‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحدث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحدث. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 11 يوليو 2014

خلفيات الصراع بين المجموعات الإسلامية في الغوطة

    يوليو 11, 2014   No comments
عبد الله سليمان علي

تختلط في معركة الغوطة الشرقية في ريف دمشق بين «جيش الإسلام» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» من جهة ثانية، الأبعاد الدينية والسياسية والعسكرية والشخصية.
وبينما سارع «جيش الإسلام» إلى التسويق عبر ماكينته الإعلامية لانتصارات حققها في المنطقة ضد «داعش»، تدل المؤشرات على أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، لا سيما في ظل أنباء تتحدث عن تعزيزات يحشدها «داعش» بقيادة أبو أيمن العراقي.
وأيّاً كانت المعطيات الميدانية الحالية، وحتى على فرض صحة الانتصارات التي يسوق لها زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش، فإنه من المتوقع أن تشهد مناطق الغوطة الشرقية، الواقعة تحت سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة، تصعيداً عسكرياً كبيراً في المرحلة المقبلة، لأن ما حدث ويحدث فيها ليس سوى بداية أو مجرد تسخين لأحداث جسام، قد لا تقل ضراوة عن أحداث المنطقة الشرقية.

وإذا كان لا يوجد في الغوطة آبار نفط تستحق استعار القتال من أجلها، إلا أن لها أهمية دينية قد تعوض غياب النفط؛ إذ يعتقد «الجهاديون»، على مختلف انتماءاتهم التنظيمية، أن الغوطة الشرقية ستكون المنطقة التي يتجمع فيها المسلمون لمواجهة أعدائهم في الحرب الفاصلة الموعودة، والمسماة «يوم الملحمة الكبرى». ويستندون في ذلك إلى أحاديث مرويّة عن الرسول محمد كقوله: «يوم الملحمة الكبرى يكون فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ»، وقوله في تعداده لبعض مؤشرات اقتراب قيام الساعة «هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، يسيرون إليكم على ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة ويقال لها: دمشق». لذلك يتمسك هؤلاء «الجهاديون» بأن يكون لهم ولو موطئ قدم في الغوطة، كي يساهموا بحسب اعتقادهم في الملحمة الكبرى ضد بني الأصفر!
وإذا كانت بعض الفصائل تستخدم الأحاديث النبوية السابقة لغرض التحريض وشحذ الهمم، من دون قناعة تامة بصحة إسقاطها على الواقع الحالي، فإن فصائل أخرى يأخذها إيمان مطلق بحرفية تلك الأحاديث، ولا تقبل أي جدل في صحتها وصحة إسقاطها، مثل «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» ذات الانتماء السلفي «الجهادي القاعدي».
ولم يعد خافياً أن الغوطة الشرقية كانت من أوائل المناطق السورية التي شهدت حشداً كبيراً لـ«جهاديي» العالم من مختلف الجنسيات، وهو ما رشّحها خلال السنتين الماضيتين لتكون ميدان معارك عدة مهمة وقاسية خاضها الجيش السوري ضد هذه الفصائل، التي كانت تتلقّى دعماً غير محدود من قبل أجهزة استخبارات عديدة بهدف إسقاط مدينة دمشق، وبالتالي إسقاط نظام الحكم.
ورغم الحروب المستعرة مع الجيش السوري طوال الوقت تقريباً، إلا أن الغوطة كانت كذلك الميدان الذي شهد الولادة غير العلنية لأول الخلافات بين الفصائل «الجهادية» بعضها بالبعض الآخر، وتحديداً بين «جيش الإسلام» (كان اسمه «لواء الإسلام») من جهة، وبين «جبهة النصرة» قبل وقوع الخلاف بينها وبين «داعش» من جهة أخرى.
فقد كان «مفتي جيش الإسلام» أبو عبد الرحمن الكعكي أول من اتهم «جبهة النصرة» بأنهم خوارج العصر وينبغي التخلص منهم، بل إنه في إحدى خطبه وصف زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني بأنه «شاب متمايع يرتدي الجينز». في المقابل كان «أمراء» من «جبهة النصرة»، وعلى رأسهم عبدالحكيم الموحد (الذي قتل في جوبر في تموز الماضي) يتهمون زهران علوش بالانسحاب الدائم من أرض المعركة، وتسليم أكثر من منطقة للجيش السوري، تاركاً «المجاهدين» مكشوفي الظهر، كاتهامه بالانسحاب من دير سلمان العام الماضي مع بداية حملة الجيش السوري على الغوطة. وأشار الموحد إلى أن تكديس علوش للأسلحة في مخازنه ليس له سوى هدف واحد هو قتال «المجاهدين».
ورغم أن زهران علوش حاول، قبل يوم واحد من الإعلان عن تأسيس «الجبهة الإسلامية» في تشرين الثاني الماضي، ترطيب الأجواء مع «جبهة النصرة»، كونها ستكون حليفة «الجبهة الإسلامية»، وإن لم تنتمِ إليها رسمياً، وذلك من خلال لقاء صحافي مسجل قال فيه ما معناه إن «النصرة» إخوان لنا، وأنه اجتمع مع الجولاني، مقللاً من أهمية كلام مفتيه الكعكي، لأن المقصود من وصف الخوارج بحسب تفسيره هم عناصر «داعش» الذين انشقوا عن «النصرة» بعد الخلاف (الفتنة) الذي حدث في نيسان العام 2013، ولكن فات علوش أن «مفتيه» لم يوفر الجولاني نفسه حيث وصفه بالمتمايع، مع أن الجولاني لم ينشق عن «النصرة»!
ولأن علوش يدرك تماماً أن تصريحاته التي اضطر إليها لتمرير صفقة إنشاء «الجبهة الإسلامية» بتوجيهات مباشرة من الاستخبارات السعودية، التي كانت تخطط في تلك الفترة لمواجهة مؤتمر جنيف ومسار مكافحة الإرهاب، لم تقنع قادة وعناصر «جبهة النصرة» في الغوطة، وبقيت نار الخلافات كامنة تحت رماد المصالح الوقتية، فقد اتخذ منذ بداية مواجهته الحالية مع «داعش» موقفاً رافضاً لمشاركة «جبهة النصرة» في قتال «داعش»، متخوفاً من صحة ولائهم، لا سيما بعد مبايعة «أمراء النصرة» في البوكمال لزعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، وما استتبع ذلك من سقـوط كامــل ريف دير الزور بيد من يصفــهم بالخوارج.
والأنكى بالنسبة لعلوش أنه لا يستطيع كذلك أن يثق بعناصر «أحرار الشام»، وإن كان يثق بقيادتهم، لأنه يعرف أن الكثير من «الأحرار» ما زالوا ينظرون إلى «داعش» على أنهم «إخوة في المنهج» ولا يجوز قتالهم.
لكل ذلك يسعى علوش جاهداً لإنهاء معركة الغوطة الشرقية ضد «خوارج العصر» كما يسميهم، قبل أن تتطور الأمور وتتقلب القلوب وتتغير الولاءات ويحدث في الغوطة سيناريو المنطقة الشرقية نفسه. ولكثرة حماسة علوش، بدا في الأيام الأخيرة كمن يقاتل طواحين الهواء وينسب لنفسه انتصارات كبيرة، لمجرد اقتحام مقر صغير من مقار «داعش»، بينما تشير المعطيات كافة إلى أن «داعش» لم يلتفت بعد لما يجري في الغوطة بسبب انشغاله في الموصل وترتيب الأوضاع في دير الزور.
ولكن قد يكون تسريب إعلاميي «داعش» أمس خبر إرسال أبو أيمن العراقي إلى الغوطة، في تذكير واضح ببداية الأحداث في دير الزور عندما أرسل العراقي من الساحل السوري إلى المنطقة الشرقية ليقود المعارك فيها، بداية التفات «داعش» إلى أحداث الغوطة الشرقية. فهل يشعل أبو أيمن العراقي الغوطة كما أشعل المنطقة الشرقية؟

الأربعاء، 9 يوليو 2014

النفط والقواعد العسكرية رهائن «الدولة» في الخليج ... والبداوة المرتبطة بالعقيدة التكفيرية الوهابية

    يوليو 09, 2014   No comments
نزار عبود

هاجس أمني كبير تعيشه السعودية اليوم، خوفاً من امتداد الإرهاب الذي أسّسته، من دول الجوار كالعراق، وحتى سوريا، إلى أراضيها، خصوصاً بعد أن تعلّم تنظيم «الدولة الإسلامية» الدرس، وأخذ العبر من تجربة سلفه تنظيم القاعدة مع
النظام السعودي

هموم الحكومات الخليجية كبيرة هذه الأيام. لم يتصوروا قبل أشهر أن من المؤتمنين على الأمن من استخبارات وحراس وعلى سلامة كل شيء، من الأرواح إلى حقول النفط والسلاح، قد يصبحون مصدر الخطر الأول على كل هذه النفائس. الزمن تبدّل. وقواعد اللعبة أيضاً. لن ينتظر أبو بكر البغدادي، «الخليفة» الجديد، ومن خلف البغدادي ممن أمدّه بالمال والسلاح من العواصم الخليجية الأغلال لكي يضرب، بل قد يبادر إلى حرب استباقية تأتي هذه المرة من الداخل وليس عبر الحدود.


اعتمدت دول الخليج، منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، على عنصر البدو، غير المسيّس في أمنها. وكانت الثقة بهؤلاء نابعة من أنهم لا يتدخلون في السياسة أو يتبنّون أفكاراً يسارية ثورية. همّهم الأساسي الراتب والمكافآت ورضى أولياء الأمر. وعندما يتعرض النظام لأي خطر يكونون في طليعة المدافعين عن مكتسبات لا تؤمنها لهم البادية؛ مسكن مستقر، وماء واطمئنان، إلى امتيازات ودخل ثابت، وضمانات لأسرهم بالتعليم والطبابة، وفوق كل هذا، احترام للبدلة العسكرية، لأن الخليجيين عموماً كانوا لا يثقون بالبدو ولا يزوّجونهم بناتهم، ولا يمنحونهم حتى الجنسيات. فالبدوي، أولاً وآخراً، لا يؤمن بالأوطان الحديثة، والبادية لا تعرف اتفاقية سايكس بيكو ولا حدودها، بل إنهم كانوا لا يعترفون بسجلات النفوس، فالأنساب تحفظ بالذاكرة. وأصل الفتى مدوّن لدى مشايخ القبائل والعشائر.


والبداوة المرتبطة بالعقيدة التكفيرية الوهابية منذ قرون ثلاثة، خير سلاح يُشهر في وجه الشيعة، كما شهر في وجه الشيوعية. تحالف مثالي لا يطعن فيه أي حاكم عربي أو حكومات غربية. هناك بحر، بل محيط، من العداء التاريخي يمكن توظيفه في حرب استُحضرت فيها كل المصطلحات المختزنة على مرّ العصور.
لم ينتصر التعصب المذهبي ضد إيران في الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة، وارتد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على الدول التي ساعدته ودفعته إلى مصيبته. ظن في لحظة من اللحظات أن القوة التي سُمح له بامتلاكها لمقاتلة إيران تصلح لتنفيذ مشاريعه جنوباً وشرقاً في الخليج. خلال هذه الفترة لم يكن هناك تعارض بين التحالف القائم بين الملوك والأمراء من جهة، وقوى الأمن البدوية الوهابية الأصول من جهة أخرى. الكويتيون هربوا إلى السعودية وإلى خارج السعودية، بحضرهم وبدوهم وبدونهم. وبعد التحرير، عادوا جميعاً إلى الصيغة التي كانوا عليها مع مزيد من التعصب. بقي البدون الكويتيون من غير جنسيات حتى بعد التحرير الأميركي ــ البريطاني، لأن التاريخ في هذه المنطقة لا ينسى. آل الصباح، العائلة الحاكمة في الكويت، ما زالوا يدركون أن البدو الذين يعتنقون في غالبيتهم المذهب الوهابي، كانوا أداة الداعية محمد بن عبد الوهاب الذي سعى لإقامة مذهبه بالقوة والسيف، فاستولى على قسم كبير من الجزيرة العربية، وهاجم الكويت وساحل عمان ودمشق وكربلاء والنجف، وهدم كل التراث والتاريخ والمقامات والأضرحة عندما تسنى له ذلك، ونهب الأملاك بدون تمييز بين سنّي وشيعي.
هذه البداوة الوهابية لم تتوقف عند الجزيرة العربية، بل دُرّست في سائر البقاع بفضل سطوة الدعاة السعوديين. وكان نصيب باكستان وبنغلادش وحتى أوروبا كبيراً من هذه المدارس. لذا لم يكن مستغرباً أن تستقدم البحرين مواطنين متعصبين من باكستان وبنغلادش وتجنّسهم ضمن عملية تغيير ديموغرافية، من أجل «سعودة» الجزيرة ذات الغالبية الشيعية وتوهيبها. وتسلّم هؤلاء الآسيويون مقاليد الأمن والسلامة مثلهم مثل البدو.
كانت الوهابية السلفية التكفيرية أيديولوجيا مناسبة وفعالة في محاربة إيران والعراق والشيوعية، وكل الدول العربية المستقلة. إلا أنها لم تُعرف يوماً بأنها كانت معادية للاستعمار، بما في ذلك الاستعمار الصهيوني الاستيطاني في فلسطين، مؤديةً دورها في ضرب الجمهوريات العربية التي كانت تهدد المملكات والمشايخ العربية بخطابها.

