‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 17 أكتوبر 2013

"الوهابية".. المرجعية الأولى للفكر التكفيري وكره الاخر

    أكتوبر 17, 2013   No comments
محمد بن عبد الوهاب

زينب الطحان
برزت أول دعوات للإمارات الاسلامية في أفغانستان مع طالبانفي ظل مناخات التفتت والتشظي الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية والعربية تشهد المنطقة منذ عقود ظاهرة صعود الحركات السياسية الإسلاموية، ومنها على وجه التحديد الحركات الراديكالية التي تعرف بالحركات الأصولية التي تدعي العمل لبناء الدولة الإسلامية أو إعادة بناء نظام الخلافة الإسلامية طوال السنوات الماضية.

وترفض الحركات الراديكالية فكرة العمل السياسي أو حتى النشاط الجهادي من داخل المؤسسات الوطنية، بل تدعو إلى ضرب هذه البنى في محاولة لإيجاد البديل الذي لا يحظى بالتأييد من كافة الشرائح الديموغرافية والاجتماعية. هي في الواقع تمثل تهديداً واضحاً للنظام الإقليمي القائم وللمؤسسات الوطنية للدول القائمة، لكنها في المقابل ليست قادرة حتى اللحظة على تجسيد نظرية متماسكة تكون البديل لما هي عليه الحال. بهذا المعنى، ربما نشهد ظاهرة اشتداد وطأة التحركات الإسلاموية في الحدث السياسي الداخلي والإقليمي على المزيد من التخبط الفكري وحتى التقاتل الميداني الذي نشهده حاليا في سوريا.

فالخطاب السياسي والأيديولوجي لهذه الحركات ليس جماهيرياً على الإطلاق، وإنما تتجسد فاعلية مثل هذه الحركات في قدرتها على تعبئة بعض الأفراد ودفعهم إلى اعتناق أفكارها العقائدية، وهم من العناصر الذين لديهم الاستعداد النفسي والعقلي والخلقي لتبني مثل هذه العقائد. يبقى الحديث عن اللجوء الفعلي إلى العنف في محاولة منها لتحقيق مقاصدها ومآربها. فبدلاً من الاحتكام إلى مقولة «لا إكراه في الدين»، تعمد هذه الفرق أو المجموعات إلى التكفير وإصدار الأحكام بالإدانة والتجريم والردة على قاعدة استعمال القوة المسلحة والقسرية اعتقاداً منها بأن ما تقوم به أقرب ما يكون إلى الجهاد الذي خاضه المسلمون الأوائل في زمن الدعوة وفي عصر الفتوحات الإسلامية. فقد باتت مقولة "الإسلام السياسي" رديفاً لما يمكن أن تمثله أو تعبر عنه هذه السلوكيات، التي يعتورها التفكير المغلوط والبعيد عن الواقع المعاصر من الناحية الزمنية والعلمية والقيمية.

نظرة في نشأة المذهب الوهابي :

الدكتور الباحث فؤاد إبراهيمللحديث عن الخلفية الدينية الإيديولوجية لهذه الحركات يبرز أمامنا المذهب الوهابي بصفته المرجعية الأساسية التاريخية والمحركة لانبعاث هذا الحراك الدموي باسم الإسلام ابتداء من ما يعرف بتنظيم "القاعدة". الباحث الدكتور فؤاد إبراهيم، وله مؤلفات عديدة عن المذهب الوهابي والحركات الإسلامية والدراسات الشرقية والشرق أوسطية، يجزم بترابط قوي وفاعل بينهما. ولكن قبل الحديث عن سر هذا الترابط لا بد من العروج ولو سريعاً في نظرة تاريخية ومعرفية حول هذا المذهب وآليات تفكيره.

إن لهذا الرؤية الدينية (الوهابية) جذورا تاريخية تعود إلى القرن التاسع مع الإمام احمد بن حنبل والحنبلية من بعده، الذي قاوم الاتجاهات العقلانية والفلسفية والمعتزلية والكلامية عموماً، والتي صعدت بقوة في عهد الحاكم العباسي المأمون (218 ه)، ليأتي من بعده ابن تيمية (1328م) الذي "صرف" حياته لتنقية العقيدة وساجل المذاهب الإسلامية الأخرى، وألّف كتابا صار مرجعا لكل السلفيين هدفه تنقية الرسالة المحمدية من كل شائبة عنوانه "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"،  لا يزال يطبع حتى الآن مما يدل على أثره بين هذه الجماعات. وهو يتعرض لعلاقة الأمير برعيته في ظل الشريعة، ويشدد على تطبيق الحدود بشكل حرفي، لكنه يولي الجهاد اهتماما بالغاً.

ويعدّ ابن تيمية الحلقة الوسطى بين ابن حنبل ومؤسس المذهب الوهابي محمد ابن عبد الوهاب(1703). فثمة حلقات ثلاث (الحنبلية- ابن تيمية – الوهابية) شكّلت المحضن التأسيسي والتاريخي للتيار السلفي، وفي كل حلقة كان هذا التيار يتجه نحو المزيد من التأصيل والتشدد. ولم تكن مصادفة أن يتزامن ذلك دائماً مع تحديات حضارية كبرى. والسلفية المعاصرة اليوم كحلقة راهنة تطلق موجة دفاع عن العقيدة لا تختلف في دوافعها عن سلفيات الأمس، وإن اختلفت في الوسائل والأساليب وبعض الاجتهادات.

"التكفير" بنية أساسية في المذهب الوهابي :

مؤسس الوهابية الشيخ محمد ابن عبد الوهابيقول الباحث الدكتور فؤاد إبراهيم، في أحد كتبه، إن الدعوة الوهابية انطلقت من قاعدة أن كل ما هو خارج إطارها كفر محض لتوجد لنفسها مبررات الدعوة والانتشار العنيف. ويوضح لنا هذا المسار التاريخي بأن "الوهابية قامت على أساس أن كل ما هو موجود منذ وفاة "شيخ الإسلام ابن تيميه" حتى ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعدّ زمنا بما فيه من مسلمين خارج نطاق التوحيد وخارج نطاق العقيدة الصحيحة. فهي تعتقد بأن العقيدة الصحيحة التي جاء بها ابن تيميه انتهت بعد وفاته، تاليا عاش المسلمون ستة قرون في جهل وضياع إلى أن ظهر محمد ابن عبد الوهاب وأحيا هذه الدعوة وكأنما هو الإحياء الإسلامي الثاني أو إنبعاث الإسلام الثاني على يديه.. ولذلك النصوص التي كتبها ابن عبد الوهاب سواء في رسائله العقائدية أو في رسائله إلى الجوار أو حتى إلى الأبعدين كانت دائما تنطوي على تكفير الأخر وتبرز له كيف يكون على صواب وحق ويجب أن يصحح عقيدته. ولذلك الوهابية قامت على ثلاثة أضلع : تكفير المجتمعات، والهجرة منها بمعنى أن ينفصل المؤمنون بالعقيدة الوهابية عن غير المؤمنين بها، وأن يشكلوا دار هجرة خاصة بهم، أي مجتمع مضاد كما يقال، بحيث إن هذا المجتمع المضاد يتأهب ويتهيأ لمرحلة يكون قادرا فيها على الجهاد..، والضلع الثالث هو إعلان الجهاد على هذا المجتمع.

وعندما نتكلم عن الانتشار العنيف، تثبت الوقائع التاريخية أن هذه الدعوة لا تنتشر بصورة سلمية، أي لا تعدّ السلمية جزءاً من دعوتها، بل إجبار المجتمعات وإرغامها على اعتناق الوهابية هي قناعة ينطلقون منها، وبنية أساسية، بمعنى أنها دعوة لا تنتشر إلا تحت ظلال السيوف، وتعتمد السلاح والقوة في أرغام كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية على الدخول فيها تحت قوة السلاح".

مجموعة كتب محمد ابن عبد الوهاب حول التوحيدوينبري أمامنا سؤال ملّح هل في هذه المذهبية شيء متمايز عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى، يدعو أهلها إلى اعتبار أن لا مسلم غير الوهابي؟

في دراسة مهمة أقامها الدكتور إبراهيم في قراءاته للمذهب الوهابي في مختلف كتبه يبيّن في سلسلة مصادر تاريخية موثقة أن الوهابية، كما ذكرنا أعلاه، هي إنبثاق لشكل متطرف للحنبلية في محاولة لإيجاد بعث سلفي متزمت لا يقر بحقائق التطور الإجتماعي والتعددية المذهبية والثقافية وإشكاليات التوفيق بين متطلبات كل مرحلة. فاستندت إلى التوجيه السلفي، وأوصدت باب الاجتهاد، وذلك بعد أن قال علماء الحنابلة إن لا باب بعد الخلفاء الراشدين للاجتهاد مفتوح. ويقول الباحث جلال كشك، في كتاب له عن الوهابية، " إن قراءة كتب محمد ابن عبد الوهاب ومنشوراته تعطي انطباعا وكأنه يعيش خارج التأريخ، فليس له من تعليق على حدث معاصر خارج محيطه، بل يناقش قضايا فقهية سبق وبحثها وصدرت فيها إجابات حاسمة قبل مولدة بقرون عديدة".

أسس الفكر الوهابي سطحية بعيدة عن الواقع :

ويؤكد الدكتور إبراهيم أن مجهودات الوهابية بلغت من التسطيح إلى حد الاشتغال الكثيف على موضوعات عقدية محسومة مثل الشفاعة والنذر وزيارة القبور، معتبرة إياها مجتمعة المفهوم الكلياني للإسلام دون الدخول في هذا المفهوم موضوعات ذات صلة بالواقع المعاش وخصوصاً موضوعات النظام الإسلامي، والحلول الإسلامية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية المستجدة، وبذلك لم تضع نظرية متكاملة حول الدين. فقد بدا الوعي الديني لدى الوهابية منحبسا في مجالات العقوبة والردع والأبعاد الأخروية التي تلتقي وأغراض ترسيخ السلطة السياسية وتعزيزها.

من هنا كان استفسارنا الأخر، بأن الوهابية كثّفت اهتمامها على المحكوم فجاءت أحكامها على المجتمع بصورة رعب ديني بالجحيم والعقارب، بينما ذهبت على صعيد الحاكم أن أعطته صفة ظل الله على الأرض ولا يجوز الخروج عليه.. وهي هنا قد تلتقي مع بعض المذاهب الأخرى في خصوص الحاكم، ولكن كيف تختلف عنها ؟

للوهابية تشدد مخيف تجاه المجتمع وتسامح لا نظير له مع الحاكم

صحيح، يقول الدكتور إبراهيم، ولكن الوهابية تجاوزت كل هذه المذاهب بحيث أقفلت أبواب الخروج على الحاكم نهائيا. هم قالوا بإنه لا يصح الخروج على الحاكم إلا بحال وصل إلى مرحلة الكفر البواح، يعني أن يصرح الحاكم بالكفر علنا ويشهره على الملأ.  ولكن حتى هذا الكفر البواح هناك من تسامح به وقال الخروج عليه أشد فسادا من الإبقاء عليه. وتاليا فكرة الكفر البواح لم تعد مبررة للخروج على الحاكم.

بالمقابل هناك تشدد غير عادي إزاء المجتمع بحيث ليس هناك في الوهابية ما يمكن تسميته بالتسامح الديني. أو إشاعة روح القبول أو التعويض أو بحق الاختلاف والتعددية هذا كله ممنوع إنما المطلوب من المجتمع أن يتحوّل بأكمله إلى العقيدة الوهابية وإلا لا يبقى أمامه إلا حد السيف.. ولا يقدم إليه أي خيار أخر بما فيها الرحيل، غير مسموح له بذلك، إذاً لدينا تسامح إزاء السلطة بشكل مناقض ما هو إزاء المجتمع.. لأنه هو في الأساس مذهب للحكم وليس للمجتمع هو يريد إصلاح المجتمع بطريقة راديكالية ما يساعد الحاكم على اخضاع رعيته .

باسم الدين يقتلون الناس بغير وجه حقابن تيمية سبق ابن عبد الوهاب في مبدأ التكفير، الذي شهر هذا السلاح ضد من خالفوه في اعتقاداته الفلسفية مثل الغزالي والشافعي حتى قالوا عنه :"إنه كفّر الأمة الإسلامية جمعاء". وهذا حال الوهابية، حيث التكفير من أبرز أدبياتها الدينية. ويؤكد الباحث إبراهيم :"فإذا عدنا إلى المراجع الأولى والكتب والرسائل التي كتبها محمد بن عبد الوهاب نراها تطفح بالفكر التكفيري ومفرداته والنزعة الاستعلائية على بقية المذاهب. وأكثر من كتب بالتكفير هم الوهابيون. إذ يتجاوز الشيخ ابن عبد الوهاب الحدود العامة المتّفق عليها في الإيمان والإسلام ،ليضع شروطاً لم ترد لا في حديث ولا في سيرة المسلمين الأوائل، من قبيل تقسيم التوحيد الى ثلاثة: توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، فلم يخضع رسول الله صلى الله عليه واله أصحابه لامتحان في التوحيد بالطريقة التي يرسمها إبن عبد الوهاب، ولم تكن القبائل تسأل عن الأنواع الثلاثة للتوحيد،بل كانت الفطرة دليلاً على الإيمان بالله وحده لا شريك له. ولم نجد في أي من مصنّفات العلماء الأوائل ولا حتى سجالاتهم الفكرية ما يشير الى وجود هذا التقسيم، بالرغم من أن موضوعات لاهوتية عدّة كانت حاضرة في نقاشات التيولوجيين المسلمين الأوائل". .. والغالبية العظمى من المسلمين لا يؤمنون بهذا التقسيم، كما يتابع الدكتور إبراهيم، إذاّ فهم كافرون برأي الوهابية. ويقولون إن المعتزلة كفار والاشاعرة كفار وبقية المذاهب من السنة كفار والصوفية كفار والشيعة كفار فمن بقي إذاً؟.".

ويؤكد الدكتور فؤاد إبراهيم أن ثمة نصوص واضحة لدى إبن عبد الوهاب، ترى في أمة المسلمين في زمانه بأنهم أشبه بالكفار الذي قاتلهم الرسول (ص) كونهم "يعرفون الله ويعظمونه ويحجّون ويعتمرون ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل وأنه يشهدون أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر الا الله وحده لا شريك له.."، فما المشكلة إذاً؟. يقول إنهم"يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم.."، الفارق أن"مشركي زماننا يدعون أناساً لايوازون عيسى والملائكة.)).

العنف وقتل الاخر جزء من العقيدة الوهابية :

ينفرد المذهب الوهابي بأنه صاحب أضخم تراث تكفيري في تاريخ الإسلام، وبإمكان المرء تتبّع كتابات علماء المذهب منذ الأيام الأولى لنشأته حول مسألة التكفير، والمناظرات المتصاعدة والمغلقة داخل الدائرة الوهابية، حتى يبدو وكأن مسألة التكفير ركيزة أساسية للمذهب، ومصدر لوجوده وحيويته وتميّزه. وكان من شأن هذا التكفير أن يكون مترافقا مع القتل والعنف، فقد بلغ الحال في حروب الوهابيين ضد مناطق المسلمين، خصوصا في بلاد الحجاز حيث سيطروا عليها وأقاموا دولتهم، إلى حد استباحة تلك المناطق ونهب ثرواتها وقتل سكانها وسبي نسائها وقتل رجالها دون تمييز وتخريب دورها وعمارها واشعال النار في مكتباتها، ثم يعودون إلى مقارهم وكأنهم عادوا من فتح اسلامي مبين وتأدية واجب ديني عظيم.

أو ليس هذا ما يحدث اليوم في أفغانستان والعراق وسوريا ؟!!.. يسأل الدكتور إبراهيم، إذ إلى اليوم لم يتغير شيء من ملامح هذا المعتقد، بل أصبح هناك ما يعرف بالانتشار الكوني للوهابية، والذي بدأ بكل صراحة بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران في محاولة لتطويق صوت هذه الثورة والخوف من امتدادها.. فقد فتحت الوهابية لها معاهد تدريسية، وما صرفته دولتهم إلى اليوم على نشر هذه الدعوة يصل إلى حدود السبعين مليار دولار.

هل يعني هذا الانتشار أن للمذهب الوهابية حشدا جماهيريا؟

التكفيريون في سوريا جمعيهم ينتمون إلى الواهبية هذا ليس صحيحاً، فالناس اليوم ترى النموذج الذي يقدمونه وينفرون منه، لكن هناك البعض ممن عنده سلفا قابلية تقبل هذا المنحى المتطرف في التفكير، ولم يكن الأمر يحتاج أكثر من توجيه البوصلة بالنسبة إليهم. وهذا هو الحال مع تنظيم "القاعدة"، وغيرها من الحركات التي تنِشأ مثل الفطر، لتحارب في سوريا. فاستطاعت الوهابية أن تتغلل اليهم بسهولة. -فلماذا لم تنتشر القاعدة في مراكز دينية سنية مثلا ؟. لآن اساسا البيئة الموجودة للقاعدة كانت مهيأة لتقبل الوهابية مذهبا لها ولاستراتيجيتها وأصبحت هي الحاكمة الطبيعية للقاعدة .. وإذا اطلعتي – يؤكد الدكتور إبراهيم- على أدبياتهم سترين الأفكار نفسها عند الوهابية.. فكرة الإمارة الإسلامية هي نفسها التي أقامها محمد بن عبد الوهاب في الدرعية ورأى هذا دار هجرة ودار إيمان وكان يقيم فيها بشكل مؤقت ويعدّ مقدمة لدولة الخلافة الإسلامية .. وهذا ما يجري الآن في سوريا في ما يطلقونه من تسميات مثل الإمارة الإسلامية في هذه المنطقة أو تلك، إمارة بلاد الشام وإمارة حمص وغيرها .. هذه في الواقع العقيدة الوهابية نفسها .

فهل الأحداث التي نعيشها حاليا أنعشت الفكر الوهابي من جديد؟.

نعم، الفكر الوهابي يعتمد بدرجة كبيرة على الساحات المؤهلة لخوض المعارك فأين توجد الفوضى توجد الوهابية هذا ما يحدث في أفغانستان والعراق والان في سوريا وفي اليمن.. أي مكان يوجد فيه تنوع فكري عقائدي وسياسي لا يمكن لها التواجد فيه .. وهي تحاول الانتشار عبر طريقين المال النفطي والسلاح.. المذهب الوهابي باختصار هو فكر يكره الاخر ويدعو إلى قتله.

الأحد، 6 أكتوبر 2013

«الإخوان» والسعودية: الصراع والتقارب

    أكتوبر 06, 2013   No comments
الهضيبي يتوسط مجموعة من «الإخوان» ومن الضباط الأحرار، وعلى يساره عبد الناصر (عن «الانترنت»)
قاسم قصير
_______
شهدت العلاقات بين «الاخوان المسلمين» والسعودية مؤخراً، صراعاً مكشوفاً، لا سيما في مصر بعد الدعم السعودي للتحرك الشعبي والعسكري ضد «الإخوان». كما شهدت وسائل الإعلام السعودية حملة قاسية ضد «الإخوان» ودورهم. فما حقيقة العلاقة بين «الإخوان» والسعودية وما هي أسباب الصراع بينهما؟

تعود العلاقة بين «الاخوان المسلمين» مع المملكة العربية السعودية إلى بدايات تأسيس الجماعة في مصر، حيث يروي الإمام حسن البنا في مذكراته حول بواكير صلات «الإخوان» بالسلفية والسعودية، فيقول: «كما كان ينفس عن نفسي التردد على المكتبة السلفية، حيث نلتقي الرجل المؤمن المجاهد العالم القوي والعالم الفاضل والصحافي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب، كما نتردد على دار العلوم ونحضر في بعض مجالس الأستاذ رشيد رضا».
ويضيف البنا أن «فضيلة الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك (عبد العزيز) ابن آل سعود، حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة الأوقاف إلى الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، واتصل الشيخ حافظ بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين. فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئياً، وجاءني بعد ذلك الخطاب التالي من الدكتور يحي الدرديري، المراقب العام للجمعية، بتاريخ 6 تشرين الثاني العام 1928 (هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل، وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك (عبد العزيز) ابن آل سعود للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي في مكة). وفي الموعد التقينا، وكان أهم شرط وضعته أمام الشيخ حافظ، ألا أعتبر موظفاً يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح». لكن البنا لم يذهب إلى السعودية للتدريس، وإن كانت العلاقة بين «الإخوان المسلمين» والمملكة قد تطورت لاحقاً.
وبعد محاولة الاعتداء على الملك عبد العزيز في الحرم المكي من قبل أحد اليمنيين، قرر المجتمعون في المؤتمر الثالث للجماعة في العام 1934 «بأن يرفع مكتب الإرشاد باسمهم، التهنئة الخالصة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود على نجاته، واستنكار هذا العدوان الأثيم».
وقد تعززت العلاقة بين البنا والمسؤولين السعوديين خلال قيامه بتأدية مراسم الحج، حيث كان يتاح له إلقاء الخطب والدروس. لكن برغم ذلك، فإن الملك عبد العزيز لم يكن يشجع تأسيس فرع لـ«الإخوان» في السعودية. وفي العام 1936 كان اللقاء الشهير بين البنا والملك عبد العزيز، والذي طلب فيه البنا إنشاء فرع للجماعة في السعودية، فكان جوابُ الملك حين رَفَضَ الطلبَ: «كلنا إخوان مسلمون».
وأول إشكال سياسي حصل بين «الإخوان» والسعودية كان بعد ثورة اليمن في العام 1948، حيث أيد «الإخوان» الثورة ودعموها، لكن الملك عبد العزيز وقف في وجهها ما أغضب «الإخوان».
وبدأت السعودية تتحسس من الجماعة ومشروعها التغييري في المنطقة العربية، ولم تسمح المملكة في ذلك العام للبنا بالحج، إلا بعدما تعهد بعدم الخطابة والكلام في السياسة.
في العام 1949، تم اغتيال الإمام حسن البنا في ظل التطورات الخطيرة التي شهدتها مصر والصراع بين «الإخوان» والحكم الملكي، وقد تولى الأستاذ حسن الهضيبي منصب المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين».
وبعد الثورة المصرية في العام 1952، ووصول جمال عبد الناصر إلى الحكم وبروز المشاكل بين الحكم الناصري و«الإخوان»، تدخلت السعودية بين الجماعة وقادة الثورة المصرية لحل الخلافات بينهما.
ويقول علي عشماوي، وهو آخر قادة التنظيم الخاص لـ«الإخوان»: «لقد حضر الملك سعود للوساطة بين الإخوان والحكومة بعد الحل الأول، وفعلاً جامله أعضاء الثورة وفتحوا صفحة جديدة مع الإخوان».
وقد زار الهضيبي السعودية لاحقاً، ولقي ترحيباً كبيراً، وتطورت العلاقة إيجاباً بين الرياض والجماعة، بعدما غادر العديد من قيادات «الإخوان» مصر إلى السعودية ودول الخليج، اثر الصدام مع عبد الناصر.
وقد تولى قادة «الإخوان» ومفكروهم مسؤوليات عدّة في المؤسسات الدعوية والتربوية والدينية في المملكة، ما عزز العلاقة بين الطرفين، ونشأ تيار «إخواني» غير معلن في السعودية. وفي المقابل، تأثر قادة «الإخوان» بأجواء الوهابية والسلفية في السعودية.

التداعيات التنظيمية والفكرية للتشدد السلفي على «الإخوان»

كان للتشدد السلفي تداعيات سلبية على فكر «الإخوان» وتنظيمهم، إذ برز ما يشبه استسلام قيادات الحركة أمام «الشباب المندفع نحو السلفية»، و«الابتعاد ضمنياً عن تعريف حسن البنا للإخوان»، بحسب ما يرى الباحث الإسلامي حسام تمام في دراسة له حول تأثر «الإخوان» بالسلفية.
ويقول تمام في الدراسة: «على الصعيد الفكري، تجلى تأثر الإخوان بالسلفية بنزعة إقصائية ورفضية تجاه المكونات الإخوانية الأخرى التي نُظر إليها على أنها الآخر المختلف، فكان المؤثر الصوفي الأكثر تضرراً، وأصبح في نظرهم، الآخر الأزهري الأشعري، عنواناً للانحراف الديني، ومهادنة السلطة».
ويضيف مثلاً بالغ الدلالة، انه حين اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية، لم يستطع الإخوان أن «يلتحموا بأكبر حركة تغيير إسلامي في صفوفهم، نتيجة للتمدّد السلفي بينهم»، ومظاهر تنامي كتلة «الإخوانيين السلفيين».
ويشير الباحث الإسلامي إلى أن «قيادات الإخوان اضطرت إلى إطلاق اللحية والتزام كل السنن الظاهرة، وعلى رأسها مصطفى مشهور وعباس السيسي وغيرهم»، أما مجلة «الدعوة» التي كانوا يصدرونها، فبدأت تتحدث عن أفكار سلفية مثل «عقد الذمة، وحرمة بناء الكنائس، ودفع الجزية وتطبيق الشريعة وتحريم الغناء والموسيقى».
أما تنظيمياً، فكانت النتيجة «التعاضد بين مكونات سلفية وقطبية» (أطلق سيد قطب أفكاراً متشددة شملت تكفير المجتمع وجاهليته وحاكمية الله) بقيت كامنة داخل «الإخوان».
لكن لا بد من القول إن حركة «الإخوان المسلمين» تفاعلت بشكل إيجابي مع بداية الثورة الإسلامية في إيران، وعمدت إلى إرسال وفد منها لتهنئة الإمام الخميني، مما أثار الشكوك لدى المسؤولين السعوديين، وإن كانت العلاقة بين إيران و«الإخوان» قد تراجعت لاحقاً بسبب الحرب الإيرانية - العراقية، والخلاف بين «الإخوان» والقيادة الإيرانية، بالإضافة إلى اعتراض الجماعة على دعم إيران للقيادة السورية في معركتها ضد «الإخوان المسلمين» السوريين، لا سيما بعد مجزرة حماه في العام 1981.
وقد برز الخلاف الأقوى بين القيادة السعودية و«الإخوان» بعد حرب الخليج الثانية واحتلال العراق للكويت، حيث دعمت بعض القيادات الإخوانية الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد الكويت، مع أن «إخوان» الكويت ولبنان وقفوا ضد الغزو العراقي للكويت.
وقد تحدث عن هذه المشكلة لاحقاً وزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبد العزيز في مقابلة مع صحيفة «السياسة» الكويتية، حيث قال إن «جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء، كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من الإخوان، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار. وعندما اضطهد الإخوان وعلقت لهم المشانق، لجأوا إلى السعودية فتحملتهم وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين. وأحد الإخوان البارزين أقام 40 سنة في السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلى قال: حسن البنا. وبعد حرب الخليج، جاءنا عبد الرحمن خليفة و(الشيخ راشد) الغنوشي، و(الشيخ عبد المجيد) الزنداني، فسألناهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء، وبعد وصول الوفد الإسلامي الى العراق، تفاجأنا ببيان يؤيد الغزو».
لكن الخلاف بين «الإخوان» والسعودية لم يستمر طويلاً، بل حصلت اتصالات ولقاءات بين القيادات الإخوانية والمسؤولين السعوديين في وقت لاحق، وكان المسؤولون السعوديون يلتقون بقيادات حركة حماس ويسمحون بحضور القيادات الإخوانية إلى مكة المكرمة، لعقد اللقاءات السنوية خصوصاً في موسم الحج أو في العشر الأواخر من شهر رمضان.

مميزات «السلفية الإخوانية» في التسعينيات

تميز المشهد الديني السياسي في مصر في التسعينيات بمحاصرة «الإخوان المسلمين»، بعد مشاركة لافتة في الثمانينيات في الانتخابات النقابية، وفي موازاة ذلك بـ«نمو التواجد السلفي من خلال شبكات مساجد ومؤسسات اقتصادية، والبث الفضائي الذي بات سلفياً بامتياز».
واتجهت القاعدة الإخوانية نحو «الاقتراب من الأطروحة السلفية، ما يمثل تلبيةً لطلب واسع من المجتمع المصري نحو المحافظة»، وباتت «أهم مصادر التثقيف والدعوة بين الإخوان تأتي من رموز مزدوجة سلفية إخوانية».
ويلفت الباحث حسام تمام إلى أنَّ «تنافس الأطروحتين، الإخوانية والسلفية، صبَّ في صالح الرافد السلفي الذي أنعشه تيار الدعاة الإخوانيين السلفيين في إصرارهم على تأكيد انتسابهم إلى الدعوة السلفية». ومن بين هؤلاء الذين يعدون برامج حوارية دينية صفوت حجازي، والدكتور راغب السرجاني الذي كتب في شكل حاد عن «الشيعة وحزب الله في لبنان»، والشيخ جمال عبد الهادي، والشيخ محمد حسين عيسى الذي يحتل ركناً مهماً في المكون التربوي في جماعة «الإخوان»، والشيخ عبد الخالق الشريف عضو «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي ظل «المكون السلفي في خطابه مضمرا».

سيطرة التيار «القُطبي» على القيادة الإخوانية

يؤكد الباحث تمام أنَّ انتخابات العام 2010 الداخلية، أدت إلى ما وصفه بـ«اختطاف» الجماعة على يد التيار «القُطبي» الذي أحكم «سيطرته التنظيمية على قيادة الجماعة بعدما تولى ثلاثة من أبنائه أبرز المواقع القيادية، وعلى رأسها المرشد العام محمد بديع واثنين من نوابه، إذ اعتبر بديع ونائبه الرجل الحديدي محمود عزت (أثارت تصريحاته في نيسان الماضي عن «تطبيق الحدود بعد امتلاك الأرض» جدلاً كبيراً في مصر وانزعاج قيادات شبابية «إخوانية») وجمعة أمين (كتبَ الرسالة الداخلية «عليك بالفقه واحذر من الشِرك» حول الإخوان والشيعة) أهم رموز ما بات يعرف بالتيار القطبي داخل الإخوان، وهذا التيار هو نتيجة للانشقاق الفكري الذي حصل في الجماعة في العام 1965، وأدى إلى تبلور مجموعة بقيت متأثرة بأفكار سيد قطب المرجعية، مثل الحاكمية، وبناء طليعة منعزلة تقود التغيير الجذري».

ما بعد الثورات العربية

شكلت الثورات العربية، لا سيما في تونس ومصر واليمن وليبيا تطوراً مهماً على صعيد العلاقة بين «الإخوان» والتيارات السلفية والوهابية والسعودية. فأحياناً يلاحظ المراقب أن هناك تقاربا بين هذين التيارين، وأحياناً أخرى يلحظ شدة الصراع والخوف السعودي من نجاح الإخوان المسلمين، ودعم السعودية وبعض دول الخليج للتيارات المعادية لـ«الإخوان» سلفية كانت أم علمانية أم يسارية.
كما أن دعم قطر للجماعة، ووجود صراع خفي بين السعودية وقطر على صعيد الدور السياسي والمالي في العالمين العربي والإسلامي، قد يكون أحد أبعاد هذا الصراع، مع الإشارة إلى أن قطر تحتضن أحد أبرز الرموز الإخوانية العلمائية، وهو الشيخ يوسف القرضاوي رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، بالإضافة إلى كون قطر متأثرة بالفكر الوهابي والسلفي، وقامت بإنشاء أكبر مسجد باسم «الإمام محمد بن عبد الوهاب».
وقد عمد «الإخوان» إلى التقارب مع السعودية، وكانت أول زيارة للرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي إلى السعودية، حيث أعلن من هناك «العمل والتعاون مع السعودية لحماية مذهب أهل السنة والجماعة»، مما أدى إلى شن الصحف المصرية حملة على تصريحاته.
لكن على الرغم من حرص «الإخوان» على التعاطي الإيجابي مع التيارات السلفية في مصر، والتقارب مع السعودية على الصعيد السياسي، فقد بدأت مصر تشهد صراعاً سياسياً وحزبياً وفكرياً بين «الإخوان» والسلفيين، كما أن وسائل الإعلام العربية المدعومة من السعودية، شنت هجوماً قوياً ضد «الإخوان المسلمين»، وعمدت إلى دعم القوى المعارضة لهم ولمرسي خلال الأزمات التي مرت بها مصر منذ أواخر العام 2012، والأشهر الأولى من العام 2013، حتى نجحت السعودية وحلفاؤها بإسقاط حكم «الإخوان» بعد ثورة «30 يونيو».
ويقول الباحث السعودي عبد الله الشمري، خلال مؤتمر عقدته مؤسسة «أديان» في «الجامعة اللبنانية الأميركية» في جبيل (ما بين 29 و30 تشرين الثاني 2012)، إن «وصول حركات الإسلام السياسي خاصة الإخوان المسلمين إلى السلطة، لا سيما في مصر وتونس، والمشاركة فيها بقوة كبيرة في المغرب وليبيا، مثل تحدياً كبيراً لكل من السعودية وإيران وتركيا، وإن كانت السعودية هي الأكثر تخوفاً من وصول الإخوان إلى السلطة، لأنهم سيقدمون نموذجاً عربياً إسلامياً لحكم الإسلام في مواجهة التجربة السعودية. (وإن كان «الإخوان» لم ينجحوا في ذلك في تجربتهم).
وقد برزت الحملة القاسية من دولة الإمارات ضد «الإخوان» في أواخر العام 2012 وبداية العام 2013، والتحذيرات التي أطلقها رئيس شرطة دبي ضاحي الخلفان من وصول «الإخوان» إلى الحكم وخطرهم على دول الخليج، أحد المؤشرات لبروز الصراع بين «الإخوان المسلمين» ودول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات.
أما في الداخل المصري، فالصراع بين الجماعة والسلفيين زاد، وتمثل بالتنافس على الصعيد البرلماني ومن خلال الحملات الإعلامية وتحذير السلفيين من «أخونة الدولة» وتعيين 12 ألف موظف من «الإخوان» في مؤسسات الدولة.
وقام ممثلون عن «حزب النور» السلفي، بتسليم الرئاسة المصرية ملفاً عن «أخونة الدولة»، ووعد المسؤولون في الرئاسة بدراسة الملف، في حين ان بعض التيارات السلفية والإسلامية الجهادية وقفت إلى جانب «الإخوان» في الصراع مع السلطة الجديدة في مصر.
إذًا نعيش اليوم في لحظة الصراع القوية بين «الإخوان المسلمين والسعودية»، وما تمثله من مركز للوهابية والسلفية.
وعلى الرغم من حرص «الإخوان» على السعي إلى إقامة أفضل العلاقات مع السعودية، فإن الأخيرة خاضت وتخوض حرباً قاسية ضدهم، مع أنها تستفيد منهم في بعض المعارك ضد القوى الأخرى، خصوصاً إيران و«حزب الله» وبعض القوى اليسارية والديموقراطية والناصرية في بعض المراحل. وقد دفع «الإخوان المسلمون» ثمن حسن ظنهم بالسعودية وعدم إدراكهم للخوف السعودي الكبير من وصولهم إلى حكم أكبر دولة عربية، وما يشكله ذلك من خطر على السعودية وحكام الخليج.

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

التسوية الروسيّة المكاسب والخسائر: سوريا تحت مظلّة النووي الروسي

    سبتمبر 11, 2013   No comments
ناهض حتر

كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، الاستحقاقات المترتبة على روسيا، لقاء القبول السوري الإيراني بالمبادرة الروسية للتخلّص من الأسلحة الكيميائية السورية؛ فقد أعلن، أمس، ما يأتي:
أولاً، أنّ «تخلّي سوريا عن سلاحها الكيميائي يكتسب مغزى فعلياً فقط عند تخلي أميركا عن استخدام القوة». وهو ما يعني التزاماً واضحاً ومحدداً بأمن سوريا كحليف استراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة والغرب.
ثانياً، أنّ «سوريا كانت تعتبر سلاحها الكيميائي في مقابل السلاح النووي الإسرائيلي». وهو ما يعني أن النووي الإسرائيلي بات مطروحاً على طاولة البحث، ما سيكون، على المدى البعيد، جزءاً من أي تسوية شاملة في المنطقة، لكنه، على المدى القريب، سيكون مطروحاً في أي مفاوضات حول الملف النووي الإيراني. لكن الأكثر أهمية، في هذا التصريح، هو أن موسكو قررت وضع سوريا تحت مظلتها النووية، لقاء تخليها عن قوة الردع الكيميائي

خلال ساعات، نُزع فتيل الحرب الأميركية على سوريا؛ أعلن الروس مبادرة الإشراف الدولي على ترسانة سوريا الكيميائية، مقابل وقف العدوان. وافقت دمشق فوراً، وردّت واشنطن بصورة إيجابية فيها شيء من الحذر الكاذب؛ فقد كشف وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، سريعاً، أن المبادرة التي غيرت المناخ الدولي كله باتجاه التسوية، طُبختْ مع الأميركيين؛ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأميركي، باراك أوباما، تبادلا الحديث، في عز إعلانهما الانقسام الكبير بين معسكريهما، حول إمكانات التوصل إلى مخرج من حتمية الحرب. هكذا تكون قواعد اللعبة بين العملاقين، قد وُضعَتْ؛ دمشق وطهران، تفاهمتا مع الروس حول استراتيجية إدارة الصراع من خندق مشترك، لكن، على الضفة الأخرى، حيث لا يوجد حلفاء بل أتباع، فليس ثمّة سوى المفاجأة والخيبة والعويل، وكأنّ رئيس ما يُسمّى «الجيش الحر»، كان يصرخ باكياً بحناجر بندر بن سلطان ورجب طيب أردوغان وبقية الصغار، كالصغار: نريد الضربة، نريد الضربة. لكن عالم اليوم هو عالم الكبار؛ العملاء والخونة والحاقدون، ليسوا سوى أدوات.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية اليمينية، تشارك أولئك الصغار صيحاتهم المرعوبة: حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة سيستنتجون أنهم لم يعودوا قادرين على الوثوق بها. وتنبّه الصحيفة، خصوصاً، إلى إمكانية خسارة النفوذ الأميركي في مصر. ومصر هي الجوهرة المكنونة للفائز أخيراً في مسار الصراع في المنطقة.
الصراع الدائر معقّد للغاية، ويشتمل على ملفات متعددة ومتداخلة ونقاط للتفاهم وأخرى للتفجير. وإذا كنا لا نغفل، إطلاقاً، أحجام القوى الإقليمية والدولية وأدوارها، فالحقيقة الأولى التي ينبغي أن نراها لكي نفهم التطورات ونتمكن من التنبؤ بها، هي أن الصراع يدور بين الدولتين العظميين، الاتحاد الروسي والولايات المتحدة.
في العالم العربي، هناك العديد من القيادات والسياسيين وصنّاع القرار والرأي، ممن لا يفهم ـــ أو لا يريد أن يفهم ـــ أن مرحلة القطبية الأحادية قد انتهت، وأننا دخلنا، بالفعل، مرحلة تعدد الأقطاب في إطار معسكرين، روسي وأميركي: لم تفقد روسيا ـــ حتى بتفكك الاتحاد السوفياتي ـــ مواردها الهائلة من الأراضي الشاسعة أو ثرواتها الطبيعية الضخمة أو بناها التحتية كبلد صناعي حديث أو، أخيراً، قواها وصناعاتها العسكرية التقليدية والنووية. ما فقدته روسيا هو هيكلية الدولة والإرادة السياسية الاستراتيجية لإدارة كل ما تملك في مشروع قومي. وهذا ما حققته إدارة بوتين للبلاد. وقد نجحت سريعاً، اقتصادها الآن قوي، بلا أزمة، وجيشها أقوى ويتم تحديثه بميزانيات ضخمة. وهو جيش محترف، لكنه مبني على أسس قومية وشعبية، وأخيراً، فإن مستوى حياة الروس اليوم، بالمجمل، ربما يكون الأفضل عالمياً، فالإحصاءات الغربية تقول إن 77 بالمئة من الروس «سعداء».
بالمقابل، الولايات المتحدة قوة عالمية جبارة، اقتصادياً وعسكرياً، لكنها تعيش ثلاث أزمات: الأزمة المالية الاقتصادية المتجذرة ـــ والتي لم تشهد سوى معالجات هشة ـــ وأزمة اجتماعية تختزن ثورة الفقراء والمهمشين، وأزمة الحروب الفاشلة الباهظة التكاليف في أفغانستان والعراق.
وللولايات المتحدة حلفاء في أوروبا الغربية وأتباع في الشرق الأوسط، ولروسيا، أيضاً، حلفاء من الكبار كالصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وحلفاء أقوياء في المنطقة كإيران وسوريا وحزب الله.
هذه هي اللوحة، وهذه هي توازناتها. وهي، على نحو ما، تعيدنا إلى مطلع الستينيات.
في آب 1962، حصلت الولايات المتحدة على ذريعة للحرب على كوبا؛ كانت قد جربت إطاحة الرئيس فيديل كاسترو بوسائل حرب العصابات المرتزقة (غزوة خليج الخنازير) وفشلت، حين اكتشفت أن روسيا السوفياتية نصبت في الأراضي الكوبية صواريخ نووية متوسطة، ووقع العالم كله في القلق المرعب لحرب كونية، لم يكن الرئيس الأميركي الديموقراطي، جون كينيدي، يريدها بالنظر إلى توجهات إدارته السلموية (بمعنى تفضيل خوض الصراع بالاستخبارات والميليشيات المحلية، لا بالعسكر)، لكنه وجد نفسه، وسط ضغوط التأزيم، في موقف حربجي.
وحين اقترب الفريقان من حافّة الهاوية، توصلا إلى اتفاق بمبادرة الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف: موسكو تسحب صواريخها، وواشنطن تتعهّد بعدم الاعتداء على كوبا؛ كانت تلك اللحظة التي مُدّ فيها الخط الساخن بين عاصمتي الحرب والسلام، وتوضحت حدود الحرب الباردة ومساراتها.
لعل بوتين (الذي يعدّ سقوط الاتحاد السوفياتي أكبر كارثة جيوستراتيجية في التاريخ)، أفضل تلامذة الحقبة السوفياتية في إتقان الجدل بين تأكيد الانقسام الكبير للعالم، وبين عقد التسويات المعقدة لتلافي الحروب في اللحظة الأخيرة. لكن ميزة بوتين عن أساتذته السوفيات، هي الدينامية السريعة؛ فليس هناك وقت لإضاعته؛ ذلك أن روسيا تستعدّ لتأسيس دورها القيادي في القرن الحادي والعشرين.

الخسائر

في المبادرة الروسية لتجميع الأسلحة الكيميائية السورية وإتلافها، وربما اضطرار دمشق إلى التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيميائية، خسائر جدية لمحور المقاومة والممانعة، لا نستطيع إنكارها، وهي:
أولاً، تجريد سوريا من سلاحها الاستراتيجي الذي يشكل قدرة الردع أمام السلاح النووي الإسرائيلي. وبالمحصلة، سيؤدي ذلك إلى خلل في ميزان القوى بين سوريا والعدو الإسرائيلي. وربما يكون البديل الوحيد المتاح لاحقاً هو الاعتماد على سدّ الثغرة بالمقاومة.
ثانياً، تسليم السلاح الكيميائي السوري تحت الضغط العسكري، سوف يفتح شهية الولايات المتحدة وإسرائيل، لممارسة التهديد بالحرب لوقف المشروع النووي الإيراني. وقد اعتبرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن تطبيق المبادرة الروسية بشأن كيميائي سوريا، سيكون له «تداعيات إيجابية» على الملف النووي الإيراني، من خلال التلويح «بالخيار العسكري ضد إيران».
ثالثاً، ليس هناك ما يضمن عدم الانزلاق إلى وضع استباحة السيادة السورية من خلال التفتيش على النسق العراقي. وهو ما سترفضه دمشق، ويجدد، تالياً، مناخ التهديد بالحرب. وهو ما يتطلب اليقظة، وتقنين تقديم التنازلات، وتلافي الركون إلى مزاج تجنّب الحرب بأي ثمن ... إلخ.

المكاسب

يستطيع أوباما، بالطبع، أن يتبجّح بأن الحكومة السورية رضخت تحت التهديد العسكري. وفي هذا القول ما هو صحيح؛ فدمشق قدمت تنازلاً كبيراً جداً لتجنّب الحرب، لكن، بالمقابل، لا يخفى على أحد أن أوباما كان في مسيس الحاجة إلى مخرج ينقذه من حرب هي فوق طاقة الولايات المتحدة، اقتصادياً وعسكرياً ومعنوياً واستراتيجياً. وهو ما صاغ السياسة الحربية المترددة للبيت الأبيض. ولقد بات الجميع يعرف ويقرّ بأن إرادة المجابهة ـــ وقدراتها ـــ لدى سوريا وحلفائها، هي التي عطلت، مرة بعد أخرى، الضربات الصاروخية الأميركية. وهذه هي الخلفية الأساسية للمكاسب المتحققة جراء التوافق الروسي الأميركي لتلافي الحرب مقابل الكيميائي؛ لقد اكتشف العالم كله ـــ ربما باستثناء العملاء الصغار في الشرق الأوسط ـــ أن القوة الأميركية لم تعد فوق التوازنات الدولية المستجدة، وأنها مقيّدة بعوامل كابحة، داخلياً وأوروبياً وعالمياً.
ولكن، ما الذي حققه محور المقاومة والممانعة بالملموس؟ تجنّب الحرب الشاملة؟ نعم؛ فرغم ثقتنا بأن حرباً كتلك لن تضع أوزارها بانتصار المعتدين، وأن سوريا وإيران والمقاومة، ستخرج منها، أقوى دفاعياً وسياسياً، إلا أن تحقيق الحد الأدنى من الأهداف (إسقاط مشروع تفكيك سوريا، وتصليب محور المقاومة، وتعزيز تحالفاته الدولية) من دون حرب، ولو بكلفة الكيميائي، يبقى الخيار الأقل كلفة وجدوى. وهو خيار له مكتسباته، ومنها:
أولاً، منع توجيه ضربات عسكرية لسوريا، كان من شأنها أن تزيد من دمار البلد وآلام أهلها، وتضعف قدرة الجيش العربي السوري وحلفائه ـــ وإنْ موقتاً ـــ على خوض المعركة مع الجماعات المسلحة والإرهابية، وربما حتى تجنّب مذابح سيقترفونها تحت القصف الأميركي.
ثانياً، إحباط الخطة السعودية ـــ التركية الجاهزة لاستغلال العدوان الأميركي والتوغّل البري، أثناءه وبالتنسيق معه، في الأراضي السورية بقوتين مجهزتين مما يسمى الجيش الحر والجماعات الإرهابية، إحداهما تنطلق من الجنوب والأخرى تنطلق من الشمال، على أساس أن تلتفّا على دمشق لتلافي دفاعاتها القوية، ومن ثم تلتقيان في حماه، وتشطران سوريا، بالتالي، إلى شطرين؛ عندها يحدث التقسيم والتطهير على أساس طائفي ومذهبي. ونحن لا نقول إن هذه الخطة كان لها حظ حتمي من النجاح، لكنها كانت جاهزة، وكان يمكن أن تؤدي، ولو جزئياً، إلى تغيير ما في هيكلية الحرب السورية. ثالثاً، إفشال التخطيط الإسرائيلي ـــ وهو ذو وزن أساسي في الحرب الأميركية ـــ الذي كان يركّز على ما بعد سوريا، أي على استجرار الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة ـــ رغم كلفتها الباهظة على إسرائيل نفسها ـــ ضد إيران؛ فمع توسّع الحرب، وشمول الرد السوري ـــ المدعوم من إيران وحزب الله ـــ على ضربات موجعة لمواقع إسرائيلية، كانت ستخلق الشروط للعدوان على الجمهورية الإسلامية نفسها، كما على مواقع حزب الله في لبنان.
رابعاً، الإفساح في المجال أمام الجيش العربي السوري والمقاومة لمواصلة العمليات العسكرية والأمنية ضد الإرهابيين. ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تسريعاً في هذه العمليات، وإحراز مكاسب جدية على الأرض؛ ذلك أن كسب المعركة الداخلية ضد الإرهاب وفرض الأمن على مناطق أوسع فأوسع في البلاد، يشكل أساساً لتصعيب خطط العدوان اللاحقة، ويمكن من تحقيق تسوية تكفل ليس فقط وحدة سوريا وإنما، أيضاً، استقلالها وخياراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودورها الرئيسي في محور المقاومة. ويمكننا، هنا، أن نقدّر أن القيادة المشتركة التي تدير المعركة الوطنية في سوريا، سوف تضع على الطاولة، في المرحلة المقبلة، ضرورة الذهاب إلى الحد الأقصى في استخدام القوة لكسر الجماعات المسلحة، وخصوصاً أن الأخيرة تشعر الآن باليأس، ومن المتوقع أن ينفضّ عنها المقاتلون غير المؤدلجين، بحيث تزداد السيماء الإرهابية لتلك الجماعات، وتزداد عزلتها المحلية والإقليمية والدولية.
خامساً، تعزيز وتوثيق العلاقات التحالفية بين سوريا ومحور المقاومة وبين روسيا ودول «بريكس». وسيكون على روسيا، بموجب التزام السوريين بالتخلّص من أسلحتهم الكيميائية، (1) ضمانة عدم اعتداء الولايات المتحدة على سوريا أو إيران أو حزب الله. وهي ضمانة لها استحقاقات جدية في العلاقة بين العملاقين، (2) زيادة وتسريع تزويد سوريا بالسلاح والعتاد، واستكمال توريد نظام صواريخ «اس 300»، وتفعيل الدور الروسي في الدفاع السوري، في مجالات عسكرية واقتصادية وإنسانية عدة، وأهمها شمول سوريا بالمظلّة النووية.
___________

الأربعاء، 3 يوليو 2013

بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة

    يوليو 03, 2013   No comments

 أما اليوم, فقد أكد القائد العام للقوات المسلحة المصرية اليوم أن الجيش المصري مستعد للموت دفاعاً عن الشعب ضد "الإرهابيين والمتطرفين"، وذلك بعدما أعلن الرئيس محمد مرسي رفضه التنحي وتمسكه ب"الشرعية". وأوردت صفحة على موقع فيسبوك تابعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يترأسه الفريق اول عبد الفتاح السيسي "ذكر القائد العام للقوات المسلحة أنه أشرف لنا أن نموت من أن يروّع أو يهدد الشعب المصري".

الأحد، 23 يونيو 2013

خريطة الجزر الأمنية في طرابلس

    يونيو 23, 2013   No comments
غسان ريفي
يخشى أبناء طرابلس من أن يؤدي الاشتباك السياسي في لبنان والمعارك المستمرة في سوريا، وما يرافقهما من تحريض مذهبي بلغ ذروته، الى تحويل مدينتهم الى جزر أمنية أو «إمارات» تجتاحها فوضى السلاح وترسم بينها حواجز خوف نفسية ومعنوية تعزلها عن بعضها البعض.

لم تعد المحاور الساخنة في التبانة والقبة والمنكوبين وجبل محسن هي العنوان الأمني الوحيد في طرابلس، بل ان جولات العنف المتلاحقة وخروج قادة المحاور عن سلطة القيادات السياسية والأمنية، وصراع النفوذ بين أمراء الأحياء، أوجدت محاور جديدة في كل مناطق طرابلس بدون استثناء.


كما أدى ذلك الى فرز عسكري حقيقي بين شوارع المدينة التي بات يتقاسمها المشايخ والكوادر والاجنحة العسكرية للعائلات، الذين يتحصنون خلف مجموعات شبابية مسلحة، ويتغذون بالتحريض المذهبي أو بالعناوين السياسية المطروحة، فيفرضون قوانينهم على من حولهم، ويقبضون ثمن حماية الممتلكات، ويخوضون المعارك التي تهدف الى زيادة هيمنتهم وتوسيع رقعة نفوذهم، ما يجعل المدينة بكاملها على أكثر من فوهة بركان قد تنفجر أي منها في أي لحظة.

كيف هو الواقع الأمني في طرابلس اليوم؟
في التبانة ثمة «اتحاد إمارات» سياسية وإسلامية يضم عشرات المحاور لكل منها قائد له أفكاره وارتباطاته وتوجهاته يشتبكون مع جبل محسن معقل «الحزب العربي الديموقراطي» المحسوب على القيادة السورية، وذلك عبر جولات عنف متتالية بعناوين محلية وإقليمية.
وفي القبة، تنشط المجموعات السلفية المتشددة على المحاور مع جبل محسن، فيما تتمركز في عمقها ضمن مربعات أمنية واضحة، «حركة التوحيد الاسلامي» بزعامة الشيخ بلال شعبان، و«تنظيم جند الله» بزعامة الشيخ كنعان ناجي، إضافة الى مجموعات السلفيين وبعضها مخترق من عناصر «الجيش السوري الحر»، والمجموعات المسلحة الموالية لـ«تيار المستقبل» بما كان يعرف بـ«أفواج طرابلس»، وعدد من العائلات التي ساهمت الفوضى الأمنية بتقوية نفوذها.
أما في أبي سمراء التي تقدمت الواجهة الأمنية مؤخرا، فيبلغ التنوع السياسي والعسكري مداه، حيث المركز التاريخي لـ«حركة التوحيد الاسلامي» في محيط ساحة الشراع منذ العام 1982، يقابله مركز قيادة «الجماعة الاسلامية»، وعلى بعد أمتار قليلة المركز الرئيسي لـ«حزب التحرير»، وعلى مسافة ليست ببعيدة مقر «قوات جند الله».
وما بين ساحتي سعدون والضناوي، تنتشر عائلة حسون وتتمدد باتجاه زيتون أبي سمراء وصولا الى مستديرة المولوي ومحيط الشلفة (الطريق المؤدية الى مجدليا ـ زغرتا) كما ينتشر في تلك الشوارع سلفيو الشيخ داعي الاسلام الشهال، إضافة الى مجموعات «مستقبلية».
ولا يقتصر الأمر على شوارع أبي سمراء الداخلية، بل يتنامى الحضور السلفي في المنطقة الجديدة لجهة «جامعة المنار» حيث لكل مجموعة شيخ أو قائد وأكبرها تلك التابعة لحسام الصباغ والشيخ سالم الرافعي، يضاف إليها عناصر من «الجيش السوري الحر» ومن السوريين المتشددين الذين يتخذون من «مستشفى الزهراء» و«مجمع الأبرار» مقرا لهم، إضافة الى كثير من الشقق السكنية.
ومن أبي سمراء نزولا الى الأسواق مرورا بكورنيش النهر وصولا الى الحارة البرانية، يحكى عن ترسانة عسكرية موزعة بين «حركة الناصريين العرب» بزعامة الشيخ عبدالكريم النشار الموالي لـ«قوى 8 آذار»، وبين مجموعات شبابية سلفية يقودها الشيخ علي هاجر ومشايخ آخرين، ومجموعات أخرى تابعة لـ«تيار المستقبل»، ولقيادات ميدانية ذات توجهات مختلفة، ولا تزال هذه الأسواق تعيش تداعيات الاشتباكات الأخيرة التي خاضها السلفيون تحت شعار طرد عائلة النشار من المنطقة وإقفال مكاتبها التابعة لـ«حزب الله».
وفي الزاهرية، تنتشر أيضا خطوط التماس، فتتمركز عائلة الموري المحسوبة على «حزب الله»، الى جانب «حركة التوحيد الاسلامي» في مسجد أبو القاسم، ويحيط بهما مجموعات سلفية تابعة للشيخ سالم الرافعي وتتخذ من مسجد التقوى مقرا رئيسيا لها. وقد بدأت مؤخرا مجموعات الرافعي تتمدد باتجاه البولفار وساحة عبد الحميد كرامي مرورا بالجميزات حيث المركز التاريخي للقوميين السوريين المقفل موقتا والموجود في عهدة الجيش اللبناني، وصولا الى الميناء التي تشهد تحركات لمجموعات من «المستقبل»، الى جانب عناصر سورية. 

تضاف الى هذا الانتشار، مجموعات مسلحة تتوزع في كل المناطق الطرابلسية بدون استثناء تدين بالولاء للمرجعيات السياسية ولعدد من نواب المدينة وجمعيات دينية أخرى، لكن هذه المجموعات لا تظهر إلا في المناسبات.

من يضبط الايقاع؟

في السنوات الماضية، كان عنوان الاستقرار في طرابلس (باستثناء المحاور التقليدية الساخنة) ينطلق من التنوع السياسي والتوازن العسكري القائم بين القوى التي كانت مقتنعة بأن أحدا لا يستطيع أن يلغي الآخر. 

لكن اليوم، وفي ظل التحريض المذهبي والسياسي، تسعى بعض الأطراف للاجهاز على خصومها وطردهم من المناطق التي تفرض نفوذها عليها، تحت شعار: «توحيد البندقية السنية» أو «إزالة المربعات الأمنية التابعة لحزب الله»، ولعل الاشتباكات العنيفة التي شهدتها الأسواق الداخلية في طرابلس على هامش الجولة 16، أكبر دليل على ذلك.
أمام هذا الواقع، يمكن القول إن وحدات الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي المنتشرة في مختلف أرجاء طرابلس تضبط إيقاع المواجهات المسلحة في المحاور التقليدية أو في خطوط التماس المستجدة، من دون أن تتمكن من ضبط الأمن فعليا في المدينة في ظل الجرح السوري المفتوح والانقسام اللبناني المستمر منذ ثماني سنوات وافتقاد طرابلس لمصالحة تاريخية.

وفي هذا الاطار، تبدو طرابلس اليوم متفلتة من أية ضوابط أمنية، فالسلاح المنتشر أفقيا يظهر علنا في الشوارع ويستخدم في مناسبات الفرح والحزن، وفي تصفية الحسابات، وفي الإشكالات العائلية والفردية التي حققت رقما قياسيا بمعدل إشكالين في اليوم الواحد منذ شهر أيار الفائت، فيما الساحات العامة أصبحت عبارة عن «هايد بارك» للتعبير عن المواقف التي تتحكم فيها كل أنواع الغرائز.

كل ذلك، يجعل من طرابلس قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وهي إذا كانت تنأى بنفسها اليوم عما يجري في مناطق لبنانية أخرى بعدما دفعت ثمنا باهظا لجولة العنف الرقم 16 بشريا وماديا، فانها تبقى جاهزة للاستخدام الأمني عندما تدعو الحاجة، خصوصا أن النار فيها لا تزال تحت الرماد.
___________

السبت، 22 يونيو 2013

هيكل يهاجم موقف مرسي: سوريا أمن قومي لمصر لا يُناقش

    يونيو 22, 2013   No comments
وجّه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أمس، انتقادات حادة للرئيس المصري محمد مرسي على خلفية مقاربته للملفات الداخلية والخارجية، مشدداً على أن قطع العلاقات مع سوريا هو قرار لا يملكه، لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي المصري، محذراً من أن هذه الخطوة تعني خروج مصر من آسيا، في الوقت الذي تواجه فيه مشاكل صعبة في القارة الإفريقية.

ورأى هيكل، في مقابلة مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة «سي بي سي»، إن «شهر حزيران يعتبر شهراً كاشفاً وخطيراً في تاريخ هذا البلد وهذا النظام»، لافتاً إلى أن «هناك ثلاث كوارث وقعت على مدار ثلاثة أسابيع متلاحقة، وكل واحدة منها تكفي لإسقاط نظام بمفردها»، مشيراً على وجه الخصوص إلى ملف سوريا، وملف النيل، ومؤتمر الحوار الوطني الذي أذيع مباشرة على الهواء. 

واعتبر هيكل أنه «أي رئيس لا يملك أن يتجاوز حدود الأمن القومي المصري»، موضحاً أن «الأمن القومي لأي بلد محدد بالجغرافيا والتاريخ أو بالممارسات المتبعة والتي لا يملك فرد أو نظام حتى أن يغيّر فيها».
وتابع إن «الأمن القومي المصري يستند إلى الوجود في سوريا، والعلاقة بها لا تقبل المناقشة، وإذا خرجت مصر من سوريا وفقدت التأثير على الوضع هناك، تكون قد خرجت عملياً من آسيا بالكامل، وانحسرت في إفريقيا، علماً بأنها مكبّلة أيضاً في القارة الإفريقية بالمشاكل التي لا حدود لها».
وقال هيكل إنه كان ينبغي على مرسي أن ينتظر ثلاثة أمور قبل اتخاذ قراره بشأن سوريا، وهي قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما في إيرلندا، والانتخابات الرئاسية في إيران، والتطورات في تركيا.
وأشار هيكل إلى أن «الوضع في تركيا فاجأ الجميع، رغم أنني توقعت حدوث ذلك لأسباب عدة، أولها أن تركيا تورطت في معركة في سوريا وفي منطقة فيها علويون، وهم موجودون في البلدين (سوريا وتركيا)، وتعدادهم يضاهي 19- 21 مليون نسمة على أقل تقدير». واستغرب هيكل قرار مرسي بشأن سوريا، في الوقت الذي توافقت فيه الولايات المتحدة وروسيا على حل تفاوضي للنزاع.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان مرسي بقراره هذا قد حاول إرضاء الأميركيين، أجاب هيكل «قيل إنه حاول إرضاء أطراف نفطية تصوّر أنها بإمكانها أن تساعده»، مشيراً في هذا الإطار إلى قطر والسعودية. واضاف «قيل أيضاً إنه يحاول أن يرضي السلفيين، وهذا شيء غريب جداً... ارضهم مثلما تشاء، ولكن ليس في مثل هذه الأمور».
ورداً على سؤال آخر حول دعوة مرسي إلى الجهاد في سوريا، قال هيكل «هذا أمر لا يمكن تصوّره... أريد ان أحيله إلى ما قاله أوباما مؤخراً من أنه لا يريد أن تجد الولايات المتحدة نفسها في صراع بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي». واضاف هيكل «عندما يتلفظ رئيس جمهورية بلفظة (النظام الرافضي)، فهذه كارثة»، موضحاً أن «إيران قوة في المنطقة يجب أن يُحسَب حسابها، سواء أردت أن تكون صديقاً لها أم عدواً، وعليك وأنت ترسم السياسة أن تأخذ أموراً في اعتبارك». 

وتابع «أعجب من أنه (مرسي) هاجم «حزب الله»، فكل واحد منا يعلم ما هو الهدف مما يحدث في سوريا. إنهم يريدون الحصول على إيران من دون تدميرها، ولكن لا مانع لديهم من أن يضرب كل ما في طريقهم، مما يعتقد أنهم أجنحة لإيران وتصفية الحسابات معهم». وفي إشارة إلى معركة القصير قال «حزب الله يعلم أنه مهدد بوجود 40 ألف أجنبي يحاربون في سوريا. ألم يلفت نظرهم هذا المشهد؟ ولفت نظرهم «حزب الله»؟ عيب فعلاً... أرجوكم ضعوا الامور في سياقها». 

وحول موقف الجيش المصري، قال هيكل: «لا أعرف موقف الجيش من سوريا، لكنني أتصور أن أي أحد لديه فكرة عن الاستراتيجية المصرية ويفهم الأمن القومي المصري، طار صوابه مما حدث». 

وحول تظاهرات 30 حزيران، قال هيكل «أرى أن كل الأطراف الموجودة في الساحة إما حائرة من الموقف أو أقل قدرة من الموقف، لكن الجزء الذي يُسعدني في هذا المشهد هو الطاقة المتجددة لهذا الشباب». 

وردأ على سؤال بشأن الورقة الأخيرة التي يملكها مرسي لتجنب الانهيار، قال هيكل «أخشى أن أقول إنه ليس لديه ورقة، فهو يسير بمنطق أنه لا يستطيع التنازل أمام الشعب». وتوجّه إلى مرسي بالقول «كان عليك مواجهة الأمر ليس بحشود الإسلاميين، ولكن بموجة إصلاحية واسعة وحقيقية». 

وحول موقف الجيش، قال هيكل «الجيش آخر حائط في أمان هذا الوطن. اتركوه في عمله وحاولوا أن تحلوا مشاكلكم قدر المستطاع خارج القوات المسلحة، وإلا فإننا ندفع هذا البلد إلى مجهول». وتابع «هناك مقامرات في هذا البلد لا تجوز». وختم «أنا مرعوب مما يدفع إليه هذا البلد، ومرعوب من فوضى القمة أكثر من فوضى القاع».

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.