‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر. إظهار كافة الرسائل

السبت، 15 مارس 2014

انتشار اى فكر لابد له من حاضنة: دور المخابرات السعودية لنشر المذهب الوهابى

    مارس 15, 2014   No comments
بن عبدالوهاب
هشام حتاته*
بدراسة واعية للتاريخ سنلاحظ ان انتشار اى فكر لابد له من حاضنة ، ففى العصر القديم كانت يثرب هى الحاضنة للاسلام ، وفى العصر الحديث كانت الثورة الفرنسية هى الحاضنه الاولى لافكار فلاسفة التنوير فى اوربا بداية من القرن السابع عشر ، وكانت الثورة البلشفية فى روسيا هى الحاضنة للفكر الماركسى ، وكانت الدرعية – كما وضحنا فى تاريخ الوهابية - هى الحاضنه لافكار محمد بن عبدالوهاب مماادى فى النهاية الى قيام مملكة بن سعود بالتحالف مع الوهابيين . 

الفكر الوهابى كما اوضحنا من قبل نستطيع ان نطلق عليه ( فكر القشور ) وهو فكر متهافت ليس به اى جديد ويستمد اصولة من اكثر المذاهب الاسلامية تهافتا وتشددا وهو المذهب الحنبلى ( ومازلنا نقول حتى الآن للمتعصب فى رأيه – ايا كان الرأى – انت حنبلى ..!!) ، فكيف لهذا الفكر المتشدد - على المستوى الدينى - بين المذاهب الاربعة . والمتهافت على المستوى العقلى والمعرفى ان يتسنى له كل هذا الانتشار فى خلال خمسة عشر عاما فقط من منتصف سبعينات القرن الماضى حتى نهاية الثمانيات - ؟؟ 

جميعنا نستسهل مقولة : ابحث عن البترودولار ، ونحن بالطبع لاننكر دور الدعم المادى الذى وفرته الثروة البترولية التى تراكمت منذ منتصف السبعينيات ، ولاننكر ان هناك سوءات سياسية واقتصادية واجتماعية ادت الى انتشار هذا الفكر فى الدول المحيطة ، وسنتعرض لها فى هذا المقال . ولكن هذا الانتشار السريع كانت وراءه قوة منظمة ومحركة استفادت من سوءات النظم المحيطة وتوفر لها الدعم البترودولارى ، الا وهو جهاز المخابرات السعودى .

مملكة آل سعود كما لايعلم الكثيرون لاتحكمها مؤسسات لصنع القرار، ولاقوانين منظمة للعلاقات بين الناس ، ولامحاكم علنية او نيابة عامة او حتى محامين ، وهى الدولة الوحيدة فى العالم بلادستور ، فدستورها هو عبارة واحدة : الشريعة الاسلامية . انها قبيلة يحكمها زمانيا آل سعود ، ودينيا آل الشيخ ( احفاد بن عبدالوهاب ) ، فكل الوزارات الهامة كالدفاع والحرس الوطنى والداخلية والخارجية يتولاها ابناء الملك عبدالعزيز ، حتى الوزارات الاخرى يكون معظم وكلائها من الجيل الثانى من آل سعود . وكل المدن الكبرى ( امارة منطقة الرياض – امارة منطقة مكة – امارة الطائف ... الخ ) يحكمه امراء من اولاد عبدالعزيز. وبالتالى المدن الاصغر يحمك بعضها امراء من الجيل الثانى او شيوخ من المرتبطين بالنسب أوالمصاهرة أوالمصالح مع آل سعود

المجال الوطيفى والتنظيمى بين وداخل الوزارات هى ( لوائح ) وليست قوانين، والمنازعات الوطيفية يقصل فيها وكلاء الوزارة او الوزراء حسب حجمها ، واذا كانوا من خارج العائلة المالكة يمكنك التظلم الى احد كبار الامراء ، اما اذا كان القرار لامير فيكون قطعيا ونهائيا ، فكلمة الامير لاترد . اما المنازعات المالية والجرائم فيحكمها احد شيوخ الدين ويطلق عليه تجاوزا كلمة قاضى ( فهو لايحكم ضمن قانونين مكتوبة ولكنه يحكم بالشريعة المستمدة من فكر عبدالوهاب والمستمد من سلفهم الصالح ( ابن حنبل ) حسب مايتراءى له من فهمه الشخصى للشريعة ( وسوف نتعرض للاحكام الشرعية التى يتباهون بها على القانون الوضعى – الفرنسى- فى مقال آخر )
جهاز المخابرات السعودية هو اقوى اجهزة الدولة ، يتعامل مع المعارضين لحكم آل سعود
فى الداخل والخارج ، وله دور رئيسى فى رسم سياسة الدولة ، وعلى تعاون وتنسيق وثيق بوزارة الخارجية ، ومن الطبيعى لدولة بلا قانون وبلادستور وبلا قضاء..... ان تكون دولة مخابرات من الطراز الاول .

كان من الطبيعى لهزيمة المشروع الثورى الناصرى فى الخامس من يونيو 1967 ان يصب لصالح مااطلق عليه وقتها الرجعية العربية متمثلة فى الدول الملكية الاستبدادية وعلى رأسها بالطبع مملكة آل سعود التى كانت احدى عوامل هذه الهزيمة - فقد ساعدت الانفصال السورى عن مصر بالدعم المالى المعروف ، ثم كان استنزاف الجيش المصرى فى حرب اليمن بالمساعدة المالية للقبائل المتمردة على الثورة اليمنية المدعومة من مصر - ، وبالتالى كان كل هذا يصب فى النهاية لصالح اسرائيل ، وبعد الهزيمة وفى مؤتمر الخرطوم بعدها بعدة شهور تعهدت السعودية والكويت والامارات بدعم مالى سنوى لكل من مصر وسوريا والاردن . ومع قبول الانظمة الثورية للدعم المالى من الانظمة الرجعية انتهى المد الثورى الذى كان يهدد عروش الانظمة الرجعية . وكان قبول عبدالناصر لمشروع روجرز بداية للاعتراف المصرى بالدور الامريكى فى ادارة الصراع العربى الاسرائيلى .
وجاء السادات
كان قبول عبدالناصر لمشروع روجرز بداية للاعتراف المصرى بالدور الامريكى فى ادارة الصراع العربى الاسرائيلى . ( واعتقد من التحليل المنطقى وقراءة احداث تلك الفترة ) ان السادات راهن على الدور الامريكى بشكل كامل ، وكانت حرب اكتوبر 1973 لتحريك الموقف على خط قناة السويس حتى تتمكن الولايات المتحدة من التدخل لحل النزاع ( ومن يقرأ كتاب السيد / هيكل – الطريق الى رمضان – يجد تلميحا مستترا بأن زيارة السيد /حافظ اسماعيل مستشار السادات للامن القومى وقتها - الى الولايات المتحدة عام 1972تضمنت الوعد بالتدخل اذا قامت مصر بتحريك الموقف لصالحها ) ، واصبحت السعودية من هذا الوقت هى قناة الاتصال والتنسيق بين مصر وامريكا ، وذلك من خلال العلاقة التي أشير إليها تكرارا مع السيد / كمال أدهم مستشارالملك فيصل وصهره – ورئيس المخابرات السعودية وقتها - والتي بدأت مع المؤتمر الإسلامي الذي رأسه السادات في عهد عبد الناصر. وكانت واشنطن على الطرف الآخر تنتظر من حليفها السعودى ان يحقق لها احتواء الضلع الثالث فى المعادلة ( السعودية - مصر- اسرائيل ) . وتغيرت قناعات ، وانتهت تحالفات قديمة لصالح تحالفات جديدة وكان ثمن هذه التحالفات :
- تحجيم نشاط الشيوعيين والناصريين في مصر باخراج المارد الدينى
- طرد الخبراء الروس
في هذا الوقت بدأت السعودية دعم توجهات مصر الدينية ليس بمساعدة الإخوان المسلمين
ولكن بنشر الفكر الوهابي من خلال منظومة خطط لها جيدا في المخابرات السعودية أساسا.

شاهد من اهلها :
يوم الاربعاء 16/8/2006 استضاف البرنامج الناجح في قناة دريم " العاشرة مساءا " والذى تقدمه الاعلامية منى الشاذلى الأستاذ / أحمد باديب نائب رئيس المخابرات السعودية السابق ، والذى قال ماملخصه :
- أن السيد / كمال أدهم كان مستشار للملك فيصل وشقيق زوجته الملكة عفت ، وكان أحمد باديب يعمل معه في المكتب موظفا ، ويبدو من كلامه( وهذا معروف ايضا ) أنه كان مستشارا لشئون المخابرات بعد ان ترأسها لفترة من الوقت .
- وعن كيفية التحاقة بالعمل فى المخابرات بعد ذلك . يقول ( أنه ذهب الى أمريكا لعمل ماجستير فيما يسمي "كيفية نشر فكر معين بين الناس" وأخذ مثالا تطبيقيا علي ذلك في رسالته دور الأزهر في نشر الفكر الشيعي في مصر في عهد الفاطميين. ومن المعروف أن الفاطميين عندما احتلوا مصر أنشأوا الأزهر لينشر فكرهم الشيعي بين الشعب المصري السني. ولقد نجح الأزهر في ذلك إلا أنه بعد الفاطميين جاء الأيوبيين وأعادوا المذهب السني للمصريين)
- ثم أضاف : ( وعندما عاد إلي المملكة طلبه الأمير تركي بن فيصل "مدير المخابرات السعودية وقتها" للعمل معه في المخابرات )
- رسأله الماجستير موحية .. "كيف تنشر فكر معين".
- وطلبه للعمل في المخابرات بعدها مباشرة موحيا
- والأزهر نموذجا موحيا.
وواضح ان رسالة الماجستير هذه كان مطلوب تطبيقها عمليا في "كيفية نشر المذهب الوهابي في مصر ... !! "
** وبدأت حملة التضليل والخداع والكذب على غرار مقولة جوبلز وزير الدعاية الهتلرى : اكذب .. اكذب.. فسوف يصدقك الناس فى النهاية . ولعدم وجود الرأى الآخر نظرا للمصالحة بين الثورية والرجعية ، ولأن القضية تمس الدين والعالم الآخر لدى المصريين ( وهى من اقدس عقائد المصرى منذ بداية تاريخه وحتى الآن - مع الفارق ان دخول مملكة اوزيريس فى العالم الآخر كانت تكتفى بالاقرار بمجموعة قيم الضمير ، ودخول مملكة الاله الوهابى كانت قائمة طويلة من المحرمات تبدأ باللحية وتنتهى الى غرف النوم فى العلاقة بين الرجل وامرأته .. !! )

**وفى الوقت الذى كان القاتل يشحذ سكينة كان المقتول مستعدا للذبح ...!!
انبهر الغلابة بالريالات والدولارات والأسواق المليئة بالسلع من كافة أرجاء الأرض .. ومن ضمن ماانبهروا به هو الشكل الدينى ..و كانوا يرددون على مسامعهم دائما : ولأن أهل القرى آمنوا واتقوا لرزقناهم .. الآية . وان الثراء البترولى هو دعوة ابراهيم : وارزقهم من الثمرات .... الآية ، والملك عبد العزيز طيب الله ثراه ( كما يقولون .. !! ) اشيع ان احفاد عبد الوهاب باركوا له ما فوق الأرض وما تحت الأرض .فكان فوق الأرض هي جزيرة العرب في مملكة له ولا بنائه وما تحت الأرض كان .. البترول .... ! . وهذه أرض الرسول.وهؤلاء من هذا النسل الطاهر التقي الورع الطيب .. هل هناك تقوى وإيمان أكثر من هذا ..!!
الغلابة يتم غسل مخهم ، والحجاج المصريين يأقون وتوزع عليهم كتب الوهابية ويعودون بها. - وإن الحكم إلا لله و ليس حكم البشر .. والوهابية هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية .. وهم من استجاب الله لدعوة إبراهيم أبو الأنبياء في عهدهم وعلى ايديهم.، فما نقوله هو الصحيح .. وما تعودتم عليه في مصر من زيارة الأضرحة والتبرك بهم هوشرك بالله وكفر ما دونه كفر .
معاملات البنوك ربا ... مرتبات الدولة المصرية حرام لانها من السياحة وبيع الخمور ، القانون الفرنسى المطبق فى مصر حرام لانة مخالف للشريعة الاسلامية ..... !!! . وعاد المصريين ومعظمهم من العمال واصحاب الحرف ليرددوا نفس الاقوال فى عملية تعويض نفسى عن ضحل ثقافتهم ليتعالموا على اهل المحروسة ، فهم قادمون من بلاد الحرم بالدين الصحيح ...!!
واذا عدنا الى الجزء الاول من الدراسة التى نشرت ضمن مقالاتنا على الحوار المتمدن بعنوان : الوهابية .. التاريخ . والتى اوضحنا فيها ان من اهم الاسس التى قامت عليها دعوة محمد بن عبدالوهاب هى التركيز على التناقض بين الحاكم والمحكوم فى قضية الدين .

