‏إظهار الرسائل ذات التسميات الوهابية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الوهابية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 16 نوفمبر 2017

لبنان: وقائع الانقلاب على زعيم «المستقبل»

    نوفمبر 16, 2017   No comments
حسن عليق



جعجع لإبن سلمان: الحريري عاجز... فتِّشوا عن غيره

جعجع لإبن سلمان: الحريري مكبّل باتفاقات مع حزب الله ويستقبل حسين الخليل أسبوعياً (هيثم الموسوي)

لم ينه المستقبل بعد جردة حساب تشمل الذين طعنوا سعد الحريري، سواء في محنته، او المشاركين في الانقلاب عليه. بعض هؤلاء داخل تياره. وبعضهم من فريقه السياسي الأكبر. لكنهم يضعون على رأس اللائحة حليفاً وخصماً. الاول هو سمير جعجع، أما الثاني

المستمع إلى كلام بعض قادة تيار «المستقبل» وهم يتحدّثون عن القوات اللبنانية في الأيام التي تلت استقالة الرئيس سعد الحريري، يظنهم يتحدّثون عن عدوّ. عدوّ، لا خصم. في الدائرة القيادية في التيار الأزرق، قناعة راسخة بأن رئيس حزب القوات، سمير جعجع، شارك في انقلاب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الحريري.

وباتت لدى المستقبليين رواية كاملة، تتقاطع مع معلومات دبلوماسيين عرب وغربيين، وتستند إلى ما يسمونه «معلومات دقيقة وموثّقة» عن دور جعجع في الانقلاب، وفي تكوين قناعة محمد بن سلمان باستبدال الرئيس الحريري بشقيقه بهاء.


تقول الرواية إن لقاء جعجع ــ ابن سلمان في 28 أيلول الماضي، شهد جردة حساب للعام الأول من عهد العماد ميشال عون وحكومة الحريري. وكان ابن سلمان يتحدّث عن التطورات في المنطقة، مستعرضاً ما جرى في السنوات الماضية في اليمن والبحرين والعراق وسوريا. أسهب في الحديث عن خطورة إيران وحزب الله، مشدداً على ضرورة مواجهة الحزب في لبنان عبر إعادة توحيد قوى 14 آذار. وقال الحاكم الفعلي للسعودية إنه مستعد لحل أزمة الحريري المالية، ودعم قيادته جبهة 14 آذار الموحدة لمواجهة حزب الله، سياسياً وإعلامياً وانتخابياً.

ردّ جعجع كان مفاجئاً. فهو أكد لمضيفه أن الحريري لم يعد يصلح لمواجهة الحزب. وشرح كيف أن اتفاق الحريري مع ميشال عون يكبّل الأول، فضلاً عن أن «سعد مرتبط بتفاهمات مع حزب الله، وهو ينسّق معهم في كل صغيرة وكبيرة، ويلتقي المعاون السياسي لحسن نصرالله، حسين الخليل، مرة على الأقل في الأسبوع». وأضاف رئيس القوات أن هذه التفاهمات مع عون والحزب سابقة لانتخاب رئيس الجمهورية، والحريري تطبّع معها ولم يعد قادراً على التراجع عنها. وختم مطالعته بالقول إن الحريري عاجز عن قيادة جبهة مواجهة الحزب، والقيام بهذه المهمة يقتضي البحث عن شخصية سنية أخرى، تستطيع العمل ضد حلفاء إيران في لبنان.

تضيف الرواية نفسها: بدا محمد بن سلمان مستعجلاً للبدء بتنفيذ خطوات عملية لإرباك حزب الله. لكن جعجع بقي مصراً: سعد الحريري ليس الشخص المناسب لأداء هذا الدور، ويجب البحث عن شخصية سنية أخرى قادرة على الصمود، ولا تربطها أي اتفاقات بعون والحزب.

سريعاً، ظهر لدى السعوديين اسم بهاء الحريري، ليكون الزعيم الذي يحمل اسم رفيق الحريري، ويؤمّن الغطاء لشخصيات سنية ثانوية، كأشرف ريفي، لقيادة المواجهة.
غادر جعجع الرياض إلى أستراليا، وبدأ من هناك عزف نغمة الاستقالة من الحكومة، محرِجاً الحريري عبر المزايدة عليه في ملف «التطبيع مع النظام السوري». وبعد أشهر على موافقة وزراء القوات على التشكيلات الدبلوماسية، ومن ضمنها تعيين سفير في دمشق، فجأة، اختُرِعَت قضية اسمها «توقيع الحريري على قرار إرسال السفير سعد زخيا لتقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري بشار الأسد». ودخل وزراء جعجع جلسة مجلس الوزراء الأخيرة (2 تشرين الثاني، قبل يومين من إجبار الحريري على الاستقالة) ليعلنوا تحفّظهم عن الخطوة التي شاركوا في صنعها!

هذه الإشارات حسبها الرئيس الحريري وفريقه تزخيماً انتخابياً لا أكثر. لم يجيدوا أيضاً قراءة إشارة أخرى، ظهرت من مكان بعيد عن معراب. فقبل أسبوع تماماً من استدراج الحريري إلى الرياض وإجباره على الاستقالة، استقبل النائب وليد جنبلاط، بحضور أحد أفراد عائلته والنائب وائل بوفاعور، رجل الأعمال صافي كالو. الأخير شريك تجاري لبهاء الحريري. فوجئ جنبلاط بكالو يطرح اسم بهاء، كرجل المرحلة لمواجهة حزب الله، بدعم سعودي. وفهم منه أن كلامه يعني أن يحل بهاء مكان شقيقه سعد. صدمة جنبلاط كانت قوية إلى حد أنه اعتذر عن عدم اكمال اللقاء، متذرّعاً بآلام أصابت كتفه، وترك كالو مع أبو فاعور.

عاد بهاء ليظهر في خلفية المشهد عندما سافر وزير العدل السابق أشرف ريفي إلى ميلانو الإيطالية، قبل أيام من استقالة الحريري. فلدى قيادة المستقبل «أدلة حسية» تثبت أن ريفي انتقل من ميلانو إلى فرنسا، وزار بهاء في موناكو. وفي طريق العودة، مرّ بميلانو مجدداً، لإبعاد الشبهات. وصل الى بيروت يوم السبت 4 تشرين الثاني (اليوم الذي استقال فيه الحريري). أما بهاء، فانتقل من ميلانو إلى الرياض في اليوم التالي. الجزء الأخير من الرواية صار معروفاً: سعد الحريري في الإقامة الجبرية، فيما السفير السعودي المعيّن في لبنان، وليد اليعقوبي، يتولى الاتصال بأفراد عائلة الحريري: النائبة بهية الحريري، ابنها أحمد، أبناء الرئيس الشهيد رفيق الحريري هند وفهد وأيمن، ليدعوهم إلى الرياض، بهدف مبايعة بهاء زعيماً سياسياً للعائلة والتيار خلفاَ لسعد. رفضوا تلبية الدعوة، وخرج وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريحه الشهير من دار الفتوى: لسنا غنماً. لا نبايع.

بعد العائلة والمشنوق، اجتمع تيار المستقبل، بجميع أجنحته، ليعلن التمسّك بسعد. ثم بدأت تتوالى المواقف الدولية المطالبة بعودة رئيس الحكومة اللبنانية إلى بلاده، بعدما ظهر أن مقامرة محمد بن سلمان خاسرة، وأنها ستؤدي إلى نتائج عكسية تصبّ في مصلحة حزب الله وحلفائه.

فشل الانقلاب، ليرحل بهاء عن الرياض أمس. وبعد سنوات من الاختفاء عن رادار الإعلام، منح مقابلة لوكالة «أسوشييتد برس» أمس، أيّد فيها استقالة شقيقه، وجدد شكر السعودية، وهاجم إيران وحزب الله.

قيادة تيار المستقبل تجري جردة الحساب. المشاركون في طعن الرئيس الحريري من داخل فريق 14 آذار كثر. هل النائب السابق فارس سعيد أحدهم؟ يجيب مسؤول مستقبلي رفيع المستوى بالقول: «المؤامرة كانت أكبر من سعيد. لكنه شارك في تأمين الغطاء المسيحي لها، عبر إقناع البطريرك بشارة الراعي بالذهاب إلى الرياض، رغم علمه بأن رئيس الحكومة محتجز».

وماذا عن سامي الجميِّل؟ يجيب مسؤول مستقبلي آخر: لا أحد يعوّل عليه.
______________

الأحد، 29 أكتوبر 2017

الوهابية والعلمنة ويخت سيرين

    أكتوبر 29, 2017   No comments
قاسم شعيب *

يسابق محمد بن سلمان الزمن لإعلان نفسه ملكاً قبل حدوث أية منغصات. وهو يفعل كل شيء من أجل حرق المراحل وتحقيق أهدافه. ولعل أخطر الخطوات التي يريد إنجازها التخلّص من الكهنوت الوهابي الذي حكم المملكة منذ تأسيسها والانتقال إلى دولة علمانية بالشكل القائم في دول عربية أخرى.

يريد أمير البلاط السعودي الانتقال من الدولة الدينية إلى الدولة العلمانية كما هو مطلوب منه، ليس لأن الملك كان خاضعاً لسلطة رجال الدين، فهذا لا واقع له لأن المؤسسة الدينية كانت دائماً تقدم فتاوى تحت الطلب، بل لأن المطلوب، اليوم، الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها التخلي عن إيديولوجية دينية متشددة لصالح أخرى ليبرالية مخففّة سماها "إسلاماً منفتحاً" بعد أن أدّت النسخة القديمة دورها التخريبي كما خُطّط لها. وهذا الانتقال يحتاج إلى جانبين. الأول نظري يتعلق بالأيديولوجية الوهابية. والثاني عملي يتعلق بالإجراءات التنفيذية للحكومة.

في الجانب النظري تحتاج عملية الانتقال إلى تصفية الإرث السلفي الوهابي في مستويين. الأول: هو التعليم. وبالفعل فقد تم تأسيس مركز لتنقيح ومراجعة مناهج التعليم. وهو قائم الآن، ويعمل القائمون عليه، تحت إشراف أميركي، على وضع كتب دراسية جديدة تدرّس في المدارس وتحل محل الكتب القديمة التي تروج للفكر الوهابي العنيف والتي تعارض "روح الإسلام".. كان التعليم ومناهجه الحاضنة الأولى لتفريخ الآلاف من المشوهين فكرياً وأخلاقياً والذين يمارسون القتل والذبح. وقد اعترفت وسائل إعلام سعودية أن 60% من منفذي العمليات الانتحارية في العراق هم سعوديون بينما أظهرت احصاءات أخرى أن السعوديين هم ثاني أكبر جنسية تشارك في الحرب السورية ضد الجيش النظامي. والعمل على تغيير المناهج الدراسية اليوم ليس بسبب اتّضاح دورها في تدمير عقول الكثير من الشباب والكوارث التي أنتجها ذلك، بل لأن مرحلة "الدعوشة" انتهت الآن ويريد الأميركيون الدخول في مرحلة جديدة كما قال الرئيس الأميركي ترامب.

والمستوى الثاني هو الثقافة. وقد كشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن من نتائج القمة التي عقدها ترامب مع القيادة السعودية في ماي الماضي، إنشاء مركز لمكافحة الخطاب الوهابي المتطرف وتغيير المناهج والإشراف على أئمة المساجد وتأهيلهم. وهو يشمل التخلص من الكتب السلفية والوهابية وبالأساس كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب وسائر شيوخ السلفية المؤثرين، مقابل إفساح المجال لكتب من نوع آخر بعيدة التوجهات السلفية. كما يشمل هذا المستوى السماح بافتتاح دور للسينما، وتنظيم حفلات موسيقية مختلطة، وتنظيف وسائل الإعلام من الخطاب السلفي الوهابي.

أما في الجانب الإجرائي، فهناك أولاً المؤسسات الحامية للوهابية. وثانياً الشخصيات المعارضة للتحوّل من أمراء ورجال دين وكتّاب ومثقّفين. وكلاهما تمّ التعامل معه بطرق مختلفة.

بدأ ابن سلمان بقوات المطاوعة أو هيأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي "شرطة دينية" كانت تابعة لوزارة الداخلية التي كانت بيد نايف بن عبد العزيز وورّثها لابنه محمد قبل عزله. ورغم ذلك العزل فإن نايف كان قد بنى معهم علاقات قوية، ومن الطبيعي أن يقفوا ضد محمد بن سلمان في أي نزاع قادم. نقل ولي العهد الجديد بعض صلاحيات الهيأة إلى الشرطة وألغى أخرى. وبذلك خلخل أحد الأذرع الأمنية لحكم آل سعود الذي طالما تمتع دوره بشرعية دينية. وهي مغامرة قد ترتد عليه. وفي السياق نفسه، ينوي ولي العهد التخلي عن لقب خادم الحرمين، وحلّ هيئة العلماء والاحتفاظ فقط بمفتي للمملكة كما هو الحال في بقية الدول العربية.

تبدو الدولة، التي طالما وصفت بمملكة الصّمت، على صفيح ساخن. يخشى محمد بن سلمان أية معارضة للمشروع الذي ينفذه، ولا يريد أيّة أصوات مزعجة توقف طموحه الجامح. وهو لذلك يحتاج إلى كسر الكثير من البيض لصناعة عجّته التي لا يمكنها أن تستوي دون ذلك. سلّة البيض السعودي، التي تحتاج كسراً قبل أن تفقّس، تضم الكثير من الأمراء مثل محمد بن ناف وتركي بن بندر وعبد العزيز بن فهد وسعود بن سيف وسلطان بن تركي الذين تم اعتقالهم.. والدعاة المحسوبين على ما سمي "تيار الصحوة" مثل سلمان العودة وعوض القرني، وحتى كتّاباً وإعلاميين ومسؤولين من مستويات مختلفة مثل الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت والكاتب مصطفى الحسن ورجل الأعمال عصام الزامل. وكذلك قضاة وأكاديميين مثل القاضي في المحكمة الجزائية في الخبر، خالد الرشودي، وعميد كلية حوطة سدير، يوسف المهوس.

تم اعتقال أمراء ورجال دين بارزين دفعةً واحدة بينما مُنع كتاب ومغرّدون من الكتابة والتغريد.. ورغم احتجاز الكثير من "الأمراء الصغار" في الأسرة الحاكمة، فإن الخوف الأكبر يأتي من "الأمراء الكبار".

يتبنّى محمد بن سلمان حلولاً انشطارية. فكل قرار يتّخذه يتسبّب في انقسام داخل العائلة الحاكمة وفي المجتمع بين مؤيد ومعارض. قد يبدو هذا طبيعياًَ أمام خطواته المتسارعة للتخلص من سلطة الكهنوت الوهابي، غير أن ذلك يعكس خللاً في البنية السياسية للدولة والتركيبة الاجتماعية للشعب الذي طالما عايش الاستبداد والقمع باسم الدّين.

لم تكن الحرّيات شيئاً معترفاً به في المملكة المترامية، وكان هناك قليل من الآراء المختلفة، من داخل العائلة، يسمح لها  بالتعبير عن نفسها. انتفى ذلك اليوم ولم يعد هناك أي صوت مخالف مقبولاً. بل إن الصمت ذاته أصبح جريمة اعتقل بسببها دعاة، فالمطلوب هو التعبير عن مواقف مؤيدة لولي العهد، وليس الاكتفاء بالصمت.

هذه الخطوات، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالصراع على السلطة داخل العائلة الحاكمة، جعلت محمد بن سلمان يعيش منعزلاً بين يخته "سيرين" وقصوره. أصبح أكثر رعباً واضطراباً ولم يعد يظهر بكثرة. فهو يشعر أن أكثر آل سعود ضده وأنه مستهدف بقوة.

ولعل أحدث تعبير عن تلك المعارضة تعرّض قصر السّلام في جدّة إلى هجوم قُتِل فيه عنصران من الحرس الملكي والأرجح أن أبناء الملك فهد والملك عبد الله والأمير نايف الذين يشكلون تحالفاً ضد الملك سلمان وابنه هم من يقف وراءه لإيصال رسالة.

تبدو العائلة السعودية اليوم في مفترق طرق. فقد حكمت لعقود طويلة بقبضة حديدية وسط صحراء الفكر الوهابي، لكنها، اليوم، وهي تحاول تغيير المسار، وصلت إلى مستوى من التصدع الداخلي غير المسبوق، ينذر بالانفجار في أي لحظة.

يستعجل ابن سلمان استواء طبخته لكن ذلك قد يؤدي إلى احتراقها!
 ________
قاسم شعيب كاتب وباحث تونسي

الخميس، 28 سبتمبر 2017

مشايخ الوهابية والمراجعات المفروضة من ولي الأمر: هل الدين في خدمة الساسة أم الساسة في خدمة الدين

    سبتمبر 28, 2017   No comments
بعد ان كان رجال الدين في السعودية يفتون بتحريم السياقة على المرأة ها هم الآن يقولون انها مباحة.

ففي خطوة تفصح عن مدى هيمنة السياسة على التشريع في السعودية انبرى عدد من كبار العلماء المستشارين في الديوان الملكي والدعاة وعلماء الدين السعوديين إلى تبرير قرار الملك سلمان المتأخر بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. 

 وخصصت العديد من وسائل الإعلام السعودية الرسمية وغيرالرسمية حيزاً هاماً من تغطياتها للقاء مشايخ كانوا وقبل فترة زمينة قليلة من أهم معارضي قيادة المرأة السعودية للسيارة، ومن أهم مشرعي هذا المنع الذي طالما لجأوا والسلطات الرسمية إلى تبريره بأدلة وأحكام نسبوها إلى الشريعة الإسلامية.

فبعد كل تلك الأحكام التي تذرعت بها لمنع قيادة المرأة نفت "هيئة كبار العلماء" وجود فتاوى شرعية سابقة صادرة عن الهيئة بتحريم قيادة المرأة السعودية للسيارة.

وقال الأمين العام للهيئة فهد الماجد لقناة العربية: "لا وجود لفتوى أو بيان أو قرار واحد صادر عن الهيئة العامة للهيئة حول تحريم قيادة المرأة للسيارة"!!!

لكنه أكد أنه هناك فتاوى لبعض الأعضاء في الهيئة، مستطرداً إلى أنها لا تعني "أن الهيئة بكامل أعضائها مع الموضوع".

ورأى الماجد أن النقطة المهمة في الموضوع هو أن: علماء الشريعة السعوديين كلهم قرروا أن تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة العامة للرعية.. وعليه فإن السلطان لن يختار إلا الأنفع والأصلح بكل قراراته.

وحذر الماجد من يقوم بالإفتاء بالقول إن "الفتوى مناطة اليوم بهيئة كبار العلماء فقط، ولا يجوز لأحد أن يزايد عليها في هذا الموضوع، أو غيره".

من جانبه وصف عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله بن محمد المطلق قرار الملك سلمان السماح بقيادة المرأة للسيارة على أنه من الأمور المباحة.

وقال المطلق، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية: كانت المرأة تركب البعير، وتسافر، ونحن الآن نرى في الأرياف والبادية النساء يقدن السيارة، ولا أحد يقول إن قيادة المرأة للسيارة في الصحراء وفي الأرياف لا تجوز.

من جانبه أوضح عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله المنيع، أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة، لانتفاء النص الشرعي المانع لها.

وقال "لولي الأمر اختيار ما فيه الخير للمجتمع وما تقتضيه المصلحة العامة"، مؤكداً أن "ولي أمرنا - حفظه الله- يستشعر بأن مجتمعه أمانة في عنقه فيحرص على كل ما من شأنه أن يكون سبباً في راحة وتنمية المجتمع".

هذا فيما قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي إن "المملكة دستورها القرآن والسنة، وقرار السماح بقيادة المرأة للسيارة لا يتعارض معهما، حيث إنه وفق الضوابط الشرعية."

وأكد الشيخ التركي أن "القيادة حريصة على الخير وتنمية المجتمع مع صيانة الدين الإسلامي الذي هو دستورها. وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية عدم الضرر في السماح للمرأة بالقيادة. وهذا القرار فيه خير كثير، وسوف يعالج سلبيات كثيرة كما بينت الدراسات."

وقال وزيرالعدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ وليد بن محمد الصمعاني، في تصريح صحافي اليوم الأربعاء، إن قرار الملك سلمان إصدار رخص القيادة للنساء إن "خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حريص كل الحرص على الرجوع لأهل العلم فيما يصدره من قرارات وأوامر تحرياً منه لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة في كل شؤون الدولة."

وأضاف أن "أمر قيادة المرأة جاء بعد تأنٍ ودراسة من هيئة كبار العلماء والجهات التنظيمية في الدولة، وأفتت هيئة كبار العلماء بغالبية أعضائها بإباحة مسألة قيادة المرأة للمركبة، مؤكداً أن تذليل العقبات أمام المرأة سياسة وطنية وشرعية يقودها ولاة الأمر بحزم وثبات."

هذا ووصف مدير "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" عضو هيئة كبار العلماء سليمان بن عبدالله أبا الخيل، الأمر الملكي بالقيادة للرجال على أنه "قرار حكيم وصائب وموفق وإيجابي، جاء في وقته".

وقال: "إن هذا الأمر الملكي انطلق من حيثيات تنظيمية ومعطيات وحقائق ووثائق وأرقام ووقائع اجتماعية واقتصادية سلبية".

كما رأى أبا الخيل، في الأمر الملكي: درءاً لمفاسد متعددة دينية واجتماعية وسلوكية وأخلاقية لا تخفى على كل متابع ومباشر، لما يتعلق بوجود السائق الأجنبي، والمخاطر العظيمة المترتبة على خلوته بالنساء ودخوله إلى المنازل وخروجه منها دون رقيب ولا حسب ولا متابعة.

فمن يمعن النظر في التصريحات هذه يستغرب لكيفية تبدل ما كان يراه هؤلاء "العلماء" استنباطاً فقهياً، بين ليلة وضحاها.

إذ لايمكن قراءتها سوى أن الحكم الشرعي في السعودية لايتعدى كونه حكماً حكومياً، يقرره حد سيف "السلطان".. وعادةُ السيْفِ أن يستخدِمَ القلم.

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

مشايخ الوهابية والمراجعات الوهمية: السديس يقول “السعودية، والولايات المتحدة، هما قطبا هذا العالم”

    سبتمبر 18, 2017   No comments
"مشايخ" الوهابية  بارعون في تلميع الساسة وحشد السذج. فبعد انشاء جيل "المجاهدين الافغان" لحرب امريكا الاولى بالوكالة, هاهم يقومون بمراجعات لفكرهم الخرافي لتلميع صورة حكامهم وطغات العالم وهم من قتل ودمر وشرد.
 

امتدح إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ عبد الرحمن السديس، الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسها دونالد ترامب. وقال السديس في لقاء مع قناة “الإخبارية” السعودية، إن "السعودية والولايات المتحدة هما قطبا هذا العالم للتأثير، يقودان بقيادة خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأمريكي، العالم والإنسانية إلى الأمن والسلام والاستقرار... لله الحمد والمنة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، والرئيس الأمريكي، العالم والإنسانية، إلى مرافئ الأمن والاستقرار، والرخاء."

كلام السديس جاء أثناء مشاركته في مؤتمر"أمريكا والعالم الإسلامي" المنعقد في نيويورك برعاية الملك السعودي ونجله محمد بن سلمان ورابطة العالم الإسلامي. 

وأثار حديث السديس جدلا واسعا بين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي.

#تصًريح_السديس_لا_يمثلني  

و  
و
 
 

 


الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

مراجعات سياسية: هل تفكر السعودية بالنزول عن الشجرة؟

    أغسطس 08, 2017   No comments
قاسم عز الدين

مؤشرات عديدة تدل على أن السعودية باتت مقتنعة بأن مراهناتها في المنطقة تصطدم بحائط مسدود. لكنها ربما تأمل أن تتجاوز أزماتها بهدوء من دون أن يظهر عليها تراجع يقلّل من مكانتها التي تتصورها لنفسها. وهو ما ينذر بانتقال السعودية من فاعل في الأزمات إلى شلل سياسي.
 
المصافحة باليد بين عادل الجبير ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ربما أرادها الجبير مصحوبة بابتسامة على هامش مؤتمر "آسيان" في تركيا للإشارة إلى متغيّر سياسي على الرغم من اللقاء العابر. فالجبير كان يبدي في مؤتمرات سابقة عدائية ناتئة تتخطى الدماثة الدبلوماسية على الرغم من أن إيران كانت تحاول باستمرار فتح كوّة في جدار الدبلوماسية السعودية المصفّح بالفولاذ ظنّاً منها أن العدائية البارزة تدلّ على تصميم يشدّ عصب المؤيدين والمترددين.

هذه المصافحة لم تكن بيضة ديك على ما تتصف به أحداث الصدفة من خارج السياق ومن دون مقدمات ونتائج. فقد سبقتها دعوة رسمية وجهتها السعودية إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لبحث توطيد التعاون بين الرياض وبغداد بحسب البيان الرسمي وهو ما قام به رئيس الوزراء حيدر العبادي وفق البيانات الرسمية نفسها. لكن دعوة السيد مقتدى الصدر جاءت إثر قطيعة استمرت 11 عاماً ما يشير إلى أن السعودية تسعى إلى وصل ما تقطّع بينها وبين المنطقة عبر طرق لا تدل على تراجع مفاجىء في سياستها الإقليمية. فالتيار الصدري يتميّز بفكر نقدي تجاه معظم سياسات دول المنطقة، ويتميّز بنقد أشدّ تجاه السياسة السعودية في المنطقة وبعزيمة كبيرة لمواجهة استراتيجية الولايات المتحدة راعية السعودية.

الإعلام السعودي يحاول تغطية هذه الانعطافة بتضخيم ما يظنّه "خلافات عميقة" بين التيار الصدري والتيارات السياسية في المنطقة التي تواجه الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. لكن التيار الصدري الذي يدعو إلى مواجهة أميركا وإسرائيل يفترق عن السعودية في الأسس ولا يتقارب معها إلاً في حدود تقاربها مع دعوته لوقف الحروب. ففي هذا السياق تتخلى السعودية عن صلب سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا"، معربة بمجرد اللقاء مع السيد مقتدى الصدر عن ميل لتغيير سياستها الإقليمية وعن استعداد للبحث في الكفّ عن إذكاء نار الحروب. وربما تقصد السعودية من وراء تغيير السلوك الصلف محاولة تحسّس حرارة المناخ الإقليمي من دون تنازلات سياسية ملموسة.

في مأزق الحرب على اليمن، تأمل السعودية أن تنجح بنقل المفاوضات المرتقبة بين الأطراف اليمنية من سلطنة عمان إلى الأردن بعد أن اشتدت الضغوط على السعودية لوقف الدمار وجرائم الإبادة الجماعية بالجوع والكوليرا. وفي هذا السبيل يلتقي عبد الملك المخلافي مع رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقى ووزير الخارجية أيمن الصفدي وقت زيارة اسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى الأردن. لكن الأطراف المواجهة للتحالف السعودي ترفض التفاوض في الأردن وتضغط بذلك على ولد الشيخ وعلى المسؤولين الأردنيين للتراجع عن هذا الخيار.

في مأزق التحالف الأميركي في سوريا، تحاول السعودية تجديد شباب هيئة التفاوض في الدعوة إلى لقاء في الرياض مع منصات موسكو والقاهرة. لكن المنصات ترفض اللقاء في الرياض وتصر على اللقاء في جنيف. فهيئة التفاوض التي أقالت خالد المحاميد لأنه أفصح عن أن "المعارضة أصبحت تعتمد على الدور العربي وخاصة المصري في حل القضية السورية"، تبحث عن تعويم نفسها بين معارضات أكثر واقعية في النظر إلى موازين القوى السورية في تسجيل مواقف الاعتراض على الأقل. فهي إلى جانب الراعي السعودي الذي يعلن عن "موقف المملكة الثابت" في رفض بقاء الرئيس السوري بحسب بيان الخارجية السعودية، لم يعد لها دور على طاولة المفاوضات بعد أن انتهت اللعبة وبعد تراجع ماكرون وأوروبا عن السياسة السابقة.

الخيارات والمراهنات السعودية تجاوزتها الأحداث الميدانية في سوريا والعراق واليمن، وفاتها القطار السياسي الإقليمي والدولي. ولا ريب في أن السعودية تشعر بما يفقأ العين، وهي تحاول أن تتغيّر بهدوء طويل أملاً بحفظ ماء الوجه حرصاً على ادعاء مزعوم بالهيبة والمكانة في قيادة تحالف مقابل محور. لكنها في هذا الادعاء تهرب من أزمة إقليمية إلى مأزق في عقر دارها كما تدل محاولة تطويع قطر. ففي بعض الأحيان يتوقف بقاء الدول على حكمة اعترافها بهزائمها.
_____________
المصدر: الميادين نت


الاثنين، 17 يوليو 2017

أنقرة وواشنطن تُسرجان «الحصان الصيني الأسود»؟ | «مجاهدو» تركستان: «دواعش سوريا الجدد»... الجيش وحلفاؤه يقودون «داعش» نحو «المعركة الأخيرة»

    يوليو 17, 2017   No comments
«داعش» الجديدة... صينية!
صهيب عنجريني

تنظيم «داعش» آخذٌ بالانكماش. «جبهة النصرة» وتنظيمها الأم (القاعدة) خسرا ويخسران الكثير من كوادرهما، سواء في اقتتالات داخليّة، أو عبر سلسلة استهدافات دقيقة. لكنّ ثمة تنظيماً مهماً وقوياً لم يطاوله «النزف الجهادي»، بل هو آخذ في تنمية قدراته وتوسيعها، استعداداً لمهمة قادمة خارج سوريا ربّما. ما جديد «الحزب الإسلامي التركستاني»؟ ولماذا حضر على طاولة البحث الأميركي ــ التركي؟



في كتابه «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، يتحدث المنظّر الجهادي الشهير أبو مصعب السوري (مصطفى ست مريم) عن ولادة «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي كان شاهداً على نشأته وصديقاً لمؤسسه (حسن مخدوم الشهير بأبو محمد التركستاني). يشير أبو مصعب إلى نقطة غاية في الأهميّة، مفادها أنّ «أبو محمد التركستاني كان يعوّل على دعمٍ من الولايات المتحدة تقدمه لحركته في إطار برنامج سري أقرّه الكونغرس عام 1995 لتفكيك الصين باستخدام النزعات العرقيّة والدينيّة فيها».

ورغم أن الولايات المتحدة صنّفت لاحقاً «التركستاني» من بين التنظيمات الإرهابيّة (عام 2009)، غيرَ أنّ هذا التصنيف لا يبدو حاجزاً حقيقيّاً يحول بينها وبين دعمه، سواء عبر إحياء البرنامج المذكور، أو من خلال قنوات أخرى «وسيطة». وتؤكّد مصادر تركيّة معارضة لـ«الأخبار» تحصيلها معلومات تفيد بأنّ «ملف الأويغور جرت مناقشته بين أنقرة وواشنطن عبر القنوات الأمنيّة، من بين ملفات أخرى متشعبة». وخلافاً لما توحي به المجريات السياسيّة المُعلنة، فإنّ التنسيق الأمني بين أنقرة وواشنطن لم يتأثّر على الإطلاق في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب. وعلى العكس من ذلك، فقد قرّرت واشنطن في أيار الماضي «توسيع التعاون الاستخباري مع تركيا» وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية .

مسار تصاعدي

يُعد «الحزب الإسلامي التركستاني» اليوم أقوى واجهة «جهاديّة» تتبنّى قضيّة «إقليم تركستان» بعدما تصدرت الواجهة سابقاً «حركة تركستان الشرقيّة». والإقليم المذكور هو إقليم «شينغ يانغ» الصيني، وسكّانه من أقليّة الأويغور التي تدين بالإسلام. وينادي «الحزب التركستاني» باستقلال الإقليم عن الصين ويعتبره قضيّته المركزيّة. منذ ظهوره في سوريا، لفت «التركستاني» الأنظار بسبب تمتّعه بمزايا كثيرة تمنحه اختلافاً عن سواه من الحركات «الجهاديّة» المنخرطة في الحرب، ويأتي التنظيم العالي على رأس تلك المزايا واحداةً من أبرز المجموعات التي نُظّمت بطريقة تضمن لها استدامةً ليست الحرب السوريّة غايةً لها، بل وسيلة. وإذا كانت أفغانستان قد شهدت ولادة «الحركة الجهاديّة التركستانيّة» قبل عقود، فإنّ سوريا كانت مكاناً لهيكلة هذه الحركة، وتأطيرها، ومنح منتسبيها مسرحاً ملائماً للتدريب في معسكرات متنوّعة الاختصاصات، علاوةً على توفير بيئة قتاليّة حقيقيّة يخوض فيها المسلّحون حروباً تكسبهم خبراتٍ عاليّة في التعامل مع أحدث صنوف الأسلحة والتكتيكات الهجوميّة المختلفة 
. وقد رُصد في خلال سنوات الحرب تصاعدٌ في نوعيّة الأسلحة التي وصلت إلى أيدي مقاتلي الأويغور، وبينما كان السلاح الأقوى في يد «الحزب الإسلامي» خلال معارك مطار أبو الضهور مثلاً (2015) هو التفجيرات الانتحارية، فقد ظهرت في حوزته لاحقاً أسلحة نوعيّة مثل صواريخ ميلان الفرنسيّة وتاو الأميركية.

«كتيبة أشبال تركستان»

في خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، لاحظت مصادر «جهاديّة» زيادة في استحداث معسكرات تدريب الأطفال «الجهاديين» الأويغور تحت اسم «معسكرات أشبال تركستان الإسلاميّة». عرّاب المعسكرات هو الشيخ السلفي السعودي عبدالله المحيسني الذي يتنقّل بحرية بين المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية وتركيا. ويأتي هذا النشاط بوصفه جزءاً من سلسلة معسكرات مماثلة سبق للمحيسني أن أنشأها، لكن الجديد هو تخصيصها لتدريب أطفال عرق بعينه. تتوزّع معسكرات «أشبال تركستان» بين جسر الشغور، والزنبقي، وإحسم، وتستقطب أطفال العائلات الأويغورية المنتشرة هناك من عمر 8 سنوات وما فوق. وينقسم الإعداد الذي يخضع له هؤلاء إلى قسمين: شرعي، وعسكري. ويقوم الإعداد الشرعي على غرس فكرة «الجهاد» في نفوس الأطفال، وتنمية الحس العقائدي لديهم يشرف عليها المحيسني شخصياً بمساعدة «دعاة» أويغور يتقنون اللغة العربية.
أنشأت أجهزة الاستخبارات التركيّة «مراكز استقطاب وإعادة تأهيل للجهاديين»

كما يهتم «الإعداد الشرعي» بإحياء الشعور العرقي لدى الأطفال عبر إفراد محاضرات خاصة لقضية «تركستان الإسلاميّة» وخطط تحريرها من الصين. ولا تستنثي هذه الدورات الفتيات، بل تخصص لهنّ حلقات منفصلة عن الذكور، وتوفر لهنّ علاوة على الإعداد الشرعي دورات تعليم للسلاح الفردي الخفيف. أما الذكور، فيخضعون لدوراتٍ قتاليّة بمستويات متقدمة تبعاً لأعمارهم على مختلف فنون القتال وصنوف الأسلحة. وخلال شهر آذار الماضي، تمّ «تخريج» دفعة من الفتيان، واستحدثت لهم كتيبة حملت اسم «كتيبة أشبال تركستان الإسلاميّة» بإشراف عسكري مباشر من «الحزب الإسلامي التركستاني». وحتى الآن، لم يُسجّل أي نشاط قتالي لهذه الكتيبة التي يُقدّر عدد أفرادها بـ 400 طفل تراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً.

من «داعش» إلى «الحزب»

عكس معظم المجموعات المسلّحة، سارع «داعش» إلى استقطاب المقاتلين الأويغور. وتجاوز عقبة اللغة بالاستفادة من وجود عدد كبير من القياديين التركمان في صفوفه. كانت الدعاية التي أتقن «داعش» ترويجها بخصوص «عولمة الجهاد» عاملاً مؤثّراً في نجاحه باستقطاب المقاتلين غير العرب، ومن بينهم الأويغور. وتقوم هذه الدعاية على فكرة أنّ «الجهاد واجب على كل مسلم، من دون أي اعتبار للقوميّة». وعزّز وجود بعض القياديين من غير العرب في صفوف التنظيم من فعالية هذه الفكرة. كذلك، لعبت سيطرة التنظيم على مناطق واسعة من الحدود السورية التركيّة دوراً فاعلاً في استقطابه للمقاتلين الأويغور الذين وفد معظمهم عبر الأراضي التركيّة، وتحوّلت مدينة تل أبيض (ريف الرقة الشمالي) خلال عام 2014 إلى نقطة تجمّع أولى لـ«أويغور داعش». أقام التنظيم في المدينة معسكرات خاصّة بالأويغور كرّر فيها تجربة أفغانستان، حيث ركّز على «الجهاديين الفتيان»، قبل أن يوزّع الدفعات التي تُنهي تدريبها على «الولايات» التابعة له في كل من سوريا والعراق. لكنّ العام الأخير شهد حالات تسرّب متتالية للأويغور من صفوف «داعش» والتحاقهم بـ«التركستاني»، بالتناسب مع ازدياد وتيرة الحرب على «داعش». وعلى وقع الانكسارات المتتالية للتنظيم في كل من العراق وسوريا، قرّر كثير من الجهاديين الأجانب أنفسهم مضطرّين إلى البحث عن آفاق أخرى لـ«جهادهم». وفيما اختارت نسبةٌ قليلةٌ من هؤلاء الانسحاب من المشهد الجهادي مؤقّتاً، مال معظمهم إلى التوجّه نحو تنظيمات بديلة لا تعاني ما يعانيه «داعش». بدأت هذه الحركة عشوائيّاً أوّل الأمر، لكنّ أجهزة الاستخبارات الداعمة لأنشطة الجهاديين سرعان ما تنبّهت إليها، وبدأت في توجيهها واستغلالها. وتأتي على رأس تلك الأجهزة الاستخبارات التركيّة التي أنشأت «مراكز استقطاب وإعادة تأهيل» داخل الأراضي السوريّة وفي بعض المدن الحدوديّة التركيّة. كانت الاستخبارات الأميركيّة بدورها قد أنشأت برنامجاً سرّياً متفرّعاً عن برامج «دعم المعارضة المعتدلة» مهمّته الأساسيّة العمل على تشجيع «الجهاديين» المنضوين في صفوف «داعش» على الانشقاق عن التنظيم بصورة منظّمة تضمن استقطاب المنشقّين، لا عشوائيّة تؤدّي إلى تسربهم في اتجاهات شتّى. وُضع البرنامج قيد التنفيذ في مطلع عام 2016 بتنسيق كامل بين الاستخبارات الأميركيّة ونظيرتها التركيّة، واختيرت مجموعات عدّة من «المعارضة المفحوصة» للقيام بمحاولات الاستقطاب مثل: «فرقة الحمزة»، «فيلق الشام» و«جبهة الشام» . عملت الاستخبارات التركيّة على تجيير هذا البرنامج لخدمة مشروعها في دعم «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي تتبناه بشكل كامل. حظي الأويغور المنشقون عن «داعش» بأولوية لدى أنقرة، بحيث يتم فرز هؤلاء عن سواهم من المنشقيّن، وإخضاعهم لجلسات طويلة تعمل على تنمية الشعور القومي لديهم، وتركّز على ضرورة «تجيير جهادهم لخدمة قضيّة تركستان المسلمة، بدلاً من خدمة أجندة تنظيم مثل داعش يتعامل معهم كأدوات فحسب، ولا يوليهم حتى مناصب قياديّة». ووفقاً لتقديرات مصادر سوريّة من داخل المجموعات المسلّحة التي كُلفت بمهمات الاستقطاب، فإن عدد الأويغور الذين انشقّوا عن «داعش» بلغ منذ منتصف العام الماضي حتى شباط قرابة 400 منشق، وجدوا طريقهم إلى صفوف «الحزب الإسلامي». كان انسحاب تنظيم «داعش» من مدينة الباب السوريّة (شباط 2017) محطّة مهمّة ولافتة في سجل «الحزب الإسلامي التركستاني»، فقد أفلح الأخير في تسهيل عقد صفقة بين «درع الفرات» (ومن خلفه أنقرة) وبين «داعش» نصّت بنودها على انسحاب مقاتلي «داعش» الأجانب من الباب، ومنح مقاتليه من أبناء المنطقة أماناً لأنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، كما نصّت على بند خاص بمقاتلي «داعش» من الأويغور الموجودين في منطقة الباب، يتيح لهم الاختيار بين الانسحاب مع أقرانهم، أو الانتقال إلى المراكز المؤقتة تمهيداً لانضوائهم في صفوف «الحزب الإسلامي». ووفقاً لمصادر سوريّة من فصائل «درع الفرات»، فإن 72 مقاتلاً أويغوريّاً كانوا في صفوف «داعش» في الباب اختاروا الانتقال إلى المراكز المؤقتة، في مقابل 11 مقاتلاً فضلوا البقاء في صفوف «داعش» والانسحاب معه نحو ريف حلب الجنوبي الشرقي، ومنه نحو الطبقة ثم الرقّة. أما الأويغور الذين لم ينشقوا عن «داعش» فقد انقسموا إلى قسمين: قسم لا يزال حاضراً في صفوف التنظيم ومعاركه بين سوريا والعراق، ويتمركز جزء كبير من هؤلاء في محافظة دير الزور، وتحديداً في مدينة البوكمال الحدوديّة. بينما وجد القسم الآخر طرقاً للعودة إلى جبال أفغانستان بحثاً عن ملاذٍ آمنٍ في كنف «حركة طالبان» التي وُلدت الحركة «الجهادية» التركستانيّة بفضلها.

أويغور «القاعدة»

ثمّة مئات من المقاتلين الأويغور ينضوون في صفوف «القاعدة». بعضهم يقاتل تحت راية «جبهة النصرة» بشكل مباشر، وبعضهم يرتبط بها من خلال «لواء المهاجرين». وهو مجموعة يدين مقاتلوها بالبيعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وتعمل تحت إشراف «النصرة»، ويضم إضافة إلى التركستان مقاتلين طاجيك وعدداً قليلاً من القوقازيين. يتمركز هذا «اللواء» في جبل الزاوية في محافظة إدلب وتسكن عائلات مقاتليه في بعض قرى المنطقة، بينما يرابط المقاتلون في النقاط القتالية، ويحصلون على إجازات لزيارة عائلاتهم دوريّاً، بواقع زيارة واحدة شهريّاً. ومن الملاحظ أنّ القرى التي تسكنها عائلات أويغور «النصرة» هي ذاتها التي تسكنها عائلات «الحزب الإسلامي التركستاني». وبشكل عام، فإنّ العلاقة بين أويغور القاعدة وأويغور الحزب هي علاقة ممتازة. ولا يعدو انقسام الأويغور بين الطرفين كونه مظهراً «تنظيمياً» بحتاً، وسببه أن أويغور القاعدة كانوا قد وفدوا إلى سوريا منذ بدايات الظهور «الجهادي» فيها وفي وقت سابق لظهور «الحزب الإسلامي التركستاني». وثمة ملاحظة جديرة بالانتباه، مفادها أنّ جزءاً كبيراً من أويغور القاعدة ليسوا متزوجين، أو تزوجوا بفتيات من غير جلدتهم (سوريات، أفغانيات). وتجدر الإشارة إلى أن المقاتلين الأويغور، سواء المنضوين في صفوف «لواء المهاجرين/ النصرة» أو صفوف «الحزب الإسلامي» يحظون بثقة وتقدير كبيرين لدى عدد من أبرز مرجعيّات القاعدة مثل الأردني – الفلسطيني أبو محمد المقدسي (عصام طاهر البرقاوي)، والقيادي أبو الخير المصري (عبدالله رجب عبد الرحمن) الذي كان حتى مقتله نهاية شباط الماضي الرجل الثاني لتنظيم «القاعدة» في سوريا، وقد خصّه «الحزب الإسلامي» ببيان ينعاه فيه ويعزي باستشهاده. خلافاً لما يظنّه البعض، لا يرتبط «التركستاني» ببيعة لتنظيم «القاعدة»، لكنّ العلاقة بين الطرفين قويّة ووطيدة وهي علاقة قائمة على مبدأ «أخوّة الجهاد»، وعلى نحو مماثل توطدت العلاقة بين «التركستاني» و«جبهة النصرة». من جهة أخرى، يدين «التركستاني» ببيعة لحركة «طالبان» تعود إلى زمن وفود مؤسس «التركستاني» على الملا محمد عمر في أفغانستان (أواخر تسعينيات القرن الماضي).

«تمدّد» في إدلب

بدأ «الحزب الإسلامي التركستاني» حصاد ثمار التوتر الذي ساد مناطق عدة من ريف إدلب في خلال الأيام الأخيرة. وعلى الرغم من أن «التركستاني» لم يكن طرفاً في اندلاع شرارة التوتر التي اقتصرت أول الأمر على مناوشات بين «حركة أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام/ النصرة»، غير أنّ تطورات الأمور تبدو ذاهبة نحو مزيد من «التمدد» لمناطق سيطرة «التركستاني». وأفادت مصادر محليّة عن دخول الأخير إلى مدينة جسر الشغور (ريف إدلب الغربي)، علاوة على أنباء عن تسييره أرتالاً نحو مدينة أريحا. وكانت مدينة جسر الشغور قد شهدت توتراً بين كل من «التركستاني» و«حركة أحرار الشام» بعد اعتقال الأخيرة عناصر من «الحزب». ووصفت مصادر «جهادية» التطورات الجارية بأنها عملية تبادل مواقع بين «التركستاني» و«النصرة» تهدف إلى منح الأخيرة فرصة للتفرغ لجولة جديدة من فصول سباق النفوذ المستمر بينها وبين «أحرار الشام».

__________

الرقّة ما بعد «داعش»: فصل جديد من فصول «الفوضى الخلاقة»؟
من المسلَّم به أنّ اندحار «داعش» من الرقة بات مسألة وقت، فماذا عن اليوم التالي؟ تبدو إجابة هذا السؤال كفيلة بتقديم مؤشرات تتعلق بملف الشمال السوري برمّته انطلاقاً من الرقة. وتتضافر معطيات عدّة في ترجيح كفة «الفوضى الخلاقة» عنواناً لمرحلة قادمة تبدأ غداةَ إعلان «تقويض عاصمة الخلافة» ويصعب التنبؤ بخواتيمها، أو بانعكاساتها على مختلف الأطراف، وعلى رأسهم «أبطال المعركة»!
      
في السادس من حزيران أعلنت «قوّات سوريا الديمقراطية» انطلاق معركة «تحرير مدينة الرقة». مع انقضاء أسبوع من العملية، كانت «قسد» قد بسطت سيطرتها على أجزاء من المدينة، وشارفت على عزل قوات «داعش» في مركزها عن تجمعاته في أطرافها وعلى وجه الخصوص في مقر الفرقة 17.

قبل إطلاق «المعركة الكبرى» بسبعة أشهر، كانت «قسد» قد أعلنت بدء عملية «غضب الفرات»، التسمية التي اعتُمدت لمعارك محافظة الرقة بأكملها. لكنّ ذلك لا يعني أن الأشهُر السبعة كانت بأكملها أشهُر عمليات عسكريّة، إذ انقسمت العمليات إلى جولات فصلت بينها فترات ركود ميدانيّة، وفقاً لإيقاع فرضته أحداث سياسيّة حيناً (مثل الانتخابات الأميركية)، وتطورات خفيّة وراء الأبواب على خطوط مختلفة من موسكو إلى أنقرة وواشنطن وسواها. ومن المتوقع أن «يشهد النصف الثاني من حزيران إعلان السيطرة على المدينة بشكل كامل، والاستمرار في ملاحقة فلول التنظيم في أريافها»، وفقاً لثلاثة مصادر كردية بارزة تحدثت إليها «الأخبار» كلّاً على حدة. ويؤكد أحد المصادر أنّ «المعارك التي تخوضها (قوات سوريا الديمقراطيّة) عنيفة، لكنّها أشدّ ضراوة من معارك سابقة خضناها ضد (داعش)». تتشارك المصادر الثلاثة التكتّم ذاته حول «الخطوة التالية» بعد الرقّة، والأرجح أنّ التحفظ حول الخوض في هذا الحديث نابعٌ من أن الخطوة ليست قراراً في يد «قسد» التي تخوض معاركها بوصفها الذراع البرية لـ«التحالف الدولي». ويبدو شبه محسوم أنّ الخريطة السورية بعد الرقة ستشير إلى دير الزور بوصفها «المعقل الأخير للتنظيم»، علاوة على احتفاظه بمناطق سيطرة في أجزاء من ريف الحسكة. أما الجيوب الباقية في أرياف حمص وحماه وحلب، فستكون على الأرجح قد صُفّيت على يد الجيش السوري وحلفائه، أو عُزلت في انتظار قطافها. ويخوض الجيش وحلفاؤه معارك متسارعة الخطى على امتداد البادية السورية تهدف إلى توجيه «داعش» نحو «المعركة الأخيرة» في دير الزور. ويحرص الجيش في خلال عملياته على محاذاة مناطق سيطرة «قسد» في الرقة بأكبر مساحات ممكنة، على نحو يُذكّر بعملياته السريعة التي واكبت معركة الباب التي شنّتها القوات التركية الغازية في إطار عملية «درع الفرات». وباستثناء حوادث الحسكة الشهيرة، فإنّ خطوط التماس بين الجيش السوري و«قسد» لم تتحوّل مسرحاً لمعارك بينهما. وعلى العكس من ذلك، تشارك الطرفان في رسم مسارات المعارك ضد أطراف أخرى (كما حصل في ريف حلب الشمالي، وفي مدينة حلب ذاتها). كذلك شكّلت منبج ساحة لاتفاق أتاح تسلم الجيش السوري مناطق من ريفها الشرقي ليتحول بمشاركة القوات الروسية إلى ما يشبه «قوات فصل» بين «قسد» و«درع الفرات». ولن يكون مستغرباً أن ينخرط الجيش و«قسد» في عمليات تنسيق لمعارك أرياف دير الزور، ولا سيّما ريفها الغربي المتصل بريف الرقة الشرقي. في المقابل، من المنتظر أن يشكل إعلان نهاية معركة الرقة مقدمة لمعركة إعلامية جديدة تشنها أنقرة لمطالبة بانسحاب «قسد» وتسليم «المدينة لأبنائها». وكما أن الوجهة العسكرية التالية لـ«قسد» ليست قراراً عائداً لها، تبدو خطوتها التالية لتحرير الرقة قراراً أكبر من قدرتها على الانفراد به. وتحضر تداخلات كثيرة في ما يخص «رقة ما بعد داعش»، من بينها الطبيعة العشائرية للمنطقة، وما يعنيه ذلك من تأثيرات محتملة لكل من السعودية والإمارات. ورغم أن الأخيرتين تتشاركان «استراتيجيات» واحدة في ملف إقليمي بارز هو الكباش مع قطر (حليف تركيا القريب)، غير أنّ الأمر يختلف لدى دخول البعد العشائري على الخط، كما يختلف في ما يخص العلاقة مع تركيا نفسها.

وفيما عرفت العلاقات السعودية التركية مدّاً وجزراً و«تحالفات مصالح» في الملف السوري تحديداً، فإن العلاقات الإماراتية التركية تنحو منحى أقرب إلى «العداء الوجودي». وكان هذا التفصيل سبباً وراء دخول الإمارات على خط تمويل «قسد»، الأمر الذي تحول بدوره إلى مناسبة لسباق على النفوذ بين الإمارات والسعودية. وإذا أضيفت إلى ذلك إمكانية تأثير الدوحة في المكون العشائري أيضاً، ازدادت التعقيدات أكثر فأكثر. إلا أن كل ما تقدّم يظل مجرّد تأثيرات جانبيّة تدور في فلك الهيمنة الأميركية على قرارات «قسد» وتحركاتها. وحتى الآن تبدو واشنطن حريصةً على تمكين «قسد» من بسط السيطرة على أكبر مساحات ممكنة من الجغرافيا السورية، ولا سيما أن تلك المساحات تحولت إلى مناطق نفوذ أميركي مؤثرة في موازين المنطقة بأكملها وبما يتجاوز الساحة السورية. ولا تمكن قراءة النهج الأميركي المتوقع في ما يخصّ «رقة ما بعد داعش» في معزل عن مقدمات معركة الرقة والترتيبات التي سبقتها. وسيكون لزاماً انتظار تسريبات من هنا وهناك أو رفع غطاء رسمي عن وثائق ما لفهم ما جرى في الكواليس الأمنية والسياسية في خلال الأشهر السبعة منذ بدء «غضب الفرات». وحتى ذلك الوقت، يمكن عدّ «ترتيبات معركة الرقّة» جزءاً من أسرار الحرب السوريّة الكثيرة، ولا سيّما ما توافق عليه رؤساء أركان الولايات المتحدة وروسيا وتركيّا غداةَ اجتماعهم الشهير في أنطاليا (7 آذار 2017). الثابتُ أنّ الضجيج الذي طالما أثارته أنقرة حول معركة الرقة قد انخفض كثيراً منذ ذلك الوقت، وأن أي محاولات تركية حقيقية لـ«تعكير» العمليّة لم تُسجّل، بما في ذلك محاولات «تغذية داعش» وإعانته على خوض المعركة (رغم أنه دور أجاده الأتراك طويلاً).
ومن غير الواضح ما إذا كان التحول في الأداء التركي نابعاً من عجزٍ وتسليم بالأمر الواقع، أو أنه جاء على خلفيّة «ثمنٍ ما» ضمنت أنقرة الحصول عليه من الحليف الأميركي. وكانت الإدارة الأميركية السابقة قد أدارت ملف الصراع بين أنقرة والأكراد بصورة توحي بحرصها على تنامي مخاوف كلّ من الطرفين، وهو ما واصلته الإدارة الحاليّة مع ميلٍ ظاهري نحو الأكراد. ومثّل شهر أيّار محطّة بارزة في هذا الإطار، حيث شهد إقرار واشنطن «تزويد المقاتلين الأكراد في سوريا بالسلاح». وأُعلن القرار قبل أيام من أول لقاء جمع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والتركي رجب طيب أردوغان لـ«بحث العلاقات الثنائية ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله» (عُقد اللقاء في 16 أيار، وكان مُبرمجاً منذ 21 نيسان). ثمّة تفصيل بارزٌ شهده شهر أيار أيضاً في هذا الإطار، لكنه لم ينل نصيباً وافياً من الضوء، فبالتزامن مع الحدثين المذكورين قررت الولايات المتحدة «توسيع التعاون الاستخباراتي مع تركيا». وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد نقلت في الثاني عشر من أيار عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ «تعزيز جهود المخابرات المشتركة مع تركيا يأتي لمساعدتها على استهداف الإرهابيين في المنطقة بنحو أفضل، وفي محاولة لتخفيف القلق التركي إزاء تسليح الأكراد في سوريا». ولم تقتصر تلك الأنباء على أحاديث فضفاضة، بل تضمّنت معلومات لافتة عن قيام واشنطن بمضاعفة قدرات «مركز الاندماج الاستخباراتي في أنقرة»، و«إضافة مزيد من المساعدات الاستخبارية التي تقدمها (لتركيا) مثل الطائرات من دون طيار». ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن المسؤولين الأميركيين، فإن الخطوات تأتي بغية «مساعدة المسؤولين الأتراك على تحديد حزب العمال الكردستاني وتعقّبه بنحو أفضل».

___________

الجيش وحلفاؤه يقودون «داعش» نحو «المعركة الأخيرة»
  • لقراءة مسارات معارك تحرير البادية السورية تلزم خمس خرائط لخمس محافظات. يتقدم الجيش السوري وحلفاؤه على محاور عدة، متباعدة جغرافية، مترابطة استراتيجياً. المعارك الدائرة في أرياف حمص وحماة وحلب والرقة تندرج جميعاً في إطار معارك تحرير البادية، وتضع الجيش في سباق مع الزمن نحو «المعركة الأخيرة» ضد التنظيم المتطرف، والتي تبدو دير الزور مسرحها الحتمي
  
       
منذ انطلاقتها، بدا واضحاً أن عمليّات تحرير البادية السوريّة من تنظيم «داعش» تنحو نحواً مختلفاً، لا عن عمليات الجيش وحلفائه السابقة فحسب، بل عن كل ما شهدته الجغرافيا السوريّة من معارك خلال السنوات الماضية. وحتى الأمس القريب كانت معظم المعارك تقوم على تخيّر أهداف محصورة في بقعٍ جغرافيّة محدّدة تضيقُ لتكون مجموعة قرى وبلدات أحياناً، وتتسع لتكون مدينةً أو قطاعاً جغرافيّاً من محافظة في أحيانٍ أقل.

أما معارك تحرير البادية الأخيرة فقد أخذت الخطط العسكريّة في حسبانها تسييرها في اتجاهات ومسارات شتّى تتوّزع بين محافظات عدّة وبتزامن مدروس. تستند الخطط في الدرجة الأولى إلى تكتيك «تشتيت الجبهات» الذي سبق للجيش وحلفائه أن اعتمدوه في مناسبتين سابقتين: غداة الدخول العسكري الروسي المباشر نهاية أيلول 2015، وفي الشهور الأخيرة من معارك ريف حلب وصولاً إلى خواتيمها. ورغم أن معارك 2015 قد شملت مساحات واسعة متوزعةً على غير محافظة في وقت واحد، غير أن الهدف في تلك المرحلة كان توسيع هوامش الأمان حول مناطق سيطرة الدولة السورية وضرب البنى التحتيّة للمجموعات المسلّحة تمهيداً لتثبيت خطوط سيطرة جديدة، فيما تختلف أهداف عمليات البادية الراهنة جذريّاً، من حيث كونها تهدف إلى التقدم البري وبسط النفوذ على مساحات شاسعة من الأراضي، وربط مدن ومحافظات بعضها ببعض، لتتحول بالتالي المساحات التي لطالما وُصفت بأنها «مجرّد مناطق شاسعة لا تمثل ثقلاً استراتيجياً» إلى مفاصل شديدة الأهمية في موازين الحرب.
تعتبر السخنة واحداً من أقوى تجمعات «داعش» في البادية

ومن شأن عمليات الربط أن تؤدي بطبيعة الحال وظائف ثنائيّة المنحى: دفاعيّة بالنسبة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة السوريّة عبر توسيع محيط الأمان، وهجوميّة بالنسبة إلى المناطق الخارجة عن السيطرة والتي يُنتظر أن تكون أهدافاً تالية لعمليات التقدم البري. استناداً إلى ما سبق، تصبح أهمية التقدم الذي حققه الجيش وحلفاؤه أمس على محور «أثريا ــ الرصافة ــ الرقة» مثلاً، أكبر من مجرّد تأمين طريق «أثريا ــ خناصر ــ السفيرة» (على أهميته بوصفه شريان حلب). ويبدو جليّاً أن تحقيق هذا الهدف يأتي بمثابة تحصيل حاصل، في الوقت الذي يمهّد التقدم لإحكام طوق حول الجيوب المتبقيّة للتنظيم في ريف حلب الجنوبي الشرقي أو إجباره على الانسحاب منها (الجيوب عبارة عن قرى ومزارع صغيرة ومتناثرة مثل الزكية، وهيبة كبيرة، وهيبة صغيرة، رسم الحميد، الثريا، اللواشي، مصنعة القصر... ويقتضي إحكام هذا الطوق بسط السيطرة على حوالى 35 كيلومتراً، هي في معظمها أراض مكشوفة). في الوقت نفسه تكتسب عمليّات الجيش المستمرّة في ريف سلمية الشرقي بعداً أكبر من تحصين مدينة سلميّة ومعالجة مشكلة الخاصرة الشرقيّة الرخوة التي شكّلت في خلال السنوات الماضية نقطة تهديد مستمرّة. وعلى نحو مماثل سيكون تحقيق هذا الهدف أمراً مفروغاً منه حالَ دخول منطقة عقيربات (ريف حماة الشرقي) على خط المناطق المحررّة. وتحظى عقيربات بأهميّة إضافيّة نظراً إلى كونها أكبر منطقة سيطرة للتنظيم في الجزء المتاخم من ريف حماة لأطراف سلسلة الجبال التدمريّة الشرقيّة (جنوب عقيربات، ويصل امتداد السلسلة إلى محمية البلعاس في ريف سلمية الشرقي). وبفعل التماس بين ريفي حمص وحماة، تكتسب مزامنة عمليات ريف حماة الشرقي مع عمليات محيط تدمر الشمالي أهميّة إضافيّة. وعلاوة على كون مغاور الجبال التدمرية مناطق تحصّنٍ لجأ إليها التنظيم منذ وصوله المنطقة، تحولت السلسلة أخيراً مقصداً لمعظم مقاتلي «داعش» المنسحبين أمام تقدم الجيش المستمر في محيط تدمر (ريف حمص الشرقي). ويبدو مرجّحاً أن خطط الجيش في ما يخصّ الجبال التدمرية تلحظُ في الوقت الراهن ضرورة تطويقها وعزلها عن أي تأثير محتمل قد يسعى التنظيم المتطرف إلى إحداثه في خارطة السيطرة، سواء في محاولة شنّ هجمات جديدة نحو تدمر، أو في محاولات شنّ هجمات انطلاقاً من الجبال تستهدف الخطوط الخلفية للقوات السورية التي يُنتظر أن تنطلق نحو السخنة. ويواصل الجيش عملياته في محيط تدمر الشمالي الشرقي، مولياً أهميّة خاصة للوصول إلى مدينة السخنة الاستراتيجيّة (70 كيلومتراً شمال شرق تدمر) التي تعتبر صلة وصل بين الحدود الإدارية لمحافظتي حمص ودير الزور. وتعتبر السخنة واحداً من أقوى تجمعات «داعش» العسكرية في البادية السورية.

وسيكون من شأن سيطرة الجيش عليها فتح الطريق أمام تهاوٍ قد يكون سريعاً ودراماتيكياً يقود القوات المتقدمة نحو قصر الحير الشرقي لعزل جبل بشري، ثم الانطلاق نحو كباجب والشولا (ريف دير الزور الجنوبي الغربي) في زمن قياسي. وكانت الأخيرتان قد شكلتا مفتاحاً لتمدّد التنظيم المتطرف من دير الزور نحو وسط البلاد إبّان صعوده على حساب «جبهة النصرة» قبل ثلاثة أعوام. وتشكل دير الزور في موازين الجيش السوري الهدف الاستراتيجي الأكبر الذي تسعى خطط ومسارات معارك البادية إلى تحقيقه في أسرع وقت ممكن. ويقود هذا التفصيل إلى ملاحظة أهميّة إضافيّة لعمليات الجيش في ريف الرقة الجنوبي، قوامُها السعي للانطلاق بمحاذاة الحدود الإدارية الجنوبية للرقة شرقاً نحو دير الزور أيضاً. ومن الملاحظات الجديرة بالانتباه في دخول الجيش وحلفائه الريف الرقّي سعي القوات المتقدمة إلى تثبيت نقاط سيطرة تحقق أكبر تماس ممكن مع «قوات سوريا الديمقراطيّة»، على نحو يذكّر بالعمليات العسكرية التي شنّها الجيش ضد التنظيم جنوب منبج (ريف حلب الشمالي الشرقي). ولا يمكن فصلُ كل هذه المسارات عن العمليات العسكرية المستمرة على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، ومن الجانبين. ورغم المسافة الشاسعة التي تفصل بين كل تلك الجبهات، غير أنّ الترابط الاستراتيجي يبدو وشيجاً بينها. ومن نافلة القول إنّ معركة تحرير محافظة دير الزور باتت في نظر معظم أطراف الحرب السوريّة بمثابة «المعركة الأخيرة لداعش». وهو أمرٌ بدأت الصحف الغربيّة في الإشارة إليه أخيراً بالتزامن مع انسحابات «داعش» المتتالية من الرقة أمام «قسد»، وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى «نيويورك تايمز» الأميركية التي عنونت قبل يومين «بعد الرقة، معركة أكبر تلوح في الأفق لهزيمة داعش والسيطرة على سوريا».
_________

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | sohaibenjrainy@
 

   
http://www.al-akhbar.com/
  
 

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.