‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلفية الجهادية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلفية الجهادية. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 19 أغسطس 2022

الدين والثقافة ، الإسلام الشيشاني الناشئ: المسلمون في روسيا يعيدون إلى الوطن شجرة زيتون مرتبطة بالنبي محمد ويخرجون أول مصحف مكتوب بخط اليد

    أغسطس 19, 2022   No comments


زار رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف مفتي الجمهورية صلاح خاجي مجييف. قال الرئيس إن الزيارة "تتم عندما تكون هناك حاجة إلى توجيه حكيم. إنه يشاركني معرفته ، ويقدم المشورة ، ويخبرني بالكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام حول ديننا. بالنسبة لي ، مثل هذه اللقاءات قيمة للغاية."


وعلم أنه بعد أداء فريضة الحج ، زار المفتي الأردن من أجل نبت شجرة زيتون "يستريح فيها الرسول الكريم محمد". وقال قديروف إنه من خلال جهود الشيخ صلاح خاجي ، فإن "قطعة من هذه الشجرة الجميلة التي عمرها قرون أصبحت الآن في جمهوريتنا. ولا شك أن عمله لصالح مسلمي جمهورية الشيشان هو عمل نبيل لا يقدر بثمن". .

كما أطلع المفتي الرئيس على نتيجة العمل الشاق الذي قام به الخطاط السوري الشهير من أصل شيشاني ، شكري خراشو ، الذي كلفه الرئيس بإعداد مصحف مكتوب بخط اليد ، ومصمم على الطراز الشيشاني. نجح شكري خراشو في إدراك الأسلوب الفريد للكتابة العربية وفي نفس الوقت الحفاظ على بساطة القراءة. وأوضح الرئيس أنه بعد التحقق من السلطة والمراجعات من قبل لجنة مستقلة ، سيذهب هذا العمل إلى الطباعة الجماعية.




اقرأ المقال الأصلي ...


الأربعاء، 20 فبراير 2019

مراجعات سلفية: «النصرة» تبحث عن جلد جديد: ثوب «الإخوان» في الخدمة

    فبراير 20, 2019   No comments

 صهيب عنجريني

بدّلت «جبهة النصرة» جلدها مرات عديدة على امتداد السنوات السابقة، من دون أن يغيّر ذلك شيئاً في جوهرها المتطرف. اليوم، تتسارع جهود أبو محمد الجولاني لإعادة تصدير جماعته في صورة جديدة، تطمح إلى التشبّه بـ«جماعة الإخوان المسلمين». وإذا ما رأت خطط الجولاني النور، فإنها لن تعدو كونها «تكتيكات ضرورية» وفق ما يروج في الكواليس، مع التشدّد في التزام «الجهاد» استراتيجية ثابتة.

لا تجد «هيئة تحرير الشام/ النصرة» حرجاً في تغيير أزيائها. كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، أثبت زعيم الجماعة المتطرفة، أبو محمد الجولاني، استعداده لتعديل التكتيكات و«المنهجيات»، وقدرته على ضبط التناقضات داخل جماعته. ولا يعدم الجولاني الوسائل والأدوات الناجعة، وخاصة حين تمنحه تعقيدات المشهد السوري «كتفاً إقليمياً» يتّكئ عليه، وهو أمرٌ لم تُحرم «النصرة» منه، باستثناء فترات مؤقتة، كانت أشدّها وطأة فترة الانكماش القطري في مستهلّ الأزمة الخليجية الأخيرة.


البراغماتية في نظر الجولاني حصان تمكن الاستعانة به دائماً، و«فقه الضرورة» جاهزٌ لتقديم «المسوّغات الشرعية». بالاستفادة مما تقدم، لا يزال مشروع «النصرة» مستمرّاً في تسجيل «النقاط»، والقفز درجات إلى أعلى السلم، في خضمّ المشاريع «الجهادية» التي انخرطت منذ مطلع العام الحالي في سباق جديد على رسم مشهدية إدلب. وتحظى «النصرة» بمكانة «فريدة» وسط الصراع المذكور، بوصفها قاسماً مشتركاً بين مشاريع متناقضة، تتباين رؤاها في النظر إلى الدور الوظيفي الذي يمكن للجماعة لعبه، وتتوافق على أهميتها في المعادلة.

دعم «التمكين» المستتر
توحي المعطيات المتتالية بأن السباق راهناً قد حُسم لمصلحة المشروع القطري، الذي يلحظ أهمية دعم الجولاني ومدّ يد العون لجماعته على طريق تحقيق «التمكين». وباشرت الأدوات الإدارية للجولاني نشاطاً مكثّفاً في سباق مع الوقت، لرسم ملامح «التمكين» المنشود، في صورة تتوخّى تورية «الراية السوداء» خلف ستار «مدني»، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن «تحكيم الشريعة» بوصفه جوهر المشروع. وسمح تعزيز القبضة العسكرية لـ«تحرير الشام» بتكريس هيمنة «إدارية» لـ«حكومة الإنقاذ» على كثير من تفاصيل الحياة اليومية في إدلب، وبشكل خاص قطاعات التعليم والاقتصاد والطاقة.

اللافت أن هيمنة «الإنقاذ» على قطاع التعليم ركّزت تحديداً على التعليم الجامعي الخاص، فيما تركت مهمة تعليم الأطفال لـ«المكاتب الدعوية» في الدرجة الأولى. وتطالب «الإنقاذ» الجامعات والمعاهد الراغبة في مواصلة عملها بتسديد مبالغ باهظة مقابل منحها «التراخيص» اللازمة. وبالتوازي، كثّفت «سلسلة المكاتب الدعوية» في الشهرين الأخيرين «نشاطاتها التعليمية»، فافتتحت عشرات المراكز والمكاتب و«حلقات العلم» الجديدة المخصّصة للأطفال واليافعين، إضافة إلى توسيع عدد «المدارس القرآنية» التابعة لـ«دار الوحي الشريف». ودشّنت «سلسلة المكاتب الدعوية في بلاد الشام» حملة توزيع مجاني لمعونات غذائية، وسلع استهلاكية، علاوة على توزيع معونات مالية في بعض القرى والبلدات.

«الجهاد» استراتيجية ثابتة
رغم حرص «تحرير الشام» على إظهار بعض التفاصيل التي توحي باستعدادها لالتزام الاتفاقات الخاصة بإدلب («سوتشي» على وجه الخصوص)، إلا أنها تعمل على أرض الواقع بطريقة مغايرة. وراجت أخيراً صور لوحات إعلانية عملاقة في بعض الطرق والأوتوسترادات، وقد أزيلت عنها العبارات الداعية إلى «الجهاد»، وطُليت باللون الأبيض محلّ الأسود. في المقابل، وجّهت «وزارة الأوقاف» في «حكومة الإنقاذ» رسالة إلى أئمة وخطباء المساجد، تنصّ على وجوب التزام «بث روح الجهاد في الأمة، وتحريض المسلمين على البذل والعطاء في سبيل الله... والدعوة لتحكيم الشريعة والاعتصام ورصّ الصفوف». كذلك، كثّف «المكتب الشرعي» التابع لـ«الجناح العسكري» في «تحرير الشام» أعماله «الدعوية»، وضمّ في الأسابيع الأخيرة عشرات «الدعاة» إلى كوادر «فريق العمل الدعوي/ الفاتحون»، فيما بوشرت حملة أعمال موسّعة لحفر وتجهيز سلاسل خنادق جديدة في كثير من مناطق سيطرة «تحرير الشام»، التي يُراد لها أن «تستلهم تجربة غزة»، وفقاً لما يتم تداوله في الكواليس.

قرى «جهادية» نموذجية!
تعوّل «تحرير الشام» على نجاح مشروع «القرى النموذجية»، الذي باشرت تنفيذه قبل فترة «الإدارةُ العامة للخدمات الإنسانية»، بتمويل قطري معلن. ويتوخّى المشروع كسب «الحواضن الشعبية»، وجمع مئات العائلات في تجمعات سكنية تُدار بـ«أحكام الشريعة»، من دون الحاجة إلى «تحكيم السيف». وأُنجز بناء أولى القرى في منطقة سرجيلّا في جبل الزاوية، وتضمّ 500 شقة سكنية، فيما يستمر العمل على تشييد تجمعات مماثلة، وعلى تحسين ظروف تجمعات أخرى (موجودة سابقة) وإعادة تأهيل بناها التحتية.
واعتُمدت «منهجية» أولية لإدارة «القرى النموذجية» وفق «الشريعة الإسلامية»، وقد بوشر تنفيذها أخيراً على سبيل التجربة، استعداداً لتحويلها إلى آلية شاملة تُطبّق في كل التجمعات المماثلة. وعمّمت «إدارة القرية» التعليمات على السكان وأصحاب المحال، وعلى رأسها «إلزامية التعليم الشرعي» وإلحاق الأطفال ببرنامج «صلاتي حياتي»، والتزام أصحاب المحال بعدم بيع التبغ، وبإغلاق محالّهم في مواقيت الصلوات الخمس. ويتوخّى «المشروع» التحول إلى «نموذج ناجح للتنمية الجهادية، وتكريس العمل على أساس خدمي دعوي». ويضع على رأس أهدافه «تعزيز البيئة الحاضنة للجهاد، وامتلاك قلوب الناس، وإشراك الأهالي في تبني المشروع، والقضاء على المعاصي، وإنشاء جيل مسلم يحارب الروس والمجوس ومرتزقة النظام من خلال الدعاة العاملين في المشروع».

نحو «الأخونة»؟
لم يأتِ صبّ الاهتمام على «التمكين» من فراغ؛ إذ تعدّه بعض «الاجتهادات الشرعية» شرطاً أساسياً من شروط «حكم الشريعة» و«إقامة الحدود». وترى تلك «الاجتهادات» أنه إذا «كان في إقامة الحدود فساد يربو على مصلحة إقامتها لم تُقم»، وأن «تطبيق الحدود في حال انعدام السلطان أو ضعفه هو فرض كفاية». ويبدو أن «تحرير الشام» في مرحلتها الراهنة باتت تسعى إلى «بلوغ التمكين بالموعظة الحسنة»، على ما تلاحظه مصادر «جهادية» مواكبة للمشهد في إدلب. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن كواليس إدلب تشهد في الفترة الراهنة جهوداً حثيثة لتطعيم «منهجية النصرة» بسلوكيات «سياسية» تستلهم تجارب «جماعة الإخوان».

وربّما تقدم هذه التفاصيل تبريراً مفهوماً لإبعاد أبو اليقظان المصري عن الواجهة «الشرعية». وكان المصري «شرعياً في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام»، قبل أن يستقيل في مطلع الشهر الحالي، عقب خلاف بينه وبين «قيادة الهيئة»، التي وجّهت له إنذاراً لأنه «يخالف أوامر الجماعة ولا يلتزم بالضوابط الإعلامية التي تقدّرها». وعُرف المصري بوضوحه في التعبير عن روح «المشروع الجهادي» المتطرف، خلافاً لتيارات أخرى داخل «الهيئة» لا تجد مانعاً في المواربة إذا ما «دعت الضرورة».

ولا تمثّل هذه التغييرات سابقة في سجل «جبهة النصرة»، بل هي في الواقع تأتي إحياءً لمرحلة مماثلة عرفتها «النصرة» عقب سيطرتها مع «جيش الفتح» على كامل محافظة إدلب، وفي خضم النقاشات التي كانت مستعرة وقتذاك حول «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة». وراجت في تلك الفترة أحاديث عن ضرورة «تشكيل جسم سياسي لجيش الفتح» يستلهم تجربة «حركة طالبان»، الأمر الذي أعيد إلى التداول أخيراً مع تغيير المسميات (إذ لم يعد لتحالف «جيش الفتح» وجود). وكانت «الأخبار» قد تناولت المشروع الجاري إحياؤه إبّان طرحه أول مرة قبل أربعة أعوام .
______________
عن «الأخبار» 

الأحد، 2 سبتمبر 2018

ظاهرة الانتحار والتطرف عند "الجهاديين الجدد"

    سبتمبر 02, 2018   No comments
 د. هيثم مزاحم

يلاحظ الباحث الفرنسي أوليفييه روا أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

نشر الباحث الفرنسي المعروف والمختص بالشؤون الإسلامية أوليفييه روا، قبل سنتين كتابه المعنون "الجهاد والموت" باللغة الفرنسية ونقله إلى العربية صالح الأشمر ونشرته دار الساقي عام 2017. وقد حاول روا فهم ظاهرة التطرف الذي يقوم به تنظيما "داعش" و"القاعدة" وخاصة في الدول الغربية وهل سببها الدين الإسلامي أو الظلم السياسي والاجتماعي في الدول العربية والإسلامية أو الاستعمار والغزو الغربيان لهذه الدول؟ هل السبب هو العقيدة السلفية التي تحولت إلى سلفية جهادية؟ هل يعود السبب إلى عدم اندماج هؤلاء الشبان المسلمين في المجتمعات الأوروبية التي نشأوا فيها أو هاجروا إليها وإلى التمييز والعنصرية اللذين يعاملون بهما في هذه الدول؟.

يسعى الباحث إلى فهم هذه الظاهرة وتفسيرها استناداً إلى فكرة الانتحار، المتمثلة بالعمليات "الجهادية" المزعومة، والتي يبدو أن هدفها الأول هو موت المنفذ أكثر من تحقيق أي أهداف سياسية أو عسكرية استراتيجية. لكن هذه الدراسة تختص بالمجتمعات الأوروبية وبشكل خاص "المقاتلين الجهاديين" الفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية. وعلى أساس هذه القاعدة، أرسى الباحث تحليله، خصوصاً أنها معززة بقواعد البيانات الأخرى، وهو يعتبر أن مسارات "الجهاديين" متقاربة جداً وتنتمي إلى الفئات نفسها.