بن لادن صناعة مخابراتية
وعودة الى المقابلة التلفزيزنية المشار اليها مع السيد/ باديب عندما سألته المذيعة عن بن لادن قال : أنه كان تلميذه في إحدى مدارس جده ( مدرسة الثغر النموذجية والتى كانت مخصصة للنخبة من ابناء الامراء والوجهاء والوزراء - الكاتب ) وبعدها قابله مرارا عندما أصبح في المخابرات حيث أنه كان مسئولا عن ملف أفغانستان في المخابرات السعودية .
انتهى كلام السيد / باديب ولكن تعليقنا لم ينتهى ، فعلي أرض أفغانستان تحرك الحلف الثلاثي - مصر بالحشد البشري والسعودية بالحشد العقائدي والتمويل المالي وأمريكا بالخبرة والسلاح - لمواجهة الاحتلال الروسي الشيوعي لدولة مسلمة هي أفغانستان .
وخرج الجن من القمقم : قتل السادات ... وانفجرت نيويورك فى 11 سبتمبر .. وشهدت مدن المملكة ولاول مرة فى تاريخها التفجيرات . ومازالت الفاتورة تدفع يوميا بعشرات القتلى فى بلداننا الاسلامية : العراق ولبنان وفلسطين وافغانستان وباكستان والصومال واليمن والمغرب والجزائر .. مع خالص التحية لوهابيتنا السعيدة وراعيها البطل الهمام .
_______________
* هشام حتاته: - من مواليد 14/8/1951باحدى قري محافظة الغربية فى دلتا مصر
- كاتب وباحث فى تاريخ الاديان ، ومن المنتمين الى مدرسة نقد الفكر الدينى الحديثة وكشف المستور والمضمر والمسكوت عنه فى التراث الدينى وتحطيم التابوهات
- حاصل على بكالوريوس تجاره عام 1973 وبدا حياته العملية محاسبا بالفنادق المصرية وتدرج حتى مدير مالى وترك العمل الحكومى ليتفرغ لاعمالة التجارية .
- عمل فى مملكة آل سعود خمسة سنوات من عام 1976 حتى عام 1981 وكانت بداية رحلته فى الاطلاع على التراث الدينى الاسلامى الاسطورى العتيق والتى امتدت لخمسة عشر عاما .
- بدأت الرحلة مع التاريخ الحقيقى للاسلام وتطبيقات العلوم الحديثه عليه ووضعه تحت مجهر البحث العلمى من عام 1995 مع البدايات الاولى للراجل فرج فودة والدكتور القمنى والراحل نصر ابوزيد ....... الخ وحتى صدور اول كتبى فى مايو من عام 2007 بعنوان ( الاسلام بين التشدد البدوى والتسامح الزراعى ) وكان اول كتاب فى مصر يتعرض للتاريخ الحقيقى للفكر الوهابى ونشاته واسباب انتشاره ، وتنبأت فيه ايضا بوصول الاسلاميين الى حكم مصر بعد خمسة سنوات ( والذى تحقق بالفعل فى مايو 20012 ) وبعدها كتاب من جزأين بعنوان (التراث العبء ) وبعض المقالات فى الصحافة المصرية الورقية التى سمح بنشرها

الجمعة، 14 مارس 2014

قطر والسعودية: كما يشتري الخليجيون، كل لوازمهم جاهزة، اشترت قطر تنظيماً عريقاً جاهزاً وبحاجة إلى مقر ومنبر وتمويل، أي الإخوان المسلمين

    مارس 14, 2014   No comments
ناهض حتر
 الصراع الذي بدأ، منذ وقت بعيد، قبلياً محلياً في نجد، بين آل سعود (من عنزة) وآل ثاني (من تميم)، تحوّل في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين إلى مفصل رئيسي في استراتيجيات الصراع الكوني. لا يعود ذلك، بالطبع، إلى عبقرية العائلتين البدويتين، وإنما إلى ثلاثية الطاقة والدين والإرهاب الشرق أوسطية

تبدو السعودية، اليوم، وقد حسمت أمرها مع قطر، ساعيةً إلى عزلها خليجياً وعربياً ودولياً، وتضرب بعنف أداتها التدخلية الإقليمية، الإخوان المسلمين، وتشنّ عليها هجوماً شرساً، لا نعرف سوى الجزء المعلن منه؛ فالأجندة مكتظّة بالإجراءات اللاحقة، وعلى المستوى السري، لم يعد مستبعداً توجيه ضربات أمنية للقطريين ومصالحهم بوساطة أدوات إرهابية سعودية، بل حتى بوساطة الصدام العسكري.

القطريون الذين يملكون، بدورهم، شبكاتهم الإرهابية الخاصة، سيردّون على السعودية في سوريا، ربما في المدينة/ الدولة المزدهرة، إنما الهشّة أمام سلسلة تفجيرات، دبي، وحتى داخل السعودية نفسها؛ يمكن تغطية المعارضة الشيعية سياسياً وإعلامياً، ويمكن تحريك خلايا نائمة.
بالطبع، سيكون احتدام الصراع بين مركزَي الوهابية هذين لحسن حظ العالم العربي والإسلامي؛ دماء السوريين لن تذهب هدراً، ولن يكون محور المقاومة مضطراً للرد على الإرهاب السعودي ـــ القطري؛ سيتولى الطرفان الاقتصاص في حربهما الثنائية التي يبدو أنه لا مفر منها.
مضى قرن كامل على التدخل البريطاني لطيّ مطالبة المملكة السعودية بضم شبه جزيرة قطر، التي يعدّها السعوديون جزءاً من الإحساء، لكن الجمر لا يزال تحت الرماد؛ الرياض لا تزال تنظر إلى قطر كإقليم انفصالي، ولا تزال تنظر إلى آل ثاني كأتباع متمردين على عرش الدنيا والدين السعودي. بالمقابل، يرى آل ثاني أنفسهم جديرين بمنافسة ملوك الرياض؛ فعوامل الجغرافيا والديموغرافيا والمكانة الدينية والسياسية لا قيمة لها، جدياً، في عالم القبائل.
لكن تلك مجرد الخلفية النفسية التاريخية، فاللوحة اليوم معقّدة للغاية: قطر الصغيرة القليلة السكّان، وإنما البالغة الثراء، انتهجت استراتيجية ناجحة لحماية الذات وتعظيم المكانة والدور؛ عملت على شغل أكبر المساحات العربية في العالم الافتراضي للفضائيات والإعلاميات والثقافيات والإنترنت، المئات من الإعلاميين والمثقفين والتقنيين العرب ـــ الذين لا يمكن انتاجهم إلا في مجتمعات عريقة وكثيفة ومتحضرة ـــ كانوا، وقد همّشهم فشل التنمية العربية، في خدمة المشروع القطري، معهم الآلاف من نخب العالم العربي، ممن يبحثون عن منبر وجدوه في قناة «الجزيرة»؛ لكن قطر لم تكتف، حسب الدرس السياسي اللينيني ـــ «بالجريدة»، وإنما عملت على امتلاك تنظيم سياسي إقليمي ودولي. وكما يشتري الخليجيون، كل لوازمهم جاهزة، اشتروا تنظيماً عريقاً جاهزاً وبحاجة إلى مقر ومنبر وتمويل، أي الإخوان المسلمين. كل شيء كان ناجحاً قبل الربيع العربي، كانت قطر قادرة على اختراق الفضاء العربي إعلامياً وسياسياً، تحظى بالمقبولية لدى المتصارعين، تقيم علاقات مع محور المقاومة ومع إسرائيل، ومع إيران وتركيا؛ بدت أعجوبة ربع القرن الأخير! لكن النجاح الصاعق الكبير أوهمها، وانتقل بها من استراتيجية حماية الذات إلى استراتيجية السيطرة على العالم العربي؛ هنا اصطدم الافتراضي بالواقعي، وبدأ يتهشم، بينما السعودية تنتظر للأخذ بالثأر، ووضع حد للتوسع القطري.
جزئياً، كان بإمكان قطر، لو أنها اكتفت بقدر من النجاح في مصر وتونس وليبيا، أن تحافظ على مكانتها، وتعزز ودورها، لكنها توهمت بأنها يمكن أن تلعب لعبة الربيع العربي، ولو بالدمار وأنهر الدماء، في سوريا؛ هنا انتهت اللعبة؛ فسوريا التي تتمتع بنسيج اجتماعي داخلي يمثل قاعدة واسعة نسبياً للنظام، وتتمتع بجيش متماسك ومقاتل، تشكل أيضاً معقلاً للروس والإيرانيين والمقاومة والتيارات اليسارية والقومية والعلمانية العربية، ومعقلاً للمسيحية المشرقية. وكل هذه القوى انخرطت في معركة الدفاع عن سوريا، ونظامها، وخياراتها في مواجهة غرب منهك وضائع الرؤية، وقوى إسلامية بلا أفق فكري حديث ولا برنامج ولا زعامة، لا تملك من متاع السياسة سوى التكفير والإرهاب.
في سوريا، وسّعت قطر تنظيمها ليشمل، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين، الشبكات الإرهابية، وتحالفت مع تركيا في حرب ضروس على الشعب السوري، وأمسكت بالملف كله ردحاً من الزمن، وخاضت الحرب بكل أوراقها، بما فيها ورقتها الأثمن، حركة حماس، فأخرجتها من سوريا، ومن محور المقاومة، وانجرّت الى المشاركة في الصراع السوري، فخسرت ما كانت تتمتع به من إجماع شعبي عربي، وفقدت سمعتها وهيبتها كحركة مقاومة. والخسارة، هنا، في النهاية، خسارة قطرية صافية من دون مقابل.
هزيمة المشروع في سوريا أدت إلى تخلخل موازين القوى على مستوى المنطقة كلها؛ سقط الإخوان المسلمون في الأردن ومصر وتراجعوا في تونس، وتخلخلت قوتهم في تركيا نفسها، ومع ما أصاب المشروع القطري من انتكاسات ووهن، كان هناك الأميركيون غير الراضين عن التوسع القطري الطموح، والسعوديون الذين تقدموا بعد تنحي الحمدين بالهزيمة، إلى صدارة المشهد، في سلسلة من المبادرات: (1) تكوين التحالف السعودي الإماراتي البحريني الأردني، (2) الإغداق المالي والدعم السياسي والإعلامي للنظام العسكري المصري في مواجهة الإخوان المسلمين، (3) تجديد الحرب في سوريا من خلال محاولات مثابرة لإعادة تكوين الجماعات المسلحة الإرهابية، وتوفير الدعم السياسي والتمويل والتدريب والتسليح لمن يقدّم منها الطاعة للمملكة السعودية، (4) التحرك في لبنان على مستويين، إرهابي مضاد لحزب الله والمصالح الإيرانية، يبتز الآخرين على المستوى السياسي لإعادة تعويم تيار المستقبل، وإحداث اختراقات في جبهة 8 آذار.
مشكلة السعودية الكبرى الباقية تكمن في العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما؛ فالعلاقات المتشعبة الواسعة النطاق وشبه العلنية مع شبكات الإرهاب الإسلامي، تجاوزت، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الحدود. وفي مفصل أساسي في السياسة الخارجية الأميركية هو مفصل التفاهم مع إيران في الملف النووي والملفات الإقليمية الساخنة الأخرى، رأت السعودية أنها معزولة، وهي التي كانت تراهن على ضربة أميركية عسكرية حاسمة لإسقاط النظام السوري، فاجأها التفاهم الروسي ـــ الأميركي في صيف 2013، على الاتفاق مع نظام الرئيس بشار الأسد على التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية، وتلافي حرب لم تكن واشنطن تريدها، إنما وجدت نفسها متورطة على حافتها.
السعودية التي تواجه التحدي الروسي الإيراني السوري، والضغوط الأميركية، والاستعداد القطري للانقضاض على دورها مجدداً، ذهبت إلى ثلاثة خيارات استراتيجية هي (1) التحالف مع إسرائيل والتنسيق معها في الحرب السورية وفي المواجهة المحتملة مع إيران، (2) السعي إلى الإمساك الكامل بورقة «المعارضة» السورية الخارجية، وبالتنظيمات المسلحة على الأرض، وضرب أي تنظيم لا يخضع كلياً للإدارة السعودية، باعتباره تنظيماً إرهابياً. (نلاحظ أن معيار الإرهاب، هنا، لا يتعلق بالفكر التكفيري واستخدام العنف الدموي ضد المدنيين والذبح على الهوية الطائفية الخ؛ فالتنظيمات الإسلامية التي تدعمها السعودية في سوريا باعتبارها معتدلة تتبنى برنامج فرض الشريعة وإقامة نظام إسلامي طائفي وتمارس التعبئة والقتال على أساس تكفيري وطائفي الخ)، (3) استخدام لعبة الباب الدوّار في الموقف من الإرهاب؛ إدانته والاستمرار في دعمه وتشغيله لضرب النظامين السوري والعراقي، على أسس التحشيد الطائفي ميدانياً، وباعتبارهما حليفين للعدو الرئيسي للسعودية، أي إيران. وفي هذا السياق ـــ ومن دون التوقف عن العلاقات مع الإرهابيين تحت مسميات مختلفة، الجيش الحر، المقاتلين «العلمانيين» المدربين لدى السي آي إيه، الجبهة الإسلامية المصنفة كمنظمة «معتدلة» ـــ قامت السعودية بالإعلان عن سياسات تمهد للتوافق مع «الزائر الأميركي الكبير»، باراك أوباما، الذي يحل ضيفاً على السعودية قريباً، للتفاهم على تجديد التحالف الثنائي وسط التغيّرات الإقليمية والدولية العاصفة: حظرت الرياض على مواطنيها القتال في سوريا أو خارج المملكة ـــ لكن من دون إجراءات ميدانية ـــ وأوقفت التحريض التكفيري داخلها، ثم انتهت إلى إعلان عدة منظمات باعتبارها إرهابية: «داعش» المتمردة أصلاً عن الخضوع للاستخبارات السعودية (تقاتلها في سوريا وتدعمها في العراق!) و«جبهة النصرة» المصنّفة، بالأساس، إرهابية، لدى الأمم المتحدة. لكننا، هنا، لسنا سوى بإزاء مسميات متحركة لجسم تكفيري طائفي إرهابي تسعى السعودية إلى التخلص من بعض قياداته وتنظيم صفوفه في جيش موحد تحت إمرتها. لكن جرى استخدام هذه المناورة الإعلامية الأمنية لتوجيه ضربة موجعة للقطريين: إعلان حركة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً؛ ليس هذا الإعلان عابراً ولا هو مجرد تلاعب بالألفاظ والمسميات؛ فلسنا، هنا، بإزاء جسم إسلامي تكفيري مقاتل يمكن إعادة تدويره وفكه وتركيبه، بل بإزاء حركة سياسية صلبة الحضور المادي والسياسي، وإعلانها تنظيماً إرهابياً من قبل السعودية، سوف يرتّب على الحركة أعباء سياسية ثقيلة جداً، ويربكها، ويزيد من حصارها؛ ففي مصر سوف تزداد الحرب التي تشنها على الإخوان، ضراوة وشدة، وفي فلسطين، سوف يكون على حماس أن تلجأ إلى فتح رام الله، كملاذ آمن، وفي تونس، سوف تضطر حركة النهضة الإخوانية إلى المزيد من التراجع والتواضع، أما في الأردن، فقد حدث ما يأتي: لم يكد حبر القرار السعودي باعتبار الإخوان تنظيماً إرهابياً، يجفّ، حتى تحوّل إخوان الأردن من المعارضة إلى الموالاة!
هذه ضربة معلّم سعودية عنيفة للأداة السياسية الإقليمية لآل ثاني، تتضمن، في الوقت نفسه، إحراج الأميركيين، ولزّهم إلى ارتباك مضاعف في علاقاتهم مع الإخوان المسلمين، وفي موقفهم من الصراع الدائر في مصر، وخصوصاً أن السعوديين قدّموا لواشنطن تنازلات شكلية ووهمية في ملف محاربة الإرهاب. والآن، إذا ما تمكنت الرياض من التوصل إلى تفاهمات مع زائرها، أوباما، فسيكون على قطر أن تتلقى المزيد من الضربات السعودية.
الرد القطري الممكن انطلق من حيث ارتكبت قطر خطأ عمرها، أي من سوريا؛ تطبيع العلاقات مع دمشق مقدمة لا بد منها للقيام بتفاهمات جوهرية مع طهران وموسكو. وهذا ما بدأت الدوحة القيام به فعلاً، ويلقى قبولاً سورياً؛ الآن، تحت تزايد الضغط السعودي، سوف تتكثف الاتصالات القطرية مع أطراف محور المقاومة، وعما قريب، ربما نشهد تطورات ميدانية في الحرب السورية، تعلن نهاية التدخل القطري ـــ التركي فيها، وتسريع مصالحات مع جهات وتنظيمات على الأرض، تبيّن من خلال عملية إطلاق سراح الراهبات المختطفات في يبرود، أنها ما تزال تدين بالولاء للدوحة؛ هل ستكون مصالحة منتظرة في يبرود بالذات، بداية لمسيرة تفاهم بين محور المقاومة وقطر؟ سؤال برسم المستقبل القريب.

