانتقال الديموقراطي في تونس إثر الحراك الذي أطاح الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011.
وهنأ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قائد السبسي بالفوز وتعهد بالعمل معه في الفترة المقبلة، مشيداً «بنجاح الانتخابات» التي قال إنها مرحلة هامة في «إنهاء الانتقال الديموقراطي التاريخي».
بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في بيان، «لقد ضربت تونس لمنطقتها وللعالم بأسره مثالاً مشرقاً لما يمكن تحقيقه من خلال التفاني من أجل الديموقراطية والتوافق واتباع عملية سياسية حاضنة لكل الأطراف». وأضاف «ستواصل الولايات المتحدة دعم تونس وهي تنضم إلى الدول الديموقراطية في العالم».
وفي سياق الاحتفاء بنتائج الانتخابات التونسية، هنأ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، الرئيس التونسي المنتخب وتمنى له «النجاح الكامل في مهمته في خدمة الشعب التونسي»، وأشاد «بحس المسؤولية لديه».
بدورها، قالت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، في برقية تهنئة للرئيس التونسي المنتخب الجديد، إن «الاتحاد الأوروبي متمسك بالعمل مع السلطات التونسية الجديدة لدعم العملية الديموقراطية».
كذلك، كانت لافتة التهنئة القطرية الموجهة إلى الرئيس التونسي الجديد. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن الأمير تميم بعث «برقية تهنئة إلى فخامة السيد الباجي قائد السبسي لمناسبة فوزه... متمنياً له التوفيق والنجاح».
__________________

تونس: عجوز على كرسي الرئاسة بعد سنوات من ثورة الشباب

نور الدين بالطيب

تونس | لم يكن أحد من التونسيين يتصور أن ذلك العجوز، الذي نسي مع من نسي من وزراء بورقيبة، الباجي قائد السبسي، سيكون رئيساً لتونس في حوالى التسعين من عمره، بعد ثورة كان عنوانها الرئيس: (الشباب).
فاز الباجي قائد السبسي (١٩٢٦) بنسبة ٥٥،٦٨% من الأصوات أمام منافسه في الدور الثاني، الرئيس المؤقت، منصف المرزوقي، الذي حصل على نسبة ٤٤،٣٢%، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات ٦٠،١١% من مجموع المسجلين في القوائم الانتخابية. ويمثل وصول السبسي إلى الحكم مفارقة كبيرة بعد ثورة أطاحت النظام السابق في ١٤ كانون الثاني، قادها الشباب، من متخرجي الجامعات، العاطلين من العمل خاصة.

المفارقة في أنه ربح على مرشح "الثورة" و"الربيع العربي" الذي لقي ترحيباً عربياً ودولياً، عند انطلاقته من تونس، أواخر ٢٠١٠، وبداية ٢٠١١، والذي امتدّ بعد ذلك إلى اليمن ومصر وليبيا وسوريا، وأدى إلى نتائج كارثية في معظم الحالات.
صعود السبسي اليوم، بما يمثله من إرث رمزي، باعتباره أحد بناة دولة الاستقلال التي انطلقت في ٢٠ آذار ١٩٥٦، عندما التحق بديوان رئيس الحكومة مستشاراً للحبيب بورقيبة، يمثل نهاية عملية للمشروع الذي بشّر به منافسه، منصف المرزوقي، الحقوقي والمعارض الشرس لنظامي بورقيبة وبن علي، والذي بنى مشروعه على الترويج لمشروع "الربيع العربي" ضد "أنظمة الفساد والاستبداد" وقد كانت انطلاقة هذا المشروع من مدينة سيدي بوزيد، بعد إحراق الشهيد محمد البوعزيزي نفسه في ١٧ كانون الأول ٢٠١٠، وتبعت ذلك احتجاجات غير مسبوقة، انتهت برحيل بن علي، وتولي رئيس وزرائه، محمد الغنوشي، الحكم لليلة واحدة، ليتولى بعده رئيس البرلمان فؤاد المبزع الحكم. لكن شباب الثورة (كما يسمونهم في تونس) أسقطوا الحكومة الأولى والثانية، عبر اعتصامين شهيرين (القصبة الأولى والثانية) ولم تستقر حال البلاد إلا مع تولي الباجي قائد السبسي رئاسة الحكومة في أواخر شهر شباط ٢٠١١.

تسليم السلطة

عندما عاد اسم قائد السبسي إلى الأضواء كان اسماً جديداً لغالبية الشبان الذين شاركوا في الحراك الاحتجاجي، بسبب انسحابه من الحياة السياسية منذ سنة ١٩٩١، بعد سنة واحدة قضاها رئيساً لأول برلمان، في عهد بن علي. لكن السبسي قديم في المشهد السياسي، وله محطّات هامّة مع الديموقراطية، فهو أول من انشق على النظام البورقيبي، عندما استقال من سفارة تونس في باريس١٩٧٠، وقد كان نشره لاستقالته على أعمدة جريدة "لو موند" تحدياً ضمنياً لـ"الأب الروحي" والزعيم، الحبيب بورقيبة، الذي تحدث عن تفاصيل علاقته به في كتابه الشهير "بورقيبة الأهم والمهم". وبعد هذه الاستقالة تتالت الاستقالات من نظام بورقيبة، ومن أشهرها استقالة أحمد المستيري، والحبيب بولعراس، ومحمد مواعدة، ومصطفى بن جعفر، وغيرهم، وذلك على خلفية انتهاك النظام لأسس الديموقراطية، ومنع التعددية الحزبية وحرية الإعلام، وفي سنة ١٩٧٦ أسّس قائد السبسي مجلة بالفرنسية بعنوان "الديموقراطية" كان لها دور حيوي في نشر الثقافة الديموقراطية في بلد لا يؤمن بغير الزعيم الواحد. كما كان قريباً وفاعلاً في المجموعة التي أسست الرابطة التونسية للدفاع عن "حقوق الإنسان"، وكذلك جريدة "الراي" أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولم يعد قائد السبسي إلى الحكومة إلا بعد اعتراف الزعيم، الحبيب بورقيبة، بالتعددية الحزبية، وحرية الإعلام، فتولّى وزارة الخارجية في عهد رئيس الوزراء، القريب من الإسلاميين، محمد مزالي، ثمّ سفارة تونس في بون بألمانيا.
استعاد قائد السبسي حضوره في المشهد التونسي بعد فشل حكومتي محمد الغنوشي، ودخل التاريخ كأول رئيس حكومة عربي يسلّم الحكم لحكومة منبثقة من برلمان انتخبه الشعب، وبرئاسة أحد قادة الحركة الإسلامية، حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة "النهضة" وقد كان الاحتفال الذي نظّمه في قصر الحكومة بالقصبة، كانون الأول ٢٠١١، سابقة في تاريخ العالم العربي، بعد ثماني سنوات من رئاسة الحكومة التي التزم خلالها بتنظيم الانتخابات، وعدم الترشح لأي منصب، وكذلك كلّ أعضاء حكومته.

العودة

بعد انسحاب السبسي، وتسليمه للحكم، لم يكن أحد يتصور أن العجوز، الثمانيني، سيعود إلى الأضواء. لكنّه اختار، منذ ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢، أن يعود لتحقيق المعادلة في المشهد السياسي، فأسّس حركة "نداء تونس" مع مجموعة من اليساريين واليوسفيين (أنصار صالح بن يوسف الذي اغتاله بورقيبة) والنقابيين والدستوريين، ليغدو حزبه، في وقت قياسي، القوّة السياسية الأولى التي فازت بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (٨٦ مقعداً) لتتولى بذلك، حسب الدستور الجديد، تشكيل الحكومة. كما فاز هو برئاسة الجمهورية، محققاً استثناءً تونسياً جديداً، إذ إن الاحتجاجات الشعبية، التي فجرها الشباب، وأسقطت النظام السابق، تكون بذلك قد اختارت عجوزاً على رأس الدولة، في انتخابات كان الشباب فيها الغائب الأبرز. فهل هو الحنين الى بورقيبة؟ أم اليأس من الثورة وحكم الإسلاميين وحلفائهم؟

_______________

السبت، 13 ديسمبر 2014

بوغدانوف: الأمير بندر قال لي سندمر سوريا ... جولة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الى سوريا ولبنان وتركيا

    ديسمبر 13, 2014   No comments
سامي كليب

أكدت جولة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الى سوريا ولبنان وتركيا، أن الصراع الروسي الاميركي لا يزال يرخي بظلاله المتشائمة فوق الدم السوري. كل التفاؤل المصطنع الذي أوحت به اتصالات هذا المسؤول الروسي الرفيع حيال امكانية الحوار بين الدولة السورية والمعارضة يبقى بلا أمل فعلي. لا شيء حتى الساعة يسمح بالقول إن واشنطن ستدعم المساعي الروسية للحل السياسي او ستقبلها، ولا السعودية غيرت موقفها حيال النظام. فلماذا هذه الضجة البوغدانوفية اذاً ما دام لا افق حاليا لتسوية سياسية؟

منذ لحظة وصوله الى المنطقة، حرص نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف على إظهار لهجة أكثر حزما حيال دعم نظام الرئيس بشار الاسد. لمس بعض محاوريه ان نبرته ارتفعت عما كانت عليه في اللقاءات الماضية. اللهجة مرتبطة باحتدام الصراع الروسي الاطلسي. يدرك الرئيس فلاديمير بوتين ان سوريا مهمة جدا في هذه الصراع. لا بد من العودة بقوة اذاً صوب دمشق.

استقبل بوتين علانية وبترحيب كبير وزير الخارجية السورية وليد المعلم. رفع مستوى توريد السلاح كماً ونوعاً الى الحليف السوري. قال للمعلم إنه فوجئ واُعجب بنسبة التصويت لمصلحة الأسد في الانتخابات الرئاسية. قال كلاما عاليا جعل الوفد السوري يقول أثناء عودته إنه «سمع ما فاق توقعاته».

تلك السجادة الحمراء التي فرشها بوتين، جعلت بوغدانوف يتقدم عليها صوب المنطقة، مدركا ان مهتمه الاولى هي دعم سوريا كي تصمد، لأن في صمودها ما يقوِّي اوراق الصراع الروسية مع الغرب. لا بد اذاً من دفع المعارضة إلى محاورة النظام، او على الاقل من تحميلها مسؤولية احباط الحوار. يقين موسكو ان المعارضة المفككة بسبب خلافاتها الداخلية، وخفوت الدعم الغربي لها، سيدفعانها إلى قبول المسعى الروسي. ربما في هذا اليقين بعض مغالاة.

لم يكن غريبا اذاً، ان يسمع بعض معارضة الداخل كلاما من بوغدانوف فيه شيء من السخرية حيال «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة». قال ما حرفيته وبلغته العربية الممتازة: «سنذهب الى إسطنبول لنرى معارضة فنادق الخمس نجوم إذا ما كانت تعيش فعلا رفاهية الحياة» ضحك الجميع. كانت الرسالة واضحة.

بندر والتدمير

لم يكن غريبا أيضا ان يروي بوغدانوف لمحادثيه في المنطقة، كيف ان رئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان قال حرفيا في موسكو: «نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا». وحين سأله بوغدانوف: «كيف كانت علاقتكم بالرئيس الراحل حافظ الاسد؟»، سارع الامير السعودي إلى الاجابة: «كانت ممتازة، وكان رجلا حكيما»، فقال له بوغدانوف: «إذاً المشكلة ليست في النظام العلوي، بل مع الرئيس بشار الاسد نفسه». كَشفُ هذا الأمر الآن يحمل رسالة روسية واضحة ايضا حيال الرياض.