يقول روا إن من الشائع جداً النظر إلى الجهادية على أنها امتداد للسلفية. وليس كل السلفيين جهاديين، لكن كل الجهاديين سيصيرون سلفيين. إذن، السلفية ستكون ممراً للولوج إلى الجهادية. وبعبارة أخرى، سيكون التطرف الديني المرحلة الأولى للتطرف السياسي. لكن روا يرى أن الأمور أكثر تعقيداً. "فمن الواضح أن هؤلاء المتطرفين مؤمنون حقاً، يظنون أنهم سيذهبون إلى الجنة ومرجعيتهم إسلامية خالصة. فهم ينضمون إلى تنظيمات تريد إقامة نظام إسلامي، بل إعادة الخلافة بالنسبة إلى "داعش"". ويعتبر روا أن الخطأ يكمن في التركيز على اللاهوت ومن ثم على النصوص في فهم التطرف الإسلامي. لكن الجهاديين لا يقدمون على العنف بعد التأمل في النصوص، إذ ليس لديهم العلم الديني المطلوب، وقلّ ما يهتمون باكتسابها. فهم لا يصبحون متطرفين لأنهم أساؤوا قراءة النصوص، بل لأنهم اختاروا أن يكونوا متطرفين.


الدواعش جهلة بالإسلام


فبين أربعة آلاف مجنّد غربي في "داعش" تظهر سجلاتهم أنهم ذوو مستوى تعليم جيد، معظمهم أنهوا الثانوية العامة، لكن 70% منهم صرّحوا أن ليس لديهم سوى معرفة أولية بالإسلام. لكن ما يعمل هنا هو التديّن وليس الدين، أي الطريقة التي يعيش بها المؤمن الدين، من العقيدة، والممارسات، والمتخيّلات، والشعائر، لكي يبني تساميه الذي يدفعه إلى احتقار الحياة، حياته وحياة الآخرين. وعلى الرغم من اعتماد "داعش" على التفاسير للحديث النبوي، إلا أن المتطرفين الغربيين المنتمين إلى التنظيم لا يعمدون إلى هذه الشروح المطوّلة. فهم أقل كلاماً عن الدين من السلفيين، وصفحاتهم الالكترونية ونصوصهم أكثر تركيزاً على العمل منها على الدين.

يرجع الإرهابيون دوافعهم للقيام بأعمالهم الإرهابية إلى الانتقام من الغرب بسبب الفظاعات التي ارتكبتها الدول الغربية ضد المسلمين، حيث يلعب الجهادي دور البطل المنتقم، إضافة إلى دافع الموت المودي إلى الجنة واستقبال النبي له والدرجة التي ينالها.

يلاحظ الباحث الفرنسي أن الغريب أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

ارتباط الإرهاب والجهادية في السعي المتعمد إلى الموت، هو محور الكتاب، ومنها استمدّ عنوانه. فمن عملية الجزائري خالد كلكال من "الجماعة الإسلامية المسلحة"، منفذ تفجيرات مترو باريس في 29 أيلول سبتمبر 1995 إلى تفجيرات مسرح باتكالان في باريس في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2015، نجد أن هؤلاء الإرهابيين أقدموا على تفجير أنفسهم أو الاشتباك مع الشرطة حتى الموت، من دون أن يحاولوا الهرب، بل حتى لم يكن موتهم ضرورياً على الدوام لإنجاز عملياتهم.

يقول روا إن العنف الإرهابي و"الجهادي"، الآخذ في الانتشار منذ عقدين من الزمن، ينطوي على حداثة متأصلة، برغم أن الإرهاب والجهاد ليسا بظاهرتين جديدتين، إذ ظهرت أنواع "الإرهاب العالمي" الذي "ينشر الرعب باختياره لأهداف ذات رمزية رفيعة، أو على العكس باستهداف مدنيين "أبرياء" من دون أن يعبأ بالحدود"، منذ سبعينيات القرن الماضي، حين نشأ تحالف بين عصابة "بادر" الألمانية وأقصى اليسار الفلسطيني والجيش الأحمر الياباني.

 السعي إلى الموت: انتحار أم شهادة؟

لتأكيد مقاربته عن سعي "الجهاديين" إلى الموت، يستشهد روا بكلام أحد "الجهاديين" الفرنسيين دافيد فالا، الذي اعتنق الإسلام وكان قريباً من خالد كلكال وزوّده بسلاحه، إذ يقول: "كانت القاعدة هي ألا يؤخذ حياً. فعندما رأى كلكال رجال الدرك علم أنه سيموت، وأراد أن يموت". وردد أحدهم قولاً منسوباً لمؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن: "نحن نحب الموت، أنتم تحبون الحياة".

إذاً، لم يعد موت الإرهابي مع "الجهاديين" احتمالاً بل أصبح في صلب مشروعه، وبخاصة مع المنضمين إلى تنظيم داعش الذين يعتبرون الهجوم الانتحاري الغاية المثلى لالتزامهم.

هذا الاختيار المنهجي للموت من قبل الجيل الجديد للجهاديين أمر مستجد، إذ كان منفذو الهجمات بين عامي 1970 و1980، سواء كانوا من الشرق الأوسط أم لا، يساريين أو إسلاميين، يرتبون عملية فرارهم بعناية، لأن الفقه الإسلامي وإن كان يقر بفضل الشهيد الذي يقتل في الجهاد، إلا أنه يحرّم الانتحار. من هنا يطرح الباحث روا أسئلة عن سبب اختيار هؤلاء "الجهاديين" الجدد الموت المنهجي، وتفسير ذلك بشأن التطرف الإسلامي المعاصر؟

يتبنى روا مقاربة جديدة في هذا الخصوص تربط بين حب الموت والسعي له، وبين كون "الجهادية" في الغرب والمغرب وتركيا هي حركة شبّان، لا تنفصل عن "الثقافة الشابّة" لهذه المجتمعات. فهذا البُعد الجيلي جوهري، لكنه على حداثته، ليس وقفاً على الجهاد الحالي. ويذهب بعيداً إلى أن التمرد الجيلي قد نشأ مع الثورة الثقافية الصينية، فهي للمرة الأولى في التاريخ لم تكن ثورة ضد طبقة، بل ضد فئة عمرية معيّنة، باستثناء زعيم الثورة ماو تسي تونغ. وقد استعاد كل من "الخمير الحمر" في كمبوديا بين عامي 1975 و1979، و"داعش" هذه الكراهية للآباء ذات البعد المرضي والكوني، الذي يتجلى في ظهور الجنود الأطفال وتدمير الآثار الثقافية. فلا يقتصر الأمر هنا على تحطيم الأجساد، بل كذلك على إتلاف التماثيل والهياكل والكتب، أي تدمير الذاكرة.

يرى روا أن بُعد إماتة الجسد لا علاقة له البتة بالصراعات الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، وهو غير منتج سياسياً واستراتيجياً. لكن هذا البُعد الانتحاري مرتبط بـخلافة "داعش"، وقبلها مشروع الجهاد العالمي مع "القاعدة"، التي ترفض أي حل سياسي أو تفاوض، لأن من يسعى إلى الموت لا يفاوض على شيء.

ويذهب الباحث الفرنسي إلى أن خلافة "داعش" وهم وخرافة وحدة أيديولوجية في توسع إقليمي مستدام، واستحالتها الاستراتيجية تفسّر لماذا كان أولئك المتماهون بها متعاقدين على الموت، بدلاً من نذر أنفسهم لمصلحة المسلمين، فلا وجود لأي أفق سياسي أو غد مشرق.

يرفض روا فكرة أن الإرهاب "الداعشي" أو "القاعدي" سببه الحرمان الاجتماعي والمظالم السياسية، لأن هذا الإرهاب يقتل السياسة قبل التساؤل عن الأسباب السياسية للنزوع نحو التطرف. وهذا الإرهاب "الانتحاري" ليس فعالاً من وجهة نظر عسكرية، بينما الإرهاب "البسيط" يتضمن بعض العقلانية المتعلقة بالحرب غير المتكافئة، حينما يقوم بعض الأفراد بإلحاق خسائر كبيرة بعدو أقوى منهم بكثير. بينما الإرهاب الانتحاري غير عقلاني بسبب استخدامه المقاتلين مرة واحدة وأخيرة، وهو يدفع المجتمعات الأوروبية إلى التطرف المضاد، ويقتل من المسلمين عدداً أكبر من عدد القتلى الغربيين.

يعتقد الكاتب أن الارتباط المنهجي مع الموت هو أحد المداخل لفهم التطرف الراهن، فالبُعد العدمي مركزي هنا، والعنف ليس وسيلة بل غاية، وهو عنف بلا مستقبل. يقول روا إنه بدلاً من اعتماد مقاربة عمودية تنطلق من القرآن لتصل إلى "داعش"، مروراً بإبن تيمية، وحسن البنا، وسيّد قطب، وابن لادن، على افتراض وجود ثابت "العنف الإسلامي" يظهر بانتظام، فقد فضّل اللجوء إلى مقاربة تحاول أن تفهم العنف الإسلامي المعاصر بالتوازي مع أشكال أخرى من العنف والتطرف، قريبة جداً منه(تمرّد جيلي، وقطيعة جذرية مع المجتمع، وجمالية الموت، واندراج الفرد المنقطع في سردية عالمية كبرى، وبِدع عالمية). فالإرهاب الانتحاري والظواهر من طراز "القاعدة" و"داعش" هي حديثة العهد في تاريخ العالم المسلم، ولا يمكن أن تفسّر بمجرد صعود الأصولية، ولذلك اعتبر روا أن "الإرهاب لا يتأتي من تطرف الإسلام، بل من أسلمة التطرف".

 هل الإسلام ينتج العنف؟
وإذ يقر الكاتب الفرنسي بوجود أصولية إسلامية تنتشر منذ أربعين عاماً، لكنها لا تكفي لإنتاج العنف. وقد تعرّضت هذه المقاربة لنقد كثير من زملائه بينهم الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا الذي أخذ عليه أنه لم يلحظ الأسباب السياسية للتمرد، وهي الإرث الاستعماري، والتدخلات العسكرية الغربية ضد شعوب الشرق الأوسط، والتهميش الاجتماعي للمهاجرين وأبنائهم. كما اتهمه الباحث الفرنسي جيل كيبل بأنه يتجاهل العلاقة بين العنف الإرهابي والتطرف الديني للإسلام متجلّياً في السلفية.

لكن روا يقول إنه لا يتجاهل أياً من هذه الأبعاد، لكنها لا تكفي لتفسير الظواهر التي يدرسها، لأننا لا نجد أي صلة سببية انطلاقاً من المعطيات التجريبية التي يملكها. فالباحث يرفض مسألة "التطرف الديني" لأن إلصاق عبارة تطرف بالدين أمر سيء، إذ يترتب على ذلك أننا نحدد حالة معتدلة للدين، فلا توجد أديان معتدلة. أكان كالفن ولوثر معتدلين؟ بالتأكيد لا فالكالفانية مثلاً في المفهوم اللاهوتي تعد "متطرفة". وتقوم فرضيته على أن التطرف العنيف ليس نتيجة التطرف الديني، وإن اقتبس منه الطرق والنماذج، وهذا ما يسمّيه "أسلمة التطرف". فالأصولية الدينية موجودة طبعاً وتطرح مشكلات اجتماعية مهمة، لأنها ترفض القيم القائمة على مركزية الفرد وحريته في جميع المجالات، لكن هذه الأصولية لا تُفضي بالضرورة إلى العنف السياسي. فيهودي أو مسيحي متزمتان هما مؤمنان "مطلقان" بدلاً من أن يكونا متطرفين، ويعيشان نوعاً من الانفصال الاجتماعي لكنهما ليسا عنيفين سياسياً، وغالبية السلفيين تندرج في هذا السجل غير العنيف.

وينتقد روا فرضية فرانسوا بورغا بأن المتطرفين تحفّزهم معاناة المسلمين، المستَعمرين سابقاً، أو ضحايا العنصرية والتمييز، وعمليات القصف الأميركية.. إلخ، وبالتالي فإن التمرد هو أولاً تمرد الضحايا. لكن روا يعتقد أن الصلة بين المتطرفين والضحايا صلة خيالية أكثر منها واقعية، والذين ينفذون التفجيرات في أوروبا ليسوا سكن قطاع غزة ولا الليبيين أو الأفغان، وما هم بالضرورة الأكثر فقراً، ولا الأقل اندماجاً. ويستدل الباحث بوجود 25% من المتحوّلين إلى الإسلام في صفوف "الجهاديين" على أن الصلة بين المتطرفين و"شعبهم" هي أيضاً من قبيل المتخيّل. فالثوريون لا ينحدرون مطلقاً من طبقات معذبة، إنما في تماهيهم في البروليتاريا و"الجماهير" والمستَعمرين، هي إعادة بناء خيالية لوجودهم في العالم وبلاغة للتعبير عنه. فقلة من المناضلين ينتمون إلى هذه البروليتاريا الافتراضية التي هم على استعداد للموت في سبيلها. فالمتمردون يعانون من معاناة الآخرين، وهم ليسوا ضحايا الظلم والاحتلال الإسرائيلي أو الغزو أو القصف الأميركي في أفغانستان أو العراق، لكنهم شاهدوا هذه المعاناة وتأثروا بها.

ولم تبدأ منهجة العمل الانتحاري إلا عام 1995، فقبل الثمانينيات، كان "الإرهاب العادي" سلاحاً تستخدمه مجموعات علمانية، قومية أو ثورية، بحسب تعبير روا، حيث اتسمت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بسلسلة هجمات في أوروبا، مرتبطة باستراتيجيات دولية، فكانت هجمات مؤيدة لفلسطين أو سوريا أو ليبيا أو إيران، في سياق الرد على السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط. حتى الهجوم الانتحاري ليس ابتكاراً إسلامياً، لقد بدأت منهجته منذ الثمانينيات على أيدي "نمور التاميل"، مخترعي الحزام الناسف.

ويلاحظ روا أن "الجهاديين" لا يترددون في ابتكار أشياء غير موجودة في العقيدة ويبتعدون عن النصوص المقدسة والتفاسير المجازة. فهذا النمط العملياتي للهجوم، أي موت المهاجم، يصير المعيار، وهو يتداخل مع إخفاق سياسي وتشاؤم عميق في الوقت نفسه، متأتٍ من مؤلفات سيّد قطب حول الجاهلية وتكفير المجتمع، وإضافة بُعد قيامي كامل وعدمي، والتفكير بالخلاص الشخصي بدلاً من التفرغ لبناء مجتمع أفضل، وهو خلاص يمر بالموت الانتحاري لأنه الطريق الأقصر والأضمن.

