‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 20 مايو 2014

ليبيا في مربع النار: الحرب على السلاح بالسلاح... انتقام العسكر... المسلحون يتوعدونه بمصير "القذافي"

    مايو 20, 2014   No comments
هي التجربة نفسها، تتكرر في أكثر من دولة في المنطقة لمعالجة ذيول ما عُرف بـ«الربيع العربي». عودة إلى دعم القوات المسلحة في مواجهة الإسلاميين. حصل هذا في الجزائر قبل عقود، وفي مصر قبل أشهر، واليوم في ليبيا، التي بات واضحاً أنها تحولت إلى مصنع للمجموعات التكفيرية، تصدّر الإرهابيين والسلاح إلى جميع أنحاء المعمورة. لكن لا شك في أن أمرين استعجلا «انقلاب حفتر»: الأول، تجمع عشرات آلاف التكفيريين المسلحين على الحدود مع مصر، كمحطة انطلاق نحو أرض الكنانة انتقاماً لحكم إسلامي زال. واقع دفع الحكم المصري ممثلاً بعبد الفتاح السيسي إلى تنسيق الجهود مع الجزائر بدعم غربي واضح لتصفية المجموعات الإسلامية في هذا البلد. والثاني حجم الخطر الذي وجد ضباط الجيش السابق أنفسهم فيه، بعد تصفية أعداد كبيرة منهم على أيدي الإسلاميين.

هي انتفاضة العسكر إذن، بل انتقامهم، مما حل بهم بعد رحيل معمر القذافي، حاضنتهم القبائل التي كانت ركيزة حكم العقيد!

لم تكن الصورة أول من أمس في طرابلس تشبه التي بثّها اللواء الليبي خليفة حفتر حين أعلن انقلاباً عبر مؤتمر تلفزيوني في شباط الماضي. الانقلاب الآن أصبح فعلاً على الأرض. أنصار حفتر وجنوده يقولون إنهم أتوا بعملية «كرامة ليبيا» ليخلصوها من فوضى السلاح والمجموعات الإسلامية المتشددة. الطرف الآخر يرى أن هذا التحرك مدعوم خارجياً من أجل مآرب أخرى.

خريطة الجماعات المسلحة

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد الكتائب المسلحة في ليبيا قد يصل إلى 300 ميليشيا مختلفة التسليح والأعداد، وبعضها يتبع أشخاصاً وأخرى تيارات سياسية مثل جماعة الإخوان المسلمون والقاعدة، أو تتبع مدناً ومناطق وحتى قبائل. كل هذه المجموعات ليس لديها وضع قانوني واضح في ظل غياب دور فعال للجيش الليبي وقوات الأمن التابعة للحكومة.

في خضم الصراع الحالي، تبدو أطراف الصراع في الشرق الليبي، خاصة مدينة بنغازي، غير واضحة التحالفات بسبب الخلاف في الرؤى وتقدير الموقف من وقت إلى آخر بل من يوم إلى ثانٍ، لكن العملية الجارية تظهر أن هناك ثلاثة تكتّلات بارزة في بنغازي ودرنة، يمكن تحديدها كالآتي:

أولاً: قوات اللواء خليفة حتفر

تضم في الأساس ضباطاً سابقين في الجيش الليبي ممن شاركوا تحت قيادته في حرب تشاد خلال الثمانينيات، وهؤلاء رفضت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي دمجهم في الجيش مجدداً، وكتيبة «حسن الجويفي» في برقة الحمراء وهي أكبر كتائب الجيش الليبي في الشرق، وكتيبة أولياء الدم الذين قتل عدد منهم على أيدي الجماعات الإسلامية.

أطراف الصراع غير واضحة... التحالفات وتتغيّر ارتباطاتها بسرعة
كذلك تحالَف حتفر مع القبائل الكبرى في الشرق الليبي (العبيدات والبراعصة والعواقير والعرفة) بعد أن تمكن من إقناعهم بالانضمام إلى صفه، وهناك تأييد له من أنصار الحراك الفدرالي في البلاد. أما في غرب ليبيا الذي يتصف بالصراعات القبلية أكثر منها مع المتطرفين، فتمثل التشكيلات المحسوبة على «الزنتان» القوى الضاربة للتيار المدني في مواجهة الإسلاميين، وهي تؤيد عملية حفتر، ولا سيما أنها أعلنت سابقاً رفضها التمديد للمؤتمر الوطني الذي انتهت ولايته في السابع من شباط الماضي.
ثانياً: القوى المتشددة المستهدفة

على رأس القوى المستهدفة تنظيم أنصار الشريعة، وكتيبة شهداء 17 فبراير، وكتائب شهداء أبوسليم، وكتيبة شهداء راف الله السحاتي، ومتشددون آخرون في درنة التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة (جيش الشورى الإسلامي)، وأصبحت تلك المدينة معقلاً للتيار الجهادي وتعلن تحديها لبناء الدولة الليبية.
وقد أعلنت الولايات المتحدة أواخر العام الماضي أن «أنصار الشريعة» تنظيم إرهابي، وتتهم ما لا يقل عن 15 من قياداته بالضلوع في الهجوم على قنصليتها في بنغازي (11 أيلول 2012)، كذلك خطف التنظيم عدداً من عناصر الأمن الرسمية وبادلهم بزملائهم قبل أيام قليلة من انطلاق عملية «كرامة ليبيا».
أما كتيبتا «شهداء 17 فبراير» و«راف الله السحاتي» المعروفتان بقربهما من جماعة الإخوان الليبية، فهما تشكيلان مسلحان مثيران للجدل، وقد أصدرت رئاسة أركان الجيش قراراً يقضي بإخلاء مقر «شهداء 17 فبراير» قبل خمسة أيام، لكن الأخيرة لم تمتثل للقرار. أخيراً يبرز تنظيم «جيش الشورى الإسلامي» الذي أعلن أنه لن يخضع لسيطرة الدولة ووصفها بالكافرة، إضافة إلى جماعة تطلق على نفسها اسم «جيش تحكيم الدين»، وأعلنت أخيراً تبنّيها الهجوم على كتيبة الصاعقة 21 المعروفة بـ«شهداء الزاوية».

ثالثاً: القوات الحكومية

قوات الشرطة التابعة لمديرية أمن بنغازي وتشكيلاتها المختلفة من قوات الأمن والإسناد، وكذلك «قوات الصاعقة» التي يقودها العقيد ونيس بوخماده، وهي المتبقية من الجيش الرسمي، إضافة إلى قوات «الغرفة الأمنية المشتركة» التي تضم عناصر من الثوار والجيش والشرطة، ويقدر تعدادها بـ6 آلاف عنصر. كل هذه القوات لم تفرض يدها على المدينة وتعاني من «ظاهرة الولاءات الرخوة» وتضارب القرارات الصادرة من الجهات العليا في البلاد، أكانت الحكومة المؤقتة أم المؤتمر العام.
ولا يغفل دور قوات «درع ليبيا» المكونة من عدد من المجموعات المسلحة التي يبدو أنها تنتشر في ليبيا كلها، حتى إن مظهرها وسلوك أفرادها يشبه وحدات الجيش النظامي، وهي تتلقى فعلياً دعماً من وزارة الدفاع، لكن هناك من يحسبها على جماعة الإخوان، وتتهم بأنها ارتكبت جرائم حرب.
*****
هكذا انتقم العسكر من الإسلاميين

إيمان إبراهيم 

 في عرف الدول لا تستطيع دولة النظر إلى خطر محدق بأمنها من دون تصرف. رغم ذلك، تحافظ القاهرة على مسافة للتدخل في المشهد الليبي المتأزم، مع أن قيادياً عسكرياً يكشف أن تحرك حفتر يصبّ في مصلحة مصر

القاهرة | لا ترى الأوساط الأمنية المصرية أن حالة الاستنفار على الحدود مع ليبيا وليدة الأيام الماضية، فعناصر القوات المسلحة المنتشرة على الحدود الغربية يعيشون هذه الحالة منذ أن ظهرت «الميليشيات المسلحة» وقسمت ليبيا جغرافيّاً إلى مناطق نفوذ، لكنها تنظر «بعين الاطمئنان إلى الاستعدادات العسكرية في تأمين تلك الحدود» إلى جانب التنسيق على المستويات كافة بين قوات حرس الحدود والقوات الجوية والبحرية ووحدات التدخل السريع.

وتفيد مصادر عسكرية مصرية لـ«الأخبار» بأن «الجيش يتحمل مسؤوليته كاملة في ضبط المناطق المتاخمة للحدود الليبية أو حتى تأمين امتداده الاستراتيجي في الأراضي الليبية إذا تطلب الأمر ذلك، وخاصة مع استمرار محاولات تسلل بعض العناصر المسلحة إلى الداخل لتنفيذ عمليات تفجير وإرباك المشهد قبل الانتخابات الرئاسية».
على الصعيد السياسي، ابتعدت الخارجية المصرية خطوة عن الموقف الذي أفادت به المصادر السابقة، فقد أعلنت الوزارة أنها تتابع باهتمام التطورات المتسارعة في ليبيا، لكنها استنكرت في بيان صحافي أمس «محاولات من داخل ليبيا وخارجها للزج باسم مصر في التطورات الجارية هناك التي تعتبرها القاهرة شأناً ليبياً خالصاً». وأكدت الخارجية في البيان أن «مصر حكومة وشعباً مع إنهاء الانقسام الجاري على الساحة الليبية وحقن الدماء مع رفض أي تدخل خارجي في قضايا ليبيا الداخلية»،
وكان وزير الخارجية المصرية نبيل فهمي قد التقى نظيرة الليبي محمد عبد العزيز السبت الماضي قبل اقتحام مبنى المؤتمر الليبي العام (البرلمان)، وتحدثا عن اهتمام مصر بعقد «مؤتمر أمن الحدود» الذي كان من المخطط أن تستضيفه القاهرة. على جانب آخر، يشرح قيادي عسكري ليبي الأبعاد التي دفعت اللواء السابق في الجيش الليبي وقائد التحرك العسكري الحالي خليفة حفتر إلى التحرك نحو ملاحقة «الميليشيات التي تتشح بالثوب الإسلامي وباطنها جماعات مسلحة إرهابية»، ويقول لـ«الأخبار»، مفضلاً ألا يذكر اسمه تجنباً لأي تصفية جسدية قد تستهدفه، إن تلك الجماعات المسلحة بسطت سيطرتها على مساحات كبيرة من الأراضي الليبية ثم أقالت قرابة 2000 ضابط ليبي، بمن فيهم حفتر نفسه خلال توليها إدارة البلاد عام 2011».
وأضاف القيادي الليبي: «بعدما تمكنوا، نفذوا تصفية منهجية لكل المتقاعدين والمقالين من الجيش المنتشرين في مناطق شرق ليبيا ووسطها، وهو الأمر الذي دفع حفتر وعناصره إلى اتخاذ موقف ضد هذه المجرزة التي تعرض لها الضباط»، راصداً قتل الميليشيات قرابة 150 ضابطاً خلال الشهور الماضية، «كذلك قتلوا ضابطات سيدات متقاعدات منذ 10 سنوات، ثم هددوا حفتر وعناصره الموالية مباشرة».
ويزيد على أسباب التحرك الأخير الذي وصفه معارضوه والحكم المؤقت بالانقلاب، أن «الجماعات الإسلامية المسلحة وقعت في شرك الخوف بعد نجاح المتظاهرين المصريين في «30 يونيو» في القضاء على حلم جماعة الإخوان المسلمين وأملها في إقامة حكم إسلامي في مصر»، مشيراً إلى أن كل التيارات المسلحة المتحكمة في ليبيا قريبة من مشروع الإخوان رغم اختلاف مسمياتها وأفكارها ما بين جيش النصرة ودروع الإسلام وغيرها.
واتهم القيادي العسكري الليبي، وكيل وزارة الدفاع الليبية خالد شريف الذي يترأس حالياً الحرس الوطني بأنه يمول كل عمليات التسليح بين قطر وتركيا والجيش الحر في مدينة درنة، «والأخير يحتجز كل قادة الجيش كرئيس الاستخبارات العسكرية عبد الله السنوسي، ورئيس الأمن الخارجي أبو زيد دورده». واستطرد قائلاً: «النقاش حالياً يدور حول رد الاعتبار إلى بعض القبائل التي يمكن أن تدعم الجماعات الموالية لحفتر، وغالبيتها من أنصار القذافي وعلى رأسها قبائل بني وليد والمقارحة والجميل والعجيلات والقذاذفة؛ ليتصدوا جميعاً للتنظيمات المسلحة وتلك التابعة لتنظيمي القاعدة والإخوان، وخاصة أن هذه القبائل تتسم بالتعداد السكاني الأكبر والمهارة القتالية الأعلى بحكم رعاية القذافي لها واهتمامه بها». وشدد أخيراً على أن أنصار حفتر يحتاجون دعماً خارجياً من دول الجوار، ولاسيما في التسليح «لأنهم مجموعات تعتمد على الباقي من الأسلحة التي سرقت من مخازن القذافي، فيما تعتمد التنظيمات المسلحة على أسلحة تأتي لهم عبر الجسور البحرية والجوية من قطر وتركيا».
*****
تفاصيل «الانسحاب التكتيكي» من بنغازي

رغم إخفاق محاولته الأولى قبل أشهر، لم يكف اللواء خليفة حفتر عن التحشيد تمهيداً لعملية عسكرية كبيرة في المنطقة الشرقية من ليبيا بعد أن حصل على دعم من بعض القبائل وضباط قدامى. وبدأت محاولات حفتر في الانقلاب على السلطات المؤقتة ببيان تلاه عبر التلفاز وأحدث ضجة إعلامية، لكن لم يكن له صدى على الأرض.

وقالت مصادر في المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت إن معلومات استخبارية وصلت إلى رئيس المؤتمر وتفيد بوجود محاولة انقلاب، لكن قوة من الثوار مكلفة من الدولة أحبطت المحاولة بدهم القاعة التي أعلن منها البيان، ليصدر بعدها أمر من النائب العام بالقبض على حفتر الذي فرّ إلى الشرق حيث يواليه عناصر هناك.
عقب الحدث الأخير بأسابيع، بدأت تحركات اللواء من مدينة بنغازي لتجميع قوة عسكرية من ضباط متقاعدين وبعض من طاولهم قانون العزل السياسي وأبرزهم العقيد صقر الجروشي آمر القوات الجوية السابق.
فجأة برزت مدينة المرج التي تبعد ١٠٠ كم شرق بنغازي على سطح الأحداث، وتقول التقديرات إن جل قوة حفتر من تلك المدينة إضافة إلى ضواحي بنغازي كبنينا والرجمة والأبيار أو ما كان يعرف في عهد القذافي بالحزام الأخضر.
وقبل شهر احتل الموالون لحفتر قاعدة الرجمة الاستراتيجية، وأصدر آنذاك بعض ضباط القاعدة المعارضين بياناً يخلون فيه مسؤوليتهم عن الأسلحة والغازات الموجودة فيها، ثم استشعرت المجموعات المسلحة الخطر فاستدعت كل منتسبيها وحددت بعض المحاور التي يمكن عناصر حفتر الدخول منها.
صباح الجمعة الماضية، شنّ حفتر هجوماً استعمل فيه طائرة حربية أقلعت من قاعدة بنينا الجوية كما صرح بذلك المتحدث باسم القاعدة صالح الحاسي، واستهدفت الطائرة معسكر ١٧ فبراير بستة صواريخ نو «سي فايف» لكنها لم تحدث أضراراً، واستمر تحليقها مدة ساعتين في سماء بنغازي، الأمر الذي رأى فيه محللون أنه عملية لإرباك الخصم إلى حين استكمال العملية البرية.
لاحقاً بدأت العملية البرية التي انطلقت من الرجمة وبنينا لتشتبك العناصر بعضها مع بعض في منطقتي سيدي فرج والهواري، فتكبدت قوات حفتر خسائر في الأرواح بلغت نحو أربعين قتيلاً مقابل ثلاثين في الطرف الآخر.
وبعد هجوم آخر نفذته قوات حفتر في بنغازي، كلف رئيس المؤتمر الوطني العام باعتباره القائد الأعلى للجيش أحد القادة الميدانيين، هو زياد بلعم التنسيقَ مع الغرفة الأمنية المشتركة لتأمين المدينة وردع القوات المهاجمة، ولاحقاً أعلن اللواء المنشق انسحابه من المدينة لإعادة ترتيب صفوفه.
وتلفت التقديرات الأمنية إلى أنه يصعب على حفتر دخول بنغازي، لكن الساعات القليلة القادمة ستوضح مدى قدرة الأخير على تنفيذ عمليته وفق أهدافها في ظل انقسام الشارع بين مؤيد له ومعارض.

*****
ليبيا..حفتر يتوعد الإخوان والمسلحون يتوعدونه بمصير "القذافي"
قال اللواء خليفة حفتر , القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي ان "عملية الكرامة" التي تشنها قوات عسكرية موالية له منذ يوم الجمعة الماضي تهدف الى تطهير ليبيا من المتطرفين وجماعة الاخوان المسلمين.
وتوعد حفتر في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته اليوم الثلاثاء ، بتقديم كبار مسؤولي المؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت) والحكومة وجماعة الاخوان للمحاكمة في حال اعتقالهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي خلال فترة توليهم السلطة.
وانطلقت العملية التي يقودها حفتر من بنغازي, متجهة  الى العاصمة طرابلس , بينما تواصلت الاشتباكات المتقطعة في المدينتين منها مواجهات حول مبنى البرلمان في العاصمة ومواقع استراتيجية أخرى.
وفي تطور لاحق اقترحت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني , مبادرة مفاجئة مساء أمس لحل الأزمة الراهنة في البلاد , تضمنت عشر نقاط , وطالبت المؤتمر الوطني العام (البرلمان) بوقف عمله لحين اجراء الانتخابات العامة المقبلة.
ولم يصدر على الفور أي تعليق مباشر من نوري أبو سهمين رئيس البرلمان الذي أصدر قرارا مثيرا للجدل بتكليف قوة تضم مسلحين بالتمركز داخل العاصمة طرابلس.
في المقابل توعد تنظيم “أنصار الشريعة” الليبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمصير الديكتاتور المقتول معمر القذافي.
وقال التنظيم في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه اليوم “سنتعامل مع أي تحرك عسكري داخل بنغازي (شرق)، كما فعلنا مع القذافي وكتائبه خلال الثورة الليبية عام 2011 “.
وقتل القذافي بعد حكمه ليبيا لأكثر من 40 سنة في مسقط رأسه بمدينة سرت (شرق)، بعد أسره من قبل ثوار ليبيا، في أكتوبر/ تشرين أول 2011 .
ووجَّه التنظيم عبر بيانه رسائل إلى الليبيين وخاصة سكان بنغازي، قائلا “نقف مع مطالب شعبنا المسلم في مطالبته بالأمن والاستقرار تحت راية الشريعة الإسلامية، لا تحت راية ديمقراطية أو علمانية أو دساتير وضعية، كما ننادي قبائلنا الشريفة عريقة النسب أن تعلن صراحة مطالبتها إقامة الشريعة الإسلامية وأن تتبرأ من سفك دماء المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب”.
وتابع “لطالما كنا أحرص الناس على دماء المسلمين، لكن على الرغم من ذلك استمر إعلام التضليل في هجومه الشرس علينا بقيادة العلمانيين، وأتباع النظام السابق بتأييد من الغرب وبعض الدول العربية”.
هذا وتتابع الولايات المتحدة عن كثب الاوضاع في ليبيا الا انها لم تقرر بعد ما اذا كانت ستغلق سفارتها في طرابلس ام لا، حسبما اعلن مسؤول اميركي الاثنين.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي "نحن قلقون جدا ازاء اعمال العنف التي وقعت نهاية الاسبوع في طرابلس وبنغازي"، ودعت كل الاطراف الى "الامتناع عن اللجوء الى العنف".
وبينما اعلنت السعودية الاثنين اغلاق سفارتها في طرابلس واجلاء دبلوماسييها، اضافت بساكي "لم نتخذ اي قرارات حول اخراج طاقمنا من ليبيا".
والولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب في ليبيا منذ مقتل السفير كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين اخرين في هجوم في 2012 على القنصلية الاميركية في بنغازي.

______
(الأخبار) +وكالات

الخميس، 10 أبريل 2014

الإسلاميون ومفهوم الدولة: المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية

    أبريل 10, 2014   No comments
حسين العودات
رأى جان لوك أن الدولة هي تعاقد بين فئات المجتمع يتم برضاها، وتوضحت هذه النظرية لدى جان جاك روسو، الذي قال بضرورة توافق المجتمع على ما سماه “العقد الاجتماعي” كأساس لبنية الدولة ووظائفها وأهدافها، وضمنه مفاهيم سياسية وأخلاقية واجتماعية عدة، مثل المواطنة والدستور، والمساواة، وحقوق المواطن، والحرية والديمقراطية والقانون وغيرها، وما زال العقد الاجتماعي يعتبر في الدول الديمقراطية، فوق الدستور وله الأولوية واقعياً وأخلاقياً.

اتفق فلاسفة النهضة على أن الدولة هي دولة مدنية، وسلطة بشرية ديمقراطية، تتيح للعقول والعقلانية وللناس جميعاً المناخ الملائم للعمل، وتعتبر العقل والقانون أساس الممارسة الديمقراطية، ومفتاح الحقيقة والثورة العلمية، كما تعتبر الدولة الحديثة دولة المؤسسات والقانون الذي سيكون سيد الجميع، وتكفل سائر حقوق الفرد، لأنها دولة المواطنة، التي ترتكز على إرادة مواطنين أحرار، ترعى الدولة حقوقهم وتكفل حرياتهم.

تأثر النهضويون العرب بمفاهيم الدولة الحديثة هذه، ولكن تأثرهم بقي جزئياً، حيث اهتم كل منهم بجانب من معاييرها دون آخر، ولم يتبن أحد من النهضويين مفاهيم الدولة الحديثة أو معاييرها أو مكوناتها بكاملها، لكنهم جميعاً رفضوا الاستبداد وأدانوه، إلا أنهم لم يطرحوا بدائل له، لا الديمقراطية ولا غيرها، وحتى الشورى لم يعمقوا مفهومها ويطوروه ويحدثوه، ليصبح مكافئاً للديمقراطية أو بديلاً عنها.

لكنهم أجمعوا على مدنية الدولة وإبعاد الدين عن السياسة، ولخص الشيخ علي عبد الرازق بموضوعية وروية، آراءهم فقال: إنه لا وجود لما يسمونه المبادئ السياسية الإسلامية ونظام الحكومة النبوية، إذ لم تكن في الإسلام لا موازنة ولا إدارة نظام، ولم يرسل محمد (ص) ليمارس أي سلطة سياسية، ولم يمارسها في الواقع.

والحقيقة أن نهضويين عديدين قبل الشيخ علي عبد الرازق، مثل الشيخ عبد الرحمن الكواكبي والشيخ محمد عبده والشيخ قاسم أمين، وغيرهم من الفلاسفة الإسلاميين التقاة المتنورين، مالوا للدعوة إلى مدنية الدولة. تغير موقف الإسلاميين بعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، سواء ما يتعلق منه بفكرة الدولة أم بماهيتها أم وظيفتها.

فرغم أنهم قالوا في المراحل الأولى بإبعاد الدين عن السياسة، رأوا بعدها أن الدولة تضم أوطاناً وقوميات وأمماً عديدة، تجمعهم الخلافة (التي كان يطمح إليها الملك فؤاد)، فاعتبرها حسن البنا رمزاً للوحدة الإسلامية، ثم بالغ واعتبرها شعيرة إسلامية والخليفة “ظل الله في الأرض” و”الإسلام دين ودنيا”.

وكانت آراؤه هذه غير منسجمة مع أفكاره وطروحاته التي كانت عند تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان يعتبر السياسة شيئاً والدين شيئاً آخر، وهو الذي قال: “قلما تجد إنساناً يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سميت هذه الجمعية إسلامية لا سياسية..”. إن وظيفة الدولة لدى الإسلاميين هي إقامة الدين.. وهذه هي الغاية التي تهدف إليها الحكومة الإسلامية.

“ولا تحدد مصالح الناس في الدولة الإسلامية، لا رغبة بعض القوى السياسية في الدولة، ولا أهواء جماهير الناخبين أو آراءهم، وإنما هي سابقة على وجود الجماعة أو الدولة الإسلامية ذاتها، ولازمة لها بحيث تفقد هذه الدولة مبرر وجودها إذا تخلت عن غايتها أو تنكرت لها”. لقد بقيت علاقة الدين بالسياسة..

والدين بالدولة، تقف على رأس المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية، وقد وصف أصحاب الخطاب الإسلامي الحديث الدولة الإسلامية بالصفات الأخلاقية والفضائل والمثاليات، وبالغوا في شرح هذه الفضائل، سواء بالاستشهاد بما سموه الدولة الإسلامية أيام الرسول والخلفاء الراشدين، أم بتخيل مواصفات الدولة الإسلامية المحتملة التي يتصورونها. وفي جميع الحالات لم تخطر لهم العودة لمناقشة التساؤلات البديهية، وهي: ما هي أسس الدولة الإسلامية التي يتحدثون عنها؟

هل مرجعيتها دينية صرفة؟ وهل هي إعادة صياغة للشريعة على شكل قوانين؟ وهل كانت الظروف مماثلة لحاضرنا لتنطبق اجتهادات الماضي على الحاضر؟.. وعشرات الأسئلة الأخرى التي يفتح كل منها الباب على عشرات الأسئلة المماثلة.

إن تصور الإسلاميين للدولة يعود للفكرة المتداولة عن الدولة قبل حركة النهضة العربية، وهذه الصورة على نقيض مع فكرة الدولة، مع فلسفتها ووظائفها وهياكلها. فالدولة بمعناها الحديث لم تكن موجودة، وإنما كانت سلطة فقط وسوطاً تسوس به الناس. ومع التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، قرروا أن الدولة هي دولة الوحدة الإسلامية الجامعة، التي لها معاييرها ومفاهيمها المختلفة واقعياً وكلياً، عن معايير الدولة الحديثة…

فلا الوطن ولا القومية ولا اللغة ولا الأرض المشتركة، تشكل عناصر تكوين هذه الدولة أو مقوماتها، إنما هي دولة العقيدة وكفى، مهما تباعدت أوطان المسلمين واختلفت قومياتهم ولغاتهم وحتى مصالحهم. وهكذا فإن ما تم تحديثه من الدولة هو شكلها الخارجي، وبعض هيكليتها، والأساليب التنفيذية للحكم، وبقيت المعايير القديمة للدولة هي السائدة، ولم تؤخذ المعايير الحديثة بشكل منهجي وجدي، كما لم تهتم دولتهم بدور الديمقراطية في وحدتها وقوتها.

___________

«البيان»

الاثنين، 31 مارس 2014

السلفية من السلمية إلى «عولمة الجهاد» وسوريا

    مارس 31, 2014   No comments
رانية الجعبري

100 مسلم بريطاني يُقاتلون في صفوف جبهة النصرة بسوريةبدأت الجماعات السلفية بعقيدة سلمية، ترفض الخروج على الحاكم، وانتهت اليوم إلى جماعات تحمل لواء «الثورة» والخروج على الحاكم بحجة الدفاع عن الأعراض التي تنتهك، والدماء التي تسيل. فهل هذا وفاء لإطارها النظري، الذي يطالبها بأن تكون بعيدة عن السياسة وقريبة من دعوة الناس للإيمان والأخلاق؟ أليست قناعتها الرافضة لتأسيس الأحزاب تلخص عدم جواز الانخراط في السياسة؟

ثمة أسئلة حقيقية تبحث عن إجاباتها حول طبيعة الظرف الذي نقل هذه الجماعات من خانة الدعوة السلمية إلى خانة «الثوريين» المنتفضين.
وثمة سؤال يخيف الأنظمة العربية أكثر من غيرها، فمن هو الشيطان الآتي من وجهة نظر هذه الجماعات؟ ففي السبعينيات كانت هذه الجماعات المتطرفة ترى في الاتحاد السوفياتي الشيطان الأكبر، وقبل أكثر من 10 سنوات أصبحت الولايات المتحدة هي ذلك الشيطان، واليوم اصبح النظام السوري هو الشيطان.

من الدعوة إلى السلطة

إن تتبع السلفية في الكتب والوثائق لا يقل صعوبة عن تتبعهم على أرض الواقع، فالتناقضات التي قد يلمسها الصحافي في تصريحات بعضهم، إنما هي موجودة في مراحل تطورهم. إذ بدأت السلفية كحركة سلمية. ويقول الكاتب والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية إبراهيم الغرايبة، لـ«السفير»، «تاريخيا لم تكن السلفية إلا حركة تشدد اجتماعي وديني واعتدال سياسي، وعادة تكون حليفة للنظام وتتبنى طاعة ولي الأمر»، مؤكدا أن مصطلح السلفية «الجهادية» غير دقيق، فلا جامع بين السلفية والقتال والسياسة، «برأيي يمكن تسميتها بالجماعات الإسلامية القتالية».
«التزمت الدعوة السلفية، منذ البداية، بالابتعاد عن الشأن السياسي، والتركيز على الحقل الديني والوعظي والفقهي» يقول الباحث المتخصص بالجماعات الإسلامية محمد أبو رمان. ويضيف، في بحثه بعنوان «السلفية في المشرق العربي»، أن «معارك السلفية الأولى مع الإسلاميين الآخرين كانت حول قضايا فقهية ودينية، مثل الصلاة على النبي بعد الأذان، وكيفية الصلاة، والموقف من الصوفية».
من تلك البوابة بدأ السلفيون ينافسون الجماعات الإسلامية الأخرى، تحديداً جماعة «الإخوان المسلمين»، على النفوذ في المساجد والجامعات، فأخذت تظهر المجموعات السلفية في مساحات مختلفة من المشهد الاجتماعي الأردني، من دون أن يكون لها أي دور سياسي فاعل، حسب أبو رمان.
هنا نلمس التناقض الأول، وهو تبني هذه الجماعات في بداياتها للدعوة وعدم الانخراط في السياسة، ومخالفتها لذلك في ما بعد، والأمر الثاني، وهو الأهم، التزامها بعدم الخروج على الحاكم، وهي اليوم ومنذ ثلاث سنوات تقاتل في سوريا بهدف الخروج عن الحاكم، ما يشير إلى أن هذه الجماعات غير المنظمة، والتي لا تؤمن بالتنظيم الحزبي، دخلت في مراحل تطور تنافي قناعاتها الأولى، فمن السلمية إلى الحرب، ومن الدعوة إلى محاولة الوصول إلى السلطة كما في أفغانستان وكما تسعى اليوم في سوريا.
فما الغريب أن نسمع في الأيام المقبلة أنها تسير نحو التنظيم الحزبي الذي تراه أقرب لـ«الكفار» وديموقراطيتهم، فمنظرو التيار السلفي في الأردن لم ينفوا إمكانية تأسيس مجلس شورى، وقد أوضح القيادي في التيار السلفي الأردني محمد الشلبي، في لقاء سابق نشرته «السفير»، أن انتخاباتهم تختلف عن انتخابات الآخرين، «فالمرشحون فيها ثقات، ومن يصوتون ثقات أيضا، وليس كما يجري بين عامة الناس».
ويبدو أن هذه الجماعات تبدأ بطابعها الدعوي المسالم، حتى إذا تغيرت الظروف، سعت الى تغيير القناعات وفق الظروف، فحكاية «الجهاد» المسلح لم تبدأ، وفق الغرايبة، إلا في مصر على يد «التيار المتشدد من جماعة الاخوان المسلمين» إذ نمت بقوة كردٍ على صراعها مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وبسبب التضييق والملاحقة انتقلوا إلى أفغانستان، وهناك بدأ فصل جديد لم يكن في السابق اسمه «السلفية القتالية»، وللمرة الأولى في التاريخ نسمع بفكرة «الجهاد العالمي» في أفغانستان. يصمت الغرايبة قليلا، يتأمل الفكرة، ويقول «عولمة الجهاد، جهاد غير مرتبط بمكان معين».
وهذا «الجهاد» الذي تم إعلانه في أفغانستان، صاغ خطابه على هذا النحو، الطريق إلى فلسطين تبدأ من أفغانستان، رغم أن القتال الجاري ليس ضد أميركا، حاضنة إسرائيل، بل ضد عدوها اللدود الاتحاد السوفياتي.

السلفية تأتينا من أبواب «النفط والهزيمة» الواسعة

يقول الغرايبة، في كتابه «جماعة الاخوان المسلمين في الاردن (1946-1996)»، ان العالم العربي شهد مدا اسلاميا بعد هزيمة حزيران في العام 1967، كما بدأت الحركات القومية واليسارية بالتراجع والانحسار.
ويضيف إلى ما سبق، خلال حواره مع «السفير»، الحضور الاجتماعي والاقتصادي السعودي الذي صحبه تغير بأنماط التدين، إذ اختار كثير من أبناء البلد السفر إلى السعودية والخليج العربي للعمل، فاعتنقوا التدين السلفي.
لكن من المحتّم أن الهزيمة كانت الباب الأوسع للتدين السلفي، يقول الغرايبة، مضيفا إن «التطرف رد نفسي على الهزيمة، ويمكننا تتبع المراحل كلها التي نحت فيها الشعوب إلى التطرف. كلها كانت بعد الهزائم، فقد ردت ألمانيا على هزيمتها بالحرب العالمية الأولى بالنازية، وإن اللجوء للتطرف يحميك من الشعور بالضعف».

استثمار «روح الهزيمة» في مواجهة السوفيات

شقّت أميركا طريقها لاستغلال الجماعات الدينية الإسلامية لتحقيق مطامعها في النفط، وقد أقنعت شركتا «كاليفورنيا» و«تكساس» للنفط وزير الداخلية والنفط الأميركي هارولد إيكز الذي كان يعتبر الذراع الايمن للرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، بعدم ترك السعودية للنفوذ البريطاني، وذلك وفق ما ورد في كتاب «لعبة الشيطان.. دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي» لمؤلفه روبرت دريفوس.
وبالفعل فإن السعودية، التي تتبنى الفكر الوهابي، لم تكن مصدر النفط وحسب، بل مصدر الفكرة التي يمكنها الشيوع والتأثير على وعي جماهير عربية واسعة تتوق للوحدة والقومية العربية، والتي تتخذ من الاقتصاد الاشتراكي عقيدة اقتصادية تمكنها من التحرر وفك الارتباط مع القوى الاستعمارية. ويخلص دريفوس، في كتابه للنتيجة التالية، «لذلك ومن أجل مناهضة الشيوعية والقومية العربية شجعت السعودية على نمو الإخوان في مصر والشرق الأوسط قاطبة»، مضيفا «شعر عدد من ملوك السعودية بتهديد من الشيوعية ورأوا في الإخوان المسلمين وغيرهم من اليمين الإسلامي حركة مناهضة للشيوعية، وكان عبد الناصر في مصر يشكل تهديدا لا يقل أهمية».
وهكذا بدأت رحلة التصدي لـ «كفار» يسكنون الاتحاد السوفياتي ولهم أتباع في أرجاء الوطن العربي!
سوريا لم تكن بعيدة عن كل هذا، فيشير أبو رمان إلى أن سوريا عرفت السلفية في مرحلة مبكرة من تاريخها الحديث بعد تأثر جمع من الإصلاحيين الإسلاميين فيها بالحركة الوهابية، لكنه يشير إلى أن التدين في سوريا بقي أقرب إلى الإسلام الصوفي والإسلام الشعبي، ما ساهم في ترسيخ هذا التيار تبني الدولة السورية للإسلام الصوفي واستخدامه في أجهزتها الأيديولوجية، كمؤسسة الإفتاء والقضاء الشرعي.
ولعل الطلاق البائن بين النظام السوري وبين الجماعات السلفية كان في العام 1980 عند إقرار القانون 49 الذي ينص بالإعدام على من ينتسب إلى «الإخوان المسلمين». وهذا ما يصفه أبو رمان في بحثه قائلا «تم التعامل مع قوى الإسلام السياسي الحركي والجهادي بشكل عنيف، وتوج ذلك في بداية الثمانينات في عهد (الرئيس الراحل) حافظ الأسد بتدميره مدينة حماه، وتشتيت جماعة الإخوان المسلمين وغياب تأثيرهم في الداخل».
الأردن لم يكن بعيدا عن كل هذا، ففي منتصف القرن الماضي تقريبا ساهم المسؤول العسكري والأيديولوجي في «الإخوان» سعيد رمضان بتحويل الحركة الإسلامية في الأردن من السرية إلى العلنية. ويشير دريفوس إلى أن الذي سهّل لرمضان مهمته هو التاجر الأردني الثري عبد اللطيف أبو قورة الذي كانت تربطه علاقة وثيقة مع الملك عبد الله الأول. وراح رمضان وأبو قورة يطرحان قضية مواجهة مصر وبقية العالم الإسلامي في القرن العشرين للشيوعية والقومية اللتين تنكران تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع.

_______
السفير

الثلاثاء، 25 مارس 2014

الإخوان وإيران: هلال إسلامي لوأد الفتنة أم ضد السعودية؟

    مارس 25, 2014   No comments
سامي كليب

صحيفة الأخبار اللبنانية: حين غرّدت أولى سنونوات الربيع العربي في تونس ومصر، سارعت طهران إلى وصف الثورات بـ «الصحوة الإسلامية». قال السيد علي خامنئي، مرشد الثورة، في خطبة له في شباط / فبراير 2011: «إن الثورات العربية تستلهم روح ونموذج الثورة الإسلامية في إيران، وبالتالي، فهي استمرار لها». ما كان «القائد» غريباً عن الإخوان. هو نفسه كان أول من ترجم كتب سيد قطب إلى الفارسية ونصح بقراءتها.

توقّعت طهران، في حينه، أن يبادلها «الإخوان المسلمون» حماستها باندفاع مماثل. كانت النتيجة أن أول زيارة للرئيس المصري محمد مرسي إلى طهران كانت مخيّبة. استخدم الرئيس الاخواني، من على منبر قمة دول عدم الانحياز، خطاباً تعبوياً مذهبياً ناقض الحفاوة الايرانية. وختم عهده باعلان القطيعة بين مصر وسوريا، حليفة ايران.

بعد ثلاث سنوات من الثورات والانتفاضات، يعيش «الاخوان المسلمون» وضعاً لا يُحسدون عليه: أميركا والدول الغربية خذلتهم بعدما غازلتهم. واشنطن تصنَّعت اعلان قطع جزء من المساعدات عن مصر، لكنها في الكواليس كانت تقول للقيادة المصرية: «لا تقلقوا. هذا مجرد كلام. لن يتغير أي شيء».

معظم دول الخليج حاربتهم. السعودية وضعتهم على لائحة الإرهاب. حركة حماس، كما تركيا، باتتا مثاراً للاتهامات في مصر وسوريا.

لو أن السنونوة التي غرّدت فوق تونس ومصر لا تزال على قيد الحياة، لربما فوجئت بسرعة تحوّل المشهد. ثورات أكلت أبناءها. أخرى جنحت صوب التقسيم والأقاليم. ثالثة انقسمت على نفسها. رابعة غرقت في موجات الارهاب والتكفير، وخامسة نسيت بالأصل لماذا نشبت.

الآن، ثمة مشهد آخر يرتسم. تبدو المصلحة كبيرة بين ايران وتركيا للتقارب. قال السيد خامنئي خلال استقباله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: «إن الأخوّة والمحبة والصداقة الحالية بين ايران وتركيا لا مثيل لها في خلال القرون الأخيرة». ردّ اردوغان: «أنا هنا لأزور بلدي الثاني».

لم تتدهور علاقات طهران وأنقرة طيلة الأزمة السورية. صار عتب لا قطيعة. تظهير جودة العلاقة الآن له، اذاً، أبعاد استراتيجية كبيرة.

بعد ذلك، كان وزير الخارجية القطري في ايران. ثم زارها وفد من حركة حماس. وبين زيارة واخرى، كانت طهران تحافظ على تحفظّها على إطاحة مرسي في مصر، وتبقي خيوطاً مع الإخوان.

في الإستراتيجيا البعيدة المدى تستمر الفكرة الإيرانية على حالها. مفاد الفكرة بانه لا بدّ للعالم الإسلامي من اللقاء. تريد طهران تعزيز الروابط الشيعية ــــ السنية لإنشاء حلف عالمي جدي. تدرك أن جزءاً كبيراً من اسباب الفتن المذهبية في المنطقة إنما يستهدف دورها ودور حلفائها. في الإستراتيجيا القصيرة المدى، ترى أن مصلحتها القصوى تكمن في التقارب مع التيارات السنّية المعتدلة في المنطقة، وبينها «الإخوان»، لوقف الحرب في سوريا، وسحب بساط الفتنة المذهبية، وتعزيز موقفها في مفاوضات «5+1» ومواجهة السعودية.

لا يفهم كثيرون، حتى اليوم، سبباً وجيهاً لإدراج السعودية «الإخوان المسلمين» على لائحة واحدة مع المنظمات الارهابية. ايران قد تصبح أكثر المستفيدين. باتت طهران مقصداً لكلّ المتضررين من الهجمة السعودية، من تركيا إلى قطر إلى أطراف يمنية فاعلة.

قبل أيام، قال اسماعيل هنية، القيادي في "حماس" ورئيس حكومة غزة، كلاماً عالياً ضد اسرائيل. دعا إلى القتال والاستشهاد. قبله بأيام، كانت صواريخ "الجهاد الاسلامي" تنهمر على مناطق اسرائيلية. قبل التهديد والصواريخ كان زائران مهمان في طهران: مسؤول العلاقات الدولية في "حماس" أسامة حمدان، الذي قال ان العلاقات مع ايران في مستواها الجيد والطبيعي، والامين العام لحركة الجهاد رمضان عبد الله شلح. سارعت مصر إلى التهدئة.

بين التهديد والصواريخ كان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في بيروت يتحدث عن أهمية التقارب مع ايران. ربما المجاهرة بالأمر ليست مناسبة الآن بسبب العلاقة مع السعودية والضغوط الدولية قبل الانتخابات، لكن انفتاح مصر على ايران وروسيا يبدو أكثر من ضرورة في الوقت الراهن.

ماذا تغير؟

ما تغيّر في السنوات الثلاث الماضية ان ايران كانت تبحث حثيثاً عن كيفية ربط علاقات جدية وقوية مع تيار الإخوان. الآن تبدو الجماعة أكثر حاجة إلى التقارب. بالأمس، كان التقارب مثيراً لغضب غربي. الآن طهران نفسها تتفاهم مع الغرب. اسرائيل قلقة. اسرائيل تراقب. تحاول أن تحرق الأوراق. تعمّدت تسريب معلومات عن استعداد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي في "حماس"، لزيارة ايران بوساطة قطرية. اضطرت الحركة إلى النفي.

لا شك في ان قرار السعودية ضد الإخوان أحدث بلبلة حتى في المحيط الخليجي. إخوان الكويت جزء من تركيبة معقّدة لا يمكن محاربتهم. إخوان البحرين لهم حساسية خاصة في بلد يراد تصوير المشكلة فيه على أنها بين الشيعة والسلطة. اضطر وزير الخارجية البحريني إلى نفي ما نسب إليه من أن الإخوان في البحرين ليسوا جماعة ارهابية. عاد وقال ان بلاده تقف مع السعودية والإمارات، وان من يعاديهما يعادي البحرين. بلبلة اخرى دبّت في صفوف إخوان سوريا وفلسطين. في اليمن وجد الاخوان انفسهم اضعف من مواجهة الحوثيين. أُغلقت ابواب السعودية في وجه قادتهم من آل الأحمر.

قد تجد ايران في كل ذلك فرصة لتجديد فكرتها القائلة بأنه لا بد من صحوة اسلامية فعلية. صحوة تستند خصوصاً إلى تقارب الكتلتين الشيعية والسنية في ايران. أما العرب، فهم يتقاتلون على اراضي بعضهم بعضا، وحائرون، هل يسلمون مقعد سوريا للمعارضة، التي ما عادت تمثل الكثير على الارض، ام ينتظرون أياماً افضل؟ ماتت السنونوة قبل ان يزهر الربيع.

______
"الأخبار"

الاثنين، 24 مارس 2014

متى يحين أوان المراجعة كي لا نصل إلى «الانتحار الذاتي»؟

    مارس 24, 2014   No comments
ابراهيم الأمين

سيكون أمام باحثين جدّيين مجالات كثيرة ووقت أكثر لدرس واقع لبنان خلال العقد الأخير. وسيكتشف الناس بعد وقت، قصير أو طويل، حقائق لا يعتقدون اليوم بوجودها. كما سيظلّ الوقت مفتوحاً أمام علمانيين، أو لاطائفيين، لإظهار عناصر القوة في خطابهم، علّهم يجذبون الشارع صوبهم.
لكن السؤال الملحّ، اليوم، هو الأزمة الهائلة التي تعصف بمشرقنا العربي، على خلفية صراع سني ــــ شيعي. هكذا هو شكله اليوم. من دون مواربة أو احتيال. والسؤال الأكثر إلحاحاً يتعلّق بقسم كبير من المتبنّين للمذهب السياسي ــــ السني، ويخوضون معركة ضد إيران وحزب الله، وصار قسم منهم يتعامل مع الشيعة على أنهم أعداء لهم.

النقاشات الهادئة قليلة مع أصحاب هذه الوجهة. وقلّما يتاح إحداث خرق يسمح بمجرد التواصل، بحثاً عن فهم أدقّ لخلفية الموقف. ولأن الأمر يلامس مرحلة الانتحار الذاتي عند قسم من هؤلاء، وجب نقل النقاش الى العلن، ووجب دفع الأمور صوب النهاية، بعدما صار الموت انتحاراً هو خيار هؤلاء. وهنا لا مجال للتشاطر، ولا للتستّر خلف أوهام. ولا حتى التغاضي عن حقائق قائمة.
في العقل الجمعي للمنتمين الى «السياسية السنية»، هناك تصورات عامة حكمت السلوك الجمعي. وافق هؤلاء على أن تمثّلهم قوى دينية وسياسية واقتصادية، ظهرت على شكل دول وحكومات وقوى وتيارات وهيئات، وهي التي تقود هذا الشارع منذ عقود عدة. وأبرز هؤلاء مملكة آل سعود وشقيقاتها في الخليج العربي، وحكّام دول أخرى عاشوا على دعم هؤلاء، ورجال أعمال تقرّر أن يصبحوا رؤساء دول وحكومات وتيارات سياسية، بأمر من هؤلاء أيضاً. وبعد كل ما مرّ، لم يحصد هؤلاء سوى الفشل والخيبة. لم ينجحوا في بناء دولة، ولا في رفع مستوى الناس، ولا في تقدم علمي حقيقي، ولا في بناء اقتصاد حقيقي، ولا في بناء جيش قوي. وهم، اليوم، يفقدون مواقعهم واحداً تلو الآخر، وإذا ما استمرت السياسات نفسها، فحتى مواقع نفوذهم في الخليج العربي ستسقط خلال أقل من عقد على أبعد تقدير.
الانتفاضة الأولى على هذا العقل الحاكم باسم الدين جاءت من أتباع الدين نفسه، وقامت على شكل قابل للاستخدام. هذا ما حصل يوم التزمت ممالك الجزيرة العربية مشروع مواجهة الشيوعية بوصفها الوباء، وتدرّج الأمر حتى حدود معركة أفغانستان، لينتهي الأمر الى بناء دولة متخلّفة تحت حكم «طالبان» ممثلة السلف الصالح كما يعتقدون. قبل أن تصبح، وسريعاً جداً، عبئاً على أهلها وعلى رعاتها. وتكون النتيجة انتفاضة من قبل المدرسة، باسم تنظيم «القاعدة»، بوصفه أداة ثورية عالمية لهذه القاعدة الاجتماعية الملتحقة بالفكر الديني والعقائدي نفسه السائد في الجزيرة العربية. وما لبثت هذه الثورة العالمية أن أدخلت نفسها في مغامرة، ليس فيها شيء من الحسابات المنطقية. برغم مشروعية الكثير من شعاراتها، وانتهى الأمر بها طريدة، تديرها الفوضى التي منعت شيخها الراحل أسامة بن لادن حتى من تصحيح بعض الأخطاء. وها هي، اليوم، أداة للاستخدام في حروب العالم الكبيرة.
وفي لبنان، حاولت هذه العصبية العالمية تقديم نموذج مدني لها، من خلال تجربة رفيق الحريري، انتهت الى مشكلة بينه وبين ثلثي اللبنانيين قبل مقتله، بطريقة تشير الى طبيعة الصراع. ومن ثم بدأ انهيار إمبراطورية ذات جذر مالي قوي، وبقيت منها عصبية تعيش مرحلة الأفول. وهي حاولت اللجوء الى وعاء أيديولوجي من خلال تيارات دينية بدت غريبة عن طبيعة أهل المنطقة، ثم ما لبثت هذه التيارات أن تمردت، ولو على دفعات، معلنة خروجها عن طاعة ولي الأمر.
جاء «الربيع العربي» ليفتح الباب أمام تجارب أخرى. لكن الصدمة تمثلت في خطأ قاتل ارتكبه تيار «الإخوان المسلمين» الذي استسلم لغواية السلطة، بديلاً من سؤال الهوية الوطنية، والبرنامج الاقتصادي البديل، والمشاركة رداً على العقل الإقصائي الذي طارد هذه الجماعة سابقاً. ثم ارتكب هذا التنظيم العالمي خطأً قاتلاً آخر، بقبوله تأجير حراك الشارع العربي لمصلحة أنظمة متخلفة وبالية وغير مستقلة، فأعيد الشارع الى حضن ممالك الجزيرة العربية، لينتهي به الأمر شلالاً من الدماء، كما هي الحال في ليبيا ثم في سوريا ولبنان.
لا حاجة الى استعراض ما يمكن لهذا العقل الجمعي أن يرى فيه استفزازاً وتحدياً له، من نجاح ثورة إيران في بناء دولة قوية، قابلة للعيش والتطور، وقادرة على مواجهة العالم كله، وخوض معارك قاسية عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية وإعلامية، مع نتائج فيها الكثير من الربح والقليل من الخسائر. والتحول الى رمز لعقل جمعي آخر، يخص أتباع «الشيعية السياسية»، الى نجاح هذا التيار في انتزاع حكم العراق، بكل ما فيه من مشكلات بنيوية وعقلية قد تقود الى كوارث، إلى نجاح تجربة حزب الله كقوة مقاومة صارت لاعباً إقليمياً مهماً، وصولاً الى حماية أبرز الحلفاء في سوريا اليوم.
هذه النتائج المقابلة ربما تعزز الإحباط لدى المنتمين الى العقل الجمعي لأتباع «السنية السياسية». لكن السؤال الحقيقي عند الفرد وعند المجموعة وعند الجماعة من هذا التيار هو: أين يقع الخلل؟ هل هو في أصل الفكرة، أم في المعتقد السياسي ــــ المذهبي، أم في القيادة، أم في آليات التفكير والعمل، أم في الأدوات والحلفاء؟
ما نراه اليوم، من سياسة مملكة آل سعود، وشقيقاتها في الجزيرة العربية، الى حالة «الإخوان المسلمين» في كل العالم العربي والإسلامي، إلى تفرعات «القاعدة» وأخواتها، الى الوجوه الغريبة التي تنشط في سوريا وليبيا وسيناء، الى حالات مدنية مثل أحزاب العدالة والتنمية في تركيا وبقية العالم، الى تيار المستقبل في لبنان. كل هذه القوى تتبع سياسة تعني أن هؤلاء لا يزالون اليوم، وبعد عقد من الزمن، وخسارة كل هذه المشاريع، وفشل كل هذه البرامج، يصرّون على رفض المراجعة وعلى القول: لقد تم إفشالنا!
ليس بمقدور أحد إقناع آخر، أي آخر، بالتراجع الى الخلف بقصد التفكير والمراجعة. وليس بوسع إيران تعديل مزاج هذا الشارع. كما ليس بمقدور شخص مثل السيد حسن نصر الله، اليوم، إقناع جمهور هذا التيار الواسع، بمغادرة هذا المشروع. وليس منطقياً أن يفكر بأمر كهذا، وإن كانت استحقاقات كبيرة تنتظره وحزبه في كل العالم. إلا أن السؤال يعود ليرمى في وجه من يجب أن يتحمل المسؤولية عن مصيره.
السؤال، اليوم، هو برسم كل كاره لحزب الله، وكل رافض لإيران، وكل مشكك في حقيقة أن المقاومة تستهدف القضاء على إسرائيل، وكل مقتنع بأن محور بيروت ــــ دمشق ــــ بغداد ــــ طهران ــــ موسكو، هو محور الشر بعينه. وعلى صاحب هذا الشعور، أو هذه الوجهة، أن يهدأ. وأن يجلس مع نفسه قليلاً، وأن يفكر من دون توتر، مثلما يفكر عندما يختار مدرسة لابنه، ومثلما يدقق عند اختياره لمسكنه أو عمله، ومثلما يحسب تجارته، وأن يدرس الأسباب والمقدمات والنتائج.
وفي ترجمة لهذه الحالة عندنا في لبنان، يفترض بمن هو حامل لهذا الموقف أن يتوقع المزيد من النار. سينتقل القتال الى داخل البيت الواحد. وستتقاتل مجموعات هذا التيار في ما بينها، كما بدأت الأمور في طرابلس، وكما تشتعل النار بصمت، ولكن بقوة، في عرسال وقرى البقاعين الأوسط والغربي، وكما هو الترقب والقلق في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو النازحين السوريين في لبنان.
ما يحصل اليوم، هو مرحلة جديدة عنوانها تصفية الحسابات بين الفاشلين أنفسهم. وسيسعى الكبار من هؤلاء، الذين يتسمون بانتهازية كبيرة، إلى الحفاظ على مواقعهم، بأن يجعلوا الناس يدفعون الثمن عنهم. فيجعلون كوادرهم كبش محرقة. ويتذرعون بالعجز عن العون، بينما هم يكدسون الأموال المنهوبة في جيوبهم. ويسعون الى رفع سقف خطاب التعبئة والتحريض، خشية أن يبتعد المصلّون عن مساجدهم.
السؤال اليوم أمام هؤلاء، ليس: لماذا نكره حزب الله؟ بل لماذا نفشل في مواجهته؟
لا نفع، هنا، لكل ترهات عن اندساس عناصر المخابرات السورية بينهم، أو عن دخلاء بعث بهم حزب الله، ولا عن جيش متغطرس تقوده الدولة الصفوية. كل هذا الكلام لن ينفع في شيء. كما لن تنفع الحريرية أي محاولة لرفع الصوت تحريضاً بقصد كسب الشارع المتوتر. ومن لا يجيد القراءة، فليتعلم من خصمه، وحتى من عدوه. لا أن يبقى أسير فكرة تجعله يهرب الى الأمام، منتقلاً من هزيمة الى أخرى، وإلى حيث يرى في الانتحار قتلاً، خياراً وحيداً للانتساب الى دار الله!
_______
 الأخبار

الأربعاء، 19 مارس 2014

بين «شارب» القرم و«لحية» سوريا: هل تفتح تركيا جبهة «جهادية» جديدة؟

    مارس 19, 2014   No comments
محمد نورالدين
لم تستفق تركيا بعد من سياساتها الخاطئة في سوريا وتدخلها السافر في شأن داخلي لدولة أخرى ذات سيادة كاملة حتى وقعت في خطأ ثان عندما أعلنت أنها لن تعترف بالاستفتاء على ضم القرم الى روسيا. المفارقة في الموقف التركي انه يتعلق بدولة على حدوده الجنوبية هي سوريا وأخرى على مرمى موجات مائية من حدودها الشمالية. وهو ما دفع المعلق التركي غونيري جيفا أوغلو، الى القول إن تركيا عالقة بين الشارب القرمي واللحية السورية.

الخطأ التركي هو أنه يأتي من مقارنة بسيطة وبديهية بين وضع القرم ووضع كوسوفا. فقد كانت تركيا بقضها وقضيضها، بعلمانييها وإسلامييها رأس الحربة في دعم تطلعات شعب كوسوفا الى الاستقلال عن صربيا، ومن أكبر المحرّضين على استخدام القوة المسلحة الأطلسية لضرب مواقع صربيا تمهيداً لحماية سكان كوسوفا؛ علما ان كوسوفا كانت مجرد منطقة ذات حكم ذاتي داخل جمهورية صربيا ولم تكن جمهورية مستقلة ضمن الاتحاد اليوغسلافي مثل البوسنة وكرواتيا ومقدونيا وصربيا. مع ذلك وقفت تركيا الى جانب كوسوفا مطالبة باستقلالها.
أما القرم فهي جمهورية مستقلة ضمن الاتحاد الأوكراني ووضعها القانوني أقوى بكثير من كوسوفا؛ رغم ذلك فقد أعلن وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، أنه لن يعترف باستقلال القرم.
وتركيا بذلك إنما كانت تغلّب عوامل عدة مزمنة على سياسات تظاهرت أنها جديدة وتتبعها وعنوانها الانفتاح وصفر مشكلات، وإذا بها تنقلب عليها حيث كانت ترى انها لا تخدمها بالكامل.
رغم العلاقات الاقتصادية الجيدة بين تركيا وروسيا واتفاق البلدين على تحييد الخلافات السياسية عنها غير أن «الغريزة» التاريخية تتغلب في لحظة تقدم الدور الروسي واقترابه أكثر من الحدود التركية عبر شبه جزيرة القرم، التي يعني انضمامها الى روسيا تغييراً جذرياً في التوازنات الاستراتيجية في البحر الأسود.
وهنا غلّبت الدولة التركية الحديثة العامل العثماني في التحالف مع الغرب ضد روسيا العدو التاريخي لتركيا وقبلها الدولة العثمانية.
وفي هذا الموقف انما كانت تركيا أيضاً تستشعر الخطر الروسي الجديد الذي لا يمكن مقاومته إلا بتأكيد الانتماء لحلف شمال الأطلسي، تماماً كما فعلت عندما علا صوتها رهبة من بضع قذائف مدفعية سورية سقطت على أراضيها؛ فأعلنت النفير وأطلقت النذير وقدّمت صفتها الأطلسية على أي صفة أخرى إسلامية أو تركية أو مشرقية، وأعلن مسؤولوها جميعاً عبارتهم الشهيرة ان»حدود تركيا هي حدود الأطلسي»، وهو ما تكرره اليوم مع الأزمة في القرم.
لقد دعت تركيا الحالية الى الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية، وبالتالي عدم انسلاخ القرم عنها. ولكنها لم تبد الحرص نفسه على وحدة الأراضي الصربية تماماً مثلما لم تحترم من قبل وحدة أراضي العراق وسيادته بزيارة داود أوغلو الشهيرة الى كركوك من دون إذن بغداد، وبتوقيع اتفاقيات مع إقليم كردستان الفيدرالي بمعزل عن حكومة بغداد، كما بالتدخل السافر في الشأنين الداخلي لكل من سوريا ومصر.
وكان داود أوغلو اول من قال بنظرية الدومينو عقب ثورة 30 حزيران وتغيير النظام في مصر.
وفي الموقف التركي من استفتاء القرم تتجلى نزعة الخوف من تعميم نظرية الدومينو السلبية، وتكرار الاستفتاءات في مناطق مُتنازع عليها؛ ومن ذلك مصير مقاطعة ناغورنو قره باخ الأرمنية وتحذير الوزير التركي من أي استفتاء على وحدة الأراضي الأذرية.
ولا شك ان الخوف التركي يرصد أيضاً ما يمكن أن يطالب به أكراد تركيا من تقرير المصير والمطالبة بالحد الأدنى بالحكم الذاتي.
ولعل ما أثار غضب أنقرة أكثر من غيره أن الاستفتاء على استقلال القرم قد تم بنتيجة 96.7 في المئة، أي أن قسماً من تتار القرم الذين يقاربون العشرة في المئة قد صوتوا لمصلحة الانضمام الى روسيا، إلا في حال لم يذهب أحد منهم الى الاقتراع وهذا شبه مستحيل.
مثل هذه النتيجة يُسقط من يد تركيا اللعب بورقة أقلية التتار في القرم التي لمّحت اليها منذ البداية، علماً أن الثلاثمئة ألف قرمي قد اعتُرِف بلغتهم في «الجمهورية الجديدة» كلغة رسمية الى جانب الروسية والأوكرانية، بينما 12 - 15 مليون كردي في تركيا لا يُعتَرف بهم لا كشعب ولا بلغتهم لا في التعليم ولا كلغة رسمية.
في قرارها عدم الاعتراف باستفتاء القرم، تدخل تركيا نفسها أيضاً في معمعة العقوبات التي فرضتها أميركا وأوروبا على روسيا لا سيما حركة الأشخاص. فهل ستلتزم بها كونها من دول المحور الغربي؟ أم تكتفي بتسجيل موقف فقط؟.
لكن ما هو أخطر من كل هذا، هو أن تركيا بهذا الموقف تشجع التتار أكثر على التمرد على الواقع الجديد، ومن خلفهم كل من تنفتح شهيته على «الجهاد» من جنسيات العالم أجمع، من خلال تكرار خطئها في سوريا.
ولكن هذا المرة سيكون في القرم عبر تشجيع المجموعات «الجهادية» على مقاومة الهيمنة الروسية الجديد فتنفتح جبهة «جهاد» جديدة ضد روسيا وبدعم تركي؛ وهو ما لمّح اليه زعيم التتار في القرم مصطفى جميل أوغلو، في لقاء مع صحيفة «فايننشيل تايمز» في التاسع من آذار الجاري. فهل تفتح تركيا على نفسها جبهة مخاطر جديدة كما فعلت في سوريا وتحصد النتيجة نفسها: الفشل؟.

الثلاثاء، 18 مارس 2014

خيوط اللعبة | قطر والسعودية وأوكرانيا وواشنطن ساهمت في سقوط يبرود 

    مارس 18, 2014   No comments
سامي كليب
سقطت يبرود. لم يُحدث سقوطها ضجّة كبيرة في الإعلام العربي والغربي. كأنما أُريد لهذا السقوط أن يمرّ بأقل ضجة إعلامية ممكنة. الضجيج الإعلامي يُحرج حلفاء المعارضة السورية والمسلّحين. كيف ستُبرر دول كالسعودية وقطر وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها هذا الاختراق الاستراتيجي في صراع المحاور؟
جاء حدثان ساهما في تحويل الأنظار عن السقوط: استفتاء في القرم لمصلحة روسيا، وتفجير إرهابي في البقاع.
يطرح سقوط يبرود بهذه السرعة القياسية جملة من الملاحظات، أبرزها الآتي:

ــــ بات الجيش السوري وحليفه الأبرز حزب الله قادران، ببساطة لافتة وبأقل خسارة ممكنة، على السيطرة على منطقة استراتيجية كيبرود حين يقرران ذلك.

هذا يعني أن استراتيجيتهما القتالية تطوّرت على نحو كبير في العام المنصرم. يعني، أيضاً، أن هذا التطور ينذر باحتمال السيطرة قريباً على مناطق أخرى في سوريا. هذا سيحدث.
ــــ باتت الجماعات والكتائب العسكرية الأخرى في وضع معنوي صعب. ساهم في الأمر اقتتال هذه الجماعات لأشهر طويلة قبل يبرود، والعجز عن توحيد قيادة عسكرية، واشتداد عصب الجيش السوري، وانحسار البيئة الحاضنة التي باتت تريد عودة الدولة، واختفاء الفساد لدى بعض ضباط الجيش السوري. فساد ساهم في بداية الحرب السورية بتسليم مناطق ومستودعات كاملة.
ــــ ثمة تخلٍّ أميركي سيزداد في المرحلة المقبلة عن هذه الجماعات المسلحة لثلاثة أسباب، أولها العجز عن إسقاط النظام بالقوة، وثانيها القلق الكبير من الإرهاب الذي استحكم بالمسلحين، وثالثها عدم الثقة بالدول المموّلة لجهة التمييز بين الإرهابي وغير الإرهابي. فضلاً طبعاً عن رغبة واشنطن بعدم قطع خيط التفاوض والتقارب المهمين مع إيران.
ــــ مبادرة السعودية إلى وضع «النصرة» و«داعش» و«القاعدة» على لوائح الإرهاب ساهمت في تشتيت المسلحين وزرع البلبلة بينهم وارتفاع منسوب القتال. كانت الرياض راغبة في سحب ورقة محاربة الإرهاب من يد السلطة السورية وإيران وحزب الله، فإذا بها تضعف القدرات القتالية للمسلحين وتزعزع معنوياتهم.
ــــ الاشتباك السعودي ــــ القطري الذي انتهى بسحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، وإدراج الرياض جماعة «الإخوان المسلمين» على لائحة المنظمات الإرهابية، أحدثا بلبلة في صفوف معارضة الخارج التي كانت تمر عبرها عمليات التمويل والتسليح. ما يتسرب عن اجتماعات المعارضة يوضح حجم التباغض وتبادل الاتهامات حول المسؤولية عن الخسارة.
ــــ إرسال قطر إشارات إلى احتمال تغيير الرياح حيال سوريا والتقارب الكبير مع إيران، جعلا «جبهة النصرة» وبعض التنظيمات المسلحة التي قيل إنها قريبة من الدوحة تعتقد أنها باتت بلا غطاء ولا تمويل. بدأ قسم من الجهاديين يعودون إلى بلادهم أو يهربون من ساحات القتال لمجرد رؤية جنود الجيش السوري أو مقاتلي حزب الله.
ــــ نجاح إيران في جذب تركيا صوبها، إضافة إلى الأزمات المتلاحقة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الداخل، بدأ يلقي بظلاله على الدور التركي الفاشل في سوريا. كان من نتيجة ذلك أن الجيش التركي صار يضيّق الخناق على المقاتلين السوريين الموسومين بالإرهاب. ثمة معلومات عن أن الأمن التركي بدأ يضرب بعض العابرين عبر حدوده، حتى ولو لم تثبت ضدهم تهمة الإرهاب.
ــــ التحوّل الإعلامي والسياسي الدولي صوب أوكرانيا جعل الجيش السوري وحلفاءه يشعرون بأن الفرصة مناسبة لتسريع وتيرة الحسم من جهة، كذلك إن المعلومات المسرّبة من مقربين من الرئيس فلاديمير بوتين توحي بأن الرجل صار يرى في ورقة الحسم العسكري في سوريا سنداً له في معركته في القرم.
من المفترض، وفق الاستراتيجية العسكرية السورية، أن تستمر وتيرة إسقاط المناطق الكبرى على نحوها الراهن. سيكون ذلك بعمليات عسكرية نوعية كالتي شنها الجيش السوري وحزب الله، أو عبر مصالحات وعمليات استسلام. القرار المركزي هو السيطرة على المناطق الكبرى والاستراتيجية قبل الانتخابات الرئاسية في الصيف المقبل.
إذا كان البعض يرى في إسقاط يبرود ومناطق القلمون مشروعاً تقسيمياً عبر ربط الساحل السوري بدمشق، فإن خريطة المعارك المقبلة تناقض ذلك. حلب مقصودة بالخطط المقبلة، وكذلك دير الزور، وغيرهما. لا رغبة في إجراء الانتخابات الرئاسية من دون حلب.
بناءً على ما تقدّم، تبدو المنظومة العسكرية للمسلحين في وضع صعب، والغطاء الدولي والإقليمي في وضع أصعب. لكن السؤال الأخطر المطروح حالياً: ماذا ستفعل إسرائيل بعدما رأت أن تحالف إيران وسوريا وحزب الله وحلفائهم ضَمِن لجيوش هذه الدولة ومقاتليها قدرة عالية على القتال في مناطق صعبة أو في غير أرضهم المعهودة؟
لا شك في أن إسرائيل وحلفاءها أكثر القلقين، ذلك أن الحسم العسكري في سوريا يعني، أولاً، انتصاراً لمحور المقاومة من إيران إلى الضاحية الجنوبية، وثانياً إن إسرائيل ستكون في مواجهة جيوش ومقاومات لم تعهدها من قبل.
تحرّشت إسرائيل قبل فترة بسوريا وحزب الله لرصد احتمالات الرد. جاءها الرد من قلب فلسطين عبر صواريخ الجهاد الإسلامي المدعوم إيرانياً ثم من حدود لبنان. كانت الرسالة واضحة: نقل المعركة مجدداً إلى قلب إسرائيل قائم إذا ما سعت إلى قلب التوازن العسكري على الأرض السورية.
بهذه المعاني، بالضبط، كانت معركة يبرود استراتيجية بامتياز ،حتى ولو أن بعض الرد عليها سيكون عبر عمليات إرهابية في لبنان وسوريا. القيادة السورية تقول إن ما قبل يبرود ليس كما بعدها.

الاثنين، 17 مارس 2014

الأزمة السورية تدخل عامها الرابع: إرتداداتها عسكريا، سياسيا، عقائديا... رأي الإخوان، الواقع كما هو، ومستقبل الشرق الأوسط والدين والسياسة

    مارس 17, 2014   No comments
الأزمة السورية تدخل عامها الرابع: إرتداداتها عسكريا، سياسيا، عقائديا... رأي الإخوان، الواقع كما هو، ومستقبل الشرق الأوسط  والدين والسياسة

رأي الإخوان:

__________________________
يبرود.... بين غدر الأصدقاء و كيد اليهود!
د. خالد حسن هنداوي

قبل ثلاثة أيام ناشد رئيس الائتلاف لقوى الثورة السورية والمعارضة أحمد الجربا من يسمون أصدقاء سورية للوفاء بوعودهم ومد الجيش الحر بأسلحة نوعية للثبات في وجه شبيحة الأسد ومليشيات إيران والعراق وحزب الله ومن لف لفهم خاصة بعد أن تزود بالتقارير التي وصلته من بعض جماعات الثوار أن وضع مدينة يبرود في القلمون على خطر شديد بسبب نقص الأسلحة والذخائر التي نفذ أكثرها بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من القتال الضاري والصمود الأسطوري.

ولكن الوعود كانت كمواعيد عرقوب لم يف بها أحد من أصدقاء سورية حتى الكتائب الأخرى في ربوع سورية حيث هي بأمس الحاجة أن تدافع عن نفسها وتصد هجمات المعتدين في المواقع الأخرى الساخنة خصوصاً في حلب وريفها وريف حماة وحمص حالياً وهكذا فما كان متوقعاً حدث كما هو الحال في سقوط القصير بريف حمص والسفيرة بريف حلب للأسباب ذاتها.

وتلك سنة كونية إذ من غير المعقول صمود كتائب الثوار بأسلحتها العادية وذخائرها المحدودة غير الممدودة أمام قصف الجو والبر والبحر والبراميل المتفجرة والصواريخ البركانية الحارقة التي تدمر أبنية بل أحياء بكاملها فقد كنت أتبادل الحديث مع بعض القيادات السياسية للثورة بمن فيهم أحمد الجربا فيؤكدون أنهم يتعرضون لضغوط دولية وأن الدول الصديقة حتى العربية تحجب أي سلاح نوعي لأن التماسيح الكبار لا يسمحون لها ويحذرونها إن عصت ذلك ثم ينشئ أحدهم ليقول:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد

ويردد سياسي آخر قول جان جاك روسو: علينا أن نقبل أصدقاءنا على علاتهم!

لكنني كنت أجيبهم: أما فهمتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) وعلينا أن نتعلم ونأخذ الدروس فهاهم الأصدقاء الألداء كم خدعوكم وخذلوكم في مواقف سابقة قالوا كثيراً ووعدوا ولكنهم لم يفعلوا وما وفوا بوعودهم. وإنما الصديق عند الضيق كما يقول المثل العربي وإن هؤلاء – لعبا منهم – يقولون لكم إذا وافقت دولة على منحكم أي سلاح نوعي فلا بد للدول الأخرى التي وعدت والتقت بكم في باريس مؤخراً باسم هذه الصداقة أن توافق جميعاً ليتم تنفيذ تلك الدولة وعدها مما يعتبر ضحكاً على الذقون وأنى لذلك أن يدخل في العقل إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط ولذلك كان فولتير يقول: كل أمجاد العالم لا تساوي صديقاً صادقاً فأين هو الصدق معكم يا من تناشدونهم ولكن تسمعون جعجعة ولا ترون طحناً وهل يعرف الأصدقاء الحقيقيون إلا عند المحنة وهكذا أصبحتم كالمستجير من الرمضاء بالنار وما الذي يدريكم حقيقتهم فإن معظم هؤلاء الأصدقاء إن لم يكن كلهم إنما هم من الأعداء الكاذبين الذين لا يخضعون إلا لأوامر اليهود وأجنداتهم واليهود اليوم هم أشد حرصاً من أي وقت مضى على التمسك بالأسد المقاتل بالوكالة عنهم كي يضمن بقاءه في الكرسي بعد ترشحه للرئاسة. ومن ثم يزيد في اطمئنانهم على السلام الحقيقي والتقرب الكامل مع الغرب خصوصاً بعد علاقة أمريكا والغرب بإيران ويصبح حالنا كما قال المتنبي:

إذا انقلب الصديق غدا عدواً مبيناً والأمور إلى انقلاب

أما انقلب السيسي على مرسي وما كان الأخير يظن أن ذلك سيكون. إن إخوانكم الذين قاتلوا في يبرود القلمون قد ثبتوا رغم زمهرير الشتاء المعروف في يبرود بل إن كلمة يبرود نفسها إنما تعني بالآرامية البرد بينما الصداقة الحقيقية لا تتجمد في الشتاء كما يقول المثل الألماني – فماذا نقول لكم بعد خراب البصرة!

وطالما أن تل أبيب تفضل بقاء نظام بشار الأسد لاعتبارات جيواستراتيجية أنها معنية باستمرار حالة الاستقرار السابقة السائدة منذ أربعين عاماً في عهد الأب والابن على حدودها فإن الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمحاضر بالجامعة العبرية (موشيه معوز) يرجح الانحياز للأسد بل يشير إلى ما قاله رئيس الجناح السياسي الأمني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد في مؤتمر هرتزليا الأمني العام الماضي: إن "إسرائيل" تتبنى الرأي الذي يقول: إن سقوط الأسد سيفضي إلى كارثة عليها نتيجة تشكيل إمبراطورية إسلامية في الشرق الأوسط يقودها الإخوان المسلمون في مصر والأردن وسورية ويتفق معه المعلق الأمني البارز يوسي ميلمان الذي يؤكد قلق "إسرائيل" البالغ من تنامي الجماعات الإسلامية على حدود هضبة الجولان ويقول إن "الإسرائيليين" ظلوا صامتين في مؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا عما يجري في سورية ميلاً إلى الأسد فقط: نعم إنهم أصبحوا يخافون من الإسلاميين والعلمانيين والمستقلين القادمين الجدد للحكم ولا يرضون إلا بمثل حافظ أسد وبشار اللذين حافظاً على حدودهم وأمنهم حتى استطاعوا التوسع في المستوطنات. وهم يأملون اليوم أن يصيروا سادة علينا لنفرش لهم سورية بالرياحين فعلى ماذا تعولون يا قواد الثورة من أصدقاء سورية الذين تكونت مجموعتهم من سبعين بلدا أبرزهم من البلاد العربية التي تتزعمها المغرب لحل القضية السورية خارج مجلس الأمن بعد فيتو روسيا والصين وكم هاجم فابيوس وزير الخارجية الفرنسي في باريس نظام الأسد وأكد أنه لن يكون للأسد دور في مستقبل سورية ووافقه وزراء خارجية الدول الأعضاء الـ 11 في المجموعة مؤكدين أن هذا الأمر محسوم بينما هم اليوم لا ينبسون ببنت شفة.

بل قد كان جاء من المجموعة أن أية انتخابات رئاسية يجريها النظام السوري ستعتبر لاغية! وإن المجموعات المقاتلة مع النظام وعلى رأسها حزب الله يجب أن تخرج من سورية فما الذي يحدث يا ترى ومن نصدق؟ ثم تأتي الخارجية الأمريكية أمس لتصرح أن الأسد فقد شرعيته لقيادة شعبه. وكم قالت ذلك من قبل؟ ومتى جاء هذا التصريح الذي هو لذر الرماد في العيون؟ أبعد سيطرة النظام على يبرود الملتهبة في البرد القارس بواقع عشرين غارة وست براميل متفجرة يومياً فلك الله يا يبرود كم صنعت من الأبطال منذ انحزت إلى الثورة بعد شهر من نشوبها وبقيت محررة حتى غزاك لئام الجبناء فترجلت جريحة في 16-3-2014 بعد ذكرى مرور ثلاث سنوات تماماً على هذه الثورة المباركة ولم يشفع لك أنك استضفت العوائل الهاربة من لبنان من أتباع حزب الله في حرب 2006 لأنه كما قال الشاعر:

ولا ترج السماحة من لئيم فما في النار للظمآن ماء

ومتى يأخذ الوعي دوره وحقه يا قواد الثورة ومتى نحترس ونحذر من الأصدقاء الأعداء:

احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصد يق فصار أولى بالمضرة

وهل ستضيع يبرود بين مكر الأصدقاء وكيد اليهود؟!

___________________

مسؤولية الغرب المباشرة في احتلال يبرود

د. عوض السليمان
لا يخفى على متابع أن بشار الأسد بدأ يستعيد بعض السيطرة على الأرض في سورية بعد تسليمه السلاح الكيماوي للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يشك أحد في أن جميع الأصوات المنادية بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية قد خفتت وبالكاد نسمع حسيسها.

وكلا الأمرين طبيعي، إذ لا يعتقد عاقل أن الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب عازمون على إسقاط الأسد، وذلك مع انطلاق الثورة السورية، فكيف بعد أن قدم الأسد سلاح الشعب السوري للعدو.

إن ما يحققه الأسد للولايات المتحدة وحلفائها أكبر بكثير من أي مصلحة قد تتحقق بإسقاطه أو إبعاده عن الحكم. فالرجل قد دمر سورية كلها في ثلاث سنوات وقتل مائتي ألف شهيد واعتقل خمسمائة ألف سوري كما شرد عدة ملايين.

وما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ولا الكيان الصهيوني ولا الغرب كله مجتمعاً ليفعل بسورية أكثر مما فعله بشار الأسد، وبالتالي فأي مصلحة تلك التي قد تكون أكبر من الإبقاء على نظام الأسد في دمشق.

توقعنا في الشهر الثامن من العام الماضي أن قتل الأسد لأكثر من ألف شخص في الغوطتين بالسلاح الكيماوي، سيثمر عن صفقة غربية مع الأسد تقضي بأن يسمح العالم للأسد بقتل من يشاء وتدمير كل البنى التحتية في سورية والقضاء على الشجر والبشر مقابل تسليم ذلك السلاح.

ما المصلحة الأمريكية في تدمير السلاح الكيماوي السوري؟ بالطبع كي لا تصل تلك الأسلحة لمن قد يستخدمها ضد الكيان الصهيوني، فالأسد كان في مرحلة انهزام عسكري وأخلاقي في البلاد، وخشي الغرب على أمن "إسرائيل" من خلال وقوع الأسلحة بيد الثوار، ولهذا قرر تدميره تحت التهديد بضربة عسكرية لنظام بشار الأسد.

إذاً، كانت القوة ممكنة من أجل التخلص من السلاح، ولكنها غير ممكنة على الإطلاق عند قتل مئات الآلاف من المدنيين.

ليس هذا فحسب، فكم من مدينة إستراتيجية سقطت بيد نظام الأسد بعد تحريرها من قبل الثوار بسبب القصف الجوي بالبراميل. ويبرود خير دليل على ذلك. لو أراد الغرب الحفاظ على دم الشعب السوري والمدنيين في سورية، ولو أراد إسقاط الأسد بالفعل كما يدعي لفرض منطقة حظر جوي فوق سورية كما فعل بالعراق على سبيل المثال.

لو أن حظراً جوياً فرض على نظام الأسد، لما سقطت يبرود بيد الشبيحة هذا اليوم. فقد تعرضت المدينة في الأسابيع الماضية لأربعين غارة جوية يومياً بالبراميل المتفجرة. ولا نشك في أن الغرب والولايات المتحدة يدركان أهمية يبرود من الناحية الجغرافية الإستراتيجية للثوار.

وإذا اتفقنا أن الغرب يعلم ذلك جيداً فما الذي منعه من فرض منطقة الحظر الجوي لحماية مكاسب الثوار على الأرض، ناهيك عن وقف تدمير حلب وحمص ودرعا وغيرها.

وإذا كان الغرب يعرف أن موقف النظام العسكري سيتحسن بعد احتلال يبرود، وكذلك موقف إيران وحزب الله، فأي تفسير في عدم مساعدة الثوار إلا رغبته في مناصرة من يدعي كذباً أنه يحاربه.

لم تمنع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب منطقة الحظر الجوي فحسب، بل منعت وصول الصواريخ المضادة للطائرات إلى الثوار، بل وأوعزت إلى أدواتها في المنطقة باعتبار جبهة النصرة والإخوان المسلمين جماعات إرهابية، وهم يعلمون أن جبهة النصرة هي إحدى أهم الفصائل المقاتلة في القلمون، فكيف بعد ذلك يظن عاقل أن مثل هؤلاء قد يقفون مع الثورة السورية ضد بشار الأسد.

_____________

المراقب العام لإخوان سورية: "داعش" صناعة إيرانية.. ونشكر تركيا حكومة وشعباً
حاوره في اسطنبول: مجاهد مليجي

* كيف ترى الدور التركي في دعم نضال الشعب السوري؟

** لاشك أنّ مو قف تركيا من أقوى المواقف الدولية الداعمة لنضال الشعب السوري للخلاص من النظام القمعي الدموي الذي يعمل القتل ليل نهار في أبناء شعبه دون توقف أو رادع من المجتمع الدولي.

كما أنّنا نوجّه الشكر لهذا الموقف النبيل والشهم لتركيا حكومة وشعباً على دعمهم الرئيسي للشعب السوري على مستوى رعاية اللاجئين في مختلف المخيمات على الحدود السورية التركية وفي داخل تركيا، إضافة إلى الجهد التركي المتميز في مجال تقديم أعمال الاغاثة وتيسيرها لأبناء الشعب السوري، بغضّ النظر عن الدعم السياسي والدبلوماسي الذي توفّره تركيا لقضية الشعب السوري والذي يعدّ من أقوى مواقف الحكومات الإسلامية .

* ما هو الدور الفعلي الذي تقوم به جماعة الإخوان المسلمون اليوم على الساحة السورية؟

** حقيقة على أرض الواقع نقوم بدعم المجموعات ذات الفكر المعتدل في وقوفها ودفاعها عن الشعب السوري في الداخل، ونسعى لتجميع هذه القوى علها تعمل مشتركة خطط واحدة وعمل مشترك.

* كيف يكون الدعم هل يقتصر فقط على عناصر الإخوان ومؤيديهم؟

** إطلاقا.. فنحن نقدّم الإغاثة والدعم لكلّ أبناء الشعب السوري الذين يعيشون ظروفاً صعبة للغاية، وتأخذ هذه المساعدة عدّة أشكال أهمها المالية؛ لأنّ هذه الفصائل بحاجة إلى مصاريف متنوعة ونسعى لدعمهم بهذا، ومن خلال أعمال الإغاثة بالمواد الإغاثية المباشرة، وعندنا عدد من الجمعيات التي تعمل في هذا المجال، مثل جمعية العطاء الإغاثية، والأيادي البيضاء، والجمعية السورية للإغاثة والتنمية، وكلها تعمل على إغاثة الشعب السوري ونذّكيها لدى الآخرين لثقتنا في أعمالها وفي المشرفين على هذه الجمعيات وبالطبع أعمال الإغاثة للشعب السوري ولا نميّز بهذا أبدا.

* لابد أنّكم كنتم على صلة بالائتلاف، ما هي تفاصيل المحادثات التي دارت في جنيف بين أعضاء الائتلاف وبينكم والتي يمكن الاستفادة منها؟

** الحقيقة في جنيف ما حصل هو مهزلة، والوفد السوري لنظام الأسد أتى لمضيعة الوقت، وأستطيع أن أقول إنّها مهزلة حقيقية، فالوفد السوري أتى لمضيعة الوقت وهذه قناعتنا السابقة كإخوان مسلمين ولمعرفتنا بطبيعة النظام السوري، وأصل الدعوة أتت لبحث بنود اتّفاق "جنيف1" والذي البند الرئيسي فيه هو تشكيل حكومة أو هيئة انتقالية لحكم البلاد، والوفد السوري رغم أنّه أتى بدعوة تنصّ على هذا البند؛ إلا أنه رفض بحث هذا البند، وأراد بحث موضوع آخر وهو الارهاب. ولذلك لم يحصل أيّ حوار حقيقي في جنيف، ووفد الائتلاف المعارض كان مصرّاً على بحث البند الرئيسي حول الهيئة الانتقالية التي تمّت الدعوة للمؤتمر على أساسه. فكان المؤتمر مضيعة للوقت كما قلت.

*ما هي التفاصيل المسكوت عنها في هذه اللقاءات على هامش المؤتمر وفي داخل جلساته؟

** لم يحصل أي لقاء حقيقي حتى يكون هناك تفاصيل، فلا يوجد أيّة تفاصيل لأنّه لم يحدث أي تفاوض مباشر أو حقيقي أو جاد، وكلّ ما في الأمر أنّ موقفنا كإخوان مسلمين كان واضحاً منذ البداية بأنّ نظام الأسد لا فائدة مطلقاً من الحوار معه، ولكن الائتلاف المعارض الإخوان جزء منه، أخذوا قراراً بالأغلبية بالمشاركة في "جنيف2"، ونزل الإخوان على رغبتهم، حيث كان هناك ضغط دولي على الائتلاف لكي يحضر ،وتجاوب الائتلاف مع هذا وما أراد أن يجابه الدول كلها، وشاركوا ولكن ثبت بعد ذلك للجميع أن لا فائدة مع هذا النظام بتاتاً، وأنّ من أفسد المفاوضات هو النظام السوري.

* طيب ما هي تفاصيل ما دار من أمور في الغرف المغلقة سواء بين أعضاء الوفد السوري المعارض وبين الوساطات؟

** الدول التي حضرت 11 دولة ووفودها كلّها حاضرة، وكانوا يضغطون على النظام لكي يدخل في حوار جاد ويبحث بنود "جنيف1"، ولكن النظام السوري يعرف أنّه إذا دخلوا في مناقشة جادة في بنود "جنيف1" حول موضوع الهيئة الانتقالية فإنّه يعني إبعاد الأسد وعصابته عن الحكم ولذلك رفض تماماًـ وأنّه هو الذي سيخسر بينما هو يريد أن يبقى في السلطة، وكل الوفود المشاركة بما فيهم الروس كانوا يضغطون على النظام السوري ولكن دون جدوى ؟... فالدول الغربية كانووا يريدون أن يصلوا إلى أيّ نتيجة.

* كيف ضغط الروس على النظام؟

** الروس ضغطوا على النظام ليحضر وليقبل ببحث الهيئة، لا أظنّ أنّ هناك أية تفاصيل. لا توجد تفاصيل تستأهل ذكرها.

* الإخوان حضروا في مؤتمر جنيف؟

** لم نشترك في المفاوضات، ولكن الهيئة السياسية للائتلاف عقدت في جنيف، وذهب ممثّل الإخوان في الائتلاف فاروق طيفور ليمثلنا في اجتماع الهيئة السياسية ليس أكثر من ذلكـ والحقيقة لم نشارك ولكن سمعنا فقط في هذا الاجتماع وكانوا يبحثوا مسار المفاوضات، كما شاركوا في اجتماع الوفد مع الوفود الغربية التي حضرت للمتابعةـ وسارت حوارات بين الهيئة السياسية للائتلاف ووفود الدول الغربية التي حضرت إلى جينف لتكون على هامش المؤتمر.

* هل هناك تفاصيل حدثت في هذه اللقاءات وحضرها ممثلكم فاوق طيفور وحكى لكم عنها يمكن ذكرها لنا؟

** المعنى الذي كان يؤكد عليه ممثلنا في اجتماعات الهيئة السياسية للائتلاف هو أنّ الغرب غير جاد في إنهاء الوضع الحالي في سورية ومتخاذل ومقصر ؛ بل وشريك في هذه الجريمة. وقد كان قيل لهم جميعاً إنّهم متخاذلون لأنّهم حقيقة في قضية الكيماوي استطاعوا الضغط على النظام وأجبروه على تسليم الكيماوي، أمّا البراميل المتفجرة فلا يريد الغرب التحرك لإنهائها رغم بشاعة تأثيرها، ولذلك فإنّ ممثلنا وعلى لسان الإخوان أخبرهم أنّهم شركاء في هذه الجريمة وليس من المعقول أنّهم لا يستطيعون الضغط على النظام لوقف البراميل المتفجرة، هم يستطيعون وهذا الموقف منهم غير معقول أو مقبول.

* عند مواجهة الوفود الغربية بحقيقة تخاذلهم وأنّهم شركاء في جريمة إبادة الشعب السوري، ماذا كانوا يردّون بحسب ما ذكره أستاذ طيفور؟

** كانوا يضعون وجوههم في الأرض هروباً من الإجابة، ويقولون إنّنا سنعود إلى حكوماتنا ونبلغهم بذلك ونبحث معهم الموقف.

* ما هي الأمور التي لم يذكرها الإعلام في محادثاتكم مع الوفود الغربية سواء في جنيف أو غيرها بشكل عام؟

** في جنيف أؤكد لك أنّ في اجتماع الهيئة السياسية للائتلاف هاجمنا مواقف الغربيين بقوة وبصراحة شديدة على تخاذلهم، وهذا ما لم يتناوله الإعلام أو يذكره، وهذا بعيداً عن المشاركة في المؤتمر.

* ما هي أهمّ القضايا التي طرحت في الغرف المغلقة ولم يتناولها الإعلام؟

** هذا قيل للوفود الغربية بصراحة وهم كانوا يسكتون ويتهربون من المواجهة..هذه لم يتكلم عنها الإعلام. ولم يشارك في الوفد ولكن لحضور اجتماع الهيئة السياسية التي عقدت على هامش المؤتمر، وثبت صحة وجهة نظرنا.

* ما هي التفاصيل التي أثيرت في "جنيف 2" ورفضها النظام الدموي بقوة؟ ولماذا؟

** مناقشة بنود "جنيف 1" والدعوة التي وجّهها الأخضر الإبراهيمي دعاهم لمناقشة تنفيذ مقررات "جنيف1" والنظام عندما جاء يعرف لماذا أتى ورغم ذلك أفسد المؤتمر.

* ما هو الدور الذي يقوم به مراقب الإخوان لدعم وخدمة القضية السورية على أرض الواقع بشكل عملي في العواصم العالمية؟

**نحن خارج سورية، لست أنا فقط ولكن كلّ الإخوان السوريين وغير الإخوان، فالكل جزء من الشعب السوري، ونحن كإخوان جزء من هذا الشعب السوري ونسعى لشرح القضية السورية والتواصل مع الأحزاب والمؤسسات المجتمع المدني في الدول الأوربية لخلق رأي عام لمواجهة تخاذل الأنظمة.

كما أننا نكثف من طلب الدعم للجمعيات،وساهمنا في إيجاد مظلة سياسية في المشاركة في المجلس الوطني والائتلاف ومع جميع التحالفات السورية على مستوى العالم، فنحن نسعى لتوحيد المعارضة والمجموعات المقاتلة المعتدلة على الأرض أيضاً من كل الأطياف، واستطعنا لتجميع المعارضة في الخارج ونسعى للإغاثة على الأرض، وكانت المجموعات الرئيسية في المجلس الوطني ابتداءً ثم بدأ التوسع في الائتلاف حتى وصل إلى شكله الحالي بفضل جهود الإخوان التجميعية والحريصة على توحيد المعارضة.

* البعض عبر عن احتمالات انعقاد مؤتمر الائتلاف السوري المعارض القادم بالقاهرة، هل ترى ذلك ممكنا؟

** جرى كلام عن انعقاده في القاهرة ولكن لم يتم البتّ فيه نهائيا.. ولكن لا يوجد عندي معلومات، وإذا تم في القاهرة لن يشارك الإخوان؛ لأنّ الاوضاع في القاهرة لا تتناسب مع الوضع الحالي في سورية، وأستبعد أن يعقد في القاهرة، اللهم إلا إذا ذهبت بعض الوفود، ولكن مؤتمر عام للائتلاف لا أعتقد.

* يتعرض الإخوان في سورية لهجمات منظّمة من خصومهم السياسيين على غرار ما تعرّض له الإخوان في مصر وتونس وليبيا وغيرها من الاتّهامات المتداولة من أنّكم إقصائيين وأنّكم لا تتعاونون مع الآخر، وأنّكم تريدون الاستحواذ وغيرها من الاتّهامات، فما هي أنسب السبل للتعاطي مع ذلك من وجهة نظركم؟

** نحن قرّرنا ألا ندخل في مهاترات مع أحد، وألا نرد على من يتهمنا مباشرة، وإنما نعمل على شرح مبادئنا وسياستنا عبر مواقفنا وتوضيحها عبر وسائل إعلامنا من صحافة ومجلات وغيرها من الإعلام والعمل الميداني على الأرض، وأبناء الشعب السوري بنفسهم يرون ويقيّمون. وفي الحقيقة لولا دور الإخوان ما تأسّس المجلس الوطني، ولا الائتلاف السوري المعارض الحالي، وعددنا في تشكيل المجلس الوطني أو الائتلاف وسط بقية المعارضة محدود جداً، وليس شرط أن يكون لنا سيطرة أو قوة رئيسية كما يروّج البعض. وعندما تشكّل المجلس الوطني، تنازلنا عن جزء من حصتنا ومن مقاعدنا لصالح مجموعات صغيرة لم تحصل على مقاعد، فهدفنا دوماً التوحيد والتجميع وليس السيطرة كما نتهم.

* من الاتّهامات التي توجّه لكم أنّكم تقولون إنّ الفضل لكم في عمل كل شيء، وكأنّ غيركم لن يستطيع فعل ذلك؟

** هذه حقيقة أنّ الإخوان بالفعل بذلوا جهوداً كثيرة، هل هذه سلبية؟!.. فكما تعرف أنّه في سورية لم يكن هناك حياة سياسية، ولم يكن هناك أحزاب، اللهم إلا الإخوان وحدهم الذين استطاعوا أن يحافظوا على كيانهم، وعندما بدأت الثورة استطاعوا أن يلملموا شتات الشعب السوري، ونحن كجماعة منظّمة وكيان متماسك أقدر من الأفراد على فعل هذا وهو شيء طبيعي.

* أمامكم ثلاثة أو أربعة نماذج عربية.. تونس واليمن وليبيا ومصر، أيّ النماذج ترونها أقرب لكم في سورية؟

** شعبنا لازال في ثورة، ونحن لم نصل بعد إلى تحرير سورية، وعندما تتحرر سورية يمكن أن نتحدث، فوضعنا مازال مختلفاً طبعا؛ لأنّ هناك ثورة، والدول التي ذكرتها انتهت مراحل ثورية فيها أو مرّت بمراحل ثورية لم تمرّ سورية بها بعد، كما أنّنا لم نصل إلى مرحلة الحكم بعد وإن كنّا نسعى للمشاركة في العملية الديمقراطية في سورية المستقبل، ولكنّنا لن نحكم منفردين ونريد أن نتعاون مع الجميع في حكم سورية، ويجب أن تشارك كل فئات وطبقات الشعب السوري في حكم بلدهم ولا إقصاء لأحد لا لقوميات ولا لطوائف، وكفى حكم الحزب الواحد، والقائد الأوحدـ وهذا النموذج يجب أن ينتهي، وهذه سياستناـ فسورية ملك للجميع بمن فيهم العلويين المناوئين للنظام الحالي، فالكل مواطنين سوريين ومن حقهم أن يشاركوا في حكم سورية، ولا إقصاء لأحد لأ لقوميات ولا لطوائف.