«تمرّد» أردني على السعودية

أبلغت الرياض، عمّان، بصورة حاسمة، رفضها، من حيث المبدأ، أي وساطة يبدو أن الدبلوماسية الأردنية اقترحت القيام بها لإجراء مصالحة سعودية ـــ قطرية. المسؤولون الأردنيون الذين يدركون حجم الآثار السلبية التي سيتركها التفكك الخليجي، وتفاقم الصراع بين السعودية وقطر، على التموضع الأردني القلق، وجدوا أنفسهم مندفعين إلى القيام بشيء ما، لتلافي الأسوأ، لكن السعودية رفضت الفكرة و«غضبت منها».
مطبخ القرار الأردني، بدوره، رفض ضغوطاً سعودية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة. ولفت مسؤول أردني، لم يذكر اسمه، في تصريحات صحافية، إلى أنه «حتى في حال إجماع مجلس التعاون الخليجي على موقف موحد من قطر، فإنه ليس ملزماً للأردن؛ لأنه ليس عضواً في المجلس».
على الصعيد نفسه، أبلغت عمان جهات سعودية وإماراتية أنها لن تتبع مصر والسعودية في قرارهما حظر جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها منظمة إرهابية، «طالما أنها تواصل الالتزام بالمنهج السلمي».
_____________
 «الأخبار»

الجمعة، 7 مارس 2014

السعودية تتبنى “القبضة الحديدية”.. وتتخلص من ارث الامير بندر بن سلطان في سورية.. قطر و”الجزيرة” قد تجرمان قريبا جدا بتهمة دعم “الارهاب الاخواني”.. و”دعاة التويتر” تنتظرهم اياما عصيبة وربما السجن

    مارس 07, 2014   No comments
عبد الباري عطوان
عندما تساوي المملكة العربية السعودية بين حركة الاخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة”، وتضعهما جنبا الى جنب في قائمة “الارهاب” التي تضم ست جماعات اخرى، فان هذا لا يعني، ومنذ الوهلة الاولى، انها قررت اعلان الحرب عليها، اي حركة الاخوان، وكل الدول الداعمة لها (تركيا وقطر)، وكل من يعتنق فكرها داخل المملكة وخارجها.

هذا القرار السعودي غير المسبوق صدر عن وزارة الداخلية السعودية ظهر الجمعة، وجاء بعد بضعة اسابيع من زيارة الامير محمد بن نايف وزير الداخلية الى واشنطن، ولقائه مع اركان الادارة الامريكية، وقادة اجهزتها الامنية على وجه الخصوص.

الامير محمد بن نايف الذي حل محل ابن عمه الامير بندر بن سلطان في الاشراف على الملف الامني السعودي بكل جوانبه الداخلية والخارجية، اراد ان يحكم قبضته على الداخل السعودي، ويقتلع جذور “الاسلام السياسي” الذي يشكل الخطر الاكبر على حكم آل سعود من وجهة نظره، بسبب تغلغه في المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تستطيع السلطات الامنية حجبها او السيطرة عليها بشكل كامل.

وصم حركة الاخوان المسلمين بالارهاب يعني تجريم معظم الدعاة السعوديين الكبار والصغار، وتشريع اعتقالهم، وتطبيق احكام القوانين الجديدة عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاث وعشرين عاما.
ومن ابرز هؤلاء الشيوخ محمد العريفي، سلمان العودة، ناصر العمر، محسن العواجي، عايض القرني، عبد الله المحيسني والقائمة طويلة.
وربما يجادل بعض هؤلاء بانهم ليسوا اعضاء في تنظيم الاخوان المسلمين، وهذا صحيح، فالتنظيم لا يصدر بطاقات عضوية فعلا وقد صرح رضا فهمي عضو مجلس شورى الاخوان ان الجماعة ليس لها اي تنظيم في السعودية، ولمنه اعترف “ان هناك من يؤمن بافكار الجماعة المعتدلة شأن الكثيرين في الدول العربية”، ولكن القانون نص صراحة على الصاق تهمة الارهاب بكل “من يقوم بتأييد التنظيمات او الجماعات او التيارات، او التجمعات، او الاحزاب او اظهار التعاطف معها، او الترويج لها، او عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة او خارجها”.
***
ولعل الفقرة الاخطر في البيان السعودي تلك التي تقول “يشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الاعلام المسموعة، او المقروءة، او المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى انواعها، المسموعة او المقروءة، او المرئية، ومواقع الانترنت، او تداول مضامينها بأي صورة كانت، او استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، او اي رموز تدل على تأييدها او التعاطف معها”، وهي فقرة اغلقت كل الثقوب والثغرات في وجه اي محاولة للتعبير خارج اطار وسائل الاعلام الرسمية!
بمعنى آخر ان مشاركة دعاة سعوديين في اجتماعات ولقاءات هيئة كبار العلماء المسلمين الذي يتزعمه الشيخ يوسف القرضاوي تضعهم تحت طائلة قانون الارهاب، والشيء نفسه ينطبق على كل من يظهر على قناة “الجزيرة” او يضع شعار ميدان رابعة العدوية الاصفر بالاصابع الاربعة، وهناك عشرات الآلاف من السعوديين يضعون هذه الشعار على صدر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي مثل “التويتر” و”الفيسبوك” وغيرها، ومن بين هؤلاء دعاة كبار وصغار وطلاب علم.
السلطات السعودية تشعر فيما يبدو ان الخطر بدا يطرق ابواب بيتها الداخلي بقوة، وان اعمال التمرد والعنف قد تتصاعد داخل العمق السعودي، بعد ان طال امد الازمة السورية، ودخول الحرب فيها عامها الرابع، وتقدم اولوية مكافحة الارهاب على الارض السورية على اولوية اطاحة النظام التي كانت تتقدم على ما عداها في بداية الازمة.
المملكة العربية السعودية ونظام الرئيس بشار الاسد اصبحا في خندق واحد في مواجهة “الارهاب”، والقوانين الجديدة تؤكد هذه الحقيقة الصادمة بشكل او بآخر، بما في ذلك تجريم مشاركة المواطنين السعوديين في القتال على الارض السورية، واعطائهم مهلة اسبوعين للعودة فورا والا واجهوا عقوبات بالسجن تصل الى عشرين عاما.
من الواضح ان الامير محمد بن نايف الذي يقف خلف هذه القوانين ومراسيمها قرر التخلص بصورة نهائية من ارث ابن عمه بند بن سلطان، وان واعادة النظر في مفهوم التدخل السعودي العسكري تدريجيا في سورية، وان يزيل عن بلده اي شبه بدعم الارهاب لما يمكن ان تنطوي عليه هذه التهمة من عواقب قانونية دولية مستقبلا.
مسؤول امارتي قال لي قبل عشر سنوات، ان بلاده خسرت اكثر من 15 مليار دولار لتنفي عن نفسها هذه التهمة بسب مشاركة مواطن يحمل جنسيتها في هجمات الحادي العشر من سبتمبر (مروان الشحي)، فترى كم خسرت المملكة التي شارك 17 من حملة جنسيتها في هذه الهجمات؟
وما دمنا نتحدث عن الازمة السورية، فان السؤال الذي يطرح نفسه سيكون عن موقف المملكة من الائتلاف الوطني السوري الخيمة التي تنضوي تحتها معظم فصائل المعارضة السورية، ومن بينها حركة الاخوان المسلمين السورية، فهل ستسحب اعترافها بهذا الائتلاف، ام انها ستشترط استمرار اعترافها بطرد جميع الاعضاء المنتمين لهذه الحركة في هيئة قيادة المعارضة؟ سننتظر لنرى!
وومن غير المعتقد ان التجريم بتهمة الارهاب لن ينطبق حتما على الافراد والجماعات فقط، وانما على الدول ايضا، والمقصود هنا دولة قطر التي تقدم الدعم المالي والاعلامي والسياسي لحركة الاخوان المسلمين وتعترف بذلك علنا وترفض كل الضغوط لتغيير موقفها هذا، مثلما تقدم المأوى والحماية لقياداتها التي لجأت اليها، فاذا كانت جريمة الفرد الذي يجمع المال لحركة الاخوان السجن عشرين عاما فما هي عقوبة الدول التي تقدم لهم المليارات؟
لا نستغرب، بل لا نستبعد، اذا ما قامت القوات السعودية باقتحام الحدود القطرية “يوما ما” بسبب دعم دولة قطر لحركة “ارهابية” تهدد امن واستقرار المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر ومصر ايضا، سواء كانت هذه الحركة هي الاخوان المسلمين او حركة “الحوثيين” في شمال اليمن التي وضعت على قائمة الارهاب السعودية ايضا، وقال الامير سعود الفيصل في اجتماع وزراء الخارجية لدول الخليج  الاخير في الرياض ان بلاده تملك وثائق رسمية بدعم قطر لهذه الحركة بالمال والسلاح.
***
محطة “الجزيرة” القطرية ربما تكون اول محطة ستوضع على قائمة المحطات “الارهابية”، لانها تستضيف يوميا قيادات في حركة الاخوان المسلمين وتغطي احتجاجاتها المناهضة للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر، ولن يكون مفاجئا بالنسبة الينا اذا ما تعرضت مكاتبها للاغلاق اليوم قبل غدا، او حتى تعرضت مقراتها للقصف، الم يفكر الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش بقصفها، وتشاور مع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا جديا حول هذا الامر، حسب ما جاء في وثائق ويكيليكس؟ الم يطالب ملك عربي الرئيس بوش نفسه بتوجيه واحد من الصواريخ الذاهبة الى العراق لقصف مقر “الجزيرة” في الدوحة؟
نشم رائحة حرب في منطقة الخليج، حرب اعلامية وربما تتبعها حرب عسكرية، فالتوتر في ذروته، ووساطات “بوس اللحى” السابقة لم تعد تجدي نفعا، فقد اتسع الخرق على الراقع.
السلطات السعودية تقدم على مغامرات خطيرة جدا وتستعد للمواجهة على اكثر من جبهة، وتلجأ وبصورة اكثر قوة للقبضة الحديدية، لتكتيم الاصوات، وتقييد الحريات، في وقت تثور فيه الشعوب من اجلها، ولا بد ان هناك اسباب لا نعرفها تدفعها للذهاب الى هذه الدرجة من التشدد في هذا المضمار.
منطقة الخليج تقف حاليا على حافة تطورات غير مسبوقة لا يستطيع احد التنبؤ بنتائجها مهما اوتى من علم وبعد بصيره، فيبدو ان سياسة محاربة الثورات المطالبة بالديمقراطية في نهدها كأسلوب وقابة قد فشلت ولا بد من سياسة جديدة بديلة لتحصين الداخل من خلال القبضة الحديدية، السياسة التي اتبعها النظام السوري، ولكن باساليب غير دموية، وهذا لا يعني انها قد لا تتطور الى الحلول الامنية العسكرية لاحقا.
السعودية التي كنا نعرفها طوال الثمانين عاما الماضية تقف على ابواب مرحلة جديدة من التغيير، سنترك الحكم للمستقبل عما اذا كان هذا التغيير للافضل او الاسوأ.

