قاسم عز الدين
مؤشرات عديدة تدل على أن السعودية باتت مقتنعة بأن مراهناتها في المنطقة تصطدم بحائط مسدود. لكنها ربما تأمل أن تتجاوز أزماتها بهدوء من دون أن يظهر عليها تراجع يقلّل من مكانتها التي تتصورها لنفسها. وهو ما ينذر بانتقال السعودية من فاعل في الأزمات إلى شلل سياسي.
مؤشرات عديدة تدل على أن السعودية باتت مقتنعة بأن مراهناتها في المنطقة تصطدم بحائط مسدود. لكنها ربما تأمل أن تتجاوز أزماتها بهدوء من دون أن يظهر عليها تراجع يقلّل من مكانتها التي تتصورها لنفسها. وهو ما ينذر بانتقال السعودية من فاعل في الأزمات إلى شلل سياسي.
المصافحة باليد بين عادل الجبير ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ربما أرادها الجبير مصحوبة بابتسامة على هامش مؤتمر "آسيان" في تركيا للإشارة إلى متغيّر سياسي على الرغم من اللقاء العابر. فالجبير كان يبدي في مؤتمرات سابقة عدائية ناتئة تتخطى الدماثة الدبلوماسية على الرغم من أن إيران كانت تحاول باستمرار فتح كوّة في جدار الدبلوماسية السعودية المصفّح بالفولاذ ظنّاً منها أن العدائية البارزة تدلّ على تصميم يشدّ عصب المؤيدين والمترددين.
هذه المصافحة لم تكن بيضة ديك على ما تتصف به أحداث الصدفة من خارج السياق ومن دون مقدمات ونتائج. فقد سبقتها دعوة رسمية وجهتها السعودية إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لبحث توطيد التعاون بين الرياض وبغداد بحسب البيان الرسمي وهو ما قام به رئيس الوزراء حيدر العبادي وفق البيانات الرسمية نفسها. لكن دعوة السيد مقتدى الصدر جاءت إثر قطيعة استمرت 11 عاماً ما يشير إلى أن السعودية تسعى إلى وصل ما تقطّع بينها وبين المنطقة عبر طرق لا تدل على تراجع مفاجىء في سياستها الإقليمية. فالتيار الصدري يتميّز بفكر نقدي تجاه معظم سياسات دول المنطقة، ويتميّز بنقد أشدّ تجاه السياسة السعودية في المنطقة وبعزيمة كبيرة لمواجهة استراتيجية الولايات المتحدة راعية السعودية.
الإعلام السعودي يحاول تغطية هذه الانعطافة بتضخيم ما يظنّه "خلافات عميقة" بين التيار الصدري والتيارات السياسية في المنطقة التي تواجه الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. لكن التيار الصدري الذي يدعو إلى مواجهة أميركا وإسرائيل يفترق عن السعودية في الأسس ولا يتقارب معها إلاً في حدود تقاربها مع دعوته لوقف الحروب. ففي هذا السياق تتخلى السعودية عن صلب سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا"، معربة بمجرد اللقاء مع السيد مقتدى الصدر عن ميل لتغيير سياستها الإقليمية وعن استعداد للبحث في الكفّ عن إذكاء نار الحروب. وربما تقصد السعودية من وراء تغيير السلوك الصلف محاولة تحسّس حرارة المناخ الإقليمي من دون تنازلات سياسية ملموسة.
في مأزق الحرب على اليمن، تأمل السعودية أن تنجح بنقل المفاوضات المرتقبة بين الأطراف اليمنية من سلطنة عمان إلى الأردن بعد أن اشتدت الضغوط على السعودية لوقف الدمار وجرائم الإبادة الجماعية بالجوع والكوليرا. وفي هذا السبيل يلتقي عبد الملك المخلافي مع رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقى ووزير الخارجية أيمن الصفدي وقت زيارة اسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى الأردن. لكن الأطراف المواجهة للتحالف السعودي ترفض التفاوض في الأردن وتضغط بذلك على ولد الشيخ وعلى المسؤولين الأردنيين للتراجع عن هذا الخيار.
في مأزق التحالف الأميركي في سوريا، تحاول السعودية تجديد شباب هيئة التفاوض في الدعوة إلى لقاء في الرياض مع منصات موسكو والقاهرة. لكن المنصات ترفض اللقاء في الرياض وتصر على اللقاء في جنيف. فهيئة التفاوض التي أقالت خالد المحاميد لأنه أفصح عن أن "المعارضة أصبحت تعتمد على الدور العربي وخاصة المصري في حل القضية السورية"، تبحث عن تعويم نفسها بين معارضات أكثر واقعية في النظر إلى موازين القوى السورية في تسجيل مواقف الاعتراض على الأقل. فهي إلى جانب الراعي السعودي الذي يعلن عن "موقف المملكة الثابت" في رفض بقاء الرئيس السوري بحسب بيان الخارجية السعودية، لم يعد لها دور على طاولة المفاوضات بعد أن انتهت اللعبة وبعد تراجع ماكرون وأوروبا عن السياسة السابقة.
الخيارات والمراهنات السعودية تجاوزتها الأحداث الميدانية في سوريا والعراق واليمن، وفاتها القطار السياسي الإقليمي والدولي. ولا ريب في أن السعودية تشعر بما يفقأ العين، وهي تحاول أن تتغيّر بهدوء طويل أملاً بحفظ ماء الوجه حرصاً على ادعاء مزعوم بالهيبة والمكانة في قيادة تحالف مقابل محور. لكنها في هذا الادعاء تهرب من أزمة إقليمية إلى مأزق في عقر دارها كما تدل محاولة تطويع قطر. ففي بعض الأحيان يتوقف بقاء الدول على حكمة اعترافها بهزائمها.
_____________
المصدر: الميادين نت
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات