كتب ستيفن كينزر في بوسطن غلوب:
قبل أشهر قليلة بدا حاكم جاكرتا، أكبر مدن اندونيسيا متجهاً نحو فوز سهل للمرة الثانية بالرغم من كونه مسيحياً في بلد ذي غالبية مسلمة. فجأة ساء الوضع على نحو جدي. وخرجت حشود من المسلمين الغاضبين في الشوارع رفضاً له متذرعة بملاحظة عفوية أبداها حول القرآن. وخلال وقت قصير خسر الانتخابات، اعتقل، اتهم بالإساءة للدين، وحكم عليه بالسجن لعامين.
هذه الحادثة تثير القلق على وجه الخصوص لأن أندونيسيا، التي تعد أكبر دول العالم الإسلامية، لطالما كانت أكثرها تسامحاً. الإسلام الاندونيسي كما معظم النظم العقائدية في هذا الأرخبيل الشاسع سمح ومنفتح، بيد أن السقوط المذهل لحاكم جاكرتا يؤشر للعكس: عدم التسامح والكراهية الطائفية ونبذ الديمقرطية. الأصولية آخذة في التنامي في إندونيسيا، الأمر الذي لم يحدث من تلقاء نفسه.
عملت السعودية لعقود على فصل اندونيسيا عن الإسلام المعتدل وتوجيهها نحو النموذج الوهابي الذي يعدّ الديانة الرسمية في المملكة. الحملة السعودية كانت بطيئة، متعددة الوجوه، ومموّلة بسخاء. لقد أكد الرؤساء الأميركيون المتعاقبون لنا أن السعودية صديقتنا وتتمنى لنا كل الخير، لكننا نعلم أن أسامة بن لادن وغالبية منفذي هجمات 11 أيلول كانوا سعوديين، وأن "المانحين السعوديين يشكلون المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم" وفق ما كتبت هيلاري كلينتون في وثيقة دبلوماسية قبل ثماني سنوات.
الأحداث الأخيرة في إندونيسيا تسلط الضوء على مشروع سعودي أكثر ضرراً من تمويل الإرهابيين. فقد استخدمت السعودية ثروتها التي يأتي جزء كبير منها من الولايات المتحدة، لتحويل مجتمعات بكاملها إلى بؤر للإسلام الراديكالي. من خلال رفض التظاهر أو حتى الاعتراف رسمياً بهذا المشروع بعيد المدى نموّل قتلتنا والإرهاب العالمي.
إن مركز الحملة السعودية لتحول الإندونيسيين نحو الإسلام الوهابي هو عبارة عن جامعة مجانية في جاكرتا تعرف اختصاراً باسم "ليبيا" LIPIA حيث يعطي دروساً باللغة العربية دعاة من السعودية والدول المجاورة. في هذه الجامعة يتم الفصل على أساس الجنس، وفرض قواعد اللباس الصارمة، ويمنع استخدام التلفزيون وسماع الموسيقى والضحك بصوت عال. يتعلم الطلاب شكلاً محافظاً ومتشدداً للإسلام يجيز قطع يد اللصوص ورجم الزناة وقتل المثليين جنسياً والذين يهينون الذات الإلهية.
الكثير من طلاب هذه الجامعة يأتون من أكثر من 100 مدرسة داخلية تدعمها السعودية في اندونيسيا أو أنهم من الذين يرتادون أحد المساجد الـ150 التي شيدتها السعودية هناك. ويحصل أكثر الطلاب الواعدين على منح للدراسة في السعودية التي يعودون منها مستعدين على نحو كامل لنشر الفوضى الاجتماعية والسياسية والدينية في وطنهم. ويروّج البعض لمجموعات إرهابية مثل حماس إندونيسيا أو جبهة المدافعين عن الإسلام اللتين لم تكونا موجودتين قبل قدوم السعوديين.
حرصاً على تكريس هذا الحضور، قام ملك السعودية سلمان برحلة إلى إندونيسيا استمرت 9 أيام في آذار/ مارس محاطاً بـ1500 من الحاشية. سمح السعوديون لأكثر من 200 ألف اندونيسي بالسفر لأداء مناسك الحج في مكة سنوياً، أكثر من أي دولة أخرى وسعت للحصول على تراخيص لافتتاح فروع جديد لجامعة "ليبيا".
يحاول بعض الاندونيسيين منع الاعتداء السعودي على قيمهم التقليدية لكن من الصعب منع التراخيص للمدارس الجديدة حين تكون الدولة عاجزة عن تقديم البدائل العلمانية اللائقة. في إندونيسيا كما في الدول الأخرى التي ينشط فيها السعوديون في الترويج للوهابية، بما في ذلك باكستان وأفغانستان والبوسنة، يؤدي ضعف وفساد الحكومات المركزية إلى خلق أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل الذين يسهل إغواؤهم عن طريق وعود بالحصول على الغذاء مجاناً أو أن يكونوا جزءاً من جيش الله.
دروس كثيرة يمكن استخلاصها من تنامي الأصولية التي تتسبب بتحوّل اندونيسيا. أولها ما يجب أن نكون سبق أن أدركناه وهو طبيعة الحكومة السعودية، القائمة على المكلية المطلقة المدعومة من قبل واحد من أكثر المذاهب الدينية رجعية في العالم. تدفع الحكومة السعودية مبالغ مالية ضخمة لرجال الدين من أجل الترويج لمذهبها المتشدد المعادي للغرب والمسيحية والسامية في الخارج. في المقابل يمتنع رجال الدين عن انتقاد المملكة أو الآلاف من أمرائها الذين يعيشون في مستويات معيشية مرتفعة.
السعوديون الذين تربطهم علاقات وثيقة بالعائلة الحاكمة يقدمون دعماً رئيسياً لجماعات مثل القاعدة وطالبان وداعش. هذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة في أذهاننا كأولوية لدى إعادة النظر في سياستنا تجاه الشرق الأوسط بما في ذلك حين نقرر اذا ما كنا سننحاز للسعوديين في خلافهم الجديد مع جارتهم قطر.
إن نجاح السعودية في إعادة تشكيل إندونيسيا يظهر أهمية خوض معركة فكرية شاملة. كثيرون في واشنطن يعتقدون أن الإنفاق على مشاريع ثقافية وتلك التي تندرج في خانة "القوة الناعمة" هو بمثابة هدر للمال . لكن السعوديين يفكرون على نحو مختلف. فهم ينفقون الأموال والموارد بكثرة من أجل الترويج لوجهة نظرهم ويجب علينا القيام بالمثل.
الدرس الثالث من واقع اندونيسيا اليوم مرتبط بضعف الديمقراطية. في عام 1998 مهدت الديكتاتورية العسكرية القمعية في إندونيسيا الطريق لنظام جديد قائم على الانتخابات الحرة التي وعدت بمنح الحريات المدنية والسياسية للجميع. عندها وجد الدعاة، المتشددون الذين كانوا يسجنون في السابق لتأجيجهم الكراهية الدينية، أنفسهم أحراراً في نشر سمومهم. الديمقراطية مكنتهم من استقطاب حشود كبيرة من الذين يؤمنون بعقوبة الموت للمرتدين. أحزابهم السياسية تخوض الانتخابات الديمقراطية من أجل ممارسة حقها في الوصول إلى السلطة ومن ثم سحق الديمقراطية. هذه هي الحقيقة المرّة للذين يظنون أنه يجب أن يكون هناك نظام سياسي واحد لكل البلدان في كل الظروف.
الحملة السعودية لجعل الإسلام متطرفاً على مستوى العالم تظهر أيضاً أن الأحداث التي تهز العالم تحدث ببطء وهدوء في كثير من الأحيان، فالإعلام الذي يركز باهتمام على التقارير اليومية غالباً ما يفتقد للقصص الأعمق والأكثر أهمية. في بعض الأحيان يشير مؤرخو الصحافة إلى الهجرة الكبيرة للأميركيين الأفارقة بعد الحرب العالمية الثانية شمالاً بوصفها قصة معاصرة لم يلتفت إليها سوى قلة من الصحفيين لأنها كانت عبارة عن عملية بطيئة أكثر من كونها حدثاً يومياً.
