الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

انتخابات تركيا: الجميع في خدمة أردوغان... أردوغان، الفوز المشروط والإنتصار الممنوع... الانتخابات التركية: عودة إلى المربع الصفر

    نوفمبر 03, 2015   No comments

حسني محلي

بات الإخوان المسلمون، بكل تياراتهم وأجنحتهم السياسية والمسلحة، يرون في رجب طيب أردوغان زعيماً سياسياً وعقائدياً وعسكرياً، شأن السلطان سليم الأول الذي غزا سوريا في 1516، ودخل القاهرة في 1517، ليعود منها خليفة للمسلمين، بعد حملته على إيران الصفوية عام 1514

هنّأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو على انتصار حزبهما الكبير في الانتخابات التشريعية قبل يومين، «مغرّداً» عبر «تويتر» أنهما سيبقيان في السلطة حتى عام 2023، أي عام الاحتفال بالذكرى المئوية لقيام الجمهورية العلمانية الأتاتوركية.

وأحيت نتيجة الانتخابات حلم أردوغان بإعادة صياغة الجمهورية التي يعرف الجميع، منذ أن تسلّم زعيم حزب العدالة والتنمية السلطة في تشرين الثاني 2002، أنه ضدها عقائدياً وسياسياً. وسيسمح النجاح الانتخابي لأردوغان بأن يتخذ كل الإجراءات لضمان إعادة انتخابه رئيساً في صيف 2019، وبالتالي تكرار فوز «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني 2019 أيضاً. ويُحتمل أن ينجح أردوغان مباشرة في تغيير نظام الحكم في تركيا إلى رئاسي، وهو يحتاج لذلك إلى 13 مقعداً إضافياً فقط في البرلمان، بعدما حصل حزبه على 317 مقعداً، أي أقل بـ١٣ مقعداً من النصاب الدستوري المطلوب للدعوة إلى استفتاء شعبي مباشر حول تعديل الدستور.
ومن المتوقع أن ينجح أردوغان في تفجير صراعات داخلية في حزب الحركة القومية، بغية استقطاب 13 من نواب الحزب الذي يعيش صدمة حقيقية بعد تراجع مقاعده البرلمانية من 80 في حزيران الماضي إلى 40 مقعداً، بسبب السياسات الغريبة لزعيم الحزب، دولت بهجلي، الذي رفض الائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بحجة علاقته بحزب الشعوب الديمقراطي، اليساري وذي الغالبية الكردية. كذلك رفض بهجلي الائتلاف مع «العدالة والتنمية»، بحجة أن الأخير غير جاد في حربه ضد حزب العمال الكردستاني. وكانت هذه المواقف كافية لدفع عدد كبير من مناصري «الحركة القومية» إلى التصويت «للعدالة والتنمية»، بعدما حمّلوا بهجلي مسؤولية عدم الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي الاقتصادي.

كذلك حمّل عدد كبير من الذين صوّتوا لحزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات حزيران الماضي قيادات هذا الحزب، ومن ورائهم حزب العمال الكردستاني، مسؤولية التصعيد الأمني، فذهبوا إلى التصويت «للعدالة والتنمية»، على أمل عودة الاستقرار الأمني والاقتصادي. وفشل قادة «الشعوب الديمقراطي» و»الشعب الجمهوري» في دحض خطاب الثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو، خاصة بعدما تم تعويق وصولهم إلى الناخبين، إن كان عبر محطات التلفزيون التي كانت تبثّ خطابات الثنائي المذكور بمعدل 20 و30 ضعفاً أكثر عن خطابات قادة «الشعب الجمهوري» و»الشعوب الديمقراطي»، أو عبر الاتصال المباشر، حيث اضطر قادة هذين الحزبين إلى إلغاء تجمعاتهم الانتخابية في عموم البلاد، بسبب التهديدات الأمنية «الارهابية». كذلك استغربت غالبية أنصار الحزبين قبولهما المشاركة في الانتخابات، رغم قولهما إنها غير ديمقراطية وغير عادلة.
وكان «الإرهاب» وسيلة أردوغان الأفعل «لإقناع» الناخبين. فالهجومان الانتحاريان في مدينة سروج في 20 تموز الماضي، وفي أنقرة في 10 تشرين الأول الماضي، كانا من صنع عناصر «الدولة الإسلامية»، الذين غضّ الأمن التركي نظره عن جميع نشاطاتهم، حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت التفجيرات. وتحدث مراقبون عن «غرابة» الهجوم الذي استهدف عنصرين أمنيين في مدينة ديار بكر في 21 تموز الماضي، والذي اتهمت السلطات عناصر «الكردستاني» بتنفيذه، ليتحول الأخير فجأة إلى حديث الساعة. وبات واضحاً أن «العدالة والتنمية» استفاد من عودة القتال الذي أودى بحياة نحو 200 من عناصر الجيش والأمن، وأضعاف العدد من عناصر «الكردستاني» داخل تركيا وفي شمالي العراق. ويرى البعض أن «الكردستاني» منح الحزب الحاكم فرصة ثمينة ليسوّق نفسه لدى الناخبين، وخاصة القوميين، على أنه الوحيد القادر على القضاء على «الاٍرهاب» وتحقيق الاستقرار. ويرى هؤلاء أيضاً أنه لولا فشل أحزاب المعارضة، غداة انتخابات 7 حزيران الماضي، في الاتفاق في ما بينها على تشكيل حكومة ائتلافية، لما عاد «العدالة والتنمية» إلى الإمساك بالسلطة.

سمح كل ذلك للثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو بتحقيق انتصار الأحد الذي سيبقيهما في السلطة حتى عام 2019، وبعدها حتى 2023، ليمضيا في طريق أسلمة الدولة والأمة التركية. وتتوقع الدراسات ألا تعترض غالبية الأتراك على هذا النهج السياسي والعقائدي، ما دامت أمورهم اليومية ميسّرة، علماً بأن غالبية الشعب التركي محافظة ومتدينة، وقومية الجذور والطبع الفردي والاجتماعي. وما على الثنائي الحاكم إلا الاستعجال في القضاء على أشكال المعارضة كافة، السياسية والإعلامية والاجتماعية، وهو ما ينتظره الجميع خلال الايام المقبلة، ما دام حزب الشعب الجمهوري لا يملك مقومات التصدي للحملة الجديدة، التي لن يبالي أحد بها في الغرب، رغم تكرار الحديث عن معايير كوبنهاغن للانضمام إلى الاتحاد الاوربي. ولا يزال الاتحاد يكتفي بتوجيه انتقاداته التقليدية لأردوغان، في ما يتعلق باحترام الديمقراطية وحقوق الانسان، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن ما يهم عواصم الاتحاد، ومعها واشنطن، هو استثماراتها وأرباحها الخيالية في تركيا، بعدما وصل حجم الاستثمارات الأجنبية الى 2 تريليون دولار، خاصة في البورصة والقطاع المصرفي، التي باتت 70٪ من أموالها أجنبية.
ويعرف الجميع أيضاً أن هذه الأرباح جاءت نتيجة شبكة من العلاقات الشخصية، تجمع أردوغان وقيادات من حزبه بأصحاب الرساميل الخليجية خاصة. ويفسر ذلك قضايا الفساد الخطيرة التي تشمل صفقات يقدر البعض قيمتها بأكثر من ١٠٠ مليار دولار، حيث قامت حكومات «العدالة والتنمية» ببيع ما قيمته 150 مليار دولار من مؤسسات ومرافق القطاع العام، التي لم يبق منها إلا القليل، ويستعد أردوغان لبيعها خلال السنوات الأربع المقبلة. ويريد أردوغان بذلك أن يضمن، عبر مشاريعه، تمويل حركة الشارع الشعبي اليومي، الذي أثبت في انتخابات الأحد الماضي، وقبلها في انتخابات رئاسة الجمهورية في آب من العام الماضي، أنه غير مبال بقضايا الفساد والسرقات، ما دام هو أيضاً مستفيداً منها بشكل أو بآخر.
ويبقى الرهان على تحديات المرحلة القادمة، وخاصة في ما يتعلق بالملف الكردي، ببعديه الداخلي والخارجي، حيث تتحدث مصادر عن مساومات جديدة محتملة مع زعيم «الكردستاني»، عبد الله أوجلان، بالتنسيق مع واشنطن التي يتوقع البعض أن تسعى لسد الطريق على الروس في المنطقة، ومنعهم من لعب الورقة الكردية.

_________________
أردوغان، الفوز المشروط والإنتصار الممنوع
أمين أبوراشد
قبيل إجراء إنتخابات الإعادة للبرلمان التركي، والتي فاز فيها "حزب العدالة والتنمية" بنسبة 49.41 % من الأصوات مما يكفل له تشكيل الحكومة منفرداً، ركَّز الرئيس رجب طيب أردوغان في الإطلالات الجماهيرية الداعمة للحزب، على ضرورة الفوز بما يكفل قيام نظام رئاسي في تركيا، وكرَّر صراحة  ما قاله في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي: "إن رئاسة تنفيذية على غرار النظام الأميركي ضرورية لتعزيز النفوذ الإقليمي والنجاحات الاقتصادية لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي" وتوجّه بالكلام الى خصومه: "يقولون، إذا حصل أردوغان على ما يريد يوم الأحد فإنه سيصبح شخصاً لا يقف شيء في طريقه، إنهم يقصدون أن تركيا لن يستطيع أحد إيقافها".

قراءة لنتائج هذه الإنتخابات مقارنة مع نتائج الإنتخابات السابقة التي جرت منذ خمسة أشهر تُظهر ما يلي:
حزب العدالة والتنمية حصل على 316 نائباً مقابل 259 في الإنتخابات الماضية، واستقرّ جزئياً وضع الحزب الجمهوري بحيث حصل على 131 نائباً بتراجع ثلاثة نواب عن السابق، وتعرَّض حزب الحركة القومية للنكسة الكبرى بالحصول على 41 نائباً مقابل 78 في الدورة السابقة، وتراجع حزب الشعوب الديموقراطي الكردي وحصل على 59 نائباً في مقابل 78 في الإنتخابات الماضية.

أولى القراءات لهذه النتائج التي يبدو فيها أردوغان فائزاً، تُظهر ما يلي:
1) يحتاج أردوغان الى نسبة 67% من إجمالي نواب البرلمان البالغ عددهم 550 نائباً ليتمكن من تعديل الدستور أي ما مجموعه 369 نائباً، مما يحتِّم عليه التحالف مع حزب يمنحه على الأقل 53 نائباً، وهذا ما لا يتوفَّر سوى لدى حزب الشعب الجمهوري الرافض لكافة سياسات أردوغان وبشكلٍ خاص جموحه الى السيطرة الشخصية عبر النظام الرئاسي، مما يعني أن أي تحوُّل من النظام البرلماني الى الرئاسي، سوف يُلزِم أردوغان باللجوء الى حكومة إئتلافية لإرضاء الخصوم وزارياً، أو تشكيل حكومة يتفرَّد بها حزب العدالة والتنمية ويجد أردوغان نفسه ملزماً باللجوء الى الإستفتاء الشعبي. 

2) إن تخطِّي حزب الشعوب الديموقراطي الكردي عتبة العشرة بالمئة التي خوَّلته للمرة الثانية في تاريخه من دخول البرلمان ولو بعدد أقلّ من النواب هو هزيمة استراتيجية لأردوغان، لأن كل محاولاته لإقصاء ممثلي الأكراد عن البرلمان قد فشلت، وأن اتهامه لحزب الشعوب الديموقراطي بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره إرهابياً والتحريض على أكراد الداخل قد ورَّط حزب الحركة القومية المناوىء للأكراد بأعمال عنف وإحراق مراكز الشعوب الديموقراطي بالتواطؤ مع العدالة والتنمية، مما انعكس سلباً على الحركة القومية واتَّهمها الناخبون باستفزاز أكراد الداخل وخسرت 37 نائباً لصالح العدالة والتنمية، في الوقت الذي خسر فيه أردوغان معركة إقصاء الأكراد بعدما تخطى حزب الشعوب الديموقراطي عتبة العشرة بالمئة ودخل البرلمان ثانية، رغم الإرهاب الذي مُورِس عليهم في ديار بكر بشكل خاص وإحراق 80% من مراكز الحزب في أنحاء تركيا.

3) إن أحزاب المعارضة الرئيسية على تشتُّتها وعجزها عن التوحُّد، فهي على حدّ قول محلِّل تركي محايد "تُجمع على الخوف من جموح السلطة لدى أردوغان، وتعتبره أقرب الشخصيات التركية الى آخر سلاطين بني عثمان عبد الحميد الثاني 1876 -1909، الذي اتَّصف بالمواقف المتقلِّبة والسياسات التي كان يعتمد سلطته الشخصية محوراً لها، وإذا كان عبد الحميد قد ورِث عن أجداده هذا النمط على مدى 400 عام، فإن أردوغان كان وسيبقى حالماً باستحضار زمن السلاطين، عبر نزعته للتفرُّد بكافة دوائر الحُكم وسعيه للحصول على الأغلبية البرلمانية تمهيداً لتحويل النظام من برلماني الى رئاسي لتوطيد سلطة سلطانه، وهذا ما يُشكِّل عائقاً أمام التطوُّر الديموقراطي الفعلي وخروج على قواعد الجمهورية وإرث مصطفى كمال أتاتورك.

4) إن خصوم أردوغان يعتبرون أنه استحضر النار السورية الى الداخل التركي، سواء عبر جعل تركيا معبراً للإرهاب أو عبر المنطقة العازلة التي يُطالب بها ويرفضها الأميركيون، ومسألة المنطقة العازلة التي يطالب بها أردوغان ليست فقط لإبعاد حزب العمال الكردستاني ولو عبر استخدام داعش في مقاتلته، بل لإعادة إيواء مليوني سوري باتوا عبئاً على تركيا وينافسون الأتراك في أسواق العمل، وهو أمام خيارين إما استعمالهم ورقة ضغط على أوروبا للمطالبة بمساعدات إيواء أو الدخول في حرب استحداث منطقة عازلة وهو ما بات مستحيلاً بعد الدخول الروسي الأجواء السورية.

5) إن الإنكماش الإقتصادي والضمور الإستثماري وانهيار الليرة التركية في المرحلة الماضية، لم يحصل بسبب غياب حكومة فاعلة بقدر ما هو زعزعة ثقة بالإستقرار داخل تركيا، ولن يتمكَّن أردوغان وحكومة العدالة والتنمية من استعادة هذا الإستقرار قبل إقفال الحدود أمام إستيراد وتصدير الإرهاب وأعتدته وسلاحه، وقبل وقف التدخُّل في الشأن السوري بشكلٍ خاص، وقبل الإقرار بحقوق الأكراد، وإذا كان الأكراد قد خسروا أمامه معركة انتخابية وحلم المطالبة سياسياً بإنشاء كيان مستقل، فإن كل بقعة يسكنها أكراد في الداخل التركي باتت تعيش حكمها الذاتي ضمن كانتونات صغيرة يخشى الجيش التركي دخولها، وكذلك الموظفون المدنيون من الأتراك، والمعركة طويلة في الداخل التركي وعلى الحدود، ولن يصمت الجيش طويلاً على تطوُّر الفلتان الأمني والإنهيار الإقتصادي سواء كانت البلاد ضمن نظام برلماني أو في ظل نظام رئاسي، وبالتالي إذا كان أردوغان يعتبر أن نقل البلاد من نظام برلماني الى رئاسي شبيه بنظام الحكم الأميركي هو حلمه الأعظم فأنه حتى ولو نجح في الإستفتاء فلن ينتصر على 50% من الشعب التركي صوَّت ضدّ طموحاته نحو السلطة والسلطنة.

_________

الانتخابات التركية: عودة إلى المربع الصفر

من المؤكد أن الليلة الماضية كانت الأكثر هدوءاً لرجب طيب اردوغان منذ السابع من حزيران الماضي، فقد نام الرئيس التركي على انتصار انتخابي استعاد خلاله حزبه الإسلامي المحافظ «العدالة والتنمية» الغالبية المطلقة في البرلمان، ما سيمكنه من تشكيل الحكومة التركية الجديدة بمفرده، ويعيد بذلك البلاد الى حكم الحزب الواحد، بعيداً عن إزعاجات معارضيه، المتعددي الانتماءات الأيديولوجية والمطالب السياسية.
وضرب حزب العدالة والتنمية كل التوقعات، امس الاول، فبعد فرز كل الاصوات تقريباً حصل على 49.4 في المئة منها ليشغل 316 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعداً، حسبما اعلنت شبكتا التلفزيون «ان تي في» و «سي ان ان - ترك».
ويشكل ذلك، بالنسبة الى اردوغان، انتقاماً بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها في الانتخابات السابقة، التي خسر فيها حزبه الهيمنة الكاملة على البرلمان التي كان يتمتع بها منذ 13 عاماً ما أسقط حلمه بتعزيز الصلاحيات الرئاسية.
وخلافاً لما جرى في اليوم الاول من انتخابات السابع من حزيران الماضي، حين توارى اردوغان عن الأنظار بعد تكبّد «حزب العدالة والتنمية» هزيمة انتخابية مدوّية، استفاق الرئيس التركي باكراً، ليحتفل رمزياً بالانتصار الانتخابي عبر الصلاة في مسجد ايوب في اسطنبول، كما كان يفعل السلاطين الجدد في السلطنة العثمانية.

وخلال هذا الاحتفال السلطاني الرمزي، اطلق اردوغان سلسلة مواقف، اكد فيها ان «الإرادة الوطنية عبَّرت عن نفسها في الأول من تشرين الثاني لمصلحة الاستقرار»، مضيفاً «لنتحد ولنكن أشقاء ولنكن جميعا تركيا».
لكن المواقف الاردوغانية لم تقتصر على ما قاله للصحافيين في مسجد أيوب، فقد كان لافتاً للانتباه أن الرئيس التركي لم يستطع فور صدور النتائج شبه النهائية للانتخابات أن يكبح رغبته في التعبير عن فرحته بأي طريقة، فاستخدم موقع «تويتر»، الذي طالما هدد بإقفاله لإسكات معارضيه، مطلقاً سلسلة تغريدات جاء في إحداها «أود أن أهنئ جميع الاحزاب التي شاركت في انتخابات الاول من تشرين الثاني، وجميع المواطنين الذين أعربوا عن إرادتهم القومية من خلال أصواتهم». وأضاف في تغريدة أخرى «أهنئ حزب العدالة والتنمية الذي سيتولى السلطة لوحده، وأهنئ شقيقي أحمد داود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء».
والجدير ذكره ان اردوغان لم يخف في السابق ازدراءه لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى انه تعهد بـ «القضاء» على تويتر قبل الانتخابات المحلية التي جرت في آذار العام 2014، وشبّه في آب من العام ذاته مواقع التواصل بأنها «سكين في يد القاتل»، مؤكداً انه «لا احب التغريد». وحجبت الحكومة التركية موقعي «تويتر» و «يوتيوب» لبضعة ايام قبل انتخابات آذارالعام 2014 بعد استخدامها لنشر سلسلة من التسجيلات الصوتية التي تدين اردوغان والدائرة المحيطة به في فضيحة فساد. إلا أن أردوغان بعث أول تغريدة شخصية له على الإطلاق من حسابه في شباط من العام الماضي ليدين التدخين في اليوم القومي التركي لمكافحة التدخين.
وكان رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو قد دعا، في كلمة ألقاها في مقر «حزب العدالة والتنمية» في انقرة ليل امس الاول الى الوحدة في بلد يشهد انقساماً وقلقاً، معتبراً أن «لا خاسر في هذا الاقتراع» وأن «تركيا بأكملها ربحت»، مؤكداً ان الحكومة المقبلة ستدافع عن «المكتسبات الديموقراطية»، وأن «حقوق 78 مليون نسمة تحت حمايتنا».
كما دعا داود اوغلو الأحزاب السياسية التركية إلى الاجتماع والاتفاق على دستور جديد بعد استعادة حزبه الحاكم الغالبية في البرلمان.
ولا يبدو ان التهاني العاطفية التي وجهها اردوغان وأركان «حزب العدالة والتنمية» للمواطنين الاتراك، وللاحزاب السياسية، ستترجم على مستوى الشراكة الوطنية، فبالإضافة الى التذكير بأن الحزب الاسلامي المحافظ سيحكم منفرداً، والتلويح بأن هذا الانتصار الانتخابي سيكون مقدمة لـ «إصلاحات» سياسية يسعى من خلالها اردوغان الى الانتقال بالبلاد من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، فإنّ بوادر معاقبة المعارضين لاحت في الأفق يوم امس، بعد إقفال صحيفة سياسية واعتقال صحافيين.
وذكرت وكالة «دوغان» التركية للأنباء ان قوات الأمن التركية، وبناءً على طلب من النائب العام، داهمت مكاتب صحيفة «نوكتا» في اسطنبول، وصادرت نسخ عددها الأخير بتهمة «الحض العلني على ارتكاب جناية». وأضافت الوكالة ان الشخصين اللذين اعتُقلا هما رئيس التحرير جوهري غوفن ومدير النشر مراد تشابان.
وفي عددها الذي صدر يوم امس، نشرت «نوكتا» في صفحتها الاولى صورة لأردوغان وكتبت تحتها «بدء الحرب الأهلية في تركيا».
وليست هذه هي المرة الاولى التي تداهم قوات الأمن مقر «نوكتا»، سبق للصحيفة ان تعرضت لملاحقات مشابهة قبل اسابيع. وتأتي هذه الخطوة في سياق مسلسل التضييق على الصحافيين، حيث داهمت قوات الأمن، الأسبوع الماضي، مقري شبكتي تلفزيون معارضتين، الأمر الذي وُوجه بتنديد واسع في تركيا وفي الخارج.
وتعكس خطوة مداهمة «نوكتا» انزعاج اردوغان من اي رأي يقول إن استمرار «حزب العدالة والتنمية» في الحكم سيجر تركيا الى مزيد من الاضطرابات.
وفي هذا الإطار، كان لافتاً ان مدينة ديار بكر، ذات الغالبية الكردية، قد شهدت فور ظهور النتائج الأولية للانتخابات مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن.
وانتقد صلاح الدين ديمرطاش، زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي الذي سجل تراجعاً كبيراً عن نتائج حزيران (13 في المئة مقابل اكثر بقليل من 10 في المئة) ما وصفه بالانتخابات «غير العادلة» التي جرت تحت التهديد الجهادي، لكنه أضاف أنه «انتصار كبير لنا على كل حال»، موضحاً «خسرنا مليون صوت لكننا بقينا واقفين في مواجهة المجازر (التي ترتكبها السلطة) والفاشية».
ويتفق كلام ديمرطاش مع تأكيد مراقبين دوليين، امس، ان حملة الدعاية للانتخابات البرلمانية في تركيا غير نزيهة وشابها الخوف والعنف.
وقال رؤساء البعثة المشتركة لمجلس اوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مؤتمر صحافي إن العنف كان له أثر كبير. وأشاروا الى اعتداءات وممارسة الترهيب ضد أعضاء في «حزب الشعوب الديموقراطي».
ولكن حتى الآن لم تقدم أي أحزاب شكاوى رسمية بشأن النتائج، وإن كان «حزب الشعوب الديموقراطي» قال إنه يعتزم الطعن على عدة مقاعد.
اما زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار اوغلو، فقال «نحن نحترم نتائج الانتخابات، السلطات التركية يجب ان تحترم غلبة القانون... لا أحد يجب ان يُعتبر فوق القانون».
وبرغم هذه التجاوزات فإن من غير المرجح ان تقود الانتقادات او الطعون الانتخابية الى نتيجة مغايرة، إذ بات الكل مقرّاً بأن اردوغان كرّس هيمنة «حزب العدالة والتنمية» على الحكم لأربع سنوات مقبلة.
ومع ذلك، يمكن القول إن كل القوى السياسية في تركيا قد طوت معركة الانتخابات وبدأت الاستعداد لمعركة أكبر، وربما اكثر خطورة، تتمثل في طموحات اردوغان الرئاسية.
وفي هذا الإطار، قال مصطفى سنتوب، وهو مسؤول كبير في «حزب العدالة والتنمية»: «لقد انهارت الرؤية بأن انتخابات السابع من حزيران هي رفض لمنصب الرئاسة التنفيذي».
وأضاف سنتوب، الذي سبق وقاد مساعي الحزب الحاكم لتعديل الدستور، أن «الأرقام غير كافية في تلك اللحظة لكنني أعتقد أن هذه الانتخابات تُظهر رغبة لتطبيق النظام الرئاسي. وقد يُنظر لها على أنها ضوء أخضر أو أصفر للرئاسة»، لكنه أشار الى انه لم يتضح بعد ما اذا كان الحزب الحاكم سيتمكن من إيجاد الأصوات الثلاثة عشر اللازمة لدعم الاستفتاء على الدستور الجديد.
وبرغم ذلك، فإن ثمة إجماعاً بين المراقبين على أن الطموحات الرئاسية لأردوغان قد تؤدي الى تعميق الخلافات داخل المجتمع التركي.
وفي هذا الإطار، قال الكاتب في صحيفة «جمهورييت» المعارضة كان دوندار «نحن نواجه الآن مجتمعاً منقسماً الى معسكرين يجلس اردوغان في وسطهما»، موضحاً أن المعسكرين هما «هؤلاء المستعدون للموت من أجل اردوغان، وهؤلاء الذين لم يعودوا يطيقونه. والانقسام أصبح أبدياً».
اما ناتالي مارتن، خبيرة السياسة التركية في جامعة نوتنغهام ترينت في بريطانيا، فاعتبرت ان اردوغان «اقترب خطوة من نقل النفوذ من البرلمان الى القصر الرئاسي وتعزيز سلطته بشكل دائم». وأضافت «بالرغم من أن (حزب العدالة والتنمية) لم يحصل على ما يسمى بـ (الغالبية السوبر)، التي كانت ستمكنه من تطبيق هذه الإجراءات، إلا أنه أصبح أقرب من تحقيق ذلك»، مشيرة الى ان «اردوغان حوّل الهزيمة الى انتصار خلال أشهر قليلة. أنا واثقة من أن عدداً قليلاً من الأصوات لن يوقفه الآن».
بدوره قال وليم جاكسون خبير اقتصاد الأسواق الناشئة في مؤسسة «كابيتال ايكونوميكس» إن الغالبية التي حصل عليها «حزب العدالة والتنمية» تبقى ضئيلة نسبياً ما سيؤدي الى ما يسمى بـ «الاقتصاد المعتدل»، مضيفاً أنه نتيجة لذلك «فيكون من الصعب على حزب العدالة والتنمية أن يطبق خططه لتعديل الدستور لتعزيز سلطات الرئيس، وهي الخطوة التي يخشى أن تقوي بعض التوجهات السلطوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لدى الرئيس إردوغان».
وفي ما يتعلق بالقضية الكردية، قال دوغو ايرغيل، الخبير في الشؤون الكردية في جامعة الفاتح في اسطنبول، إنه لا يعتقد أن الحكومة ستستأنف محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني»، مشيراً الى انه «بدلاً من ذلك أتوقع أن تتحدث الحكومة مباشرة مع ممثلين عن حركات كردية اخرى من بينها حزب الشعوب الديموقراطي... وإذا لم يحدث ذلك فإن المشكلة الكردية ستتفشى بشكل مميت».
كثيرة هي التساؤلات التي تحملها نتائج الانتخابات التركية، لكن الأكثر تعبيراً عن واقع الحال في تركيا اختزلته صحيفة «زمان» التركية المعارضة بعنوان: «العودة الى المربع صفر».

ISR Weekly

About ISR Weekly

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.