الأوضاع تبدّلت بعد أحداث سوريا والعراق أخيراً

السعودية تذكر تجربتها الأولى مع تنظيم القاعدة في أفغانستان وبعد أفغانستان. أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، اعتقد أن السعودية كانت حقاً تحارب الشرك وتريد إقامة دولة إسلامية مستقيمة في أفغانستان. وعندما عاد، قال للأسرة السعودية إنه يستطيع إخراج الأميركيين من شبه الجزيرة العربية كما فعل بالسوفيات. وكان ما كان بعدها.
اليوم، وبعد الفشل الذريع في سوريا، الهلع لم يصب السعودية وحدها من قيام تنظيم «الدولة» على مستوى المنطقة انطلاقاً من العراق، بل كل الأسر الحاكمة من الأردن إلى الإمارات. والداعشيون من أمثال أبو بكر البغدادي يدركون تجربة القاعدة السابقة. وهم يعلمون أن قيام الخلافة لن يكتمل ما لم يتحكموا في الدرّة الكبرى التي تتمتع المنطقة بها. إنها منابع الطاقة من نفط وغاز. ركزوا على ذلك في سوريا أولاً، وفي العراق ثانياً. لم يتمكنوا من السيطرة على كركوك وحقولها بعد. لكنها هدفهم الأول ضمن سلسلة من الغزوات التي ينوون شنّها من أجل الاستحواذ على مقدرات المنطقة وتحويلها إلى رهائن في يدهم. هم لا يريدون حرقها كما فعل صدام حسين في حقول الكويت، بل يفضّلون جعلها مصدر قوة يردعون به من تراوده نفسه مهاجمتهم من الدول الغربية. وهم أيضاً يستطيعون توظيف عائدات النفط في التجنيد والإنفاق على قواتهم الضاربة، كما فعلوا من قبل، في القرن الثامن عشر الميلادي. غزوا عرب الشام، يقول المؤرخ ابن بشر في عام ١٢١٢ هجري. قادهم حجيلان بن حمد أمير ناحية القصيم وقصدوا أرض الجوف شرق الشام، وأغاروا على عربان الشرارات، فانهزموا وقتل منهم نحو مئة وعشرين رجلاً. وأخذوا جميع محلاتهم وأملاكهم وأزوادهم وأخذوا من الإبل خمسة آلاف بعير وأغناماً كثيرة. وعزلت الأخماس فأخذها عمال عبد العزيز وقسم حجيلان باقيها على الجيش غنيمة».
اليوم هناك ما هو أثمن من الإبل والمحلات والأخماس. هناك النفط والمصارف والقواعد التي تحتوي على كل السلاح المطلوب ومن أفضل الأنواع. والوهابيون المتطرفون التكفيريون موجودون في كل هذه المواقع. بل لديهم حراس وكبار المسؤولين في كل مفاصل الدول الخليجية، ويستطيعون في الحد الأدنى تعطيل الإنتاج وإرباك العجلة الاقتصادية الغربية، في زمن بالغ الحساسية. إذا كانت إيران تستطيع إقفال مضيق هرمز ووقف مرور الطاقة، فإن الوهابيين يستطيعون وقف الإنتاج بكامله وتعطيله لوقت طويل.
الحكم السعودي مرتبك ويدرك مدى تغلغل السلفية الجهادية في جهازه الأمني. وهو يدرك أيضاً أن منبع الخطر قبل أن يكون العراق أو حتى اليمن، هو في القصيم والرياض. والكويت بدأت بتقليم أظافر بعض المتطرفين لديها. لكن أصابع هؤلاء لا تزال على الزناد. وهم بعدما شاهدوا مصير الإخوان في مصر، قد لا ينتظرون قدوم مصيرهم إليهم، وربما يفضلون ملاقاته في منتصف الطريق.
________________
 «الأخبار»

الاثنين، 30 يونيو 2014

«تمرّد قطر»: الانطلاق من الدوحة بعد عام ... إعلان الحركة الشبابية لإنقاذ قطر

    يونيو 30, 2014   No comments
أحمد جمال الدين
 
خالد الهيل
علمت مصر بطريقة غير رسمية كيف يمكنها أن ترد على الدعم القطري المفتوح للإخوان المسلمون. ها هي حركة «تمرد القطرية»، تيمناً بنظيرتها المصرية، تعلن انطلاقها من القاهرة، لتقف ضد «الفساد في الإمارة الخليجية»

خلط إعلان الحركة الشبابية لإنقاذ قطر التي تحمل أيضاً اسم «تمرد قطر» الأوراق بعيداً عن الدوحة، لكن منسّق «تمرد القطرية»، خالد الهيل، أكد في حديث خصّ به «الأخبار» أن اختيار العاصمة المصرية للإعلان عن الحركة الجديدة لم يكن من قبيل المصادفة، بل لرغبتهم في «الاستفادة من المنابر الإعلامية الموجودة في مصر».


وكان الهيل وأعضاء من حركة تمرد المصرية وناشطون سياسيون قد أعلنوا أول من أمس انطلاق «تمرد القطرية»، خلال مؤتمر صحافي استضافته نقابة الصحافيين المصريين، وعرضت الحركة الجديدة خلال المؤتمر مستندات «تكشف فساد العائلة الحاكمة في قطر». كذلك أعلنت عن خطة تصحيح المسار القطري «وعودة قطر إلى الصف العربي بعدما أغضبت الكثير من جيرانها وأشقائها في السنوات الأخيرة».
وبعدما شدد على أنهم لا يسعون إلى قلب نظام الحكم «الذي يمتد لأكثر من 100 عام في بلادهم»، أشار منسق الحركة إلى أنهم تعرضوا لصعوبات كثيرة، ومارست الحكومة القطرية ضغوطاً أدت إلى تراجع عدد من الفنادق عن استضافة المؤتمر الصحافي لإعلان الحركة. لكنه أبدى استعدادهم لافتتاح مقار للمعارضة القطرية في 12 دولة، رغم تلقيهم «تهديدات بالقتل لموقفهم المعارض لسياسات الدوحة».
الهيل الذي رفض الحديث عن تاريخ حياته أو طبيعة عمله وظروفه الاجتماعية، اكتفى بذكر أنه مواطن قطري كان يعيش في قطر وترأس شركة قطر للاستثمار والتطوير. ولفت أيضاً إلى أن مطالب الحركة لم تصل بعد إلى إسقاط الأسرة الحاكمة، لأنه مطلب غير مقبول على المستوى الشعبي، «وعليه ستنطلق الحركة بمطالب إصلاحية ليس هدفها زعزعة الاستقرار والأمن».
ويقدّر عدد الأعضاء المؤسّسين لـ«تمرد القطرية» بـ612 شخصاً وقّعوا على بيان المطالبة بالتغيير الذي سيجري إعلانه مع أسمائهم عبر حساب رسمي للحركة، وهي بصدد تدشينه على موقع «تويتر». وهنا أكد الهيل أن الحركة تدرس خطواتها جيداً قبل إعلانها، «لأن هدفها تحسين معيشة المواطن القطري الذي يعيش في أغنى بلاد العالم لكنه في الوقت نفسه يعاني الفساد المستشري في مؤسسات الإمارة كافة».

اللافت أنه ذكر أن نحو 85% من أعضاء الحركة والموقعين على بيان التأسيس موجودون داخل قطر، والذين هم خارجها لا يمثلون سوى 15% فقط، مشدداً على أن «من بين المؤسسين مسؤولين في الديوان الأميري ووزارة الخارجية والمؤسسات الرسمية، ومن بينها الجيش»، وهؤلاء يعطونهم المعلومات المطلوبة لأنهم يطلعون عليها بحكم وظائفهم، كذلك ذكر أن بعض هذه الشخصيات ستعلن أسماؤها بعد انتهاء دورها الفعلي.
منسّق «تمرد قطر» لم يخف أنه لا يستطيع العودة في الوقت الحالي إلى الدوحة لأنه وعدداً من أعضاء الحركة أصبحوا مطلوبين للأجهزة الأمنية التي ربما تعرضهم للسجن مدى الحياة أو الإعدام، «فهي إمارة ليس فيها أي ديموقراطية»، مقدّراً عدد المسجونين السياسيين في بلاده بحوالى خمسين ألف شخص. وذكر في الوقت نفسه أن السلطات القطرية ألقت القبض على عدد من أعضاء الحركة أثناء توجههم إلى مصر في مطار الدوحة.
كذلك نبّه إلى ورود اتصالات لهم تشمل تهديدات وصلت إلى حد القتل، لكنه عبر عن محاولتهم استغلال تلك الاتصالات «من أجل البحث عن حلول للأزمة التي تعيشها قطر والتخلص من العزلة السياسية التي تعانيها بسبب القرارات غير الصحيحة».
خلال المؤتمر، كان حاضراً ممثل حركة تمرد المصرية محمد نبوي الذي حيّا انطلاقة «تمرد القطرية». وأضاف أن «مصر كانت وستظل الدرع الواقية لمن يريد الحصول على حقه، ولا سيما الأشقاء القطريين ممن ينادون بالتحرر والاستقلال من نظام الإخوان المسلمين». وواصل نبوي قائلاً: «أيها الجيش القطري، لا تتخلّ عن دورك الوطني في الوقوف بجانب إرادة الشعب، فالرؤساء راحلون والوطن باق، ولكم عظة في الدول المجاورة»، ملمّحاً إلى أنه يتمنى في الذكرى الثانية لحركة تمرد مصر في العام المقبل «أن نعلن على أرض الدوحة تحرر الشعب القطري من النظام الإخواني».
الهيل عاد ليقول إنهم يرون في قناة «الجزيرة» لساناً للخارجية القطرية، مشيراً إلى أن القناة «وفق إفادة مصادر فيها، لا تعرض عدداً من الحقائق التي تتعارض مع نظام الحكم القطري وتختلف مع منهج الدوحة في السياسة الخارجية».
أما عن تمويل الحركة، فقال: «الدعم في الوقت الحالي مقتصر على التمويل الشخصي من الأعضاء»، لكنه لفت إلى أنهم تلقوا اتصالات من خليجيين وقطريين يعلنون دعمهم الحركة. وفي وصفه رؤية «تمرد» إلى المملكة السعودية علّق: «هي كالأم بالنسبة إلينا، ونعتز بالعلاقات معها وأن تبقى متميزة كما كانت من قبل»، لكنه رفض الكشف عن وجود تواصل مع مسؤولين سعوديين «لأن الوقت غير مناسب لذلك».
أخيراًَ، عرض الهيل بعض القضايا، لكن جزءاً منها رأى أن من الواجب التحفظ عليه، كالحديث عن ملف مونديال 2022 لأنه قضية حساسة لا يريدون التطرق إليها، خاصة مع دعم الدول العربية استضافة الدوحة هذا الحدث البارز، متوقعاًَ أن يتعرضوا لحرب جديدة من الحكومة القطرية «التي ستستغل قدرتها المالية على دفع الأموال لوقف الأنشطة المعارضة لها».
______________

الثلاثاء، 17 يونيو 2014

قسيم العراق.. ابحثوا عن السعودية ... الدور السعودي في الفصل الجديد من محنة العراق

    يونيو 17, 2014   No comments
السعودية تجد نفسها اليوم معنيّة بصورة مباشرة بقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة
فؤاد إبراهيم

ناشط وباحث سياسي _ السعودية

تضافر الذاتي والموضوعي والمحلي وتالخارجي ليؤول الى وقوع العراق تحت خطر الانفلاش بعد سيطرة داعش بخليطه البعثي والتكفيري والقاعدي على محافظة نينوى وتهديده محافظات أخرى بعد سيطرته على اجزاء منها مثل صلاح الدين وديالى وصولاً الى أطراف العاصمة بغداد

فيما يُستأَنَف قرعُ طبول الفتنة مجدداً على امتداد المشرق العربي، ثمة ما يلفت الى الدور السعودي في الفصل الجديد من محنة العراق. ولأن السعودية تجد نفسها اليوم معنيّة بصورة مباشرة بقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة، فما توافر لديها من معطيات يجعلها طرفاً مستهدفاً في المرحلة المقبلة. ويمكن هنا رصد أهم المعطيات:


أولاً: الخسائر المتعاقبة التي لحقت بالسعودية منذ إلغاء الضربة العسكرية الاميركية على سوريا في أيلول العام الماضي، الذي سجّل انتصاراً كبيراً لمصلحة المعسكر الآخر الممتد من ايران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى لبنان ومعه فلسطين، الى جانب بطبيعة الحال روسيا والصين.

وتتمثل الخسائر في:
1 ـ الانجازات العسكرية التي حقّقها الجيش السوري خلال عام، والتي أحبطت، في النتائج، رهان إسقاط النظام، ودفعت القيادة السعودية في نهاية المطاف الى إصدار أمر ملكي في 3 شباط الماضي بتجريم المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في الخارج. وبدا واضحاً منذ الأمر الملكي تراجع الخطاب السعودي بالرغم من مواصلته دعم الجماعات المسلّحة في سوريا، في سياق دفع شرورها لا على سبيل استكمال شروط إسقاط النظام..

إن انسداد أفق المعارك في سوريا، وتالياً وقف الدعم عن الجماعات المسلّحة، وخصوصاً تلك التي تضم في صفوفها آلاف المقاتلين الأجانب، وتلاشي البيئات الحاضنة لهم تدريجاً في المناطق السورية، وتخلي الرعاة الخليجيين عنهم، دفعت جميعها بهم إلى البحث عن ساحات قتال أخرى ناضجة، أو يمكن إنضاجها على وجه السرعة لناحية امتصاص الفائض البشري من الجماعات المسلّحة، التي وجدت نفسها أمام طريق مسدود، فإما القتال دونما أفق واضح، أو البحث عن بدائل تنطوي على احتمالات التعويض المعنوي..

2ـ الانتصار الكاسح الذي حقّقه ائتلاف دولة القانون في العراق برئاسة نوري المالكي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في مقابل هزيمة ماحقة تكبّدها حلفاء السعودية مثل إياد علاوي وأسامة النجيفي.. بكلمة أخرى، وفي المحصلة ترى السعودية نفسها أكبر الخاسرين في انتخابات العراق الأخيرة، لكونها تمنح خصمها اللدود نوري المالكي فرصة مريحة لنيل أصوات كافية لاختياره لولاية ثالثة.

وهنا لا بد من وقفة عند كلمة تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة سابقاً، الذي يعمل هذه الأيام بمثابة ناطق إعلامي باسم شقيقه سعود الفيصل، وزير الخارجية، في الجلسة العامة لمؤتمر الأمن، الذي نظّمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في 22 نيسان الماضي. تحدّث تركي الفيصل بصيغة التحذير بأنه «في حال فوز نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته، في الانتخابات التي يجري الإعداد لها في الفترة الراهنة، سوف يقسّم العراق».

لم تكن مجرد توقعات أوردها الأمير تركي في كلمته، بل هي رسالة واضحة الى المعسكر الآخر. وطالب دول الخليج بدعم من وصفها بـ (القوى الوطنية العراقية غير الطائفية)، وطالب دول مجلس التعاون الخليجي (باستعادة العراق ومساعدته على العودة إلى المحيط العربي لأهميته في الأمن الإقليمي للمنطقة).