قبل أشهر قليلة بدا حاكم جاكرتا، أكبر مدن اندونيسيا متجهاً نحو فوز سهل للمرة الثانية بالرغم من كونه مسيحياً في بلد ذي غالبية مسلمة. فجأة ساء الوضع على نحو جدي. وخرجت حشود من المسلمين الغاضبين في الشوارع رفضاً له متذرعة بملاحظة عفوية أبداها حول القرآن. وخلال وقت قصير خسر الانتخابات، اعتقل، اتهم بالإساءة للدين، وحكم عليه بالسجن لعامين.
هذه الحادثة تثير القلق على وجه الخصوص لأن أندونيسيا، التي تعد أكبر دول العالم الإسلامية، لطالما كانت أكثرها تسامحاً. الإسلام الاندونيسي كما معظم النظم العقائدية في هذا الأرخبيل الشاسع سمح ومنفتح، بيد أن السقوط المذهل لحاكم جاكرتا يؤشر للعكس: عدم التسامح والكراهية الطائفية ونبذ الديمقرطية. الأصولية آخذة في التنامي في إندونيسيا، الأمر الذي لم يحدث من تلقاء نفسه.
عملت السعودية لعقود على فصل اندونيسيا عن الإسلام المعتدل وتوجيهها نحو النموذج الوهابي الذي يعدّ الديانة الرسمية في المملكة. الحملة السعودية كانت بطيئة، متعددة الوجوه، ومموّلة بسخاء. لقد أكد الرؤساء الأميركيون المتعاقبون لنا أن السعودية صديقتنا وتتمنى لنا كل الخير، لكننا نعلم أن أسامة بن لادن وغالبية منفذي هجمات 11 أيلول كانوا سعوديين، وأن "المانحين السعوديين يشكلون المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم" وفق ما كتبت هيلاري كلينتون في وثيقة دبلوماسية قبل ثماني سنوات.
الأحداث الأخيرة في إندونيسيا تسلط الضوء على مشروع سعودي أكثر ضرراً من تمويل الإرهابيين. فقد استخدمت السعودية ثروتها التي يأتي جزء كبير منها من الولايات المتحدة، لتحويل مجتمعات بكاملها إلى بؤر للإسلام الراديكالي. من خلال رفض التظاهر أو حتى الاعتراف رسمياً بهذا المشروع بعيد المدى نموّل قتلتنا والإرهاب العالمي.
إن مركز الحملة السعودية لتحول الإندونيسيين نحو الإسلام الوهابي هو عبارة عن جامعة مجانية في جاكرتا تعرف اختصاراً باسم "ليبيا" LIPIA حيث يعطي دروساً باللغة العربية دعاة من السعودية والدول المجاورة. في هذه الجامعة يتم الفصل على أساس الجنس، وفرض قواعد اللباس الصارمة، ويمنع استخدام التلفزيون وسماع الموسيقى والضحك بصوت عال. يتعلم الطلاب شكلاً محافظاً ومتشدداً للإسلام يجيز قطع يد اللصوص ورجم الزناة وقتل المثليين جنسياً والذين يهينون الذات الإلهية.
الكثير من طلاب هذه الجامعة يأتون من أكثر من 100 مدرسة داخلية تدعمها السعودية في اندونيسيا أو أنهم من الذين يرتادون أحد المساجد الـ150 التي شيدتها السعودية هناك. ويحصل أكثر الطلاب الواعدين على منح للدراسة في السعودية التي يعودون منها مستعدين على نحو كامل لنشر الفوضى الاجتماعية والسياسية والدينية في وطنهم. ويروّج البعض لمجموعات إرهابية مثل حماس إندونيسيا أو جبهة المدافعين عن الإسلام اللتين لم تكونا موجودتين قبل قدوم السعوديين.
حرصاً على تكريس هذا الحضور، قام ملك السعودية سلمان برحلة إلى إندونيسيا استمرت 9 أيام في آذار/ مارس محاطاً بـ1500 من الحاشية. سمح السعوديون لأكثر من 200 ألف اندونيسي بالسفر لأداء مناسك الحج في مكة سنوياً، أكثر من أي دولة أخرى وسعت للحصول على تراخيص لافتتاح فروع جديد لجامعة "ليبيا".