لم يكن غريبا كذلك، أن يوجه بوغدانوف انتقادات لاذعة إلى الاميركيين برغم انه كشف عن موافقتهم على التحرك الروسي الحالي. روى لمحادثيه كيف جاء جون كيري بعد 3 اسابيع على مفاوضات جنيف 2 يقول للروس: «لقد فشلت المفاوضات، وسوف نعود الان الى الحرب»، كان الجواب الروسي انكم حين تتولون الاشراف على التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين تمضون 9 أشهر ثم تمددون 9 أشهر اخرى ثم تكررون الامر لفترات طويلة، فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه لانقاذ سوريا.

قناعة بوغدانوف بان لا ثقة مطلقا حاليا بالاميركيين. إمكانية ان يخدعوا قائمة. فهم متفقون مع موسكو على هذا التحرك لجمع المعارضة والدولة، لكن الموافقة هي من باب «سنترككم تتحركون ولا شك انكم ستفشلون». هذا بالضبط ما يجعل المسؤولين الروس يتحفظون جدا على تأييد اي عمل اميركي او أطلسي خارج مجلس الامن ضد داعش، ولعلهم في قرارة أنفسهم لم يرتاحوا كثيرا لانفتاح سوريا على الرغبة في التعاون مع التحالف الدولي ضد داعش. فهم كما الايرانيون، يرون ان اي اشارة إيجابية للتحالف تعني السماح لاميركا وحلفائها بارتكاب اخطاء، والقيام بخدع على الاراضي السورية.

من قابل المبعوث الروسي فقد سمع مثلا كيف ان كيري نفسه قال للروسي: «لا تعتقدوا بأننا جئنا نضرب داعش في سوريا لكي يستفيد النظام». يبدو ان هذا الامر كان محور صدامات كثيرة روسية اميركية. سابقا، كان الاميركيون يقولون للروس ما دام نوري المالكي في السلطة فلن نتحرك لضرب الارهاب في العراق، وهم يقولون الشيء نفسه تقريبا في سوريا، برغم انهم مضطرون إلى ضرب داعش. رد الروس أكثر من مرة، وفق رواية بوغدانوف، بالقول: «انكم بهذا ايضا تخرقون كل القانون الدولي والانساني، لانكم تسهلون الارهاب لغايات سياسية، وهذه سابقة في السياسة الدولية».

لماذا التحرك اذا الان ما دام لا ثقة بالاميركيين؟ ببساطة لان موسكو تريد احراج واشنطن، وإحداث اختراق سياسي، او الايحاء بهذا الاختراق. الاسد متفهم لهذا الامر، وهو يريد تسهيل المهمة الروسية برغم انه قال اكثر من مرة لبوغدانوف وغيره إن هذه المعارضة لا تؤثر في شارع واحد ومن الافضل التحاور مع المسلحين. لا بأس، فالاسد، تماما كما موسكو، يدرك ان الائتلاف وحلفاءه هم المحرجون بالتحرك الروسي. إن قبلوا الذهاب الى موسكو، فإن هذا يعني انهم قبلوا توسيع اطار المعارضة، ما سيلغي دورهم الاول، وان لم يقبلوا، فهم يتحملون نتيجة الفشل ويقتصر الحوار على اطراف معارضة يقبلها النظام.

بوغدانوف ينتقد الاعتقالات

حين طرح وزير الخارجية السورية وليد المعلم ان تكون اجتماعات المعارضة والحكومة السورية في دمشق، كان الجواب: «لا، ليس في دمشق، بل في موسكو، هذا افضل». سأل المعلم عن السبب، وخصوصا ان دمشق باتت آمنة الآن، فكان جواب بوغدانوف: «لو كانت آمنة لما اختفى عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واعتقل لؤي حسين». موسكو منزعجة من اختفاء او اعتقال هؤلاء المعارضين الثلاثة.

حاولت التدخل أكثر من مرة للافراج عنهم او لمعرفة مصيرهم، كان الجواب بالنسبة إلى الخير ان الدولة لا تعرف اين هو، وبالنسبة إلى الاخرين فإن ثمة اجراءات قضائية. ثمة من ينقل عن السفير الروسي في دمشق قوله ان بوغدانوف طرح موضوع رئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين على الرئيس الاسد، ولكنه لم يلق جوابا شافيا. دمشق تتسلح دائما بالجوانب القانونية والقضائية، بينما موسكو ترى في الامر مؤشرات سياسية ضرورية لبناء الثقة.

هذا بالضبط ما قاله المعارض السوري الدكتور هيثم مناع لموفد روسي زاره قبل فترة. سأله المسؤول الروسي عن كيفية تفعيل هيئة التنسيق، وانهم يعولون على دوره الشخصي في سياق الحل السياسي والتحاور، سأله مناع: «هل تقبلون حكومة فيها عبد العزيز الخير وزيرا للعمل، ولؤي حسين وزيرا للنقل، ورجاء الناصر وزيرا للعدل؟». ذهب المسؤول ولم يعد، فاختار مناع الصمت مستندا الى حديث نبوي يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او فليصمت»، ويضيف: «في هذه المرحلة الصمت موقف»، لكنّ العارفين ببعض تحركات المعارضة في الخارج يلمسون توسيعا لهامش تحرك مناع، واستقبال مسؤولين غربيين وعرب كثيرين له، كان بعضهم يرفض حتى الحديث اليه في السنوات الماضية.

بوغدانوف كان قد التقى في بيروت وفدين من المعارضة السورية يوم السبت الماضي، الاول يضم منى غانم وأنس جودة من قيادة تيار بناء الدولة، ونضال السبع الوسيط بين بعض معارضة الداخل والسفارة الروسية في بيروت. استمر اللقاء ساعة كاملة من الـ4 الى الـ5 مساء. كان مرصودا له نصف ساعة على ان يكون النصف الآخر لوفد هيئة التنسيق بقيادة حسن عبد العظيم، وعضوية صفوان العكاش وأحمد الحسراوي. تأخر الوفد لمشكلة في أوراق العكاش عند الحدود السورية. جرى اتصال بالامن السوري، جرى تمرير الوفد فوصل متأخرا.

عند وصول عبد العظيم وصحبه، اجتمعوا بمدير إدارة الشرق الاوسط في الخارجية الروسية بينما كان بوغدانوف قد ذهب للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولكن حين عاد اجتمع مع عبد العظيم والوفد بحضور نضال السبع.

إشادة بمعاذ الخطيب

لوحظ في خلال لقاءي بوغدانوف مع وفدي معارضة الداخل أنه سأل عن هيثم مناع وركز على اهمية دور هيئة التنسيق، ولكنه سأل أيضا عن رأيهم في الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف، واشاد بدوره وتحدث عن بعض الاتصالات الروسية معه. كان لافتا ان حسن عبد العظيم أشاد هو الآخر بمعاذ الخطيب، وقال إن هيئة التنسيق على تواصل وتنسيق دائمين معه، وان الخطيب بات يقود مجموعة من الأعضاء السابقين للائتلاف، المؤمنين بالحل السياسي والتفاوض.

منى غانم التي تقود «تيار بناء الدولة» حاليا في الداخل السوريّ بعد اعتقال رئيسه لؤي حسين تحدثت عن مجموعة من النقاط، ابرزها: «الحفاظ على وحدة الاراضي السورية. بناء الدولة الديمقراطية العادلة. إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين. الحفاظ على مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية. محاربة الارهاب بكل الطرق السياسية والثقافية والعسكرية».

اما عبد العظيم، فقد قدم مشروعا للحل من صفحات عديدة. تتضمن الصفحات النقاط التي كررتها هيئة التنسيق غير مرة. جرى حديث عن مسؤولية الدولة السورية وضرورة قيامها بخطوات لبناء الثقة.

لا خطة واضحة

مختصر الامر ان بوغدانوف جاء ليسمع كل وجهات النظر، وخصوصا انه يسير في حقل الغام. فلا الائتلاف يريد دورا فاعلا روسياً، خشية من أن يكون قريبا من النظام، ولا النظام مؤمن بتأثير للمعارضة الخارجية في الوضع الداخلي، ولا اميركا تريد لروسيا ان تنجح حيث فشلت هي. ولذلك فإن أقصى الطموح هو ان تنجح روسيا بجمع المعارضة اولا في موسكو، للاتفاق على وفد معارض، ثم أن تجمعها مع السلطة. اذا نجحت في الخطوة الاولى، فهي دون ادنى شك ستجد شبه استحالة في انجاح الخطوات التالية.

أميركا ليست جاهزة بعد، والسعودية لم تغير رأيها. هذا ما يمكن فهمه من نقاشات بوغدانوف مع الاطراف الاخرى، من دمشق الى حزب الله مرورا بقيادات لبنانية. ولعل حزب الله سمع من المبعوث الروسي كلاما مفاده بان موسكو لن تتأخر في دعم سوريا سياسيا وعسكريا باقصى ما تستطيع لكي تضرب الارهاب.

من الطبيعي ان يشعر حزب الله بأن موسكو اليوم اكثر تشددا من اي وقت مضى في دعمها لسوريا وتقديرها لدور حزب الله في ضرب الارهاب. لعل الحزب لمس ان لهجة بوغدانوف اليوم اكثر صلابة من تلك التي سمعها منه وفد الحزب في موسكو. هذا رصيد اضافي لموقف روسي سابق. حين جاء وفد المجلس الفدرالي للبرلمان الروسي برئاسة نائب رئيسه إلياس اوماخانوف والتقى مطولا قيادة حزب الله، واستهل لقاءاته في لبنان بعشاء على مائدة الحزب، قيل كلام كبير الاهمية آنذاك، لدرجة جعلت قيادة المقاومة تقتنع بأن موقف موسكو اكثر استراتيجية مما يعتقد البعض، وأكثر استعدادا للمواجهة مما يظن خصوم موسكو.

يبدو ان بوغدانوف يأتي بالتفكير عينه. ذلك ان حماية سوريا هذه المرة باتت اكثر من ضرورية لمستقبل الصراع الروسي الغربي، ما يفترض سحب كل احتمالات «الغدر الاميركي»، واقناع جميع الاطراف السورية بأن الحوار هو الافضل.

لعل اسرائيل فهمت الرسالة قبل غيرها، فردّت في اليوم التالي للقاء بوغدانوف مع حزب الله وزيارة المعلم الى ايران بقصف مواقع قرب دمشق.

هل تنجح موسكو؟ من الصعب ذلك، لكنها سحبت ولو لحين اضواء الملف السوري لمصلحتها. هذا بحد ذاته مهم في أوج الصراع الروسي الاطلسي. هذا ما يدفع الاسد إلى تسهيل مهمة بوغدانوف الى اقصى حد، برغم قناعته الذاتية كما كان شأنه مع جنيف، بأن كل هذا ليس سوى ذر للرماد في العيون.
 
الجيش السوري خط أحمر

في خلال لقاءاته مع مسؤولي المعارضة في تركيا ولبنان ودمشق، ومع عدد من المسؤولين اللبنانيين، طرح نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أكثر من مرة السؤال الآتي: «لمصلحة من تدمير الجيش العربي السوري؟». وقدم تحليلا مفاده بان لا احد يستفيد من هذا التدمير الممنهج سوى اسرائيل. وكذلك طرح سؤالا آخر على المعارضة: «الا تعتقدون ان الحوار وحده هو الذين يجنب سوريا التقسيم»، مشيرا إلى ان على المعارضة ان تتحرك اليوم قبل الغد لتفادي ما يحاك ضد البلد الذي لها دور في إنقاذه وإعادة بنائه. فهِم سامعو بوغدانوف ان «الجيش السوري خط أحمر» بالنسبة إلى روسيا.

لم يسمع المعارضون السوريون من المسؤول الروسي مرة واحدة احتمال رحيل الرئيس بشار الاسد. هو تحدث عن الحوار واللقاء وتقريب وجهات النظر. حين سأله احد مسؤولي الائتلاف عن جنيف 1 وما لحظه من هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، أجاب بأن أساس الحوار هو جنيف 1 ولكنه بحاجة الى تعديلات الآن، بعدما صار الارهاب اولوية، وكذلك بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة.

خرج عدد من مسؤولي الائتلاف من الاجتماع يقولون: «إن موسكو لم تغير رأيها، ولا تزال تدعم نظام الاسد، وإن جولة بوغدانوف هي لهذه الغاية»، لكن المحادثات تطرقت ايضا، وربما الروس تعمدوا ذلك، تطرقت الى التذكير بأن الغرب لم يقدم إلى المعارضة اي شيء فعلي سوى توريطها.
__________
«الأخبار»

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الانتخابات البرلمانية في تونس: «النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم || «الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً || السبسي: رجل أسقط «النهضة» || سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة || «خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب

    أكتوبر 28, 2014   No comments
«النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم
 نور الدين بالطيب


بعد أقل من عامين ونصف على التأسيس، نجح حزب «حركة نداء تونس» في حصد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاصداً 83 مقعداً (نتائج غير نهائية) من أصل 217 ضمن البرلمان الأول بعد هرب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فتقدم بذلك على كل الأحزاب الأخرى، بما فيها حركة «النهضة» التي تأسست فعلياً قبل نحو أربعين عاماً وحصدت، أول من أمس، 68 مقعداً.

نجاح «نداء تونس» بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الذي ستكون ولايته لخمس سنوات تشكل خلالها الحركة حكومتها، يطرح مجموعة من الأسئلة في الشارع التونسي، وذلك لتزامن ما حدث مع اضمحلال أحزاب أخرى برز نجمها منذ سقوط النظام السابق، وسبق أن تفوّقت في الانتخابات الماضية، كحزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي لم يحصل إلا على مقعدين بعدما حاز المرتبة الثالثة في عدد الأصوات والمقاعد عام 2011.

ومن بين تلك الأطراف، الرئيس المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، الذي لم يحصل حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» إلا على أربعة مقاعد بعدما حاز المرتبة الثانية في عدد الأصوات والمقاعد خلال الانتخابات الماضية.
أما «الحزب الجمهوري»، بزعامة نجيب الشابي، فلم يحصل إلا على مقعد واحد، مبدئياً، بعدما حاز ١٦ مقعداً في الانتخابات الماضية، علماً أن هذه النتيجة تأتي بعد سنوات من تزعم هذا الحزب المعارضة التونسية في زمن الحبيب بورقيبة وبن علي، كذلك كان أيضاً وراء «إضراب الجوع» (الإضراب عن الطعام) الشهير في تشرين الأول ٢٠٠٥، وكان النواة الأساسية لتشكيل حراك مناهض للنظام السابق.
كل ذلك يقود إلى السؤال: ماذا حدث ليفوز «نداء تونس» بأعلى عدد من الأصوات والمقاعد؟ القول إن هذا الانتصار يعود إلى استعادة أنصار النظام السابق المبادرة، وتشكلهم في ثوب جديد، لا يمكن أن يفسر الانتصار، ولا يمكن تفسيره بكاريزما زعيم «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، فقط.
من الواضح أنه التقت مجموعة من العوامل الأساسية في تحقيق هذا الانتصار، أولها إخفاق «الترويكا» (النهضة ـ المؤتمر ـ التكتل)، التي حكمت بعد الانتخابات السابقة، في تحقيق أي مكسب للتونسيين.
ويوم أمس، برز اعتراف المتحدث الرسمي باسم «النهضة»، زياد العذاري، بأنّ حركته دفعت ثمن تولّيها الحكم خلال المرحلة الانتقالية، وبأنها ارتكبت «أخطاءً كانت نتيجتها ستكون أكبر بكثير مما حدث».
خلال حكم «الترويكا»، لا يمكن إنكار انتشار «الإرهاب والتهريب والجريمة»، وهو ما أغرق التونسيين في الإحباط إلى حد التحسر لدى قطاعات كثيرة على النظام السابق. في هذا المناخ من الظلام و«الإرهاب الأسود» وغياب الأمل، ظهر أن السبسي نجح في أن يؤسّس حركة سياسية شعارها الأساسي بسيط هو «الأمل» و«استعادة تونس»، وأيضاً إعادة الاعتبار إلى الراية الوطنية والنشيد الوطني، وتحقيق مطالب المحتجين الذين أسقطوا النظام السابق.
في النتيجة، صارت هناك ضرورة الالتفاف حول الحزب الجديد وزعيمه «البورقيبي» لاستعادة تونس، كما يقول قادة «النداء»، ومواجهة محاولات «أفغنة البلاد» عبر التعليم الديني على طريقة باكستان، ومنع الاختلاط في بعض الأماكن العامّة، والتساهل مع الإرهابيين، وليس أخيراً التمويل المشبوه للجمعيات الدينية والاجتماعية.
كل ذلك كان يجري إلى جانب المحاباة والسيطرة على الإدارة والمرافق العامّة، ما خلق قناعة لدى قطاعات واسعة من التونسيين بأنّ «الحكام الجدد» يعيدون أساليب النظام السابق مع تغيير نمط المجتمع ونشر ثقافة «وهابية» غريبة على التونسيين.
أمام هذه الانتكاسة، ومع بروز كابوس الاٍرهاب والاغتيالات، أدرك الناخبون أنّ ما ينتظرهم أبشع مما عاشوه زمن حكومتي الاستقلال، لذلك وجد الباجي في هذا المناخ خير سند لانتشار حزبه الذي يصل عدد المنخرطين فيه رسمياً إلى أكثر من ١١٠ آلاف مواطن، وهو عدد لم يحققه أيّ حزب آخر، باستثناء حزب بن علي المنحل، الذي كان الانتماء إليه شبه إجباري لأغلب موظفي الدولة.
هكذا يمكن التأكد من أن الإحباط الذي عاشه التونسيون منذ صعود «الترويكا» إلى الحكم في كانون الأوّل ٢٠١١ حتى كانون الثاني ٢٠١٤ هو الذي صنع من «نداء تونس» القوة السياسية الأولى في الوقت الذي اندثرت فيه، أو تكاد، الأحزاب الأخرى، كما تراجعت «حركة النهضة».
وفي غمار ما يعيشه التونسيون من خطر التهديد الأمني، وفي وقت يموت فيه كل يوم شباب البلاد في العراق وسوريا، يبحث «التوانسة» المعروفون بالاعتدال والوسطية عن حزب يذكرهم بتونس، حتى إن كان فيه قياديون من العهد السابق، لأنهم لا ينكرون مكاسب حكومتي الاستقلال، رغم أنهم عانوا الديكتاتورية والفساد، وهو ما لم تقطعه «الترويكا» التي لم تقدم إلّا أساليب متجددة من آليات الحكم القديم.
وليس مبالغة تقدير أن التونسيين عاقبوا «الترويكا» والأحزاب التي اقتربت من الإسلاميين، وكذلك «الأحزاب الصغيرة»، لأنهم يبحثون عن مركب نجاة، وإن فاحت منه رائحة الزمن القديم.
______________
«الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً
 محمود مروة

