‏إظهار الرسائل ذات التسميات التغيير العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التغيير العربي. إظهار كافة الرسائل

السبت، 12 أغسطس 2017

الجزائر بين يومين وكل الخوف من اليوم الثالث

    أغسطس 12, 2017   No comments
اسماعيل القاسمي الحسني

التحذيرات مما هو قادم على الجزائر دولة و شعبا، ليست وليدة هذه المرحلة التي تميزت بالمناكفات على مستوى هرم السلطة، و صراعات أجنحة و إن اختلفت من ناحية التصنيف، فهي مجتمعة على قاسم مشترك و هو السلوك المافيوي، منعدم روح الانتماء للوطن، منسلخ من كل قيم الشخصية الجزائرية؛ و يحضرني هنا أنني كتبت في صحيفة القدس العربي مقالات
عديدة منها “هل رفع دعوة الحق يستدعي إذنا من رئاسة الجمهورية (07/09/2010) و قبل ذلك :”من يحمي الشعوب من إساءة الرؤساء” (08/10/2009)، و “من البلطجة السياسية الى هاوية العربدة” (16/11/2009) و “فلاح يستنفر جهاز المخابرات” (15/12/2009)؛ كتبنا ذلك و غيره كثير في تلكم السنوات بين 2008 و 2011 أيام كانت أغلب النخب الجزائرية بين متملق متسلق و بين ما لي و لهذا. و لن أنس مقالا تحت عنوان:” لو كنت جنرالا، لأمرت بإعدامه”؛ يدعو فيه كاتبه و هو صحفي جزائري مخضرم، له اسمه و تاريخه الى التصفية الجسدية للفلاح، بحجة أنه إرهابي يعيش بين زوريخ و لندن، باعتبار أن جرأة النقد لا يملكها في تقديره إلا إرهابي يعيش خارج الجزائر.
 

اليوم تقف الجزائر دولة و شعبا على واقع بالغ الخطر لطالما حذرنا النخب منه و دعوناها منذ عشر سنوات للعمل جديا و بوعي لتجنبه.

في مرحلة الرئيس هواري بومدين، كانت شخصيات كثيرة مرشحة لخلافته، اتفقنا حولها أم اختلفنا، لا يمكن أن نغفل خصائصها و منها الحضور و التاريخ الثوري و غيرهما؛ مع ذلك حين توفي الرئيس 1978 و لحظة وجود صدام بين الشخصيات على وراثة الحكم، تمكن النظام من اختيار شخصية لا تختلف بشأنها أطراف الصراع، و عاد القرار ساعتها الى جهاز المخابرات الجزائرية. اليوم يختلف عن ذلكم الأمس، لا نتكلم عن المحيط الإقليمي و العربي الملتهب، وإنما نكتفي بحالة الداخل التي تفتقر لأي شخصية قيادية، فالرئيس الحالي عمل بكل جهده على إخلاء السلطة من أي رجل تشتم فيه إمكانية التأهل للقيادة، جنون العظمة من جهة و بطانة التأليه من جهة ثانية،مسحت بشكل لافت تخلّق هذه الضرورة الحتمية لصيرورة النظام.

أما اليوم الثاني فهو حالة تونس قبيل 07/11/1987، فالرئيس الجزائري الحالي، الذي دعوناه مرارا لعدم تقطيع الدستور وفق هواه، و نددنا بقوة حين طبّل له مرتزقة السلطة و الإعلام و غيرهما لما اجتث المادة الدستورية التي تنص على عهدتين فقط؛ قد بلغت به الحال وضعا صحيا أكثر تعقيدا من حالة الرئيس بورقيبة 1987، و لا نتصور عاقلا يصدّق بأنه هو من يدير شؤون البلد منذ أربع سنوات على الأقل؛ لا نلتفت لتعليقات مرتزقة السلطة و طفيلياتها التي تلتف حول سيقان قصب سُدّتها؛ لكن الفارق بين يوم تونس و يوم الجزائر هذا الذي نعيش ساعاته المقلقة، هو شلل جهاز المخابرات الجزائرية، الذي على ما يبدو تعرض لحالة تصحّر مخيفة، ذلك أنه يعدم شخصية مركزية قوية من ناحية، و من ناحية أخرى حصر تقدير الأمن القومي في الشق الخارجي، و هذا تقدير أصاب أنظمة عربية في مقتل، و انتهى بها لحروب داخلية و تمزق جغرافي مروّع.

بقي اليوم الثالث، هذا اليوم الذي لا تريد النخب أن تواجه أسئلته استباقا، ماذا لو غاب الرئيس اليوم؟ هذا الأمر مؤكد الوقوع في أي دقيقة، ماذا سيحدث؟ و الحال أن رئيس مجلس الأمة (الرجل الثاني) غير مقبول لأسباب يعرفها رجال السلطة أنفسهم، فضلا عن كونه في العقد التاسع هو كذلك، و لا وجود لجهاز مخابرات قوي يمكنه أن يضبط وقع الصراع بين الطامعين في الوراثة، و أخطر من ذلك كلّه، هو لا وجود لشخصيات تحظى بقليل من احترام الشعب، و لا توجد شخصية من طراز زين العابدين بن علي لها الجرأة و القدرة على إمساك زمام الأمر.

بل ما هو ظاهر على سطح الطبقة السلطوية ليس أكثر من شخصيات مافيوزية أقل شرفا و أخطر جرما من La Cosa Nostra و التي نشأت عام 2000 بظاهرة “الخليفة”، و لم تتطور بعد الى حالة La Cosa Nuova  مع ظاهرة “حداد”.
 
لقد أشرت سابقا لحالة الابتزاز التي مارستها الطبقة السياسية الجزائرية بشقيها الحاكم و ما يسمى بالمعارضة، ابتزاز وعي الشعب الجزائري بخطورة أي تحرك جدي خشية أن يستغله الطرف الخارجي، و يجعل منه كما فعل مع بقية الشعوب العربية، وسيلة للتدخل و العبث بالأمن الداخلي و سلامة الوطن، هذا الابتزاز الحقير و الإجرامي في آن واحد الى أين سيأخذ الوطن؟ هذا اليوم الثالث الذي يجعلني أضع يدي على قلبي، لأن “القيادة” الجزائرية تعوّل على تقدير مُتَوَهَّم، و هو أن أوسع طبقات الشعب تعيش حالة سبات سياسي؛ هذا “الوهم” لا يستقر إلا في عقول محنطة متكلّسة، فكما رصد زبيغنيو بريجنسكي في كتابه رؤية إستراتيجية،هناك ظاهرتان جديدتان قلبت التاريخ البشري المعاصر، و من لم يعي ذلك فقطعا هو منفصل عن الواقع.

الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

مراجعات سياسية: هل تفكر السعودية بالنزول عن الشجرة؟

    أغسطس 08, 2017   No comments
قاسم عز الدين

مؤشرات عديدة تدل على أن السعودية باتت مقتنعة بأن مراهناتها في المنطقة تصطدم بحائط مسدود. لكنها ربما تأمل أن تتجاوز أزماتها بهدوء من دون أن يظهر عليها تراجع يقلّل من مكانتها التي تتصورها لنفسها. وهو ما ينذر بانتقال السعودية من فاعل في الأزمات إلى شلل سياسي.
 
المصافحة باليد بين عادل الجبير ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ربما أرادها الجبير مصحوبة بابتسامة على هامش مؤتمر "آسيان" في تركيا للإشارة إلى متغيّر سياسي على الرغم من اللقاء العابر. فالجبير كان يبدي في مؤتمرات سابقة عدائية ناتئة تتخطى الدماثة الدبلوماسية على الرغم من أن إيران كانت تحاول باستمرار فتح كوّة في جدار الدبلوماسية السعودية المصفّح بالفولاذ ظنّاً منها أن العدائية البارزة تدلّ على تصميم يشدّ عصب المؤيدين والمترددين.

هذه المصافحة لم تكن بيضة ديك على ما تتصف به أحداث الصدفة من خارج السياق ومن دون مقدمات ونتائج. فقد سبقتها دعوة رسمية وجهتها السعودية إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لبحث توطيد التعاون بين الرياض وبغداد بحسب البيان الرسمي وهو ما قام به رئيس الوزراء حيدر العبادي وفق البيانات الرسمية نفسها. لكن دعوة السيد مقتدى الصدر جاءت إثر قطيعة استمرت 11 عاماً ما يشير إلى أن السعودية تسعى إلى وصل ما تقطّع بينها وبين المنطقة عبر طرق لا تدل على تراجع مفاجىء في سياستها الإقليمية. فالتيار الصدري يتميّز بفكر نقدي تجاه معظم سياسات دول المنطقة، ويتميّز بنقد أشدّ تجاه السياسة السعودية في المنطقة وبعزيمة كبيرة لمواجهة استراتيجية الولايات المتحدة راعية السعودية.

الإعلام السعودي يحاول تغطية هذه الانعطافة بتضخيم ما يظنّه "خلافات عميقة" بين التيار الصدري والتيارات السياسية في المنطقة التي تواجه الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. لكن التيار الصدري الذي يدعو إلى مواجهة أميركا وإسرائيل يفترق عن السعودية في الأسس ولا يتقارب معها إلاً في حدود تقاربها مع دعوته لوقف الحروب. ففي هذا السياق تتخلى السعودية عن صلب سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا"، معربة بمجرد اللقاء مع السيد مقتدى الصدر عن ميل لتغيير سياستها الإقليمية وعن استعداد للبحث في الكفّ عن إذكاء نار الحروب. وربما تقصد السعودية من وراء تغيير السلوك الصلف محاولة تحسّس حرارة المناخ الإقليمي من دون تنازلات سياسية ملموسة.

في مأزق الحرب على اليمن، تأمل السعودية أن تنجح بنقل المفاوضات المرتقبة بين الأطراف اليمنية من سلطنة عمان إلى الأردن بعد أن اشتدت الضغوط على السعودية لوقف الدمار وجرائم الإبادة الجماعية بالجوع والكوليرا. وفي هذا السبيل يلتقي عبد الملك المخلافي مع رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقى ووزير الخارجية أيمن الصفدي وقت زيارة اسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى الأردن. لكن الأطراف المواجهة للتحالف السعودي ترفض التفاوض في الأردن وتضغط بذلك على ولد الشيخ وعلى المسؤولين الأردنيين للتراجع عن هذا الخيار.

في مأزق التحالف الأميركي في سوريا، تحاول السعودية تجديد شباب هيئة التفاوض في الدعوة إلى لقاء في الرياض مع منصات موسكو والقاهرة. لكن المنصات ترفض اللقاء في الرياض وتصر على اللقاء في جنيف. فهيئة التفاوض التي أقالت خالد المحاميد لأنه أفصح عن أن "المعارضة أصبحت تعتمد على الدور العربي وخاصة المصري في حل القضية السورية"، تبحث عن تعويم نفسها بين معارضات أكثر واقعية في النظر إلى موازين القوى السورية في تسجيل مواقف الاعتراض على الأقل. فهي إلى جانب الراعي السعودي الذي يعلن عن "موقف المملكة الثابت" في رفض بقاء الرئيس السوري بحسب بيان الخارجية السعودية، لم يعد لها دور على طاولة المفاوضات بعد أن انتهت اللعبة وبعد تراجع ماكرون وأوروبا عن السياسة السابقة.

الخيارات والمراهنات السعودية تجاوزتها الأحداث الميدانية في سوريا والعراق واليمن، وفاتها القطار السياسي الإقليمي والدولي. ولا ريب في أن السعودية تشعر بما يفقأ العين، وهي تحاول أن تتغيّر بهدوء طويل أملاً بحفظ ماء الوجه حرصاً على ادعاء مزعوم بالهيبة والمكانة في قيادة تحالف مقابل محور. لكنها في هذا الادعاء تهرب من أزمة إقليمية إلى مأزق في عقر دارها كما تدل محاولة تطويع قطر. ففي بعض الأحيان يتوقف بقاء الدول على حكمة اعترافها بهزائمها.
_____________
المصدر: الميادين نت


الجمعة، 23 يونيو 2017

مطالب دول حصار قطر

    يونيو 23, 2017   No comments
الكويت سلمت قطر قائمة بمطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
 
__________
1- إعلان قطر رسميا عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دوليا وأمريكيا على إيران، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران.

2- قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشؤها، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.

3- إعلان قطر عن قطع علاقاتها مع "كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية"، وعلى رأسها (الإخوان المسلمين — داعش — القاعدة — فتح الشام — حزب الله)، وإدراجهم ككيانات إرهابية وضمهم إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع، وإقرارها بتلك القوائم.

4- إيقاف كافة أشكال التمويل القطري لأي أفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية، وكذا المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع، وكذا القوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها.

5- قيام قطر بتسليم كافة العناصر الإرهابية المطلوبة لدى الدول الأربع، وكذا العناصر الإرهابية المدرجة بالقوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها، والتحفظ عليهم وعلى ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة لحين التسليم، وعدم إيواء أي عناصر أخرى مستقبلا، والالتزام بتقديم أي معلومات مطلوبة عن العناصر، خصوصا تحركاتهم وإقامتهم ومعلوماتهم المالية وتسليم كل من أخرجتهم قطر بعد قطع العلاقات وإعادتهم إلى أوطانهم.

6- إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها.

7- وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية، ومنع التجنيس لأي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع، وإعادة كل من تم تجنيسه في السابق بما يخالف قوانين وأنظمة هذه الدول وتسليم قائمة تتضمن كافة من تم تجنيسه وتجنيده من هذه الدول الأربع، وقطع الاتصالات مع العناصر المعارضة للدول الأربع، وتسليم كل الملفات السابقة للتعاون بين قطر وتلك العناصر مضمنة بالأدلة.

8- التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر.

9- أن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي، على كافة الأصعدة بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي، وقيامها بتفعيل اتفاق الرياض لعام 2013 واتفاق الرياض التكميلي لعام 2014.

10- تسليم قطر كافة قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين الذين قاموا بدعمهم، وإيضاح كافة أنواع الدعم الذي قدم لهم.

11- إغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر.

12- كافة هذه الطلبات يتم الموافقة عليها خلال 10 أيام من تقديمها وإلا تعتبر لاغية.

13- سوف يتضمن الاتفاق أهداف واضحة وآلية واضحة، وأن يتم إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.

الخميس، 26 يناير 2017

هل يستطيع ترامب إقامة "منطقة آمنة في سورية"؟... هل نشهد تقاربا بين “النصرة” و”الدولة الإسلامية”؟ وصداما روسيا أمريكيا؟ وما دور مؤتمر استانة في كل ذلك؟

    يناير 26, 2017   No comments
هل يستطيع ترامب إقامة "منطقة آمنة"؟

 قاسم عزالدين

قد لا يكون حديث ترامب في المنطقة الآمنة أجدى من الأماني التركية بخصوصها وما إحالتها للدراسة ووضع الخطة سوى من علامات المماطلة. فالدراسات والخطط التي أعدّتها وزارتا الخارجية والدفاع في عهد باراك أوباما لا تشوبها شائبة على الورق. لكنها في كل مرّة كان يتم البحث في وضعها على الأرض، كانت تواجهها معضلات تتجاوز قدرة الولايات المتحدة في أولوياتها.
ما تناوله دونالد ترامب بصدد رغبته في إقامة منطقة آمنة في سوريا، جاء في سياق حديث عن شاغله الشاغل لمحاربة المهاجرين. فما وعد به أثناء حملته الانتخابية يحاول أن يقدمه بطابع التزام جدي في إدراجه ضمن ما يُعرف بتقليد أول تسعين يوماً بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية.
في هذا السياق تطرّق ترامب في حديثه مع قناة "أي بي سي نيوز" الأميركية، إلى التأكيد على إقامة منطقة آمنة وأن وزارتي الدفاع والخارجية "ستعدّان الدراسة لوضع الخطة". لكن ما أشار إليه هو فرع من أصل عدائية للهجرة أسهب فيها ظناً أنها علّة العلل في أميركا والعالم. وسرعان ما وقعت إشارة ترامب في وزارة الخارجية التركية موقعاً طيّباً، إذ تلقفها الناطق الرسمي باسمها حسين مفتي أوغلو مذكّراً بالفضائل التركية السبّاقة منذ زمن طويل في مضمار المنطقة الآمنة. لكنه لم يشأ المغامرة في الإشادة بما تطرّق إليه ترامب منتظراً "نتيجة الدراسة ومقاصدها" كما قال.
وفي أغلب الظن أن ما يتناوله ترامب بشأن المنطقة الآمنة، لا يتقاطع مع الدعوات التركية بأكثر من التشابه في اللفظ ولا سيما في لحظة تدعو فيها واشنطن رعاياها في تركيا إلى توخّي الحذر "على خلفية تصعيد الخطاب المعادي للولايات المتحدة". بل ربما أن مقاصد الطرفين متناقضة تماماً من وراء القصد. فبينما يتوخّى البيت الابيض إقامة المنطقة الآمنة مع وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، تأمل أنقرة أن تكون ضدها في التمام والكمال.
وقد لا يكون حديث ترامب في المنطقة الآمنة أجدى من الأماني التركية بخصوصها وما إحالتها للدراسة ووضع الخطة سوى من علامات المماطلة. فالدراسات والخطط التي أعدّتها وزارتا الخارجية والدفاع في عهد باراك أوباما لا تشوبها شائبة على الورق. لكنها في كل مرّة كان يتم البحث في وضعها على الأرض، كانت تواجهها معضلات تتجاوز قدرة الولايات المتحدة في أولوياتها. ومنها عدم استعداد واشنطن لمغامرة عسكرية على الأرض في مواجهة موسكو، كما قال جون كيري سابقاً وكما يقول دونالد ترامب اليوم ولاحقاً. ومنها أيضاً عدم استعداد واشنطن لفرض حظر طيران والتفريط بالتنسيق مع موسكو في الأجواء السورية، وهو ما يأمل ترامب توطيده في مواجهة "داعش" والنصرة كما يقول.
ما توقفت عنده إدارة أوباما من معضلات حاولت تخطيها في الاعتماد على حرب بالوكالة، لا تحظى بمثله إدارة ترامب المنكفئة على نفسها من دون أن يبقى لها الكثير من الأوراق لحرب بالوكالة على الأرض. فمعظم الأوراق في الأزمة السورية باتت في أيدي الثلاثي الراعي لمحادثات آستنة روسيا وإيران وتركيا، على ما يتقاطع عليه الثلاثي وليس على ما يرغب كل من جانبه.المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أشار إلى هذا المتغيّر فيما يدل على أن الادارة الاميركية ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار المستجدات وعليها "دراسة العواقب المحتملة كافة". فقطار الثلاثي يتحرّك من محطة الأزمة السورية السابقة بتوأدة لكن بشكل محسوس. وقد شعرت بتحركه دول أوروبية كثيرة تحاول أن تحجز لها مقعداً، وفي مقدمها فرنسا بمرشحها الاشتراكي المحتمل "بنواه هامون" ومرشحها اليميني "فرنسوا فييون" فضلا عن مرشح اليسار الراديكالي "جون لوك ملنشون" ومرشحة اليمين الشوفيني مارين لوبان.
تشعر بالتحرك أيضاً دول مجلس التعاون الخليجي التي أوفدت وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الصباح إلى طهران "من أجل حوار يتحلّى برؤية مستقبلية لمواجهة الأخطار التي تهدد المنطقة" كما نُقل عن رسالة الأمير. ولا ريب أن ما يتواتر عن اتصالات بين عمان ودمشق لمواجهة مخاطر "داعش" في البادية السورية وحوض اليرموك، قد لا يكون جلّه محض ادّعاء في ظل نقلة نوعية بين موسكو وعمان. وفي هذا السياق تدعو موسكو حزب الاتحاد الديمقراطي بين منصّات سياسية أخرى في اتجاه مرجعية مفاوضات جديدة في جنيف، وربما لقطع الطريق على الفيدرالية في اتجاه حلول أخرى.
قد تكون تعقيدات الأزمة السورية شديدة التشعّب، لكن القطار يتحرّك نحو ضوء آخر النفق.
______________