يحاول بعض الاندونيسيين منع الاعتداء السعودي على قيمهم التقليدية لكن من الصعب منع التراخيص للمدارس الجديدة حين تكون الدولة عاجزة عن تقديم البدائل العلمانية اللائقة. في إندونيسيا كما في الدول الأخرى التي ينشط فيها السعوديون في الترويج للوهابية، بما في ذلك باكستان وأفغانستان والبوسنة، يؤدي ضعف وفساد الحكومات المركزية إلى خلق أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل الذين يسهل إغواؤهم عن طريق وعود بالحصول على الغذاء مجاناً أو أن يكونوا جزءاً من جيش الله.
دروس كثيرة يمكن استخلاصها من تنامي الأصولية التي تتسبب بتحوّل اندونيسيا. أولها ما يجب أن نكون سبق أن أدركناه وهو طبيعة الحكومة السعودية، القائمة على المكلية المطلقة المدعومة من قبل واحد من أكثر المذاهب الدينية رجعية في العالم. تدفع الحكومة السعودية مبالغ مالية ضخمة لرجال الدين من أجل الترويج لمذهبها المتشدد المعادي للغرب والمسيحية والسامية في الخارج. في المقابل يمتنع رجال الدين عن انتقاد المملكة أو الآلاف من أمرائها الذين يعيشون في مستويات معيشية مرتفعة.
السعوديون الذين تربطهم علاقات وثيقة بالعائلة الحاكمة يقدمون دعماً رئيسياً لجماعات مثل القاعدة وطالبان وداعش. هذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة في أذهاننا كأولوية لدى إعادة النظر في سياستنا تجاه الشرق الأوسط بما في ذلك حين نقرر اذا ما كنا سننحاز للسعوديين في خلافهم الجديد مع جارتهم قطر.
إن نجاح السعودية في إعادة تشكيل إندونيسيا يظهر أهمية خوض معركة فكرية شاملة. كثيرون في واشنطن يعتقدون أن الإنفاق على مشاريع ثقافية وتلك التي تندرج في خانة "القوة الناعمة" هو بمثابة هدر للمال . لكن السعوديين يفكرون على نحو مختلف. فهم ينفقون الأموال والموارد بكثرة من أجل الترويج لوجهة نظرهم ويجب علينا القيام بالمثل.
الدرس الثالث من واقع اندونيسيا اليوم مرتبط بضعف الديمقراطية. في عام 1998 مهدت الديكتاتورية العسكرية القمعية في إندونيسيا الطريق لنظام جديد قائم على الانتخابات الحرة التي وعدت بمنح الحريات المدنية والسياسية للجميع. عندها وجد الدعاة، المتشددون الذين كانوا يسجنون في السابق لتأجيجهم الكراهية الدينية، أنفسهم أحراراً في نشر سمومهم. الديمقراطية مكنتهم من استقطاب حشود كبيرة من الذين يؤمنون بعقوبة الموت للمرتدين. أحزابهم السياسية تخوض الانتخابات الديمقراطية من أجل ممارسة حقها في الوصول إلى السلطة ومن ثم سحق الديمقراطية. هذه هي الحقيقة المرّة للذين يظنون أنه يجب أن يكون هناك نظام سياسي واحد لكل البلدان في كل الظروف.
الحملة السعودية لجعل الإسلام متطرفاً على مستوى العالم تظهر أيضاً أن الأحداث التي تهز العالم تحدث ببطء وهدوء في كثير من الأحيان، فالإعلام الذي يركز باهتمام على التقارير اليومية غالباً ما يفتقد للقصص الأعمق والأكثر أهمية. في بعض الأحيان يشير مؤرخو الصحافة إلى الهجرة الكبيرة للأميركيين الأفارقة بعد الحرب العالمية الثانية شمالاً بوصفها قصة معاصرة لم يلتفت إليها سوى قلة من الصحفيين لأنها كانت عبارة عن عملية بطيئة أكثر من كونها حدثاً يومياً.
الأمر نفسه ينطبق على الحملة السعودية الطويلة الأمد لإعادة 1.8 مليار مسلم في العالم إلى القرن السابع. لا نكاد نلاحظ ذلك لكننا في كل يوم نشعر بآثاره من مومباي إلى مانشستر.
____________
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات