‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأصوليّة السلفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأصوليّة السلفية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 24 سبتمبر 2016

انشقاقات «النصرة» و«الأحرار»: الداعمون يمهّدون لمشهد «جهادي» جديد 

    سبتمبر 24, 2016   No comments
فتوى أحرار الشام
صهيب عنجريني

يتجاوز ما شهدته المجموعات المسلّحة أخيراً من انشقاقات وانقسامات دائرة الأحداث العابرة. في الجوهر، تنبع التموضعات الجديدة من عوامل أكبر من مجرّد خلافات «شرعيّة» حول جواز القتال تحت رايات أجنبيّة.

وعلى الرغم من أنّ التغيّرات المتتالية توحي (ظاهريّاً) بأنّها ناجمةٌ عن أسباب متباينة ترتبط بالمجريات داخل كل مجموعة بذاتها، لكنّها في الواقع نتاجٌ لعمل ممنهج يهدف إلى فصل المجموعات عموماً إلى صنفين اثنين: أوّلهما «صعب الترويض» ويُشكّل «الجهاديون المهاجرون (غير السوريين)» عموده الفقري، فضلاً عن نسبةٍ من «الجهاديين الأنصار (السوريين)» المتمسّكين في الدرجة الأولى بانتماءاتهم «الأيديولوجيّة». أما الصّنف الثاني، فيضم المجموعات القابلة للانقياد بسهولة، وتحوي هذه أعداداً كبيرةً من المقاتلين الذين سبق أن اجتذبتهم مجموعات شتّى اعتماداً على أموال «الداعمين»، من دون أن تدخل التوجهات «الأيديولوجيّة» للمجموعات في حسابات أولئك المقاتلين. حركة الانقسامات طاولت حتى الآن بنحو أساسي اثنتين من أكبر المجموعات المقاتلة في سوريا («جبهة فتح الشام/ النصرة» و«حركة أحرار الشام»). الاعتقاد بأنّها (الانقسامات) جاءت مفاجئة لقيادات المجموعتين أو داعميهما، لا يبدو خياراً صائباً. وعلى العكس من ذلك، يمكن القول إنّها كانت مُتوقّعةً لدى «القادة» ومُنتظَرةً لدى الداعمين الذين يسعى بعضهم إلى تسريع وتيرة هذه المتغيّرات، تمهيداً لما بعدها. عوامل عدّة أسهمت في تزايد الانقسامات، على رأسها التجاذب الإقليمي. كذلك، بدأت تأثيرات «فك الارتباط»، والسعي إلى «اندماج الفصائل» في الارتداد سلباً.

«فتح الشام/ النصرة»

إذا كانت خطوة «فك الارتباط» قد مرّت بهدوء أوّل الأمر، فلأنّ زعيم «النصرة» أبو محمّد الجولاني، كان قد أفلح في المرحلة الأولى في الإيحاء إلى معظم «كتائب المهاجرين» أنّ الخطوة ليست سوى إجراء شكلي، ولن تؤثّر في «ثوابت الجهاد» ولا في وضع «الجهاديين» الأجانب. إلا أنّ تأثير «الداعمين» سرعان ما أثبت تفوّقه على تأثير الجولاني، ولا سيّما أنّ لكل اللاعبين الخارجيين المؤثرين داخل المجموعات مصلحةً في دوران حركة الانقسامات. المفارقة أنّ دوافع الداعمين متباينة، غير أنّ أهدافهم تصبّ في خانة واحدة.
فتوى النصرة|فتح الشام

يرى الأتراك والأميركيّون ضرورة «تنقية النصرة» من العناصر التي تُقدّم الانتماء «العقائدي» على ما سواه، تمهيداً لتسيير «فتح الشّام» بنحو كليّ. بينما يرى الأردنيّون والسعوديون في الأمر فرصة لاستعادة جزء من التأثير المفقود، عبر إعادة تقوية مجموعات خالصة الصبغة «الجهاديّة» يمكن التأثير في قراراتها بواسطة المرجعيّات «الجهاديّة» التي تحتفظ عمّان بعلاقات «طيبة» مع معظمها. الأمر الذي ينطبق على الرياض، ولكن بدرجة أقل، ما يجعلها مضطرّة إلى الاستعانة بسلفيي الكويت في هذا السّياق. ورغم أن القطريين يبدون في ظاهر الأمر بعيدين عن هذا الصراع على النفوذ، غيرَ أنّهم ما زالوا حاضرين عبر اللعب على وترين متناقضين: أوّلهما من خلال الواجهة التركيّة، ويضمن للدوحة «إصبعاً» داخل المجموعات البعيدة عن «القاعدة»، وثانيهما يعتمد على العلاقة المباشرة ببعض قيادات «القاعدة» و«النصرة». ويعتمد القطريون في كلتا الحالتين على الدعم المالي المقدّم لمعظم المجموعات بمختلف مشاربها، ما يضمن قدراً لا يُستهان به من النفوذ الخفي. وجود الجولاني على رأس «فتح الشام» ما زال (حتى الآن) يلعب دوراً في تماسك «الجبهة» والتقليل من الانقسامات قدر الممكن، ويحافظ أبو محمّد على تواصل مستمر مع قيادات «القاعدة» ومرجعياتها بغية الحد من «النزف الجهادي» في صفوف جبهته. كذلك يستنفر جهود أمنييه و«شرعييه» للهدف ذاته، وجاءت «الفتوى» الأخيرة التي تُحرّم القتال تحت راية أنقرة في إطار هذه الجهود.

«أحرار الشام»

حتى مطلع عام 2015، لم يكن الحال داخل «حركة أحرار الشام الإسلامية» ليختلف كثيراً عن نظيرتها «فتح الشّام». الاختلاف الأساسي بين المجموعتين نابع من عدم مجاهرة مؤسس «الأحرار» حسان عبّود (أبو عبد الله الحموي) بـ«البيعة» التي كان يدين بها لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري. لكنّ وجود تيارين داخل «الأحرار» كان حاضراً بنحو فعلي منذ عام 2013، وهما تياران يتجاذبهما ولاءان «عقائديّان» أساسيّان: الأوّل لـ«القاعدة»، والثاني لـ«جماعة الإخوان المسلمين». كذلك انقسم الولاء السياسي داخل «الحركة» بين الرياض وأنقرة. نجح عبّود في الحفاظ على توازن دقيق داخل «الحركة» مع تغليب غير معلن للتيار «القاعدي»، قبل أن تطيحَه ومعظم قادة الصف الأول حادثة الاستهداف الشهيرة في أيلول 2014 (راجع «الأخبار»، العدد 2390 والعدد 2397). مهّدت التصفية (التي جرت بجهود تركيّة) لسيطرة أنقرة على مفاصل القرار داخل «الحركة» بدءاً من عام 2015. أخذت «أحرار الشام» بعدها بالعمل وفق منهج يشابه النهج «الإخواني» ليلمع نجم جناحها السياسي، لكنّ قسماً لا بأس به من كوادر «الحركة» ظلّ وفيّاً لانتمائه «القاعدي» ولـ«إرث حسّان عبّود». أفلح هؤلاء في تشكيل «لوبيات» مؤثّرة في القرار الميداني إلى حدّ ما. شهدت «الحركة» في آب الماضي مجاهرة أحمد عيسى الشيخ قائد «ألوية صقور الشّام» بالانفصال عنها، و«صقور الشام» واحدة من أولى المجموعات التي استقبلت «مجاهدين» أجانب في صفوفها. كذلك، كانت «أحرار الشّام» قبل أيام على موعد مع انشقاق «شرعيّين» مصريين اثنين، هما أبو شعيب وأبو اليقظان. ثمّة حديث متزايد في كواليس «الجهاديين» عن ارتباط المذكورَين بحزب النور السلفي المصري، وكانا من بين أشد المعارضين لـ«فتوى» إباحة القتال تحت راية الأتراك. مهّد انشقاقهما لانشقاق مجموعة تُعرّف عن نفسها باسم «كتيبة مجاهدي أشدّاء».

«جبهة أنصار الدين»

من المتوقّع أن تسعى «أشدّاء» للانضمام إلى «فتح الشام». لكنّ موقف «الجبهة» من خطوة كهذه لا يزال غير واضح، ويقول مصدر من داخلها لـ«الأخبار» إنّ «ضم منشقين عن أحرار الشام سيكون خطأً فادحاً، لأنّه سيؤزّم الموقف مع الإخوة فيها». وربّما لجأت «فتح الشام» في سبيل إنقاذ الموقف إلى حل وسط، يقوم على التنسيق مع «أشدّاء» من دون انضمامها رسميّاً، أو على ضمّها إلى مجموعة محسوبة على «الجبهة» بنحو غير رسمي مثل «جبهة أنصار الدّين» بغية ترميمها. وكانت الأخيرة قد «بايعت» الجولاني بوصفه ممثلاً لـ«تنظيم القاعدة في بلاد الشّام» («الأخبار»، العدد 2704). وإبّان «فك الارتباط»، ظهر تياران داخل «أنصار الدين» يسعى الأوّل إلى ضبط الأمور وعدم المجاهرة بالانفصال عن الجولاني والحفاظ على حدّ أعلى من التنسيق معه، فيما يرى الثاني أنّها باتت «في حل من البيعة». تُشكّل «الكتيبة الخضراء» مركز الزّخم الأساس داخل الفريق الثاني، وجاء انشقاقُها أخيراً عن «فتح الشّام» بمثابة انشقاق أيضاً عن «أنصار الدّين». يُعرف عن «الكتيبة الخضراء» منذ تأسيسها غلبة «المهاجرين السعوديين» داخلها. وضمن هذا الإطار يبدو طبيعيّاً انضمامُها إلى تنظيم «جند الأقصى»، نظراً إلى أن الأخير يُعَدّ ثانية أبرز المجموعات المحسوبة على السعوديّة (بعد «جيش الإسلام»). 

مساعٍ سعوديّة لتوسيع «جند الأقصى»

«شخصيّة جهاديّة بارزة» قد باشرت اتصالات مع مجموعة «أشدّاء» بغية استقطابها إلى تنظيم «جند الأقصى» أسوة بـ«الكتيبة الخضراء». ومن شأن هذه الخطوة في حال نجاحها أن تُشكل نواةً لحضور متزايد لـ«الجند» في الشّمال، بعد أن انحسر حضوره وكاد يقتصر على محافظة حماه. وتبدو العودة إلى الشمال بزخمٍ قويّ مطلباً سعوديّاً «حيويّاً». وتشير معلومات «الأخبار» إلى أنّ الشخصيّة «الجهاديّة» المذكورة تجري سلسلة اتصالات مع معظم المجموعات «القاعديّة» للغرض ذاته، ومن تلك المجموعات تبرز «كتيبة التوحيد والجهاد» الطاجيكيّة، و«كتيبة الإمام البخاري» الأوزبكيّة.
_____________

الخميس، 15 سبتمبر 2016

السعوديون أقروا بتمويلهم الإرهاب: لقد ضللناكم

    سبتمبر 15, 2016   No comments
 زلماي خليل زاده * 
مفتي السعودية
خلال آخر زيارة لي إلى السعودية جرى استقبالي باعتراف مذهل. في الماضي حين كنا نثير قضية تمويل المتطرفين الإسلاميين مع السعوديين، كل ما كنا نحصل عليه كان النفي. هذه المرة، وفي سياق الاجتماعات مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان ووزارء عدة، اعترف مسؤول سعودي رفيع قائلاً لي "لقد ضللناكم". شرح لي كيف أن الدعم السعودي للتطرف الإسلامي بدأ في بدايات الستينيات لمواجهة الناصرية، الايديولوجيا السياسية الاجتماعية التي انبثقت عن فكر الرئيس المصري جمال عبد الناصر التي هددت السعودية وأدت إلى حرب بين الطرفين عند الحدود مع اليمن.
لقد سمح لهم هذا التكتيك بالنجاح في احتواء الناصرية وخلص السعوديون إلى أن الإسلاموية يمكن لها أن تكون أداة قوية ذات فائدة أوسع.
من خلال سياسة الصدق الجديدة وغير المسبوقة، شرحت القيادة السعودية لي أن دعمها للتطرف كان وسيلة لمواجهة الاتحاد السوفياتي غالباً بالتعاون مع الولايات المتحدة في أماكن كأفغانستان في الثمانينيات. في هذا الجانب أيضاً ثبت لهم نجاح ذلك. لاحقاً جرى استخدام هذه الأداة ضد الحركات الشيعية المدعومة من إيران في ظل التنافس الجيوسياسي بين البلدين.
لكن السعوديين قالوا إنه مع مرور الوقت انقلب دعمهم للتطرف عليهم حيث تفاقم إلى تهديد جدي للملكة والغرب. لقد خلقوا وحشاً بدأ بابتلاعهم. وأقر المسؤول السعودي الرفيع "لم نعترف بذلك بعد 11 أيلول لأننا كنا نخشى أن تتخلوا عنها وتعاملوننا كعدو" مضيفاً "كنا في حالة إنكار".
ما سبب هذه الصراحة الجديدة؟ أولاً يحق لنا أن نتساءل إلى أين يمكن أن تصل هذه السياسة الجديدة. من الواضح أن هناك بعض الأسئلة حول ما إذا كانت بعض المجموعات السنية المتطرفة مثل النصرة في سوريا لا تزال تتلقى مالاً سعودياً. لكن كما أوضح لي السعوديون فإن هذه المقاربة الجديدة  لمواجهة ماضيهم هي جزء من جهود القيادة لصناعة مستقبل جديد لبلادهم بما في ذلك برنامج إصلاح اقتصادي واسع.

وفق طريقة تفكيرهم الجديدة، ينظر السعوديون إلى التطرف الإسلامي على أنه أحد التهديدين الرئيسيين اللذين يواجهان المملكة، التهديد الآخر هو إيران. في ما يتعلق بإيران، هناك استمرارية. أتذكر حين طلب مني الملك عبد الله إيصال رسالة إلى الرئيس جورج بوش في 2006 بأنه يحتاج إلى قطع "رأس الأفعى" والهجوم على إيران وإسقاط النظام. القيادة الجديدة كما التي سبقتها تحمّل إيران مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة والصراعات العديدة المستمرة.
بكلمات أخرى تبدو القيادة السعودية الجديدة وكأنها تخفض مستوى الايديولوجيا لصالح التحديث. وقال مسؤول سعودي كبير بشكل صريح "إن المملكة تنتهج ثورة تحت غطاء التحديث" بما معناه أن الأخير بات المحرك الأساسي للسياسة السعودية.   

هل يمكن أن ينجح ذلك في ظل قلة المتغيرات السياسية في بلد لا يزال محكوماً بشكل استبدادي من قبل آل سعود؟ نظراً للمحاولات في الماضي فإنه من الصعب معرفة ما إذا كانت القيادة السعودية موحدة خلف البرنامج الجديد وما إذا كان المستفيدون من الحكم القديم سيحاولون إفشال برنامج الإصلاح وبالتالي زعزعة الاستقرار في في البلاد. 
يمكن للمعارضة أن تصدر عن المؤسسة الدينية ذات النفوذ، والتي من الممكن أن تعارض فتح مراكز ترفيه، واصلاح المؤسسات الدينية، وحتى تعليماً مختلطاً محدوداً أو زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل. في السابق أعلن عن الكثير من برامج الإصلاح في المملكة العربية السعودية لكنها لم تساو شيئاً. كذلك فإن التحديث يقوض اثنتين من دعائم الشرعية السياسية السعودية، تأييد المؤسسة الوهابية الدينية والنزعة التقليدية التي تقوم عليها أي حكومة ملكية. 
كما أن تشكيك المستفيدين من النظام الحالي غير الفعال بنجاح التحديث على المستوى الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات سياسية. كما أن هناك سؤالاً مفتوحاً يطرح عما إذا جرى تحضير السعوديين بالشكل الكافي على جميع المستويات ذات الصلة من حيث التعليم والمهارات للمنافسة في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يحتاجونه في الاقتصاد الحديث. إذا لم يحصل ذلك فإن توترات اجتماعية وحالة من الانزعاج يمكن أن تنمو في أوساط هؤلاء غير المهيأين للمنافسة.

لم تكن تلك زيارتي الأولى للسعودية. بدأت بزيارتها منذ الثمانينيات حين كنت أعمل في وزارة الخارجية. وأصبحت أكثر اطلاعاً على القيادة السعودية خلال مهمتي كسفير في العراق بين 2005 و2007. زرت المملكة مراراً وطورت علاقات حميمة مع الملك عبد الله ومسؤولين رفيعين آخرين.

لسنوات عدة كنت معتاداً على كون المسؤولين السعوديين غامضين ومبهمين. الآن أصبح محاورونا أكثر وضوحاً وعملية خلال مناقشة خططهم السابقة والمقبلة.

في العقود السابقة، ساد انطباع لدي بأن السعوديين لم يبذلوا أي جهد. اليوم يوجد فريق من الوزراء الشباب المتعلمين الذين يعملون لمدة 16 إلى 18 ساعة يومياً، على وضع وتنفيذ خطة لتحويل البلاد. هذه الخطة هي من بنات أفكار محمد بن سلمان وتركز على الجبهات الداخلية والإقليمية معاً. إذ إن سلمان ووزراءه يتمتعون بالكثير من الالتزام والطاقة. 
لطالما كان هناك صراع مستمر بين الحداثة والاسلاموية في البلدان ذات الغالبية الإسلامية. وتنظر الرياض إلى التحديث باعتباره الوسيلة التي ستمكنها بعد طول انتظار من مواجهة وهزيمة التطرف، وتعزيز ديناميكية القطاع الخاص، والتغلب على التحديات الاقتصادية التي تلوح في الأفق. ويتضمن البرنامج السعودي النقاط التالية:

ـ وضع قيود جديدة على قدرة الشرطة الدينية في اعتقال المعارضين

ـ القيام بعمليات تطهير للمتطرفين في الحكومة وبذل جهود أكبر في مراقبة تأثيرهم على المؤسسات الأمنية

ـ تعيين رجال دين جدد لمواجهة التطرف الإسلامي

ـ تحويل منظمة التعاون الإسلامي، التي تشكل الأداة السعودية الرئيسية في دعم الحركات الإسلامية في الخارج، من خلال تعيين رئيس جديد لها واتخاذ قرار بعدم دعم المدارس الإسلامية في الخارج. 

على الصعيد الاقتصادي طور الزعماء الجدد خططاً لتحويل الاقتصاد وقلصوا الاعتماد على النفط. وتركز رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 على تقليص والحد من البيروقراطية في البلاد، وتقليص الإعانات تمهيداً لإلغائها، وتوسيع القطاع الخاص بما في ذلك جذب الاستثمارات الخارجية من خلال اعتماد طريقة أكثر شفافية والمساءلة وإنهاء الروتين.    

ويمكن لخطط المملكة بتحويل شركة أرامكو النفطية العملاقة بما في ذلك طرح اسهمها للاكتتاب العام ورفع قيمة صندوقها الاستثماري إلى 2 تريليون دولار، فضلاً عن الدخل المتأتي من استثماراتها، كل ذلك يمكن أن يقلل من الاعتماد على عائدات النفط. كما أن الحكومة بصدد فتح منشآت ترفيه في المملكة وجذب أسماء مهمة من الولايات المتحدة في محاولة لتشجيع السعوديين على الاستثمار في بلادهم. وتم التوقيع بالفعل على اتفاق مع مجموعة "الأعلام الستة". كما أن المملكة تخطط لزيادة عدد النساء في سوق العمل. لقد زرت مدينة الملك عبد الله، مدينة جرى التخطيط لها وبناؤها من قبل القطاع الخاص. هنا، سيتمكن الرجال والنساء من ارتياد المدارس معاً، ويجري العمل على تشييد منشآت هامة لشركات أجنبية بمواصفات عالمية.
من جهة ثانية، فإن من النتائج الجانبية للتركيز السعودي على داعش وإيران هي هذه الرؤية الإيجابية للرياض تجاه إسرائيل. فإسرائيل والسعودية تتشاركان رؤية واحدة للتهديد الذي تمثله إيران وداعش، والعداء القديم بينهما ليس بالضرورة أن يحول دون المضي قدماً في التعاون بين البلدين.
وذكر السعوديون بشكل مباشر غير اعتيادي أنهم لا يعتبرون إسرائيل عدواً وأنه ليس لدى المملكة أي خطط طوارئ عسكرية ضد إسرائيل.
وعبّر هؤلاء عن حاجتهم للتقدم في القضية الفلسطينية، لكن لهجتهم في ما يتعلق بهذا الموضوع كانت أقل تعاطفاً من الماضي. الأولوية الواضحة بدت أنها هزيمة داعش وتحقيق التوازن مع إيران من موقع القوي.

على بعض المستويات، تبدو آفاق الإصلاح المخطط لها في السعودية واعدة أكثر مما هي عليه في الجزء الأكبر من مناطق الشرق الأوسط. ومن مزايا المملكة العربية السعودية أن لديها احتياطات نفطية كما أنها غير منشغلة بأي صراع. إن زيارتي للسعودية تركت قناعة لدي بأن قطاعات رئيسية في القيادة السعودية جادة بشأن خطط التحديث وأنها تسعى لتحقيقها بقوة ومهنية.
كما قلت سابقاً هناك الكثير من الأسباب التي تدفع للتشكيك بنجاح ذلك في نهاية المطاف. مع ذلك في حال نجحت جهود الإصلاح فإن السعودية تستعد لتصبح أكثر قوة من ذي قبل مما سيمكنها من لعب دور أكبر في الدينامية في المنطقة بما في ذلك تحقيق التوازن مع إيران وربما التفاوض على إنهاء الحروب الأهلية في المنطقة. إن تغييراً حقيقياً في سياسة السعودية لدعم المتطرفين الإسلاميين سيكون بمثابة نقطة تحول في الجهود الرامية لإلحاق الهزيمة بهم. ونظراً لدور المملكة فإن النجاح السعودي يمكن أن يقدم نموذجاً لبقية العالم العربي السني والإسلامي حول كيفية تحقيق الإصلاح والنجاح في ذلك. هذا الأمر يمكن له في المقابل أن يساعد في إطلاق عملية الإصلاح التي نحتاجها بشدة. وإن لدى المنطقة والعالم مصلحة في النجاح السعودي، ويجب أن نفعل ما بوسعنا لتشجيعهم ودعمهم في هذا الطريق الجديد.
المصدر: "بوليتيكو مغازين"
_____________

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

خلفيات وأهداف انفكاك النصرة عن القاعدة

    أغسطس 02, 2016   No comments
د. محمد علّوش*

تعلم "جبهة فتح الشام" كما غيرها من الفصائل الجهادية المسلحة أن مشروعهم في سوريا بدأ يترنح وقد يسقط، بعد أن تمكن الأسد من الصمود مع تزايد دعم حلفائه إيران وحزب الله، وان ترتيبات روسية أمريكية قد وصلت مرحلة التفاهم في كثير من نقاطها على كيفية التعاطي مع المشهد السوري بشكل عام ومع الفصائل المسلحة بشكل خاص، وان الدعم الخارجي للفصائل المسلحة أصابه العطب أو الانكفاء لأسباب كثيرة، ولم يتبق أمام هذه الجماعات سوى إعادة تقييم لنفسها وللمشهد برمته قبل أن يفوت الأوان.
لم تكن "جبهة النصرة" صاحبة الحالة الأولى الذي يقدم فيها تنظيم من تيار السلفية الجهادية على تغيير اسمه
لم تكن "جبهة النصرة" صاحبة الحالة الأولى الذي يقدم فيها تنظيم من تيار السلفية الجهادية على تغيير اسمه
لم تكن "جبهة النصرة" صاحبة الحالة الأولى الذي يقدم فيها تنظيم من تيار السلفية الجهادية على تغيير اسمه، فقد حدث ذلك مرات عدّة، وفي عدد من البلدان، كما أن اسم" القاعدة" كانت تتخفف منه التنظيمات الموالية لـ "بن لادن" يوم كانت الثورات العربية في أوج اندفاعها قبل خمس سنيين، وقد ابتكرت أسماء جديدة كان أكثرها رواجا "أنصار الشريعة" الذين انتشروا في اغلب الدول التي حصلت فيها انتفاضات شعبية باستثناء سوريا، لأسباب سنأتي على ذكرها.
بل تكشف الرسائل السرّية التي ضبطت في منزل أسامة بن لادن حين اغتياله، والتي كشفت عن جزء منها الاستخبارات الأمريكية، أن زعيم "القاعدة" كان يفكر جدياً في إجراء مراجعات فكرية وتنظيمية لمنظمته. أما لماذا لم تشهد سوريا رواجاً لمصطلح "أنصار الشريعة"؟ فذلك يعود إلى أن "جبهة النصرة" حين أوفدها أبو بكر البغدادي إلى سوريا لم تظهر تبعيتها لأحد. وقد أحدث وجودها فرقاً واضحاً في العمليات والهجمات التي كانت تستهدف مفاصل الدولة السورية. ولولا أن البغدادي طمع في القدوم إلى الشام بعد خروج مناطق شاسعة عن سيطرة الحكومة السورية لما حصل النزاع بينه وبين الجولاني عام 2013 الذي اضطر معه الأخير إلى التنصل من بيعة البغدادي بعد رفض متكرّر لعدد من الأوامر، وإعلان البيعة للظواهري لضمان وصول الإمدادات البشرية والمالية التي تأتي من الداعمين لفكر "القاعدة" عالمياً بعد أن حوصر التنظيم، وانفض عنه العشرات الذين التحقوا بتنظيم داعش.
 خلال السنوات التي أعلنت "النصرة" بيعتها لتنظيم القاعدة، حاولت الاستفادة من أخطاء التنظيم في العراق، فمالت نحو الانخراط في جبهة أوسع مع الفصائل المسلحة السورية على شاكلة "حلف المطيبين" الذي هندسته "القاعدة" عام 2004 في العراق لمواجهة الاحتلال الأمريكي في حينه. وبالفعل نجحت في أن تكون جزءاً أصيلا في ائتلاف "جيش الفتح" في الشمال السوري. ومعلوم حجم الإنجازات العسكرية التي حققها جيش الفتح بعد تشكيله.
 ورغم المناشدات المكثفة والنصائح الموجهة لها من الداخل السوري وخارجه لفك ارتباطها ب"القاعدة" من أجل استمرار الدعم الخارجي للفصائل المعارضة، وأملاً في خلق كيان عسكري موحد لجميع الفصائل المسلحة، إلا أن "النصرة" كانت تردّ أن هذا "المطلب لن يغير من واقع أهل الشام شيئا.. فالغرب مصر على قتالنا وسلبنا حقوقنا، سواء كنا قاعدة أو غير قاعدة لأننا نحمل منهاجا يهدم آمالهم في المنطقة ولأن الإسلام هو المستهدف قبل القاعدة ولأن فك الارتباط لن يعتد به في حرب هدفها تحطيم كل ما هو قوة إسلامية ضاربة. وأن الوحدة لو كانت مطلبا مرهون تحقيقه بفك الارتباط، لتوحدت جميع الفصائل الأخرى بعيدا عن النصرة ولكنها لم تفلح في التوحد".
أسباب فك الارتباط بين "النصرة" وخصومها:
"فك الارتباط جاء الآن تحديدا، ولأن المطالبة به جاءت من أهل الشام (يقصد الشعب السوري) لا من المقتاتين على فتات الأنظمة الطاغوتية أو المفحوصين بأجهزة الاستخبارات الأمريكية". بهذه الكلمات يحدّد أحد منظري "القاعدة" أسباب انفكاك جبهة النصرة عن تنظيمه، في حين يبرر أبو محمد الجولاني اتخاذه لهذه الخطوة "نزولاً عند رغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي".
في حوار مسرب للقائم على مؤسسة "المنارة البيضاء" التابعة لجبهة النصرة، يقول: "مخطط الاتفاق بين أمريكا وروسيا على استهداف وقصف النصرة عامة كان له دور في اتخاذ الخطوات العملية. أما الفكرة فهي مطروحة من قبل الشيخ أيمن منذ كلمة (نداء عاجل لأهلنا في الشام).. قيادات "القاعدة" و"النصرة" يرون أنها على الأقل ستعرقل الاتفاق بين أمريكا وروسيا وستعطي مجالا أكبر ومرونة للفصائل الصادقة في الساحة للتعاون فيما بينها لصد العدو الصائل على الإسلام والمسلمين.. فستنتقل قوة جبهة النصرة وإمكانياتها في الساحة من كونها مصنفة على قائمة الإرهاب وتحت البند السابع.. ستنتقل هذه القوة بإمكانياتها (بنفس منهجها) إلى اسم جديد نظيف ليس مصنفًا تحت أي وصف".
يتابع المصدر" فحتى لا يُقال يومًا إن "القاعدة" كانت هي السبب في إنهاء الجهاد بالشام لتعنتها في التمسك باسمٍ يتخذه الكفر العالمي ذريعة لإنهاء الجهاد في أرض الشام.. فلله ثم للتاريخ ولمصلحة الساحة الشامية، كان فك الارتباط التنظيمي".
 من أبرز الاتهامات التي وجهت لجبهة النصرة أنها لم تُقدم على فك ارتباطها بتنظيم القاعدة يوم كان ذلك في مصلحة سوريا، وكان يُرمى من يناشدهم بالانفكاك بالخيانة حتى إذا وصل البلل إلى ذقونهم تقرر الانفصال الذي لم يكن خياراً قد اتُخذ من أجل سوريا والسوريين وإنما استجابة للمخاطر الخارجية وليس الداخلية.
فك الارتباط، عند المنتقدين له، جاء متأخرا، وبعد أن استنفذت جبهة النصرة وقتها في الكبر والمراوغة، وهي لم تستسلم لرأي القائلين بضرورة فك ارتباطها ب "القاعدة" إلاّ بعد أن أعلن الحلف الأمريكي الروسي قصفها دون هوادة.
 وقد عدّ بعضهم عشرة مآخذ على جبهة النصرة، كلّها من ثمرات المنهج القاعدي، "أهمّها البغي على فصائل الثورة وقتالها واستحلال دمائها وأموالها وأملاكها بغير حق، والتسلط على الناس والتدخل في حياتهم وحكمهم رغماً عنهم". وإذا كان حالها هذا لم يتغير، فبماذا سينفع السوريين تغير اسم "النصرة" وفك ارتباطها التنظيمي ب "القاعدة".. ألم تفك داعش ارتباطها ب "القاعدة" من قبل، ثم شرعت في تكفير قادتها واتباعها وفجرت في خصومتها مع كل من يعارضها أو يرفض الإذعان لمشروعها؟ وما الذي يضمن ألاّ تحذو "جبهة فتح الشام" حذو داعش طالما أنها تنهل من نفس مشربها العقدي والفكري؟
 لم يطلب أحدٌ في الفصائل المسلحة من جبهة النصرة أن تغير اسمها يوماً. وكان المطلوب أن يكون انفصالها عن تنظيم القاعدة انفصالا منهجياً، ذاك المنهج الذي "دفع جبهةَ النصرة، وما يزال يدفعها إلى التميز عن ثورتنا والاستعلاء على ثوارنا واستباحة الأنفس والأموال بذرائع واهية لا يقبلها عقل ولا دين".
 وتخلص الفصائل المنتقدة أو المتوجسة إلى ضرورة أن يكون انفصال جبهة النصرة عن منهج "القاعدة" وليس عن الارتباط التنظيمي بها وحسب، وأن تُطلّق منهجه طلاقاً بائناً لا رجعةَ فيه، وأن تصبح جزءاً من مشروع الوطني الذي يهدف إلى تحرير سوريا من الاستبداد بجميع صوره وأشكاله، حتى لو كان باسم الدين.
تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من محاصرة ما تبقى من المناطق الخارجة عن سيطرته في مدينة حلب، وانكفاء تركيا إلى الانشغال بأوضاعها الداخلية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وعجز الدول المؤيدة لفصائل المعارضة المسلحة عن تقديم الدّعم في الشمال السوري تحديدا دون تنسيق مع تركيا، مرفقاً بحجج صعوبة وصول الدعم وتقلصه وفتور الحراك السياسي الداعم للمعارضة دولياً يعود لوجود تنظيمات مسلحة مدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية دولياً، عجل من اتخاذ القرار لدى "النصرة" رغم أنه كان يدرس لفترة طويلة وكانت الأمور تتجه إلى إعلانه دون الاتفاق على التوقيت المناسب.
إمكانية الانشقاق داخل النصرة، ومستقبل المهاجرين داخلها؟
أشاعت جبهة النصرة خبر انفكاكها عن "القاعدة" وسربته لوسائل الإعلام المختلفة قبل أيام عديدة من إعلانه بشكل رسمي، ودون أن تعلّق على ما تمّ تداوله إعلامياً من حيث التأكيد أو النفي. وكان الهدف منها هو رصد ردّات الفعل داخلياً وخارجياً، ومحاولة امتصاصها بعد أن يكون النقاش قد استنزف طاقته بين معارض ومؤيد. وتهيأ العناصر الدنيا في التنظيم لما ستقدم عليه جبهة النصرة. تبع ذلك ظهور احمد الحسن أبو الخير النائب العام لزعيم القاعدة أيمن الظواهري مباركاً لجبهة النصرة قرارها بالانفصال، موحياً انه تم بناء على مشاورة وتراضي بين الطرفين، وأنه انفكاك تنظيمي لن يغير من مبادئ وثوابت الطرفين.
 وقد جرى الإعلان الرسمي بعد استكمال الإجراءات الإدارية الخاصة بها والتي منها إبلاغ فروع القاعدة في العالم بقرار التنظيمين. وتطلب الأمر أن تسبق كلمة أبو الخير كلمة الجولاني لقمع أي حالة تمرد داخل "النصرة" بعد أن تحولت إلى تنظيم سوري بحت لا رابط له بأي جهة إقليمية أو دولية.
 خرج الجولاني مكشوف الوجه والى جانبه كل من عبد الله عطون (أبو عبد الله الشامي) وهو سوري الجنسية، واحمد سلامة مبروك (أبو الفرج المصري) وهو من قيادات "القاعدة" و"الجهاد الإسلامي" المصري تاريخياً.
 وتأتي هذه الخطوة لرأب الصدع في صفوف قيادة "النصرة" وعناصرها المنقسمين على أنفسهم بشأن قرار ترك "القاعدة". حيث أن جلُّ مجلس الشورى وقيادات الصف الأول والثاني يعلمون الخطر المحدق بهم في المرحلة الحالية. كما سبق لقيادة الجبهة أن وعت الدرس الذي حدث بينها وبين تنظيم داعش. ولا ترغب بتكرار ذلك مع وضعها الجديد.
 بين أبو الفرج المصري، رمز "المهاجرين" وأبي عبد الله الشامي رمز "الأنصار"، رسالة مفادها مشروع "جبهة فتح الشام" ماض بسواعد المهاجرين والأنصار. ووجود أبو الفرج المصري إلى جانب الجولاني كانت رسالة للجهاديين من غير السوريين الذين يقاتلون في صفوف "النصرة" وغيرها من المكونات الأخرى أنهم لن يتركوا لحالهم. فهم جزء من مكونات الكيان الجديد.
 وقد قصد الجولاني من خلال هذه الرمزية الدلالة على تماسك "المهاجرين والأنصار" وإظهار اتفاقهم على القرار المتّخذ، كون المصري يُمثّل "المهاجرين" والشامي يمثّل "الأنصار" حيث تتجاوز نسبة المهاجرين في "النصرة" ثلث عددها أو تزيد قليلاً، وتراهن "جبهة فتح الشام" أن انفكاكها عن "القاعدة" سيزيد عدد التجنيد الداخلي في حين سيبقى باب استقبال المهاجرين والتنسيق معهم مفتوحا كما كان من قبل.
 ستبقى إمكانية الانقسام داخل "جبهة فتح الشام" قائمة، وان كانت حظوظها ستضعف كلما طال الزمن، طالما أن "النصرة" كانت تحوي تيارات داخلها تتراوح بين اللّين تجاه الفصائل المسلحة بما فيها الجيش الحرّ وبين التشدد الذي يصل حدّ التماهي شبه التام مع توجهات وممارسات تنظيم داعش.
هل يتغير المنهج بتغير الأسماء؟
إذا كانت المسالك التنظيمية والحركية متغيرات اجتهادية مرحلية تتطور وتزول بحسب الضرورة والحاجة، فهل يعتبر فك الارتباط التنظيمي تغيراً في المبادئ والأهداف؟ يجيب أحد قيادات "النصرة": "التخلي عن التبعية التنظيمية للقاعدة لا يعني التخلي عن أي ثابت من ثوابت الدين ولا حتى ما نراه ونعتقده من السياسة الشرعية، كما أن الأخوة والولاء الإيماني مع تنظيم قاعدة الجهاد بكل فروعه باق بالطبع، وهو أعلى وأدوم من أي ولاء تنظيمي".
وإذا ما عطفنا الكلام الوارد آنفاً مع كلمات الجولاني حيث اختفى من خطابه شعار إقامة "خلافة على منهاج النبوة"، ليبقى "العمل على إقامة دين الله، وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين الناس" يتبين لنا أن التغير هو في الاسم فقط أما المنهج والثوابت فكما هي لم ولن تتغير على ما يبدو في المستقبل المنظور.
هل فك الارتباط سينهي قتالها؟
وجود أبو الفرج المصري إلى جانب الجولاني دلّ على قلّة حنكة سياسية عند قيادات جبهة النصرة من ناحية وعلى حجم تأثير المقاتلين الأجانب داخل الجبهة من ناحية أخرى. وهذا يضيف معضلة جديدة إلى قائمة المعضلات التي تواجه "جبهة فتح الشام" الجديدة إذ أن الإشكال الغربي والروسي معها ومع غيرها هو أيديولوجيتها الهادفة إلى إقامة دولة إسلامية، فضلاً عن عدوى الفكر الجهادي العابر للحدود القطرية بين الدول.
تعلم جبهة النصرة يقينا أن تغير اسمها وفك ارتباطها بتنظيم القاعدة لن يغير من الموقف الغربي والروسي، ولا حتى من مواقف النظم العربية منها قيد أنملة. وليس ذلك لاجتهاد كبير لديها وتبحر في العلوم السياسية وخباياها ودسائسها وإنما لأسباب أيديولوجية عقدية صرفة، تُستدعى الشواهد السياسية إليها لتعزيز القناعة بها ليس أكثر. وتنص أيديولوجية السلفيات الجهادية قاطبة على أن الغرب بقدّه وقديده، وبرّه وفاجره، ويساره ويمينه، يسعى للقضاء على الإسلام واستئصال شأفته بالكلية ما أمكن إلى ذلك سبيلاً. أما النظم العربية، وفق الأدبيات عينها، هي أنظمة وظيفية متغربة تسعى لإحداث قطيعة معرفية مع الإسلام وتاريخه، وتبذل جهدها في لجم الشعوب المسلمة والحيلولة دون نهضتها وتحكيمها الإسلام. 
والسؤال الوجيه: إذا كانت "النصرة" كما أخواتها من تيارات السلفية الجهادية لديها هذه القناعة التامة بالمفاصلة التامة بين الإسلام الذي تمثله هي حصرا وبين الكفر الذي يمثله الآخر، وهنا هو الغرب بتشكيلاته المختلفة. فلماذا ننفصل عن تنظيم القاعدة طالما أن الأمر يشتتها ويفرقها ويضعفها ويذهب وحدتها "ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون". وإذا كان الانفكاك التنظيمي عن "القاعدة" لا يحقق النكاية في الخصم، فلماذا تنصاع إليه جبهة النصرة؟
الجواب الأكثر وجاهة هو حالة الاهتراء التي تعانيها جبهة النصرة في الحاضنة الشعبية في المناطق السورية. فقد تآكلت شعبيتها على مدار ثلاث سنوات بعد الخلاف الذي حصل بينها وبين تنظيم داعش وما أعقبه من اقتتال وتعدي تنظيم داعش على بقية الفصائل المسلحة وخوضه حروبا شرسة ضدها هي أشدّ بكثير مما يخوضه ضدّ النظام السوري. ولا يخفى هنا التجاوز الذي تمارسه جبهة النصرة لمرات متعددة على ما تدعيه فصائل مسلحة أخرى أنه من حقها أو من اختصاصها.
 ترغب "النصرة" في أن تبرهن لمنتقديها من الفصائل ولعموم الشعب السوري المتذمر من وجودها في سوريا أن الحالة المأساوية التي تعيشها المناطق الخارج عن سيطرة النظام لا تعود لوجود جبهة النصرة، ولا لارتباطها ب "القاعدة" وإنما هي النقمة من الشعب لأنه ثار وطالب بفك أغلاله.
أما الولايات المتحدة التي تقود التحالف الغربي، فهي تملك من المرونة ما يدفعها لتقييم وضع "جبهة فتح الشام" بشكل دوري، وهي لن تستجيب إلى مطالبات وقف استهداف الجبهة فوراً كما أنها لن تقطع عليها الطريق في تجنب معاداتها. وجلّ ما تريده الولايات المتحدة من الجولاني أن تتحول جبهته إلى أداة تحقق أهداف واشنطن في سوريا، هذه الأهداف التي تتبدل يقينا من وقت لآخر، وبين مرحلة وأخرى. فهي تريد من "جبهة فتح الشام" اليوم أن تخضع لشروط وتوجهات التحالف الغربي كحال الفصائل المسلحة المرضية عنها في الشمال السوري، فتوجه بندقيتها إلى تنظيم الدولة، وتتحاشى التحرش بحلفاء واشنطن من الأكراد أو الفصائل الأخرى، وتلتزم مواجهة الأسد وفق القواعد التي يضعها الغرب. فإذا ما لبّت "جبهة فتح الشام" هذه المطالب والتزمت الاشتراطات الموضوعة سلفاً، فتصبح حينها فصيلاً وطنيا معتدلاً وشريكا موثوقاً ومدللاً في مباحثات الحل السياسي في سوريا. وعندما تضعف "جبهة فتح الشام" في مرحلة لاحقة ستبدأ مطالب جديدة لن تنتهي إلا بتفكك "جبهة فتح الشام" وأخواتها من تيارات السلفية الجهادية التي تشكل تهديدا محتملاً ولو بعد حين على الغرب في بلدانه المختلفة أو على مصالحه في البلدان العربية والإسلامية.
الخطوة التالية بعد الانفصال
إذا كان ما سبق ذكره هو هدف الولايات المتحدة، وإذا كانت الدول الداعمة للحراك الثوري في سوريا والمصرة على تغير نظام الحكم تسعى إلى وجود قوة عسكرية موحدة غير منتمية أو مرتبطة بتنظيمات خارجية مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية، تمثل الجناح العسكري للمعارضة في سوريا، فإن للقائمين على "جبهة فتح الشام" بعد انفكاكهم عن تنظيم القاعدة أهدافا أخرى.
تعلم "جبهة فتح الشام" كما غيرها من الفصائل الجهادية المسلحة أن مشروعهم في سوريا بدأ يترنح وقد يسقط، بعد أن تمكن الأسد من الصمود مع تزايد دعم حلفائه إيران وحزب الله، وان ترتيبات روسية أمريكية قد وصلت مرحلة التفاهم في كثير من نقاطها على كيفية التعاطي مع المشهد السوري بشكل عام ومع الفصائل المسلحة بشكل خاص، وان الدعم الخارجي للفصائل المسلحة أصابه العطب أو الانكفاء لأسباب كثيرة، ولم يتبق أمام هذه الجماعات سوى إعادة تقييم لنفسها وللمشهد برمته قبل أن يفوت الأوان.
وتكاد تتفق كل تيارات السلفية الجهادية في سوريا وخارجها بما فيها تنظيم القاعدة انه آن أوان التحول من "جهاد النخبة" أي الطلائع المقاتلة من المؤدلجين جهادياً بين الشعوب الإسلامية إلى "جهاد الأمة" أو ما يمكن أن نطلق عيه "ثورجة الجهاد" بحيث يصبح ظاهرة شعبية عند عموم المسلمين، فإذا ما نجحت التيارات الجهادية في نقل الجهاد من دائرة النخبة إلى دائرة الأمة فإنها تكون بذلك قد بنت جداراً عاليا جداً لصدّ ضربات كلّ من يعادي المشروع الإسلامي في إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وقضت على كل المؤامرات التي تحاك ضد نهضة المارد الإسلامي. وانفكاك جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة في عمقه يعود لرؤية استراتيجية بدأت تنحو نحوها "القاعدة" ومن يوافقها أهدافها أن الحلّ الحقيقي هو في نقل الطاقة من النخبة إلى الأمة.
 ولا أفضل اليوم أو انسب في تحقيق هذه النقلة من الواقع السوري الحالي. وتحديداً في الأماكن التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية منذ خمس سنوات حيث اعتادت على غياب الدولة وانهار لديها هيبة الدولة التي تحول دون الخروج إلى مواطن الجهاد.
ويرى هؤلاء أن شروطاً أساسية تتطلبها المرحلة للوصول إلى هذا الهدف في سوريا. وهذه الشروط هي:
*  اقتداء باقي الفصائل المسلحة بجبهة النصرة بفك كل ارتباطاتها الخارجية التي لم تعُد على الشام إلا بالتفرقة والتخذيل والتطاحن والتدابر ·      
* تعبئة الشارع الشامي وتجييشه ودعوته باستمرار ليكون الحاضنة الوفيّة لأهل الجهاد.
* تحييد الأبواق المرجفة والمخذلة والمنبطحة والمحاربة لمشروع "جبهة فتح الشام" ورد عاديتها وكفّ أذاها بكل الوسائل المتاحة. 
* بث روح الوحدة وتوحيد الصفوف إلى أقصى مدى بين المجاهدين والتخلص من نزعات العصبية والحزبية المفرقة.  * التنازل عن الأسماء لأجل اسم واحد هو الهدف، بعد رد عادية الأعداء.
* جمع الدعم اللازم لهذا الجهاد كي يثمر من كل أبناء الأمة في غير الشام.     
* إقامة دولة إسلامية موحدة مبدأها الشورى والشروع في تأسيس أعمدتها منذ توحيد صفوف الجماعات للقتال، لأنها مرحلة تمهيدية ستسهل الوحدة ولن تكون إلا بمحكمة شرعية موحدة ولجنة إفتاء للعلماء موحدة، ودوائر عمل موحدة وغرف عمليات موحدة.
* وبالفعل فقد تم تأسيس تجمع "أهل العلم في الشام" التي تضم المراجع الدينية لأغلب الفصائل المسلحة في الشمال، استباقاً لهذا المشروع في سبيل تحقيق الوحدة العسكرية بين الفصائل. وقد نال وما يزال بركة أغلب العلماء المؤيدة للمعارضة المسلحة على الساحة السورية.
لقد نضجت الظروف الداخلية والخارجية التي أرغمت "النصرة" أو أغرتها على فك تحالفها مع تنظيم القاعدة. وبالتالي الخطوة التالية من الحراك سيكون نحو توحيد الفصائل المسلحة في جبهة موحدة. يفترض أن المسعى القادم للدول الراعية للفصائل المسلحة هو دمجها في كيان عسكري جديد له تراتبية واحدة.  وإذا ما تمكنت "جبهة فتح الشام" من تجاوز حاجز الانقسام الداخلي وتمكنت من الحفاظ على زخمها القتالي، فإن الخطوة التالية لها هي التماهي الكامل مع مكونات مسلحة أخرى تشبهها على الصعيد الأيديولوجي. ولعل من المكونات الأبرز هي حركة أحرار الشام.
 ومنذ إعلان "النصرة" فك تحالفها مع "القاعدة" انهالت الدعوات المطالبة بالتوحد في جسم واحد، وكان أبرز الداعين إليه هي "أحرار الشام"، "الحزب الإسلامي التركستاني"، "أجناد الشام"، و"فيلق الشام"، فضلاً عن عشرات المنظرين الجهاديين من أمثال عبد الله المحيسني، عبد الرزاق المهدي، سراج الدين زريقات وغيرهم.
 وقد تكون الفصائل المكونة لجيش الفتح حالياً هي العمود الفقري للتشكيل القادم الذي ينبغي أن يكون الطرف المقابل للنظام. وتجربة جيش الفتح سيعاد له الزخم من جديد ريثما يتهيأ الكيان الجديد. وسيكون دخول "جبهة فتح الشام" في تحالفات جديدة، مع فصائل أخرى شمالي البلاد، بتشجيع من بعض الدول الداعمة للمعارضة المسلحة، بهدف تحقيق اندماج يكفي لمنع استهداف "جبهة فتح الشام" منفردة، ثم الدفع بعجلة القوة العسكرية للمعارضة نحو الأمام.
في تقديري، عملية فرز ستتم على الساحة السورية. سينشأ عنها ثلاث فرق أساسية تتقاتل فيما بينها إلى جانب قتالها للنظام السوري. "جبهة فتح الشام" مع "أحرار الشام" واغلب الفصائل المسلحة في الشمال السوري في كيان جديد، قد ينضم إليه لاحقاً "جيش الإسلام" إذا ما اقتنع الراعي الخارجي له أن نفوذه في سوريا سيتضرر إذا لم يتم دمج "جيش الإسلام" مع المكون الجديد. سيقابل الكيان المفترض ولادته، تنظيم داعش وقد انضم إليه بعض المنشقين عن "النصرة" سابقاً وأظهرت فصائل مسلحة بيعتها العلنية له بعد العمل لصالحه سرّا فترة طويلة، تنظيم مثل جند الأقصى. أما المكون الثالث فهي المكون الكردي المدعوم أمريكياً. ومع الوصاية التي تمارسها الولايات المتحدة على الأكراد وبعض الفصائل التي يمكن أن تندمج مع "جبهة فتح الشام" مستقبلاً، يصبح الصراع في سوريا قد أعيد ترتيبه بهدف السيطرة عليه تماما في إطار الصراع الروسي الأمريكي من جديد، تمهيداً للمرحلة القادمة.

_______

* حاضرَ في عدة مؤتمرات دولية حول الإصلاح السياسي والديني. حاصل على دكتوراة عن أطروحته "السلفيون في سياق الدولة الوطنية". يحضّر حاليا أطروحة دكتوراة في أصول التربية بعنوان: التربية السياسية ودورها في تنمية الوعي السياسي عند طلبة الجامعات. من مؤلفاته المنشورة: داعش وأخواتها. التيارات السلفية: الأفكار والتنظيمات.

الخميس، 10 مارس 2016

تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية... درس سعودي جديد في الديموقراطية «توحيد الخطاب الإعلامي»

    مارس 10, 2016   No comments
فليسقط الجدار!
بيار أبي صعب

في فيلم «جدار»، يقترح أحد الذين حاورتهم سيمون بيتون مقاربة مثيرة لجدار الفصل العنصري. «بنينا الجدار وفي ظنّنا أننا نعزل الشعب الفلسطيني، لكنّنا عزلنا أنفسنا في غيتو جديد». هذه النظريّة تنطبق على القرار الأخير لوزراء الاعلام في «دول مجلس التعاون الخليجي»: يريدون محاصرة الفضاء العربي الحرّ، فيعتقلون مجتمعاتهم في قمقم.

وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي، دعا أقرانه المجتمعين في الرياض، إلى «العمل المشترك على توحيد الخطاب الإعلامي للمجلس، على غرار سياسته الخارجية». إنّها محاولة طريفة لبناء ماكينة قمعيّة ضخمة، سترتد على بانيها عاجلاً أم آجلاً. هل هناك امكانيّة فعليّة لإقصاء كل صوت نقدي، ومنع شعوب كاملة من التطوّر؟ القرار الخليجي بـ «محاصرة حزب الله اعلاميّاً»، مفاعيله على أرض الواقع فولكلورية. لكن خطورته رمزيّة: الرجعيّات العربيّة تظنّ أن بوسعها، بهيمنتها الاقتصاديّة، أن تقول للعرب كيف يجب أن يفكّروا! أهلاً بكم في زمن التطهير الفكري.


رعاة «الربيع العربي»، يحلمون بإسكات كل الاصوات المغايرة بإسم «الاعتدال» و«العروبة». حرّاس الانحطاط رسموا الطريق الوحيد الممكن الى الحقيقة. ولن يتركوا لأي صحافي أو مثقف أو مبدع أو مناضل، أن يخاطبنا خارج منظومتهم الفكريّة. لن تمرّ أي تغريدة من الآن فصاعداً، تمجّد المقاومة مثلاً، أو تدين الاستبداد، أو ترفض العمالة للاستعمار. لكن سيبقى للمواطن الخليجي أصدقاء على الشاشة، مثل الداعية الصهيوني أفيخاي أدرعي، يهنّئونه بعيد الفطر، ويحاضرون عن العروبة وفلسطين! وما الجديد في ذلك؟ رفاق الشيخ الشهيد نمر النمر ممنوعون أصلاً من كل الشاشات. لكنّهم حاضرون بقوّة في ضميرنا، وفي قلب أهل الجزيرة من دون تمييزات مذهبيّة خسيسة. ألا تقوم مملكة القهر أساساً على المنع والتحريم، وإلغاء الآخر المختلف؟ ومع ذلك تشتغل نخبها العقلانيّة في الظل، من ليبرالية وقوميّة وتقدميّة، على بناء المستقبل.

يظن آل سعود، بهذا الجدار الاعلامي الذي يحاولون تشييده، أنّهم يعزلون «العدوّ». وهم مقتنعون بأنّهم سيتمكنون من إقصاء كل المنابر والمحطات والمواقع والتيارات التي لا تعجبهم. وبأنّهم سيسكتون الأصوات الحرّة التي تنتقد نظامهم الأوتوقراطي والتيوقراطي المتحصّن خلف أسوار الجاهليّة. لكنّهم في الحقيقة، لا يفعلون سوى عزل أنفسهم، وعزل شعبهم عن العصر والحضارة، ومنعه من التطوّر وتلقّي المعلومات والأفكار، فيما الحياة مستمرّة خارج السجن الكبير. كم من الوقت تمكن حماية النموذج الأوحد الذي ينتج تخلفاً وتعصباً وارهاباً؟ كم من الوقت سيصمد الاقتصاد الريعي غير المنتج؟ كم من الوقت ستهيمن الأيديولوجيا التكفيريّة التي أنجبت «القاعدة» و«داعش»، وتجرّ العرب إلى الحروب الأهليّة والتعصّب والفتنة والانغلاق الظلامي؟ الجدار الحديدي في الخليج، لن يسقطه إلا الفكر التنويري، والصحافة الحرّة، ونشر ثقافة النقد والاحتجاج والتغيير. وتلك هي الرسالة التي يضطلع بها الاعلام الممانع.

____________

وزراء اعلام الخليج: نسمع جعجعة، فهل نرى طحناً؟

 نادين كنعان

الحرب السياسية الهستيرية التي تشنّها السعودية ومن خلفها دول «مجلس التعاون الخليجي» على «حزب الله»، اتخذت أمس منحى جديداً ومختلفاً. المعركة هذه المرّة إعلامية بامتياز. بعد اجتماعهم الـ 24 أوّل من أمس، خرج وزراء إعلام مجلس التعاون بمجموعة قرارات إضافية تقضي بمحاصرة الحزب اللبناني إعلامياً و«اتخاذ الإجراءات القانونية كافة لمنع التعامل مع أي قنوات محسوبة عليه وعلى قادته وفصائله».

وبحسب البيان الرسمي، تشمل الإجراءات «التنظيمات التابعة لحزب الله والمنبثقة عنه كافة، باعتباره ميليشيا إرهابية تسعى إلى إثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة وأمن واستقرار دول المجلس والعديد من الدول العربية». أما العقوبات، فتشمل «شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي وكل ما يندرج تحت مظلة الإعلام». حتى إنّ وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي تحدّث إلى الصحافيين على هامش الاجتماع عن «اتفاق خليجي لإعداد آلية لمكافحة أبواق تنظيمات «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» وغيرها، من خلال مكافحتها برامجياً وإنتاجياً، وعلى مستوى الظهور الإعلامي، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي»، وفق ما ذكر موقع صحيفة «الوطن» السعودية أمس. ولفت الموقع إلى أنّه جرى الحديث أيضاً عن «توحيد الخطاب الإعلامي، وإسكات أبواق حزب الله».

الصيغة المطاطة والمبهمة للقرار تطرح علامات استفهام عدّة حول طبيعته والمؤسسات المقصودة فيه: ماذا تعني عبارة منع التعامل؟ وكيف ستتم هذه العملية؟ وما هي القنوات المحسوبة على «حزب الله»؟ هل هي محصورة بالمؤسسات التابعة له مباشرةً، أم تشمل أيضاً تلك المندرجة ضمن خط الممانعة؟ وهل يمكن أن ينسحب ذلك على مختلف المؤسسات الإعلامية اللبنانية بهدف تسعير الحملة الداخلية المضادة للحزب وزيادة التململ الداخلي منه؟ هل سيؤثر الموضوع على عملية إنتاج البرامج والمسلسلات، والتعاون اللبناني ــ الخليجي؟ وماذا عن ضيوف البرامج؟ هذه الأسئلة تظهر إلى الواجهة بمجرّد التعمّق في مضمون القرار الجديد. فهل خرجت الأمور عن السيطرة فعلاً، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها «زوبعة في فنجان» في إطار مواصلة الضغط السياسي على الحزب؟
في ظلّ التزام القنوات اللبنانية القريبة من خط «حزب الله» الصمت، يؤكد أحد الخبراء القانونيين، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار» أن «لا مفاعيل قانونية لهذا القرار». ويرى أنّ ما حصل لا يتواءم مع معايير تعامل الدول، واضعاً إياه في سياق «الاستخدام السياسي الرخيص». يبدو أستاذ القانون الدولي شفيق المصري قريباً من هذا الرأي، وخصوصاً أنّ القرار المتخذ هو ضد «جهة لبنانية وليس ضد الدولة ككل». ويوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّ مجلس الأمن الدولي أو أي هيئة دولية أخرى لم تصنّف «حزب الله» إرهابياً حتى الآن، ما يحول دون تطبيق دول مجلس التعاون الخليجي لقرارها الحديث استناداً إلى القانون الدولي لمكافحة الإرهاب.
من جهته، يشدد المدير العام لوزارة الإعلام حسّان فلحة على أنّ السؤال الأساسي الذي يجب طرحه اليوم: هل هناك تعريف واضح للإرهاب؟ يتشارك فلحة الرأي مع الخبير القانوني، مؤكداً أنّ القرار يندرج ضمن «القرارات السياسية»، وجازماً بأنّ «لبنان دولة ذات سيادة. «المنار» وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» تعمل وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية، وعليها أن تُحفظ وتُصان». ويتابع أنّه في حال حدوث أي خطأ، هناك «قوانين مرعية الإجراء تتم المحاسبة على أساسها وأمام القضاء اللبناني». وفيما يوضح فلحة «أنّنا ضنينون على العلاقة الممتازة مع الدول العربية»، يؤكد أنّ ذلك «لا يمنع المحافظة على المؤسسات الإعلامية اللبنانية».
لا تزال الصورة ضبابية بعد صدور القرار الخليجي الذي جاء بعد أشهر فقط على محاصرة «الميادين» و«المنار» (الأخبار 5/11/2015) على قمر «عربسات». الأيّام المقبلة ستكون كفيلة بإظهار مفاعيله المحتملة على الأرض. غير أنّ الأكيد أنّنا بتنا في حرب مفتوحة وحلقة جنون تستخدم فيها كلّ الأسلحة.
______________

بيار الضاهر: الآتي أعظم؟

زكية الديراني

لا يختلف اثنان على أنّ الإعلام اللبناني ليس في أفضل أحواله مع الأزمات التي تعصف به بسبب تراجع سوق الإعلانات والمناخ السياسي المتوتر. وجاء قرار دول «مجلس التعاون الخليجي» أخيراً ليزيد الضغط عليه، فقد أعلنت هذه الدول «منع التعامل مع أيّ قنوات تلفزيونية محسوبة على «حزب الله»»، وتسري هذه الإجراءات «على كل شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي».

البيان بدا فضفاضاً يحمل تأويلات عدّة. في هذا السياق، يتوقف رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر عند القرار، قائلاً لـ«الأخبار» إنّه «قرار متوقع، لكن لا يمكن التنبؤ بمقاصده فعلياً.
قبل أشهر، بدأت اللهجة الإعلامية لدول «مجلس التعاون الخليجي» تتبدّل، ولا أحد يعرف ما هي الخطوة الأخرى». ويوضح: «السؤال الذي يطرح نفسه حالياً: ما هي حيثيات القرار وتداعياته على الإعلام اللبناني بكل ميوله وانتماءاته؟ وهل سيطال الإعلام اللبناني بلا تمييز؟ هل سنعاقب مثلاً لو نقلنا وقائع جلسة الحوار اللبناني؟ مع القرارات التي اتُّخذت أخيراً بحجب قناتَي «الميادين» و«المنار» عن «عربسات» قبل أشهر، يتبين أنّ هناك حرباً إعلامية تتحضّر في الأفق وبدأت تأخذ منحى تصعيدياً».

_____________
هكذا ستتأثر شركات الإنتاج بالقرار
وسام كنعان
علاء رستم ـــ سوريا
المحتوى المطّاط الذي اتسم به بيان دول «مجلس التعاون الخليجي» أول من أمس يتيح وضع قوائم المنع بناء على مزاجه. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، لاكتشفنا أن خطوات مشابهة اتخذت ضد الدراما وشركات الإنتاج السورية منذ بدء «الثورة السورية» وظهور التصنيفات الموالية والمعارضة.
يومها، قررت محطات خليجية على نحو غير معلن مقاطعة الدراما السورية، وكل ما يصنع من برامج داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكن فترة زمنية بسيطة كانت كفيلة بتذويب هذا القرار وعودة تلك المحطات نحو أهدافها التجارية على وجه الخصوص، لنشاهد أعمالاً سورية تغزو الشاشات الخليجية ومن ثم دخلت كاميرا mbc للمرة الأولى مطاعم دمشق يوم نال السوري حازم شريف لقب برنامجها الشهير «أراب آيدول»، لتتوالى اللقاءات الخاصة في بعض برامجها الفنية. وربما المفاجأة الكبيرة حدثت يوم اشترى «التلفزيون العربي» (قطر) 22 مسلسلاً سورياً دفعة واحدة من شركة «سما الفن» (سورية الدولية) التي يملكها رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السوري محمد حمشو!

وفق هذا المنطق، لن يكون هناك تأثير فعلي على الأعمال الفنية التي تنتجها جهات يعدّها الخليج حليفة لـ «حزب الله». هذا ما يؤكده مدير تسويق كبرى شركات الإنتاج السورية في اتصالنا معه، مفضلاً عدم ذكر اسمه. وأوضح أنه قرأ القرار وأعاد دراسته مرّات عديدة وهو «لا يطاولنا وليس لنا أي علاقة مباشرة به، لأنه يتوجه إلى «حزب الله» ومؤسساته على نحو مباشر، ونحن كغيرنا من الشركات السورية نصنّف كشركة مدنية سورية لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، ولو أننا ما زلنا نعمل في سوريا. وقد بدأنا عملية التسويق السنوية المعتادة، ونتواصل مع جميع المحطات العربية من دون فيتو مسبق».

في المقابل، تخبرنا إحدى المسؤولات عن تنفيذ برامج الترفيه للمحطات الخليجية في لبنان والشرق الأوسط مفضلة أيضاً عدم ذكر اسمها بأنّ «القرار سيؤثر على نحو مباشر في برامج المواهب وغيرها من ناحيتين: الأولى هي صعوبة التصوير في لبنان وعدم القدرة على استضافة مشتركين خليجيين هنا». وبسبب تبعات هذا القرار، تكشف محدّثتنا بأنّه «جرى نقل تصوير برنامج توك شو هو «أنا زهرة جونيور» الذي يصوّر لمصلحة قنوات «أبو ظبي» إلى دبي، بعدما كان مقرراً تصويره في لبنان بسبب مخاوف من استقدام المشتركات إلى لبنان. ومن الممكن التفكير في نقل تصوير بعض البرامج إلى مصر في حال عدم حلّ هذه المشكلة قريباً». أما الناحية الثانية التي يؤثر فيها القرار، «فستكون على برامج المواهب التي تستقدم مشتركين من مختلف أنحاء الوطن العربي ومن مختلف الانتماءات السياسية. وهذا سيؤثر في الحرية في اختيار المشتركين، وسيجعل البرامج تخسر شرائح معينة من جمهورها على نحو مسبق. لذا، قد نتباحث مع القنوات التي نعمل معها لكي تستنثى برامجنا من هذا القرار والعمل على تحييدها كلياً عن السياسة».
لا أحد يعرف إلى أين ستصل الأمور ولا شيء يبدو نهائياً. تشير كل المعطيات وآراء المتخصصين في إنتاج البرامج والمسلسلات في لبنان وسوريا على أن الأمور ستحسم كلياً في شهر نيسان (أبريل) المقبل، على اعتبار أن القرارات النهائية المتعلقة بإنتاج البرامج الفنية التي تعرض في رمضان تتخذ في هذا الشهر. وحينها سيتّضح المشهد: إما مقاطعة إعلامية نهائية بين لبنان وسوريا من جهة، والخليج من جهة ثانية، ما سيكون ذا نتائج سلبية على الجميع أو تهدئة ودبلوماسية تحقن مصالح متعلقة بصناعة الميديا والترفيه والدراما.

_____________

تونس: حساسية قديمة ضد الوهابية
نور الدين بالطيب
تونس | على أثير إذاعة «ماد» التونسية أمس، رحّب سفيان بن فرحات، كبير المعلّقين في الإذاعة ورئيس تحرير أعرق صحيفة تونسية مملوكة للدولة وناطقة بالفرنسية «لا براس» (بتهكم)، بقرار مجلس التعاون الخليجي القاضي بمقاطعة ما سمّاه «الأذرع الإعلامية» لـ«حزب الله».

ترحيب بن فرحات بهذا القرار يعكس رأياً عاماً في تونس مناصراً للحزب باعتباره حزب مقاومة للكيان الصهيوني. ويأتي ذلك بعدما رفضت تونس والجزائر الموافقة على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب، باعتبار حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية».

هذا الرأي العام لا يتعلق بتونس والجزائر فقط، بل بمجمل المغرب العربي الذي يحمل حساسية قديمة ضد الوهابية التي قاومها المغاربة منذ القرن التاسع عشر، عندما ردّ شيوخ جامع الزيتونة، المعروف بـ«الجامع الأعظم»، ورفضوا دعوة الوهابيين بنشر مذهبهم في المغرب العربي عبر المجموعات السلفية التي تموّلها بعض الدول الخليجية.
قرار مجلس التعاون الخليجي لن يكون ذا تأثيرات كبيرة على الأرض، فمعظم الإذاعات والفضائيات التونسية لا علاقة لها بدول الخليج، ولا تحصل على أي مساحة إعلانية منها، وكذلك الصحف التي تحصل على مساحات إعلانية محدودة لا تمثّل إلاّ نسبة صغيرة من مواردها المالية. وقياساً بالمزاج الشعبي في منطقة شمالي المغرب العربي، فإنّ كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لا يمكنها التضحية بمتابعيها الذين يرفضون مزاجياً ووجدانياً الاصطفاف وراء دول الخليج من أجل حفنة من الدولارات.
قرار مجلس التعاون استقبله الاعلاميون التونسيون بتهكّم، وهذا ليس غريباً على منطقة المغرب العربي التي ساندت القضايا القومية وقدّمت آلاف الشهداء منذ الأربعينيات دفاعاً عن فلسطين. ولعل وسائل الإعلام الوحيدة التي تصطف وراء الإسلام السياسي الوهابي وتدافع عنه هي المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف التي تساند حركة «النهضة» وتدافع عن تحالفاتها.

____________

هكذا تدحرج الغضب السعودي من واشنطن إلى بيروت

المملكة العربية السعودية.. إلى أين؟
يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.
وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية.
وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».
وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي».
وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي».
وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية».
واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان».
ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».

الانزعاج الأميركي
وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته».
وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه.
يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران.
واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها.
وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان.
ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب.
وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.

الحسابات السعودية
ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها.
لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه.
وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية.
ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط.
ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل.
أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى.
في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً.
كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.
الى ذلك، التقى الرئيس تمام سلام أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان، فيما وصفت مصادر السرايا الاجتماع بالإيجابي جداً.
وأكد السفير الكويتي عبد العال القناعي باسم الوفد حرص دول الخليج قاطبة على لبنان دولة وأمناً واستقراراً ومؤسسات، وعلى الاستمرار في تعزيز هذه العلاقة، «وقد لمسنا من الرئيس سلام الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وإزالة أي شوائب قد تعيق تقدمها، وحمّلنا رسالة واضحة الى دولنا سننقلها بكل أمانة وصدق».

السبت، 23 يناير 2016

عبد الفتاح مورو: الوهابية أساس «داعش» ومصدّرتها

    يناير 23, 2016   No comments
عبد الفتاح مورو
مختلفٌ عبد الفتاح مورو، النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب التونسي، وأحد مؤسسي حركة «النهضة»، عن أقرانه من علماء الدين. يدعو إلى «فهم» الواقع، والعمل بمقتضياته، وإخراج الإسلام من «العبادات الضيّقة». «إخواني» الجذور، لكنّه يختلف معهم إلى حدّ النقد. باحثٌ عن تجربة للإسلام السياسي، ليتمكّن من أن يطعّم بها «النهضة»، لتقود تونس، مجدداً. يحاول الوقوف على «الحياد»، من أزمات المنطقة، من محيطها إلى خليجها، لكن «الوهابية» تستفزّه، فهي من صدّرت «داعش... وفتكت بالأمّة»
 نور أيوب


■ في زيارتكم السابقة لبنان، كنتم في ضيافة «الجماعة الإسلامية»، كيف تصفون علاقتكم بالتيارات الإسلامية، بشكل عام، وبالجماعة بشكلٍ خاص؟

علاقتنا بالحركات الإسلامية «حيادية». نلبّي دعوة كل من يدعونا لنتباحث معه في الشأن العام، أو لبناء علاقة ثنائية.

وفي لبنان، لم يدعُنا غير «الجماعة»، وحين استجبنا لدعوتهم، لم يكن موقفنا بأننا معهم على حساب غيرهم، ولا نساند طرفاً على طرف. وهذا ينطبق على التيارات السياسية المختلفة.

■ هل تتعاطفون مع «الجماعة الإسلامية»، أم تتعاطون معها على أساس «الحياد»؟
نتعاطف مع كل الحركات الإسلامية، التي تنطلق من منطلق إسلامي. هناك فروق في الممارسة وفهم الواقع، وهناك اختلافات تفرضها طبيعة الميدان. نحرص على أن نأخذ تجارب غيرنا، واستخلاص ما يفيدنا منها، لتنظيم أساليب عمل جديدة لم نعرفها من قبل. ونحن حريصون على أن نطعّم تجربتنا بنتائج تجربة الآخرين. والجماعة الإسلامية تندرج في هذا الإطار.

■ حزب الله، هو الجناح الشيعي، في التيارات الإسلامية اللبنانية، هل حدث لقاء بينكم وبينهم؟
حتى الآن لم نُدعَ إلى لقاء كهذا. وإن دُعينا، سنستجيب في حدود العلاقات الثنائية. القرار تأخذه مؤسساتنا (التابعة لحزب النهضة) المعنية، وتضبط موضوع الاتفاق، كما تضبطه مع غيره من الأطراف. وحزب الله هو طرفٌ مؤثر في الساحة اللبنانية السياسية، ويهمنا أن نفهم ما يحدث على هذه الساحة.

■ كيف تنظرون إلى حزب الله؟
على الصعيد اللبناني، لا نتدخل بدوره، فهذه قضية لبنانية، ولا يمكن أن نقيّم، لا بالسلب ولا بالإيجاب. لكننا نؤيده في بعض القضايا، ونتوقف عند أخرى. علاقتنا الأولى بـ«حزب الله»، كانت في تدخله البطولي في القضية الفلسطينية، ووقوفه إلى جانب المقاومة الفلسطينية. أما ما يجري في سوريا، فنحن نتوقف عنده.

«النهضة» في الحكم، وخارجه

■ أوضحتم أنّكم تسعون إلى الاستفادة من تجارب الآخرين. حالياً، هناك ثلاث تجارب سياسية على قاعدة الحكم الإسلامي. التجربة التركية، التجربة الإيرانية وتجربة «الإخوان المسلمين» في مصر. كيف تقرأ هذه التجارب؟
هذه التجارب مطروحة للدرس في نطاق مؤسساتنا التقييمية. ولنا من ينكبّ على دراستها، واستخلاص المشترك بينها، وما يفرّقها، إضافةً إلى أسباب نجاحها وفشلها. من جهتي، لا أستطيع أن أقيّمها. ولكن، لا يمكن أن نتجاهل التجربة الإيرانية القائمة منذ 1979، والتي قطعت مخاضات مختلفة، وآلت إلى ما هي عليه. ولا يمكن، أيضاً، أن نلغي التجربة التركية أو المصرية. دورنا الحالي، أن نساهم في الحكم، وأن يكون لنا موقف منه. لذا نحن بحاجة الى أن ندرس هذه التجارب، ونستخلص منها العبر.

■ ما طبيعة علاقة «النهضة» مع تركيا وإيران ومصر والسعودية؟
ليس للحركة علاقة مباشرة مع الدول. أبداً. علاقتها، فقط، بالوطن التونسي، لأننا نعتبر أنفسنا حركة وطنية تونسية من منظومة البلد السياسية. نعم، لدينا علاقات مع الأحزاب والحركات. وإذا توفّر حزب أو حركة في أيّ بلد، يرغب في التواصل معنا، فنحن مستعدّون لذلك، وبنطاق شفّاف.

■ حزب «العدالة والتنمية»، هل هناك أي علاقة معه؟
العلاقة موجودة، وليست علاقة بدولة. نأخذ منهم معالم التجربة التركية، والتي تفيدنا في التعامل مع الفرقاء السياسيين، علماً بأن هذه التجربة ليست تجربة إسلامية، إنما تجربة سياسية في وطن علماني، ويُطلق عليها إسلامية، وليس فيها معالم التجربة الإسلامية. رغم ذلك، فهذه التجربة هي ملهمة لحركتنا، التي تريد أن تجد لنفسها روابط مع إسلاميين وغيرهم من العلمانيين.

■ ما مدى تأثير «الإخوان المسلمين» في مصر على «النهضة» في تونس؟
شخصياً، أعتبر أنه ليس لنا علاقة عضوية مع «الإخوان»، وهذا أعلناه منذ 1978، حين انفصلنا عضوياً عنهم. لكن تجربتهم هي أكثر التجارب الإسلامية اهتماماً من قبلنا، وذلك لقيمة مصر وما يحدث بها، ومدى تأثيرها على الحراك الإسلامي في تونس. و«النهضة» تأثرت بما حدث في مصر. سقوط الإسلاميين من الحكم في مصر، أثّر بشكلٍ كبيرٍ على موقفنا من الفرقاء السياسيين في تونس.

■ هل تعتبرون أن «الإخوان» أخطأوا في حكم مصر؟ وهل حاولتم تجنّب ذلك في إدارتكم؟
كان لنا موقف من إدارتنا للحكم. شخصياً، تميّزت عن «النهضة»، رافضاً تسلّم الحكم في تونس وفي مصر. دعوت «الإخوان»، المصريين، قبل أن يدخلوا في الانتخابات البرلمانية الى أن يشاركوا بحدود الثلث، ولا يتجاوزوا ذلك. وقلت إنّه لا مجال للتباري على موقع رئاسة الجمهورية. وكان تخوفي على التجربة المصرية، كي لا تؤثر على تجربتنا في تونس. وهنا، يجب الالتفات، إلى أن الخصومة المصرية هي بين حكم مدني وآخر عسكري، وليس مع العلمانيين.

(تصوير مروان بو حيدر)

أما «الإخوان» فخاصموا العلمانيين. لم يستطيعوا أن يقهروا «العسكر»، لأنه جزء كبير من الاقتصاد المصري ومجتمعه وحياته اليومية. قضيتنا ليست حكماً إسلامياً أو أو... قضيتنا تحقيق الحريات. وهذا ما لم يفهمه «الإخوان». فالقضية، في مصر، بين طرفي نزاع، الأوّل هو جهاز سلطة عسكري، كان متخفياً بقناع مدني، وأزاله عنه حين بدأ يضرّه، وهو متمسّك بمنصبه، ولا يريد التنازل. أما الثاني، فهو «الإخوان». والصدمة، أن «الإخوان» قدّموا أنفسهم على أنهم مدافعون عن الثورة. لكنهم لم يكونوا ثوريين من قبل. ولم يكن لهم برنامج انتقال ديموقراطي. فوجئوا بالحكم كما فوجئ غيرهم، لكنّهم فرضوا على أنفسهم التصدي للقضية، ولم يكونوا على قدر المجابهة، فكانوا الطرف الأضعف فيها.
■ تداولت أوساط عن مبادرة مشتركة بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والشيخ راشد الغنوشي، لإصلاح «ذات البين» بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و«الإخوان». ما صحّة ذلك؟
لا أعلم، ولا أجزم ولا أرفض. ولكن من الممكن أن يكون قد حدث ذلك، وهو ممكنٌ نظرياً. ثم، من قال ان «الإخوان» يرغبون في حلٍّ اليوم؟ أو السيسي؟ الطرفان لا يريدان حلّاً. المبادرة هي «تمنّ» لمن يعزّ عليهم بقاء قيادة «الإخوان» في السجن، وهذا ما يعزّ علينا. لقد تحولت مصر إلى ساحة صراع بين حاكم بالسلاح ومحكوم بالاضطهاد. وما يُنسب إلى «الإخوان» على أنهم إرهابيون، هو افتراء، هم ليسوا كذلك، هم إصلاحيون.

■ هل ابتعد «الإخوان» عن أفكار سيد قطب؟
لقد تمت مراجعة أفكار سيد قطب. ويبدو أن الذين استأثروا بها هم «جماعة الجهاد والهجرة». وقد تبنت الحركات «الجهادية» هذا الفكر. أما «الإخوان»، فبقوا على خط الأستاذ حسن البنّا، صاحب الخط الإصلاحي، الذي لا ثورة فيه، بل إصلاح. وأنا أحرص على أن يبقى «الإخوان» كذلك. فمصر لا تتحمل هزّات، وضعها «هش».

■ كيف تصف حزبي تونس، «النهضة» و«النداء»، والأزمات التي يمرّان بها.
قضيّة انقسام «النداء» مزعجة ومقلقة، بالنسبة إلى إسلامي. الحزبان حديثا الوجود. فـ«النهضة» متقوقعٌ ويخشى أي مبادرة، أما «النداء»، فأسفر عن شقّين، وسيسفر عن شقوقٍ أخرى. كيف يمكن أن نسند سياسة الدولة إلى هكذا حزبين؟ وهما غير قادرين على تيسير سياسة شؤون البلد.

■ هل توافقون على توريث ابن الرئيس القائد السبسي؟
هذا غير وارد، وغير ممكن، لا رئاسياً ولا حزبياً. وهذه كذبة.

■ هل «النهضة» في استراحة محارب لاستعادة تسلّم الحكم؟
يهمّني أن تُقيّم التجربة، وتُهيّأ الكوادر. نحن بحاجة إلى أن نهيئ لحزب قوي بعد عشر سنوات، بعد تداولين آخرين للسلطة. نحتاج إلى أن نكون حزباً قوياً ومتمكناً، وأصحاب نظرة إصلاحية تستطيع تجنيد الشعب لخدمتها، وسنقوم بورشة إصلاحية، وتغيير السياسات والقيادات. وقد اقترحت مشروعاً بتغيير ثلثي للقيادة، وتطعيمهم بآخرين شباب.

«الربيع العربي» والإسلام... وملفات المنطقة

■ المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، اعتبر «الربيع العربي» «صحوة إسلامية»، هل توافقه؟
كلا، لقد أخطأ التقدير. أنا، ومن منطلق ناشط في هذا الحراك، لم يكن للإسلاميين دورٌ مميز، لم يهيئوا له. الأحداث فرضت بشكلٍ متتال على المجتمع التونسي، والإسلاميون تحركوا بعدما أُفسح لهم المجال بالتحرك. ما خطّطوا، ولا وجهوا، ولا هيأوا، ولم يعطوا أسباب النصر، إنما استغلوا واستفادوا.
المرشد الأعلى أطلق تفاؤلاً هذه التسمية، منطلقاً من أن الحراك هيّأ للإسلاميين الحكم. لقد وصل الإسلاميون إلى الحكم لأنهم كانوا الطرف المستضعف في فترة الاستبداد. عندما قَدِموا لم يكونوا جاهزين للحكم. ولا يمكن أن ينجحوا كما فعلت الثورة الإيرانية وغيرها. لم يكن لنا وجود في الإعلام وبين المثقفين. لو كان لنا مجال على مدى 30 سنة لكنا استطعنا أن نبني النموذج وأن نقود بالشكل الصحيح.

■ ما هي قراءتكم للحرب في سوريا؟
أتسعت الحرب أكثر من اللزوم. وخرجت القضية من طور خلاف بين حاكم ومحكوم، إلى توظيف عالمي وإقليمي، ونحن نتوقف أمامه. ونرى أن توسيع النزاع بهذا الشكل، اليوم، سينتهي ضد الشعب السوري، وسيؤثّر على البنية الأساسية في سوريا، وما يهمنا استقرار سوريا وبقاؤها سنداً للرأي العربي الموحد. وفي الحقيقة، فإن الصورة ضبابية لدينا، وهي قائمة على ما ينقل إلينا من الصحافة. وليس لدينا اتصال مباشر بالأطراف الفاعلة حتى نقف على حقيقة الأمر، لإعراضنا عن هذه الأطراف كي تضعنا في الصورة، وبات الإعراض متبادلاً، بيننا وبينهم، ما جعلنا نكتفي بما ينقل إلينا من الصحافة.

■هل حاولت الأطراف المتنازعة في سوريا أن تفتح جسراً للتواصل معكم، لتبيّن وجهة نظرها؟
لم يحصل ذلك.

■ كيف تتعاطون كـ«حركة النهضة» مع الحرب السعودية على اليمن؟
الصراع اليمني هو «يمني ــــ يمني»، لكنه بين السعودية وإيران. فالسعودية تريد التوسّع، وإيران بعدما تحوّلت من قوة قطريّة إلى قوّة إقليمية، باتت تريد السيطرة. أما «النهضة» فلا تصطف بصراع بين المسلمين. إن كان ولا بد، لنكن «دعاة سلم بينهم».

■ كيف انعكس التوتر الإيراني ــــ السعودي على المنطقة؟
لم يعد التوتر سياسياً، أصبحَ بين عربٍ وفرس، وأخذ منحى سنيّاً ــــ شيعيّاً. التوظيف المذهبي للقضايا السياسية خطيرٌ جداً. والخلاف الديني لا ينتهي، لأنه مبدئي. وهنا، أشدّد على مبدأ الوحدة الإسلامية. وأدعو لكي يتصالح أصحاب الشأن ويعلّمونا. نحن لم نستثمر عقولنا، ولا المعرفة، عكس تركيا وإيران اللتين أقدّرهما.

■ هل يمكن أن تتبعوا دولة كبرى؟
العلاقات الدولية لا تخضع للتقييم الأخلاقي. هناك من يريد أن يساعدك. فالقضية هي «مصلحة»، ولا يمكن التعامل خارج إطارها. ولكن هل هناك دولة لا تتبع أحداً؟ إذا فُرضت علينا التبعية، نتبع من يقدم لنا الخدمة الوطنية. بلدنا لا إمكانات فيها. لا شيء. قوتنا في الخدمات، ويجب أن نفتح أبوابنا للجميع.

يرى عبد الفتاح مورو أن «الوهابية» هي الأساس الفكري لـ«داعش»، وأن المملكة السعودية هي «المصدّر» الرئيسي للتنظيم. ويضيف مورو أن «علماء السعودية جامدون فكرياً، ولا يمكن أن أتوافق معهم». ويأسف أن تصادر حرية الشعوب، وخصوصاً السوري، بفتاوى «غير مقبولة»؛ فالدعوة إلى الجهاد في أرض الشام، والفتوى التي أطلقها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، ليست «شرعية»، مشيراً إلى أن «من دعا إلى الجهاد فتح الباب لتدويل القضية السورية، وهذا خطأ». ولفت إلى أن ما يجري الآن، في سوريا، «ليس حرباً جهادية، فالذين أفتوا لم يقدّموا الوسائل العملية لإنجاح الجهاد».

تقسيم مقبل في ليبيا... وشباب تونس غذاء «داعش»

لا يحبّذ عبد الفتاح مورو التدخل العسكري في ليبيا. يرى أن «الوضع صعب ومعقّد». فالليبيون لم يدركوا، حتى الآن، خطورة الوضع. بعضهم مجيّر لخدمة الغرب، أما الآخر فيعتبر الاستقواء بالغرب، أيضاً، على نظيره، أمراً محبّذاً للوصول إلى السلطة. أما العقدة الأساسية، وفق مورو، فهي أنه «لا تنازل»، من أي طرف لأجل الآخر، أو من أجل ليبيا.
يرى الرجل أن «الأجنبي الذي يعينك، اليوم، سيستخدمك غداً فستصبح أسيراً له»، مشيراً إلى أنّه طلب من «الإسلاميين الخروج من الساحة كمنازع، والبقاء فيها كمراقب ومشارك».
وعن التدخل الأجنبي، ينفي مورو إبلاغ الغرب الدولة التونسية نيته بالتدخل، لكنه لا يستبعد ذلك، مستشرفاً أن ليبيا ماضية إلى التقسيم.
ويشدّد مورو على أن «داعش» تجد «سنداً» في ليبيا، ذلك لافتقاد شبابها «الوعي والفهم المعكوس للثورية والإسلام». وينفي عن «داعش ليبيته»، بل يرجعه إلى أصله في العراق وغذائه من الشباب التونسيين، الذين حرموا النشاط في تونس وذهبوا إلى ليبيا. كما يرى أن «أرض ليبيا ليست أرض إرهاب، ولا أهلها لهم طبائع إرهابية»، مشيراً إلى أن «الإرهاب استغل الفراغ الموجود في البلد».
أما عن سبب الجهاد «التونسي»، وانضمام الشباب إلى التنظيم المتطرّف، فيرى أن تونس تفتقر إلى «مصانع العقول»، حاسماً أن «المعاهد هي التي تصنع الشباب».
ويؤكّد أن الشباب التونسيين المنتسبين إلى التنظيم «لم يتخرجوا في المعاهد، لقد عاشوا على الفراغ، هم أبناء شوارع، وتعلموا الإسلام من الفضائيات والمطبوعات المشبوهة». لكنه يأسف أن «تونس باتت أرضاً خصبة للجهاديين، بسبب فقدانها المنهج التعليمي الواضح».
________
«الأخبار»

السبت، 2 يناير 2016

حملة الاعدامات في السعودية والاخطار التي يمكن ان تترتب عليها داخليا وخارجيا.. لماذا جاءت بهذه الضخامة في العدد؟ وما هي الاسباب الحقيقية التي املتها؟ وهل هناك خطأ في الحسابات؟

    يناير 02, 2016   No comments

عبد الباري عطوان


 اذا كان الهدف من تنفيذ احكام الاعدام بالرصاص، او بحد السيف، في حق 37 متهما بالارهاب في المملكة العربية السعودية هو “ارهاب” الآخرين، ومنعهم من الاقدام على اي اعمال احتجاج، او هجمات، وعنف ضد النظام ومؤسساته ومصالحه، فان ما قد يترتب عليها من ردود فعل، ونتائج قد تكون عكسية تماما.
من المؤكد ان العهد السعودي الجديد الذي بدأ بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة قبل عام تقريبا، يريد ان يعزز الانطباع الذي يقول بأنه “عهد الحزم” وممارسة سياسة القبضة الحديدية، والتخلي عن سياسة “المهادنة” التي اتبعها الملوك السابقون، واول تطبيق لهذا “التحول” جاء من خلال اعلان الحرب في اليمن لمواجهة التحالف “الحوثي الصالحي” تحت ذريعة مواجهة النفوذ الايراني، وها هو يدشن مطلع العام الميلادي الجديد بهذا العدد الضخم من الاعدامات التي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1980، حيث جرى اعدام 63 متشددا اسلاميا اقتحموا الحرم الملكي الشريف بقيادة “الداعية” جهيمان العتيبي.

الحزم ضروري وعلى درجة كبيرة من الاهمية، شريطة ان يأتي في التوقيت المناسب، ويمتلك اصحابه ادوات القوة وعناصرها، وفي اطار استراتيجية محكمة، وفي ظل ظروف اقليمية ودولية ملائمة، ولا نعتقد ان هذه الشروط، او معظمها، متوفرة حاليا في الحالة السعودية، فليس من الحكمة خوض حربين في الوقت نفسه، واحدة في سورية، واخرى في اليمن، لمواجهة النفوذ الايران، في وقت يتعزز هذا النفوذ باتفاق مع الولايات المتحدة، والدول الست العظمى، تنهي حصار امتد لما يقرب من الثلاثين عاما، وتلقي دولة عظمى مثل روسيا بكل ثقلها العسكري والسياسي خلف النظام السوري، وتخوض حربه مباشرة ضد معارضيه المسلحين، وتتراجع العوائد النفطية، وتتسم سياسات الحليف الامريكي التاريخي بالتردد والارتباك.
اعدام 46 سنيا متهمين بالتشدد، وتبني فكر تنظيم “القاعدة”، والاقدام على احتجاجات وتفجيرات، بصورة مباشرة او غير مباشرة، بين اعوام 2003 الى 2006، من اجل التغطية على اعدام الداعية الشيعي نمر النمر، المتهم بالتحريض على احتجاجات سلمية تطالب بالديمقراطية، وحقوق الانسان، على غرار ثورات الربيع العربي الاخرى التي حظيت وتحظى (في سورية) بدعم القيادة السعودية، لن يخفي الحقائق، ولن يمتص حالة الغضب والاحتقان في اوساط ابناء الطائفية الشيعية، بل قد يؤدي لاول مرة الى توحيد “الغضبين” السني والشيعي معا، واقدام خلايا متطرفة من الجانبين على ردود فعل انتقامية في الوقت نفسه.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” ندين الارهاب الذي يفتك ارواح الضحايا الابرياء ويزعزع الامن والاستقرار باشكاله كافة، ونفرق بينه وبين المطالبة المشروعة بالحريات والاصلاح، والحق في الاحتجاج، على المظالم والقمع والفساد ومصادرة الحريات، ومن هذا المنطلق، نعارض احكام الاعدام وتمثيلها من قبل المملكة العربية السعودية، عندما تصدر عن نظام قضائي يفتقد الى المصداقية، ولا يتوفر فيه الحد الادنى من قيم العدالة وآلياتها، ولهذا ندين تنفيذها في حق المتهمين الـ47 فجر هذا اليوم داخل سجون المملكة في 12 مدينة، فجميع الذين جرى تنفيذ هذه العقوبة في حقهم لم يحظوا بمحاكم عادلة، ولم يتمكنوا من الدفاع ن انفسهم، في ظل نظام قضائي يحكم على “مغرد” على “التويتر” الجلد والسجن عشر سنوات، ويمنع شاعرة من الكتابة في الصحف، وحق التعبير بالتالي، لخمسة عشرة عاما، وبأمر من امير منطقة وليس من محكمة رسمية، وبسبب قصيدة، وهو الشاعر والمثقف.
الاضطهاد والاقصاء والقمع في المملكة العربية السعودية هي الممارسات الوحيدة، التي يمكن القول، بانها تتم ليس من منطلقات مذهبية او طائفية، لانها لا تفرق بين سني وشيعي عندما يتعلق الامر بالمطالبة بالحريات والاصلاحات والعدالة، ولكن لا بد من الاعتراف بان ابناء الاقلية الشيعية كانوا الاكثر معاناة، وتعرضوا طوال عقود لمعاملة تمييزية اقصائية، وكمواطنين من الدرجة الثانية موضع شكوك في ولائهم، ومن يقول غير ذلك، مكابر يتعامى عن الحقيقة.
لا نريد ان نستبق الامور، ولكننا نكاد ان نجزم بأن تنفيذ احكام الاعدام هذه ستترتب عليها اعمال انتقامية، وردود فعل خطيرة، مما قد ينعكس سلبا على امن المملكة واستقرارها، ويصب المزيد من الزيت على نار مشاكلها الامنية المتفاقمة، ويزيد من ضخامة حجم ملفها المتعلق بغياب الحريات والقضاء العادل، ناهيك عن استقلاليته، وانتهاك حقوق الانسان.
ان اكبر اعداء السعودية هم الذين يأتون من صلب نظامها، ويتبنون مثل هذه السياسات والمواقف التي تفاقم من ازماتها، وتفجرها حروبا في الداخل، الى جانب حروبها الاخرى في الخارج، التي ما زالت في بداياتها، وتستعصي على الحزم والحسم معا، وقد تمتد لعقود.
حروب الخارج مكلفة بشريا وماليا وسياسيا وعسكريا، لكن حروب الداخل، اذا ما اندلعت، هي الاكثر كلفة على الصعد كافة، خاصة عندما تتفجر في الوقت الخطأ، وفي ظل احتقان شعبي كبير، واوضاع اقتصادية مأزومة، وبطالة مرتفعة.
من جرى تنفيذ احكام الاعدام بهم لهم حواضن وامتدادات شعبية وقبلية وطائفية، مثلما لهم انصار في الداخل والخارج، ولا نعتقد ان من اتخذ القرار، حسب حساباته جيدا، تماما مثلما فعل عندما ورط بلاده في حروب خارجية، واليمنية منها خاصة.
ايام المملكة القادمة صعبة، بل صعبة جدا، ونكتفي بهذا القدر.

الأحد، 6 ديسمبر 2015

نائب ميركل للسعوديين: ولى زمن غض الطرف... "يجب وقف تمويل الرياض للمساجد المتهمة بتغذية التطرف"

    ديسمبر 06, 2015   No comments
دعا سيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأحد السعودية إلى وقف تمويل المساجد الأصولية في الخارج المتهمة بتغذية التطرف.
وشدد غابرييل على أن "المساجد الوهابية في جميع أنحاء العالم ممولة من السعودية".
وأضاف لصحيفة "بيلد أم سونتاغ" الألمانية: "في ألمانيا العديد من الإسلاميين الذين يعتبرون أشخاصا خطيرين خرجوا من هذه المجتمعات".
وحذر غابرييل، وهو أيضا وزير الاقتصاد الألماني، من توجيه انتقادات كثيرة تؤدي إلى العداء مع السعودية، أحد الأطراف الرئيسية في محاولة إنهاء الحرب السورية.
لكنه قال: "في الوقت نفسه، علينا أن نوضح للسعوديين أن زمن غض الطرف قد ولى".
وحض غابرييل على اتخاذ تدابير حاسمة في ألمانيا ضد المساجد المتطرفة المرتبطة بالإسلام السلفي الأصولي.
وقال إن "هذه الأصولية المتطرفة المتواجدة في المساجد السلفية ليست أقل خطورة من التطرف اليميني".
من جهته، حث رئيس المجموعة البرلمانية في الحزب "الديموقراطي الاجتماعي" الالماني توماس اوبرمان على اتخاذ خطوات ضد الخطابات التي تتعارض مع الحريات الأساسية المكفولة في الدستور الألماني.
واضاف "سنمنع الدعم الذي تقدمه السعودية في بناء أو تمويل المساجد في ألمانيا حيث يتم نشر الأفكار الوهابية".

ورفضت الحكومة الالمانية الجمعة نتائج تقرير اصدرته وكالة الاستخبارات الالمانية يدين السعودية، ووصفت الرياض بانها شريك اساسي في حل النزاع في المنطقة.
واندلع الخلاف غير المعتاد بين المستشارية الالمانية ووزارة الخارجية من جهة ووكالة الاستخبارات الخارجية الالمانية من جهة اخرى، عندما اصدرت الوكالة تقريرا الاربعاء تتهم فيه السعودية بتغيير في سياستها الخارجية في شكل يزعزع الاستقرار في المنطقة.

الاستخبارات الألمانية تحذّر السعودية من السياسة "الإندفاعية"

عبّر جهاز الاستخبارات الاتحادية الألماني "بي.إن.دي"، في بيان علني نادر اليوم الأربعاء، عن قلقه من أن السعودية باتت "اندفاعية" في سياساتها الخارجية مع ترسيخ ولي ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان لأقدامه.
وقال جهاز الاستخبارات إنه مع فقدان السعودية الثقة في الولايات المتحدة كضامن للنظام في الشرق الأوسط، تبدو الرياض مستعدة لخوض مزيد من المخاطر في إطار تنافسها الإقليمي مع إيران.
وأشار إلى جهود الخصمين للتأثير في الأحداث في سوريا ولبنان والبحرين والعراق، حيث تبدو السعودية مستعدة بشكل متزايد لتحمل مخاطر عسكرية وسياسية ومالية لضمان ألا تفقد نفوذها في المنطقة.
وقال ان "الموقف الديبلوماسي الحذر حتى الآن للزعماء الأكبر سناً في الأسرة الملكية يجري إحلال سياسة تدخلية اندفاعية محله"، مضيفة أن السعوديين لا يزالون ملتزمين بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.


________________

جريدة السفير

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

«أحرار الشام» تُقصي رافضي «الارتهان لتركيّا» ... وتستعدّ لـ«الاحتراب»

    أغسطس 26, 2015   No comments
«أحرار الشام» تُقصي رافضي «الارتهان لتركيّا» ... وتستعدّ لـ«الاحتراب»

 صهيب عنجريني

«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» ماضيةٌ في رسم مسارها وفقَ إيقاعٍ مضبوطٍ على النغمة التركيّة. وباتَ مألوفاً أن تُزامن «الحركة» بين كلّ خطوة تخطوها بغية الإيحاء بتحرّرها من ثقل «الانتماء القاعدي»، وبين أي تصريحٍ تركيّ في شأن «المنطقة الآمنة»، أو التعاون التركي الأميركي في الشمال السوري. في هذا السياق، حرصت «أحرار الشام» في اليومين الأخيرين على إصدار ثلاثة بيانات لافتة، وبالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن «بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على تنفيذ عمليات جوية شاملة لإخراج مقاتلي تنظيم الدولة من المنطقة الحدودية السورية».

وخصّصت «الحركة» أحد بياناتها لتجديد التأكيد على عدم «وجود ارتباط بين الحركة وبين تنظيم القاعدة»، وهو أمر بات التنصّل منه محور تحركات «الحركة» في الشهور الأخير. أمّا البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» البدء بـ«إعادة هيكلة الجناح العسكري ليكون نواة جيش نظامي»، فهو في واقع الأمر لا يعدو كونَه إعلاناً لاستقطاب مقاتلين جُدد يرفدون صفوف «الحركة» تحت ستارٍ «وطني». ويأتي ذلك استعداداً لـ«التحديات» التي تنتظر«الحركة» في الشمال السوري على وجه الخصوص، والتي يُرجّح أن تتطلّب منها الانخراط في معارك على جبهات عدّة. فعلاوةً على المعارك ضدّ تنظيم «داعش»، التي يتهيّأ «الأحرار» لبدء مرحلة جديدة منها حال ورود ضوء أخضر أميركيّ، يبدي رعاة «الحركة» الأتراك تحسّباً كبيراً لاضطرارها إلى دخول احتراب مع شركاء الأمس في «جبهة النصرة». ومنَ المُنتظر أن يكون هذا الاحتراب بمثابة عربون أخير تُقدمه «الحركة» في سبيل مباركة غربية لارتدائها «العباءة المعتدلة» («الأخبار»، العدد 2651). من هذه الزاوية تحديداً، يغدو البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» فصل أحد أعضاء «المكتب الشرعي» هو أخطر البيانات الصادرة عنها أخيراً. البيان المذكور صدر عن «المكتب الشرعي العام»، وأوضح أنّ «الشرعي أبو شعيب المصري يعتبر مفصولاً عن المكتب الشرعي بسبب عدم انضباطه بتوجيهات المكتب الشرعي». ولا يمكن اعتبار هذا الإعلان مجرّد «إعلان فصل»، بل ينبغي التعامل معه على أنّه «إعلان حرب جديدة» ضدّ أصحاب الهوى «القاعدي» ومُعارضي الارتماء كليّاً في الحضن التركي. ويُعتبر «الشرعي» المفصول رأس حربة في هذا السياق، وهو صاحب الموقف الشهير الذي أعلن فيه براءته من تأييد «الحركة» للتدخل التركي، كذلك انتقد المواقف الصادرة عن «مسؤول العلاقات الخارجية» لبيب النحاس والتي حاول فيها الأخير التقرّب من الرأي العام الغربي، وتسويق «اعتدال الحركة» لديه. وفي مقابل ذلك تبنّى المصري «فتوى تحرّم التعاون مع الدول الاقليمية وخاصة تركيا». وكما كان متوقّعاً، فقد أثار فصل المصري حفيظةَ «جبهة النصرة» التي باتت في ريبة دائمةٍ من توجّهات «أحرار الشام» المستجدّة («الأخبار»، 2663). وسارعَ المُنظّر «الجهادي» المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان، أردني من أصل فلسطيني) إلى استغلال الفصل لتجديد هجومه على قيادة «أحرار الشام». ونقلت مصادر «جهاديّة» عن المقدسي (الذي يُعتبر أحد أبرز مُنظري تنظيم القاعدة، ومن المؤثرين في توجهات جبهة النصرة) تعليقَه على الحادثة من «رؤية شرعيّة بحتة». وتكتسب المهاجمة من زاوية «شرعيّة» أهميّة خاصةً في حالات الخلافات المماثلة بين «الفصائل»، وعادةً ما تكونُ مقدّمة لتسعير المواقف، ومظلّة في كثير من الأحيان لشن المعارك. وجاء هجوم المقدسي أمس على «قيادة الأحرار» حادّاً، وشبيهاً لما صدر عنه إبّان تأييدها التدخل التركي («الأخبار»، 2647). وكان من أبرز ما جاء في تعليق المقدسي الأخير اتّهامه «قادة الأحرار» بأنّهم «يريدون إمّعات... طراطير تنساق لهم بلا تفكير ولا وعي ولا محاولة اجتهاد».

القحطاني «يجرح ويداوي»

وكان لافتاً أنّ تعليق أبو ماريّا القحطاني (شرعي النصرة المُجمّد) على فصل «أحرار الشام» لأبي شعيب المصري قد وافقَ من حيث المؤدّى تعليقَ المقدسي، على الرغم من أن القحطاني يُعتبر محسوباً على تيّار «مهادن». أبو ماريّا انتقد «قادة الحركة» في سلسلة تغريدات عبر صفحته على موقع «تويتر»، مؤكّداً أنّه « ليس لإخواننا في الحركة الحق أن يلزموا هذا الأخ الشرعي (أبو شعيب) بمسألة فقهية يراها». واستغلّ القحطاني الحادثةَ لمهاجمة معظم «الفصائل» في ما يخصّ «الشرعيين»، في ما يبدو أنّه غمزٌ من قناة «جبهة النصرة» أيضاً. وقال القحطاني إنّ «غالب الشرعيين في الجماعات يكون أداة بيد القادة، يشرعن لهم ما يشتهون وما يرون. وأحياناً يستخدم القضاء للتصفيات السياسة». وأضاف: «أصبحت الجماعات كالحكومات الجبرية تستخدم المؤسسة الإعلامية والشرعية بما فيها القضاء بأنها تبع لها وتأتمر بأمرها وهي ظاهرة جبرية». لاحقاً لذلك، حرص القحطاني على نشر سلسلة تغريدات جديدة، امتدح عبرها «ما تقدمه الحركة من جهود في الساحة الشامية».

توضيحٌ «إخواني»

في موازاة ذلك، أصدر «المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا» أمس بياناً توضيحيّاً في شأن ما تداولته وسائل إعلام حول «رغبة الجماعة في التكامل مع «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». ونفى المكتب أن يكون ما نُشرَ في هذا السياق «تصريحاً صادراً عن الجماعة»، مؤكداً أنّ «أصل الكلام حوار أجراه المراقب العام (محمّد وليد) مع صحيفة العهد التابعة للمكتب الإعلامي للجماعة، وقد تم اقتطاع جزء منه بصورة مخلة ونشره على أنه تصريح». وقال المكتب إنّ «حديث المراقب العام (في الحوار) كان عن رؤية للتكامل ما بين السياسي والعسكري، وما بين الجماعة وبقية الفصائل على اختلافها وتنوّعها، ولم يقتصر الحديث على فصيل محدد». وكان الحوار المذكور قد نُشر منتصف الشهر الجاري، وقال فيه وليد إنّ «أحرار الشام فصيل سوري كبير، (...) ونحن نرى أن ما بيننا وبينهم من القواسم المشتركة ما يجعلها أرضاً خصبة لتعاون كبير، وفرصة لخلق التكامل بين السياسي والعسكري. وهذه رؤيتنا مع جميع الفصائل السورية الفاعلة على اختلافها». ومن المعروف أنّ القواسم المشتركة بين الطرفين كثيرة، وأبرزها أن المكوّن «الإخواني الهوى» يلعب دوراً نافذاً داخل «حركة أحرار الشام». كذلك يُعتبر «حزب العدالة والتنميّة» راعياً أساسيّاً للطرفين.

___________________________________________________

«المنطقة الآمنة»: «أحرار الشام» تتهيّأ لارتداء «عباءة أردوغان المعتدلة»؟


يكاد تعبير «المناطق الآمنة» يكون الأكثر وروداً في تصريحات المسؤولين الأتراك على امتداد الحرب السوريّة. مرّات كثيرة تكرّر المشهد ذاته: تكثيف للمساعي التركيّة في هذا السياق، تصاعدٌ يوحي بأنّ التنفيذ بات قاب قوسين، قبلَ أن تشير بوصلة حلفاء أنقرة إلى اتجاه معاكس، ويُعلّق الأمر. في الأيّام الأخيرة عاد الحديث عن إنشاء «منطقة آمنة في الشمال السوري» إلى الواجهة، وبتسارع كبير. ومن دون استبعاد احتمال تكرار السيناريو ذاته، ثمّة مستجدّات عدّة ينبغي أخذُها في عين الاعتبار قد تلعبُ دوراً في الوصول إلى نهاية مختلفة.

مستجدّات تبدو مرتبطةً بالشأن الداخلي التركي بقدر ما هي مرتبطةٌ بتطورات المشهد في الشمال السوري. فمنذ الانتكاسة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، كان واضحاً أنّ الملف السوري هو أبرز الملفات التي سيسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلالها إلى «إعادة الأمور إلى نصابها» وفقاً لمنظور حزبه. سواء قادت المجريات إلى انتخابات مُبكرة، أو نجحت المناورات في جذب شركاء معارضين إلى حكومة تركيّة ائتلافيّة. في هذا التوقيت اللافت جاء الدخول التركي على خط المشهد العسكري عبر بوابة «محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلاميّة». وبات من المسلّم به أن محاربة «داعش» تبدو تفصيلاً جزئيّاً في سلّة الأهداف التركيّة المتوخّاة في المرحلة الراهنة، والتي يحضر فيها الهاجس الكردي بقوّة. وبالنظر إلى جغرافيّة المنطقة التي يدور الحديث عنها، يتضح ببساطة أنّها فُصّلت على مقاس هذا الهاجس. فقيام «المنطقة الآمنة» المنشودة سيكون كفيلاً بمنع اتصال مناطق النفوذ الكردي على طول الخط الحدودي (تفصل بين عفرين غرباً وعين العرب والحسكة شرقاً). كذلك، فإن من شأن المنطقة المذكورة أن تحول بين مناطق سيطرة «داعش» في ريف حلب (الباب تحديداً) وبين الشريط الحدودي. التناقضات بين تصريحات المسؤولين الأتراك وتصريحات حلفائهم في شأن «المنطقة الآمنة» ما زالت قائمة. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن صحيفة «نيويورك تايمز» كانت قد نقلت يوم الاثنين عن «أربعة مسؤولين كبار اطلعوا على المحادثات (الأميركية ــ التركية)» أن «الكثير من التفاصيل لم يتم تحديدها، بما في ذلك عمق الشريط داخل الأراضي السورية». الصحيفة نقلت أيضاً عن «مسؤول كبير في إدارة أوباما» قوله إنّ «هناك تفاصيل لا يزال يتعين العمل عليها، ولكن ما نتحدث عنه مع تركيا هو التعاون لدعم شركاء على الأرض في شمال سوريا لمواجهة داعش»، مشيرة إلى استخدام المسؤول تعبير «إقامة منطقة خالية من داعش، وضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار على طول الحدود التركية مع سوريا».

من هم الشركاء المحتملون؟

في انتظار جلاء حقيقة الموقف الأميركي، واتضاح مدى إمكان «إنشاء المنطقة»، فإن السؤال الأبرز هو: من هم الشركاء المحتملون؟ إذ ستقع على عاتق هؤلاء مهمة الانتشار وبسط النفوذ في «المنطقة الآمنة»، وتالياً «ضبط أمنها والدفاع عنها». وهو ما أشار إليه بوضوح رئيس الحكومة التركيّة أحمد داوود أوغلو، الذي قال «قواتنا البرية في سوريا هي الفصائل التي نتعاون معها». ويبدو بديهيّاً أن إدراج أبرز المجموعات المؤثرة في الميدان (وهي المجموعات الجهاديّة) في قائمة الاحتمالات هو أمرٌ مستحيل. وعلى الرغم من أن الأتراك دعموا (وما زالوا) كلّ تلك المجموعات (بما في ذلك داعش الذي تبدلت العلاقة معه أخيراً فقط)، غيرَ أنّ الأمر مختلفٌ في حالة «المنطقة الآمنة». ويمكن الجزم بأن الأتراك سيعمدون إلى دعم «الجهاديين» خارج «المنطقة» لضمان أهداف عدّة، مثل إلهاء تلك المجموعات، والسعي إلى إخراج مزيد من المناطق عن سيطرة الدولة السورية، وبطبيعة الحال مواصلة إنهاك الجيش السوري. أمّا داخل «المنطقة» فثمّة مجموعات مرشّحة عملت في الفترة الأخيرة على تصوير نفسها بعيدة عن قائمة «الجهاديين»، وعلى رأسها تأتي «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». مصدرٌ من داخل «الحركة» يجزم بأنّ «للأحرار دوراً رئيسيّاً في المنطقة الآمنة». ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «هذه ليست توقعات، ثمّة اتصالات كثيرة ومستمرّة بين قادة الحركة، والأصدقاء والداعمين، ومناقشة لدور الحركة في كل التفاصيل». وبعيداً عن «تفاؤل الأحرار المُفرط»، فإن دعم هذه المجموعة يبدو رهناً بالقبول الأميركي، وهو أمرٌ مُستبعد التحقق بالنظر إلى الشراكة المستمرّة بينها وبين «النصرة»، وباقي مكوّنات «جيش الفتح». وتبرز «الفصائل التركمانيّة» متسلحةً بدعم تركي مُطلق، وبكونها حافظت على نفسها بعيدة من «الشائبة الجهاديّة». ويبدو لافتاً في هذا السياق أنّ هذه الفصائل لم تخض معارك حقيقيّة منذ فترة طويلة، وبصورة توحي بأنّ ضابط إيقاعها التركي يرغب في احتفاظها بقوّتها للوقت المناسب. كذلك فإنّ عدم خوضها المعارك قد جنّبها الدخول في تحالفات تغلب عليها الصبغة «الجهاديّة». أبرز هذه المجموعات «كتيبة السلطان محمد الفاتح»، و«كتيبة السلطان مراد»، و«كتيبة السلاجقة»، و«كتيبة أحفاد الفاتحين». ومن التفاصيل اللافتة في هذا السياق يبرز تصريحٌ لـ«رئيس المجلس التركماني السوري» عبد الرحمن مصطفى، قبل أيّام، إذ نقلت عنه وكالة «الأناضول» التركيّة قوله إن «المجموعات التركمانية المقاتلة في سوريا اتخذت قراراً بتقديم دعم أكبر بعضها لبعض، والعمل على إنشاء جيش تركماني في حال سمحت الظروف بذلك». ولا يعني ذلك أنّ الاعتماد على «التركمان» دون سواهم هو أمر سهل، إذ سيكون الأمر كفيلاً بإثارة تحفّظات «عرقيّة» لدى بعض المجموعات، فضلاً عن أنّ «المنطقة الآمنة» في هذه الحالة ستبدو أشبه بـ«كانتون تحرسه الجندرمة التركيّة». وهو أمرٌ يصفه مصدرٌ من «كتائب أبو عمارة» بأنّه «غير وارد، ولا مقبول». ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «الفصائل التركمانية إخوة لنا، والتفاهم بيننا وبينهم أمرٌ قائم. هناك مجموعات من بينهم يشاركوننا في غرفة عمليات فتح حلب. ونحن ومعظم فصائل الغرفة مستعدون لمشاركتهم في حفظ أمن المنطقة العازلة (الآمنة)».

_______

«الأخبار»

الأربعاء، 22 يوليو 2015

حرب سوريا تعصف بالإسلاميين: الإخوان والسلفيون وإفرازات النزاع عن القيادة والريادة...دولة البغدادي تؤزم أحرار الشام وجبهة النصرة والقاعدة

    يوليو 22, 2015   No comments
حرب سوريا تعصف بالإسلاميين: الإخوان والسلفيون وإفرازات النزاع عن القيادة والريادة...دولة البغدادي تؤزم أحرار الشام وجبهة النصرة والقاعدة

 ____________________

جنود سوريون أعدمهم المسلحون في 2012
"أحرار الشام" و"جبهة النصرة" ... التكفير وجها لوجه   

أحمد فرحات


 ليس من الصعوبة إثبات الرابط القوي بين "حركة احرار الشام" و"تنظيم القاعدة" العالمي، على المستوى الفكري أو العملاني، وان حاول قادتها إخفاء هذا الأمر في التصريحات العلنية، والإطلالات الإعلامية. غير أن سيرة حياة مؤسسيها وقادتها، تشير إلى أن معظمهم خرجوا من سوريا إلى أفغانستان والعراق، وقاتلوا إلى جانب تنظيم القاعدة وأبو مصعب الزرقاوي، وعادوا إلى سوريا، ليطبقوا المشروع الذي خرجوا على أساسه، وهو إقامة ما يزعمون انه "الدولة الإسلامية"، أو كما يحب شرعيوها أن يسموها "الحكومة الراشدة".


اختلفت التسميات والهدف واحد، تحقيق ما عجز عنه تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن والصومال، بتأسيس "دولة" بحسب مفهومهم، وإن شابه بعض التعديل نتيجة تبدل الظروف.

من هي أحرار الشام؟

سبقت هذه الحركة ما سمي ب "الجيش الحر" في حمل السلاح ضد الدولة في سوريا، حيث أعلن عن تأسيسها في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2011، وقبل هذا التاريخ، وبالتحديد في منتصف العام نفسه، عملت في السر، أي مباشرة بعد خروج أحد مؤسسيها من السجن وهو أبو خالد السوري، والذي اغتيل بحي الهلك في حلب.

خاض مسلحو الحركة معارك عديدة مع الجيش السوري، ارتكبوا العديد من المجارز بحق أبناء الشعب. وعند دخولهم إلى حي النيرب في حلب، ارتكبوا المجزرة الشهيرة بحق آل بري، عبر إطلاق الرصاص عليهم، حيث كانت تنشط وقتها تحت إسم "كتائب أحرار الشام"، وذلك أواخر الشهر السابع من عام 2012.

وفي حلب أيضاً، أقدمت أحرار الشام على هدم ضريح الشيخ الصوفي أحمد موصللي في باب الحديد، بذريعة أن "هذه القبور شرك"، وهذه بالمناسبة نفس الذريعة التي يستخدمها "داعش" لهدم القبور والمقامات والآثار التاريخية.

وفي سجل هذه الحركة، دخولها إلى مدينة الرقة شرق سوريا، قبل أن تنسحب منها اثر معارك مع داعش، رغم أن الطرفين تعاونا في المدينة، قبل اندلاع المواجهات بين داعش والنصرة، بحسب ما تشير العديد من المعطيات الميدانية، وعمليات الصلب بحق المواطنين السوريين.

لعبت حركة أحرار الشام في بدايات تأسيسها دوراً بارزاً في اجتذاب المقاتلين الأجانب وتأطيرهم، خصوصاً بعد الدعوات التي أطلقت من خارج سوريا إلى ما يسمونه "الجهاد" في الشام، وتحدثت تقارير عديدة عن علاقة تربط الحركة بالليبي الايرلندي مهدي الحاراتي، الذي أسس لواء الأمة في سوريا، قبل أن يغادرها، ويصبح رئيساً لبلدية العاصمة الليبية طرابلس.

رغم إصرار الحركة على تقديم نفسها على أنها "سورية"، فإنها تضم المئات وربما الآلاف من الأجانب أو "المهاجرين"، الذين تقلدوا مناصب قيادية فيها، ومنهم، ابو سعد المصري، ابو محمد المصري، ابو مصعب التونسي، ابو عبد الله النجدي، ابو انس المصري، ابو الحسن التبوكي، وهم الموقعون حديثاً على بيان حمل عنوان "بيان مهاجري الشام بخصوص جماعة البغدادي". كما أن ساحات المواجهة مع الجيش السوري تشهد يومياً مقتل مسلحين أجانب منها. ولكن الحركة لم تجعل من نفسها مركزاً لإستقطاب الأجانب، لتجنب التبعات السياسية والإعلامية لذلك.

علاقة أحرار الشام بجبهة النصرة

ارتباط "أحرار الشام" بتنظيم القاعدة، لا يجعل منها حركة تابعة، حيث سعى قادتها إلى التمايز عن سلفية القاعدة، من دون أن يحيدوا عن "المنهج"، فيما تشير أنباء إلى أن "مشروع أحرار الشام" تبلور أثناء وجود زعيمها السابق حسان عبود في سجن صيدنايا، برفقة أبو خالد السوري والعديد من الشخصيات، وذلك خلال السنوات التي تلت اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وفي خطتهم الاستفادة من الضغط الدولي على الحكومة السورية آنذاك.



على المستوى النظري، تستلهم حركة أحرار الشام مبادءها من 3 شخصيات أساسية:

1_ الفلسطيني عبد الله عزام، أحد مؤسسي تنظيم القاعدة الذي اغتيل عام 1989.

2_ السوري أبو مصعب السوري المعتقل حالياً، بحسب ما أشار أيمن الظواهري في احدى تسجيلاته الصوتية.

3_ السوري عبد المنعم مصطفى حليمة "ابو بصير الطرطوسي" المتواجد في تركيا.

رغم أن الأخير يعتبر من أشد منتقدي جبهة النصرة (حتى أنه أفتى بحرمة الإنتماء إليها)، ويختلف مع منظري تنظيم القاعدة الأساسيين امثال أبو قتادة الفلسطيني، فإن حركة أحرار الشام وجبهة النصرة في العديد من المفاهيم، لا يفرقهما سوى الإرتباط الرسمي للثانية بتنظيم القاعدة العالمي.

هذا الإرتباط الذي بات عبئاً على زعيم النصرة أبو محمد الجولاني، فقيد حركته، وجعل جماعته مطلوبة دولياً بتهمة الإرهاب، فحرمه هذا الأمر من ضم الجماعات المسلحة في سوريا تحت ردائها.

غير أن الجولاني وبسبب ضعف خبرته التنظيمية، وخلفيته الفكرية التي تكفر العمل السياسي والديمقراطية، فشل في تقديم جبهته على أنها مقبولة في اطلالتيه الأخيرتين على قناة الجزيرة القطرية، رغم إعطائه الأمان للولايات المتحدة وللعدو الإسرائيلي، بإعلانه الصريح أنه لا ينوي استهداف الغرب، ذلك لأن وصمة إرتباطه بالقاعدة، تمنع الإدارة الأميركية من التعاون مع جماعته بشكل علني، في محاربة داعش، وإسقاط الدولة السورية.

احرار الشام ليست كذلك، فلا إرتباط علنياً لها بتنظيم القاعدة، ومن تردد أنه بايع الظواهري (مؤسس الحركة حسان عبود)، قتل في انفجار غامض في بلدة رام حمدان بريف ادلب العام الماضي.

وبعد ذلك توجهت الحركة سريعاً إلى الغرب، مستغلة مساعي واشنطن في إيجاد حليف لها في سوريا، كقوات برية تعتمد عليها لمحاربة داعش والجيش السوري، وراحت تقدم أوراق اعتمادها إلى دوائر صنع القرار في واشنطن ولندن، عبر مقالتين الأولى في "واشنطن بوست" الأميركية والثانية في "ديلي تلغراف" البريطانية، حملتا توقيع المدعو لبيب النحاس، وهو شخص غير معروف، عرف عن نفسه على أنه مدير العلاقات الخارجية السياسية للحركة.

ودعا النحاس في مقالته في الصحيفة البريطانية لندن إلى زيادة مشاركتها بالتحالف الدولي في ضرب داعش. امر فسر على ان احرار الشام تريد التفرد في قرارات الجماعات المسلحة، كما أن عبارات التودد للغرب، رأت فيها العديد من قيادات الجماعات على أنها أقرب إلى الخيانة.

الخلاف بين الحركة والتنظيم

وردا على مقال النحاس الأخير، هاجم العديد من مؤيدي القاعدة ومنظريها في سوريا وخارجها حركة أحرار الشام.

ومن أبرز الأصوات المنتقدة، احد المرجعيات الكبيرة لتنظيم القاعدة وهو أبو قتادة الفلسطيني، الذي اعتبر أن أحرار الشام هي في وسط طريق الإنحراف، وستحتاج الكثير للعودة إلى الصواب، وقال إنها "مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله مقابل قبول اوراق الاعتماد"، وإنها "مستعدة لمعاداتنا من أجل ارضاء الغرب".

أحد أمراء جبهة النصرة في ريف ادلب المدعو أبو سعد السوري، دعا حركة أحرار الشام للعودة إلى الضابط الذي تأسست عليه الحركة، ويقصد بذلك الولاء للسلفية الجهادية، و"إلا فإنها ستخسر النخب، ولا يبقى في صفوفها إلا فضلات جمال معروف"، بحسب ما غرد على حسابه على موقع تويتر.

موقف الفلسطيني استدعى رداً من مسؤولي الحركة، ومؤيديها على صفحات التواصل الإجتماعي، واعتبر البعض أن "الساحة ليست محلا لإعادة التجارب السابقة الفاشلة التي جرت على أمة ويلاتها"، في إشارة إلى إتهام الفلسطيني بعلاقته بأحداث الجزائر، والقتال الذي دار هناك بين الجماعات المسلحة المحسوبة على "التيار الجهادي".

رسمياً كان لأحرار الشام رد عنيف، حيث اتهم عضو مجلس شورى الحركة "أبو عزام الأنصاري"، أبو قتادة بالكذب، وبأنه كان على علاقة بالمخابرات الجزائرية ابان وجوده في بريطانيا.

تفجر الخلافات بين أبرز ركني ما يسمى "غرفة عمليات جيش الفتح" على هذا النحو، استدعى تدخلاً من المسؤول الشرعي للحركة المدعو أبو العباس الشامي، فحاول الرجل جمع التناقضات، حيث اعتبر أن مفهوم العمل السياسي أشمل من "المشاركة البرلمانية في ظل أنظمة جاهلية ﻻ تعترف بحاكمية الله تعالى للمجتمع".

ويكون بذلك قد جدد التزام الحركة بمبدأ الحاكمية وتكفير المجتمعات التي سوّق لها سيد قطب، (باعتبار أن أي مجتمع لا يحتكم إلى الشريعة هو كافر)، مؤكداً ارتباط الحركة بالفكر التكفيري، لتجنب الصدام مع تنظيم القاعدة، خصوصاً أن تداعيات حرب داعش والنصرة، لا تزال ماثلة أمام "الجهاديين". لكنه بالمقابل أعطى ما أسماه العمل السياسي الذي تقوم به حركته، مفهوماً أوسع بكثير من الذي حرمه السيد قطب.

ويبدو أن الساحة السورية أمام مشهد جديد، وصراع جديد بين "إخوة المنهج"، شبيه بذاك الذي دار بين داعش والنصرة وبالتالي تفجر تجربة "جيش الفتح"، فهل سيتم إحتواء الأزمة، أم أن التنافس على السلطة سيولد حربا جديدة بينهما.

الجواب على هذا السؤال رهن بالأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن أبرز المستفيدين من هذا الصراع إن حصل، هو ما يطلق على نفسه "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، الطامح إلى لعب دور أكبر على "الساحة"، ولا يكون ذلك إلا بإنهاك منافسيه لا سيما أنه علاقته مع جبهة النصرة ليست على ما يرام، وخلافه مع أحرار الشام بات معروفا، بعد خروجه مؤخراً من مظلة ما يسمونه "الجبهة الإسلامية".

____________________

في نفس السياق, نشر موقع إخوان سوريا مقالا حول أتهام أحرار الشام بالإنحراف, ودفاعا عنهم, كتب مجاهد مأمون ديرانية:

كُفّوا عن أحرار الشام


قبل ثلاثة أيام نشرت جريدة "واشنطون بوست" الأمريكية مقالة كتبها لبيب النحاس، مدير مكتب العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام الإسلامية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وخاض في الأمر من يعلم بعلم ومن لا يعلم بغير علم، وذهبت التوقعات والتخرصات ذات اليمين وذات الشمال.

نُطمئن المحبّين والمشفقين، ونؤكد للطاعنين والمرجفين: إن حركة أحرار الشام لم تُبدّل ولم تغير، وإنها ما تزال ماضية على الطريق الصحيح إن شاء الله. ليس الطريق الذي يرضاه أعداء سوريا وخصومُها، ولا الطريق الذي يحبه الذين اتخذوا من آلام السوريين وتضحياتهم مِرقاةً يرتقون عليها إلى مشروعهم الخاص، بل الطريق الذي اختاره وارتضاه أحرار سوريا لأنفسهم ولبلدهم، الطريق إلى دولة مسلمة قوية مستقلة ومجتمع مسلم حر كريم.

* * *

في الخامس من أيلول الماضي نشر قيادي الحركة، أبو يزن الشامي رحمه الله، نشر رسالته التاريخية الشهيرة التي قال فيها: "نحن أحرص على الساحة الشامية لأنها بلدنا وثورتنا وفيها استُشهد أعزّ إخواننا من كل الفصائل. نعم أنا كنت سلفياً جهادياً وحُبست على هذه التهمة في سجون النظام، واليوم أستغفرُ الله وأتوب إليه وأعتذر لشعبنا أننا أدخلناكم في معارك دونكشوتية كنتم في غنى عنها. أعتذر أننا تمايزنا عنكم يوماً، لأني عندما خرجت من السجن الفكري الذي كنت فيه واختلطت بكم وبقلوبكم قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- عندما قال: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم". أعتذرُ منكم، أعتذر، وإن شاء الله قابل الأيام خيرٌ من ماضيها لثورتنا ولإسلامنا".

لم يكن هذا هو موقف أبي يزن وحده، بل كان هو الرأي الجامع الذي اتفق عليه قادة الحركة الكبار، الذين قرروا قراراً لا رجعة فيه: "أن تلتحم الحركة بالشعب السوري، وأن يكون جهادُها جهادَ أمة لا جهاد نخبة". بعد أربعة أيام من نشر تلك الكلمة التاريخية استُشهد أبو يزن واستُشهد القادة جميعاً، رحمهم الله. مَضَوا إلى رحمة الله، ولكن الفكرة بقيت، لأن الأفكار لا تموت، وما لبث القادة الجدد -وفقهم وحماهم الله- أن استلموا الراية وأكملوا الطريق.

* * *

لم يبدل الإخوة ولم يغيروا. كانت حركة أحرار الشام ملكاً للسوريين جميعاً وبقيت كذلك. كان عامةُ الناس هم همَّها ورفعُ المعاناة وكشف المحنة عنهم هو هدفَ الحركة، وما يزال.

ما هو التنازل الخطير الذي قدمته حركة أحرار الشام كما يزعم المرجفون؟ لقد أكدت الحركة -في هذه المقالة الأخيرة- جديتها في قتال النظام وفي قتال داعش، فمَن يجادل في وجوب قتال الاثنين؟ لا يجادل في قتال داعش وقتال النظام إلا أحمق بلا عقل أو خائن بلا دين. أمّا أمريكا فقد علمنا ما انطوت عليه من كذب وغدر ومكر بسوريا وأهلها وثورتها، فنحن نَحْذر منها حَذَرَ العاقل من عدوه (هم العدو فاحذرهم) ولكنّا لم تبلغ بنا الحماقة أن نستعدَيها على الشعب السوري لتأتيه بالجحافل والأساطيل، فإنّ ما اجتمع على سوريا من الأعداء يكفي قارة بأكملها ويزيد، فلا حاجةَ بنا إلى استعداء المزيد.

فهل ينقم الناقمون على حركة أحرار الشام أنها تسعى بكل سبيل لتخفيف المحنة على أهل سوريا وتقصير طريق الآلام؟

* * *

كُفّوا عن أحرار الشام. ما يسوؤكم في قوم اختاروا أن يكونوا في خندق واحد هم وعامة الناس؛ قوم حملوا هَمّ الناس وشعروا بمعاناة الناس وأبَوا أن يكونوا وَقوداً لمشروعات الغرباء؟ لئن سخط على الحركة بعضُ الساخطين فيكفيها أن تنافح عنها مئات الأقلام وأن ترتفع ملايين الأكفّ لها بالدعاء.

في يوم من الأيام قدّم رجل من المسلمين اسمُه عبد الله بن حذافة تنازلاً هائلاً بميزان الناقدين الناقمين على الحركة اليوم: قبّلَ رأس كبير الروم! لو أدركوه لقالوا: انظروا كيف فرّط هذا المسلم وتنازل وهانت عليه نفسُه بعدما رفعه الإسلام، حتى رضي أن يقبّل رأس علج من العلوج؟!

لحسن حظه أنه عاش في زمان العمالقة لا في زمان الأقزام، الذين فهموا الدين على حقيقته لا الذين فهموه بالمقلوب، الذين يعلمون أن دم امرئ مسلم أغلى من الدنيا وما فيها، فقال حكيم الإسلام وأعظم فقهاء الأمة وخليفةُ خليفةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: حقٌ على كل مسلمٍ أن يقبِّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أول من يصنع ذلك"... هذا وهو قد استنقذَ من الأسر بضعة أنفس، عشراتٍ فحسب، فكيف بمن يسعى لاستنقاذ ملايين؟ لو كان الأمر إليّ لقلت: حق على كل سوري أن يقبل رأس لبيب، وأنا أول الفاعلين.

_____

مقال مجاهد مأمون ديرانية منقول عن موقع إخوان سوريا: 


http://ikhwanSyria.com/?TkRZek16TT0rdQ==

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.