ترامب يفاجئ الروس بقرار إقامة “مناطق آمنة” في سورية.. و”الجيش السوري الحر” يتآكل لمصلحة “احرار الشام” الاخوانية المدعومة تركيا.. فهل نشهد تقاربا بين “النصرة” و”الدولة الإسلامية”؟ وصداما روسيا أمريكيا؟ وما دور مؤتمر استانة في كل ذلك؟

عبد الباري عطوان
نتائج مؤتمر استانة الذي اختتم اعماله قبل يومين فقط، بدأت تنعكس توترا وصدامات دموية على الأرض السورية بين الفصائل المسلحة، حليفة الامس، ودخول دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد الى الحلبة “مبكرا”، بإعلانه عن إقامة “مناطق آمنة” في سورية “للأشخاص الفارين من العنف”.
التطور الأول، أي الاشتباكات الدموية بين فصائل الجيش الحر التي شاركت في مؤتمر استانة، وجبهة “النصرة” كان متوقعا، لان هذه الفصائل التزمت بإتفاق يحولها الى “صحوات” تنخرط في تصفية الأخيرة المدرجة على قائمة الإرهاب روسيا وامريكيا، وأخيرا تركياً، لكن ما لم يكن متوقعا هو “المناطق” الآمنة التي يريد ترامب اقامتها داخل الأراضي السورية على الأرجح.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اكد على لسان ديمتري باسكوف المتحدث باسمه صباح اليوم انه فوجيء بالموقف الأمريكي الجديد، واكد انه لم ينسق مع موسكو حول هذه المسألة، ودعاه الى دراسة العواقب التي يمكن ان تترتب على هذا القرار في تحذير واضح”.
***
انعقاد مؤتمر استانة كان احد ابرز إنجازات “الدهاء الروسي”، لانه حقق الفصل بين جبهة “النصرة” وفصائل الجيش السوري الحر أولا، وبين جبهة “النصرة” وحليفتها الاستراتيجية حركة “احرار الشام”، ووظف الطرفين الأخيرين في اطار مخطط لتصفية الأولى، أي “النصرة”، في شمال سورية، ثم الانتقال لتصفية “الدولة الاسلامية” في غربها.
بعد “اكمال” عملية الفصل على الأرض، جرت عملية الغاء لـ”الجيش الحر” كمظلة للفصائل المعتدلة، وتوحيد معظم فصائله تحت مظلة كيان قديم جديد عنوانه “احرار الشام” التنظيم الموالي لتركيا، ويعتقد انه الذراع العسكري لحركة “الاخوان المسلمين” السورية.
حركة “احرار الشام” أعلنت الحرب، وبإيعاز من تركيا، عسكريا وسياسيا، على جبهة “النصرة” وفي منطقة ادلب على وجه الخصوص:

  
   عسكريا: تحت ذريعة حماية الفصائل التي وقعت على اتفاق استانة، وتعرضت لتصفية دموية من قبل جبهة النصرة، مثل جيش المجاهدين، صقور الشام، جيش الإسلام، (قطاع ادلب)، ثوار الشام، الجبهة الشامية، وحركة استقم.
    سياسيا: من خلال وضع الحكومة التركية جبهة “النصرة” على قائمة الارهاب رسميا اليوم الى جانب “الدولة الإسلامية”، وبعد تلكؤ استمر ست سنوات، وإصدار الائتلاف الوطني السوري المعارض بيانا بعد اجتماعه الطارئ بإسطنبول، وبإيعاز تركي أيضا، ادان فيه الجبهة (النصرة)، ووصفها بأنها تنظيم إرهابي عابر للحدود، يتبنى فكرا منحرفا، وسلوك متطرف، ورفض البيان تغيير الاسم الى “فتح الشام”، واصر على ربطه بتنظيم “القاعدة”، وهذا تطور جديد أيضا.

حتى قبل استانة كانت هذه الفصائل تقاتل الى جانب جبهة “فتح الشام” النصرة، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” والجيش السوري، وشكلت معها جيشا مشتركا تحت اسم “جيش الفتح” الذي يسيطر على مدينة ادلب حاليا، فماذا حدث لتنقلب الأمور رأسا على عقب في غضون أيام او أسابيع على الأكثر؟
جبهة “فتح الشام” او “النصرة” كانت البادئة بالهجوم الشرس لتصفية الفصائل التي ذهبت الى استانة، وخاصة صقور الشام، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية، بضغط او تنسيق تركي لسببين:

    الأول: وصول معلومات مؤكدة ان بعض هذه الفصائل هي التي قدمت معلومات للتحالف الأمريكي عن تحركات عناصرها وقياداتها، مما أدى الى استهدافها ومقتل 13 في غارات أمريكية.
    الثاني: تعهد هذه الفصائل في الانخراط في حرب ضدها في استانة باعتبارها حركة إرهابية.

جبهة “النصرة” تواجه المصير نفسه الذي واجهته “الدولة الإسلامية” ومن قبلها الفصائل المذكورة نفسها، وبالذريعة نفسها، أي تجاهل “فتح الشام” الدعوات للاحتكام الى المحكمة الشرعية التي دعت لانعقادها حركة “احرار الشام” لحقن الدماء، الامر الذي دفع هذه المحكمة وداعميها الى وصفها، أي جبهة النصرة، بـ”الفئة الباغية” وتحميلها مسؤولية هذا التجاهل.
***
لا نعرف ما هو موقف منظري الحركات الجهادية في داخل سورية مثل الشيخ عبد الله المحيسني القاضي الشرعي لحركة “احرار الشام” و”المجاهدين”، وكذلك مواقف الشيخين ابو محمد المقدسي، وعمر عثمان ابو عمر “ابو قتادة”، اللذين انتصرا لجبهة النصرة، او بالأحرى الذراع العسكري لتنظيم “القاعدة” في سورية، في خلافها مع “الدولة الإسلامية” كما لا نعرف أيضا موقف الدكتور ايمن الظواهري، زعيم “القاعدة”، تجاه هذا التطور الذي ستترتب عليه نتائج خطيرة جدا.
اختلطت الأوراق سريعا على الساحة الميدانية السورية، وتبخرت بعض الآمال في تحقيق تسوية سياسية تحقن الدماء، وبث الحياة مجددا في العملية السياسية التفاوضية، وانعقاد مؤتمر جنيف في الأسبوع الثاني من شهر شباط (فبراير) المقبل.
لا نستبعد، او نستغرب، حدوث نوع من التقارب بين جبهة “النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” باعتبارهما في دائرة الاستهداف، مثلما لا نستبعد بداية خلاف وربما تصادم بين “الصديقين” بوتين وترامب على الارض السورية.
فإعلان ترامب عن اصراره لاقامة مناطق آمنة، واعطائه صقور وزارة الدفاع 90 يوما لوضع هذه الخطة والبدء في تنفيذها لاحقا، وترحيب تركيا السريع، كلها تتطلب فرض حظر جوي، وجود قوات ومعدات أمريكية بأعداد ضخمة على الأرض، وزيادة اعداد الطائرات الحربية، فهل ستسكت موسكو على هذا التدخل العسكري المباشر الذي سيهدد تفردها بالساحة السورية، وكيف سترد؟
الازمة السورية تنتقل الى “مربع″ جديد، وسحب التفاؤل التي سادت مؤتمر استانة مرشحة للتبدد لمصلحة سحب سوداء اكثر تشاؤمية، مما يضع الجميع امام معادلات جديدة، ونأمل ان نكون مخطئين.

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

«عصا» البشير والانقلابات الخاسرة: من كتف إيران إلى كنف السعودية

    نوفمبر 04, 2015   No comments
خليل كوثراني


 كأن البدايات منحت عمر البشير ليونة فريدة في إدارة الظهر لرفاق الأمس. حين أنجز الرئيس السوداني آخر الانقلابات العسكريّة في العالم العربي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أتبعه بانقلاب على الحليف والداعم الرئيس لإطاحته نظام الصادق المهدي، حسن الترابي. تجربة المشير الانقلابيّة في الداخل، يستنسخها الأخير في علاقات السودان الخارجية. بمرونة وخفة ينقل البشير «عصاه» من كتف إيران إلى كنف السعوديّة، معيداً تموضع الخرطوم لحظة اشتباك إقليمي

لم يرصد لإيران في العالم العربي، بعد سوريا، صديق أكثر قرباً من نظام عمر البشير. كان السودان حتى وقت متأخّر شريكاً غير معلن في «محور الممانعة»، تثير علاقاته الاستراتيجية بإيران حنق كل من السعودية وإسرائيل على السواء. كثيراً ما اتهمت تل أبيب الخرطوم بنقل أسلحة إيرانية إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتوّجت اتهاماتها بالغارة الشهيرة على مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في العاصمة السودانية عام 2012.

يربط البعض بين هذا الهجوم وواحدة من الوثائق السعودية التي كشفتها «ويكيليكس» في حزيران الماضي. في البرقية المذيّلة بعبارة «سرّي جداً» يخطر دبلوماسيون سعوديون سفارة بلادهم في السودان بمزاعم عن وصول معدات نووية إلى مطار الخرطوم، بينها أجهزة طرد مركزي، مصدرها إيران.

المحطة الأبرز زمن التباعد السوداني ــ السعودي، كانت في آب عام 2013، حين اعترضت الرياض طائرة الرئيس المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف، وهي في طريقها إلى طهران. إهانة لم تمنع عمر البشير، بعد قرابة سنة، من إرسال أولى إشارات الانفضاض عن طهران، وتلقّف مغريات خصم البارحة، طمعاً بدعم اقتصادي يعيد ترتيب البيت الداخلي للبلد الفقير والخارج من الحرب ومخاض انفصال الجنوب.

أحكم البشير التصويب على هدف يقنع النظام السعودي بصدق «توبته». في أيلول عام 2014، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية إغلاق المركز الثقافي الإيراني بحجة أنه «أصبح مهدداً للأمن الفكري والاجتماعي في السودان». هذا العزف على وتر «نشر التشيّع» عبّد طريق البشير إلى قصور جدة والرياض. بالتزامن مع الإعلان عن إقفال المركز الإيراني، حطّت طائرة الرئيس السوداني في مطار جدّة، في زيارة هدفها المعلن أداء مناسك الحج. من المدينة المنورة أطلق البشير، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط»، مواقف دشّنت شبه قطيعة مع إيران، مقابل استدارة نحو المحور السعودي.

لم يكتف الرجل وقتها بإسداله الستار على حالة الفتور في علاقة الخرطوم بالرياض على خلفيّة تقارب الأولى مع طهران ورواسب دعم السودان لبغداد إبّان حرب الخليج، بل ذهب البشير بعيداً لدى إجابته عن سؤال الصحيفة السعودية إذا ما كان إغلاق المركز الإيراني من باب التقيّة السياسيّة والتمويه بالقول «الحقيقة أننا ضدّ التشيّع تماماً».

رأى عمر البشير في الحرب السعودية على اليمن فرصة سانحة لإثبات ولائه للرياض، وبالتالي استدرار ما ينتظره من رفع لحجم استثمارات الأخيرة في بلاده. إثبات سيحتاج إليه البشير، كما ستظهر وثيقة تداولتها وسائل إعلام سودانية تكشف ارتياب الرياض من نيات النظام السوداني. في نص الوثيقة السرية الموقّعة بخط رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، بعد أيام على انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، والحاملة عنوان: «السودان وعاصفة الحزم»، يخاطب الحميدان جهة لم يسمّها بالقول: «وكان السودان لفترات طويلة حليفاً قوياً لإيران في المنطقة، ومهدّداً لأمن المملكة العربية السعودية وللمنطقة العربية بأسرها بهذا التحالف المشبوه، وقد تم رصد مساعدات عسكرية كبيرة للحوثيين، قدمت لهم من قبل إيران، وقامت حكومة البشير بإيصالها عبر جيبوتي... واتضح بعد مراجعة الكثير من التقارير الاستخباراتية أن (عمر) البشير شخصيّة لا يمكن الاعتماد عليها، وأنه يودّ الإمساك بكل أوراق اللعبة في يديه، من إعلان تحالفه مع المملكة العربية السعودية على الملأ والاحتفاظ بعلاقات سريّة مع إيران من جهة أخرى». ويخلص تقرير المخابرات السعودية إلى التوصيات الآتية: «توصي اللجنة العليا المكلفة بمتابعة ملف السودان ودوره في عاصفة الحزم، بتوخي الحذر البالغ في كشف أي أسرار حربية تتعلق بمخططات المملكة لمحاربة الحوثيين للجانب السوداني، كما توصي بمسايرة السودان واتخاذ سياسة النفس الطويل معه، ومراقبة قياداتهم العسكرية بالمملكة...».

بالتوازي مع إطلاق الحرب على اليمن، استدعى الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الرئيس عمر البشير، وسحب منه موافقة الخرطوم على الانخراط في العمليات العسكرية. أياماً معدودة وأرسلت الرياض وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي إلى السودان، مغدقاً وعود توسيع التعاون بين البلدين، ورفع الاستثمارات السعودية في قطاع الزراعة السوداني. استثمارات توقعت حكومة الخرطوم أن تصل إلى قيمة 15 مليار دولار أميركي بحلول 2016.

ضمان استجرار البترودولار السعودي صوب حقول ضفاف النيل وفدادينها، في ظل التشكيك السعودي في نيات البشير، يلزمه تعدّي الإعلان المساير للرياض عن الانضمام إلى حرب اليمن ووضع طائرات سودانية غير فاعلة تحت تصرف السعوديين وإغراءات وزير دفاع الخرطوم للمملكة بالحديث عن موقع بلاده الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، نحو مشاركة قوات برية في العمليات الحربية.

منتصف تشرين الأول وصلت إلى ميناء عدن، جنوبي اليمن، كتيبة مقاتلة من الجيش السوداني عبر البحر الأحمر، قدرت بـ300 ضابط وجندي. خطوة علّقت طهران عليها على لسان مساعد وزير خارجيتها، حسين أمير عبداللهيان، باعتبارها «لن تجدي نفعاً». رغم دبلوماسية التصريح، اختارت الخرطوم أن تخلق سجالاً مع الإيرانيين عبر الرد على كلام عبداللهيان، فوصف وزير خارجيتها إبراهيم غندور موقف بلاده بأنه يأتي ضمن «موقف عربي موحد ساندته الجامعة العربية، وبعد أن شعرنا بخطورة الوضع من استيلاء الميليشيات على السلطة الشرعية».

البشير هو الآخر تصدّى للدفاع عن مشاركة السودان، مانحاً موقف بلاده من الحرب صفات «ثابت ومبدئي ووفي لالتزامات أخلاقية»، ومؤكّداً ــ أثناء تخريج دفعة جديدة من القوّات المسلّحة الأسبوع الماضي ــ أنه «ما كان للسودان أن يقف موقفاً سلبياً تجاه قضايا أمته العربية».

وتفيد المعلومات أن المطلوب من السودان، سعودياً، لا يقتصر على تعزيز الوضع في عدن بعد أن قويت شوكة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في المدينة. القوات الموالية للرياض على الأرض ترتقب وصول دفعات جديدة من القوات السودانية للالتحاق بمعركة تعز. معركة يجري الحديث عن توسيعها، في موازاة حديث سياسي عن عدم وثوق الإمارات بالرئيس عمر البشير ذي الأصول الإسلامية. ما بين الإماراتيين والبشير أكثر من عدم وثوق؛ فصاحب الجذور الإخوانية سيتخذ من مساحة تمركز حزب «الإصلاح»، أي محافظة تعز، مساحة لعمل قواته. أمر يصطدم بأجندة أبوظبي لإقصاء الإسلاميين، وهو ما ترجم حالة توتر بين القوات الإماراتية المتمركزة في عدن والجنود السودانيين الواصلين حديثاً، وفق بعض الأنباء.

نجح البشير، عبر إرساله قوات إلى اليمن، في إحراج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. تجديده التداول في ملف مثلث حلايب الحدودي الخلافي مع القاهرة، في هذا التوقيت، وطلبه وساطة الرياض، يقولان للنظام السعودي إنه أولى بـ«الرز» من جاره الذي لم يبع السعودية سوى الكلام. لكن ربما لم يكن في متوقع الزعيم السوداني أن أموال الخليجيّين لن تبقى «زي الرز» عن قريب، وفق أرقام صندوق النقد الدولي. المفارقة أن وزير البترول، في الدولة التي يطمع بخزائنها عمر البشير، علي النعيمي، يبشّر مواطنيه برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية. يذكر البشير تماماً ماذا يعني قرار مماثل، وهو الذي قتل جنوده المواطنين السودانيين في الشوارع وهم يحتجّون على تخفيض الحكومة دعم المحروقات عام 2013، فيما عرف «بانتفاضة سبتمبر».

توقيع أربعة اتفاقات اقتصادية بين الرياض والخرطوم

بحث الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز أمس، في الرياض، مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير والوفد المرافق، العلاقات الثنائية وأوجه التعاون بين البلدين في المجالات كافة، وسبل تطويرها وتعزيزها، إضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة.

وعقب جلسة المباحثات، وقّعت أربع اتفاقيات بين الحكومة السعودية والسودانية في حضور سلمان والبشير.
وشملت الاتفاقية الأولى مشروع اتفاق إطاري بشأن المشروع الطارئ لمعالجة العجز الكهربائي، محطة كهرباء البحر الأحمر 1000 ميغاواط مع الخط الناقل، فيما شملت الاتفاقية الثانية مشروع اتفاق إطاري بشأن الإسهام في خطة إزالة العطش في الريف السوداني وسقيا الماء للفترة من 2015 إلى 2020، والاتفاقية الثالثة مشروع اتفاق إطاري بشأن تمويل مشروعات سدود (كجبار والشُريك ودال). ووقع الاتفاقيات الثلاث التي جرت بين وزارة المالية، وزير المالية إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، وعن الجانب السوداني وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود عباس.
أما الاتفاقية الرابعة فتتعلق بالشراكة في الاستثمار الزراعي بين وزارة الزراعة السعودية ووزارة الموارد المائية والكهرباء في السودان، في مشروع أعالي عطبرة الزراعي، ووقّعها وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي ووزير الموارد المائية والكهرباء السوداني معتز موسى سالم.

_______
(الأخبار)

الأحد، 11 أكتوبر 2015

«أصدقاء روسيا» الأوروبيون: أعطوا بوتين فرصته في الحل السوري!

    أكتوبر 11, 2015   No comments
وسيم ابراهيم
داخل أروقة الأمم المتحدة، كانت الاتصالات جارية بكثافة. الهواتف ترن من دون توقف، والمبعوثون يجولون في لقاءات لم يخرجوا منها بوجوه منشرحة. الأمر طارئ، الهجمات الروسية استهدفت معاقل للمعارضة، منها مجموعات درّبتها وسلحتها واشنطن. إنه المحكّ الذي سيبيّن معدن الصداقة المزعومة، قوّتها، وإلى أي مدى يمكن الاتكال عليها.
كان المنتظر، بالحد الأدنى، أن يحضر ممثلون عن 11 دولة، شكلّوا ما يسمى نواة «مجموعة أصدقاء سوريا». كانوا عملياً يقفون خلف المعارضة السورية. برغم اللحظة الاستثنائية الروسية، وخسائرها على المعارضة في كل اتجاه، خاب أمل من تولّوا الاتصالات الاستنفارية: سبع دول لا غير! هذه الدول هي: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، المانيا، السعودية، تركيا وقطر.
العمليات الروسية وضعت مجموعة الأصدقاء المقربين على مفترق، لتصير «مجموعة السبع». أمكن توقّع بعض المنسحبين، لمقدمات معروفة، لكن آخرين بدا اعتكافهم لافتاً بالفعل. لم تلبِّ نداء الاستنفار للتوقيع كل من: إيطاليا، الإمارات، الأردن ومصر.
مصدر أوروبي، على تواصل مستمر مع الخارجية الايطالية، قال لـ«السفير» إن موقف حكومة رئيس الوزراء ماثيو رينزي كان واضحاً تماماً حيال هذه القضية: «شرح ممثلو إيطاليا أن دولتهم لها موقف مختلف حيال روسيا، لا تشارك الآخرين موقف المواجهة معها»، قبل أن يضيف «ببساطة قالوا إن موقفهم يعني أنه لا يمكنهم التوقيع على هذا البيان، إيطاليا تنظر للدور الروسي بطريقة مختلفة».

اللافت أن بيان «مجموعة السبع» لم يحمل تلك النبرة القاسية جداً، قياساً بالصدمة التي أحدتثها الغارات الروسية على مجموعات مدعومة غربياً. لم يتضمن كلمات شجب وإدانة مباشرة، تبرّر جديّاً القلق من استعداء موسكو. اعتبر البيان أن الضربات الروسية تمثل «مزيداً من التصعيد، ولن تحقق سوى تأجيج التطرف والتشدد»، مطالباً روسيا بالتركيز على «داعش» ووقف عملياتها «على المعارضة والمدنيين فوراً».
الجميع الآن أمام واقع جديد: روسيا تقاتل في سوريا حتى إشعار آخر. هذا يرجّح أن تصدّع نواة أصدقاء المعارضة السورية لن يكون ظرفياً، ما دام أي بيان لها سيصطدم بما يجب قوله عن دور موسكو. هذا التطور يشكّل أكبر انحدار تعيشه «مجموعة أصدقاء سوريا». أول من أعلن ولادتها كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، بعدما استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد مشروع قرار أممي قدمته باريس مع لندن لإدانة عمليات النظام السوري. بعدها، انعقد اول مؤتمر للمجموعة في تونس، في شباط 2012، معترفاً حينها بـ «المجلس الوطني السوري» بوصفه «الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري». لم يبقَ من الأصدقاء من يمكن جمعه الآن، ولم يبقَ منهم من يعترف، بالقول والفعل، بوحدانية التمثيل التي وُرِّثت لـ«الائتلاف الوطني المعارض».
انعكاسات ذلك لطالما كانت واضحة في مرايا السياسة الأوروبية المشتركة، مع جدالات لم تتوقف في عاصمتها بروكسل. التدخل الروسي، والموقف منه، أحدث «صدعاً جديداً» في الموقف الاوروبي المشترك. هذا ما يؤكده لـ«السفير» ديبلوماسي رفيع المستوى، واسع الاطلاع على المداولات الأوروبية. يشرح أن الانقسام الأوروبي حول طريقة التعاطي مع موسكو في الأزمة الأوكرانية، صارت ظلاله تغطي أيضاً الملف السوري. بات «المعسكر المعتدل» حيال روسيا يشكّل «تقريباً نصف دول الاتحاد الأوروبي».

