‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأصوليّة السلفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأصوليّة السلفية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 12 يونيو 2017

«داعش»... غدر الذاكرة فشل التجربة وعقم الأيديولوجيا

    يونيو 12, 2017   No comments
فؤاد إبراهيم

لم يقدَّر لأحد من الأحياء أن يعيش تجربة التأسيس الأولى للدولة السعودية الوهابية. ولم يقرأ أكثر سكان العالم عنها، ولكن بالتأكيد هناك كثيرون في أرجاء العالم شاهدوا اقترافات مقاتلي «داعش» في سوريا والعراق ومصر وليبيا والجزيرة العربية وعدد من العواصم الأوروبية. الإعدامات الجماعية، ونحر الرقاب، وقطع الرؤوس، وحرق الأجساد، وجلد الظهور، وقطع الأطراف، وسرقة الممتلكات كغنائم، وفرض الإتاوات، وهدم الأضرحة والقبور والدور، وتحطيم التماثيل والرموز... هذه كلها مشاهد في تجربة التنظيم غير الحكومي الأشد خطورة على السلام العالمي.

يفعل ذلك كله بغطاء شرعي وديني، ويحتمي بسجل من الفتاوى والنصوص الدينية، والسوابق التاريخية التي تبرّر إنزال الرعب وإشاعة الهلع في قلوب من يصنّفهم بالكافرين.
لكن «داعش» ليس نبتة طارئة، بل كما يقول عنها الشيخ السلفي وإمام الحرم الأسبق عادل الكلباني «نبتة سلفية. هي حقيقة يجب أن نواجهها بكل شفافية». وفي ضوء التجربة الوهابية الأولى، يصبح «داعش» امتدادها التاريخي والأيديولوجي.

البغدادي... الرؤية الوهابية

في اليوم الثاني من رمضان لسنة 1435هـ الموافق للأول من يوليو/ تموز لسنة 2014، الموافق لليوم الثاني من إعلانه أميراً للمؤمنين على «الدولة الإسلامية» التي تضم أجزاءً من سوريا والعراق، وجّه أبو بكر البغدادي (إبراهيم بن عواد البدري) «رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية» تناول فيها طائفة من المسائل في مقدمتها الجهاد، وطالب بالإبقاء على السلاح مشهوراً: «السلاح السلاح يا جنود الدولة! والنزال النزال! إياكم أن تغترّوا أو تفتروا، واحذروا!». تحدث عن مشروعه الكوني، وقدّم نفسه ودولته باعتبارهما أمل الأمة الإسلامية عامة وفق رؤية كونية تقوم على أساس تقسيم العالم إلى دارين: دار إيمان ودار كفر، بحسب التصوّر الوهابي. خطاب يصدر عن منابذة الآخر، طائفة وفكراً، فرفض مفاهيم «الحضارة والسلام، والتعايش، والحرية، والديمقراطية، والعَلمانية، والبعثية، والقومية، والوطنية». كذلك انتقد «تحكيم القوانين الوضعية الشركية» حسب وصفه، التي تهدف إلى «انسلاخ المسلم عن دينه والكفر بالله» حسب تصوّره العقدي.

يخلص البغدادي بعد الفراغ من عملية تصنيف واسعة النطاق للطوائف والمعتقدات والمفاهيم، إلى أنّ البديل الالزامي هو «دولة الخلافة» التي تضم أطيافاً متنوعة من جنسيات مختلفة «القوقازي والهندي والصيني، والشامي والعراقي واليمني والمصري والمغربي، والأميركي والفرنسي والألماني والأسترالي...»، وهم مقاتلو «داعش» الذين تحوّلوا إلى مواطنين في دولة الخلافة.
هذا العبور للدولة والوطن وحتى الاتحاد القاري، يصدر عن رؤية كلاسيكية نمطية لمفهوم الأمة، الكيان المعياري على أساس عقدي، لا جغرافي، حيث تصبح حدود الأمة مفتوحة ومتمدّدة بحسب حركة انتشار العقيدة. وهذا على وجه الدقّة التجسيد العملاني لقسمة العالم إلى دار إسلام ودار كفر، على طريقة ابن عبد الوهاب في تصنيف الدرعية دار إيمان وما سواها دار كفر.
بعد قيام دولة الخلافة وعاصمتها الموصل، دعا البغدادي المسلمين إلى الهجرة إليها، بما يبطن موقفاً عقدياً من الدول القائمة قاطبة بكونها كافرة. هي رؤية كونية مدغومة في استراتيجية التغيير التي وردت في وصية البغدادي لجنود دولته، وبشّرهم في ختامها: «هذه وصيتي لكم؛ إن التزمتموها: لَتفتحُنّ روما، ولَتملكنّ الأرض».

مأزق النظرية السياسية السلفية

خطبة أبو بكر البغدادي في المسجد الكبير في الموصل أعادت مأزق التنظير السلفي لقبول مبدأ ولاية المتغلب بالشوكة، من خلال دعوته المسلمين عامة لمبايعته وطاعته لمجرد تغلب «داعش» وإقامته للخلافة.
في الوهلة الأولى، قد تبدو خطابات البغدادي وكأنها خلاصة تأملات عميقة في النص الديني، والواقع التاريخي والمعاصر للمسلمين، ولكن ما لبث أن تكشّف تطابق النص والرؤية والموقف مع ما كان لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب والمتحدّرين من خطه الفكري.
يتعمّد البغدادي تكثيف حضور الآية القرآنية، وإن كان يستخدمها في غير محلها أحياناً كالهجرة إلى دولته التي أراد استغلال فقرة «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها...» كدليل على وجوب الهجرة إلى دولته، ما يدلّ على أن معرفة الرجل بتفسير الآيات القرآنية تخضع لعملية أدلجة فارطة، أو ما يسبغ عليه داريوش شايغان سمة «أدلجة المأثور».
يضاف إلى ذلك، تعمّد استخدام عبارة «اتقوا الله» في غير مكان يبدو متكلّفاً مقتفياً سيرة مشايخ الوهابيين في تدجيج الخطاب بالمفردة الدينية، وتلك التي تتضمن عنصر الترويع والتشويق.
أسهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رمي خصومه بضروب التهم مثل السفاهة، والابتداع. بل نجده يمنّ على أهالي الدرعية بالإسلام والهداية على يده: «فالرجل الذي هداكم الله به ـ في إشارة إلى نفسه ـ لهذا إن كنتم صادقين لو يكون أحب إليكم من أموالكم لم يكن كثيراً»، ومثل ذلك رسالته إلى أهل الرياض ومنفوحة: «فاتقوا الله عباد الله ولا تكبروا على ربكم ولا نبيكم، وأحمدوه سبحانه الذي منّ عليكم ويسّر لكم من يعرفّكم بدين نبيكم».
وكان من تلامذة الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، قاضي بلدة الحلوة، في إقليم نجد، الشيخ حمد بن عتيق (1227 - 1301هـ). وهذا الشيخ العتيق، له رسالة في جواب لمن ناظره في حكم أهل مكة وما يقال في البلد نفسه جاء ما نصه من قوله: «جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر أم بلد إسلام...»، وخلص إلى «أن هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، ولا سيما إذا كانوا معادين أهل التوحيد، وساعين في إزالة دينهم، وفي تخريب بلاد الإسلام». وزاد على ذلك بالقول: «بل الظاهر عندنا وعند غيرنا أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان» (انظر: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، فتاوى ورسائل لعلماء نجد الأعلام، مطبعة المنار في مصر، الطبعة الأولى سنة 1928، الجزء الأول، ص 742 – 745).
وكان نموذج الرسائل التي يبعثها أمراء آل سعود منذ الدولة السعودية الأولى يحمل دلالات أيديولوجية واضحة، فالسيف الذي يشهره الأمير يستظلُّ بحزمة مزاعم دينية. وكان نموذج تلك الرسائل ما نصه: «من عبد العزيز إلى قبيلة (..) سلام. واجبكم يدعوكم إلى الإيمان بالكتاب الذي أرسل لكم. لا تكونوا وثنيين كالأتراك الذين يشركون بالله. إذا آمنتم نجوتم، وإلا فسنقاتلكم حتى الموت». وفي رسالة الأمير سعود إلى سكان المدينة المنورة يقول فيها: «إني أبتغي أن تكونوا مسلمين حقيقيين، آمنوا بالله تسلموا وإلا فإني سأقاتلكم حتى الموت» (لويس دوكورانسي، الوهابيون... تاريخ ما أهمله التاريخ، ص ص 62،92).

التكفير محصلة الهجرة والجهاد

ولفهم خطاب «داعش البغدادي»، يتموضع مفهوما الهجرة والجهاد في صميم الأيديولوجية الداعشية، وهما مفهومان دينيان وتاريخيان. فالهجرة تصدق فحسب على هجرة مسلمين من دار شرك وكفر إلى دار توحيد وإيمان، وبالتالي فإن فحوى دعوة البغدادي بوجوب الهجرة إلى دولته إنما تبطن موقفاً عقدياً وحكماً بكفر كل من هم خارج دولته الإسلامية، أو من يرفض الالتحاق بها طوعاً أو كرهاً. وبالعودة إلى أدبيات «داعش» التي تتقاطع فيها مع «القاعدة» يظهر بوضوح الموقف من الدول القائمة في العالم الاسلامي.
لفهم أعمق للعلاقة بين التكفير والهجرة والجهاد، يربط عبد المنعم مصطفى حليمة في كتابه «الهجرة... مسائل وأحكام» المنشور في 9 ديسمبر 2001، بين الهجرة والجهاد، وهما خطّان متوازيان «فمن أراد أن يُحيي فريضة الجهاد لا بد له أولاً من أن يُحيي في نفسه فريضة الهجرة والتمايز إلى الله ورسوله». والهجرة لا تكون إلا من بلاد شرك إلى بلاد إيمان، وهذا يعني أن المهاجر حسم موقفه العقدي من المجتمع الذي هاجر منه، إن كان مجتمعاً مسلماً أو كافراً، وإلا ما هاجر منه. ولذلك فإن الكاتب يضع استثناءً مقصوداً «وهذا لا يعني ضرورة انعدام الاحتكاك أو الاتصال بالتجمعات الجاهلية المعاصرة المحيطة بالدعوة بقدر ما تقتضيه الضرورة والمصلحة أو السياسة الشرعية...». وإن كان يشدد على العزلة الشعورية والهجرة الباطنة «عن كل ما يمت للجاهلية من صلة».
فالهجرة شرعاً بحسب تعريفه هي «الخروج في سبيل الله من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن دارٍ شديد الفتنة إلى دارٍ أقل منه فتنة». والهجرة نوعان: مكانية مرتبطة بالخروج والانتقال من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، وهذا ما دعا إليه أبو بكر البغدادي في خطاب التتويج بإمرة المؤمنين! وهجرة الذنوب والمعاصي والآثام. والهجرة المكانية واجبة، لأن الله نهى عن «الإقامة بين أظهر المشركين».
وسوف يظهر كم مثّلت تجربة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تجسيد مشروع الخلافة الإسلامية في منتصف القرن الثامن عشر النموذج المعياري الذي تحوّل إلى مصدر إلهام لكل التنظيمات السلفية التي ظهرت في طول التجارب السعودية الثلاث، وكذلك التنظيمات الجهادية التي تعتنق الوهابية طريقة ونهجاً.
فكان انتقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قرية العيينة إلى قرية الدرعية وسط نجد في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي تجسيداً لمفهوم الهجرة وإيذاناً بإقامة «دار هجرة وإسلام» تكون مقدّمة تمهيدية لإقامة الخلافة الإسلامية. ويشرح الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، حفيد ابن عبد الوهاب، هذا المفهوم على النحو الآتي: «ما يجب معرفته أنه حيثما ساد الظلم والعصيان، فإن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالهجرة من أجل حفظ هذا الدين وصون أرواح المؤمنين ضد الشرور. فلا تخالط أهل الضلال والعصيان، حيث يتم تمييز أهل العدل والإيمان من طائفة الفساد والعدوان، وحينئذ ترتفع راية الإسلام. فبدون هجرة لا تقوم لهذا الدين من قائمة ولا يعبد الله، ومن المستحيل بدون هجرة أن يجحد بالشرك والظلم والشر».
في النتائج، إن عديداً من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب هاجر إلى الدار الجديدة والانضمام إلى المجتمع الناشئ من المؤمنين، فتمّ تنظيم وتالياً تجريد الحملات العسكرية ضد المناطق المجاورة المنضوية تحت تصنيف دار الحرب.
في سنة 1216هـ. غزا عبد العزيز بن سعود العراق، وأناخ على كربلاء فقتل أكثر أهلها، ونهب البلد، ويعلّق البصري بما نصّه: «حتى يقال إنه ما غنم ابن سعود في مدة ملكه بعد خزائن المدينة المنورة أكثر من غنائم كربلاء من الجواهر والحلي والنقد، ثم قفل إلى نجد متبجّحاً بما فعله من سفك دماء...» (انظر: الشيخ عثمان بن محمد بن أحمد بن سند البصري، مطالع السعود بأخبار الوالي داود، اختصار أمين الحلواني، نسخة مقتطعة من كتابة خزانة التواريخ النجدية، جمع وترتيب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، ص 283 – 283).
وفي سنة 1223 هـ. أمر السلطان العثماني محمود، والي مصر محمد علي باشا، أن يجهّز جيشاً لإزالة الوهابية بقيادة الأمير فيصل بن سعود بعدما استولى على الحرمين، ونهب جميع ما في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر، ومنعه حجّاج مصر والشام من أداء الفريضة باعتبارهم مشركين فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا (البصري، المصدر السابق، ص 295 – 296).

«إخوان من طاع الله» و«داعش»

وقائع التجربة التأسيسية لمشروع الدولة الدينية الوهابية مقاربة بتجربة «داعش» في المناطق الخاضعة تحت سيطرته من قتل جماعي، ومصادرة للممتلكات، وهدم للآثار، وتحطيم للقبور والرموز والأضرحة والقباب والتماثيل وغيرها، تظهر في النتائج أننا أمام تجربة إحيائية جديدة حاولت تجسيد ما عجرت تجارب تصحيح مسار الدولة السعودية التي يعتقد كثيرون من أتباعها بانحرافه عن تعاليم الوهابية المؤسّسة، وأخفقت في حفظ نقاوة المشروع الوهابي العابر للحدود بإلغائها لفريضة الجهاد، وفي التعامل مع بقية المسلمين بأنهم مشركون، بالرغم من أن الدولة السعودية ما قامت إلا على هذه التصوّرات العقدية.
جرت محاولة أخرى لإعادة التجربة الإحيائية الوهابية في وقت لاحق، على قاعدة استدراك أخطاء التجارب السابقة منها انحراف أهل الحكم عن المبدأ الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى، وهو ما ذكّر به الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة إلى الأمير فيصل بن تركي، من أمراء الدولة السعودية الثانية: «وأهل الإسلام ما صالوا على من عاداهم، إلا بسيف النبوة، وسلطانها، وخصوصاً دولتكم، فإنها ما قامت إلا بهذا الدين...) (الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الجزء 14 ص 70).
وكانت تجربة «إخوان من طاع الله»، وهم الجيش العقائدي الذي أنشأه عبد العزيز آل سعود، والد الملك الحالي، على فكرة إعادة إحياء المجتمع الوهابي النقي، الذي يتطلع لأن يستعيد تجربة الإخوان الأوائل الذي تحلّقوا حول الشيخ المؤسسس محمد بن عبد الوهاب. وحين سيطرة عبد العزيز على الرياض عام 1902، قرر التمدّد خارج نجد، وتحديداً باتجاه السيطرة على الأحساء سنة 1912، استعان بجيش الإخوان، الذي اكتشف بأسهم وشراستهم في القتال، فعاد معهم من الاحساء إماماً بعد أن كان قائداً عسكرياً.
تعزّز لدى «الإخوان» حلم إحياء الدولة الدينية التي تقوم على الجهاد في الأرض وتتمدد في كل اتجاه يمكن أن تصل إليه راية التوحيد والجهاد. فكان عبد العزيز يرسلهم إلى المناطق للسيطرة عليها، ويكون ذلك في الغالب بارتكاب المجازر والقيام بأعمال السلب والنهب وتخريب الممتلكات وسفك الدم، وما تقوم به «القاعدة» و«داعش» ليس إلا تكراراً حتى في التفاصيل، كالذبح وقطع الرؤوس مثلاً.
نجح عبد العزيز في توظيف «إخوان من طاع الله» في مشروع دولة لأسرته، ولكنّ التناقض بين مشروعه السياسي المدعوم بريطانياً تجابه في لحظة ما مع مشروع الفتح الوهابي، فكانت معركة السبله في 1929 فاصلة لناحية إنهاء الرابطة بين مشروعي الدولة والعقيدة الوهابية التي تحوّلت إلى إيديولوجية مشرعنة للدولة وليست مسيّرة لها.
محاولات تصويب مسار الدولة السعودية باءت بالفشل (الجماعات السلفية المحتسبة، تيار الصحوة، قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية). وجاء تنظيم «داعش» كمشروع سياسي/ ديني ينتمي إلى الوهابية عقيدة ومشروعاً سياسياً فوق قطري وفوق قومي، ليجدد إحياء الحلم الوهابي بالعودة إلى تعاليم الجيل المؤسس ومشروعه. ما كانت تخشاه السعودية هو أن مشروع «داعش» ينشأ ويترعرع خارج حدودها وخارج سيطرتها وقد تغذيه في مقارعة خصومها، ولكن لا يعني أن «داعش» يتخلى عن مشروعه الأصلي في تجسيد حلم الوهابية الأول.
الأخطر من وجهة نظر آل سعود، أن «داعش» هدّد مشروعية الدولة السعودية، تلك المشروعية القائمة على الامتثال الأمين لتعاليم مؤسس المذهب الوهابي، ولعقيدة التوحيد ومنظومة المبادئ الدينية التي قامت عليها الدولة السعودية.
وفيما تتآكل أطراف «الدولة» على وقع انهيارات تحصيناتها ومراكزها المنيعة، مع تقدّم القوات العراقية والسورية في استرجاع ما وقع تحت سيطرة التنظيم، فإن التحدّي الذي سيبرز تالياً هو مآل الأيديولوجية المسؤولة عن تشكيل التنظيم وشرعنته وانتشاره. فهل يعود إلى مرحلة ما قبل «الدولة» على غرار الوهابية في لحظة ظهورها الأول، حين كانت قائمة على ثالوث التكفير والهجرة والجهاد قبل أن تؤتي ثمرتها في إعلان المملكة السعودية سنة 1932، أم تتحوّل الى تنظيم إرهابي جوّال، يطوف بانتحارييه عواصم العالم، ويضرب حيث يثبت وجوده على قيد الحياة، وعليه، يصبح نموذجاً مشوّهاً لجماعة فوضوية (anarchists) تخرج على الدولة ليس على أساس مقاومة محوريتها، بوصفها أداة لحماية المنتجين الكبار وسعياً إلى الحفاظ على الملكية الفردية، بل الانخراط في مهمة تخريبية للدولة بكامل حمولتها، بوصفها رجساً من عمل الشيطان لا بد من اجتنابه.
_______
مقالات «الأخبار»

الجمعة، 2 يونيو 2017

رياح ما عرف بـ«الربيع العربي» تعصف بدول الخلىج... من الداخل

    يونيو 02, 2017   No comments
خليل كوثراني
بعد عام 2011، وبدافع الحاجة الإماراتية إلى كبح رياح ما عرف بـ«الربيع العربي»، أصبح الأمر أكثر انتظاماً؛ تحولت حينها أبوظبي من الجهد الفردي المبعثر، المعتمد في أغلب الأحيان على أسرار رجل دبلوماسيتها الأول، يوسف العتيبة، نحو نشاط مؤسساتي أحكم تخطيطاً وأوسع نطاقاً وأسخى تمويلاً.

من يوسف العتيبة (سفير الإمارات بواشنطن)، ذلك الرجل «المظلوم» إعلامياً إذا ما قورن بموقع نظيره السعودي السابق بندر بن سلطان، إلى مركز دراسات، وبجانبه بضع مؤسسات وأنشطة أخرى تتمركز معظمها في العاصمة واشنطن، يتشكّل عماد ما بات يعرف بـ«اللوبي الإماراتي في أميركا». اللوبي العربي الأكثر تأثيراً في دوائر القرار الأميركي. ويمرّ نشاط جماعة الضغط الإماراتية في واشنطن في الغالب بسلاسة وهدوء، كحال الدور الإماراتي عموماً، المتخفف من أثقال النمطية الأيديولوجية وتبني الأجندات الخاصة بموازاة الأجندة الأميركية الأم.

ومنذ سنوات قليلة، وجد الإماراتيون أنفسهم في مواجهة مستجدة، غير مباشرة، مع القطريين الذين اتخذوا قرار الوقوف إلى جانب تفرعات «الإخوان المسلمين» في البلدان التي شهدت انتفاضات أو حراكاً لتغيير الأنظمة، وهو ما واجهته أبوظبي بكل ما أوتيت من ثقل وإمكانات، من بينها تسخير النفوذ في واشنطن، لضرب «الإخوان» وقطر، وشيطنتهما.
القصة تعود إلى أكثر من سنتين، وفق صحيفة «نيويورك تايمز»، التي نشرت مقالاً حينها، كشف فيه الكاتب دافيد كيركباترك، عن «تحالف مصالح غير متوقع، هدفه تصوير الدوحة على أنها عراب الإرهابيين في كل مكان». فالإمارات، وفق الكاتب، تعاقدت «مع مؤسسة استشارية أميركية اسمها (كامستول غروب)، يعمل فيها عدد من المسؤولين السابقين بوزارة الخزانة الأميركية. وتشير الأوراق الرسمية للمؤسسة، والمسجلة على أنها وكيل أجنبي، إلى نمط متكرر من المحادثات مع الصحافيين الذين ما لبثوا أن كتبوا مقالات ناقدة لقطر تتهمها بلعب دور في جمع الأموال للإرهابيين». واللعبة نفسها، بالمناسبة، لم تزهد بها القنوات القطرية في الغرب.
النميمة والوشاية الخليجيتان في واشنطن، تحدث عنهما أيضاً، في وقت سابق، الصحافي البريطاني، غلين غرينوولد، في تقرير نشره موقع «ذي إنترسبت» الأميركي.
هذه المعلومات، وغيرها، تفسر ما حدث عشية قمة الرياض وغداتها، وتفجر الخلاف الخليجي، الذي سمح ببروز مقالات وندوات «بالجملة والمفرق»، تناولت الدور القطري وركزت على وسم الدوحة بدعم الإرهاب ورعايته، مع تحييد الدورين السعودي والإماراتي في هذا الجانب.

تحييد السعودية؟

هذه الخلفية، مع متابعة مجريات التطورات منذ الساعات الأولى لظهور الخلاف الخليجي البيني، تشرحان كيف أن موجة الإقصاء والحصار ضد قطر، تقودها دولة الإمارات، وبالتحديد ولي عهدها محمد بن زايد. فعلى عكس الرياض، لم تبد أبوظبي أي إشارة إلى القبول بـ«احتواء» المشيخة «المشاغبة»، في العامين الماضيين، وأبقت على مسافة الخصومة معها بنحو جلي لا لبس فيه. واليوم، لعلّ اشتعال الصدام في ساحات تنازع النفوذ، في مقدمتها الساحتان الليبية واليمنية، يعزز نظرية أن الخلاف إماراتي ــ قطري بالدرجة الأولى، لا على قاعدة الهجوم الأحادي الجانب من طرف محمد بن زايد، بل ضمن سلسلة من الركلات المتبادلة، تميزت آخرها باستجابة طوعية واضحة من قبل محمد بن سلمان في الرياض، والتحاق مصري ــ بحريني، أخذ طابع التهليل والتصفيق، تشفياً وانتقاماً.
القطريون، بدورهم، ساعدوا في الأيام القليلة الماضية على تثبيت هذا التوصيف، من خلال الرد على الإمارات ومصر، وتحييد السعوديين من المواجهة، بل وإرسال إشارات الطمأنة إلى السعوديين عبر تسليم أحد الناشطين المطلوبين إلى الرياض.
وزادت الدوحة من بعث رسائل تدلّ على حصر الصراع مع الإمارات، بواسطة ترويج فكرة غضب الإماراتيين من إفشال «الانقلاب» الذي تدعمه أبوظبي في جنوب اليمن، بحسب رواية الإعلام القطري، في إشارة إلى ارتدادات قرار إقالة محافظ عدن.
وفي الحرب الإعلامية المتواصلة بين القنوات الخليجية، فتح مجدداً ملف الصراع في ليبيا، الساحة الأكثر احتواءً للتجاذب القطري ــ الإماراتي منذ فترة بعيدة، حيث تدعم الدوحة القوى الإسلامية قبالة تيار اللواء خليفة حفتر المدعوم إماراتياً، بالتمويل والغارات الجوية.

حسم وجهة الرياض

في لحظة قمة الرياض، رأى محمد بن سلمان أن الاستجابة إلى طرح محمد بن زايد حول ضرورة إخراج قطر من «اللعبة»، باتت مناسبة، وفق ما كان يرغب هو نفسه. مشاهدة تجمع الزعماء لأخذ الصورة التذكارية مع ترامب في الرياض، وكيفية تقدم محمد بن زايد مزاحماً لأمير قطر الواقف على يمين الرئيس الأميركي، تحاكي إصرار الأول على إقصاء قطر من التنافس على الوكالة الأميركية.
وكالةٌ بات يشعر بن زايد بقدرته على جعلها حصرية مع شراكة الرياض، بعد كل هذه «النجاحات» التي حققها في اليمن والقرن الأفريقي. يحاول الرجل تجاهل مسألة أن احتضان قطر للتيارات الإسلامية كان بعلم الولايات المتحدة ودرايتها وتفويضها، إلا أن ما يحاول بن زايد فعله هو قلب أوراق قوة الدور القطري ضد الدوحة نفسها.
وفي الرياض، يجد محمد بن سلمان أن السير خلف بن زايد هو الأربح، لجملة أسباب. أولها عدم الارتياح إلى الدور القطري المعاند لزعامة الرياض الإقليمية تاريخياً، والثاني حاجة داخلية تتمثل في إضعاف خصمه محمد بن نايف صاحب نظرية الانفتاح على تركيا وقطر وتيار «الإخوان» في المنطقة، ومهادنة هذا التيار للاستفادة منه مرحلياً (وهو خيار أخذ به فريق الحكم الجديد قبل سنتين، وبرز بوضوح مع القفز على وضع الإخوان على لائحة الإرهاب أيام الملك عبد الله، وترجم تعاوناً في اليمن، وتراجعاً للحملات الإعلامية على التيارات الإخوانية، إلى أن استعمل بن سلمان عبارة «الإخونجية» في مقابلته الأخيرة).
ثم إن العمل وفق أجندة ترامب الجديدة، وتكريس الأخير لزعامة السعودية في المنطقة، عبر قمة الرياض، أمران يفسحان في المجال أمام السعودية لإعادة تصويب البوصلة، ويشكلان فرصة لسحق أي تمرد على القيادة السعودية للوكالة الأميركية في المنطقة. وببساطة، فضّل بن سلمان شراكة بن زايد في هذه الوكالة، على شراكة الدوحة، وهو أمر لم يكن أكيداً أن ابن عمه، محمد بن نايف، كان سيأخذ به.
بحسب المتابعين لمحمد بن سلمان، فإنه يبدو شديد التأثر بمحمد بن زايد، إلى حد اعتقاد البعض أن الأخير يسيطر على قرارات الأمير الشاب. ويشعر محمد بن سلمان بحاجة إلى هذا الالتصاق بمحمد بن زايد، نظراً إلى طموحه الجامح حالياً نحو خلافة والده وتخطي ولي العهد، محمد بن نايف، الساخط على بن زايد، الذي نعت والد بن نايف بعبارة قاسية، بحسب تسريبات «ويكيليكس». وبالتالي يعِد بن زايد، محمد بن سلمان، بمساعدته على تحقيق طموحه، خاصة لناحية تسويقه في الغرب، وإعانته على حصد نجاحات في الملفات الإقليمية، إذ يدرك بن سلمان أهمية ما وصلت إليه أبوظبي لدى الإدارة الأميركية أخيراً. وفي آخر التقييمات الغربية لدور الإمارات، أشارت «ذي آتلانتيك» إلى أن دور أبوظبي «يثير إعجاب صناع الاستراتيجيات الأميركية (من كلا الحزبين)، الذين لطالما حلموا بشريك مماثل في المنطقة»، منوهة بدلالات زيارة بن زايد للبيت الأبيض عشية قمة الرياض.

بانتظار الموقف الأميركي

مع كل هذا الضجيج والصخب الإعلامي، ليس ثمة ما يكشف عن وجود تواطؤ أميركي مع الإماراتيين والسعوديين على فكرة إقصاء قطر من المعادلة، وتقديمها كبش فداء في «الحرب على الإرهاب». بل على عكس رغبات الرياض وأبوظبي، أوحى خبر مباحثات وزيري الخارجية الأميركي والقطري، أول من أمس، باطمئنان الدوحة حيال وضعها الحالي. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن الجانبين أكدا متابعة نتائج القمة الأميركية القطرية، على هامش قمة الرياض، وبحثا سبل التعاون في الملفات الإقليمية ومكافحة الإرهاب.
الملاحظ، حتى الآن، أن السعودية والإمارات تمضيان في خطوات اللاعودة مع قطر، على الرغم من عدم وجود تحرك رسمي صريح ضد الدوحة بعد، سوى قرارات حجب المواقع القطرية ومواصلة الهجوم الإعلامي، مع تصريحين رسميين يتيمين، لم يذكرا قطر صراحة.
ويبدو أن ما ينتظره بن سلمان وبن زايد، هو تجاوب أميركي مع هذه الحملة، يحسمه قرار نقل «قاعدة العديد» الجوية الموجودة في قطر، وفق الرغبة التي يُعبَّر عنها بوضوح في الإعلامين السعودي والإماراتي. ووصول الضغوط السعودية الإماراتية إلى هذه المرحلة يرجح كفة القراءة بأن الهدف من هذه الحملة إقصاء قطر لا ممارسة الضغوط عليها بهدف ضمان وجودها في «الحظيرة»، ما يعني أن زمن الاحتواء السعودي للدوحة ولّى إلى غير رجعة. احتمال عززه تصريحان رسميان: الأول لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حين غرد قائلاً: «حل الأزمة بين الشقيق وأشقائه طريقه الصدق في النيات والتزام التعهدات وتغيير السلوك الذي سبب ضرراً، وفتح صفحة جديدة، لا العودة إلى نفس البئر»، ما يعني إعلان دفن مرحلة المصالحة الخليجية، وتغليظ شروط العودة القطرية التي لم يقفل التصريحُ بابَها؛ والثاني لوزير الدولة السعودي لشؤون مجلس التعاون الخليجي، ثامر السبهان، في تغريدة قال فيها بلهجة أعلى سقفاً: «علمنا التاريخ منذ عهد الملك عبد العزيز أن دولتنا تتعرض لمؤامرات ودسائس وتستخدم فيها كل فنون الشر، هم سقطوا وهلكوا في مزابل التاريخ ونحن أقوى». أما مدير اللوبي السعودي في واشنطن فذهب أبعد من ذلك، مهدداً أمير قطر، بالقول: «محمد مرسي فعل نفس الشيء وتم عزله وسجنه».
بأي حال، فإن استجابة قطرية للمطالب التي تصل إلى قطع العلاقة مع «الإخوان» و«حماس»، تبدو شبه مستحيلة اليوم، نظراً إلى كون رضوخ من هذا النوع يمثل اجتثاثاً للدور الإقليمي للدوحة. هذه المرحلة المعقدة من الأزمة الخليجية، تفتح الباب على التساؤلات عن مآلات الأيام المقبلة، وهل ينجح رهان بن سلمان وبن زايد على إدارة ترامب لتلبية رغباتهما تجاه الدوحة؟ والسؤال الأهم في حال استمرار استعار الخلاف: كيف سيكون انعكاس هذا التباعد على ساحات الصراع في كل من ليبيا واليمن وسوريا؟
المرجح، في ضوء الاستراتيجية الترامبية، أن واشنطن ستنتهز الفرصة لابتزاز الدوحة، وطلب المزيد من الاستثمارات التي قام بها جهاز قطر للاستثمار، وفتح خزائن صندوق الدوحة السيادي لضخ الأموال داخل الولايات المتحدة، في مقابل ضمان عدم التعرض لها من قبل الخصوم.


الأربعاء، 3 مايو 2017

عقيدة التكفير ترتد على معتنقيها ومسايريها: يمهل ولا يهمل

    مايو 03, 2017   No comments
«حرب الوجود» في الغوطة: النار تلتهم «الإخوة الأعداء»

 صهيب عنجريني

الاقتتال الذي تشهده الغوطة الشرقيّة بين «جيش الإسلام» من جهة، وكل من «فيلق الرّحمن» و«جبهة النصرة/ فتح الشّام» ليس عابراً ولا يمكنه أن يكون. وليست معارك الأيّام الأخيرة بين الفريقين سوى جولات جديدة في سياق «معركة هيمنة ووجود» تعود جذورها إلى سنواتٍ خلت، وتُغذّيها خلافات «منهجيّة عقائديّة» تستندُ بدورها إلى ارتباطات إقليميّة.

يُعدّ «جيش الإسلام» ممثلاً لـ«وهابية سوريّة» تعزّز حضورها في خلال السنوات الأخيرة بفضل الحرب، فيما يرتبط «فيلق الرحمن» بشكل غير معلنٍ رسميّاً بجماعة «الإخوان المسلمين». أمّا «النصرة»، فـ«الفرع السوري لتنظيم القاعدة» من دون أن يغيّر «فك الارتباط» من حقيقة الأمر شيئاً. بطبيعة الحال يرتبط «جيش الإسلام» ارتباطاً وثيقاً بالسعوديّة بفضل المقوّمات «العقائدية» المذكورة، علاوةً على التمويل المفتوح الذي توفّره له المملكة. أمّا «فيلق الرحمن» فبتركيا ارتباطه الوثيق، وإلى «الهوى الإخواني» الذي وفّر له بيئة حاضنة في غير منطقة من الغوطة يعود الفضل في تحقيقه حضوراً «عسكريّاً» حاول أن ينازع «جيش الإسلام» هيمنته عليها. وبدورها تحافظ قطر على تأثير ونفوذ كبيرين داخل «النصرة»، ولا سيّما في صفوف منتسبيها الجدد الذين انضمّوا إليها في خلال الحرب السوريّة، متموّلين برواتب وأسلحة يوفّرها «الراعي القطري». وكما ترك صراع النفوذ التقليدي بين «مثلث الدعم الإقليمي» أثره في معظم تفاصيل الحرب السوريّة (وخاصّة فصول الحرب والاحتراب المتتالية بين المجموعات المسلّحة) تبدو بصماته حاضرة ومؤثّرة في مُجريات الغوطة الأخيرة. ولعلّ أوضح انعكاسات هذه البصمات تلك التي يُعبّر عنها اصطفاف «فيلق الرّحمن» و«جبهة النصرة» جنباً إلى جنب (أنقرة والدوحة) في مواجهة «جيش الإسلام» (الرّياض). ثمّة في العمق عوامل أخرى شديدة التّأثير، من بينها الاصطفافات «المناطقيّة» داخل الغوطة (وهي اصطفافات قامت في الدرجة الأولى على الانتماء الأيديولوجي)، علاوةً على سباق الهيمنة الداخلي. ومنذ بواكير الظهور المسلّح بصورته «الفصائليّة» العلنيّة نظر «جيش الإسلام» ومؤسّسه زهران علّوش إلى كل مجموعة تُشكَّل خارج عباءته على أنّها تهديد لسطوته ونفوذه، وحجر عثرة في طريق هيمنته على الغوطة الشرقيّة.

ولا تجافي هذه النظرة الواقع في شيء، نظراً إلى أنّ عدداً من المجموعات المسلّحة التي شُكّلت في الغوطة قد اتّخذ من «مجابهة علوش» عموداً أساسيّاً من أعمدة إنشائه. تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إنّ أوّل «احتراب» داخلي شهدته الغوطة (قبل ما يزيد على أربعة أعوام) كان فاتحةً لمسيرة بلا أفق واضح. وبغض النظر عن فصول «الحرب والسلم» التي تمرّ بها العلاقة بين المجموعات المتناحرة تبعاً لجملة ظروف محلية وإقليمية، فقد أثبتت التجارب المماثلة السابقة أن النسبة العظمى من «حروب الإخوة الأعداء» لم تعرف نهايةً حقيقيّة إلا بنجاح طرفٍ في إلغاء وجود الطرف الآخر، أو تصفية وجوده في منطقة بعينها على أقل تقدير.
وبات معروفاً أن معارك اليوم بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» ليست سوى فصل جديد من فصول العداء المستحكم بين الطرفين. ويبدو لافتاً أنّ آخر حلقات هذه السلسلة (قبل المعارك الحاليّة) كانت قد شهدت اصطفافاً مماثلاً لاصطفاف اليوم (راجع «الأخبار»، العدد 2875) . لكن تصفية وجود «النصرة» في الغوطة الشرقيّة كانت هدفاً سريّاً على قوائم «جيش الإسلام» حينها، بينما باتت اليوم مطلباً واضحاً أُعلن في «بيان رسمي». البيان الذي صدر أمس جاء في صورة «رسالة» من «القيادة العامة لجيش الإسلام» إلى «فيلق الرحمن»، وقالت إنّ «جيش الإسلام قد عقد العزم على حل جبهة النصرة في الغوطة الشرقية وتقديم متزعميه إلى القضاء». واتهمت الرسالة «الفيلق» بتقديم «المؤازرة إلى النصرة» وحوت تهديدات مبطّنة في حال عدم وقوفه «على الحياد». فيما أكّد «بيان مضاد» أن «جيش الإسلام اتخذ من القضاء على هيئة تحرير الشام (تحالف عموده الأساس «النصرة») ذريعة للهجوم على مقار ومستودعات (فيلق الرحمن) والاعتداء على عناصره». وواصل «جيش الإسلام» اتهاماته لـ«الفيلق» بـ«إيواء عناصر من (النصرة) ومن بينهم قادة أردنيون»، علاوة على «تسليح بعضهم وتجنيدهم للقتال في صفوف الفيلق ضد الجيش، وخاصة في بلدة المحمديّة». وقال مصدر من «فيلق الرحمن» لـ«الأخبار» إنّ «هذه الاتهامات كاذبة جملة وتفصيلاً، وهي مجرّد محاولات واهية للتعمية على الهدف الأساسي من عدوانهم الآثم». وأكّد المصدر أنّ الهدف المذكور ليس سوى «التخفيف عن ميليشيات النظام، في مواصلة لمهمات عمالة قيادات «جيش الإسلام» التي لم تعد تخفى على أحد». في المقابل، طغت على كلام مصادر «جيش الإسلام» نبرة «قويّة» بدت واثقة من أنّ تصفية وجود «أذناب القاعدة» (المقصود «النصرة») في الغوطة باتت «مسألة وقت»، مع التلويح بمصير مماثل لـ«فيلق الرحمن» إن لم «يلتزم الحياد».
وفي تكرار للسيناريوات المعهودة في حالات مماثلة، برزت أمس محاولات للتوسط بين الأطراف قام بها هذه المرة «مجلس شورى أهل العلم». وقال «المجلس» في بيان له إنه شكّل لجنة استمعت إلى طرفي النزاع وخرجت بجملة توصيات منها «وقف كافة مظاهر الاقتتال وإطلاق سراح المعتقلين والخضوع لحكم الشرع»، و«رد الحقوق المالية والعينية لفيلق الرحمن من جيش الإسلام». علاوة على «تشكيل لجنة لتقدير الأضرار بين الطرفين» تضم ممثلاً عن كلّ منهما، وثالثاً عن «شورى أهل العلم». وبدا لافتاً أنّ البيان المذكور لم يشر إلى «النصرة» على الإطلاق، فيما خصّص بنداً لتأكيد «حرمة مسألة تغلّب فصيل على آخر».
و«التغلّب» في جوهره هو «فتوى» تتيح للمجموعة الأقوى فرض سيطرتها وإخضاع سواها بالقوّة، ويُتَّهَم «جيش الإسلام» بأنّه يسعى إلى تطبيقها في الغوطة. وتعليقاً على البيان، قال مصدر من «جيش الإسلام» لـ«الأخبار» إنّ «استجابتنا لأي مبادرة شرعية لحقن الدماء بين الإخوة أمر مسلّم به، لكنّ أذناب القاعدة خارج هذه المعادلة حتماً». المصدر أعرب عن «عدم ارتياحه الشخصي لبعض ما ورد في البيان»، ولمّح إلى ارتباط بعض «مشايخ المجلس» بـ«حركة أحرار الشام» التي «يتحكم ببعض مشايخها هوى قاعدي»، لكنه أكد في الوقت نفسه أنّ «هذا ليس موقفاً رسميّاً، والموقف الرسمي سيصدر عن القيادة بالطرق التي تراها مناسبة». ميدانيّاً، استمرّ الاستنفار في صفوف الأطراف بعد صدور «بيان أهل العلم» بساعتين ولم ينعكس أي أثر له. فيما بدا لافتاً بدء حملة هجوم إعلامية قوية ضد «جيش الإسلام» على خلفيّة قيام عناصره بتفريق مظاهرة خرجت ضدّه في عربين بالرصاص الحيّ، ما أدى إلى «سقوط جرحى».
______________
«جيش الإسلام» يحارب «القاعدة»: حرب «الفصائل» و«النصرة» انطلاقاً من الغوطة؟

 صهيب عنجريني

الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠١٦


معارك حامية الوطيس تشهدها مناطقُ عدّة في غوطة دمشق الشرقية بين «جيش الإسلام» من جهة، و«جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» من جهة ثانية. ورغم أنّ حدوث اشتباكات بين المجموعات في الغوطة بات أمراً معهوداً بين فترة وأخرى، غيرَ أنّ المشهد يبدو مختلفاً هذه المرة، سواء من حيث طبيعة المعارك وشدّتها أو من حيث عدد المجموعات المنخرطة في الحدث واتّساع رقعة الاشتباكات.

للوهلة الأولى، توحي المُجريات بأنّ ما تشهدُه الغوطة أشبه بـ«ثورة فصائل» ضدّ «جيش الإسلام»، لكن المعلومات المتوافرة تؤكّد أنّ الأمور ذاهبة في اتجاه فتح حرب تصفية ضد «جبهة النصرة» في الغوطة. المتحدث الرسمي باسم «جيش الإسلام» إسلام علّوش سارع إلى إصدار بيان يتهم فيه «النصرة» ومجموعات أخرى بمهاجمة مقار «جيش الإسلام» في كلّ من: زملكا، جسرين، حمورية، عين ترما، مسرابا وكفربطنا. وبدا لافتاً أنّ البيان حرص على الزج باسم «حركة أحرار الشام»، علاوة على «لواء فجر الأمة» بوصفهما مُساهمَين في الاعتداءات، كما حرص على الإشارة إلى ارتباط «النصرة» بتنظيم «القاعدة». مصدر مرتبط بـ«حركة أحرار الشام» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «عناصر الحركة لم يتدخلوا في الاشتباكات»، موضحاً أنّ «عدداً من قادة الحركة باشروا اتصالات مكثفة سعياً إلى احتواء الوضع ومنع تفاقمه»، وهو كلامٌ أيّده ناشطان إعلاميّان من داخل الغوطة (كلّ على حِدة) لـ«الأخبار». وفيما تعذّر التواصل مع أحد الناطقين الرّسميين باسم «جيش الإسلام» (إسلام علّوش، وحمزة بيرقدار) أكّد مصدر ميداني داخله لـ«الأخبار» أنّ «الأحرار (أحرار الشام) لم ينخرطوا بشكل مباشر في الاعتداءات، لكننّا نعتبرهم مشاركين في الاعتداء ما لم يصدروا توضيحاً رسميّاً يتبرّأ ممّا حصل». المصدر ردّ هذا الموقف إلى أنّ «اعتداءات النصرة علينا تمّت تحت راية جيش الفسطاط الذي يضمّ أيضاً الأحرار وفجر الأمّة والفيلق (فيلق الشام)». وعبرَ صفحتيهما على موقع «تويتر» حرص الناطقان (علّوش وبيرقدار) على الإشارة إلى ارتباط «النصرة» بـ«الفسطاط» كما اتّهما «المعتدين» بـ«منع وصول مؤازرات أرسلها جيش الإسلام إلى جبهتي المرج وبالا».

وتحمل هذه التصريحات اتهاماً مبطّناً بإضعاف موقف «جيش الإسلام» على هاتين الجبهتين في مواجهة الجيش السوري. ولم تبق التهمة مبطّنة، إذ سارعت عشرات المصادر إلى تبنّيها علناً عبر صفحات إعلامية عدّة. وخلال الساعات الأخيرة، بدا أنّ مناطق الغوطة تشهد سباقاً في «الحشد والتجييش»، حيث أوردت مصادر من السكّان معلومات متقاطعة عن استعدادات ضخمة في صفوف كل الأطراف المتقاتلة. ولم ترشح معلوماتٌ دقيقة عن عدد القتلى الذين قضوا في معارك أمس، فيما بات مؤكّداً أنّ ثلاث نقاط اشتباك (على الأقل) شهدت استخدام أسلحة ثقيلة من الطرفين. كما أدّت التطورات إلى حدوث انشقاقات داخل «فيلق الرّحمن» لمصلحة «جيش الإسلام»، كان أبرزها إعلان «كتيبة الدفاع الجوي في فيلق الرحمن» انضمامها إلى «جيش الإسلام، ومبايعة الشيخ عصام البويضاني على السمع والطاعة». في الوقت ذاته، باشر عدد من «رجال الدين المحايدين» حملة اتصالات في مسعى لـ«الحيلولة دون اشتعال الغوطة»، حسب تعبير أحد «وجهاء» بلدة جسرين لـ«الأخبار». المصدر امتنع عن الكشف عن النتائج الأوليّة للمساعي، وعزا الأمر إلى ضرورة «التريّث قبل الخوض في أحاديث من هذا النوع منعاً لإفشال المساعي». وأضاف «هذه فتنة كبرى، وإذا لم يتمّ احتواؤها سريعاً فالنتائج لا تُحمد عقباها».
ولا يبدو «جيش الإسلام» وحيداً في مواجهة «اعتداءات النصرة»، إذ أصدرت «قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية» بياناً أكّدت فيه أنّ «عناصر جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة اعتدوا على دورية لقيادة الشرطة في بلدة مسرابا». وفي تطوّر يبدو مؤشّراً على تصعيد وشيك للأحداث دخل «المجلس العسكري لدمشق وريفها» على خط الأحداث عبر بيانٍ اتّهم فيه «جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» بالاعتداء على مقارّ تابعة له. وقال البيان الذي تداولته بعض الصفحات المعارضة وحمل توقيع «أمين سر المجلس» إنّ قوة تابعة للطرفين «اقتحمت مركز قائد المجلس العسكري (عمّار النمر) من دون مراعاة أي حرمة». ومن المعروف أنّ النمر «قائد المجلس العسكري» يحتفظ بعلاقات جيّدة مع «جيش الإسلام»، فالمجلس المذكور أعلنت ولادتُه قبل عام تحت إشراف «القيادة الموحدة للغوطة الشرقيّة» التي تزعّمها مؤسّس «جيش الإسلام» المقتول زهران علّوش (راجع «الأخبار»، العدد 2570). وعلى نحو مماثلٍ لبيان «جيش الإسلام»، حرص بيان «المجلس» على اتهام مبطّن لـ«المعتدين» بالتواطؤ مع الجيش السوري عبر «تزامن هذا الاعتداء الغاشم مع حشود لميليشيات الأسد على أطراف الغوطة».

_____________
رجل السعوديّة يظهر في تركيا... «طبخة إقليمية عسكريّة» قيدَ الإعداد؟

صهيب عنجريني

الاثنين ٢٠ نيسان ٢٠١٥


من جديد نجح زهران علّوش في التحوّل إلى نجم المشهد. قائد «جيش الإسلام» الذي أثار الجدل منذ بروزه على مسرح الحدث في مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، وتحوّله من شخص «يتحاشاه الجميع» (وفقاً لأحد جيرانه في السنوات التي سبقت اعتقاله، أي قبل 2009) إلى «قائد القيادة الموحّدة للغوطة الشرقيّة». قصص عدة حُكيت عن علوش، وأسباب إطلاق سراحه من سجن صيدنايا العسكري (مثله مثل عدد من متزعّمي المجموعات الجهاديّة).

قيل الكثير عن «ارتباطه بالمخابرات السوريّة»، وهو أمر عاد إلى التداول خلال اليومين الماضيين، بعد الكشف عن وجوده في تركيا، حيث انشغل الجميع بالبحث عن الطريقة التي خرج بها من الغوطة المُحاصرة والطريق الذي سلكه، «فهل مرّ عبر مناطق سيطرة الدولة السوريّة، أم عبر مناطق سيطرة تنظيم داعش؟». ومن منهُما سهّل خروجه؟
لكنّ حصر وسائل الخروج من الغوطة بالطريقتين المذكورتين هو أمر يخالفُ الواقع، فليسَ من المستبعد (بل هو مرجّح) وجود طرق سرّية تُستخدم عند الضرورة، وهو أمرٌ لمّح إليه شخص مرتبط بـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، من دون أن يخوض في تفاصيله، إذ قال عمار كريّم عبر صفحته في «تويتر»: «لولا أنك أخي في الإسلام لكشفت طريقك الذي خرجت منه (...) زهران علوش في تركيا... خرج من الغوطة قبل أيام». وفي هذا السياق، قال ناشط مُعارض لـ«الأخبار» إن «الوسائل موجودة دائمة، لكنها تنطوي على مخاطرة طبعاً»، مضيفاًَ: «سبق لي أن خرجت من الغوطة، ودخلتُها منذ حوالى شهرين ونصف الشهر». ومن المرجّح أن الأراضي الأردنية كانت محطة عبرها زهران، ليغادرها جوّاً إلى تركيا. ومن الملاحظات الجديرة بالتوقف عندها في هذا السياق، أنّ الحفاظ على سرّية تحركات علّوش يؤشّر على مستوى «أمني» متقدّم يقودها، ودائرة محيطة موثوقة، خاصة أن هذه الرحلة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق له أن زار السعودية عام 2013، وزار الأردن مرتين على الأقل بين عامي 2013 و2014، كما يُرجّح قيامه بزيارات سابقة لتركيا. ورغم اختلاف الظروف الميدانية بين الزيارات السابقة والحاليّة، غير أنّ جميعها لم يُكشف عنها إلّا بعد حدوثها.
على أنّ السؤال الأهم من طريقة خروج علّوش هو السؤال عن أسباب خروجه، وظهوره الاستعراضي في تركيّا في هذا التوقيت بالذات، وهو المحسوب في الدرجة الأولى على السعوديّة. ورغم أن بعض المصادر ذهبت إلى ترويج أن «علوش خرج بشكل نهائي من سوريا»، غير أن هذه الفرضيّة أضعفُ من أن تؤخذ في عين الاعتبار. فمن المُسلّم به أن طريقة عمل «جيش الإسلام» تجعلُ من غياب قائده مقدمةً لتفكّكه. ومن المعروف أن «جيش الإسلام» استمرّ على مدار السنوات الماضية في تعزيز قدراته، من دون أن يخوض معارك تستنزفه بشكل كبير. ودأبت مصادر «الإسلام» بين وقت وآخر على تأكيد أنّ «معركة دمشق الكبرى هي الغاية، ومن أجلها يتم الحشد». هذه المعطيات تجعل من المسلّم به أن «طبخةً» ما تُعدّ في المطابخ الإقليمية، وأن علّوش أحد مكوّناتها، خاصة أن تقارير عدّة تحدثت عن مرحلة تنسيق جديدة بين اللاعبين السعودي والتركي، تجعل من الرياض المهندس الأول لمشهد المعارضة المسلّحة في سوريا، ومن أنقرة لاعباً مُساعداً. وهو ما أفضَى على الأرجح إلى تفكك «الجبهة الشاميّة» في الشمال السوري أخيراً، مطيحاً «جماعة الإخوان المسلمين» من قمّة الهرم في الشمال من دون محاولة إقصائهم كليّاً، ما يوحي بأن طبيعة وجودهم في المرحلة القادمة ستكون خاضعة لجملة معايير توافقُ «المرحلة السعودية». وثمّة مُعطيات ترتبط بالمشهد في الغوطة ينبغي أخذها في الاعتبار، يبدو أنّها جاءت كتمهيدٍ لما يُعدّ في «المطبخ الإقليمي»، وعلى رأسها يأتي الإعلان عن ولادة جديدة لـ«المجلس العسكري في دمشق وريفها» أواخر الشهر الماضي. ولادة تمّت تحت إشراف «القيادة الموحدة للغوطة الشرقيّة» التي يتزعّمها علّوش. وكان الأخير قد تصدّر مشهد الإعلان عن «المجلس»، وقال في كلمة له إنّه «منظومة واحدة تعمل مع القيادة العسكرية الموحدة وضمن التوجيهات التي تصدر من القيادة العسكرية الموحدة»، كما أكّد أنه يُمهد لـ«بناء مرحلة جديدة من مراحل العمل الثوري وفي ظروف بدأت فيها عجلة العمل الثوري تندفع نحو الأمام»، وينسجم مع طبيعة مرحلة «الانتقال من حرب العصابات إلى الحرب النظامية». ومن المؤشرات التي قد تشي بملامح المرحلة القادمة، أنّ «رئيس المجلس» عمّار النمر أعلن في مؤتمر صحافي أول من أمس «تأييد المجلس لعملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن»، وتمنّى على القائمين عليها أن «تتمدد إلى سوريا».
وفي السياق التمهيدي ذاته يُمكن إدراج المعارك الأخيرة التي خاضَها علّوش ضدّ تنظيم «الدولة الإسلاميّة». وهي معارك تضمن إعادة التذكير بما روّج له طويلاً من أن «جيش الإسلام حجر زاوية في محاربة تطرف داعش»، وتصلحُ بالتالي لتلميع قائده للعب دورٍ يحظى بدعمٍ يتجاوز الإقليمي إلى الدولي. وتنسجم هذه المعطيات مع ما أكده مصدر محسوب على «أجناد الشام» من أنّ «علوش ليس القيادي الوحيد الموجود في تركيا حاليّاً». المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «معظم القادة المعروفين وصلوا أو على وشك الوصول، تمهيداً لسلسلة اجتماعات سيشارك فيها سليم إدريس وعسكريّون آخرون».

الأحد، 18 ديسمبر 2016

مراجعات معاذ الخطيب -- الرئيس السابق للائتلاف المعارض-- يصب جام غضبه على المسلحين

    ديسمبر 18, 2016   No comments
معاذ الخطيب يصب جام غضبه على المسلحين الذين أحرقوا الحافلات التي كانت مخصصة لإجلاء المدنيين من بلدتي كفريا والفوعة بريف إدلب.. شيطنتم الإسلام وخربتم سوريا كأدوات لدول إقليمية!

صب معاذ الخطيب في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، جام غضبه على المسلحين الذين أحرقوا الحافلات التي كانت مخصصة لإجلاء المدنيين من بلدتي كفريا والفوعة بريف إدلب.
وقال معاذ الخطيب في تدوينته، الأحد: “أريد أن أبق هذه البحصة، من أحرق الباصات التي تخفف الموت عن الناس ليس أحمق بل مجرم أصيل”.
وأضاف الرئيس السابق للائتلاف المعارض، أن هذه التنظيمات لم تأت من فراغ بل هي أدوات دول إقليمية كان قد تحدث عنها منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، مؤكدا أن أسوأ ما قامت به هو شيطنة الإسلام كله، وتخريب سورية في كل مفاصلها، وخصوصا زج الشباب في المعارك ودفعه إلى موت لا طائل منه.
وبين الخطيب أن تلك الجماعات المسلحة انصهرت مرة ثانية في التشكيلات الباقية لشيطنة من لم يتشيطن بعد.
وأكد الشيخ معاذ الخطيب أن الغرباء ساهموا في بيع الوهم ونقض كل بنية إسلامية متوازنة لفرض فكر التكفير والذبح والدم، الذي يمهدون له بطبقات تنظيمية مموهة نهايتها فكر تكفيري يستبيح كل شيء.
وأوضح الخطيب أنه لولا الأموال الطائلة التي تصب بين أيديهم لما كان لهم نفوذ ولا صوت، مشيرا إلى أن نكايتهم كانت في أبناء سوريا.
تجدر الإشارة إلى أن التدوينة التي نشرها الخطيب جاءت تعليقا على شريط فيديو نشره ‎كاتب صحفي وناشط سياسي يدعى محمد الخطيب، بحلب، أظهر من خلاله احتفال مسلحي المعارضة السورية بحرق الحافلات التي كانت ستنقل المدنيين من كفريا والفوعة.
وأحرق مسلحو تنظيم “فتح الشام”(جبهة النصرة سابقا) حافلات كانت مخصصة لإجلاء المدنيين قبل دخولها إلى بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب.
وذكرت مصادر في المعارضة السورية أن مسلحي تنظيم “فتح الشام” قاموا بإحراق الحافلات من أجل إعاقة تنفيذ الاتفاق الروسي – الإيراني – التركي.
وعلى صعيد آخر، ذكرت مصادر سورية أن اشتباكات اندلعت بين مسلحي جبهة النصرة وحركة أحرار الشام، بسبب خلافات حول تنفيذ اتفاق إخلاء الحالات الإنسانية من الفوعة وكفريا.


الخميس، 6 أكتوبر 2016

اصداء الربيع العربي... بعد الإخوان... هل بدأ منظري القاعدة مراجعات فكرية ومنهجية؟

    أكتوبر 06, 2016   No comments
عبدالله ابن محمد:
 «القاعدة» ضائعة.... واندماج فصائل سوريا واجب وقريبا


نور أيوب
 
يأسف المنظّر «الجهادي» عبدالله بن محمد، لحال «القاعدة» الحالي. يصفه بـ«الضياع الاستراتيجي»، داعياً «التيار الجهادي» إلى الذوبان في مجتمعاته المحلية، كاندماج الفصائل المسلحة في سوريا في كيانٍ واحد

تنفّس «الجهاديون» الصعداء حين هبّت رياح «الربيع العربي» عام 2011. وجدوا في كرة اللهب المتدحرجة فرصةً ليحرقوا فيها خانقيهم، أملاً بالعودة إلى «الزمن الجميل»، وفرصةً لتكرار «الجهاد الأفغاني»، وصولاً إلى إعلان «الدولة الإسلامية».

دفعت هذه العوامل بمنظري التيار «السلفي الجهادي» إلى مشاركة طروحاتهم مع الملأ، خصوصاً أن آخرها كانت «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، لأبي مصعب السوري، عام 2004.
بعد سبع سنوات، عاد أحدهم ليقدّم رؤيته لـ«الجهاد العالمي». طرح عبدالله بن محمد «المذكرة الاستراتيجية». ارتكز يومها إلى «استراتيجية التحرك في نظرية الذراعين». أي التحرّك العسكري في أرض الشام، وآخرَ في أرض اليمن لاحتواء أرض الحرمين (المملكة العربية السعودية)، استكمالاً لمشروع «الجهاد العالمي»، وتحقيق قيام «الدولة الإسلامية».
يرى اليوم المنظّر «الجهادي» أن «مشروع القاعدة غيرُ قابل للحياة في سوريا، أو في أي بلد آخر»، ويصف أن حالة من «الضياع الاستراتيجي» يعيشها أبناء أسامة بن لادن، خصوصاً بعد دعوة زعيم التنظيم، الشيخ أيمن الظواهري، أنصاره إلى «الثورة في بلاد الحرمين» (المملكة السعودية).
يعلّل ذلك أن «أصل القاعدة هو منظمة عسكرية - فكرية تعمل لحشد الأمّة ضد العدوان الأميركي على العالم الإسلامي»، مشيراً أن «تخليها عن هذا الدور، ودخولها ميدان العمل الداخلي في الدول الإسلامية بدلاً عن الاستمرار في استهداف أميركا، أحدث الاضطراب والفوضى في داخلها». وهو ما ألزم التنظيم، بنشر خطب حمزة بن لادن، نجل زعيم التنظيم السابق أسامة، كـ«محاولة للعودة إلى الدور الأساسي في مواجهة أميركا».
فعمل التنظيم لا يصلح داخل المجتمعات العراقية، واليمنية، والسورية، والصومالية في ظل وجود «الهيمنة الغربية، لأن تلك المجتمعات ستدفع ثمن وجود القاعدة بالحصار والقصف، ومن ثم تحدث المصادمة بين القاعدة والمجتمع».

مشروع «القاعدة» غيرُ قابلٍ للحياة في سوريا أو في أي بلد آخر

يلمّح ابن محمد، في حديثه إلى «الأخبار» إلى وجوب «ذوبان القاعدة في الطيف الجهادي مع بقية التيار الإسلامي والشعبي»، ليتمكّن المجتمع من «اتخاذ قراره في وجه التدخلات الخارجية... ولا يسمح للغرب باستخدام ذريعة القاعدة لتفريقه عنها». وهي إشارة منه إلى سبب إعلان «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة) الانفكاك عن «القاعدة» الأم، باعتباره «درساً لبقية الفروع الداخلية في المنطقة».
إذاً، كان إعلان انفكاك ضرورةً ملحّة لـ«فتح الشام»، خصوصاً أن التقديم النظري كان قد طرحه ابن محمد في نظريته «حرب العصابات السياسية». فالنظرية «قدّمت رؤية واقعية للدور الذي يمكن أن تلعبه الفصائل الجهادية في الساحة السياسية في ظل الواقع المعاصر، ولا تختص بساحة معينة، وإنما تخضع لاعتبارات وظروف كل دولة»، يقول. وتصيغ نظرية ابن محمد الإطار العام للفصائل العاملة في سوريا فـ«لا تقود للمصالحة مع النظام السوري، إنما يسهّل عملية الاندماج مع مكونات الثورة المتنوعة... وبالتالي تكون الفصائل جزءاً من العملية السياسية دون الوقوع في الفخاخ»، لافتاً إلى أنها «مفتاح للعمل السياسي، وليست برنامجاً سياسياً». وبالاستناد إلى ذلك، يرسم المنظّر المرحلة التالية بالقول إن «البرنامج يضعه الجسم السياسي المنبثق عن ذلك، وبمجرد وجود هذا الجسم الجامع سيتوفر بديل مقبول دولياً للنظام في حالة سقوطه، أو يتوفر طرف مقابل يمثّل الثورة، ويملك قراره في حالة الوصول لاتفاق وسط ينهي الحرب كما حدث في البلقان».
تمهيد الاندماج أمرٌ طرحه ابن محمد، ولكن بلغته الخاصة. يرى، اليوم، في خطوة الاستقلال عن «القاعدة» الأم، و«سورنة» «فتح الشام» مقّدمة لذلك و«خطوة موفقة للغاية»، وهو أمر انعكس على «موقف الجيش الحر الأخير ورفضه بند الهدنة الروسية - الأميركية الخاص باستهداف جبهة فتح الشام»، واضعاً ذلك في إطار «مسار جديد للجبهة سيثمر عن زيادة التنسيق مع بقية الفصائل، وسينعكس على وحدة القرار العسكري ومن ثم السياسي، وستكون له آثار إيجابية».
يؤكّد أن الأمر «ضرورة يدركها الجميع»، لافتاً إلى أن «المسافة بدأت تقترب بين مختلف أطياف الثورة». يمتدح هنا القاضي العام لـ«جيش الفتح» الشيخ السعودي عبدالله المحيسني، مثنياً على تطوّر شخصيته و«أياديه الطيبة»، رغم أخطائه السياسية، في الوقت نفسه. ويضيف «من مميزات دوره أنّه مستقل... لم ينضوي تنظيمياً تحت أي جماعة، فضلاً عن أن يكون مشروعاً سعودياً أو تركياً أو قطرياً كما يروج البعض».
في المحصلة، يرى صاحب «المذكرة» أن مسار الاندماج سيقود «لاندماج أكثر مع الثقافة التي أنضجتها الثورة، وهي تفهم الآخر والتعايش معه، عقب هدم الكثير من الحواجز الفكرية بين تيارات الإسلاميين».

___________


المذكرة الإستراتيجية



استراتيجية التمكين لأنصار شريعة رب العالمين 


_____________

السبت، 24 سبتمبر 2016

انشقاقات «النصرة» و«الأحرار»: الداعمون يمهّدون لمشهد «جهادي» جديد 

    سبتمبر 24, 2016   No comments
فتوى أحرار الشام
صهيب عنجريني

يتجاوز ما شهدته المجموعات المسلّحة أخيراً من انشقاقات وانقسامات دائرة الأحداث العابرة. في الجوهر، تنبع التموضعات الجديدة من عوامل أكبر من مجرّد خلافات «شرعيّة» حول جواز القتال تحت رايات أجنبيّة.

وعلى الرغم من أنّ التغيّرات المتتالية توحي (ظاهريّاً) بأنّها ناجمةٌ عن أسباب متباينة ترتبط بالمجريات داخل كل مجموعة بذاتها، لكنّها في الواقع نتاجٌ لعمل ممنهج يهدف إلى فصل المجموعات عموماً إلى صنفين اثنين: أوّلهما «صعب الترويض» ويُشكّل «الجهاديون المهاجرون (غير السوريين)» عموده الفقري، فضلاً عن نسبةٍ من «الجهاديين الأنصار (السوريين)» المتمسّكين في الدرجة الأولى بانتماءاتهم «الأيديولوجيّة». أما الصّنف الثاني، فيضم المجموعات القابلة للانقياد بسهولة، وتحوي هذه أعداداً كبيرةً من المقاتلين الذين سبق أن اجتذبتهم مجموعات شتّى اعتماداً على أموال «الداعمين»، من دون أن تدخل التوجهات «الأيديولوجيّة» للمجموعات في حسابات أولئك المقاتلين. حركة الانقسامات طاولت حتى الآن بنحو أساسي اثنتين من أكبر المجموعات المقاتلة في سوريا («جبهة فتح الشام/ النصرة» و«حركة أحرار الشام»). الاعتقاد بأنّها (الانقسامات) جاءت مفاجئة لقيادات المجموعتين أو داعميهما، لا يبدو خياراً صائباً. وعلى العكس من ذلك، يمكن القول إنّها كانت مُتوقّعةً لدى «القادة» ومُنتظَرةً لدى الداعمين الذين يسعى بعضهم إلى تسريع وتيرة هذه المتغيّرات، تمهيداً لما بعدها. عوامل عدّة أسهمت في تزايد الانقسامات، على رأسها التجاذب الإقليمي. كذلك، بدأت تأثيرات «فك الارتباط»، والسعي إلى «اندماج الفصائل» في الارتداد سلباً.

«فتح الشام/ النصرة»

إذا كانت خطوة «فك الارتباط» قد مرّت بهدوء أوّل الأمر، فلأنّ زعيم «النصرة» أبو محمّد الجولاني، كان قد أفلح في المرحلة الأولى في الإيحاء إلى معظم «كتائب المهاجرين» أنّ الخطوة ليست سوى إجراء شكلي، ولن تؤثّر في «ثوابت الجهاد» ولا في وضع «الجهاديين» الأجانب. إلا أنّ تأثير «الداعمين» سرعان ما أثبت تفوّقه على تأثير الجولاني، ولا سيّما أنّ لكل اللاعبين الخارجيين المؤثرين داخل المجموعات مصلحةً في دوران حركة الانقسامات. المفارقة أنّ دوافع الداعمين متباينة، غير أنّ أهدافهم تصبّ في خانة واحدة.
فتوى النصرة|فتح الشام

يرى الأتراك والأميركيّون ضرورة «تنقية النصرة» من العناصر التي تُقدّم الانتماء «العقائدي» على ما سواه، تمهيداً لتسيير «فتح الشّام» بنحو كليّ. بينما يرى الأردنيّون والسعوديون في الأمر فرصة لاستعادة جزء من التأثير المفقود، عبر إعادة تقوية مجموعات خالصة الصبغة «الجهاديّة» يمكن التأثير في قراراتها بواسطة المرجعيّات «الجهاديّة» التي تحتفظ عمّان بعلاقات «طيبة» مع معظمها. الأمر الذي ينطبق على الرياض، ولكن بدرجة أقل، ما يجعلها مضطرّة إلى الاستعانة بسلفيي الكويت في هذا السّياق. ورغم أن القطريين يبدون في ظاهر الأمر بعيدين عن هذا الصراع على النفوذ، غيرَ أنّهم ما زالوا حاضرين عبر اللعب على وترين متناقضين: أوّلهما من خلال الواجهة التركيّة، ويضمن للدوحة «إصبعاً» داخل المجموعات البعيدة عن «القاعدة»، وثانيهما يعتمد على العلاقة المباشرة ببعض قيادات «القاعدة» و«النصرة». ويعتمد القطريون في كلتا الحالتين على الدعم المالي المقدّم لمعظم المجموعات بمختلف مشاربها، ما يضمن قدراً لا يُستهان به من النفوذ الخفي. وجود الجولاني على رأس «فتح الشام» ما زال (حتى الآن) يلعب دوراً في تماسك «الجبهة» والتقليل من الانقسامات قدر الممكن، ويحافظ أبو محمّد على تواصل مستمر مع قيادات «القاعدة» ومرجعياتها بغية الحد من «النزف الجهادي» في صفوف جبهته. كذلك يستنفر جهود أمنييه و«شرعييه» للهدف ذاته، وجاءت «الفتوى» الأخيرة التي تُحرّم القتال تحت راية أنقرة في إطار هذه الجهود.

«أحرار الشام»

حتى مطلع عام 2015، لم يكن الحال داخل «حركة أحرار الشام الإسلامية» ليختلف كثيراً عن نظيرتها «فتح الشّام». الاختلاف الأساسي بين المجموعتين نابع من عدم مجاهرة مؤسس «الأحرار» حسان عبّود (أبو عبد الله الحموي) بـ«البيعة» التي كان يدين بها لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري. لكنّ وجود تيارين داخل «الأحرار» كان حاضراً بنحو فعلي منذ عام 2013، وهما تياران يتجاذبهما ولاءان «عقائديّان» أساسيّان: الأوّل لـ«القاعدة»، والثاني لـ«جماعة الإخوان المسلمين». كذلك انقسم الولاء السياسي داخل «الحركة» بين الرياض وأنقرة. نجح عبّود في الحفاظ على توازن دقيق داخل «الحركة» مع تغليب غير معلن للتيار «القاعدي»، قبل أن تطيحَه ومعظم قادة الصف الأول حادثة الاستهداف الشهيرة في أيلول 2014 (راجع «الأخبار»، العدد 2390 والعدد 2397). مهّدت التصفية (التي جرت بجهود تركيّة) لسيطرة أنقرة على مفاصل القرار داخل «الحركة» بدءاً من عام 2015. أخذت «أحرار الشام» بعدها بالعمل وفق منهج يشابه النهج «الإخواني» ليلمع نجم جناحها السياسي، لكنّ قسماً لا بأس به من كوادر «الحركة» ظلّ وفيّاً لانتمائه «القاعدي» ولـ«إرث حسّان عبّود». أفلح هؤلاء في تشكيل «لوبيات» مؤثّرة في القرار الميداني إلى حدّ ما. شهدت «الحركة» في آب الماضي مجاهرة أحمد عيسى الشيخ قائد «ألوية صقور الشّام» بالانفصال عنها، و«صقور الشام» واحدة من أولى المجموعات التي استقبلت «مجاهدين» أجانب في صفوفها. كذلك، كانت «أحرار الشّام» قبل أيام على موعد مع انشقاق «شرعيّين» مصريين اثنين، هما أبو شعيب وأبو اليقظان. ثمّة حديث متزايد في كواليس «الجهاديين» عن ارتباط المذكورَين بحزب النور السلفي المصري، وكانا من بين أشد المعارضين لـ«فتوى» إباحة القتال تحت راية الأتراك. مهّد انشقاقهما لانشقاق مجموعة تُعرّف عن نفسها باسم «كتيبة مجاهدي أشدّاء».

«جبهة أنصار الدين»

من المتوقّع أن تسعى «أشدّاء» للانضمام إلى «فتح الشام». لكنّ موقف «الجبهة» من خطوة كهذه لا يزال غير واضح، ويقول مصدر من داخلها لـ«الأخبار» إنّ «ضم منشقين عن أحرار الشام سيكون خطأً فادحاً، لأنّه سيؤزّم الموقف مع الإخوة فيها». وربّما لجأت «فتح الشام» في سبيل إنقاذ الموقف إلى حل وسط، يقوم على التنسيق مع «أشدّاء» من دون انضمامها رسميّاً، أو على ضمّها إلى مجموعة محسوبة على «الجبهة» بنحو غير رسمي مثل «جبهة أنصار الدّين» بغية ترميمها. وكانت الأخيرة قد «بايعت» الجولاني بوصفه ممثلاً لـ«تنظيم القاعدة في بلاد الشّام» («الأخبار»، العدد 2704). وإبّان «فك الارتباط»، ظهر تياران داخل «أنصار الدين» يسعى الأوّل إلى ضبط الأمور وعدم المجاهرة بالانفصال عن الجولاني والحفاظ على حدّ أعلى من التنسيق معه، فيما يرى الثاني أنّها باتت «في حل من البيعة». تُشكّل «الكتيبة الخضراء» مركز الزّخم الأساس داخل الفريق الثاني، وجاء انشقاقُها أخيراً عن «فتح الشّام» بمثابة انشقاق أيضاً عن «أنصار الدّين». يُعرف عن «الكتيبة الخضراء» منذ تأسيسها غلبة «المهاجرين السعوديين» داخلها. وضمن هذا الإطار يبدو طبيعيّاً انضمامُها إلى تنظيم «جند الأقصى»، نظراً إلى أن الأخير يُعَدّ ثانية أبرز المجموعات المحسوبة على السعوديّة (بعد «جيش الإسلام»). 

مساعٍ سعوديّة لتوسيع «جند الأقصى»

«شخصيّة جهاديّة بارزة» قد باشرت اتصالات مع مجموعة «أشدّاء» بغية استقطابها إلى تنظيم «جند الأقصى» أسوة بـ«الكتيبة الخضراء». ومن شأن هذه الخطوة في حال نجاحها أن تُشكل نواةً لحضور متزايد لـ«الجند» في الشّمال، بعد أن انحسر حضوره وكاد يقتصر على محافظة حماه. وتبدو العودة إلى الشمال بزخمٍ قويّ مطلباً سعوديّاً «حيويّاً». وتشير معلومات «الأخبار» إلى أنّ الشخصيّة «الجهاديّة» المذكورة تجري سلسلة اتصالات مع معظم المجموعات «القاعديّة» للغرض ذاته، ومن تلك المجموعات تبرز «كتيبة التوحيد والجهاد» الطاجيكيّة، و«كتيبة الإمام البخاري» الأوزبكيّة.
_____________

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.