ترجمة هذه التصريحات لا تتطلب جهداً ذهنياً خاصاً، فقد تكفّل كتّاب سعوديون بإفشاء المخبوء فيها. على سبيل المثال، كتب سعد بن عبد القادر القويعي في صحيفة (الجزيرة) السعودية، التي وصفت مقاتلي داعش في الموصل بالثوّار، مقالاً في 26 نيسان الماضي يشرح فيه كلمة تركي الفيصل في المؤتمر السالف الذكر حول تقسيم العراق، وقال ما نصّه «أن بقاء – رئيس الوزراء – نوري المالكي في الحكم لدورة ثالثة، سيشجع على تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم «كردية، وسنية، وشيعية»، كما أن عزيمة التقسيم ستقوى، وتتسارع حالما تؤدي انتخابات نهاية الشهر الجاري إلى فوز تحالف المالكي، أو الإجماع عليه من قبل التحالف الشيعي الذي يدعمه».

الطريف في الأمر، لم يلفت انتباه تركي الفيصل ولا شارحي كلمته بأن الحديث يدور حول انتخابات برلمانية تخضع لرقابة دولية، وتلتزم الى حد كبير معايير النزاهة، بمعنى آخر ما يطلبه تركي الفيصل هو الغاء إرادة الناخب العراقي، أو تزويرها، إذا جاءت لمصلحة المالكي!
فما جرى في العراق بعد هجوم داعش على الموصل هو الترجمة العملانية للموقف السعودي، وتحذير تركي الفيصل من فوز المالكي بولاية ثالثة دونه تقسيم العراق الذي بات في عهدة داعش واخواتها.

3 ـ بات معلوماً ما تمثله عودة المقاتلين السعوديين الى الديار من خطورة على المملكة السعودية وعلى أمن المنطقة بصورة عامة. وبات معلوماً أيضاً تفويض وزير الداخلية محمد بن نايف بإدارة ملف المقاتلين السعوديين، بناء على ترتيبات مع الأجهزة الامنية الأميركية (وكالة الأمن القومي، وزارة الامن الداخلي، وكالة الاستخبارات المركزية، وقسم مكافحة الارهاب في البيت الأبيض) وقد التقى رؤساءها في زيارته الى واشنطن في 12 شباط الماضي، حيث كانت المفاوضات قد تطرقت الى «مواضيع اقليمية وثنائية وإلى الالتزام المشترك والعميق بمكافحة الارهاب والمجموعات المتطرفة في المنطقة» بحسب (الحياة) في 13 شباط الماضي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين.

وبصرف النظر عن أداء محمد بن نايف، الذي لا ريب في أنه أفاد من التفويض لناحية ضرب كل الخصوم، وفي مقدمهم الاصلاحيون والناشطون السياسيون والحقوقيون في الداخل، الا أن ثمة ما ظهر لاحقاً، ويشي بمعطيات جديدة، وهي أن الداخلية السعودية لم تضع خطة استيعاب وإعادة تأهيل للعائدين من ساحات القتال، وأن عدد المقاتلين السعوديين العائدين كان ضئيلاً جدا، بل لا يكاد يذكر، ما يشي بتنفيذ الخطة «ب»، إذ أوجدت لهم ساحة قتال بديلة، لما تمثله عودتهم من خطورة بالغة على النظام الذي يعيش أسوأ أيامه، بفعل التصدّع البنيوي العميق نتيجة النزاع المحتدم على السلطة بين الملك والجناح السديري الذي يخسر مواقعه الاستراتيجية لمصلحة أبناء عبد الله، وكذلك السخط الشعبي المتصاعد في ظل تآكل شعبية وهيبة النظام، الأمر الذي يجعل إمكانية انفلات الأوضاع الأمنية راجحة وقد تفضي الى تفكك الكيان.

لم يكن محض صدفة تعاقب التطوّرات بطريقة منظمة، سواء إخلاء المواقع العسكرية، وصدور تعليمات من قيادات عسكرية ومدنية عراقية في الموصل بعدم المواجهة، وانتقال مجموعات مقاتلة من سوريا الى الموصل بصورة منظمة وعاجلة، ولم يكن مشهد قوافل السيارات الجديدة والغالية الثمن (يطلق عليها في السعودية اسم شاصي تويوتا، قيمة الواحدة منها 50 ألف دولار وتستعمل لتثبيت الرشاشات وراجمات الصواريخ) والمحمّلة بالمقاتلين والعتاد المتوسط والمعدّ لمهمة كبرى كالتي دخلت الى العراق كان وليد قرار ساعات أو حتى أيام.

وجد النظام السعودي نفسه محاصراً بوقائع تؤول الى عزله وخنقه، ولم يعد أمامه سوى تخريب المعادلة السياسية العراقية، بعدما خسر الرهان في سوريا. الإذعان لتلك الوقائع يعني حكماً انتظار تمدّد داعش ووصول مقاتليها الى الخليج، وحينئذ سوف يكون الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة من الماضي، فالسيناريو الذي يرسمه الخبراء الاستراتيجيون لهذه المنطقة في حال وصول الجماعات المسلّحة اليها حالك ومخيف. لقد وعد الملك عبد الله في لقاء مع وفد سياسي عراقي عام 2007 بتقديم ضعف ما أنفقته المملكة على نظام صدام حسين في حربه ضد ايران (1980 ـ 1988) من أجل إسقاط حكومة نوري المالكي. وذكر الأخير في لقاء معه في ربيع 2011 بأن زعيم تيار المستقبل سعد الحريري نقل إليه أن الملك عبد الله يرفض أن تبقى عاصمة العباسيين في يد المالكي، وعاصمة الامويين في يد الأسد، لذا لا بد من تحرير إحداهما على الأقل.

المشاريع الحالمة صالحة في ظروف أخرى تكون فيها السعودية قادرة على أداء دور فاعل في النظام الاقليمي، لكن الأخطار المحدقة بالكيان تدفع بها إلى خفض سقف توقعاتها.

في مثل حال الوهن التي يعانيه النظام السعودي، يقتفي الأخير السيناريو السوري بحذافيره في العراق لجهة صرف الأنظار وإفراغ مخزون الغضب الشعبي. فقد كانت المملكة في آذار 2011 على وشك أن تشهد ربيعاً عربياً يتدحرج من منطقة الى أخرى، لكن نجح النظام في حرف مساره، عبر حملة شاركت فيها المؤسسات الاعلامية والدينية والسياسية والأمنية لناحية صنع قضية بديلة، وهي إسقاط «النظام النصيري في سوريا» بحسب الادبيات الوهابية، فنسي كثيرون قضيتهم الخاصة، وحين انهار مشروع اسقاط الأسد في سوريا، بدأت الارتدادات تلوح في الأفق، ومنها تهديدات داعش بالوصول الى داخل المملكة وتصفية الحساب مع (آل سلول)، أي آل سعود بحسب أدبيات القاعدة…فكان العراق بديلاً.

انتشرت بعد السيطرة على الموصل من قبل داعش مقاطع فيديو عديدة على (يوتيوب) لمقاتلين سعوديين كما تكشف عن ذلك لهجاتهم النجديّة والجنوبية السعودية وهم يتفحّصون ما يعدونه غنائم من الجيش العراقي، ويتهكمون على ما يعدونهم أسرى من الجنود العراقيين.. وعاد السعوديون الى تصدّر العمل الانتحاري، حيث يزج داعش بعناصره السعوديين لتنفيذ ما يعتقدونه عمليات استشهادية، حيث بدأها السعوديان ابو سليمان وأبو عوض الجزراوي، وهو اسم حركي لتبدأ موجة الانتحاريين السعوديين..

معطى آخر: مقتل ضابط سعودي على يد القوات العراقية قرب الموصل.. مواقع التواصل الاجتماعي تفيض بروايات عن مقاتلين سعوديين في الموصل وصلاح الدين وديالى وغيرها.. وسوف تتكشف مع الأيام أعداد وأدوار السعوديين في البنية التنظيمية والعسكرية لتنظيم داعش.

على أية حال، لم يتطلب تدجيج المناخ العام في المملكة السعودية بكل عناصر التحريض وشد العصب المذهبي وقتاً طويلاً، سوى تحريك البوصلة قليلاً إلى اليمين باتجاه الشمال الشرقي، فصار العراق ميداناً بديلاً لمشاغلة قطاعات المقاتلين السعوديين على وجه الخصوص، قبل أن ينفّذوا مخطط اجتياح الخليج من البوابة الكويتية، كما أخبروا في بياناتهم الأخيرة، ما دفع بالكويت إلى إعلان الاستنفار العام على حدودها مع العراق.

____________

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

«القاعدة» في سوريا: من التأسيس الى الإنشقاق

    يونيو 03, 2014   No comments
رضوان مرتضى

دخلت «القاعدة» إلى الميدان السوري بين تموز وآب عام ٢٠١١، للتأسيس لحراك جهادي. وصل «أبو محمد الجولاني» إلى أرض الشام، يرافقه ثمانية أشخاص من جند «دولة العراق الإسلامية»، موفدين من «أبي بكر البغدادي». بذرة الجولاني أنبتت انتشاراً واسعاً قبل أن يقع الانشقاق الدموي بين فصيلي «القاعدة» الرئيسيين على الأرض السورية. وهنا القصة الكاملة كما ترويها مصادر إسلامية مطلعة
ارتبك أهل «الجهاد العالمي» حيال الأزمة الوليدة في سوريا. بالنسبة إليهم، كانت صورة الأحداث التي اندلعت في 15 آذار عام 2011 ضبابية. في المراحل الأولى، لم يحرِّكوا ساكناً. اكتفوا بالمراقبة عن بُعد، ريثما يحددون موقفهم. لم يسر ذلك على جميع «الجهاديين». ومن دون إذن «الأمير»، تسلل كُثُر من جنود «دولة العراق الإسلامية» سرّاً من أرض الرافدين لـ «الجهاد على أرض الشام». رأت قيادة التنظيم العراقي في هذا التسرُّب تهديداً «قد يتسبّب في تصدّع الدولة وانشقاق عناصرها».

لذلك، حرّم أمير التنظيم «أبو بكر البغدادي» التوجّه إلى سوريا، معتبراً أيَّ مخالفٍ للحظر «جندياً منشقّاً»، لأن «الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريث». هذه الإجراءات فاقمت من التملمُل في صفوف «المجاهدين»، لكنّها لم تحل دون استمرار تسلل بعضهم من خارج الإطار التنظيمي لـ «دولة العراق» إلى أرض الشام. لم تكن لـ «القاعدة» أرضية في سوريا، باستثناء بعض الخلايا النائمة منذ ما قبل اندلاع الأحداث، والتي كانت مهمتها تقتصر على توفير المستلزمات اللوجستية لـ «الجهاديين» الوافدين. كانت هذه الخلايا عبارة عن أفراد تنحصر وظيفتهم في نقل المقاتلين من سوريا إلى العراق. وتوفير مضافات وبيوت أمان، ولم يكن من ضمن مهامها المواجهة المباشرة مع قوات الأمن السورية. التململ في أوساط «الجهاديين» الراغبين في القتال في سوريا، دفع مستشار البغدادي، العقيد حجي بكر، إلى طرح فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه الى سوريا بقيادة سوري. بذلك، يحال دون التحاق أي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق، وتضمن «الدولة» عدم انشقاق عراقيين عنها. وفي الوقت نفسه، يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تستقطب أعضاء غير عراقيين من الخارج. هكذا أوفد المجلس العسكري لـ «دولة العراق»، بين تموز وآب عام ٢٠١١، أبو محمد الجولاني الى الشام مع ثمانية آخرين، بينهم أحد أبرز شرعيي «جبهة النصرة» اليوم، «أبو ماريا القحطاني». وكانت مهمة هؤلاء تهيئة الأرضية لتشكيل تنظيم جهادي يكون امتداداً لـ «دولة العراق الإسلامية». وكان دعمهم المادي وتسليحهم من «الدولة» حصراً.