نجحت لعبة الاستقطاب بين «العلمانيين» و«الإسلاميين» في قلب معادلات المشهد السياسي التونسي، المبني على تراكمات حراك تاريخي شاركت في صنعه شخصيات هي اليوم من معارضي حكم «النهضة»، ومن خلفها «الترويكا». فقطعاً، أن تحصل أطراف مثل «الجبهة الشعبية» (حمة الهمامي أبرز وجوهها)، و«الحزب الجمهوري» (بزعامة المرشح الرئاسي أحمد نجيب الشابي)، على 15 مقعداً (في أفضل الأحوال) من أصل 217، لا يمثل انتصاراً، بل يوجه ضربة قاسية إلى مكونات سياسية عريقة.

وبعيداً عن شعارات مثل «سقوط آخر معاقل الإخوان في العالم العربي»، فإن لتداعيات الانتخابات التونسية آثاراً داخلية أكثر من تلك المفترضة عربياً، وخصوصاً أن خسارة «النهضة» لا تعني خروجها من الحكم. وتشير النتائج غير النهائية إلى مشهد تقاسم السلطة بين «قطبين» قد تعْرفه البلاد في المرحلة المقبلة، لأن الفارق مثلاً بين «النهضة»، التي حلت ثانية، وبين الطرف الذي حاز المركز الثالث، قد يصل إلى نحو خمسين مقعداً.
يصعب تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الجمهوري» مية الجريبي

وكان مشهد تقاسم السلطة بين «نداء تونس» و«النهضة» قد اقترب من التحقق نهاية العام الماضي إثر الأزمة السياسية الأعتى التي عرفتها البلاد، لتجسده اليوم خريطة البرلمان الجديد المفترض فيه تشكيل الحكومة المقبلة.
ويُحسب، ربما لمن بنى استراتيجية تظهير الانقسام الداخلي على أنه بين «علمانيين» و«إسلاميين»، تحقيق مكاسب انتخابية في وجه «النهضة»، لكن الثمن دفعته فعلياً أطراف يمكن تسميتها «المعارضة التونسية التقليدية»، على اعتبار أنها تضم قوى وشخصيات شاركت منذ السبعينيات في الحراك ضد نظام بورقيبة، ومن بعده بن علي.وحتى لا تقدم الصورة على أساس أن تلك القوى كانت، فقط، ضحية لمخططات ما، فمن الواجب الاعتراف والتذكير بأنها سقطت قبل نحو عامين في «فخ الاستقطاب»، وتحديداً حينما دخل «الحزب الجمهوري» في تفاهمات غامضة مع «نداء تونس» ضمن ما عرف آنذاك بائتلاف «الاتحاد من أجل تونس». وما لبث «الجمهوري» أن سحب نفسه في غضون أشهر قليلة.
أيضاً، ربما كانت تلك القوى قد أوقعت نفسها، عن دراية أو لا، في الفخ عينه حينما حاولت نهاية العام الماضي تصوير الأزمة المتنامية مع «النهضة» على أنها كالأزمة المصرية المنتهية بعزل الرئيس الإسلامي، في واقع عرف «نداء تونس» التصرف خلاله، كما يقول أحدهم، كمثل «فيل في متحف خزف صيني»، فيما حشّدت «النهضة» مناصريها للدفاع عن «وجودها».
برغم كل الأخطاء المفترضة والقابلة للنقاش، من الصعب مثلاً تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الحزب الجمهوري»، مية الجريبي، ففي ذلك لمن يحبها مشهد خيالي، ومن الصعب كذلك قبول رؤية «شيخ السياسيين»، أحمد نجيب الشابي (الصورة)، في موقع ضعف. لكن الأكيد أن الصراع المفترض مع «النهضة» كانت طريقه أسهل.
ناشطة سياسية مقربة من «الجمهوري» ـ تختصر بحماستها صوراً تونسية عديدة ـ تقول إن «الحزب يتحمل مسؤولية كبرى لأنه من بين من أعطوا شرعية لهذا الاستقطاب»، وتستدرك: «برغم عودة الوعي المتأخرة نسبياً في هذا الخصوص، فإن كسر هذا الوهم يبدأ الآن من حملتنا الرئاسية»، فهل فات القطار؟
_______________