الخميس، 6 مارس 2014

السعودية تحدد الإرهاب والإرهابيين: القاعدة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وجبهة النصرة، وحزب الله في داخل السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثيين

    مارس 06, 2014   No comments
أعلنت السعودية «تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وجبهة النصرة، وحزب الله في داخل السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثيين»، تنظيمات وجهات إرهابية، يحظر الانتماء إليها ودعمها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأن هذا الحظر يشمل «كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكرا، أو قولا، أو فعلا، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعرفت بالإرهاب وممارسة العنف».

 نص البيان:

«الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فاستنادا إلى الأمر الملكي الكريم رقم أ-44 وتاريخ 3-4- 1435هـ، القاضي في الفقرة (رابعا)، بتشكيل لجنة من وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة العدل، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، تكون مهمتها إعداد قائمة - تحدّث دوريا - بالتيارات والجماعات المشار إليها في الفقرة (2) من البند (أولا) من الأمر الكريم، ورفعها لاعتمادها.. فتود أن توضح وزارة الداخلية أن اللجنة المشار إليها اجتمعت وتدارست ذلك ورفعت للمقام الكريم بأن يشمل ذلك كل مواطن سعودي أو مقيم عند القيام بأي أمر من الأمور الآتية:


1ـ الدعوة للفكر الإلحادي بأي صورة كانت، أو التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي التي قامت عليها هذه البلاد.

2ـ كل من يخلع البيعة التي في عنقه لولاة الأمر في هذه البلاد، أو يبايع أي حزب، أو تنظيم، أو تيار، أو جماعة، أو فرد في الداخل أو الخارج.

3ـ المشاركة، أو الدعوة، أو التحريض على القتال في أماكن الصراعات بالدول الأخرى، أو الإفتاء بذلك.

4ـ كل من يقوم بتأييد التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها.

5ـ التبرع أو الدعم، سواء كان نقديا أو عينيا، للمنظمات، أو التيارات، أو الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، أو إيواء من ينتمي إليها، أو يروج لها داخل المملكة أو خارجها.

6ـ الاتصال أو التواصل مع أي من الجماعات، أو التيارات، أو الأفراد المعادين للمملكة.

7ـ الولاء لدولة أجنبية، أو الارتباط بها، أو التواصل معها بقصد الإساءة لوحدة واستقرار أمن المملكة وشعبها.

8ـ السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، أو الدعوة، أو المشاركة، أو الترويج، أو التحريض على الاعتصامات، أو المظاهرات، أو التجمعات، أو البيانات الجماعية بأي دعوى أو صورة كانت، أو كل ما يمس وحدة واستقرار المملكة بأي وسيلة كانت.

9ـ حضور مؤتمرات، أو ندوات، أو تجمعات في الداخل أو الخارج تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة في المجتمع.

10ـ التعرض بالإساءة للدول الأخرى وقادتها.

11ـ التحريض، أو استعداء دول، أو هيئات، أو منظمات دولية ضد المملكة.

وتشير وزارة الداخلية إلى أنه تمت موافقة المقام الكريم على ما جاء بهذه المقترحات وصدر الأمر الكريم رقم 16820 وتاريخ 5-5-1435هـ باعتمادها، وأن يبدأ تنفيذ هذا الأمر اعتبارا من يوم الأحد 8-5-1435هـ، الموافق 9 مارس 2014م، وأن من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال منذ هذا التاريخ ستتم محاسبته على كافة تجاوزاته السابقة، واللاحقة لهذا البيان، كما أمر المقام الكريم بأن يمنح كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت مهلة إضافية، مدتها خمسة عشر يوما اعتبارا من صدور هذا البيان لمراجعة النفس والعودة عاجلا إلى وطنهم، سائلين الله أن يفتح على صدورهم، وأن يعودوا إلى رشدهم.

وإذ تعلن وزارة الداخلية ذلك لترفق بهذا القائمة الأولى للأحزاب، والجماعات، والتيارات التي يشملها هذا البيان، وهي كل من أطلقت على نفسها مسمى: (تنظيم القاعدة - تنظيم القاعدة في جزيرة العرب - تنظيم القاعدة في اليمن - تنظيم القاعدة في العراق - داعش - جبهة النصرة - حزب الله في داخل المملكة - جماعة الإخوان المسلمين - جماعة الحوثي)، علما أن ذلك يشمل كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكرا، أو قولا، أو فعلا، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعرفت بالإرهاب وممارسة العنف.

وسوف تقوم الوزارة بتحديث هذه القائمة بشكل دوري وفق ما ورد في الأمر الملكي الكريم، وتهيب بالجميع التقيد التام بذلك، مؤكدة في الوقت نفسه أنه لن يكون هناك أي تساهل، أو تهاون مع أي شخص يرتكب أيا مما أشير إليه.

ونسأل الله عز وجل الهداية للجميع، مستذكرين قول الحق تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم)».

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

من «الثورة العربية الكبرى» إلى «الثورة السورية»: ما أشبه اللـيلة بالبارحة!

    فبراير 25, 2014   No comments

صالح عبد الجواد*
«صحيح أن الدولة العثمانية ساعدت على إسقاط نفسها، لكنها كانت تمثل البقية الباقية من خلافة تربط وتوحد بين المسلمين، وكان استمرار وجودها عقبة في تهويد فلسطين، ولهذا السبب، وليس من منطلق حقوق الإنسان، كان رأسها مطلوباً للغرب» (المجاهد الشهيد الشيخ راغب حرب) 1

يُظهر هذا المقال بعض أوجه الشبه المفزعة بين ما يسمى «الثورة العربية الكبرى» عام 1916 و«الثورة السورية» الحالية في شقها المُعسكر المحبذ لتدخل أجنبي تقوده وتنفذه الدول التي ليس لها من تاريخ وسجل مع العالم العربي (بما في ذلك بلاد الشام) إلا سجل أسود من التفتيت والتقسيم والتدمير، كان زرع إسرائيل في قلبه وتدمير العراق وتقسيم السودان وتحييد مصر وتطويقها وتهديد شريان حياتها أبرز جرائمها.

أما الهدف من هذا المقال، فهو فتح باب حوار مع القوى الإسلامية التي تتبنى الثورات المسلحة، لعلها ــ رغم انزلاقها في عدائها للنظام السوري إلى درجة ضاعت فيها المسلمات والمبادئ ــ تعود عن غيها، فيكون ذلك «كلمة سواء بيننا وبينكم».
كلتا «الثورتين»، العربية والسورية، استندتا إلى ظلم واقع لا ننكره، وإن كان هذا الظلم مبالغاً فيه، وهو في أحسن الأحوال «كلمة حق يراد بها باطل» 2.
وكلتا «الثورتين» عانتا انفصام الهوية. فالأولى، دشنها شريف مكة الحسين بن علي، أحد أهم الرموز الدينية في العالم الإسلامي، ورغم أنه كان من معسكر رجعي ومحافظ، فقد حارب، ويا للمفارقة، تحت راية القومية العربية، التي كانت في حينها إيديولوجية مقصورة على قلة من مثقفي المدن الشامية العصريين المتأثرين بالأفكار الغربية. والفكرة القومية ظل تأثيرها بعيداً عموماً عن متناول «مثقفي» مكة 3، وعن القاعدة البدوية «للثورة»، حيث لم يعرفها البدو أو حتى سمعوا بها. وفي الثورة الثانية، استطاع من أرادوا عسكرة الانتفاضة وتجييرها لأعداء سوريا اختطاف انتفاضة شعبية سلمية ذات مطالب عادلة في البداية، فأمسكوا بزمامها، فحرفوها عن مسارها السلمي العفوي وعسكروها، مدعين أنهم محاربون تحت راية الإسلام لتحقيق الديموقراطية والعدل.
وكلتا «الثورتين» استندتا إلى دعم العدو الخارجي نفسه (المثلث إياه: أميركا وفرنسا وبريطانيا) لإسقاط وتغيير النظام، وهو عدو، كان بما لا يقارن، أشد خطراً وظلماً من الأتراك العثمانيين أو النظام السوري.
وكلتا «الثورتين» جَيّرتا، بوعي أو دون وعي، مشروع «الثورة» لمصلحة أعداء الأمة وأجندتهم. الأولى، قادها لورنس «العرب» الذي وجه فيصل الأول كما تُحرك الدمى، ولم تكن صفة العروبة التي ألحقت باسمه، إلا تغطية وتضليلاً لما هو عليه في واقع الأمر: مجرد صهيوني مسيحي، عراب اتفاقية فيصل ــ وايزمن (1919) التي تنص على التخلي عن فلسطين لليهود، في مقابل دولة شريفية مستقلة. أما الثورة الثانية، التي روج لبدايتها الصهيوني العتيد برنارد ليفي، فقد أعماها الحقد عن أن ترى كيف تسلم «رقبة وطنها» لأجندة حلف الناتو وإسرائيل. وكلتاهما تحالفت مع الغرب الاستعماري وهو ينخر في أوطانهم. الأولى تحالفت مع الفرنسيين بعد عامين من احتلال فرنسا للمغرب عام 1812، ومع الإيطاليين بعد 3 سنوات من احتلال ليبيا، وكان من خلفهم وأمامهم سجل حافل من تدمير الجزائر ومحاربة إسلامه وعروبته وعبودية أبنائه ومن ابتلاع تونس. أما «الثورة السورية» (كحال الثورة الليبية)، فقد تحالفت مع نفس القوى العظمى الاستعمارية التي هودت فلسطين ودمرت العراق وليبيا والسودان، وعملت على تفتيتها.
وكلتا «الثورتين» طالبتا بتدخل أجنبي مسلح وبحصار اقتصادي لإضعاف النظام ودفع الشعب للتمرد عليه استجلاباً لهذا التدخل. قبل عشرين عاماً من الثورة العربية الكبرى، كتب السير فيليب كوري المفوض السفير البريطاني في إسطنبول إلى حكومته تقريراً بتاريخ الثامن والعشرين من شهر آذار/ مارس 1894 عن الثورات والهبّات في أرجاء الدولة العثمانية، التي مهدت لتفتيتها النهائي، يقول فيه:
«الهدف المباشر للثوار التحريض على الفوضى، مستفزين الدولة العثمانية لإنزال عقوبات شديدة، تجرّ تدخل القوى [الأوروبية] باسم الإنسانية» 4. (هل ضروري أن نذكر أن هذا هو بالتحديد نفس دور المعارضات العراقية والليبية والسورية الخارجية؟).
في الثورة الأولى، أدى الحصار البحري البريطاني الذي صادف فرضه موسمي قحط وجراد، إلى وقف وصول إمدادات الحبوب والمواد الغذائية إلى بلاد الشام، ما أدى إلى مجاعة وأوبئة اودت بحياة 20% من سكان بلاد الشام بين أعوام 1915 - 1918. أما في الثانية، فلم تتكشف آثار الحصار الاقتصادي بعد، وإن كان من غير المرجح أن يؤدي إلى نفس النتائج، نظراً إلى اعتماد سوريا على نفسها، ورفض عراقي وإيراني وروسي وصيني لهذه السياسة.
وكلتا «الثورتين» تتشاركان في حساب جردة الخسائر والأرباح: جرّ الكوارث إلى شعوبهما وشعوب العالم العربي. الأولى أدت إلى كوارث ما زلنا نعيش تداعياتها حتى اليوم تحت عنوان سايكس - بيكو. وفي الحالة الثانية - إن نجحت - سنكون إزاء كوارث لن نستفيق منها أبداً. فالأولى، دمرت من خلال «هدم دولة الخلافة» كل ما بقي للمسلمين من رابطة تجمع في ما بينهم، رغم ما وصلت إليه هذه الخلافة من «رجل مريض». كذلك أسهمت في تقسيم العالم العربي وتجزئته وإضعافه، ورسم حدود التجزئة التي أضرت بالتكامل والتبادل وحرية الحركة بين الشعوب والأقطار العربية. وأدت دوراً أساسياً في تهويد فلسطين، فما كان للمشروع الصهيوني أن ينجح ابداً لولا زوال الدولة العثمانية.
زئيف جابوتنسكي مؤسس وزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية (منظّر اليمين والأب الروحي لبيغن وشارون ونتنياهو)، كان على قناعة تامة «بأن مصير المشروع الصهيوني مشروط بتدمير الدولة العثمانية، فهذا التدمير وحده الكفيل بتحرير أرض إسرائيل لمصلحة اليهود. وعليه، يجب الإسهام في المجهود الحربي إلى جانب الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى» 5.
أما «الثورة الثانية»، فستؤدي لا محالة - إن نجحت - إلى تفتيت سوريا بعد العراق والسودان وليبيا، ولا يبقى على المستعمرين بعد ذلك، إلا تفتيت مصر، حتى لا تقوم لنا قائمة من بعد إلى عقود طويلة قادمة.