لم يستقر الموفدون التسعة في مكان معين. لكن النواة الأولى لعملهم «الجهادي» كانت في محافظة إدلب. بعدها انتقلوا إلى كل من حلب ودير الزور. ومن هذه المحافظات الثلاث، انطلق تنظيم «جبهة النصرة» للانتشار في كل سوريا، حتى بات رأس حربة المعارضة المسلّحة. وتوحّد شكل معظم العمليات العسكرية التي اعتمدها مقاتلوه وفق أسلوب حرب العصابات والعمليات الانتحارية. العقبة الأساسية تمثّلت في مرحلة الاستقطاب، ثم كرّت السبحة. ووفق أحد قيادات «النصرة»: «لم يكن رجال القاعدة مقبولين لدى السوريين في المرحلة الأولى. إذ كان اسم القاعدة يشكّل نفوراً لدى غالبيتهم، لكنّ العمليات الاستشهادية زكّتهم في ما بعد».
في ٢٤ كانون الثاني عام ٢٠١٢، «زفّ» الجولاني «البشرى للأمة الإسلامية بتشكيل جبهة لنصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد» (انفردت «الأخبار» بنشر فيديو التأسيس قبل عرضه على كافة المنتديات الجهادية). (http://ipv6.al-akhbar.com/term/1738). وبعد أقل من شهر، في ١٢ شباط ٢٠١٢، خرج الشيخ أيمن الظواهري في تسجيل مصوّر دعا فيه «المجاهدين» من كل أصقاع الأرض الى أن «ينفروا» إلى سوريا. عندها، بدأت «الهجرة الجهادية «بشكل علني. دعوة الظواهري كانت بمثابة النبع الذي رفد «الجبهة» بمئات المقاتلين. لكن ذلك كان سيفاً ذا حدّين. إذ أن سهولة قبول «النصرة» للمنتسبين سمح لعشرات الجواسيس بالتسلل الى صفوفها. فكان يُقبل انتساب أي «أنصاري»، وهو وصفٌ يطلق على كل سوري الجنسية، بعد أن يزكّيه أحد عناصر التنظيم بأنه «نظيف أمنياً». بعدها، يخضع المنتسب إلى دورات شرعية وعسكرية. أما «المجاهد المهاجر»، أي القادم من الخارج، فيحتاج إلى تزكية من أحد الثقاة في وطنه الأم، علماً بأنّه لم تكن هناك بيعة في البداية، بل دورات شرعية فقط. وتشير المصادر إلى أن «العدد الأكبر من الجواسيس الذين أعدموا كانوا يعملون لمصلحة الاستخبارات الأردنية». وقد دفع ذلك قيادة «الجبهة» إلى «الحد من دخول المنتسبين الجدد، ووقف قبول دخول أي مهاجر في صفوف التنظيم»، بذريعة منح الأولوية لاستيعاب الراغبين من السوريين في صفوف التنظيم. وفي موازاة ذلك، ولتلافي اجتذاب التنظيمات الممولة سعودياً للجهاديين المهاجرين، كُلّف «أبو خالد السوري» من الظواهري شخصياً بالإشراف على «حركة أحرار الشام».
لم تمض أشهر على تأسيس «الجبهة» حتى ذاع صيتها في سوريا. ورغم ربطها بتنظيم «القاعدة» في المرحلة الأولى، إلا أن كثيرين استوقفهم أسلوب عملها المغاير للأسلوب المعتمد لدى التنظيم العالمي، لا سيّما لجهة إخفاء ملامح قتلاها الذين يسقطون أثناء تنفيذ العمليات العسكرية والتفجيرات في تسجيلاتها المصوّرة، فيما تفاخر «القاعدة» بهم. وقد ذهب بعض رموز المعارضة السورية إلى اتهامها بـ «العمالة لصالح النظام السوري» قبل أن يتبيّن أن الغاية من تمويه وجوه قتلاها كانت حماية عائلاتهم من الأمن السوري.
في تلك الفترة، كانت «جبهة النصرة» لا تزال تأتمر بأوامر البغدادي بوصفه القائد العام، إلى أن طلب أمير «الدولة» من جنديّه أمير «النصرة» استهداف أحد الفنادق التركية أثناء اجتماع لرموز المعارضة السورية. استعظم الجولاني الأمر، وردّ على أميره بأنّ عملية كهذه من شأنها إغلاق أبواب تركيا في وجه «جبهة النصرة»، ما يعني وقف تدفق المال والسلاح. تكرر رفض الجولاني لأوامر البغدادي غير مرّة. فاعتبر أمير «الدولة» رفض الجولاني عصياناً، لكنّه لم يُفصح عن ذلك. ولاختبار ولاء جنديّه، أعلن البغدادي في نيسان 2013 توحيد «دولة العراق» و«جبهة النصرة» في تنظيم واحد تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لكن رفض الجولاني تكرر معلناً عدم موافقته على الدمج ورفض الالتحاق بالكيان الجديد.
ضعضع الخلاف صفوف «الجهاديين» في سوريا. وللاحتماء وتوفير الغطاء والمشروعية لخطوته، رفع الجولاني الأمر إلى «أمير الجهاد العالمي» أيمن الظواهري الذي أمر ببقاء «النصرة» في سوريا و«الدولة» في العراق. لم يوافق البغدادي على التسوية، باعتباره «صاحب الخير والجولاني خائن متخاذل». وانتقل الخلاف بين الرجلين إلى صراع احتدم بين أمراء «الجهاد» في العالم. وتحوّل الصراع على الإمرة اشتباكات مسلّحة على أرض الشام بين أبناء الفكر الواحد خلّفت مئات القتلى، وتهدّد بالتحول الى «حرب جهادية عالمية»، طرفاها «إبنان شرعيان» لتنظيم «القاعدة»: الأول («جبهة النصرة») يستمد مشروعيته من ولائه للقيادة «التاريخية» المتمثلة بالظواهري، والثاني («الدولة») يستقي المشروعية من تحدره من «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» (بزعامة «أبو مصعب الزرقاوي»)، ومن سيطرته على حيز جغرافي يجيز له إقامة «إمارة حكم» تسيّر شؤون المسلمين ويتوجب على بقية التنظيمات الخضوع لها.
باختصار، على أرض الشام اليوم، «القاعدة» يحارب «القاعدة».

ولادة «النصرة» في حمص
حمص كانت آخر المحافظات التي دخلتها «القاعدة». وصلها ستة موفدين من أبي محمد الجولاني، بإمرة شخص يلقّب بـ«أبو العيناء». اتّخذ هؤلاء من القصير في ريف حمص مركزاً لهم، ثم بدأوا بدعوة المسلّحين المعارضين إلى مبايعة التنظيم. لم تجد «الجبهة» قبولاً في بداية الأمر، إذ أن أغلبية المسلّحين كانوا منضوين في صفوف «الجيش السوري الحر». استمر الأمر على حاله حتى تنفيذ «الجبهة» أكبر عملية انتحارية في تاريخ سوريا. في ٢٣ كانون الثاني عام ٢٠١٣، قاد السوري «أبو إسلام الشامي» شاحنة مجهّزة بعشرين طناً من المتفجرات، دكّ فيها ثكنة المشتل العسكرية في القصير. في أعقاب هذه العملية، ارتفعت أعداد المنضوين في صفوف «جبهة النصرة» الى ٣٠٠ مقاتل. وتحصّن هؤلاء في قرى القلمون لاحقاً. وقد أوفد لإمارتهم في ما بعد السوري «أبو مالك التلّة» الذي قاد معركة القلمون في مواجهة الجيش السوري وحزب الله.
_________
«الأخبار»

الثلاثاء، 20 مايو 2014

ليبيا في مربع النار: الحرب على السلاح بالسلاح... انتقام العسكر... المسلحون يتوعدونه بمصير "القذافي"

    مايو 20, 2014   No comments
هي التجربة نفسها، تتكرر في أكثر من دولة في المنطقة لمعالجة ذيول ما عُرف بـ«الربيع العربي». عودة إلى دعم القوات المسلحة في مواجهة الإسلاميين. حصل هذا في الجزائر قبل عقود، وفي مصر قبل أشهر، واليوم في ليبيا، التي بات واضحاً أنها تحولت إلى مصنع للمجموعات التكفيرية، تصدّر الإرهابيين والسلاح إلى جميع أنحاء المعمورة. لكن لا شك في أن أمرين استعجلا «انقلاب حفتر»: الأول، تجمع عشرات آلاف التكفيريين المسلحين على الحدود مع مصر، كمحطة انطلاق نحو أرض الكنانة انتقاماً لحكم إسلامي زال. واقع دفع الحكم المصري ممثلاً بعبد الفتاح السيسي إلى تنسيق الجهود مع الجزائر بدعم غربي واضح لتصفية المجموعات الإسلامية في هذا البلد. والثاني حجم الخطر الذي وجد ضباط الجيش السابق أنفسهم فيه، بعد تصفية أعداد كبيرة منهم على أيدي الإسلاميين.

هي انتفاضة العسكر إذن، بل انتقامهم، مما حل بهم بعد رحيل معمر القذافي، حاضنتهم القبائل التي كانت ركيزة حكم العقيد!

لم تكن الصورة أول من أمس في طرابلس تشبه التي بثّها اللواء الليبي خليفة حفتر حين أعلن انقلاباً عبر مؤتمر تلفزيوني في شباط الماضي. الانقلاب الآن أصبح فعلاً على الأرض. أنصار حفتر وجنوده يقولون إنهم أتوا بعملية «كرامة ليبيا» ليخلصوها من فوضى السلاح والمجموعات الإسلامية المتشددة. الطرف الآخر يرى أن هذا التحرك مدعوم خارجياً من أجل مآرب أخرى.

خريطة الجماعات المسلحة

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد الكتائب المسلحة في ليبيا قد يصل إلى 300 ميليشيا مختلفة التسليح والأعداد، وبعضها يتبع أشخاصاً وأخرى تيارات سياسية مثل جماعة الإخوان المسلمون والقاعدة، أو تتبع مدناً ومناطق وحتى قبائل. كل هذه المجموعات ليس لديها وضع قانوني واضح في ظل غياب دور فعال للجيش الليبي وقوات الأمن التابعة للحكومة.

في خضم الصراع الحالي، تبدو أطراف الصراع في الشرق الليبي، خاصة مدينة بنغازي، غير واضحة التحالفات بسبب الخلاف في الرؤى وتقدير الموقف من وقت إلى آخر بل من يوم إلى ثانٍ، لكن العملية الجارية تظهر أن هناك ثلاثة تكتّلات بارزة في بنغازي ودرنة، يمكن تحديدها كالآتي:

أولاً: قوات اللواء خليفة حتفر

تضم في الأساس ضباطاً سابقين في الجيش الليبي ممن شاركوا تحت قيادته في حرب تشاد خلال الثمانينيات، وهؤلاء رفضت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي دمجهم في الجيش مجدداً، وكتيبة «حسن الجويفي» في برقة الحمراء وهي أكبر كتائب الجيش الليبي في الشرق، وكتيبة أولياء الدم الذين قتل عدد منهم على أيدي الجماعات الإسلامية.

أطراف الصراع غير واضحة... التحالفات وتتغيّر ارتباطاتها بسرعة
كذلك تحالَف حتفر مع القبائل الكبرى في الشرق الليبي (العبيدات والبراعصة والعواقير والعرفة) بعد أن تمكن من إقناعهم بالانضمام إلى صفه، وهناك تأييد له من أنصار الحراك الفدرالي في البلاد. أما في غرب ليبيا الذي يتصف بالصراعات القبلية أكثر منها مع المتطرفين، فتمثل التشكيلات المحسوبة على «الزنتان» القوى الضاربة للتيار المدني في مواجهة الإسلاميين، وهي تؤيد عملية حفتر، ولا سيما أنها أعلنت سابقاً رفضها التمديد للمؤتمر الوطني الذي انتهت ولايته في السابع من شباط الماضي.
ثانياً: القوى المتشددة المستهدفة

على رأس القوى المستهدفة تنظيم أنصار الشريعة، وكتيبة شهداء 17 فبراير، وكتائب شهداء أبوسليم، وكتيبة شهداء راف الله السحاتي، ومتشددون آخرون في درنة التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة (جيش الشورى الإسلامي)، وأصبحت تلك المدينة معقلاً للتيار الجهادي وتعلن تحديها لبناء الدولة الليبية.
وقد أعلنت الولايات المتحدة أواخر العام الماضي أن «أنصار الشريعة» تنظيم إرهابي، وتتهم ما لا يقل عن 15 من قياداته بالضلوع في الهجوم على قنصليتها في بنغازي (11 أيلول 2012)، كذلك خطف التنظيم عدداً من عناصر الأمن الرسمية وبادلهم بزملائهم قبل أيام قليلة من انطلاق عملية «كرامة ليبيا».
أما كتيبتا «شهداء 17 فبراير» و«راف الله السحاتي» المعروفتان بقربهما من جماعة الإخوان الليبية، فهما تشكيلان مسلحان مثيران للجدل، وقد أصدرت رئاسة أركان الجيش قراراً يقضي بإخلاء مقر «شهداء 17 فبراير» قبل خمسة أيام، لكن الأخيرة لم تمتثل للقرار. أخيراً يبرز تنظيم «جيش الشورى الإسلامي» الذي أعلن أنه لن يخضع لسيطرة الدولة ووصفها بالكافرة، إضافة إلى جماعة تطلق على نفسها اسم «جيش تحكيم الدين»، وأعلنت أخيراً تبنّيها الهجوم على كتيبة الصاعقة 21 المعروفة بـ«شهداء الزاوية».

ثالثاً: القوات الحكومية

قوات الشرطة التابعة لمديرية أمن بنغازي وتشكيلاتها المختلفة من قوات الأمن والإسناد، وكذلك «قوات الصاعقة» التي يقودها العقيد ونيس بوخماده، وهي المتبقية من الجيش الرسمي، إضافة إلى قوات «الغرفة الأمنية المشتركة» التي تضم عناصر من الثوار والجيش والشرطة، ويقدر تعدادها بـ6 آلاف عنصر. كل هذه القوات لم تفرض يدها على المدينة وتعاني من «ظاهرة الولاءات الرخوة» وتضارب القرارات الصادرة من الجهات العليا في البلاد، أكانت الحكومة المؤقتة أم المؤتمر العام.
ولا يغفل دور قوات «درع ليبيا» المكونة من عدد من المجموعات المسلحة التي يبدو أنها تنتشر في ليبيا كلها، حتى إن مظهرها وسلوك أفرادها يشبه وحدات الجيش النظامي، وهي تتلقى فعلياً دعماً من وزارة الدفاع، لكن هناك من يحسبها على جماعة الإخوان، وتتهم بأنها ارتكبت جرائم حرب.
*****
هكذا انتقم العسكر من الإسلاميين

إيمان إبراهيم 

 في عرف الدول لا تستطيع دولة النظر إلى خطر محدق بأمنها من دون تصرف. رغم ذلك، تحافظ القاهرة على مسافة للتدخل في المشهد الليبي المتأزم، مع أن قيادياً عسكرياً يكشف أن تحرك حفتر يصبّ في مصلحة مصر

القاهرة | لا ترى الأوساط الأمنية المصرية أن حالة الاستنفار على الحدود مع ليبيا وليدة الأيام الماضية، فعناصر القوات المسلحة المنتشرة على الحدود الغربية يعيشون هذه الحالة منذ أن ظهرت «الميليشيات المسلحة» وقسمت ليبيا جغرافيّاً إلى مناطق نفوذ، لكنها تنظر «بعين الاطمئنان إلى الاستعدادات العسكرية في تأمين تلك الحدود» إلى جانب التنسيق على المستويات كافة بين قوات حرس الحدود والقوات الجوية والبحرية ووحدات التدخل السريع.

وتفيد مصادر عسكرية مصرية لـ«الأخبار» بأن «الجيش يتحمل مسؤوليته كاملة في ضبط المناطق المتاخمة للحدود الليبية أو حتى تأمين امتداده الاستراتيجي في الأراضي الليبية إذا تطلب الأمر ذلك، وخاصة مع استمرار محاولات تسلل بعض العناصر المسلحة إلى الداخل لتنفيذ عمليات تفجير وإرباك المشهد قبل الانتخابات الرئاسية».
على الصعيد السياسي، ابتعدت الخارجية المصرية خطوة عن الموقف الذي أفادت به المصادر السابقة، فقد أعلنت الوزارة أنها تتابع باهتمام التطورات المتسارعة في ليبيا، لكنها استنكرت في بيان صحافي أمس «محاولات من داخل ليبيا وخارجها للزج باسم مصر في التطورات الجارية هناك التي تعتبرها القاهرة شأناً ليبياً خالصاً». وأكدت الخارجية في البيان أن «مصر حكومة وشعباً مع إنهاء الانقسام الجاري على الساحة الليبية وحقن الدماء مع رفض أي تدخل خارجي في قضايا ليبيا الداخلية»،
وكان وزير الخارجية المصرية نبيل فهمي قد التقى نظيرة الليبي محمد عبد العزيز السبت الماضي قبل اقتحام مبنى المؤتمر الليبي العام (البرلمان)، وتحدثا عن اهتمام مصر بعقد «مؤتمر أمن الحدود» الذي كان من المخطط أن تستضيفه القاهرة. على جانب آخر، يشرح قيادي عسكري ليبي الأبعاد التي دفعت اللواء السابق في الجيش الليبي وقائد التحرك العسكري الحالي خليفة حفتر إلى التحرك نحو ملاحقة «الميليشيات التي تتشح بالثوب الإسلامي وباطنها جماعات مسلحة إرهابية»، ويقول لـ«الأخبار»، مفضلاً ألا يذكر اسمه تجنباً لأي تصفية جسدية قد تستهدفه، إن تلك الجماعات المسلحة بسطت سيطرتها على مساحات كبيرة من الأراضي الليبية ثم أقالت قرابة 2000 ضابط ليبي، بمن فيهم حفتر نفسه خلال توليها إدارة البلاد عام 2011».
وأضاف القيادي الليبي: «بعدما تمكنوا، نفذوا تصفية منهجية لكل المتقاعدين والمقالين من الجيش المنتشرين في مناطق شرق ليبيا ووسطها، وهو الأمر الذي دفع حفتر وعناصره إلى اتخاذ موقف ضد هذه المجرزة التي تعرض لها الضباط»، راصداً قتل الميليشيات قرابة 150 ضابطاً خلال الشهور الماضية، «كذلك قتلوا ضابطات سيدات متقاعدات منذ 10 سنوات، ثم هددوا حفتر وعناصره الموالية مباشرة».
ويزيد على أسباب التحرك الأخير الذي وصفه معارضوه والحكم المؤقت بالانقلاب، أن «الجماعات الإسلامية المسلحة وقعت في شرك الخوف بعد نجاح المتظاهرين المصريين في «30 يونيو» في القضاء على حلم جماعة الإخوان المسلمين وأملها في إقامة حكم إسلامي في مصر»، مشيراً إلى أن كل التيارات المسلحة المتحكمة في ليبيا قريبة من مشروع الإخوان رغم اختلاف مسمياتها وأفكارها ما بين جيش النصرة ودروع الإسلام وغيرها.
واتهم القيادي العسكري الليبي، وكيل وزارة الدفاع الليبية خالد شريف الذي يترأس حالياً الحرس الوطني بأنه يمول كل عمليات التسليح بين قطر وتركيا والجيش الحر في مدينة درنة، «والأخير يحتجز كل قادة الجيش كرئيس الاستخبارات العسكرية عبد الله السنوسي، ورئيس الأمن الخارجي أبو زيد دورده». واستطرد قائلاً: «النقاش حالياً يدور حول رد الاعتبار إلى بعض القبائل التي يمكن أن تدعم الجماعات الموالية لحفتر، وغالبيتها من أنصار القذافي وعلى رأسها قبائل بني وليد والمقارحة والجميل والعجيلات والقذاذفة؛ ليتصدوا جميعاً للتنظيمات المسلحة وتلك التابعة لتنظيمي القاعدة والإخوان، وخاصة أن هذه القبائل تتسم بالتعداد السكاني الأكبر والمهارة القتالية الأعلى بحكم رعاية القذافي لها واهتمامه بها». وشدد أخيراً على أن أنصار حفتر يحتاجون دعماً خارجياً من دول الجوار، ولاسيما في التسليح «لأنهم مجموعات تعتمد على الباقي من الأسلحة التي سرقت من مخازن القذافي، فيما تعتمد التنظيمات المسلحة على أسلحة تأتي لهم عبر الجسور البحرية والجوية من قطر وتركيا».
*****
تفاصيل «الانسحاب التكتيكي» من بنغازي

رغم إخفاق محاولته الأولى قبل أشهر، لم يكف اللواء خليفة حفتر عن التحشيد تمهيداً لعملية عسكرية كبيرة في المنطقة الشرقية من ليبيا بعد أن حصل على دعم من بعض القبائل وضباط قدامى. وبدأت محاولات حفتر في الانقلاب على السلطات المؤقتة ببيان تلاه عبر التلفاز وأحدث ضجة إعلامية، لكن لم يكن له صدى على الأرض.

وقالت مصادر في المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت إن معلومات استخبارية وصلت إلى رئيس المؤتمر وتفيد بوجود محاولة انقلاب، لكن قوة من الثوار مكلفة من الدولة أحبطت المحاولة بدهم القاعة التي أعلن منها البيان، ليصدر بعدها أمر من النائب العام بالقبض على حفتر الذي فرّ إلى الشرق حيث يواليه عناصر هناك.
عقب الحدث الأخير بأسابيع، بدأت تحركات اللواء من مدينة بنغازي لتجميع قوة عسكرية من ضباط متقاعدين وبعض من طاولهم قانون العزل السياسي وأبرزهم العقيد صقر الجروشي آمر القوات الجوية السابق.
فجأة برزت مدينة المرج التي تبعد ١٠٠ كم شرق بنغازي على سطح الأحداث، وتقول التقديرات إن جل قوة حفتر من تلك المدينة إضافة إلى ضواحي بنغازي كبنينا والرجمة والأبيار أو ما كان يعرف في عهد القذافي بالحزام الأخضر.
وقبل شهر احتل الموالون لحفتر قاعدة الرجمة الاستراتيجية، وأصدر آنذاك بعض ضباط القاعدة المعارضين بياناً يخلون فيه مسؤوليتهم عن الأسلحة والغازات الموجودة فيها، ثم استشعرت المجموعات المسلحة الخطر فاستدعت كل منتسبيها وحددت بعض المحاور التي يمكن عناصر حفتر الدخول منها.
صباح الجمعة الماضية، شنّ حفتر هجوماً استعمل فيه طائرة حربية أقلعت من قاعدة بنينا الجوية كما صرح بذلك المتحدث باسم القاعدة صالح الحاسي، واستهدفت الطائرة معسكر ١٧ فبراير بستة صواريخ نو «سي فايف» لكنها لم تحدث أضراراً، واستمر تحليقها مدة ساعتين في سماء بنغازي، الأمر الذي رأى فيه محللون أنه عملية لإرباك الخصم إلى حين استكمال العملية البرية.
لاحقاً بدأت العملية البرية التي انطلقت من الرجمة وبنينا لتشتبك العناصر بعضها مع بعض في منطقتي سيدي فرج والهواري، فتكبدت قوات حفتر خسائر في الأرواح بلغت نحو أربعين قتيلاً مقابل ثلاثين في الطرف الآخر.
وبعد هجوم آخر نفذته قوات حفتر في بنغازي، كلف رئيس المؤتمر الوطني العام باعتباره القائد الأعلى للجيش أحد القادة الميدانيين، هو زياد بلعم التنسيقَ مع الغرفة الأمنية المشتركة لتأمين المدينة وردع القوات المهاجمة، ولاحقاً أعلن اللواء المنشق انسحابه من المدينة لإعادة ترتيب صفوفه.
وتلفت التقديرات الأمنية إلى أنه يصعب على حفتر دخول بنغازي، لكن الساعات القليلة القادمة ستوضح مدى قدرة الأخير على تنفيذ عمليته وفق أهدافها في ظل انقسام الشارع بين مؤيد له ومعارض.

*****
ليبيا..حفتر يتوعد الإخوان والمسلحون يتوعدونه بمصير "القذافي"
قال اللواء خليفة حفتر , القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي ان "عملية الكرامة" التي تشنها قوات عسكرية موالية له منذ يوم الجمعة الماضي تهدف الى تطهير ليبيا من المتطرفين وجماعة الاخوان المسلمين.
وتوعد حفتر في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته اليوم الثلاثاء ، بتقديم كبار مسؤولي المؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت) والحكومة وجماعة الاخوان للمحاكمة في حال اعتقالهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي خلال فترة توليهم السلطة.
وانطلقت العملية التي يقودها حفتر من بنغازي, متجهة  الى العاصمة طرابلس , بينما تواصلت الاشتباكات المتقطعة في المدينتين منها مواجهات حول مبنى البرلمان في العاصمة ومواقع استراتيجية أخرى.
وفي تطور لاحق اقترحت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني , مبادرة مفاجئة مساء أمس لحل الأزمة الراهنة في البلاد , تضمنت عشر نقاط , وطالبت المؤتمر الوطني العام (البرلمان) بوقف عمله لحين اجراء الانتخابات العامة المقبلة.
ولم يصدر على الفور أي تعليق مباشر من نوري أبو سهمين رئيس البرلمان الذي أصدر قرارا مثيرا للجدل بتكليف قوة تضم مسلحين بالتمركز داخل العاصمة طرابلس.
في المقابل توعد تنظيم “أنصار الشريعة” الليبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمصير الديكتاتور المقتول معمر القذافي.
وقال التنظيم في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه اليوم “سنتعامل مع أي تحرك عسكري داخل بنغازي (شرق)، كما فعلنا مع القذافي وكتائبه خلال الثورة الليبية عام 2011 “.
وقتل القذافي بعد حكمه ليبيا لأكثر من 40 سنة في مسقط رأسه بمدينة سرت (شرق)، بعد أسره من قبل ثوار ليبيا، في أكتوبر/ تشرين أول 2011 .
ووجَّه التنظيم عبر بيانه رسائل إلى الليبيين وخاصة سكان بنغازي، قائلا “نقف مع مطالب شعبنا المسلم في مطالبته بالأمن والاستقرار تحت راية الشريعة الإسلامية، لا تحت راية ديمقراطية أو علمانية أو دساتير وضعية، كما ننادي قبائلنا الشريفة عريقة النسب أن تعلن صراحة مطالبتها إقامة الشريعة الإسلامية وأن تتبرأ من سفك دماء المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب”.
وتابع “لطالما كنا أحرص الناس على دماء المسلمين، لكن على الرغم من ذلك استمر إعلام التضليل في هجومه الشرس علينا بقيادة العلمانيين، وأتباع النظام السابق بتأييد من الغرب وبعض الدول العربية”.
هذا وتتابع الولايات المتحدة عن كثب الاوضاع في ليبيا الا انها لم تقرر بعد ما اذا كانت ستغلق سفارتها في طرابلس ام لا، حسبما اعلن مسؤول اميركي الاثنين.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي "نحن قلقون جدا ازاء اعمال العنف التي وقعت نهاية الاسبوع في طرابلس وبنغازي"، ودعت كل الاطراف الى "الامتناع عن اللجوء الى العنف".
وبينما اعلنت السعودية الاثنين اغلاق سفارتها في طرابلس واجلاء دبلوماسييها، اضافت بساكي "لم نتخذ اي قرارات حول اخراج طاقمنا من ليبيا".
والولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب في ليبيا منذ مقتل السفير كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين اخرين في هجوم في 2012 على القنصلية الاميركية في بنغازي.

______
(الأخبار) +وكالات

السبت، 10 مايو 2014

سوريا: المجزرة المخفية

    مايو 10, 2014   No comments
شيرمين نرواني
حصل الهجوم بعد فترة قصيرة من بدء الإضطرابات الأولى في مدينة درعا في الجنوب السوري في شهر آذار من العام 2011.
كانت بضع شاحنات عسكرية قديمة روسية الصنع، مُحمّلة بعناصر أمن سوريين، تشق طريقها على منحدر صعب في واد يقع بين درعا المحطة ودرعا البلد. وكان عناصر الأمن يجهلون أن مسلحين صبّوا زيتاً على الطريق، وهم ينتظرون اقترابهم لإيقاعهم في الفخ.
بدأت الشاحنات بالانزلاق على بعضها البعض، ولكن المسلحين لم ينتظروا إلى حين توقفها حتى بدأوا بإطلاق النار في اتجاهها. ووفقاً لمصادر عديدة في المعارضة السورية، «قُتل حوالي 60 جندياً سورياً» في ذلك اليوم، في مجزرة بقيت طي الكتمان من قبل الحكومة السورية وسكان درعا.
ويشرح أحد هؤلاء السكان: «في ذلك الوقت، الحكومة السورية لم تكن تريد أن تظهر أنها ضعيفة، كما أن المعارضة لم تكن ترغب أن تعلن أنها مسلحة». وفي ما عدا ذلك، تبدو التفاصيل غير مهمة.

يقول نزار نيوف، معارض سوري ومدون كتب حول العملية، إن المجزرة «وقعت في آخر أسبوع من شهر آذار من العام 2011». ووضع مصدر آخر كان موجوداً في درعا في تلك الفترة، العملية «قبل الأسبوع الثاني من شهر نيسان» من ذلك العام .
من جهته، يؤكد الناشط السوري المعارض الذي يرأس «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن أن «العملية وقعت في بداية نيسان 2011، وقُتِل فيها حوالي 19 عنصراً أمنياً - او من الاستخبارات».
يُعتبر نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، واحداً من المسؤولين السوريين القليلين الذين هم على علم بالحادثة. وفي الواقع، ولد المقداد، الذي درس في درعا، في بلدة تُدعى غصم، تقع على بعد 35 كيلومتراً من درعا، وكان قام بعدة زيارات رسمية إلى درعا في الأيام الأولى للأزمة السورية. روايته عن المجزرة تبدو مشابهة لما ذُكر أعلاه، ولكنه يعتقد أن «حوالي 24 جندياً سورياً» قُتل حينها.
لماذا ترغب الحكومة السورية في إخفاء هذه المعلومة (الحادثة)، التي من الممكن أن تدعم روايتها عما يحصل في سوريا، وخاصة تأكيدها أن «مجموعات مسلحة» كانت تستهدف السلطة السورية منذ البداية، وأن «الانتفاضة» في سوريا لم تكن أبداً «سلمية»؟
في نظر المقداد، فإن «هذه الحادثة تم إخفاؤها من قبل الحكومة السورية ومن السلطات الأمنية لأسباب أستطيع أن أفسّرها على أنها كانت محاولة لعدم إثارة العداوات. وفي مسعى لتهدئة الأمور، وعدم تشجيع أي محاولة لإثارة المشاعر ما قد يؤدي إلى تصعيد الأمور، وهي سياستنا التي كانت متبعة آنذاك».

÷ نيسان 2011: قتل الجنود

أما بالنسبة إلى المعلومات المؤكدة، فإنه، في 25 نيسان من العام 2011، قُتل 19 جندياً سورياً في درعا بعد إطلاق النار عليهم من قبل مسلحين مجهولين. أما أسماؤهم وأعمارهم وتاريخ ومكان ولادتهم وتاريخ وفاتهم ووضعهم الإجتماعي، فجميعها معلومات موثقة في لائحة تضم أسماء القتلى العسكريين، وتم الحصول عليها من وزارة الدفاع السورية.
وتم دعم هذه اللائحة، بوثيقة أخرى، تم الحصول عليها من قبل مصدر غير حكومي مشارك في جهود السلام. وهذه الوثيقة تعدد الإصابات في صفوف الجيش السوري في العام 2011، وتؤكد أسماء القتلى الـ19 الموجودين في اللائحة الأولى.
هل هؤلاء الجنود هم نفسهم ضحايا «مجزرة درعا» التي تم كتمانها؟
إن تاريخ 25 آذار أبعد من التواريخ التي ذكرتها جميع المصادر عن «المجزرة»، والجنود القتلى الـ19، لا يبدو أنهم «مخبأون».
ولكن ما يثير الصدمة أكثر من إيجاد الجنود القتلى الـ19 في درعا على لائحة وزارة الدفاع السورية، هو اكتشاف أن 88 جندياً سورياً تم قتلهم في شهر آذار من العام 2011 على أيدي مطلقي نار مجهولين في أماكن متفرقة من سوريا، علماً أن الجيش السوري لم يكن على أرض الميدان في ذلك الوقت من الصراع، بل كانت الشرطة السورية والاستخبارات متواجدتين أكثر على الجبهات الأمامية، والغريب أن لا ضحايا لهاتين المجموعتين على اللوائح الرسمية.
وكان سائر يحيى مرهج، وهابيل أنيس ديوب، أول جنديين سوريين قُتلا في الصراع منذ اندلاعه، وتم ذلك في 23 آذار 2011 في درعا تحديداً. وبعد يومين من ذلك التاريخ، قُتل علاء نافذ سلمان، بإطلاق النار عليه في مدينة اللاذقية.
وفي شهر نيسان من ذلك العام، قُتل أيهم محمد غزالي، في منطقة دوما جنوب دمشق بإطلاق نار أيضاً، كما كان عيسى شعبان فياض، أول جندي سوري يُقتل في محافظة حمص، وتحديداً في بلدة تلدو، في العاشر من شهر نيسان من العام ذاته، وهو التاريخ الذي عُلم به عن أول مجزرة بحق جنود سوريين، وكان ذلك في مدينة بانياس في محافظة طرطوس، عندما وقع عشرة جنود سوريين في كمين وأطلقت النار عليهم في حافلة كانوا يستقلونها. حينها، ادّعت شبكة «بي بي سي» الإخبارية وقناة «الجزيرة» وصحيفة الـ«غارديان» أن هؤلاء الجنود هم «منشقون» قُتلوا من قِبل النظام السوري «لرفضهم إطلاق النار» على المدنيين.
هذه الرواية تم فضح زيفها لاحقاً، ولكن رواية أن «الجنود تمت تصفيتهم من قبل رؤسائهم» راجت في العام الأول للثورة، وأعطت وسائل الإعلام حجة لعدم الإكتراث لفكرة أن القوات السورية تُستَهدف من قبل مجموعات مسلحة.
من جهته، يقول رامي عبد الرحمن (المرصد السوري) إن «لعبة الادعاء أن الجيش يقتل المنشقين لا أقبل بها لأنها مجرد بروباغندا أو دعاية كاذبة». ويبدو أن هذه الرواية تم استخدامها في الفترة الأولى من الصراع من قبل ناشطي المعارضة لتشجيع الانقسامات داخل الجيش السوري والانشقاق في صفوفه. ولكن إذا كان ضباط الجيش السوري يقتلون رجالهم، فمن المؤكد أن الجيش السوري لم يكن ليبقى موحداً وسليماً خلال السنوات الثلاث التي مضت.
بعد مذبحة بانياس، تفجّرت أخبار قتل الجنود السوريين في أماكن متفرقة من البلاد: المعضمية، إدلب، حرستا، المسمية (بالقرب من السويداء)، تلكلخ، وضواحي دمشق. ولكن في 23 نيسان من العام 2011، تم قتل سبعة جنود سوريين في بلدة نوى، بالقرب من درعا.
ولكن هذه الحادثة لم تحتل عناوين الصحف كمجزرة بانياس. يُذكر أن حادثة نوى جاءت مباشرة بعد محاولة الحكومة السورية تنفيس الإحتقان من خلال إنهاء المحاكم الأمنية ورفع حالة الطوارئ ومنح عفو عام والاعتراف بحق التظاهر السلمي.
بعد يومين من ذلك التاريخ، وفي أحد عيد الفصح، توجهت مدرعات الجيش السوري أخيراً إلى درعا، في ما بات يُعرف باليوم الذي شهد ثاني مجزرة جماعية بحق جنود سوريين منذ اندلاع الأزمة. وهذه الحادثة لم تأخذ أيضاً حجمها في الإعلام.
عوضاً عن ذلك، كان كل ما تناقلته وسائل الإعلام هو «القتل الجماعي الذي يستهدف المدنيين من قبل النظام»، أو «الديكتاتور يقتل شعبه». ولكن بعد مرور ثلاث سنوات على بدء الأزمة السورية، هل نستطيع القول إن الأمور كانت أخذت منحىً آخر لو كان بالإمكان الحصول على جميع المعلومات؟ أو لو كانت وسائل الإعلام أمّنت «مساحة هواء» متوازنة وعادلة بين النظام السوري والمعارضة، وعرضت شهادات كان بالإمكان الوصول إليها؟

÷ وقائع ضد روايات من نسج الخيال

ويقوم تقرير صادر عن منظمة «هيومن رايتس واتش» على شهادات 50 ناشطاً سورياً و«مُنشقاً» وشاهداً مجهولي الأسماء، لوضع صورة للمشهد الذي كان يجري في درعا في ذلك الوقت.
ويتحدث شهود «هيومن رايتس ووتش» عن «عناصر أمنية تستعمل أسلحة قاتلة ضد محتجين خلال تظاهرات ومراسم تشييع». في بعض الحالات، تقول المنظمة إن «العناصر الأمنية كانت تستخدم القنابل المسيلة للدموع أو تطلق النار في الهواء، ولكن عندما كان المدنيون يرفضون أن يتفرقوا، كانت قوات الأمن تطلق النار من أسلحتها باتجاه الحشود»، مضيفة أنه «منذ نهاية شهر آذار 2011 أفاد الشهود باستمرار عن وجود قناصين على أسطح المباني الحكومية بالقرب من التظاهرات، وكانوا يستهدفون المحتجين وقتلوا العديد منهم».
ويضيف التقرير: «السلطات السورية ادّعت أن العنف في درعا كان يُنفّذ من قبل عناصر إرهابية مسلحة، تم تحريضها وتمويلها من الخارج»، وهو قول أصبح اليوم منصفاً بحق قسم كبير من المسلحين الإسلاميين الموجودين في سوريا، ولكن هل كان ذلك صحيحاً في درعا في العام 2011 أيضاً؟
ربما هناك بعض الأمور التي أصبحت حقيقة. مثلاً، توجد إثباتات بالصوت والصورة لمسلحين يعبرون الحدود اللبنانية السورية إلى سوريا في شهري نيسان وأيار من العام 2011، وفقاً لشريط مصور وشهادة لمراسل قناة «الجزيرة» السابق علي هاشم، وهو شريط منعت القناة القطرية بثه.
وهناك أمور أخرى تُكتَشف اليوم تباعاً. مثلاً، يدعي تقرير «هيومن رايتس واتش» أيضاً أن القوات السورية في درعا «شوّهت الجوامع برسومات على جدرانها»، مثل «ربك هو بشار، ولا إله الا بشار»، والمقصود هو الرئيس السوري بشار الأسد.
في الآونة الأخيرة قال جهادي تونسي يعرف بـ«أبو قصي»، للتلفزيون التونسي، إن «مهمته» في سوريا كانت تدمير وتدنيس المساجد التي تحمل أسماء سنيّة (مسجد أبو بكر ومسجد عثمان وغيرها) في اعتداءات طائفية ذات شعارات خاطئة لتشجيع الانشقاق في صفوف الجيش السوري، ذات الغالبية السنّية.
ومن الأمور التي قام بها «أبو قصي»، كتابة شعارات مؤيدة للحكومة وأخرى تتضمن تجديفاً على الله على جدران المساجد مثل «الله، سوريا، بشار وبس»، معتبراً ذلك بمثابة «تكتيك.. ليأتوا الى جانبنا»، بحيث «يصبح الجيش ضعيفاً».
لو أن الحكومة السورية أطيح بها بسرعة ـ كما حدث في تونس ومصر ـ ربما لما علمنا شيئاً عن هذه الممارسات الخادعة. ولكن، خلال ثلاث سنوات وسط الصراع، حان الوقت لتأسيس وقائع في مواجهة الفبركة.
ويقول عضو من عائلة «حريري»، الكبيرة في درعا، والذي كان هناك في آذار ونيسان عام 2011، إن الناس مشوشون، حيث أن العديد من «الولاءات تغيرت مرتين أو ثلاث مرات من آذار 2011 حتى الآن. في الأصل كانوا جميعاً مع الحكومة، ثم تغيروا فجأة ضدها، لكن اعتقد اليوم أنه ربما 50 في المئة أو أكثر عادوا إلى النظام السوري».
وكانت محافظة درعا الى حد كبير مؤيدة للحكومة قبل أن يشتعل الموقف. واستناداً إلى صحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية، فإن «درعا كانت لوقت طويل مؤيدة للأسد بقوة، مع وجود العديد من شخصيات المنطقة معينة في النظام».
ولكن، وكما يشرح المصدر من العائلة، «كان هناك رأيان في درعا، أحدهما أن النظام يطلق النار على عدد من الناس لثنيهم وتحذيرهم لإنهاء احتجاجاتهم ووقف تجمعاتهم، أما الرأي الآخر فهو أن الميليشيات المختبئة تريد لذلك أن يستمر، لأنه إذا لم تكن هناك جنازات، لن يكون هناك سبب للحشد».
ويضيف الشخص من عائلة حريري، الذي بقي والداه في درعا، أنه «في البداية 99 في المئة منهم كانوا يقولون أن كل اطلاق النار كان يتم من قبل الحكومة. لكن رويداً رويداً بدأت هذه الفكرة تتغير في أذهانهم - هناك بعض الاطراف المخفية، لكنهم لا يعرفونها».
وأقرت»هيومن رايتس ووتش» بأن «المحتجين قتلوا أعضاء في القوى الأمنية» لكنها استدركت بقولها إنهم «استخدموا فقط العنف ضد القوى الأمنية ودمّروا الممتلكات الحكومية كرد فعل على ما قامت به القوى الأمنية من عمليات قتل أو.. لتأمين الإفراج عن المتظاهرين الجرحى الذي اعتقلتهم القوى الأمنية ولاعتقادهم بأن هؤلاء سيتعرضون لخطر الإيذاء».
تجب معرفة أن ذلك ليس صحيحاً. فإطلاق النار على تسعة من الجنود كانوا في حافلة في بانياس في 10 نيسان، كان كميناً غير مبرّر. حتى، على سبيل المثال، مقتل الجنرال أبو خضر التلّاوي، الى جانب ولديه وحفيده في حمص في 17 نيسان.
في ذلك اليوم نفسه في حارة الزهراء المؤيدة للحكومة في حمص، تم قتل الضابط في الجيش السوري ـ خارج الخدمة إياد كامل حرفوش، حين خرج من منزله للتحقيق في إطلاق نار. بعد يومين، قُتل العقيد ـ خارج الخدمة، المولود في حماه محمد عبدو خضور، في سيارته. وكل ذلك حصل فقط في الشهر الأول من الاضطرابات.
في العام 2012، قال باحث الشؤون السورية لدى «هيومن رايتس ووتش» أولي سولفاغ، إنه وثّق العنف «ضد الجنود والمدنيين الذين اعتُقلوا» وأنه «كان هناك في بعض الأحيان أسلحة بين الحشود وبعض المتظاهرين فتحوا النار على القوى الحكومية».
ولكن هل حصل ذلك بسبب أن المتظاهرين كانوا متضررين حقاً من العنف الذي تقوم به القوى الأمنية؟ أو كانوا «عصابات مسلحة» كما ادّعت الحكومة السورية؟ أو، كان هناك اطلاق نيران تحريضي لجانب أو لكلا الجانبين؟

÷ محرّضون في «الثورات»

الأب فان در لوغت، المقيم في سوريا، كان راهباً هولندياً قُتل على أيدي مسلحين في حمص منذ أسابيع قليلة فقط. مشاركته في نشاطات للتسوية والسلام لم تمنعه من تلقي الانتقادات من كلا الجانبين في هذا الصراع. لكن في السنة الأولى من الأزمة، صاغ بعض المشاهدات الجديرة بالاهتمام حول العنف - هذا مما قاله في كانون الثاني 2012: «منذ البداية لم تكن حركات الاحتجاج سلمية تماماً. منذ البداية شاهدت متظاهرين مسلحين يسيرون بين المحتجين، وهم الذين بدأوا باطلاق النار على الشرطة أولاً. في كثير من الأحيان كان عنف القوى الأمنية ردة فعل على العنف الوحشي للثوار المسلحين».
في أيلول 2011 كتب: «من البداية كانت هناك مشكلة المجموعات المُسلّحة، والتي هي جزء من المعارضة... المعارضة في الشارع أقوى من أي معارضة أخرى. وهذه المعارضة مسلحة وكثيراً ما توظف الوحشية والعنف، فقط من أجل القاء اللوم على الحكومة».
بالتأكيد، بحلول 5 حزيران، لم يكن هناك أي قدرة للمجموعات المعارضة الى حد بعيد للادعاء بصورة مغايرة لذلك. في هجوم مُنسق في جسر الشغور في إدلب، قتلت مجموعة مسلحة 149عضواً من القوى الأمنية، حسبما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لكن في شهري آذار ونيسان 2011، حين كان العنف والضحايا جديدين على البلد، يبقى السؤال: لماذا كان على الحكومة السورية - وبخلاف كل منطق - قتل السكان المدنيين العزل في مناطق «ساخنة»، فيما كانت في الوقت نفسه تتخذ خطوات إصلاحية لتهدئة التوترات؟
من سيربح من قتل «نساء وأطفال» في هذه الظروف؟ ليست الحكومة بالتأكيد؟
لقد قام نقاش حول دور المحرضين في تأجيج الصراع بوضع بعض العناوين الرئيسية منذ المحادثة الهاتفية المُسرّبة بين وزير خارجية أستونيا أرماس بايت ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، والتي كشفت بعض الشبهات بأن قنّاصين مؤيدين للغرب قتلوا عناصر من قوى أمنية أوكرانية ومدنيين خلال احتجاجات «ميدان اليورو».
ويقول بايت: «كل الدلائل تُظهر بأن الناس الذين قُتلوا بواسطة القناصين هم من كلا الجانبين، أي رجال الشرطة والمدنيون، أي كان القناصون أنفسهم من قتل الناس من الجانبين معاً... وحقاً هذا يزعج التحالف الجديد (المؤيد للغرب)، وهم لا يريدون التحقق حول ما حصل بالتحديد».
ويؤكد تحقيق للتلفزيون الألماني عرض مؤخراً حول نيران القناصين هذه الادعاءات، فاتحاً الباب أمام مناقشة لروايات حول الأحداث في أوكرانيا، وهي فرصة لم تتح في معظم مراحل الصراع السوري، أقله في وسائل الإعلام أو المنتديات الدولية.
ولكن، بدلاً من وصف هذه الأمور باسم «نظريات المؤامرة»، يبدو أن دور المحرضين ضد الحكومات المستهدفة يظهر كجزء أساسي من الخطاب العام. فسواء أكانت الخطة الأميركية المُسرّبة لإنشاء «تويتر» كوبي، لإثارة الاضطرابات في الدولة الجزيرة، أو ظهور منشورات توجيهية في احتجاجات من مصر الى سوريا الى ليبيا الى أوكرانيا، جميعها أحداث تلتقي مع الكثير من حركات المعارضة الضخمة «المستنسخة» التي تتحول الى أعمال عنف، ما يجعل الناس يطرحون الأسئلة ويغوصون عميقاً في البحث اليوم.
منذ بداية العام 2011، سمع الكثير من الادعاءات حول قناصين «غير معروفين» يستهدفون الحشود والقوى الأمنية في تونس، مصر، ليبيا، سوريا، وأوكرانيا. ماذا يمكن أن يكون مؤثراً أكثر من ذلك من أجل تحويل الناس نحو معارضة السلطة، أكثر من القتل غير المبرر للعُزّل الأبرياء؟.
على نفس المنوال، ماذا يمكن أن يضمن بشكل أفضل ردة الفعل من القوى الأمنية في أي بلد، أكثر من قتل واحد أو أكثر من عناصرها.
في بداية العام 2012، أعلنت منظمة الأمم المتحدة أن «عدد الضحايا في سوريا فاق الخمسة آلاف شخص»، من دون أن تحدد ما إذا كان هؤلاء الضحايا هم مدنيون أو مقاتلون متمردون أو من عناصر القوات الأمنية السورية.
ووفقاً للوائح حكومية قُدّمت في السنة الأولى للأزمة إلى لجنة الإستقصاء الدولية المستقلة الخاصة بسوريا والتابعة للأمم المتحدة، التي نشرتها، وصل عدد القتلى في صفوف قوات الشرطة السورية إلى 478، كما وصل عدد الضحايا في صفوف الجيش والقوات الأمنية إلى 2091.
وتظهر هذه الأرقام تفاوتاً واضحاً في عدد الوفيات بين جهتي الصراع منذ البداية. كما توحي هذه الأرقام أن قسماً من «المعارضة» السورية على الأقل كان مسلحاً منذ الأيام الأولى للأزمة، وكان يستهدف القوات السورية كجزء من إستراتيجية، لإثارة رد فعل من قبلها لتأمين استمرار التصعيد.
اليوم، وبالرغم من أن مصادر عسكرية سورية تنفي بقوة هذه الأرقام، يدعي المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هناك أكثر من «60 ألف ضحية في صفوف قوات الأمن السورية والميليشيات الداعمة لها». هؤلاء هم رجال قدموا من مختلف المناطق السورية، من جميع الطوائف والمجتمعات. كما أن موتهم لم يترك أسرة سورية بمنأى، ويشرح الكثير عن تصرف وردة فعل الحكومة السورية خلال هذه الأزمة.

______________________________
عن موقع قناة «روسيا اليوم» باللغة الانكليزية

الجمعة، 28 مارس 2014

«حزب الله الحجاز»: آل سعود يحاربون وهماً 

    مارس 28, 2014   No comments
مريم عبد الله
قرار الملك عبد الله جاء ليؤدّي وظيفة نمطيّة تشبه البيانات العسكريّة (أرشيف)
«حزب الله الحجاز» يعودُ للواجهة مجدداً. حقيقة أنه غير موجود على الساحة اليوم لم تحل دون إدراجه في قائمة المنظمات «الإرهابية» التي أعلنتها السعودية أخيراً. استحضار اسمه للإشارة إلى حزب الله اللبناني من دون ذكر اسمه لا يمكن استبعاده من نيات الحكم السعودي

«حزب الله في الداخل»، أو ما يُعرف بـ«حزب الله السعودي»؛ بقي مُحاطاً بالغموض قبل ما يقارب 3 عقود في إيران، حيث نشأ قبل أن ينتقل إلى دمشق في منتصف الثمانينيات، مستخدماً عنوان «حزب الله الحجاز»، وهي تسمية تنطوي على رفْض الحزب لمسمّى «السّعوديّة» والتّوصيف بها. اسمه يستدعي تلقائيّاً اسم «حزب الله» اللبناني، ويعتبره المراقبون شقيقاً أكبر للنّسخة السّعودّية. وما إحياؤه في قوائم «الإرهاب» السعودية إلا استحضار لبعده الإيراني وتشابهه مع سميّه اللبناني.

اللافت أن السّعوديّة لم تكن تعترف بـ«حزب الله» السعودي سابقاً، وهو ما يجعل إدراجه في القائمة محلاً لإثارة الأسئلة، وخاصة أن ليس له وجود على الأرض، ولا يملك واجهةً تنظيميّة، أو أفراداً يعبّرون عنه، ولا متحدثاً رسميّاً أو عنواناً معروفاً. يبدو واضحاً أنّ الدولة السعوديّة تحتاج إلى هذه «الدّعاية»، حيث لا تزال تضرب بيدٍ من حديد في كلّ مناطق المملكة، وتحاول جاهدةً إنهاء الحراك المطلبي في المنطقة الشرقية، الذي انطلق منذ أكثر من 3 سنوات.
كذلك الأمر بالنسبة إلى بيان «القائمة» الذي يظهر أنه محاولة لإرضاء مشاعر الغالبية السنيّة ضدّ الأقلية الشيعية «المشاغبة» شرق البلاد. كذلك يمكن أن يكون وسيلة لإحداث موازنةٍ نفسيّة داخل القاعدة الشّعبيّة التي يتوزّع هواها بين التنظيمات التي تضمنتها قائمة الإرهاب، على ما يعتقد البعض.
قرار الملك عبد الله جاء ليؤدّي وظيفة نمطيّة تشبه البيانات العسكريّة، ولكي يُسهم في إعادة ترسيم العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة. محاولة لإرضاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يزور المملكة اليوم، وبشروطٍ محدّدة: الإصلاحات الدّاخليّة ورفْض الإرهاب.
الإعلام السّعودي حاولَ تحريك اللّعبةِ بذكاء غير مكتمل، مستغلاً «ضبابيّة» التّنظيم المحلّي لحزب الله وغياب أيّ تمثيلٍ واقعي له يُتيح له الدّفاع الكامل عن نفسه. محاولة الخلط بينه وبين حزب الله اللبناني أخذت منحى اجتماعيّاً لدى البعض، إلى جانب التّهليل بخطوةِ وضْعه على القائمةِ السّعوديّة. استدعى ذلك أن يظهر المسؤول الإعلامي في وزارة الدّاخليّة، اللواء منصور التركي، في مداخلةٍ تلفزيونية، ويوضّح أنّ المقصود ليس هو حزب الله.
التاريخ «النّادر» المسجّل للتنظيمين: حزب الله السّعودي واللبناني، يشيرُ إلى بيانٍ وحيد مشترك بينهما، صدرَ في عام 1987 بعد «مجزرة مكة» المعروفة، التي أُعْدِمَ على أثرها 16 شابّاً كويتيّاً بتهمة نقل متفجرات. البيان خرج من بيروت، نافياً الاتّهامات الموجّهة إليهما، جملةً وتفصيلاً، قائلاً إنّ إعدام الكويتيين جاءَ بهدف تصفية شبابٍ ينتمون فكريّاً إلى الثّفاقة التي جاءت مع الثورة الإيرانية، لا غير.
حزب الله - الكويت الذي تفرّع عن ذلك التّنظيم؛ استطاعَ التّغلغل في أركان الدّولة. خلافاً لذلك، لم تسمح الدّولة السّعوديّةُ للحزبِ الحجازي بالظهور العلني، ليخرج الأخيرُ ببيانٍ يحملُ طابعَ المكان الذي وُلدَ فيه: «قمّ» الإيرانية، ويُعلن عن مهّمةٍ جديدة: استهداف المصالح السّعوديّة والأميركيّة في المنطقة. وهي فكرةٌ تتقاطعُ مع تنظيم «القاعدة» لاحقاً، في اعتبار القوات الأجنبيّة قواتِ احتلالٍ وأنّها تُهدّد الأمّة الإسلاميّة.
بدايةُ إعلان الجهاد ضدّ أميركا جاءت باهتة من جانب التّنظيم الذي لا يزال، حتى اليوم، من دون قياداتٍ حركيّة معروفة. الكثيرون يخلطون بين التّنظيم و«منظّمة الثّورة الإسلاميّة» التي قادها توفيق السيف والشيخ حسن الصفار، وهي منظّمة ذات طابعٍ «عسكريّ»، وانتهت بداية التسعينيات بعد «المصالحة التّاريخيّة» مع الملك السّابق فهد، وتبعها عفوٌ عام، وعودتهم إلى البلاد، وذلك ضمن مشروع «محاولة التّغيير» من الدّاخل، وبنفسٍ حقوقيّ سلميّ.
شبابُ القطيف (شرق السعودية) أبدوا حماسةً ملحوظة لتنظيم «حزب الله الحجاز»، وخصوصاً في سياق انتصار الثورة الإيرانية، حيث الحضنُ الشّيعي، والدّولةُ الفتيّة التي رعتها كاريزما قائدها الإمام الخميني. تداعى المئاتُ من القطيفيين في سعي (عاطفيّ في الغالب) لبناء جسرٍ تقليديّ حزبيّ مع الثّورة في إيران. انتهى ذلك الحلمُ بعد وفاةِ الخميني، واندلاع حربِ الخليج الثانية سنة 1990م. ورغم ذلك، بقي أحمد المغسّل، أحد أبرز قياديي التنظيم السعودي «غير معروف المصير»، بعد تسميته في قائمة الإرهاب الأميركية ضمن قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالية، إلى جانب عماد مغنية؛ القائد العسكري في حزب الله اللبناني الذي اغتيل بعد ذلك.
من النّاحية الفعليّة، انتهى النّظامُ السّعودي من حربه الصّغيرةِ مع حزب الله الحجاز في عام 1996، حيث اتُّهِمَ الحزبُ بعملية «تفجير الخبر» التي أدّت إلى مقتلِ تسعةِ عشر جنديّاً أميركيّاً. لم يجر حتى اليوم أي تحقيق جدّي في تلك العملية، والتحقّق من تركيبِ ملفّ الاتّهام لـ«خلية حزب الله». القيادات الشيعية ردّت برفض تلك الاتهامات، علماً أنّها أدّت إلى اعتقال المئات حينها من القطيف، ولا يزال تسعة رجال منها معتقلين حتّى اليوم، ويطالبُ الحراك الحالي بإطلاقِ سراحهم، تحت حملة تضامنيّة بعنوان «المنسيّون». فضائح التّلاعب بملفّ الاتّهام، وإخفاء الأدلة، وتغيير الوقائع... تناولها الفيلمُ الأميركي The Kingdom (إنتاج 2007)، بما في ذلك اعتراف زعيم القاعدة السّابق، أسامة بن لادن، بالعمليّة في إحدى مقابلاته، وتجنيده عدداً من «الأفغان العرب» لتنفيذها. إلا أن ذلك لم يخدم سجناء خلية الحزب المفترضة، وبقوا في المعتقل حتى الآن.
المصالحة بين «بقايا» الحزب والنّظام السّعودي في التّسعينيات، عادت لتفتحَ بعضَ ملفّاتها اليوم. وبحكم الاتفاق، من غير الممكن للنّظام العودة عنها، مهما تصاعد الحراك في القطيف، ومحاولات المملكة عسكرة الثّورة السورية، وفقدانها السّيطرة على ملف «المجاهدين السنّة» في تلك المنطقة. لا يُغيّر من الحال كذلك تزايدُ الغضبِ الأميركي ضدّ الفشل السّعودي في سوريا، وهو غضبٌ يُبرَّر بتنامي الحركات المتشدّدة. مسار الاتفاق كذلك لم يتأثّر مع اتّهام النظامِ بعض من مواطني المنطقة الشرقية بالمشاركةِ في القتال الدائر في سوريا، ولجوئه إلى فبركة خبر مقتل تسعة شباب سعوديين دفاعاً عن مرقد السّيدة زينب في الشام، حيث أعلن النّظام السّعودي عن شخص اسمه أحمد عدنان القرعوش، مدّعياً أنّه قُتِلَ في القصير (محافظة حمص). النّاشطون الشّيعةُ ينفون ذلك، ويؤكّدون عدم وجود عائلة «القرعوش» في القطيف. عند البحث عن القرعوش، يتبيّن أنّه طبيب سوري مواليد دمشق، قُتِلَ في منطقة السّيدة زينب في 3 أيار 2013، وكان في صفوف «كتائب كفيل زينب» التي نشرت مقاطعَ له بعد مقتله في تلك المنطقة.
جهودُ السّعوديّة في محاربةِ الإرهاب تأتي في وقتٍ يتزايد فيه حرْصها على البقاءِ في اللّعبة العالمية، ولكنها تصطدم بمحاولةٍ فاشلة هذه المرة. حربها المعلنة ضدّ تنظيم الإخوان المسلمين جعلها في مواجهةِ خلافٍ مع دولة قطر، الداعمة للإخوان، بمن فيهم بعض إخوان الخليج المنخرطين في السّياسة. أمّا حربها في وجه «داعش» و«النصرة»، فيتنافرُ مع تجيير منابرها الدّينيّة في الدّفاعِ عن تلك التّنظيمات، وحثّ الشّباب على الاشتراك فيها. لقد جاءت قائمتها الجديدة لتضمّ، أخيراً، الحزبَ الشّيعي الوحيد في المملكة الوهّابية، ولتضرب حراكاً لم يهدأ في المطالبة بسجنائه ورفع التمييز الطائفي. فهل ينجحُ النّظامُ السّعودي في القفز على أكثر من حبل، وسط مسرحٍ يعجّ بالسياسة المتغيرة، ومحاطٍ بصراعاتٍ وخصوم لا يرون أنّ الدّيكتاتورية الوهّابيّة تناسب مقاساتهم في لعبة الدّيموقراطيّة؟!
_________
 «الأخبار»