السبسي: رجل أسقط «النهضة»

نورالدين بالطيب

تونس | لن ينسى التونسيون يوم ٢٦ تشرين الأول ٢٠١٤، ولن ينسوا أيضاً رجلاً كان وراء سقوط «النهضة» اسمه الباجي قائد السبسي. ففي لحظة عاصفة من تاريخ تونس، ٢٧ شباط ٢٠١١، كانت الدولة فيها تواجه مخاطر الفوضى، أعلن الرئيس المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، تعيين السبسي (١٩٢٦) رئيساً للحكومة خلفاً لآخر رئيس وزراء لبن علي، محمد الغنوشي، الذي أطاحه اعتصام القصبة الثاني.

إلى حدود ذلك الوقت، كان الباجي، سليل أرستقراطية تونس العاصمة، اسماً مجهولاً لمعظم الشبان التونسيين، أما بالنسبة إلى الحركة الديموقراطية والنقابية والأحزاب السياسية، فقد كان «سي الباجي» وزيراً بارزاً في عهد الزعيم بورقيبة واسماً يحظى بالتقدير في الحركة الديموقراطية. وفي وقت قياسي نجح في فك الحصار الذي ضربه الشبان الغاضبون على قصر الحكومة في القصبة، كما نجح في فتح حوار مع كل الأحزاب السياسية، وأعلن أن أولويته المطلقة هي المحافظة على الدولة، وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وتسليم الحكم لمن سيختاره الشعب مهما كانت هويته، الأمر الذي منحه مصداقية استثمرها في ما بعد عندما قرر العودة إلى الحياة السياسية بعد انتصار «حركة النهضة» وحلفائها.
غادر الباجي قصر الحكومة في القصبة في أواخر كانون الأول ٢٠١١ وسط إشادة الحكام الجدد، الذين سرعان ما انقلبوا عليه، بعدما أسّس حزبه الجديد «نداء تونس» في حزيران ٢٠١٢ بعد أشهر من إطلاق مبادرته لتجميع الحركة الديموقراطية في ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢.وفي وقت قياسي، وبشخصيته الكاريزماتية التي ربما تذكّر بعض التونسيين بالزعيم الحبيب بورقيبة، نجح الباجي، خريج «جامعة السوربون» الفرنسية والمحامي منذ ١٩٥٢، والذي التحق بأول ديوان لرئيس حكومة تونس الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال الداخلي في ١٩٥٥ حتى قبل إعلان الجمهورية، في أن يجعل من حزبه الحزب الأول في كل استطلاعات الرأي منذ أكثر من عام، ويملك «البجبوج» اليوم، كما يسميه أنصاره، كل صفات الزعماء الكبار برغم شيخوخته: شرعية في النضال من أجل الديموقراطية، مؤسّس أول منبر إعلامي مستقل، وهي مجلة «ديموقراطية» الناطقة بالفرنسية، مسيرة حافلة في أهم حقائب الدولة، وصولاً إلى رئاسة أول برلمان بعد ما عرف بـ«التغيير» في ١٩٨٧ لينسحب بعدها تماماً من الحياة السياسية التي لم يعد إليها إلا في أواخر شهر شباط ٢٠١١.

________________
سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة

أمينة الزياني

تونس | تمثلت إحدى مفاجآت الانتخابات التونسية في اكتساب «الاتحاد الوطني الحر»، بزعامة رجل الأعمال المرشح الرئاسي سليم الرياحي، 17 مقعداً في البرلمان الجديد (نتائج غير نهائية) ليحل ثالثاً، بفارق شاسع عن «نداء تونس» و«حركة النهضة».
ولا يبلغ الرياحي، رجل الأعمال ورئيس أحد أكبر الفرق الرياضية (النادي الأفريقي)، من العمر إلا 42 عاماً. هو ظهر فجأة على الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فيما يعلق أحدهم على ذلك بالقول «ظهر حاملاً معه أكياساً لا تحصى من المال ويوزع الوعود يميناً ويساراً حتى ظن التونسيون أنه سيطعمهم من ماله الخاص ويشغلهم في شركاته».
رئيس حزب «الاتحاد الوطني الحر» (تأسس عام 2011)، أو كما يلقبه التونسيون بـ«حزب توة»، أي الآن، وهو شعاره الانتخابي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 عندما لم يحصد إلا مقعداً واحداً عززه بانضمام النائبة حنان ساسي، شارك في جلسات الحوار الوطني الأخير، ولم يتوقف في سعيه إلى تدعيم صفوفه النيابية، عبر استخدام العامل المادي. غياب القاعدة الجماهيرية تداركه الرياحي في بعض الجوانب بترؤس نادي كرة القدم «الأفريقي». وكان لا بد للوجه السياسي الشاب من منبر إعلامي لتسويق صورته واحتلال حيّز من المشهد الاعلامي، لذلك اقتنى «قناة التونسية» المصادرة.