 المتطرفون الجدد
حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان الجهاديون الدوليون أفراداً قادمين من الشرق الأوسط، قد مارسوا الجهاد في أفغانستان قبل أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية لكي يباشروا العمل فيها، أو بحثاً عن أراضٍ جديدة للجهاد بعد سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان عام 1992. هؤلاء هم الذين نفذوا أول موجة تفجيرات عالمية. هؤلاء هم الجيل الأول من الجهاديين التابعين لأسامة بن لادن. لكن ابتداء من عام 1995، نشأ جيل جديد يسمّونه في الغرب "أبناء البلد"، ليس لهم علاقات مع بلدانهم الأصلية، وبينهم نسبة متزايدة من معتنفي الإسلام ومن النساء، ومجال عملهم عالمي تماماً. هم الجيل الثاني من الجهاديين، من خالد كلكال إلى الأخوين كواشي وعبد الحميد اباعود، ولهم الملامح نفسها. فهم قُتلوا كلهم أثناء العمل، إما قتلوا أنفسهم أم قتلوا خلال مواجهتهم مع الشرطة، ولم يهتموا بتدبير فرارهم.

يقول روا إن الإرهابيين الغربيين الذين نفذوا هجمات في أوروبا كلهم معروفون نتيجة وجود سجلات لهم لدى الشرطة وأجهزة الأمن الغربية، ويشير إلى وجود ملفات تضم أسماء 4118 جهادياً أجنبياً جنّدهم "داعش" بين عامي 2013 و2014. وهو يهتم في كتابه هذا خصوصاً بالفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين، دون أن يغفل نظراءهم الأوروبيين. وهو يجد خصائص مشتركة بينهم وبعض الاختلافات. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية.

ولا يجد روا صورة نمطية للإرهابيين، لكنه يقع على مميزات متواترة. فخالد كلكال أول إرهابي من أبناء البلد(عملية ليون، 1995)، والأخوان كواشي (عملية صحيفة شارلي ايبدو، 2015)، بينهم أوجه شبه محددة: هم من الجيل الثاني، ومندمجون جيداً في المجتمع الفرنسي، ومروا بمرحلة جنوحية قصيرة، وصاروا متطرفين في السجن، قاموا بهجمات وقتلوا، وشهروا أسلحة في وجه الشرطة.

كانت الصورة النمطية للإرهابيين ثابتة حيث نجد فئتين أساسيتين: الجيل الثاني (60% منهم)، والمتحولون إلى الإسلام يشكلون 25% منهم، وعلى نطاق أضيق الجيل الثالث(25%). أما الجيل الأول فمحدود (محمد الحويج بوهلال، منفذ مجزرة نيس في يوليو 2016). يفسّر روا غلبة الجيل الثاني بحقيقة أن التطرف قد ظهر في الوقت الذي بلغ فيه أبناء المهاجرين سن الرشد، بعد جمع شمل العائلات عام 1974. فعلى مدى عشرين سنة ظلت الغلبة للجيل الثاني، فيما كان الجيل الثالث يقترب من سن الرشد.

ثمة ميزة أخرى مشتركة بين جميع البلدان الأوروبية هي أن المتطرفين فيها جميعهم تقريباً من "المولودين الجدد" الذين بعدما عاشوا حياة دنسة (ملاهٍ، وكحول، وجنوحية)، اهتدوا فجأة إلى الممارسة الدينية، بصورة فردية أو في نطاق مجموعة صغيرة، وليس في إطار منظمة دينية. ونجد أن معظم المتطرفين غائصون عميقاً في "الثقافة الشابة" المعاصرة، في تقنيات الاتصالات، وبكونهم قد قصدوا علب الليل، وغازلوا الفتيات، واحتسوا الكحول، وارتكب نحو نصفهم جنحاً صغيرة، وأزياؤهم مماثلة لأزياء أترابهم، ملابس الشارع من قبعات وبرانس وعلامات، وما عادت اللحية علامة على التقوى. فهم لا يرتدون أبداً اللباس السلفي، ويحبون الراب، ويتابعون أفلام العنف الأميركية وربما ألعاب الفيديو، وارتياد صالات الرياضة وخاصة بعض الرياضات العنيفة كالكونغ فو والملاكمة، وركوب الدراجات النارية. كما أن لغة المتطرفين هي لغة بلد الإقامة، وهي الفرنسية في هذه الحالة، وهم يتحدثون بلغة "شابة"، لغة الضواحي المحوّرة سلفياً.

لا شك أنه لا يمكن تعميم استنتاجات الباحث روا على جميع "الجهاديين" وبخاصة في الدول العربية والإسلامية، فدوافعهم مختلفة عن دوافع نظرائهم الغربيين، وتلعب العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقدية الدينية، فضلاً عن التحريض الإعلامي والمذهبي، والتوظيف السياسي الدولي والإقليمي لبعض التنظيمات "الجهادية"، كل ذلك تلعب دوراً في تغذية هذا التطرف وتوحشه، حيث يكون "الجهادي" العربي والمسلم ضحية لهذا الفكر المتطرف حيناً، وللتوظيف السياسي والتحريض المذهبي حيناً آخر.

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

آل سعود والمؤسّسة الدينية: تبدّلات السِّياسة وانقلاب الفتوى

    ديسمبر 27, 2017   No comments
 قاسم شعيب

قائمة المُحرّمات في المملكة السعودية ثلاثة أصناف. الأول اجتماعي والثاني تكنولوجي والثالث سياسي. لكن تلك الفتاوى المُحرِّمة لكل جديد ازدادت حِدّة وتواتراً منذ ثمانينات القرن الماضي. وهي اليوم تنقلب من الحرمة الى إباحة. في بداية الثمانينات، انتشرت الفتاوى المُتشدّدة مع ظهور "تيار الصحوة". وأصبحت محاضراتهم وكتبهم تُباع بالملايين وهو ما عكس مزاجاً شعبياً عاماً تم توظيفه في هذا الاتجاه.


عاش مجتمع الجزيرة العربية ومِن ورائه كل الجغرافيا السلفية، منذ أكثر من قرن من الزمان، داخل سياج ديني مُغلَق. قصص كثيرة تُروَى عن معاناة أشخاص بسبب فتاوى شيوخ وهّابيين متشدّدين. في مرحلة ماضية كانت الفنون والتكنولوجيا الجديدة ونقد السلطة والكثير من النظريات العلمية مُحَرَّمة. وبعض تلك المُحرّمات لا يزال مستمراً حتى الآن.

قائمة المُحرّمات في المملكة السعودية ثلاثة أصناف. الأول اجتماعي والثاني تكنولوجي والثالث سياسي. لكن تلك الفتاوى المُحرِّمة لكل جديد ازدادت حِدّة وتواتراً منذ ثمانينات القرن الماضي. وهي اليوم تنقلب من الحرمة الى إباحة. في بداية الثمانينات، انتشرت الفتاوى المُتشدّدة مع ظهور "تيار الصحوة". وأصبحت محاضراتهم وكتبهم تُباع بالملايين وهو ما عكس مزاجاً شعبياً عاماً تم توظيفه في هذا الاتجاه.

منذ نشأة الدولة السعودية الأولى عام 1744 بدأ التحالف الذي قام بين شخصيّتين هامتين هما: محمّد بن سعود، مؤسّس العائلة الحاكِمة، ومحمّد بن عبد الوهاب، مؤسّس المذهب الوهّابي، وقد رسمت العلاقة بين الرجلين المسار التاريخي للدولة السعودية.

كانت هناك، منذ البداية، نزعة جامِحة لغلق كل المنافذ أمام المجتمع ليغدو منفصلاً عن الواقع الذي يعيش فيه. جسده في هذا الزمان وروحه معلّقة في التاريخ. لم يستثن تحريمهم شيئاً مهمّاً من الحياة المُعاصرة. حرّموا التلفزيون، والتلفون المزوَّد بالكاميرا، والسفر للسياحة، والخروج للنزهة، والاقتراب من المرأة، وقيادة المرأة للسيارة، واستقبال البثّ الفضائي.. حتى الورد الأحمر بات مُحرّماً، لأن إهداءه تَشبّه بعادات "الكفار"، والقصص والقصائد لأنها خليعة، وشبكة الإنترنت لأنها تقود إلى الفساد.

يتعلّق هذا الجانب بحياة الناس العامة. وهو يمثّل انعكاساً لتصوّرات بسيطة تملك، من ناحية، رؤية جامدة للعالم وللواقع، وتحيل، من ناحية أخرى، إلى بساطة التجربة المُنغلقة والمحدودة بحدود واقعها الخاص. وقد تم تجاوز ذلك في فترة الستينات والسبعينات. لم تعد التكنولوجيا حراماً وسُمِح بظهور الفنون. إلا أن عودة التشدّد الديني بقوّة منذ أربعة عقود أرجعت الأمور إلى المربع الأول.

كان لابد للتشدّد الديني الذي مارسه شيوخ الوهّابية من أن ينتج انفجارات متتالية بدأت سنة 1979 عندما قرّر جهيمان العتيبي قيادة تمرّد ضد سلطة آل سعود. كانت فرصة لتحريم التظاهرات، وفَرْض نسق من التشدّد الصارِم على المجتمع اعتماداً على قاعدة فقهية استخدمت في غير محلها لمحاصرة حياة الناس وتقول "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح".

كان مجتمع الجزيرة، يعيش حالة من التوازن الدّيني مقارنة بما حدث في العقود الأربعة الأخيرة. هذا الأسلوب في الحياة استمر في منطقة الجنوب والحجاز والمنطقة الشرقية، والتي تعيش بحكُم موقعها تبادلاً اجتماعياً مع دول أخرى والتي تتبنّى مذاهب مختلفة في أغلبها.

لم يكن ظهور العتيبي نتاج فكر ديني متشدّد فحسب، بل كان انعكاساً للسلوك السياسي السعودي. فقد سبقه، بأربع سنوات، اغتيال الملك فيصل على يد الأمير خالد بن مساعد في سبتمبر 1965 ثأراً لمقتل شقيقه أثناء اقتحامه لمبنى التلفزيون احتجاجاً على ما يُعرض فيه من أفلام وأغانٍ.

كان الحل بالنسبة إلى الحكومة البدء بفرض قيود كما لو كانت تنتظر مبرّراً لفعل ذلك. أصبحت هيئة الأمر بالمعروف أكثر قوّة وبدأت تُغلق المحال وقت الصلاة، وتراقب سلوك الأفراد.

قد تكون عبارة "دين بلا ثقافة" التي استخدمها الباحث الفرنسي أوليفييه روا في كتابه "الجهل المقدّس" أفضل وصف لطبيعة "تيار الصحوة" الذي هيمنت تمثّلاته الأيديولوجية في المملكة السعودية على مدى أربعة عقود ماضية. لكن ذلك لا يفسّر التحوّلات الحاليّة التي تشهدها المملكة بأنها ردود فعل طبيعية تجاه ذلك التيّار، الذي يختلف عن المؤسّسة الدينية الرسمية، بقدر ما يعكس الانتقال من مرحلة منتجة للعنف وحاضنة له إلى مرحلة جديدة مبرّرة للارتماء في الحضن الصهيوني علناً.

ما يحدث الآن في المملكة، ليس، فقط، نتيجة للانسدادات النظرية والتأويلات النسقيّة لمفهوم الصحوة، عبر خليط هائل من الكتابات المُتشابهة، والأفكار النمطية الفقيرة، لدُعاة غلبت عليهم الدعوة على العِلم، والوعظُ على البحث، فلم يتوفروا على فكر موضوعي يأخذ مسافة من تلك التأويلات النسقية للأيديولوجيا الوهّابية، بل هو، بالأساس، جزء من استحقاق خارجي.

وما يؤكّد ذلك انقلابُ المُفتين على أنفسهم بسرعة كبيرة، كما فعل، مثلاً، مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ الذي انتقل من تحريم مشاركة النساء في الانتخابات البلدية إلى إباحتها في ظرف ثلاثة أسابيع فقط من على منبر الجامع نفسه وهو جامع "الإمام تركي". أظهر ذلك للكثير من الناس تبعيّة المؤسّسات الدينية الكاملة للقصر الملكي وعملها منبراً لخدمة مصالحه وتوجّهاته السياسية. وهو ما تسبّب في فقدان ثقة الناس والمُثقّفين المستقلّين بشكل خاص في رجال الدّين. فهم لا يرون أن الفتاوى تغيّرت بسبب تغيّر رؤية المفتي ووصوله إلى اجتهاد جديد، بل لأن مزاج الحاكِم وتوجّهاته السياسية تغيّرت وليس للمفتى إلا أن يلاحق التغيّرات الجديدة.

من غير الممكن عدم ربط هذا المسار بمسار آخر أنتج تنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش اللذين أظهرا تشدّداً لا نظير له اعتماداً على فتاوى تكفير المختلفين. فقد تزامن ظهور القاعدة مع بداية ظهور العودة إلى التشدّد بعد هدنة الستينات والسبعينات. وهذان التنظيمان تم استخدامهما بفعالية من طرف المخابرات الأميركية والإسرائيلية لتنفيذ أجندة دموية وتخريبية مؤلمة بدأت في أفغانستان وانتهت في العراق وسوريا..

ومع وصول سلمان بن عبد العزيز وابنه محمّد، الأكثر نفوذاً، إلى السلطة، اتُّخذ قرار بتصفية إرث "تيار الصحوة" من الفتاوى المتشدّدة ليس فقط من أجل الانتقال إلى علمَنة الدولة، ولكن، بالأساس، من أجل الاستجابة لمطالب أميركية مستحدثة تخصّ هذه المرة الموقف من القدس والحق الفلسطيني باعتباره جزءاً مما سُمِّي بـ"صفقة القرن". وكان من الطبيعي أن تنقلب الفتاوى على نفسها لتصبح القدس، فجأة، مدينة غير مهمّة للعرب والمسلمين.. وفلسطين مشكلة الفلسطينيين وحدهم. كانت الفتاوى تؤكّد على حُرمة قتل اليهود الصهاينة كما هي فتوى الداعية الوهّابي علي الحلبي مثلاً، وانتهت إلى التقليل من أهمية القدس وتهميش القضية الفلسطينية من خلال حال الصمت الرسمي الديني والسياسي المُطبَق والتي لم تخرقها سوى أصوات بعض الكُتّاب السعوديين المُستهدِفة للفلسطينيين.
________

 قاسم شعيب كاتب وباحث تونسي

الأحد، 29 أكتوبر 2017

الوهابية والعلمنة ويخت سيرين

    أكتوبر 29, 2017   No comments
قاسم شعيب *

يسابق محمد بن سلمان الزمن لإعلان نفسه ملكاً قبل حدوث أية منغصات. وهو يفعل كل شيء من أجل حرق المراحل وتحقيق أهدافه. ولعل أخطر الخطوات التي يريد إنجازها التخلّص من الكهنوت الوهابي الذي حكم المملكة منذ تأسيسها والانتقال إلى دولة علمانية بالشكل القائم في دول عربية أخرى.

يريد أمير البلاط السعودي الانتقال من الدولة الدينية إلى الدولة العلمانية كما هو مطلوب منه، ليس لأن الملك كان خاضعاً لسلطة رجال الدين، فهذا لا واقع له لأن المؤسسة الدينية كانت دائماً تقدم فتاوى تحت الطلب، بل لأن المطلوب، اليوم، الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها التخلي عن إيديولوجية دينية متشددة لصالح أخرى ليبرالية مخففّة سماها "إسلاماً منفتحاً" بعد أن أدّت النسخة القديمة دورها التخريبي كما خُطّط لها. وهذا الانتقال يحتاج إلى جانبين. الأول نظري يتعلق بالأيديولوجية الوهابية. والثاني عملي يتعلق بالإجراءات التنفيذية للحكومة.

في الجانب النظري تحتاج عملية الانتقال إلى تصفية الإرث السلفي الوهابي في مستويين. الأول: هو التعليم. وبالفعل فقد تم تأسيس مركز لتنقيح ومراجعة مناهج التعليم. وهو قائم الآن، ويعمل القائمون عليه، تحت إشراف أميركي، على وضع كتب دراسية جديدة تدرّس في المدارس وتحل محل الكتب القديمة التي تروج للفكر الوهابي العنيف والتي تعارض "روح الإسلام".. كان التعليم ومناهجه الحاضنة الأولى لتفريخ الآلاف من المشوهين فكرياً وأخلاقياً والذين يمارسون القتل والذبح. وقد اعترفت وسائل إعلام سعودية أن 60% من منفذي العمليات الانتحارية في العراق هم سعوديون بينما أظهرت احصاءات أخرى أن السعوديين هم ثاني أكبر جنسية تشارك في الحرب السورية ضد الجيش النظامي. والعمل على تغيير المناهج الدراسية اليوم ليس بسبب اتّضاح دورها في تدمير عقول الكثير من الشباب والكوارث التي أنتجها ذلك، بل لأن مرحلة "الدعوشة" انتهت الآن ويريد الأميركيون الدخول في مرحلة جديدة كما قال الرئيس الأميركي ترامب.

والمستوى الثاني هو الثقافة. وقد كشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن من نتائج القمة التي عقدها ترامب مع القيادة السعودية في ماي الماضي، إنشاء مركز لمكافحة الخطاب الوهابي المتطرف وتغيير المناهج والإشراف على أئمة المساجد وتأهيلهم. وهو يشمل التخلص من الكتب السلفية والوهابية وبالأساس كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب وسائر شيوخ السلفية المؤثرين، مقابل إفساح المجال لكتب من نوع آخر بعيدة التوجهات السلفية. كما يشمل هذا المستوى السماح بافتتاح دور للسينما، وتنظيم حفلات موسيقية مختلطة، وتنظيف وسائل الإعلام من الخطاب السلفي الوهابي.

أما في الجانب الإجرائي، فهناك أولاً المؤسسات الحامية للوهابية. وثانياً الشخصيات المعارضة للتحوّل من أمراء ورجال دين وكتّاب ومثقّفين. وكلاهما تمّ التعامل معه بطرق مختلفة.

بدأ ابن سلمان بقوات المطاوعة أو هيأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي "شرطة دينية" كانت تابعة لوزارة الداخلية التي كانت بيد نايف بن عبد العزيز وورّثها لابنه محمد قبل عزله. ورغم ذلك العزل فإن نايف كان قد بنى معهم علاقات قوية، ومن الطبيعي أن يقفوا ضد محمد بن سلمان في أي نزاع قادم. نقل ولي العهد الجديد بعض صلاحيات الهيأة إلى الشرطة وألغى أخرى. وبذلك خلخل أحد الأذرع الأمنية لحكم آل سعود الذي طالما تمتع دوره بشرعية دينية. وهي مغامرة قد ترتد عليه. وفي السياق نفسه، ينوي ولي العهد التخلي عن لقب خادم الحرمين، وحلّ هيئة العلماء والاحتفاظ فقط بمفتي للمملكة كما هو الحال في بقية الدول العربية.

تبدو الدولة، التي طالما وصفت بمملكة الصّمت، على صفيح ساخن. يخشى محمد بن سلمان أية معارضة للمشروع الذي ينفذه، ولا يريد أيّة أصوات مزعجة توقف طموحه الجامح. وهو لذلك يحتاج إلى كسر الكثير من البيض لصناعة عجّته التي لا يمكنها أن تستوي دون ذلك. سلّة البيض السعودي، التي تحتاج كسراً قبل أن تفقّس، تضم الكثير من الأمراء مثل محمد بن ناف وتركي بن بندر وعبد العزيز بن فهد وسعود بن سيف وسلطان بن تركي الذين تم اعتقالهم.. والدعاة المحسوبين على ما سمي "تيار الصحوة" مثل سلمان العودة وعوض القرني، وحتى كتّاباً وإعلاميين ومسؤولين من مستويات مختلفة مثل الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت والكاتب مصطفى الحسن ورجل الأعمال عصام الزامل. وكذلك قضاة وأكاديميين مثل القاضي في المحكمة الجزائية في الخبر، خالد الرشودي، وعميد كلية حوطة سدير، يوسف المهوس.

تم اعتقال أمراء ورجال دين بارزين دفعةً واحدة بينما مُنع كتاب ومغرّدون من الكتابة والتغريد.. ورغم احتجاز الكثير من "الأمراء الصغار" في الأسرة الحاكمة، فإن الخوف الأكبر يأتي من "الأمراء الكبار".

يتبنّى محمد بن سلمان حلولاً انشطارية. فكل قرار يتّخذه يتسبّب في انقسام داخل العائلة الحاكمة وفي المجتمع بين مؤيد ومعارض. قد يبدو هذا طبيعياًَ أمام خطواته المتسارعة للتخلص من سلطة الكهنوت الوهابي، غير أن ذلك يعكس خللاً في البنية السياسية للدولة والتركيبة الاجتماعية للشعب الذي طالما عايش الاستبداد والقمع باسم الدّين.

لم تكن الحرّيات شيئاً معترفاً به في المملكة المترامية، وكان هناك قليل من الآراء المختلفة، من داخل العائلة، يسمح لها  بالتعبير عن نفسها. انتفى ذلك اليوم ولم يعد هناك أي صوت مخالف مقبولاً. بل إن الصمت ذاته أصبح جريمة اعتقل بسببها دعاة، فالمطلوب هو التعبير عن مواقف مؤيدة لولي العهد، وليس الاكتفاء بالصمت.

هذه الخطوات، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالصراع على السلطة داخل العائلة الحاكمة، جعلت محمد بن سلمان يعيش منعزلاً بين يخته "سيرين" وقصوره. أصبح أكثر رعباً واضطراباً ولم يعد يظهر بكثرة. فهو يشعر أن أكثر آل سعود ضده وأنه مستهدف بقوة.

ولعل أحدث تعبير عن تلك المعارضة تعرّض قصر السّلام في جدّة إلى هجوم قُتِل فيه عنصران من الحرس الملكي والأرجح أن أبناء الملك فهد والملك عبد الله والأمير نايف الذين يشكلون تحالفاً ضد الملك سلمان وابنه هم من يقف وراءه لإيصال رسالة.

تبدو العائلة السعودية اليوم في مفترق طرق. فقد حكمت لعقود طويلة بقبضة حديدية وسط صحراء الفكر الوهابي، لكنها، اليوم، وهي تحاول تغيير المسار، وصلت إلى مستوى من التصدع الداخلي غير المسبوق، ينذر بالانفجار في أي لحظة.

يستعجل ابن سلمان استواء طبخته لكن ذلك قد يؤدي إلى احتراقها!
 ________
قاسم شعيب كاتب وباحث تونسي

الخميس، 28 سبتمبر 2017

مشايخ الوهابية والمراجعات المفروضة من ولي الأمر: هل الدين في خدمة الساسة أم الساسة في خدمة الدين

    سبتمبر 28, 2017   No comments
بعد ان كان رجال الدين في السعودية يفتون بتحريم السياقة على المرأة ها هم الآن يقولون انها مباحة.

ففي خطوة تفصح عن مدى هيمنة السياسة على التشريع في السعودية انبرى عدد من كبار العلماء المستشارين في الديوان الملكي والدعاة وعلماء الدين السعوديين إلى تبرير قرار الملك سلمان المتأخر بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. 

 وخصصت العديد من وسائل الإعلام السعودية الرسمية وغيرالرسمية حيزاً هاماً من تغطياتها للقاء مشايخ كانوا وقبل فترة زمينة قليلة من أهم معارضي قيادة المرأة السعودية للسيارة، ومن أهم مشرعي هذا المنع الذي طالما لجأوا والسلطات الرسمية إلى تبريره بأدلة وأحكام نسبوها إلى الشريعة الإسلامية.

فبعد كل تلك الأحكام التي تذرعت بها لمنع قيادة المرأة نفت "هيئة كبار العلماء" وجود فتاوى شرعية سابقة صادرة عن الهيئة بتحريم قيادة المرأة السعودية للسيارة.

وقال الأمين العام للهيئة فهد الماجد لقناة العربية: "لا وجود لفتوى أو بيان أو قرار واحد صادر عن الهيئة العامة للهيئة حول تحريم قيادة المرأة للسيارة"!!!

لكنه أكد أنه هناك فتاوى لبعض الأعضاء في الهيئة، مستطرداً إلى أنها لا تعني "أن الهيئة بكامل أعضائها مع الموضوع".

ورأى الماجد أن النقطة المهمة في الموضوع هو أن: علماء الشريعة السعوديين كلهم قرروا أن تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة العامة للرعية.. وعليه فإن السلطان لن يختار إلا الأنفع والأصلح بكل قراراته.

وحذر الماجد من يقوم بالإفتاء بالقول إن "الفتوى مناطة اليوم بهيئة كبار العلماء فقط، ولا يجوز لأحد أن يزايد عليها في هذا الموضوع، أو غيره".

من جانبه وصف عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله بن محمد المطلق قرار الملك سلمان السماح بقيادة المرأة للسيارة على أنه من الأمور المباحة.

وقال المطلق، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية: كانت المرأة تركب البعير، وتسافر، ونحن الآن نرى في الأرياف والبادية النساء يقدن السيارة، ولا أحد يقول إن قيادة المرأة للسيارة في الصحراء وفي الأرياف لا تجوز.

من جانبه أوضح عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله المنيع، أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة، لانتفاء النص الشرعي المانع لها.

وقال "لولي الأمر اختيار ما فيه الخير للمجتمع وما تقتضيه المصلحة العامة"، مؤكداً أن "ولي أمرنا - حفظه الله- يستشعر بأن مجتمعه أمانة في عنقه فيحرص على كل ما من شأنه أن يكون سبباً في راحة وتنمية المجتمع".

هذا فيما قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي إن "المملكة دستورها القرآن والسنة، وقرار السماح بقيادة المرأة للسيارة لا يتعارض معهما، حيث إنه وفق الضوابط الشرعية."

وأكد الشيخ التركي أن "القيادة حريصة على الخير وتنمية المجتمع مع صيانة الدين الإسلامي الذي هو دستورها. وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية عدم الضرر في السماح للمرأة بالقيادة. وهذا القرار فيه خير كثير، وسوف يعالج سلبيات كثيرة كما بينت الدراسات."

وقال وزيرالعدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ وليد بن محمد الصمعاني، في تصريح صحافي اليوم الأربعاء، إن قرار الملك سلمان إصدار رخص القيادة للنساء إن "خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حريص كل الحرص على الرجوع لأهل العلم فيما يصدره من قرارات وأوامر تحرياً منه لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة في كل شؤون الدولة."

وأضاف أن "أمر قيادة المرأة جاء بعد تأنٍ ودراسة من هيئة كبار العلماء والجهات التنظيمية في الدولة، وأفتت هيئة كبار العلماء بغالبية أعضائها بإباحة مسألة قيادة المرأة للمركبة، مؤكداً أن تذليل العقبات أمام المرأة سياسة وطنية وشرعية يقودها ولاة الأمر بحزم وثبات."

هذا ووصف مدير "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" عضو هيئة كبار العلماء سليمان بن عبدالله أبا الخيل، الأمر الملكي بالقيادة للرجال على أنه "قرار حكيم وصائب وموفق وإيجابي، جاء في وقته".

وقال: "إن هذا الأمر الملكي انطلق من حيثيات تنظيمية ومعطيات وحقائق ووثائق وأرقام ووقائع اجتماعية واقتصادية سلبية".

كما رأى أبا الخيل، في الأمر الملكي: درءاً لمفاسد متعددة دينية واجتماعية وسلوكية وأخلاقية لا تخفى على كل متابع ومباشر، لما يتعلق بوجود السائق الأجنبي، والمخاطر العظيمة المترتبة على خلوته بالنساء ودخوله إلى المنازل وخروجه منها دون رقيب ولا حسب ولا متابعة.

فمن يمعن النظر في التصريحات هذه يستغرب لكيفية تبدل ما كان يراه هؤلاء "العلماء" استنباطاً فقهياً، بين ليلة وضحاها.

إذ لايمكن قراءتها سوى أن الحكم الشرعي في السعودية لايتعدى كونه حكماً حكومياً، يقرره حد سيف "السلطان".. وعادةُ السيْفِ أن يستخدِمَ القلم.


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.