بحسب شرح الديبلوماسي، يعتمد معسكر «الاعتدال» مرافعة قائمة على حجج عدة. البعض يعتبر أن التدخّل المباشر بهذا الزخم «يعطي روسيا أوراقاً أقوى، ما يعني إمكانية الانخراط معها للحصول على تنازلات أكبر من النظام» السوري. هؤلاء يدعمون موقفهم بالحديث عن «منافع» أن تكون روسيا «المحاور الأساسي الذي يجلس على الطرف المقابل»، بخصوص الملف السوري، وليس إيران التي يفرز تصدرها الصورة حساسيات عديدة.
بالنسبة لآخرين، فهم يحذرون من «الإفراط في انتقاد روسيا»، على اعتبار أن ذلك يصبّ في مصلحة «خطاب المنظمات المتطرفة التي تتحدث عن غزو صليبي، ولا تفرق بين روسي وأوروبي». إضافة إلى ذلك، يتساءل بعض الأوروبيين إن كان من الحكمة معارضة عمليات عسكرية «تجعل الحرب على داعش أكثر فعالية».
كل هذا يجعل الأوروبيين الآن يخوضون جدالات شاقة، محاولين الوصول إلى صياغة مشتركة لموقفهم من قضيتين أساسيتين: ما الذي يمكن قوله حول التدخّل الروسي، إضافة إلى مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
لسان حال مؤيدي «الاعتدال» بات لا يمانع في أن تعطى روسيا الفرصة، ثم يمكن رؤية أي تسوية يمكن أن تجلبها إلى الطاولة ما دام التفاهم مع موسكو هو أنه «لا حل عسكرياً» يمكنه حسم الصراع. يذكرون أنه سبق لموسكو، حينما اقتضت الضرورة بالنسبة لها، أن جلبت الاتفاق على نزع السلاح الكيميائي، الأمر الذي وفّر سُلَّماً لواشنطن للنزول عن شجرة الضربات الجوية.


في سياق مواز، يقول المصدر الديبلوماسي إن السؤال الذي كان يحيط بالدور الروسي لطالما كان: هل هم قادرون على إلزام دمشق بتسوية ما، ثم هل هم راغبون بذلك. واقع التدخّل المباشر «أزال السؤال الأول، لأنها على الأقل باتت قادرة الآن، وهذا بالمبدأ يسرّع عملية الحل السياسي»، يوضح المصدر، مضيفاً أن «السؤال الآن هو هل هي راغبة بفرض تسوية، ثم أي تسوية لأن التدخل بالتأكيد يغيّر موازين القوى».
من جهة موسكو، هناك مؤشرات عديدة تدعم هذا الطرح. أول ذكر رسمي لاحتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرّة في سوريا، كجزء من الحل، خرج من موسكو لا من دمشق. عملياً، ما يدعو له الداعمون الاوروبيون لمنح موسكو فرصتها كاملة، هو انتظار ترجمة رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المباشرة إلى حليفه السوري.
حينما أعلن إطلاق العمليات العسكرية، اعتبر بوتين أن «حلاً نهائياً وطويل الأمد في سوريا ممكن فقط على أساس الإصلاح السياسي وعلى أساس الحوار بين القوى الطبيعية في البلاد»، قبل أن يرسل «أمنيات» شخصية بالقول «أعرف أن الرئيس الأسد يدرك ذلك وجاهز لعملية كهذه. نأمل أنه سيكون فعالاً ومرناً ومستعداً للقيام بتسوية من أجل بلده وشعبه».
سياسي أوروبي منخرط في مناقشات الملف السوري، ويلتقي مختلف الفاعلين فيه، يقول لـ «السفير» إن روسيا «لم تكن لتتدخل أصلاً لولا أن التهديد لمصالحها وصل إلى المنطقة الحمراء». يتساءل بلهجة مشككة «هل هم هناك لإنقاذ الأسد أم لإنقاذ النفوذ الروسي؟»، قبل أن يوضح وجهة نظره بالقول «قبل تدخلهم كان ذهاب الأسد سيعني ذهاب النفوذ الروسي معه، أما الآن فيمكن لروسيا، حينما تريد، أن تقوم بتنظيم الانتقال السياسي بما يضمن الحفاظ على نفوذها».
المصدر الذي التقى مؤخراً مسؤولين خليجيين، ينقل تشكيكاً واضحاً بوجود «تفاهم نهائي» بين واشنطن وموسكو حول خطوتها السورية الكبيرة. يقول إن «الأميركيين حذروا روسيا من أنها تنزل في مستنقع. لكنهم ليسوا منزعجين من ذلك»، قبل أن يضيف «هم يراهنون على أن روسيا ستتورط، أكثر وأكثر، خصوصاً حينما تصل الأسلحة الأكثر تطوراً للمعارضة».
مع ذلك، البعض يشككون في أن موسكو راغبة، أو قريبة، من فرض التسوية. مسؤول أوروبي رفيع المستوى، قال رداً على أسئلة «السفير» إن الحديث عن خلافات أوروبية لا يلغي أن «ما هو واضح أن هناك إجماعاً (اوروبياً) على أن الأسد لن يكون جزءاً من الحكم المستقبلي لسوريا»، معتبراً أن «هذا ليس الخط الروسي في الوقت الحالي، لكننا نناقش معهم حتى نقرّب مواقفنا».


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.