صنع سليم الرياحي الحدث خلال الانتخابات، لكن تماماً كالانتخابات السابقة رافقت حملة حزبه الانتخابية وعود هي أقرب إلى الخيال، فيما تعددت زياراته الى الأحياء الشعبية وقد رافقتها شهادات من المواطنين بتلقّيهم أموالاً انتخابية. وتعتبر المعلومات الشخصية حول رجل السياسة والرياضة والإعلام شحيحة، عدا أنه كان يقيم في ليبيا وعُرِف بعلاقاته الوطيدة بعائلة القذافي. ورغم محاولاته المتعددة للظهور في وسائل الإعلام كرجل الأعمال الشاب صاحب المشروع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تسعى أطراف سياسية عدة لقمعه، برز خلال أواخر عام 2013 كرجل المصالحة، حيث تمكن من لمّ شمل زعيم «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، بخصمه الباجي قائد السبسي في باريس. اليوم، يرى البعض أن الرياحي وحزبه لن يكونا إلا نسخة أكثر ثراءً من الهاشمي الحامدي وحزبه «العريضة الشعبية» الذي صنع مفاجأة في انتخابات 2011، واندثر خلال الانتخابات التشريعية الحالية.

____________
«خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب

حسان العيادي

تونس | أقل من عشر ساعات، هو الوقت الذي احتاجت إليه «حركة النهضة» لتعدّل موقفها المشكك في خسارتها الانتخابات التشريعية وتحوّله إلى مباركة لخصمها اللدود «حركة نداء تونس»، في إعلان عن بدء مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.وبالتوازي مع بدء إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية، اتضحت الخريطة الانتخابية الجديدة، التي أظهرت انحسار نفوذ «حركة النهضة»، بفقدانها ٢٧ مقعداً (نتائج غير نهائية) مقارنة بانتخابات ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١ (89 مقعداً من أصل 217).

وتتركز المقاعد التي خسرتها الحركة في الساحل التونسي الذي يضمّ أربع محافظات ممثلة بـ٤٠ مقعداً في مجلس النواب، وهي سوسة والمنستير والمهدية ونابل التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين. وفي هذه الدوائر الخمس، فقدت «النهضة» خمسة مقاعد، لينخفض تمثيلها من ١٣ إلى ثمانية مقاعد، وهو ما يعادل خسارتها لحوالى ٢٠٠ ألف صوت.
وشملت خسارة «النهضة» تونس الكبرى، التي تضم أربع محافظات، والتي تتمثّل ضمن المجلس النيابي بـ٤٢ نائباً، كان نصيب «النهضة» منهم في الانتخابات الماضية ١٣ نائباً، أما في الانتخابات الحالية فقد انخفض هذا التمثيل إلى عشرة مقاعد، أي ما يعادل خسارة تجاوزت ٦٠ ألف صوتاً.وكانت الحال نفسها في الشمال الشرقي والشمال الغربي، حيث فقدت الحركة ثقلاً انتخابياً مهماً، بخسارتها أربعة مقاعد مقارنة بالانتخابات السابقة التي فازت فيها بـ١٦ مقعداً، فانخفضت الى ١٢ مقعداً، بخسارة حوالى ١٠٠ ألف صوت انتخابي.
هذا الانهيار الانتخابي لم تسلم منه مناطق نفوذ تاريخية للحركة، التي تأسست فعلياً في سبعينات القرن الماضي. فقد خسرت من ثقلها الانتخابي في وسط البلاد، وانخفضت حصتها من ١٢ مقعداً من أصل 32، إلى تسعة مقاعد.
وواصلت «حركة النهضة» خسارتها في محافظة صفاقس التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين تتمثلان بـ١٦ مقعداً في المجلس النيابي، فانخفض نصيب الحركة فيهما من ٧ مقاعد إلى ٦، لمصلحة خصمها الأبرز «نداء تونس».
في مقابل ذلك، توقّف مؤشر فقدان «النهضة» لمقاعدها في الجنوب التونسي في ولاياته الخمس، حيث وصلت نسبة أصوات الحركة التي حازتها إلى حوالى 40 في المئة، مكّنتها مبدئياً من الحفاظ على مقاعدها الخمس عن مدينة مدنين والمقاعد الثلاثة عن مدينة تطاوين، إضافة إلى مقاعد قابس الأربعة ومقعدي توزر وقبلي.
وتعتبر هذه المحافظات التي حفظت ماء وجه حركة «النهضة» الإسلامية، من أبرز مواقع انتشار «التيار السلفي الوهابي» والتيارات الإسلامية، التي يبدو أنه كان لها تأثير في دعم الحركة أثناء الانتخابات الحالية، من دون القطع في ذلك بانتظار المعطيات التي ستظهر تباعاً.

_____________

الغنوشي يهنّئ السبسي
مصر تراهن على مستقبل العلاقات بعد «الإخوان»

علّق مصدر ديبلوماسي مصري على نتائج الانتخابات التونسية، مشيراً إلى أنّ «وزارة الخارجية المصرية لن تصدر بياناً رسمياً في هذا الخصوص، احتراماً لعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى».
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»، إن «وزارة الخارجية المصرية تابعت الانتخابات التونسية والمنافسة بين التيارات السياسية بترقّب، نظراً إلى التوتر في العلاقات بين البلدين» منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. كما أعرب عن تفاؤله «بمستقبل تونس، في ظل التجربة الجديدة وسعيها لتحقيق نظام ديموقراطي».
وأشار المصدر الديبلوماسي إلى أن «الخارجية المصرية تأمل تطوّر العلاقات المصرية ـ التونسية في ظل الحكومة الجديدة، والسعي إلى إعادتها إلى سابق عهدها، مع الأخذ في الاعتبار تشابه الظروف بين البلدين في ما يتعلق بالربيع العربي والرغبة في التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين».
ولكن المصدر أوضح في الوقت ذاته أن «تطوّر هذه العلاقة مرتبط بتوجّه النظام التونسي الجديد وطريقة تعامله مع الملفات الخارجية»، لافتاً الانتباه إلى أن هذا الأمر «لم يتّضح بعد، ومن ثم من السابق لأوانه الحديث عن انعكاس نتائج الانتخابات على العلاقات بين البلدين».

_____
«الأخبار»



ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.