ما أشبة الليلة بالبارحة!

البارحة، هو يوم الخامس من حزيران 1916، وهو يوم شؤم على الأمة 6. نجلا الشريف حسين، فيصل وعلي، يعلنان باسم والدهما وباسم الحركة القومية العربية، «استقلال العرب عن الأتراك» وبدء «الثورة العربية الكبرى» التي قال عنها المؤرخ الفلسطيني الراحل إميل توما: «لا ثورة، ولا عربية، ولا كبرى، ولا يحزنون».
وهم يعلنونها ثورة مقدسة على «الاحتلال التركي» وعلى «ظلم الأتراك واستبدادهم». ومن أين؟ من المدينة المنورة، وتحديداً بالقرب من قبر حمزة أمير الشهداء. المدينة المنورة لا أقل ولا أكثر، المدينة التي احتضن أهلها الرسول، فآوته بعد خوف، وتقاسم أهلها مع إخوانهم المهاجرين السراء والضراء، والتي صاغ فيها النبي دستور الأمة، وأُسس لما سيكون عليه دولتها.
وهما (أي نجلا الشريف حسين فيصل الأول وعليّ) يعلنان «الثورة» ممتطيين صهوة الجياد، رمز فروسية العرب وتحت «الراية الشريفية» المقصورة على اللون الأحمر الداكن وحده 7 التي كان يرفعها الهاشميون حتى تلك اللحظة رمزاً للحجازيين، والتي استُبدل بها بعد عام من «الثورة» علمٌ، هندسه وصممه مارك سايكس، مهندس اتفاقية سايكس/ بيكو 8!
دُشنت «الثورة» بإطلاق «الرصاصة الأولى»، وهي رصاصة جاءت من صناديق ذخيرة وصلت للتو، من حلفائهم الإنجليز عن طريق البحر مع صناديق محملة ذهباً وبنادق ورشاشات. في صناديق المال ليرات ذهبية تلمع، تحمل صورة فارس: (القديس جورج) يطعن بحربته ومن فوق سرجه رمز الشر: التنين 9 .
تُفتح الصناديق ويوزع الذهب والبنادق على «الثوار» كما هي تفتح اليوم صناديق الأسلحة في المفرق الأردنية على يد الملك عبد الله الثاني ابن حفيد الشريف، ثم يبدأ الثوار ثورتهم «العربية الكبرى» تحت قيادة لورنس «العرب» 10 بالتخريب والتدمير. وكان أهم ما قاموا بتخريبه، خط سكة حديد الحجاز الذي يربط المدينة المنورة بدمشق وإسطنبول، وهو خط أنشأه السلطان عبد الحميد بأمواله الخاصة وباكتتاب المسلمين، وخصوصاً مسلمي الهند. جاد فقراء المسلمين قبل أغنيائهم بالمال، وتبرعت النساء بحليهن الذهبية وحرم الكثيرون أولادهم لقمة العيش حتى تكتحل عيونهم بالطواف حول الكعبة وزيارة قبر الرسول. كان خط سكة حديد الحجاز يعني اختصار رحلة الثلاثة أشهر الطويلة، المحفوفة بالمخاطر والمعاناة والعطش واحتمال الضياع، إلى أيام معدودة. تمثلت أبرز هذه المخاطر، في القبائل البدوية التي امتهنت بالأساس سياسة قطع طريق الحج ونهب (وأحياناً قتل) الحجاج. «تعلمنا» كتب التاريخ المزور، أن هؤلاء الأعراب – قتلة الحجاج وعبدة الذهب الأصفر – هم داعمو الثوار الجدد 11. واليوم، في ضوء ما يجري في سوريا، أليس من الشرعي أن نتساءل: هل نـحن أمة بلا ثقافة أو ذاكرة؟

*كاتب عربي
__________

المراجع
1- الاقتباس مستلّ من مقطع وثائقي لفيلم عن حياة الشيخ راغب حرب وكفاحه، بثته قناة المنار على عدة حلقات بعنوان «عمامة المجد» 14-18 شباط/فبراير 2012. لاحظ موقف الشيخ راغب الذي أدرك الفارق بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية.
2- سأعالج ذلك في دراسة مستقلة، وإن تطرقت عرضاً لذلك لأغراض التحليل. قد يقول قائل إن الشريف حسين وأولاده قضوا شطراً من حياتهم في مدينة حضرية كوزموبوليتية (إسطنبول)، لكن هذا الأمر رغم صحته، لا يغير من جوهر ما قلناه شيئاً، بناءً على شهادات المؤرخين الذين عايشوا وعرفوا الشريف الحسين وشخصيته عن قرب.
3- «The immediate aim of the revolutionists has been to incite disorder, bring about human reprisals and so provoke the intervention of the powers in the name of humanity»
4- Sir Philip Currie British embassy Constantinople March 28,1894
5- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) رام الله، 1 كانون الثاني 2006.
http://www.madarcenter.org/databank/TopicView.asp?TopicID=364&SubID=12
6- أيضاً ذكرى حرب الخامس من حزيران عام 1967.
7- عوني الجيوسي: «انتحار المفارقة ومصرع السخرية هل صمم مارك سايكس علم العرب؟»
8- المصدر نفسه.
9- سمع أحد الإنجليز، البدو يحيون الكابتن لورنس بقولهم: «مرحباً أبا الخيال»، فسأل الإنجليزي عربياً: «لماذا يدعون لورنس أبا الخيال؟»، فأجابه العربي سائلاً: «ألم ترَ الجنيه الإنجليزي الذهبي الذي يحمل صورة الخيال؟ الذهب البريطاني، أكثر من أي شيء، هو ما دفع أبناء الصحراء من مكة إلى الشمال» [ للقتال].
10- لإضفاء عروبة زائفة ترضي العربان، يرتدي لورنس كواحد من المستعربين الأوائل العباءة متمنطقاً بخنجر يماني متزيناً بكوفية وعقال.
11- مئة عام أو تكاد، تفصلنا عن «الثورة العربية الكبرى»، وما زال خط سكة حديد الحجاز مدمراً، رغم العائدات النفطية السعودية الفلكية.
_________
الأخبار

الاثنين، 17 فبراير 2014

السلفيون: ضدّ التفجيرات.. وخصومتنا مع حزب الله ليست حرباً

    فبراير 17, 2014   No comments
غسان ريفي 

يدرك السلفيون خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان اليوم، خصوصاً بعدما بدأت العمليات الانتحارية تتخذ أشكالاً متعددة، وتطال الأبرياء، وتهدد بتمدد رقعتها الى مناطق أخرى.
ويدرك بعض المشايخ أيضا أن درجة الغليان المذهبي الناتجة من الحرب السورية قد وصلت الى الذروة، ما يجعلهم يفقدون السيطرة على كثير من المجموعات التي تجنح نحو التطرف وتدخل الى سوريا لمساندة التنظيمات الإسلامية المتشددة وتنفذ بعض العمليات الانتحارية، وهي لا تتوانى منذ فترة عن شن الهجوم على المشايخ واتهامهم بالتقصير حينا، وبالكفر أحيانا.

وجاء موقف السعودية الأخير حول رفض القتال في سوريا، ليعيد كثيراً من مشايخ الحالة السلفية الى المربع الأول المتعلق بدعم المعارضة السورية سياسياً وإنسانياً فقط.
ويخشى هؤلاء المشايخ من أن تشكل بعض المجموعات وأفكارها وبعض ممارساتها سبباً في جعل الحالة السلفية كبش محرقة في التسوية المقبلة على المنطقة، وهذا ما اعتاده السلفيون في محطات سابقة ودفعوا خلالها أثماناً باهظة.
لذلك ثمة تراجع تكتيكي ملحوظ من قبل رموز الحالة السلفية في لبنان، وفي طرابلس تحديداً، عن تقدم الصفوف أو قيادة أي تحركات داخلية، كما كان يحصل سابقاً، مع تمسك هؤلاء بالمبادئ والثوابت المتعلقة بدعم المعارضة في سوريا، ورفض مشاركة "حزب الله" بالحرب الى جانب النظام، وانتقاد "ممارسات السلطتين السياسية والعسكرية بحق السنّة في لبنان".
أمام هذا الواقع، وبعد تنامي العمليات الانتحارية وتنقّل المزنرين بالأحزمة الناسفة بين الضاحية والهرمل والشويفات وحصدهم الأبرياء، يرى كثير من المشايخ السلفيين أن خصومتهم السياسية مع "حزب الله" لا تعني إعلان حرب عليه من هذا النوع، وأن ما تتبناه "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" من عمليات انتحارية في مناطقه، يختلف شكلاً ومضموناً عن المواجهة التي يريدها السلفيون مع الحزب الذي يأخذون عليه مشاركته في الحرب السورية وتوريط لبنان فيها.
ويعتبر هؤلاء أن انغماس الحزب بالكامل الى جانب النظام هو الذي يشجع بعض المتحمسين من الشبان اللبنانيين على الذهاب الى سوريا، ويؤدي بالتالي الى قدوم الانتحاريين الى مناطقه، وهم يشددون في الوقت نفسه على رفض كل العمليات الانتحارية وإدانتها، لأن المواجهة الفعلية لا تكون بقتل الأبرياء، داعين في ذلك الى تطبيق القاعدة الشرعية: "لا تزر وازرة وزر أخرى".
ويشير عضو "هيئة علماء المسلمين" الشيخ زكريا المصري الى أن "ما تشهده الضاحية الجنوبية وسائر المناطق من تفجيرات، هو ناتج من ردة فعل على مشاركة الحزب في القتال الى جانب النظام"، ويرى أن "حزب الله يجني على نفسه وعلى جمهوره، لأن الدخول بحرب من هذا النوع لن تكون نزهة"، مؤكدا "أننا بموقفنا هذا نقوم بتوصيف ما يحصل، ولا نتبنى هذه التفجيرات أو من يقوم بها، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نمنعها، وعلى القوى الأمنية أن تأخذ دورها، وعلى الحزب أن ينسحب فورا من سوريا".
ويقول شيخ قراء طرابلس بلال بارودي "إن الحالة الاسلامية، والسلفيين تحديدا، ضد كل عمل أمني يطال الأبرياء مهما كانت مبرراته وأسبابه، لأن الجرأة تكون بالمواجهة وليس بالتفجيرات في المناطق الآمنة، لذلك نحن ندين بشدة كل التفجيرات ونعتبرها أنها لا تمت الى إسلامنا بصلة".
ويرى بارودي "أن الذين تسببوا بقدوم التفجيرات الى الأرض اللبنانية هم الذين شاركوا فعلياً بمساندة النظام السوري، وربما من تعرض للظلم على يد النظام وشركائه استجابوا لنداء العاطفة وليس لنداء العقل"، مشيراً الى أن "ما يحصل في لبنان هو عمل أمني مخابراتي بامتياز، على غرار ما يحصل في العراق، وهناك مجرم كبير يريد أن ينشر الدم والدمار في الساحة الإسلامية".
ويضيف: "نحن في حالة خصومة مع حزب الله نابعة من مواقفه، لكننا نرى أن ما يحصل في الضاحية لا يجوز، وقلنا بعد تفجيرَي مسجدي التقوى والسلام أن من فجر في طرابلس هو الذي يفجر في الضاحية، ونحن نحرص على استخدام المفردات التي توحد الكلمة والصف وتبلسم الجراح، وقد رفضنا كل التسجيلات المجهولة والمقنعة التي صدرت من بعض المجموعات، لكننا لا نلقى تجاوبا من حزب الله، بل على العكس فإنه يتهمنا بأننا بيئة حاضنة للإرهاب، ويدفع بعض الأبواق عبر وسائله الإعلامية لتهديدنا واستفزازنا وهدر دمنا". لافتا الانتباه الى أن "الفتنة السنية ـ الشيعية إذا حصلت في لبنان، فإنها ستطال الجميع ولن ينجو منها أحد".
ويؤكد بارودي "أننا سنبقى بيئة حاضنة للاعتدال، ونمد أيدينا للجميع بالإنصاف والعدالة والحق، لكننا لا نتراجع عن حقنا مهما حصل، ونقول إن الشعب السوري مظلوم ويجب مساندته، ولا يجوز مساندة النظام، ونعتبر أن السكوت عن ظلم النظام هو ظلم".
ويؤكد عضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ نبيل رحيم أن "السلفيين ليسوا في حالة حرب مع حزب الله، بل هم في حالة خصومة، انطلاقاً مما حصل في 7 أيار، وهيمنة الحزب على الحياة السياسية وعلى المفاصل الأساسية في الدولة، وتدخله في سوريا الى جانب النظام ضد الشعب السوري"، معتبراً أن "كل ذلك يسعّر الفتنة ويثير النعرات".
ويقول رحيم: "نحن لسنا مع أي تفجيرات تحصل في الأراضي اللبنانية أو تطال أي فريق، وندعو الى أن يكف جميع اللبنانيين عن تدخلهم العسكري والأمني في سوريا، ونؤيد في ذلك خيار الشعب السوري فقط".
ويضيف: "نحن لسنا مع التكفير ولسنا مع التفجير، وندين التفجيرات وهي تستهدف الأبرياء والآمنين، وهذه الاعمال ليست من الاسلام في شيء، وأخشى أن تتسع هذه العمليات. لذلك فإن انسحاب حزب الله من سوريا هو الحل الوحيد لمنع هذه العمليات من الانتقال الى لبنان".

الخميس، 16 يناير 2014

الأسد سيترشّح... أميركا ستقبل : باتت الأوساط الأميركية المهتمة بالشأن السوري مقتنعة بأن الأسد سيترشّح ويفوز

    يناير 16, 2014   No comments
سامي كليب
بات مؤكداً أن الرئيس السوري بشار الأسد سيترشح للانتخابات الرئاسية منتصف هذا العام. لن يكون تنحّياً ولا تجديداً ولا تمديداً. هو ربط ترشحه برغبة الشعب، وواثق بأن ذلك سيحصل. باتت الأوساط الأميركية المهتمة بالشأن السوري مقتنعة بأن الأسد سيترشّح ويفوز. لا بد، إذاً، من البحث عن مخارج لائقة في «جنيف 2» وغيرها لتبرير أي انعطافة أميركية محتملة. صارت الانعطافة أكثر من محتملة، ولكن ليس فوراً.

ماذا تغيّر؟

جاهد الأميركيون طويلاً لإقناع روسيا وإيران بالضغط على الرئيس السوري للاكتفاء بإكمال ولايته الحالية والعزوف عن الترشح لولاية مقبلة. عرضوا بقاء النظام والجيش والمؤسسات على حالها مع تعديلات طفيفة... طرحوا فكرة أن يأتي علوي مكان الأسد، أو أن يعيّن الرئيس بديلاً منه، كما في اليمن. رفضت موسكو وطهران، وتمسّكتا بحقه في الترشح كأي مواطن سوري آخر.
تذرّع الأميركيون، قبل تفاهمهم الشهير مع الإيرانيين، بأن النظام قد يزوّر الانتخابات. رد الإيرانيون: «لنتفق على أي هيئة دولية تقترحونها للمراقبة». رفض الأميركيون.
موسكو، التي تكرّر بدورها أنها تدعم البلد، لا شخصاً معيناً، تؤكد أن الشعب يقرر. يُقال إنه أثناء زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لإسرائيل، طرح عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السؤال الآتي: «لماذا لا تقنعون الأسد بالتنحي؟»، فابتسم القيصر الروسي، وقال: «سألناه، فقال إنه لا يريد التنحي، وبالتالي فمن حقه البقاء والترشح. حاول أنت أن تقنعه».
تكرّر الأمر بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري والمبعوث الدولي والعربي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي. قال كيري، في حضور مساعدته ويندي تشيرمان: «حاوِل أن تضغط على الروس والإيرانيين لنصح الأسد بعدم الترشح»، فكان جواب الدبلوماسي الجزائري العريق أنه حين عرض الموضوع على الرئيس السوري في المرة الأولى، أي قبل أكثر من عام ونصف عام، كان الأسد مرناً. وفي المرة الثانية، رفض الأمر وقال إن الشعب يقرّر. أما في المرة الثالثة، فسمع الإبراهيمي من وزير الخارجية وليد المعلم أنه ممنوع منعاً باتاً طرح هذه المسألة، وأن هذا شرط لكي يستقبله الأسد. انصاع الإبراهيمي، وصمت.
كان كل ما تقدّم قبل أن يتفق الغرب مع إيران على البرنامج النووي، وقبل تفجير السفارة الإيرانية في بيروت، وقبل أن يضرب الإرهاب فولغوغراد الروسية، وقبل أن تتفق واشنطن وطهران على دعم حكومة نوري المالكي في العراق ضد الإرهاب.
بعد كل هذا، انقلبت المعادلات. باتت مكافحة الإرهاب أولوية. طلبت وزارة الخارجية الأميركية، علانية، من قادة دول المنطقة مكافحة تهريب السلاح والمسلحين للتكفيريين في سوريا. ثمة دول انصاعت وأخرى في طور الانصياع. قريباً، يتغيّر جذرياً الموقف التركي حيال سوريا. وقريباً، يزور رجب طيب أردوغان طهران. لم يجد غيرها لإنقاذه من فشله الخارجي وورطته الداخلية ومن عدوّهما المشترك فتح الله غولن.
كيف سيتم تخريج ترشيح الأسد؟
«جنيف 2» هو الفيصل. سيقال الكثير في الجلسات العلنية. سيتبارى طالبو التنحّي بالحديث عن الأمر. أما في الجلسات الفعلية، فإن التطرق الى مسألة الرئاسة غير ملحوظ. هناك قضايا أكثر إلحاحاً: وقف لإطلاق النار حيث يمكن وقفه. إيصال المساعدات الإنسانية. مكافحة الإرهاب (البعض يريد كلمة عنف وليس إرهاباً، وروسيا ترفض). الإفراج عن أسرى ومعتقلي الطرفين.
ضغط الأميركيون، ومعهم بعض الحلفاء، كثيراً لإقرار «جنيف 1» كخطة عمل لـ«جنيف 2». هذا مرفوض روسياً وإيرانياً وسورياً. اشترط الأميركيون على إيران قبول ذلك لإشراكها، فرفضت. اقترحوا أن تشارك في لجنة جانبية، فرفضت. طالبت بدعوة كاملة أو لا تحضر. إذا لم تشارك طهران، فسيكون هامش تحركها ضد المتفق عليه أفضل. أي أنها رابحة في حالتَي المشاركة أو عدمها.
يعترف الأميركيون في الجلسات الخاصة بفشل تجربة المجلس الوطني الليبي. يقولون كلاماً مأسوياً عن تفكك المعارضة السورية. يعبّرون عن قلق كبير من تمدّد الإرهاب. يضغط عليهم الروس للقول إنه لا بديل من الأسد لمحاربة الإرهاب واستمرار الدولة. لم يعد الأميركيون يرفضون هذه المقولة. مشكلتهم هي في الإحراج. كيف سيقبلون ذلك وهم ينادون برحيل الرئيس منذ عامين. أما فرنسا، فلم يؤخذ أي شيء من اقتراحاتها في «جنيف 2». الغريب أن الأميركي هو المتردّد. لا بأس، إذاً، من رفع مستوى الاتصالات الفرنسية مع دمشق. لم يعد الأمر محصوراً باتصالات أمنية أو استخبارية. انتقل الى مستوى وزارتي الخارجية. يحكى عن مسؤول دبلوماسي مهم زار دمشق أخيراً. الأمر نفسه حصل مع دول أوروبية أخرى.
يقال إن دول الأطلسي وروسيا بدأت تدريبات لتشكيل قوة مشتركة لوقف إطلاق النار. القطار الروسي ــــ الأميركي يسير بسرعة كبيرة.
ماذا يقول الدستور؟
البند 2 من المادة 87 في الدستور المعدّل يقول: «إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهماته حتى انتخاب الرئيس الجديد». ثمة من قال إن التمديد لسنتين، وفق الدستور، حتمي، لأن مفاوضات جنيف لن تسفر سريعاً عن نتائج في شأن الانتخابات والدستور. لكن الجدل القانوني قائم. الدستور يقول إنه لا يحق لرئيس البلاد الترشح أكثر من مرتين. ثمة من يرى أن الأسد الذي ينهي ولايته الثانية لا يزال حيال الدستور الجديد في الولاية الأولى. هؤلاء يعتبرون أن قبوله بتمديد ولايته يحرمه من الترشح لاحقاً، ولذلك فمن الأفضل أن تحصل الانتخابات في موعدها.
أما على الأرض، فمعارك «داعش» وخصومها من مسلحي المعارضة تمهّد أفضل الطرق لتولي الجيش السوري ومن عاد وسيعود إليه المهمات المقبلة. هي لعبة أمم بامتياز.

_________

الثلاثاء، 14 يناير 2014

حركة النهضة التونسية، ربما تعلمت من أزمات جماعة الإخوان المصرية وحزب العدالة والتنمية التركي، احتضنت الحلول الوسط لتظل ذات أهمية فاعلة في المستقبل

    يناير 14, 2014   No comments
أحمد  سوايعية *
سيحتفل التونسيون يوم 14 يناير بثورتهم التي أشعلت موجة من الاحتجاجات التي اجتاحت معظم أنحاء العالم العربي. بمناسبة الذكرى الثالثة، أهدت جبهة الإنقاض، ممثلة بقادة  الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، الشعب التونسي والجماهير العربية مجموعة من الهدايا النادرة: التداول السلمي على السلطة، دستورا جديدا يحمي حياة وكرامة جميع التونسيين، وخارطة طريق لمستقبل مستقر.

سلمت النهضة، الحزب الذي فاز في أول انتخابات  مابعد الثورة، السلطة لحكومة غير حزبية . وقد يكون هذا القرار الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسمح للنهضة بالحفاظ على تفوّقها في الانتخابات المقبلة وتفادي نتائج كارثية مماثلة لتلك التي مرت بها جماعة الإخوان في مصر واحتمال تراجع شعبية  حزب العدالة والتنمية في تركيا. الأهم من ذلك هو أن الإستقالة تعزّز ثقافة النقل السلمي للسلطة--ما قد يجعل تونس بلد رائد في العالم العربي. قبل تنحّيها عن السلطة، تمكّن قادة النهضة –مستعينين بقادة اثنين من الأحزاب السياسية العلمانية--المؤتمر و التوكل-- من تخفيض مستوى العنف في البلاد، وتحقيق بعض الاستقرار  الاقتصادي، وصياغة دستور جديد ، وتحديد مسار لتداول السلطة عن طريق صناديق الإقتراع الحر لا الرصاص القاتل.

مع ذلك, تجدر الإشارة إلى أن النهضة لم تتنازل عن الحكم طوعا. فلقد مرت البلاد بعدة أزمات سياسية، وكثير من الإضرابات والانتفاضات، واغتيال شخصيتان من المعارضة  قبل هذا الإنجاز المهم، الذي قد كان مستحيلا بدون المشاركة النشطة من قبل قادة مؤسسات المجتمع المدني الرئيسية (لا سيما النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية). لقد ساهمت كل هذه الظروف والأطراف في تطوبع حزب النهضة وحلفائه وإجبارهم على تسليم الحكم لهيئة حيادية. بالإضافة إلى ذلك، من الواجب التذكير بالوقت الطويل الذي قضته الترويكا  في صياغة مسودّة الدستور، ركيزة الإنتخابات التي من شأنها دفع البلاد الى ما بعد المرحلة الانتقالية.

مع ذلك، ينبغي الإعتراف بالدور الإيجابي الذي لعبته النهضة واستعدادها لتتعاون مع الجميع للحفاظ على كرامة جميع التونسيين وتكريس معايير العدالة الاجتماعية في الدستور الجديد. على سبيل المثال،  لقد كان ّ قادة الحركة يصرّون على أن يكون الإسلام مصدر التشريع، لكنها مع ذلك قبلت بالتنصيص على الدولة المدنية، وسيادة حكم القانون، وحظر التكفير. فمسودة الدستور الجديد، الذي ساهم قادة النهضة بشكل فعال في صياغته، يحمي صراحة حقوق النساء ويقنن مشاركة المرأة على قدم المساواة في الحياة العامة والسياسية، ويستنكر العنف ضد المرأة.

إضافة إلى ذلك، لقد فضل كبار قادة حزب النهضة النظام البرلماني، لكنهم وقّعوا على دستور يعتمد النظام الرئاسي (منقّحا إلى حد ما): فالرئيس هوالمسؤول عن السلطة التنفيذية العليا، كما أن الشعب (وليس من يفسر بعض النصوص الدينية على هواه) هو من يمارس  السلطة النهائية في تحديد مسار البلاد عبر الإنتخابات  كما يشارك ممثلو الشعب الرئيس مسئوليات الحكم. ويؤكد الدستور الجديد على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضع حدا مطلقا لعقد الرئاسة (دورتين فقط)، ويرسّخ الدستور إستقلالية القضاء وتمكين الشعب من فرض إرادته في التعيين (عضوية المحكمة الدستورية يتم تحديدها من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية المنتخبة على السواء).

باختصار، فإن الدستور الجديد يرسي أسس نظام تعددي يمكّن جميع التونسيين وينهي عهد الاستبداد. وقد تكون المرونة النسبية التي أبدتها ومارستها النهضة ورغبتها في الابتعاد عن السلطة في هذه المرحلة الفرصة الوحيدة والأفضل للحركة لتجنيبها مصير الإخوان المسلمين في مصر وحفاظها على الدعم الشعبي التي ستحتاجه في الانتخابات المقبلة .

بالطبع، مثل أي دستور آخر، ليست مسودة الدستور الجديد  مثالية--خالية من العيوب. على سبيل المثال، قد تسبب إزدواجية المعنى في كلمة "دولة" مشاكل في تفسيرالفصلين الأول والثاني—النصوص الأكثر إثارة للجدل في الوثيقة بأكملها. فيبدو أن هناك خلط بين مفهوم "بلاد" (الأمة, وطن)  و"الدولة" (الهيكل المؤسساتي). ويمكن تجنب هذه المشكلة إذا تم كتابة المادتين الأولى والثانية كالآتي :

 (1) تونس بلد، حر، مستقل، ذو سيادة، الإسلام دينه، العربية لغته، والجمهورية  نظامه
(2)  يحكم تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون.

قد يصحّح التمييز بين مفهومي الدولة والبلد بعض المفاهيم الخاطئة حول مكانة الدين في المجتمع ومؤسسات الدولة. إذ يظن  العديد من المعلقين الغربيين عن الدساتير العربية أن الإسلام مقنن في مؤسسة "الدولة". إستعمال لغة غامضة واستخدام مصطلح ذو معنى مزدوج يديم سوء الفهم. كما أن إستعمال كلمة ذاب معنى مزدوج قد يخلق تناقض بين الفصل 1 والفصل 2: إذ كيف يمكن لدولة إسلامية (بالمعنى المؤسساتي)  أن تكون دولة مدنية تعامل جميع المواطنين-- مسلمين وغير مسلمين-- بالتساوي؟

أما إذا تم التمييز بين الدولة المؤسساتية ودولة المواطنة فسينعدم التناقض في الدستور لأن الإسلام هو في الواقع من مكونات الهوية الشاملة لغالبية الشعب التونسي. فتبقى الدولة (المؤسساتية)  مدنية  تعامل جميع المواطنين على قدم المساواة بغض النظر عن الانتماء الديني والمذهبي أو إنعدامهما. ومن شأن هذا التركيب اللغوي عدم تمكين التفسيرات الضارة من الفصل 6.

 كما أن البنود الخاصة بتعديل الدستور—خاصة الفصل 142--غامضة وتترك مجالا واسعا لتفسير قد يخلق مسارين منفصلين لتعديل الدستور. على وجه التحديد، يمكن تفسير الفصل 142  بطريقة تسمح بتمرير التعديلات من خلال البرلمان أو من خلال استفتاء شعبي. أي، يمكن للرئيس وضع التعديل مباشرة للإستفتاء ثم يطلب من البرلمان الموافقة عليه بأغلبية مطلقة، في حين أن التعديلات الناشئة في البرلمان تتطلب أغلبية الثلثين. لا أظن أن هذا ما قصده صائغو مسودة الدستور لكن ليس من الواضح تماما ما إذا كانت الجملة الأخيرة من الفصل 142 تعبّر عن حق الرئيس في سلك طريق جانبي لتعديل الدستور أم هي مسألة سوء في التعبير.

هذه أوقات حاسمة في تونس. مرة أخرى، يجد الشعب التونسي وممثليهم فرصة لإثبات أن الربيع العربي لم يكن مجرد شبح أوجدته الصدفة، أن اللاعنف هو السبيل الوحيد للتغيير الاجتماعي البناء ، أن الإسلام منسجم مع مبادئ الديمقراطية، وأن السلطوية ليست الضامن الوحيد للأمن والاستقرار كما يدعي البعض. يمكن للتونسيين تقديم نموذجا واعدا للمجتمعات العربية كافة ... نموذجا بحجم  تضحيات الشعوب العربية ومكرما لأولئك الذين ناضلوا من أجل العدالة الاجتماعية وعانوا التعذيب والنفي والسجن والموت.
____________
* الأستاذ سوايعية يدرس في جامعة ايوا  (University of Iowa, USA). كتابه الأخير، , Anatomy of Dissent in Islamic Societies، يعالج تاريخ نظريات  الحركات المعارضة وأفكارها منذ ظهور الإسلام. آراء الكاتب خاصة به وفّرها خدمة للصالح العام؛ ولا تمثّل مواقف أو سياسة  الجامعة أو أي مؤسسة أخرى قد ينتمي اليها الكاتب.

الجمعة، 10 يناير 2014

«القاعدة ــ ليكس»: صراع البغدادي والجولاني على «إمارة» الشام

    يناير 10, 2014   No comments
 رضوان مرتضى


السعودي بندر الشعلان يلعب دور المنسّق بين جهاديي العالم وتنظيم «الدولة» (أ ف ب)
«ويكيبغدادي» حسابٌ على موقع تويتر ينشر ما يُسمّيه «أسرار دولة البغدادي». على طريقة «المجتهد» السعودي، يكشف الحساب خفايا حكم أبي بكر البغدادي، والرجل الذي يلازمه كظله، ويروي حكاية ولادة «جبهة النصرة». وفي ظل غياب القدرة على التثبّت من المعلومات المنشورة، تنقل «الأخبار» ما أورده الحساب الذي «يتبعه» عدد من قادة المعارضة السورية المسلحة

خرج إلى الضوء، في الأيام الماضية، حساب على موقع «تويتر» يدّعي نشر «أسرار دولة (أبي بكر) البغدادي»، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». تسلسل المعلومات التي يوردها الموقع، إن صحّت، يوحي بأنّ المسرِّب كان قيادياً سابقاً في صفوف التنظيم، قبل أن ينشق ويلتحق بـ «جبهة النصرة». يكشف الحساب معلومات خطرة عن تأسيس «النصرة» وخفايا الخلافات المحتدمة بينها وبين و«الدولة».

وينطلق في «فضحه» لـ «الدولة» من جملة تساؤلات يطرحها ويُجيب عنها. فيُقدّم إجابات عن هوية أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، وأسماء أعضاء مجلسه ومخطّطهم ومصادر تمويلهم. ويتحدّث عن كيفية تسلّم البغدادي إمارة «دولة العراق الإسلامية» وأسباب توسّعه إلى سورياوالسياسة العامة التي يعتمدها في قيادة التنظيم وكيفية إمساكه بالقواعد الأساسية. كما يكشف أسماء المشايخ الشرعيين الذين يدعمونه بالفتاوى، ويتحدّث عن دورٍ محوري لضابط عراقي يرافقه دائماً وضابط سعودي يُدعى بندر الشعلان يلعب دوراً أساسياً في دعم «الدولة». ويُفنِّد الحساب خفايا الخلاف بين البغدادي وأمير «جبهة النصرة» الفاتح أبو محمد الجولاني. باختصار، يُقدّم الموقع الذي أفصح عن نفسه باسم «ويكي بغدادي»، تيمناً بموقع «ويكيليكس» الشهير، سرداً تفصيلياً بالأسماء والأدلة والكنى المستعارة وأحداثاً لوقائع مترابطة. وسواء صدقت هذه الروايات أم لم تصدق، تصلح لأن تكون فيلماً وثائقياً يكشف بعضاً من خفايا التنظيمات الجهادية السريّة وأسلوب عملها.

من هو أبو بكر البغدادي؟

يقول المسرِّب انه ابراهيم عواد ابراهيم بو بدري بن عرموش، وهو يحمل كنيتين، «أبو عواد» و«أبو دعاء». أما «أبو بكر» فكُنية وهمية، باعتبار أن السياسة الأمنية التي يعتمدها وكل من حوله في مجلس قيادة التنظيم تفرض أن لا تكون الكنية أو اللقب حقيقيين. ويكشف أن البغدادي عمِل في الفلوجة، وكان في إحدى الفترات اماماً لمسجد في ديالى. أما لقب «البغدادي»، فهو لقبٌ حركي وليس حقيقياً، كون ابراهيم عواد ليس من بغداد، بل ينتمي إلى عشيرة بوبدري، وهي فرع من عشيرة البوعباس من سامراء، تدّعي صلة نسب بالإمام الحسن بن علي، ما يعني أن «أبو بكر» ينتسب إلى قريش (وهذا إحدى شروط الإمارة العامة لدى الجهاديين). لكن جمعية «تنزيه النسب العلوي» والتحقيق في الأنساب الهاشمية أصدرت بياناً عام 2009 يؤكد أن بوبدري لا ينتسبون لمحمد الجواد ولا للقاسم بن إدريس من الحسنيين كما يزعمون.
ينقل الموقع أنّ مجلس قيادة «الدولة» يتألف من عراقيين بنسبة ١٠٠٪، مشيراً إلى البغدادي أنه لا يقبل أي جنسية أخرى كونه لا يثق بأحد. ويشير الى أن عدد أعضاء المجلس العسكري يزيد وينقص، ويتراوح بين ثمانية و13 شخصاً، وأن قيادة المجلس يتولاها ثلاثة ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. وهم تحت إمرة عقيد ركن سابق في الجيش العراقي أيضاً يُدعى حجي بكر، انضم إلى «دولة العراق الإسلامية» عندما كانت بقيادة «أبو عمر البغدادي» (قُتل عام ٢٠١٠)، بعدما أعلن «توبته» من حزب البعث (العراقي) وعرض وضع خبرته العسكرية وعلاقاته في خدمة التنظيم. فعيّن مستشاراً عسكرياً لدى «أبو عمر البغدادي» و«أبو حفص المهاجر» بعدما زوّدهما بمعلومات عسكرية عن خطط قتالية وربطهما عبر وسائل الاتصال بقيادات عسكرية سابقة تابعة لحزب البعث. ويذكر المسرِّب أن «أبو بكر البغدادي» لم يكن عضواً في مجلس القيادة السابق لـ «دولة العراق الإسلامية» بإمرة «أبو عمر»، بل كان عضوًا في التنظيم، وكان يقيم في مدينة الفلوجة. ولكن، بعد مقتل «أبو عمر» ونائبه «أبو حمزة المهاجر» (مصري يُدعى عبد المنعم عز الدين بدوي، وله كنيتان: «أبو أيوب» و«أبو حفص»، وكان يشغل منصب وزير الحرب في «الدول) وعدد من أبرز قيادات التنظيم في غارة واحدة، فجّر حجي بكر مفاجأة في المجلس العسكري بمبايعته «أبو بكر البغدادي» أميراً للتنظيم. فبدأت مرحلة جديدة في حياة «الدولة» في ظل قائدين: «أبو بكر البغدادي» في الواجهة، وحجي بكر في الظل. وقد أثار وجود العقيد الركن وهو «حليق متفرنج» الى جوار «أبو بكر» حساسية في نفوس أعضاء «الدولة»، فبدأ العقيد بإطالة لحيته وتغيير مظهره وطريقة كلامه، علماً أن أي عضو في التنظيم لا يملك أن يستفسر عن أي أمر حول القيادة، لأن «الاستفسار تشكيك والتشكيك شق صف يبيح الدم». بدأت «دولة العراق الاسلامية» التركيز على خطّين، الأول ضمان عدم تصدّع الدولة وحمايتها من الداخل عبر إنشاء مفارز أمنية تُصفّي أي جهة تُشكّل خطراً على الكيان، مع ضمان توفير الموارد المادية. وبالتوازي، اتفق البغدادي وحجي بكر على وقف لقاءات الأول بالقيادات الفرعية للتنظيم، وحصر تلقي تعليمات الأمير وتوجيهاته وأوامره عبر أعضاء مجلس الشورى الذي شكله العقيد. وتمثلت الخطوة الثانية في بناء جهاز أمني لتنفيذ تصفيات واغتيالات سرية تشكّل في البداية من ٢٠ شخصاً، ووصل خلال أشهر إلى ١٠٠ شخص، بإمرة ضابط سابق يُدعى «أبو صفوان الرفاعي»، ويتبع مباشرة لقيادة التنظيم. واقتصرت مهمة هذا الجهاز على تصفية من يبدو منه انشقاق او عصيان من رجالات «الدولة» او القادة الميدانيين او القضاة الشرعيين. أما الشق المتعلق بالمورد المادي، فتواصل على ما كان عليه أبّان إمارة «أبو عمر البغدادي»، بمصادرة أموال الشيعة والمسيحيين وغير المسلمين، وعملاء النظام حتى لو كانوا من السنة. والاستيلاء على مصادر النفط ومحطات توليد الطاقة والوقود والمصانع الحكومية واي مصادر مالية حكومية تُعدّ حكماً ملكاً لـ «دولة العراق». أما ما لا يمكن الاستيلاء عليه بالكامل، فيُهدّد مالكه بالقتل أو تفجير الشركة إذا لم يدفع خوّة شهرية تحت مسمّى ضريبة. كذلك وُضعت نقاط تفتيش على الطرق البرية الطويلة لتحصيل أموال من الشاحنات التجارية. وارتفعت العائدات المالية لـ «الدولة»، ما مكّن من دفع رواتب مغرية وصرف مكافآت على العمليات العسكرية. إزاء ذلك، زاد الاقبال على الانضمام الى صفوف التنظيم. وخلال هذه الفترة، عين العقيد بكر «مجلس شورى دولة العراق» تراوح عدد أعضائه بين سبعة و ١٣ كلهم عراقيون. وبقي الوضع كذلك إلى أن اندلعت الأحداث في سوريا عام ٢٠١١.

«جبهة النصرة» و«دولة العراق والشام»

كيف نشأت فكرة «دولة العراق والشام» ومن هو صاحب الفكرة؟ ولماذا أرسل البغدادي الجولاني إلى سوريا، وما هو سبب استعجاله إلغاء «جبهة النصرة» وإعلان الاندماج تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»؟ وما هو التهديد الذي أرسله إلى الجولاني قبل اعلان الدولة؟ كلّها أسئلة أفرد صاحب الحساب المجهول عشرات الصفحات للحديث عنها، كالتالي: بعدما بدأت الثورة السورية، اتجهت أنظار عناصر «دولة العراق الإسلامية» الى سوريا. تخوّف العقيد حجي بكر من تسرب عناصر «دولة العراق» للجهاد في الشام مما قد يسبب تصدّعاً في «الدولة»، ويعطي بعض القيادات والأعضاء الذين يفكّرون في الانشقاق باباً لذلك عبر سوريا. لذلك، حرّم البغدادي الذهاب إلى سوريا، واعتبر كل من يخالف التعليمات منشقاً، مبرراً ذلك بأنّ الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريث. في هذه الأثناء، عرض العقيد بكر فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه الى سوريا بقيادة سوري، وبذلك يحال دون التحاق اي قيادي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق. وبالتالي يتم تأمين عدم انشقاق عراقيين عن «الدولة»، فيما يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تنجح في استقطاب أعضاء غير عراقيين من الخارج. هكذا أُنشئت «جبهة النصرة» بقيادة أبو محمد الجولاني وسرعان ما طار اسمها عالمياً، وباتت قبلة لكثير من «المجاهدين» من الخليج وتونس وليبيا والمغرب والجزائر واوروبا واليمن. أخاف هذا الصعود السريع العقيد بكر والبغدادي، كون الملتحقين الجدد بـ «النصرة» لا يدينون بالولاء لـ «دولة العراق» أو للبغدادي. هنا، حثّ حجي بكر البغدادي على إعطاء أوامره للجولاني بأن يعلن عبر مقطع صوتي أن «جبهة النصرة» تابعة رسمياً لـ «دولة العراق» بقيادة البغدادي. وعد الجولاني بالتفكير في الأمر. لكن أياماً مضت من دون أن يصدر شيئاً، فأرسل البغدادي له توبيخاً وتقريعاً، فجدد الأخير الوعد بالتفكير واستشارة من حوله من مجاهدين وطلاب علم، قبل أن يبعث للبغدادي برسالة مفادها أن هذا الإعلان لا يصب في صالح الثورة، مستنداً إلى رأي مجلس شورى الجبهة. ثارت ثائرة البغدادي والعقيد بكر. وزاد الطين بلة إدراج الولايات المتحدة «جبهة النصرة» في قائمة الإرهاب، ليُصبح الجولاني المطلوب الأول في سوريا، الأمر الذي زاد من منسوب القلق لدى البغدادي والعقيد من منافسة «النصرة» لـ«الدولة». كان أبو محمد الجولاني سياسياً عقلانياً يحاول إمساك العصا من الوسط، لكن خوف العقيد والبغدادي كان أكبر من تطمينات الجولاني مما دعا حجي بكر الى التفكير بخطوات متقدمة لضم «النصرة» الى «الدولة». طلب البغدادي من الجولاني القيام بعمل عسكري ضد قيادات «الجيش الحر» اثناء أحد الاجتماعات في تركيا، مبرراً ذلك بأنه «استهداف لصحوات المستقبل العميلة لأمريكا قبل استفحالهم في الشام». عقد مجلس شورى «النصرة» اجتماعاً ورفض الأمر بالإجماع، فاعتبر البغدادي والعقيد ذلك خروجاً صريحاً عن الطاعة. أرسل البغدادي خطاباً شديد اللهجة يُخيّر الجولاني بين أمرين: تنفيذ الأوامر أو حلّ «النصرة» وتشكيل كيان جديد. طال انتظارهما لرد الجولاني الذي لم يصل. بعث البغدادي رسولًا لمقابلة الجولاني، لكن الأخير اعتذر عن عدم اللقاء. عندها شعر «أمير الدولة» بالخطر كون الجولاني بدأ يخرج عن السيطرة. بعدها، أرسل قيادات عراقية من «الدولة لمقابلة» قيادات في «الجبهة» لجس نبضهم حول تحقيق حلم بدولة إسلامية ممتدة من العراق إلى الشام بقيادة موحّدة. وبالفعل تم تلمّس ميول مؤيدة لدى هؤلاء، ومعظمهم من المهاجرين. لكن «النصرة» سرعان ما زجّت ببعض هؤلاء في السجن بتهمة إشاعة التكفير، وكان بينهم: أبو رتاج السوسي وأبو عمر العبادي (تونسيان) وأبو ضمضم الحسني وأبو الحجاج النواري (مغربيان) وأبو بكر عمر القحطاني (سعودي)، علماً أن الأخير عُيّن في ما بعد أميراً شرعياً لدولة البغدادي، وكان أول المنشقين عندما أعلن البغدادي حل «النصرة».
هكذا عقد البغدادي العزم على إعلان الاندماج. واتّفق مجلس قيادة «الدولة» على ذهابه إلى سوريا لإعطاء زخم أكبر للإعلان. قابل الأمير العراقي القيادات المؤثرة في الجبهة موحياً بأن هدف الإعلان وحدة الصف الجهادي، وأرسل بطلب الجولاني لمقابلته، لكن الأخير اعتذر لدواعٍ أمنية. عندها أرسل البغدادي إلى الجولاني يُعلمه بضرورة إصدار بيان باسمه حرصاً على وحدة الصف يتولى فيه إعلان حل الجبهة والتوحّد في كيان جديد تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ردّ الجولاني معتبراً ذلك خطأ فادحاً سيُمزّق الشعبية التي بنتها «النصرة» بين أهل سوريا. هنا اقترح العقيد بكر على البغدادي إصدار بيان حل «النصرة» باسمه وعدم إصدار بيان بعزل الجولاني لعلّه يعود الى رشده بعد الحل. جرى التواصل مع قيادات «النصرة» لإخطارهم بموعد الإعلان وتهيئتهم لمبايعة البغدادي وجها لوجه كونه سيكون في سوريا. وبذلك، لعب البغدادي على وتر أن الجولاني كان يحتجب عن كبار القياديين والشرعيين في الجبهة. وبالتالي فإن ذلك سيُشكّل جاذباً للمجاهدين الذي سيحظون بفرصة لقاء من هو أكبر منه. انقسمت «النصرة» إلى ثلاث فرق. التحقت الأولى بالبغدادي واختارت الثانية الجولاني، فيما نأت الثالثة بنفسها. هكذا بدأت حرب التكفير والاتهامات بشق الصف المسلم بين أُخوة الجهاد. هنا ظهر على الساحة ضابط سعودي يُدعى بندر الشعلان. كان الأخير صلة الوصل بين البغدادي وقيادات «النصرة» التي بايعت لاحقاً البغدادي.
في هذه الأثناء، وصل الى حجي بكر والبغدادي ان الجولاني لن ينصاع لدعوة حل «النصرة» وانه يُحضّر لإصدار بيان برفض ذلك إعلامياً. اقترح العقيد على البغدادي تشكيل فرق أمنية لتنفيذ مهمتين: الأولى، للاستيلاء على جميع مخازن الاسلحة التي في حوزة «الجبهة»، وتصفية كل من يرفض تسليم مخزنه فوراً. وبذلك لا يبقى لدى «النصرة» ذخيرة واسلحة فينفر الناس منها ويتشتتون ويلتحقون بـ «دولة» البغدادي. والمهمة الثانية تتمثّل بترصّد الجولاني لتصفيته وتصفية القيادات التي معه. واتّفق على أن يتم ذلك بواسطة لواصق متفجّرة توضع في أسفل سياراتهم. هكذا استُهدف أبرز قيادات «النصرة»، ومنهم المهاجر القحطاني، الرجل الثاني بعد الجولاني، فقُتل معاوناه أبو حفص النجدي (عمر المحيسني) وابو عمر الجزراوي (عبدالعزيز العثمان). عندها، لجأ الجولاني إلى زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري للبت في النزاع. وللحؤول دون إحراج «القاعدة». استدعى الظواهري شخصيات جهادية من اليمن والسعودية للتوسط بين المتنازعين، إلا أن البغدادي تملّص من مقابلتهم. وزاد ذلك الأمور سوءاً في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد الجولاني. عندها عمد الأخير إلى إصدار بيان يُعلن رفض حل «جبهة النصرة»، واضعاً الأمر في عهدة الظواهري. أما بقية القصة، فباتت معروفة إعلامياً.
(للاطلاع على «التسريبات»: https://twitter.com/wikibaghdady)

________________

بندر السعودي... الرجل القوي


صبّ خطاب الفصل للشيخ أيمن الظواهري الزيت فوق نار أزمة البغدادي ــ الجولاني. رفض أمير «الدولة» مشروع الحلّ، بتشجيع من كل من العقيد حجي بكر والقيادي الشرعي السعودي أبو بكر القحطاني. وفي سياق السعي إلى التمكين لتنظيم «الدولة»، اتصل القحطاني بضابط سعودي سابق اسمه بندر الشعلان ليكون ممثلاً تنظيمياً لهم في السعودية وحلقة وصل لتكوين نواة شرعية مؤيدة للبغدادي في الخليج. وبالفعل، تولى الشعلان المهمة آخذاً على عاتقه جمع مؤيدين للبغدادي. فكان أول بشرى أبلغها لـ «الدولة» وجود «شرعيّ» (مفت) مؤيد للبغدادي يدعى ناصر الثقيل، كاشفاً أنه اجتمع معه مرات عدة للعمل على نصرة البغدادي. وتوسّع عمل الشعلان إلى البحرين حيث تواصل مع تركي بنعلي الذي أبدى تأييده ومساندته لمشروع دولة البغدادي. وتكثّفت جهود المندوب السعودي حتى تم تشكيل لجنة شرعية مناصرة لـ «لدولة» تتكون من عدة أشخاص، بعث بأسمائهم كمناصرين للبغدادي وهم: ناصر الثقيل وتركي بنعلي وعليوي الشمري وحمود المطيري وحمدالريس وصالح الحضيف وابوب لال الحربي وعبدالعزيز العمر وعلي الجبالي. وأصدر تركي بنعلي مذكرته بعنوان «مد الأيادي لبيعة البغدادي»، تحت اسم ابو همام بكر بن عبد العزيز الأثري. وكذلك فعل علي الجبالي وغيره في إصدار فتاوى مماثلة. كما نشر هؤلاء كتاباً حمل عنوان «بيعة الأمصار للإمام المختار/ أحكام البيعة في الإسلام وتنزيلها على بيعة أهل الشام». كذلك نشط الشعلان لاستقطاب ممولين وتنسيق استحضار المقاتلين من شتى أصقاع الأرض. واهتم أيضاً بالشق الإعلامي حتى بات الساعد القوي التي تستند إليها «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

فشل وساطة الوحيشي

لجأ أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لإيجاد حل للخلاف مع «أبو بكر البغدادي». كلّف الظواهري قيادياً سعودياً وسوريين مهمة إيجاد حل للمشكلة، وبعث برسالة إلى قائد تنظيم «القاعدة» في اليمن ناصر الوحيشي يطلب إليه التوسّط قبل إصداره بياناً يُحرج «القاعدة» أمام الرأي العام. عندها أرسل الوحيشي رسالة خطية إلى كل من الجولاني والبغدادي. لم يرد عليه الأخير، فيما قدّم الجولاني المبررات نفسها بأن وجود البغدادي في سوريا مقتلٌ للثورة. إثر ذلك، راسل الوحيشي الظواهري معلناً فشل الوساطة. إزاء ذلك، تدخّل الكويتي حامد العلي للتوسّط من تلقاء نفسه. فاقتنع بالمسوّغات التي قدمها الجولاني موافقاً أن قيام «دولة البغدادي» خطأ سياسي وشرعي فادح. وطلب مقابلة البغدادي بواسطة الأمير الشرعي «أبو علي الأنباري». أبدى العقيد حجي بكر والبغدادي تمسكهما بـ «الدولة»، فيما أكد الكويتي أهمية الوحدة شرط انهاء النزاع. توافق الطرفان على إعطاء الكلمة الفصل للظواهري، إلا أن العقيد كان رافضاً تسليم الأمر للزعيم المصري. هكذا جاء الخطاب في مصلحة الجولاني، فأشار العقيد على البغدادي برفض الحل وتفكيك «النصرة» عبر الاستمرار في تصفية قيادييها، وعبر إيجاد مفتين يدعون إلى وجوب بيعة البغدادي، وتجنيد إعلاميين لدعم «دولة البغدادي» ونشر الشائعات ضد قيادات «جبهة النصرة».

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.