* ما هو الموقف المعلن للإخوان في سورية من الأكراد والقضية الكردية؟

** لا تحفّز، ونحن التقينا بالأحزاب الكردية وتحاورنا وليس هناك موقف من الأكراد، وشاركوا في الائتلاف، اللهم إلا بعض المتطرفين بيننا وبينهم خصومة، اللهم إلا بعض المتطرفيين مثل الـ "بي ك ك"، وعلى العكس دعيت دعوة رسمية إلى كردستان العراق، وعلى العكس بيننا وبين الأكراد علاقة طيبة.

* هل أثّرت الأوضاع الحالية في مصر عليكم في سورية؟ وكيف؟ وما هو دوركم في تجاوز تلك الآثار على أرض الواقع؟

** مبدئياً هذه التجربة مفروض نستفيد منها، ونحن ابتداءً نتكلّم عن ديمقراطية، فنحن ضدّ ما حصل في مصر، ليس لأنّه انقلاب على الإخوان، ولكن لأنّه انقلاب على الديمقراطية، ولم يعد ذلك مقبولاً لا عندنا ولا عند الشعوب العربية. ونحن عندما نقول إنّنا نقبل بصناديق الاقتراع فنحن صادقون ولن ننقلب عليه. وموقفنا عنتدما سئلت في بعض العواصم الأوربية هل تقبل بمسيحي رئيساً، فقلت لهم أليس مواطن سوري جاءت به صناديق الاقتراع نقبل به، أمّا الانقلاب على صناديق الاقتراع أمر نرفضه لأنّه ضدّ مبادئنا وأخلاقنا.

* ماذا تتعلّمون ممّا حدث في مصر، هل أصابكم بالإحباط؟

** أبداً، لم يصيبنا بالإحباط، ولكنّه أفادنا بضرورة أخذ الدروس والاستفادة، وكان يجب أن يهتم الحكم في مصر بتنظيف الأجهزة من بقايا النظام الديكتاتوري التي تآمرت عليه وانقلبت عليه، ونحن نستفيد بضرورة تنظيف الأجهزة، ويجوز الإخوان في مصر تأخروا في هذا ولم ينتبهوا لخطورة ذلك وقصّروا في هذا.

* هل الانقلاب الدموي في مصر أعطاكم دفعة للأمام أم للخلف؟

** لم يؤثّر بشكل مباشر على الساحة السورية، ومازال النظام السوري مصراً على إجرامه والشعب السوري مصرّ على أخذ حقوقه ونيل حريته.

*ما هي انعكاسات الأحداث في أوكرانيا عليكم؟ وكيف تواجهون آثارها عمليا؟

** ما حدث لم يؤثّر بشكل مباشر، لأنّه مازال النظام مصراً على إجرامه، والشعب السوري مصراً على نيل حريته.

* هل لكم تجربة عملية في التعاطي مع المجموعات التي ظهرت فجأة على الساحة لتفريق وتمزيق وحدة الأحرار؟

** هذه المجموعات هي جزء من النظام السوري، وهي نفسها جزء من دولة العراق والشام وهي نفسها داعش، وهذه من صناعة إيرانية، وهي أتت لإفساد الساحة الثورية في سورية، وتتحدّث باسم الثورة لتفسد الساحة على الأرض لصالح النظامـ وتربك الأمر على الأرض وهي جزء من النظام.

ورأينا ألا تهادن هذه المجموعات أبداً، وحقيقة بعد فترة كشف هذا الأمر فهي لا تخوض معارك ضد النظام، ولكنها تشتبك مع المقاومين وتستولي على المناطق المحررة، وتستولي على الغنائم وهم في الحقيقة أربكوا الساحة السنية ليتمكن المالكي وعصابته من العراق وبالفعل. انتهوا من العراق أتوا إلى سورية.

* هناك كلام عن انسحاب داعش قبل أيام قليلة من حمص وحلب، فهل ترى ذلك إعادة ترتيب صفوف؟

** داعش لم ينسحبوا من حمص ولكنهم طردوا، صحيح أنّهم طردوا من حمص وإدلب وحماة وتغلبوا عليهم ثم طردوهم بقوة من الفصائل السورية المسلحة.

* عملياً كيف تواجهون الدور الطائفي المشبوه في سورية؟ وما هي الآليات لذلك؟

** الدور الطائفي الآن في حرب، فالنظام استطاع إقناع الطائفة العلوية بأنّه الحامي لهم وأنّه إذا ذهب فالشعب سينتقم منهم، وأنّه الحامي لتجميعهم حوله، ونحن ننشر ثقافة التسامح وليس الانتقام، ونؤكّد على أنّه من أجرم في حق الشعب السوري وارتكب الجرائم يحاكمون بالقانون بعيداً عن أيّة انتقام، لأننا نريد أن ننتقل إلى دولة مدنية، ولكن النظام يخوّفهم ليبقوا ملتفين حوله، وأخطأ بعض الضباط ببقائهم حوله وارتكابهم الجرائم البشعة.

* كيف ترى الدور الطائفي في الحرب ضد الشعب السوري؟

** هذه حرب طائفية بامتياز واعتراف "حزب الله" بذلك أمراً ليس خافياً على أحد.. فـ"حزب الله" أعلن قتاله إلى جانب نظام الأسد المستبد، لا لشيء إلا لأنّه ينتمي إلى للقتال بزعم، فهي حرب طائفية فعلا، ونظام الأسد قام بتجنيد الطائفة العلوية في سورية واستدعى الشيعة من الخارج، من إيران الحرس الثوري وغيرهم، ونحن بالنسبة لإيران الآن لا نملك أن نفعل شيئاً، ولكن إذا انهار النظام فهؤلاء الغرباء سيخرجون قطعا.

* رؤيتكم في مواجهة هذه الهجمة الطائفية مستقبلاً؟

** نحن تكلمنا مع الايرانيين كإخوان مسلمين وقلنا لهم إذا انتم تركتم الساحة وتنسحبوا من الآن، وتتركوا هذا النظام وتقفوا مع الشعب السوري، ولكنكم إذا استمريتم في الوقوف إلى جانب ذبح الشعب السوري فلن يوجد سوري واحد يقبل بالحوار معكم.

ونحن لا نتحاور معهم بشكل مباشر ولكن عبر وساطات، وأبلغناهم أنّنا لن نتحاور معهم مباشرة إلا بعد أن يسحبوا قواتهم من سورية.

* من الذي كان يتوسط؟

** هم من كانوا يرسلون وسطاء وليس نحن.

* متى كانت آخر هذه الوساطات؟

** آخر هذه الوساطات كان منذ حوالي سنة، وحاولوا التواصل معناً مراراً خلال هذا العام أكثر من مرة، ولكن الطريق أمامهم مسكر تماما.

* الوضع في اوكرانيا كيف ترى انعكاساته عليكم في سورية؟

** نتأمل أن تخسر روسيا في حربها في أوكرانيا؛ لأنّ نفس الموقف وقفته في سورية هو ما حدث في أوكرانيا ضد إرادة الشعب الاوكراني .. ولكن الملفت للنظر أن المجتمع الغربي اهتمّ بأوكرانيا أكثر ممّا يجري في سورية

* لماذا؟

** أولاً هناك هدف للغرب، وهو مزيد من التدمير لسورية لصالح "إسرائيل" لأنّ أيّ حكم سيأتي لسورية بده عشر سنوات من إعادة البناء، ممّا يمثّل راحة واطمئنان لـ"إسرائيل".

والسبب الثاني أنّ معظم مراكز الأبحاث والدراسات الغربية تؤكّد أنّه إذا ما زال نظام بشار في سورية فإنّ البديل إسلامي لا محالة، وهذا خط احمر. وقناعتي لو أنّ المجتمع الغربي ضمن نظاماً موالياً له بعد الأسد لأنهى المشكلة، ويستطيع بالفعل التدخل لإنهاء هذا النظام، ولكنه غير متأكد ممّن سيأتي لحكم سورية.

* ماذا تريد أن تقول للسوريين؟

** رسالتي للسوريين أن يوحّدوا صفوفهم جميعاً في مواجهة هذا النظام، وأن يبتعدوا عن كلّ البرامج، لأن المتفق عليه بين جميع طوائف المعارضة والشعب السوري هو العمل على زوال هذا النظام ونيل الشعب حريته.

* معضلة تنوّع المعارضة ما بين الداخل والخارج هل هي ميزة أم عيب من وجهة نظركم؟

** قلت إنني أناشد الجميع بالتوحّد لأن الآن ليس وقت الخلافات، ولكن نتوحد أولاً ثم نذهب بعدها إلى الاتفاق أيضا، ولا أرى أيّ مبرّر للاختلاف. هناك فرق، فلكلّ دوره، وبالتالي من في الداخل تضحيات أكبر وصمود أكثر فلا غنى لكلاهما عن الآخر، وإنني أناشد الجميع بالوحدة، والوقت ليس وقت خلافات، ولكن وقت نضال ومواقف، والآن لا وقت للخلاف وكلنا علينا أن نوحّد صفوفنا جميعاً لمواجهة وإسقاط هذا النظام.
__________________________________
 
الرأي الآخر:
__________________________________
مسيرة «الجهاديين»... من السر إلى العلن
عبد الله سليمان علي
تعتبر شهادة المعارض السوري هيثم منّاع في 7 نيسان العام 2011 أول إشارة من نوعها إلى أن جهات خارجية كانت تعمل على إدخال السلاح إلى سوريا.
ورغم أن شهادة منّاع لم تؤخذ بالاعتبار لأسباب كثيرة، منها أن المناخ الإعلامي والسياسي السائد في تلك الفترة لم يكن يقبل بمرور أي إشارة تتعلق بالتسليح، لأن من شأنها تلويث طهارة ما اصطلح على تسميته بـ«الثورة السورية»، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن العمل لم يكن جاريا وبوتيرة متسارعة لإغراق سوريا بالسلاح، وتحويلها إلى ما أسماه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ما بعد «مغناطيس الإرهاب».
وفي الوقت الذي كانت تؤسس فيه «لجان التنسيق المحلية» و«الهيئة العامة للثورة السورية» و«اتحاد التنسيقيات» لقيادة احتجاجات الشارع السوري وتأطيرها ضمن عمل مؤسسي، ليتبين لاحقاً أن هذه اللجان والهيئات لم تكن سوى واجهة إعلامية وأداة بيد جهات خارجية سرعان ما اختفت بعد انتهاء دورها، كان الشيخ عدنان العرعور، المعروف بانتمائه إلى جماعة «الإخوان المسلمين» يطرح نفسه، عبر برنامجه على قناة «وصال»، كقائد ميداني للثورة السورية. وبعد ذلك، حظي العرعور فعلاً بمبايعة العديد من قادة الكتائب والألوية على رأسهم الرائد المنشق ماهر النعيمي، الذي لا تزال تربطه به علاقات قوية قائمة على التمويل والتسليح، بينما كان محمد رحال، وهو مقيم في السويد، يشكل «المجلس الثوري» الذي يعتبر أول تشكيل علني مبني على نزعة تكفيرية إقصائية منذ بدء الأزمة السورية. فقد أعلن بيان تأسيس هذا المجلس، في منتصف حزيران العام 2011، ووردت في مطلعه عبارة لها الكثير من المدلولات عندما نقرأها في الوقت الحالي: «الحالة الراهنة في سوريا هي حالة احتلال إيراني - صفوي يقوده حزب حسن نصر الله في لبنان بالتعاون مع عملاء الاحتلال الإيراني الصفوي من حكومة فيشي الأسدية». وقد سبق رحال كل من مأمون الحمصي، وهو عضو مجلس شعب سابق، وعبد الرزاق عيد، الذي أصبح لاحقاً عضواً في «المجلس الوطني» المعارض، حيث صرح كلاهما بوجود عناصر من «حزب الله» وإيران في درعا، وذلك في الأيام الأولى من اندلاع الأزمة في 17 آذار قبل ثلاث سنوات.
ولكن لم تكن هذه التحركات والتصريحات العلنية المفعمة برائحة الطائفية والتكفير أكثر ما يقلق في ما يجري على الساحة السورية، خصوصاً ما كان يجري تحت الأرض، حيث كانت الكثير من الخلايا تحفر أنفاقها في التربة بانتظار اللحظة المناسبة، لتطل برأسها أو نابها أو سكينها.
كان «المقاتلون الأجانب» يصلون إلى الأراضي السورية بسرية تامة، وكانت وجهتهم «كتائب أحرار الشام» التي تعتبر أول فصيل احتضن هؤلاء المقاتلين وأمّن لهم معسكرات التدريب. وكان وصول عدد من قدامى الرعيل الأول من الأفغان العرب منذ أيار العام 2011 مؤشراً مهما إلى أن ضوءاً أخضر قد أعطي لدول الجوار السوري بفتح حدودها أمام عبور قوافل «الجهاديين» للدخول إلى الأراضي السورية.
ورغم أن تشكيل «كتائب أحرار الشام» و«لواء الإسلام» سبق تشكيل «الجيش الحر» و«كتائب الفاروق»، إلا أن اسميهما لم يظهر في الإعلام إلا في وقت متأخر، وكانت العمليات التي يقومان بها تنسبها وسائل الإعلام إلى «الجيش الحر»، وهي سياسة إعلامية لا تزال متبعة حتى الآن في كثير من المعارك والاشتباكات.
من الذي كان يستدعي المقاتلين الأجانب للقدوم إلى سوريا؟ ومن كان يؤمن لهم مستلزمات القدوم؟ ومن كان يقدم التسهيلات ويزيل العقبات ويفتح الثغرات؟
عندما وصل زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني إلى سوريا قادماً من العراق، أواخر العام 2011، غادر القسم الأكبر من «المقاتلين الأجانب»، وكان عدد «كتائب أحرار الشام» بالمئات وانضموا إلى «جبهة النصرة لأهل الشام». وأصبحنا نعرف الآن أن زعيم تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو بكر البغدادي هو من أرسل الجولاني وانتدبه لمهمة تأسيس «جبهة النصرة»، وبالتالي فإن دخول الطلائع الأولى للمقاتلين الأجانب إلى سوريا إنما كان بتوجيه من البغدادي. ودليل ذلك أن معظم هؤلاء المقاتلين الأجانب لم يتردد لحظة في الانشقاق عن «أحرار الشام» والانتقال إلى راية الجولاني مندوب البغدادي، ما يشير إلى أنهم كانوا يعلمون أن انضمامهم إلى «أحرار الشام» كان مؤقتاً أو تنفيذاً لأمر قيادتهم الحقيقية.
وبينما كانت «كتائب أحرار الشام» و«لواء الإسلام» تتشكل وتنمو وتزداد أعدادها بهدوء، وعلى نحو متقن وبعيداً عن الأعين، عبر اتصالاتها مع بعض قادة الكتائب ذات التوجه الإسلامي لجذبها إلى مدارها والاندماج معها، أو على الأقل التحالف في ما بينهما، كان «الجيش الحر» يترسخ إعلامياً كعنوان عريض لعشرات، بل مئات، الكتائب والمجموعات التي كانت تتكاثر كالفطر مع اتساع جغرافيا المعارك وامتدادها من مدينة إلى أخرى ومن محافظة إلى محافظة.
أما «جبهة النصرة» فقد تمكنت خلال وقت قياسي من فرض نفسها كأقوى فصيل مسلح على الساحة السورية، وأكثرها تدريباً وتسليحاً، ولكن كانت علاقتها مع كل من «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» تعاني من فتور وعدم ثقة، وأحياناً اتهامات متبادلة، ولم تنس «أحرار الشام» أن «جبهة النصرة» هي التي سرقت منها المقاتلين الأجانب بعد أن حضنتهم ودربتهم، وبنت عليهم الكثير من التوقعات والأحلام. كذلك لم تكن العلاقة على ما يرام بين «أحرار الشام» من جهة و«لواء الإسلام» من جهة ثانية، وهذا ما تجلى بشكل واضح مع نهاية العام 2012 عندما انضم كل منهما إلى جبهة مغايرة، فانضم «لواء الإسلام» إلى «جبهة تحرير سوريا الإسلامية» بينما انضمت «أحرار الشام» إلى «الجبهة الإسلامية السورية».
وكانت المساعي الإقليمية والدولية تنصب جميعها نحو هدف واحد، هو كيفية توحيد المعارضة السياسية. وكانت جهود موازية تبذل أيضاً لتوحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة واحدة متمثلة بـ«الجيش الحر»، ولكن العام 2013 كان محملاً بمفاجآت غير متوقعة، فهو لم يفشل مساعي التوحيد وحسب، بل زاد وعمق من الانقسام والفرقة بين هيئات المعارضة السياسية من جهة وبين الفصائل المسلحة من جهة ثانية. وكان الخلاف بين الجولاني والبغدادي في التاسع من نيسان العام 2013 بداية مرحلة التدهور الكبير في العلاقة بين الفصائل المسلحة، وبرز على الساحة السورية اسم جديد هو «داعش»، والذي كان لبروزه تأثير كبير على مجريات الأحداث. فانتقلت العلاقة بين الفصائل من عدم الثقة والاتهامات الإعلامية المتبادلة إلى الاغتيالات المتبادلة، وحوادث خطف القيادات، وصولاً إلى الحرب المباشرة بينها، التي اندلعت بقوة في الشهرين الأخيرين من العام 2103. وكان أهم الفصائل المشاركة فيها هي «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«جبهة النصرة» ضد «داعش».
أما «الجيش الحر» فقد انتهى العام الثالث من ظهوره على وسائل الإعلام، ولم يتمكن حتى الآن من ترسيخ نفسه كبنية عسكرية صلبة تستطيع منافسة الفصائل الإسلامية، بل خسر الكثير من كتائبه وألويته التي سارعت إلى إعلان بيعتها إلى «أمراء الجهاد وقادته». وقد حدثت موجة كبيرة من هذه البيعات، لا سيما منذ أيلول العام 2013، عندما نجح «داعش» في طرد «ألوية أحفاد الرسول» من الرقة و«لواء عاصفة الشمال» من أعزاز في شمال حلب، وبدت الساحة السورية كأنها تتجه للسقوط كلياً بيد التنظيمات الإسلامية المتشددة.
لكن الحرب «الجهادية» بين الفصائل الإسلامية بعضها ضد بعض، أتاحت لـ«الجيش الحر» أن يلتقط أنفاسه، ويبذل، مع نهاية العام الثالث للأزمة، محاولة جديدة لإعادة هيكلة نفسه.

______________
«هزات ارتدادية» لمعركة القلمون الإرهاب يضرب في النبي عثمان
بعد ساعات من سقوط يبرود التي كانت تشكل أحد أبرز معاقل تفخيخ سيارات الموت المرسلة الى لبنان، فجّر انتحاري نفسه بسيارة مفخخة في منطقة النبي عثمان البقاعية، إثر افتضاح أمره، في ما بدا أنها محاولة لـ«المكابرة» وتحويل الأنظار عن الهزيمة في عاصمة القلمون، وصولا الى الإيحاء بأن إخراج المجموعات المسلحة منها، لا يعني ضرب قدرتها على الإيذاء.
ويمكن القول إن انفجار الأمس يندرج في إطار «الهزات الارتدادية» للتحول الميداني الذي طرأ على مسرح المواجهة العسكرية في سوريا، بعد استعادة مدينة يبرود الإستراتيجية، في تطور نوعي يحمل دلالات تتجاوز الحدود الجغرافية للحدث، الى ما بعدها.
وفي حين كشفت مصادر أمنية مطلعة لـ«السفير» عن ورود معلومات حول احتمال تسرّب أكثر من سيارة مشتبه فيها الى الداخل اللبناني، أشارت المصادر ذاتها الى أن الأجهزة الأمنية المختصة تأخذ بعين الاعتبار احتمال أن تلجأ المجموعات المسلحة الى ردود فعل انتقامية، بعد هزيمتها في يبرود، وإن يكن هامش حركتها قد تقلّص بعد الضربة التي تلقتها.
وأفاد مراسل «السفير» في البقاع الشمالي علي جعفر أن شبانا اشتبهوا بسيارة «شيروكي» تسير بسرعة على الطريق بين النبي عثمان والعين، فتمت ملاحقتها من قبل عبد الرحمن القاضي( العين) وخليل خليل (الفاكهة) اللذين أمرا سائقها بالتوقف، وتردد أنه تم إطلاق النار على عجلات السيارة، فما كان من الانتحاري إلا ان فجّر نفسه بعد اكتشاف أمره، ما أدى الى استشهاد القاضي وخليل ووحيدة نزهة الى جانب سقوط عدد من الجرحى، نقلوا الى مستشفيات المنطقة، ومن بينهم حسين نزهة الذي أصيب بجروح خطيرة، علما ان بعض المصادر أشارت الى وقوع اربعة شهداء.
وتسبب الانفجار بأضرار كبيرة في السيارات والمنازل السكنية والمحال التجارية المجاورة للمكان الذي وقعت فيه الجريمة الإرهابية.
وتبنت «جبهة النصرة» في لبنان التفجير واعتبرت أن البيان الصادر باسم «لواء أحرار السنة» في بعلبك، والمتبني للتفجير ايضا، هو عمل استخباري، فيما رجح مصدر أمني زنة المواد المنفجرة بحوالى 120 كيلوغراما، احدثت حفرة بعمق 70سنتمترا، و راجت تكهنات بأن تكون السيارة قد أتت من وادي رافق، وأن تكون وجهتها الأصلية بعلبك أو الهرمل. وليلا قطع عدد من اهالي اللبوة الطريق استنكارا للجريمة.
...ومع سقوط يبرود وما تلاه من تفجير إرهابي في منطقة النبي عثمان، فإن السؤال الملحّ لبنانيا هو حول منحى التطورات المحتملة في الأيام المقبلة وما تفرضه من تحديات وانعكاسات على أمن الداخل الذي كان ولا يزال عرضة لتهديد المجموعات المسلحة المنتشرة على الجانب السوري من الحدود الشرقية، تارة بالقصف الصاروخي وطورا بالسيارات المفخخة.
صحيح، أن مقاتلي «النصرة» وأخواتها تلقوا ضربة قاسية في يبرود، شتتت قواهم وبعثرت صفوفهم، إلا أنه يبدو من المبكر الجزم بانتهاء مفعولهم التخريبي كليا.
وفي المعلومات، أن المدعو أبو عبد الله العراقي كان يقود مجموعات التفخيخ في يبرود، وهو ورفاقه مجهولي المصير، فإما أنهم قتلوا في المعركة أو فرّوا الى الخطوط الخلفية في فليطا ورنكوس. وقد عُثر أمس، في المدينة المستعادة على عدد من السيارات الرباعية الدفع (شبيهة بتلك التي انفجرت في الضاحية والهرمل)، بعضها من دون لوحات وبعضها الآخر يحمل لوحات لبنانية.
ويبدو أن تجفيف خطر السيارات المفخخة بشكل أكبر يرتبط بإنهاء وجود المسلحين في فليطا السورية، والتي يبدو أنها ستكون مسرحا للمعركة المقبلة، بعدما هرب اليها عدد كبير من مقاتلي «النصرة» الفارين من يبرود.
أما التحدي الآخر المترتب على سقوط يبرود، فيتعلق بهروب آلاف المسلحين نحو فليطا ورنكوس وعسال الورد الملاصقة للحدود مع لبنان، انتهاء بجرود عرسال التي تسلل اليها خلال الساعات الماضية، وفق المعلومات الأولية، قرابة 1500مسلح، فيما نُقل الى داخل البلدة حوالى 100جريح وعدد من القتلى.
وعندما تبدأ معركة السيطرة على فليطا ومحيطها، يُرجح حصول تضخم في حجم «نزوح» المسلحين السوريين الى جرود عرسال، الامر الذي قد يفرض على هذه البلدة الخيار: فإما ان تطلب من الجيش اللبناني تولي زمام الأمن في داخلها وجوارها الجردي، وترفع الغطاء عن كل مسلح يمكن أن يتلطى بها وبأهلها، وإما أن تصبح «رهينة» لهذا الدفق المتوقع من المسلحين، مع ما سيعنيه ذلك من استدراج للمواجهة اليها، ومن أزمة مع جوارها اللبناني الذي سيغلق نوافذه عليها.
وفي انتظار أن تحسم عرسال خيارها، عزز الجيش اللبناني تدابيره الاحترازية لمنع تسرب المسلحين الفارين من يبرود الى العمق اللبناني، فيما ابلغت مصادر عسكرية «السفير» أن الوحدات المنتشرة على الأرض اتخذت كل الإجراءات اللازمة للحؤول دون أي فوضى قد تترتب على التطورات الاخيرة، لافتة الانتباه الى أن الطبيعة الوعرة للجرود المتاخمة للحدود تجعل من الصعب ضبط التسلل اليها وبالتالي فإن مسؤولية الجيش تتركز على حصر بقعة الزيت ومنع توسعها الى ما بعد عرسال.
ولعل الملف الامني المتصل بوضع عرسال ومحيطها، سيكون الاستحقاق الابرز امام الحكومة بعد نيلها الثقة النيابية، سواء على مستوى الإجراءات الميدانية التي يجب أن تتخذها المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية أو على مستوى المعالجات الخدماتية لتداعيات ارتفاع أعداد النازحين السوريين.
طرابلس
شمالا، تجددت ليلا محاولات جرّ طرابلس الى مواجهة عبثية ضد الجيش اللبناني، بعدما استهدف مسلحون بعض مواقعه في محيط التبانة فردّ الجيش بالأسلحة المناسبة، في أعقاب اعتداءات على المراكز العسكرية أدت الى استشهاد عريف وجرح 15عسكريا.
ولم تنعكس أجواء التوافق حول البيان الوزاري على الوضع الأمني في طرابلس الذي استمر عصيّا على الاحتواء بعد أربعة أيام على انطلاق جولة العنف الـ20، في ظل رفض المجموعات المسلحة من كل الجهات الالتزام بوقف إطلاق النار.
وقد أدت الاشتباكات المتنقلة على المحاور وما رافقها من حملات تحريض واستهداف للجيش الى تعطيل كل أوجه الحياة في المدينة، وإلى فرض حصار عليها بالحديد والنار، وانفلات عدّاد الضحايا الذي سجّل حتى ليل أمس مقتل 10 أشخاص بينهم شهيد للجيش، وجرح نحو 70 شخصا.

________


ماذا تعني هزيمة المسلحين في يبرود؟
«القصير 2» و«الغوطة 2» و«جنيف 2»

خليل حرب
ماذا جرى في يبرود؟ ولماذا تقهقر مسلحو المعارضة بأسرع مما توقع كثيرون؟ وما معنى دخول الجيش السوري المدينة التي ظلت توصف بأنها من قلاع المسلحين الحصينة، فإذا بها تتساقط بين ليلة وضحاها في لحظة مفارقة زمنية في ما يسمى «الذكرى الثالثة للثورة السورية»؟
وكيف يمكن قراءة معركة يبرود ربطاً بما جرى في القصير في حزيران الماضي، وبالتطورات العسكرية المحتملة في الغوطة الشرقية، وتداعيات هذا التقدم العسكري للجيش على مسيرة «جنيف 2» المتعثرة، وعلى الخيوط السياسية للمشهد في دمشق؟
وإذا كان من الصعب رسم صورة واضحة الملامح لما جرى خلال الساعات الـ48 الماضية في يبرود، واستخلاص معانيها الكاملة، إلا أن بالإمكان رصد مجموعة أحداث ونتائج لهذه اللحظة التي يراها كثيرون «إستراتيجية».
أول ما يمكن أن يقال إن ما جرى في يبرود يستكمل تقريباً انهاء «معركة قطع الشريان اللبناني». لكن الرسائل التي تخرج من دخان الاشتباكات في القلمون، يصل صداها الى ابعد من الخاصرة اللبنانية الرخوة... ربما نحو دمشق وواشنطن الى جانب الرياض والدوحة.
لكن ما هي هذه القيمة «الإستراتيجية» لما جرى في يبرود في هذه اللحظة؟. إذا كان مراقبون اعتبروا أن النظام السوري مر بثلاث مراحل اساسية في عمر الأزمة المفتوحة منذ ثلاثة أعوام، هي «الدفاع» ثم «الصمود» ثم «الهجوم»، فإن معركة القصير في الخامس من حزيران العام 2013، شكلت بداية انتهاء «مرحلة الصمود» من جانب النظام، والانتقال الى «مرحلة الهجوم». وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود، تشكل نقطة الذروة في هذا الهجوم حتى الآن، لأنها الأكثر تعقيداً جغرافياً وعسكرياً حيث يصل ارتفاع بعض جبال القلمون الى ما بين 1400 متر و1650 متراً، فيما تجعلها تضاريسها شبيهة بالجبال الأفغانية التي أنهكت عبر التاريخ جيوشاً جرارة.
لكن الفصائل المعارضة، هُزمت بسهولة نسبية، ونزلت أو انسحبت من الجبال لسبب أو لآخر، من بينها، كما تشي الاتهامات المتبادلة عبر «تويتر»، التخاذل والتقاعس والخيانات... الى جانب القوة النارية للمهاجمين (تفاصيل صفحة14).
وبالإضافة الى ذلك، فإن من معاني يبرود، الاقتراب بشكل حاسم نحو إنهاء المفاعيل اللبنانية للأزمة السورية بالمعنى الأوسع للكلمة، وبمعنى آخر «قطع الشريان اللبناني» الذي يغذي نار الصراع السوري عبر الحدود، على خطين متوازيين: الحصن - الزارة وصولاً الى وادي خالد، ويبرود فليطة وصولاً الى عرسال، ما يعني أيضاً أن «ثنائية يبرود عرسال» قد انكسرت في أحد جزئيها، وهو ما يجعل التساؤل الكبير مشروعاً: كيف سيتم التعامل الآن مع عرسال في بُعدها اللبناني بعد سقوط «ظهيرها التكاملي التبادلي» في يبرود؟
ماذا أيضاً بشأن يبرود؟. هذه المدينة الحدودية هي صلة الوصل بين ما تبقى من المنطقة الوسطى ودمشق العاصمة. ويبرود أيضاً هي «عاصمة التذخير» والتسليح من القلمون باتجاه دمشق... وخيوطها تمتد بعيداً وصولاً الى مسلحي الغوطة وفصائلها في جوبر وحرستا ودوما، ما قد يشكل ضربة مؤذية لاحتمالات «معركة الغوطة 2» التي راجت التكهنات بشأنها في الأسابيع الأخيرة، بعد معارك الغوطة الكبرى في تشرين الثاني الماضي.
وإذا كان الجيش السوري و«حزب الله» قد تمكنا من دخول يبرود، فإن هناك بعض النقاط المتفرقة التي ما زالت تحت سيطرة المسلحين حول المدينة مثل فليطة، رأس المعرة، رنكوس، عسال الورد، وادي بردى، حوش العرب، تلفيتا، الرحيبة والناصرية بالإضافة الى الزبداني. لكن مصدراً مطلعاً على المشهد الميداني قال لـ«السفير» إن «مسألة صمود مسلحي المعارضة في هذه القرى، باتت مسألة وجهة نظر لا أكثر، وإن المعنى الواقعي الذي تنتجه هزيمة يبرود، يجعل خوض معارك كبرى في بلدات متناثرة، شبه مستحيل، خاصة اذا استفاد الجيش السوري وحزب الله، من 5 عوامل متوفرة حتى الآن».
وعدد المصدر هذه العوامل:
1- عامل الهزيمة النفسية التراجعية للخصم.
2- عدم الثقة والتفكك بين المجموعات المعارضة نفسها.
3- قوة الدفع المعنوي للخصم (الجيش و«حزب الله»)
4- قوة النار.
5- يبرود هي غرفة العمليات المركزية لكل القلمون، وتمثل «عاصمة التحكم» مثلما كانت القصير «عاصمة تحكم».
لكل هذه الأسباب، يقول المصدر، فإن التدحرج من يبرود سوف يستمر،علماً أن هناك قوى أساسية في فصائل المسلحين كانت تجري اتصالات مباشرة بالجيش و«حزب الله» تعبيراً عن الرغبة بالتوصل الى تسوية، وفق منطق المصالحات التي ترعاها الدولة السورية في مناطق اخرى.
وإذا كان الميدان العسكري بنموذجه «اليبرودي» مهم، إلا أن نموذج مصالحات المعضمية وبرزة، لا يقل أهمية، وهو المعيار المتدحرج الذي بات بالإمكان البناء عليه في العديد من مناطق الجغرافيا السورية. وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود قد تعزز منطق الراغبين بالمصالحة في أكثر من منطقة ملتهبة بعدما بدا واضحاً أن المتضررين من «المصالحات» تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» و«الكتيبة الخضراء».
وفي حين تشير المعلومات المتوفرة الى أن «الجبهة الاسلامية»، بامتدادها السعودي، وتحديداً الرعاية التي كان يوليها رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان لها، لم تشارك، في معركة القلمون، كعادتها على ما يبدو في المواجهات الكبرى، حيث تؤثر الانسحاب المبكر، فإن المعلومات المؤكدة تشير الى ان «جبهة النصرة» هي التي خاضت القتال الرئيسي في يبرود، في حين سجل سقوط العديد من كبار قادة التنظيم وغيره من الفصائل خلال الايام الماضية، وهو ما أصابهم بالارتباك وتسبب بإحباط معنويات المقاتلين.
وسيكون من الضروري لرصد تداعيات يبرود، متابعة الوجهة التي ستسير عليها العلاقات المتوترة بين «داعش» و«النصرة» و«جيش الاسلام» خلال الاسابيع المقبلة، حيث من المتوقع في ظل النكسة الكبرى التي جرت الآن، اتجاهها نحو التعقيد، خصوصاً في ظل تبادل الاتهامات بالخيانة والتقاعس. لكن كان من اللافت ان الصراع الدموي بين هذه التنظيمات في اكثر من منطقة سورية والذي اوقع آلاف القتلى في صفوفهم خلال الشهور الثلاثة الماضية، لم تصل نيرانه الى القلمون، كما ظلت مناطق الغوطة بمنأى عنه نسبياً، ما يعني انها ستخضع لاختبار ساخن في الريف الدمشقي في القريب العاجل.
ومن المهم ملاحظة أن الحسم في يبرود جاء بعد اقل من شهر على تعثر مفاوضات «جنيف 2»، ومع وجود المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي في طهران، وتزايد التصريحات الاميركية، سواء على مستوى المسؤولين السياسيين او الأمنيين، او وسائل الاعلام مثل «واشنطن بوست»، برجحان كفة النظام في المواجهات الشرسة التي خاضها مع مختلف الفصائل على امتداد جبهات حمام الدم السوري. كما ترافق اقتحام يبرود مع خروج الخلاف السعودي القطري الى العلن للمرة الاولى بهذا الشكل الحاد، في وقت حدد مجلس الشعب السوري «شروطه» للمرشح المقبل للانتخابات الرئاسية السورية، ما يشكل ربما مفارقة ارتباط هذه الخطوة الرمزية في مغازيها السياسية، مع البصمة العسكرية في يبرود، واقتراب موعد ترشح الرئيس بشار الأسد.
ومن بين محصلة قصة يبرود، التي أصابها وأهلها الكثير من الخراب كغيرها من مدن المعاناة السورية، الخسارة المسجلة باسم كل من السعودية وقطر كلٌ من موقعه. القطريون من خلال ذراعهم الاولى المتمثلة بـ«النصرة»، والتي ربما كان من تجلياتها الانفراج السريع في قضية الراهبات المخطوفات، والسعوديون من خلال الانتكاسة الجديدة في مشروع بندر بن سلطان المتمثل بـ«الجبهة الاسلامية» التي الى جانب «النصرة»، تعتبران المكون الرئيسي للمعارضة المسلحة في القلمون.
وفي الخلاصة، فإن السؤال الملح هو: ماذا بعد القلمون؟ خاصة ان النظام منذ معركة القصير، لم يُمنَ بخسارة منطقة استردها، وهو ما يسمى «التحول النوعي بالتثبيت والحفاظ على المكتسبات» والتي يشارك فيها «جيش الدفاع الوطني».
فهل هي الجبهة الجنوبية في حوران والجولان؟ ام ريف حماه؟ او حلب؟ وبالتأكيد فإن المسألة ليست خاضعة للتكهنات، لكن سيكون من المهم متابعة التطورات في الغوطة على صعيد اسئلة المصالحات او المواجهات الداخلية بين الفصائل نفسها او تحرك الجيش استمراراً لسياسة القضم التدريجي. كما سيكون من المتوقع، ان القيادات السياسية والعسكرية السورية ستعمد بعد «تثبيت» الوضع في يبرود، (وهي من المكونات الاساسية لمعركة درع العاصمة)، الى مراقبة المشهد العام للصراع السوري وارتباطه بالسياسة، ثم قد تتقرر بعدها، الوجهة المقبلة لتدحرج المعركة.

____________

حماس على أبواب طهران وقطر تعيد وصل ما انقطع

علي هاشم

قبل أسبوع أو أكثر بقليل ذهب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح إلى العاصمة القطرية الدوحة، في زيارة حملت طابع السرية، أولاً بسبب الوضع الأمني لشلح الذي تضعه الولايات المتحدة على لائحتها للإرهابيين الأكثر خطراً في العالم، وكذلك إسرائيل الذي يتصدر مع غيره من قادة المقاومة لوائح التصفية الخاصة بها.
أما السبب الثاني للسرية فكان طبيعة الزيارة التي هدفت للقاء رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل الذي يتخذ من الدوحة مقراً له منذ تركه سوريا.
اللقاء بين أبي عبد الله وأبي الوليد ليس جديداً، فكلاهما يقود حركة مقاومة إسلامية فلسطينية، وكلاهما كان يجاور الآخر في دمشق قبل الأزمة، وكلاهما حليف لإيران. الجديد هنا هو مكان اللقاء: الدوحة، والمستجد هو أن مشعل ربما يزور طهران بعد رأس السنة الإيرانية، أي خلال أسبوعين فقط من الآن.
خلال الأشهر الماضية، كانت العلاقة بين حماس وإيران قد عادت إلى ما يمكن وصفه بالوضع المقبول. وفود عديدة من الحركة زارت طهران منذ صيف العام 2013، بعضها سياسي وبعضها عسكري وبعضها الآخر لأسباب أخرى مختلفة.
وحده مشعل ظل خارج قوائم المسافرين إلى طهران، لأن عوائق عدة كانت تمنع التواصل المباشر بينه وبين القيادة الإيرانية أو حتى بينه وبين الذين يمونون للتوفيق بينه وبينها. السبب معروف، وهو موقف مشعل من الأزمة السورية وتأييده الواضح والصريح خلال فترة معينة لـ«الثوار» في مواجهة النظام، بل وما حكي في أروقة «محور المقاومة» عن دور عسكري أو خبراتي قدمته حماس لبعض الكتائب، وهو الأمر الذي تم نفيه جملة وتفصيلاً على لسان أكثر من قيادي حمساوي، وذهب البعض منهم إلى القول إن الذين قتلوا من الحركة في معارك سوريا ذهبوا بمبادرة فردية.
مصادر قيادية في حماس أكدت أن الزيارة أصبحت وشيكة، وأن العلاقة مع طهران وإن مرت بما يشبه سحابة الصيف، إلا أنها اليوم جيدة وكذلك العلاقة بين حماس و«حزب الله»، وإن كل ما يحكى عن توتر أو فتور ليس سوى أمنيات من لا يرغب في رؤية «محور المقاومة» يعود إلى سابق عهده.
وتشير المعلومات المتوفرة من مصادر متقاطعة إلى أن العوائق التي كانت تمنع زيارة مشعل إلى طهران قبل أشهر كانت كثيرة، لكنها في الفترة الأخيرة انحصرت بعدم القدرة على تأمين موعد مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، الذي، ولأسباب عدة، كان يفضل التريث قبل حصول هكذا لقاء.
لكن حماس التي تعلم أن دون هذا الأمر لا شيء فعلاً يعيق الزيارة، جهدت لتأمين الموعد عبر الأصدقاء المشتركين والحلفاء المعنيين، وذلك لأن زيارة طهران من دون لقاء المرشد لن يكون لها المعنى والوقع الذي تريده أو الذي يريده مشعل، ولأن زيارة المرشد ستعني من دون شك أن صفحة كاملة طويت وأن حماس عادت بقوة إلى مكانها السابق في «محور المقاومة والممانعة» الذي يشهد اليوم عملية إعادة صوغ وبناء على قواعد جديدة تناسب زمن ما بعد «الربيع العربي».
في هذا الإطار، يقول مصدر عربي متابع للحراك الذي يجري على صعيد المنطقة إن عملية إعادة صياغة المحاور وبنائها تجري على قدم وساق في المنطقة بأسرها، «محور الاعتدال» يعيد تقييم تجربته بعد «الربيع العربي»، وكذلك «محور المقاومة والممانعة»، وكلاهما اليوم اختلفت أهدافه وعرضت جبهته وكثرت مشاكله.
ويضيف المصدر، إن اليوم لا بد من شكر التطورات الأخيرة في سوريا والخليج ومصر على دورها في تسريع حركة التموضع بالرغم من الخلافات والتناقضات، السعودية والإمارات والبحرين عزلت قطر التي وجدت نفسها أقرب إلى إيران تماماً كعُمان، وينطبق الأمر على تركيا وتونس و«الإخوان المسلمين» في المنطقة التي وإن كانت على خلاف جذري مع طهران حول سوريا، إلا أنها تجد نفسها إليها أقرب مما هي إلى «محور الاعتدال» الذي يعاد تشكله أيضاً بما يتناسب مع الخط السياسي والمصالح المشتركة.
أهم ما جاء على لسان المصادر المتقاطعة، هو أن الدوحة التي انحسرت علاقتها بالملف السوري خلال الأشهر الماضية، بدأت فعلياً بتصفية استثماراتها الجهادية على كل المحاور هناك، وأنها مستعدة للعب دور إيجابي إلى جانب تركيا في إقناع من تمون عليهم من المعارضة السورية للجلوس إلى طاولة جديدة للمفاوضات بناء على المبادرة التركية الإيرانية المشتركة للوصول إلى حل ينهي نزيف الدماء المستمر في سوريا، وأن يترك أمر الحسم في مصير الرئيس السوري بشار الأسد في نهاية المطاف إلى الشعب السوري، والنقطة الأخيرة هذه ربما تكون مربط الفرس في الصفحات الجديدة التي من المتوقع أن تفتح خلال الأسابيع المقبلة.

________________
ما بعد يبرود: هل تكرّ سبحة الانتصارات العسكرية سريعاً؟
علي عبادي


بين 5 حزيران/ يونيو 2013 تاريخ استعادة مدينة القصير و17 اذار/مارس 2014 تاريخ استعادة مدينة يبرود، محطات عديدة في الأزمة السورية تنقلت الجماعات المعارضة المسلحة خلالها من نكسة الى اخرى: فمن تسليمها بالعجز عن إسقاط النظام من دون تدخل عسكري أجنبي مباشر، الى إلقاء الملامة على الأطراف الدولية الداعمة لهم بعدم تقديم أسلحة "نوعية"، الى محاولات مستميتة لإحداث خروق متفرقة في الجبهات المختلفة في مطار منغ العسكري بريف حلب وريف اللاذقية الشمالي وبلدة مهين في حمص وصولاً الى الغوطة الشرقية. جاء توقيت استعادة يبرود مركز منطقة القلمون الاستراتيجية وبالسرعة والمهارة التي تمت بهما لتحدث شقاقاً بين الجماعات المسلحة بشأن تحديد من هو "الأب" لهذه الهزيمة المنكَرة، وقلقاً لدى الدوائر الإقليمية وفي مقدمها "اسرائيل" حول تداعيات هذه المعركة على الحسابات العسكرية في معادلة الصراع المفتوح وعلى مسار الأحداث في سوريا.

كان تحرير القصير نقطة تحول هامة في أحداث سوريا تسارعت بعدها محاولات التعويض في جبهات أخرى. لكن هذه المحاولات من حلب الى الساحل الى ريف دمشق وحمص وحماه لم يُكتب لها نجاح يذكر بل إن الجيش السوري تمكن من استعاد أغلب المواقع التي احتلتها المجاميع المسلحة، بل وحقق نقاطاً إضافية، كما في حال طريق خناصر- السفيرة وصولا الى شرقي حلب التي استأنف مطارُها الدولي رحلاته في الأيام الأخيرة.

لم تُرد الجماعات المسلحة والدول التي وراءها التسليم بمغزى هذا التحول، ظلت تسعى وراء مكسب ميداني تستثمره معنوياً وسياسياً، لكنها اضطرت لاحقاً الى الإقرار بأن لا حل عسكرياً لا سيما في أعقاب تراجع الولايات المتحدة عن التدخل العسكري في سوريا في ايلول/ سبتمبر الماضي. ونذكُرُ جميعاً الرهانات التي عقدت في الصيف الماضي، بدفع سعودي، على تحقيق إنجاز عسكري في حلب لحساب المعارضة، ثم في الغوطة الشرقية في الخريف الماضي لتهديد العاصمة مجدداً، ثم على جبهة درعا في الجنوب في الشتاء لاختراق الدفاعات حول دمشق. لكن هذه الرهانات جميعها أخفقت واضطر رُعاتها الى الانسحاب من المشهد السياسي بعدما تأكدوا من أن الوضع الميداني غير مُبشّر، في ضوء خيبة الأمل من أداء المعارضة وانقساماتها.

يبرود: الإنجاز النظيف والخاطف

تأتي معركة استعادة يبرود لتوجه ضربة أخرى الى أحلام كل المراهنين على تغيير الوضع العسكري سواء في محيط دمشق او في حمص او في اتجاههما. كان كمين العتيبة في الغوطة الشرقية الشهر الماضي إنذاراً صادماً لكل الإستعدادات التي قيل إنها تتم للتحرك من درعا في اتجاه العاصمة. ومعركة تحرير يبرود جاءت لتكمل الرسالة من واقع جغرافي صعب (تضاريس وجبال جرداء) ومناخ قاس شتاء وتحدٍّ عسكري  غير بسيط يتمثل في وجود آلاف المسلحين في مناطق سكنية وتحت الأنفاق عقدوا العزم- كما كانوا يقولون- على إفشال اختراق حصونهم وإيقاع كلفة بشرية عالية في الطرف المهاجِم. كل تلك الصعوبات تم تذليلها والتغلب عليها، وسقطت حصونهم في مدة قصيرة بأسرع مما تصور المسلحون، وبدون كلفة عالية على الطرف المهاجِم او خوض حرب شوارع كبيرة او حدوث تدمير واسع. ما السر في ذلك؟ ولماذا كانت معركة يبرود أسهل نسبياً من معركة القصير؟ وهل ستكون بداية تحولات دراماتيكية أسرع وأشد وقعاً من تلك التي شهدناها بعد معركة القصير؟

لا ريب في أنه، من طرف الجيش السوري وحزب الله، تمت الإستفادة من الخبرات المتراكمة ومن أهمها تجربة القصير التي تتسم بمنبسط من الأرض لكنه كثيف عمرانياً وحاشد تسليحياً، ووُضعت الخطط في يبرود على أساس تحقيق الهدف تدريجياً بعد عزل معاقل المسلحين الجبلية والقيام بعمليات نوعية اعتماداً على معلومات استخبارية تم جمعها بطرق شتى. وكان التوجه هو تضييق الخناق رويداً رويداً لدفع المسلحين الى الاستسلام او الانسحاب من أرض المعركة، من دون الاضطرار الى خوض معركة اقتحام سابقة لأوانها. أمكن من خلال عمليات اقتحام أولية إحداث ثغرة في دفاعات هذه الجماعات والنفاذ منها الى نقاط أخرى. لم يستطع المسلحون استيعاب تداعيات هذه العملية التي قُتل أثناءها عدد من قادتهم، فوقعوا في حال اضطراب مريعة، وبدأ فرار بعضهم ليثير موجة شائعات واتهامات متبادلة بالجبن والخيانة. وكرّت سُبحة الفرار و"الانسحاب التكتيكي" بصورة فوضوية لا مثيل لها، الأمر الذي أدى الى استعادة المدينة بكاملها.

كانت نتائج معركة يبرود صاعقة حتى لأكثر المتشائمين من قادة المعارضة المسلحة الذين توقعوا الصمود لبعض الوقت -على الأقل- ليتمكنوا من إشغال الطرف المهاجِم واستنزافه بكلفة عالية قبل وصول إمدادات من جهة ما أو الانسحاب الى مواقع أخرى عند الضرورة. ويعود تحقيق هذه النتيجة في الجانب العسكري الى تعزّز خبرة الجيش السوري، ومعه حزب الله، في معارك المدن واتباع تكتيكات متناسقة بهدف شلّ فاعلية الخصم الذي لم يتمكن لحدّ الآن من استيعاب عِبر المعارك السابقة وتقدير قوة الطرف المقابل. 


أهمية يبرود

يعود اهتمام الجيش السوري بمدينة يبرود الى انها باتت ملاذاً آمناً للجماعات المسلحة التي فرت من معارك سابقة في القصير وحمص وريف دمشق، ومنطلقاً لشن هجمات مؤذية على مناطق خلفية في بلدة معلولا ذات الآثار التاريخية الفريدة في ريف دمشق (حيث احتجزت الراهبات) وبلدة مهين بريف حمص ( حيث مستودعات سلاح رئيسة للجيش) ومناطق أخرى تطل على طريق حمص- دمشق. ولا ننسى ان موقع القلمون يمثل ثقلاً جغرافياً هاماً وعقدة مواصلات تربط ريف حمص بريف دمشق وصولا الى الاراضي اللبنانية المصدر الهام للتسلح والتمويل والإرتباط، وكانت توجد في هذه المنطقة مخازن سلاح للجيش وضع المسلحون أيديهم عليها قبل أكثر من عام. كما تمثل القلمون أهمية خاصة للجيش السوري بسبب إطلالتها على طريق دمشق – حمص الدولي الذي تتيح السيطرة عليه تأمين الإمدادات لقواته في العاصمة وريفها، كما تمنع المسلحين من إيصال الإمداد لقواتهم في ريف دمشق.

وتفيد استعادة القلمون، وصولاً الى إغلاق منافذ التهريب عند الحدود اللبنانية، في تأمين العاصمة بشكل أفضل، حتى لو بقيت جيوب مسلحة في ريف دمشق. وباستطاعة القوات المسلحة السورية في المرحلة التالية التركيز- وفق الأولويات التي تحددها- على الجبهة الوسطى في حمص وحماه ، والجبهة الشمالية في حلب وإدلب، والجبهة الجنوبية في درعا والقنيطرة.

أما حزب الله فيعود اهتمامه بمنطقة القلمون الى كونها تمثل قاعدة للجماعات المسلحة المتطرفة التي باتت تتحكم بمسار الوضع فيها وتطلق تهديدات جدية باتجاه لبنان، وترسل منها باتجاهه السيارات المفخخة. وينظر حزب الله باهتمام خاص الى أي محاولة من هذه الجماعات للسيطرة على طريق دمشق- بيروت أو المناطق التي تقع في الفناء الخلفي لقواعد المقاومة، بما يهدد بيئتها الاستراتيجية او طرق إمدادها. وسبق أن حدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في شهر ايار/مايو 2013 الغاية من القتال في سوريا بـ "تحصين المقاومة وحماية ظهرها وتحصين لبنان وحماية ظهره"، مشدداً على ان "سورية هي ظهر المقاومة وسندها والمقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي ازاء كسر ظهرها".

وتضيف معركة يبرود نقاطاً الى رصيد حزب الله الذي يعزز حضوره وإمكاناته وينظر العدو الاسرائيلي الى تمركزه في سلسلة جبال لبنان الشرقية وما بعدها على أنه يصعّب على جيشه حصر رقعة المواجهة في أية حرب مقبلة. وبعد الانفجار الأخير بموكب عسكري اسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة، اتسم موقف العدو بالحذر الشديد لأنه يدرك أن حزب الله، مدعوماً من سوريا، بمقدوره النيل من الجيش الاسرائيلي انطلاقاً من نقاط جديدة لم تكن متوفرة له من قبل.

نكسات وتخبط 

التطورات الأخيرة تثبت أن اليد العليا في الميدان هي للجيش السوري، وأن الجماعات المسلحة تُراكمُ الهزائم وتبحث عن تبريرات لإقناع مؤيديها بأن ما جرى ليس أكثر من "نكسة"، بل إن بعضهم ذهب الى انه "إنجاز" في القدرة على الصمود لفترة طويلة و"تنظيم" انسحاب المدنيين والمقاتلين من المدينة! مُغْفلاً كل الأساطير والتهديدات بعظائم الأمور التي نُسجت قبيل استعادتها من قبل الجيش (لاحظ مدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" المعارض رامي عبد الرحمن لجريدة "النهار" اللبنانية ان "المؤشرات كانت واضحة منذ وصول القوات المهاجمة الى تخوم يبرود بأن المدينة ستسقط، لكن ليس بهذه السرعة، مستغرباً كيف ان بعض قيادات جبهة النصرة مصرّة على نفي سقوط يبرود برغم البث المباشر من هناك). وهذه مفارقة تستحق التوقف لأنها تشير الى ان العقلية التي لا تزال تسيّر المعارضة المسلحة تقوم على الإعتقاد بأن في وسعها قلب المعادلة وإسقاط النظام، وهذا ما يطيل عمر الأزمة ويزيد من الخسائر.

إفتقاد هذه المعارضة الى الحسابات العقلانية يقودها من هزيمة الى أخرى، والإنفصالُ عن الواقع يدفعها الى ادعاء القدرة على اجتراح المعجزات بسلطان "إلهي" هذه المرة. هكذا يصبح الله قيد إشارة المقاتلين الذين يدعونه عبر مواقع التواصل الإجتماعي طلباً لعجائب فلا يُستجاب لهم، من دون أن يبحثوا عن الأسباب؛ لقد أوهموا أنفسهم إبان معركة القصير - استنادا الى فهم خاطئ للدين وللأسباب الطبيعية - بأنهم سينتصرون فيها لا محالة ولن تقوى أي قوة على طردهم من القصير، وظل هذا الإعتقاد يساورهم الى الأيام القليلة الأخيرة من المعركة. وقبيل معركة يبرود أعادوا نسج الأسطورة ذاتها، فاعتقدوا أنها ستكون "مقبرة" للجيش السوري وحزب الله، لكنهم ولّوا الأدبار عندما حمي الوطيس. كيف تفسر المعارضة المسلحة هذه التراجعات؟ بالتأكيد ستجد – كما حصل بعد معركة القصير- جُملاً إلتفافية تقول إنها كانت مجرد معركة ومجرد "ابتلاء"، كما عبّر أحدهم من بعيد وهو يزيّنُ للمتراجعين استمرارهم في هذا المسلسل الانتحاري الذي يذهب بالكثير من الأرواح.

برغم ذلك كله، يمثل أي انتصار عسكري للجيش السوري تقدماً مضطرداً لمنطق الدولة وتراجعاً لطروحات الجماعات المسلحة التي تواجه تحدياً صعباً في إقناع حاضنتها الشعبية بجدوى خياراتها الجذرية، وفي إقناع الكثير ممن حملوا السلاح- اعتقاداً منهم بأن النظام سيسقط قريباً- في البقاء على هذا المسار. وقد لاحظنا ارتفاعاً في نسبة الشباب الذين يقومون بتسوية أوضاعهم ونشاطاً في تحرك المصالحات في العديد من المناطق. بهذا المعنى، فإن العمل العسكري يؤتي ثماراً إيجابية في اتجاه إعادة سوريا الى المسار الطبيعي، على أن يكون مرفقاً بمعالجات سياسية واجتماعية استثنائية للعبور الى بر الأمان.

التأسيس لانتصارات جديدة

ما بعد يبرود ليس كما قبلها. مرحلة يُتوقع أن تنفتح على تطورات عسكرية قد تتكثف فيها المواجهات بهدف إبعاد سطوة المجموعات المسلحة عن منشآت حيوية وطرقات رئيسية وتأمين تواصل قطعات القوات المسلحة واستعادة ثقة المواطن بالدولة والتمهيد لإنجازات جديدة تقف فيها القيادة السورية على أرضية أكثر ثباتاً، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبتّ في مستقبل مفاوضات جنيف. واذا كانت معركة استعادة القصير أضعفت الرهان على إسقاط النظام، فإن معركة استعادة يبرود من شأنها أن تقطع الشك باليقين وتؤسس لتراجع بعض الجماعات والأفراد عن حمل السلاح طريقاً للمعارضة، خاصة بعدما تأكد أن هذا السبيل كان مؤلماً ومكلفاً لسوريا وشعبها ووَضَعهما على حافة الإنزلاق الى التجزئة والإرتهان لقوى كبرى تتربص بالبلاد. وتبقى المشكلة الأساسية مع الجماعات العقائدية المتطرفة او تلك المرتبطة بمحاور اقليمية ودولية تريد لها الاستمرار في المواجهة حالياً بانتظار أمر ما.

وهناك معطى دولي جديد قد يساعد مهمة القيادة السورية في استعادة المناطق الخارجة عن السيطرة، ويتمثل هذا المعطى في الإنشغال الدولي بأزمة أوكرانيا والتي زادت من التباعد بين روسيا والمعسكر الغربي. وهذه الأزمة مرشحة لكي تمتد زمنياً ولا يبعد أن يمارس كلا الطرفين فيها أقصى ضغوطه على الآخر. وفي حين يأمل بعض المعارضين أن تضعف شوكة روسيا او ان توافق على تقديم تنازلات في سوريا لحفظ مصالحها في القرم، فإن ذلك لا يعدو أن يكون أملاً ورهاناً يضاف الى ما سبقه من آمال ورهانات، خاصة ان الأزمة في اوكرانيا ليست عابرة وهي تختصر معركة نفوذ مريرة بين روسيا واميركا على أبواب اوروبا بما يعيد أجواء الحرب الباردة. وفي وسع القيادة السورية ان توظف الهامش الزمني المتاح أمامها لفرض وقائع جديدة على الأرض  تصب في مصلحة إنهاء او تقليص الأخطار التي تعيشها سوريا وتخفيف معاناة شعبها.


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.