الثلاثاء، 25 مارس 2014

الإخوان وإيران: هلال إسلامي لوأد الفتنة أم ضد السعودية؟

    مارس 25, 2014   No comments
سامي كليب

صحيفة الأخبار اللبنانية: حين غرّدت أولى سنونوات الربيع العربي في تونس ومصر، سارعت طهران إلى وصف الثورات بـ «الصحوة الإسلامية». قال السيد علي خامنئي، مرشد الثورة، في خطبة له في شباط / فبراير 2011: «إن الثورات العربية تستلهم روح ونموذج الثورة الإسلامية في إيران، وبالتالي، فهي استمرار لها». ما كان «القائد» غريباً عن الإخوان. هو نفسه كان أول من ترجم كتب سيد قطب إلى الفارسية ونصح بقراءتها.

توقّعت طهران، في حينه، أن يبادلها «الإخوان المسلمون» حماستها باندفاع مماثل. كانت النتيجة أن أول زيارة للرئيس المصري محمد مرسي إلى طهران كانت مخيّبة. استخدم الرئيس الاخواني، من على منبر قمة دول عدم الانحياز، خطاباً تعبوياً مذهبياً ناقض الحفاوة الايرانية. وختم عهده باعلان القطيعة بين مصر وسوريا، حليفة ايران.

بعد ثلاث سنوات من الثورات والانتفاضات، يعيش «الاخوان المسلمون» وضعاً لا يُحسدون عليه: أميركا والدول الغربية خذلتهم بعدما غازلتهم. واشنطن تصنَّعت اعلان قطع جزء من المساعدات عن مصر، لكنها في الكواليس كانت تقول للقيادة المصرية: «لا تقلقوا. هذا مجرد كلام. لن يتغير أي شيء».

معظم دول الخليج حاربتهم. السعودية وضعتهم على لائحة الإرهاب. حركة حماس، كما تركيا، باتتا مثاراً للاتهامات في مصر وسوريا.

لو أن السنونوة التي غرّدت فوق تونس ومصر لا تزال على قيد الحياة، لربما فوجئت بسرعة تحوّل المشهد. ثورات أكلت أبناءها. أخرى جنحت صوب التقسيم والأقاليم. ثالثة انقسمت على نفسها. رابعة غرقت في موجات الارهاب والتكفير، وخامسة نسيت بالأصل لماذا نشبت.

الآن، ثمة مشهد آخر يرتسم. تبدو المصلحة كبيرة بين ايران وتركيا للتقارب. قال السيد خامنئي خلال استقباله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: «إن الأخوّة والمحبة والصداقة الحالية بين ايران وتركيا لا مثيل لها في خلال القرون الأخيرة». ردّ اردوغان: «أنا هنا لأزور بلدي الثاني».

لم تتدهور علاقات طهران وأنقرة طيلة الأزمة السورية. صار عتب لا قطيعة. تظهير جودة العلاقة الآن له، اذاً، أبعاد استراتيجية كبيرة.

بعد ذلك، كان وزير الخارجية القطري في ايران. ثم زارها وفد من حركة حماس. وبين زيارة واخرى، كانت طهران تحافظ على تحفظّها على إطاحة مرسي في مصر، وتبقي خيوطاً مع الإخوان.

في الإستراتيجيا البعيدة المدى تستمر الفكرة الإيرانية على حالها. مفاد الفكرة بانه لا بدّ للعالم الإسلامي من اللقاء. تريد طهران تعزيز الروابط الشيعية ــــ السنية لإنشاء حلف عالمي جدي. تدرك أن جزءاً كبيراً من اسباب الفتن المذهبية في المنطقة إنما يستهدف دورها ودور حلفائها. في الإستراتيجيا القصيرة المدى، ترى أن مصلحتها القصوى تكمن في التقارب مع التيارات السنّية المعتدلة في المنطقة، وبينها «الإخوان»، لوقف الحرب في سوريا، وسحب بساط الفتنة المذهبية، وتعزيز موقفها في مفاوضات «5+1» ومواجهة السعودية.

لا يفهم كثيرون، حتى اليوم، سبباً وجيهاً لإدراج السعودية «الإخوان المسلمين» على لائحة واحدة مع المنظمات الارهابية. ايران قد تصبح أكثر المستفيدين. باتت طهران مقصداً لكلّ المتضررين من الهجمة السعودية، من تركيا إلى قطر إلى أطراف يمنية فاعلة.

قبل أيام، قال اسماعيل هنية، القيادي في "حماس" ورئيس حكومة غزة، كلاماً عالياً ضد اسرائيل. دعا إلى القتال والاستشهاد. قبله بأيام، كانت صواريخ "الجهاد الاسلامي" تنهمر على مناطق اسرائيلية. قبل التهديد والصواريخ كان زائران مهمان في طهران: مسؤول العلاقات الدولية في "حماس" أسامة حمدان، الذي قال ان العلاقات مع ايران في مستواها الجيد والطبيعي، والامين العام لحركة الجهاد رمضان عبد الله شلح. سارعت مصر إلى التهدئة.

بين التهديد والصواريخ كان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في بيروت يتحدث عن أهمية التقارب مع ايران. ربما المجاهرة بالأمر ليست مناسبة الآن بسبب العلاقة مع السعودية والضغوط الدولية قبل الانتخابات، لكن انفتاح مصر على ايران وروسيا يبدو أكثر من ضرورة في الوقت الراهن.

ماذا تغير؟

ما تغيّر في السنوات الثلاث الماضية ان ايران كانت تبحث حثيثاً عن كيفية ربط علاقات جدية وقوية مع تيار الإخوان. الآن تبدو الجماعة أكثر حاجة إلى التقارب. بالأمس، كان التقارب مثيراً لغضب غربي. الآن طهران نفسها تتفاهم مع الغرب. اسرائيل قلقة. اسرائيل تراقب. تحاول أن تحرق الأوراق. تعمّدت تسريب معلومات عن استعداد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي في "حماس"، لزيارة ايران بوساطة قطرية. اضطرت الحركة إلى النفي.

لا شك في ان قرار السعودية ضد الإخوان أحدث بلبلة حتى في المحيط الخليجي. إخوان الكويت جزء من تركيبة معقّدة لا يمكن محاربتهم. إخوان البحرين لهم حساسية خاصة في بلد يراد تصوير المشكلة فيه على أنها بين الشيعة والسلطة. اضطر وزير الخارجية البحريني إلى نفي ما نسب إليه من أن الإخوان في البحرين ليسوا جماعة ارهابية. عاد وقال ان بلاده تقف مع السعودية والإمارات، وان من يعاديهما يعادي البحرين. بلبلة اخرى دبّت في صفوف إخوان سوريا وفلسطين. في اليمن وجد الاخوان انفسهم اضعف من مواجهة الحوثيين. أُغلقت ابواب السعودية في وجه قادتهم من آل الأحمر.

قد تجد ايران في كل ذلك فرصة لتجديد فكرتها القائلة بأنه لا بد من صحوة اسلامية فعلية. صحوة تستند خصوصاً إلى تقارب الكتلتين الشيعية والسنية في ايران. أما العرب، فهم يتقاتلون على اراضي بعضهم بعضا، وحائرون، هل يسلمون مقعد سوريا للمعارضة، التي ما عادت تمثل الكثير على الارض، ام ينتظرون أياماً افضل؟ ماتت السنونوة قبل ان يزهر الربيع.

______
"الأخبار"

الاثنين، 17 مارس 2014

الأزمة السورية تدخل عامها الرابع: إرتداداتها عسكريا، سياسيا، عقائديا... رأي الإخوان، الواقع كما هو، ومستقبل الشرق الأوسط والدين والسياسة

    مارس 17, 2014   No comments
الأزمة السورية تدخل عامها الرابع: إرتداداتها عسكريا، سياسيا، عقائديا... رأي الإخوان، الواقع كما هو، ومستقبل الشرق الأوسط  والدين والسياسة

رأي الإخوان:

__________________________
يبرود.... بين غدر الأصدقاء و كيد اليهود!
د. خالد حسن هنداوي

قبل ثلاثة أيام ناشد رئيس الائتلاف لقوى الثورة السورية والمعارضة أحمد الجربا من يسمون أصدقاء سورية للوفاء بوعودهم ومد الجيش الحر بأسلحة نوعية للثبات في وجه شبيحة الأسد ومليشيات إيران والعراق وحزب الله ومن لف لفهم خاصة بعد أن تزود بالتقارير التي وصلته من بعض جماعات الثوار أن وضع مدينة يبرود في القلمون على خطر شديد بسبب نقص الأسلحة والذخائر التي نفذ أكثرها بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من القتال الضاري والصمود الأسطوري.

ولكن الوعود كانت كمواعيد عرقوب لم يف بها أحد من أصدقاء سورية حتى الكتائب الأخرى في ربوع سورية حيث هي بأمس الحاجة أن تدافع عن نفسها وتصد هجمات المعتدين في المواقع الأخرى الساخنة خصوصاً في حلب وريفها وريف حماة وحمص حالياً وهكذا فما كان متوقعاً حدث كما هو الحال في سقوط القصير بريف حمص والسفيرة بريف حلب للأسباب ذاتها.

وتلك سنة كونية إذ من غير المعقول صمود كتائب الثوار بأسلحتها العادية وذخائرها المحدودة غير الممدودة أمام قصف الجو والبر والبحر والبراميل المتفجرة والصواريخ البركانية الحارقة التي تدمر أبنية بل أحياء بكاملها فقد كنت أتبادل الحديث مع بعض القيادات السياسية للثورة بمن فيهم أحمد الجربا فيؤكدون أنهم يتعرضون لضغوط دولية وأن الدول الصديقة حتى العربية تحجب أي سلاح نوعي لأن التماسيح الكبار لا يسمحون لها ويحذرونها إن عصت ذلك ثم ينشئ أحدهم ليقول:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد

ويردد سياسي آخر قول جان جاك روسو: علينا أن نقبل أصدقاءنا على علاتهم!

لكنني كنت أجيبهم: أما فهمتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) وعلينا أن نتعلم ونأخذ الدروس فهاهم الأصدقاء الألداء كم خدعوكم وخذلوكم في مواقف سابقة قالوا كثيراً ووعدوا ولكنهم لم يفعلوا وما وفوا بوعودهم. وإنما الصديق عند الضيق كما يقول المثل العربي وإن هؤلاء – لعبا منهم – يقولون لكم إذا وافقت دولة على منحكم أي سلاح نوعي فلا بد للدول الأخرى التي وعدت والتقت بكم في باريس مؤخراً باسم هذه الصداقة أن توافق جميعاً ليتم تنفيذ تلك الدولة وعدها مما يعتبر ضحكاً على الذقون وأنى لذلك أن يدخل في العقل إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط ولذلك كان فولتير يقول: كل أمجاد العالم لا تساوي صديقاً صادقاً فأين هو الصدق معكم يا من تناشدونهم ولكن تسمعون جعجعة ولا ترون طحناً وهل يعرف الأصدقاء الحقيقيون إلا عند المحنة وهكذا أصبحتم كالمستجير من الرمضاء بالنار وما الذي يدريكم حقيقتهم فإن معظم هؤلاء الأصدقاء إن لم يكن كلهم إنما هم من الأعداء الكاذبين الذين لا يخضعون إلا لأوامر اليهود وأجنداتهم واليهود اليوم هم أشد حرصاً من أي وقت مضى على التمسك بالأسد المقاتل بالوكالة عنهم كي يضمن بقاءه في الكرسي بعد ترشحه للرئاسة. ومن ثم يزيد في اطمئنانهم على السلام الحقيقي والتقرب الكامل مع الغرب خصوصاً بعد علاقة أمريكا والغرب بإيران ويصبح حالنا كما قال المتنبي:

إذا انقلب الصديق غدا عدواً مبيناً والأمور إلى انقلاب

أما انقلب السيسي على مرسي وما كان الأخير يظن أن ذلك سيكون. إن إخوانكم الذين قاتلوا في يبرود القلمون قد ثبتوا رغم زمهرير الشتاء المعروف في يبرود بل إن كلمة يبرود نفسها إنما تعني بالآرامية البرد بينما الصداقة الحقيقية لا تتجمد في الشتاء كما يقول المثل الألماني – فماذا نقول لكم بعد خراب البصرة!

وطالما أن تل أبيب تفضل بقاء نظام بشار الأسد لاعتبارات جيواستراتيجية أنها معنية باستمرار حالة الاستقرار السابقة السائدة منذ أربعين عاماً في عهد الأب والابن على حدودها فإن الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمحاضر بالجامعة العبرية (موشيه معوز) يرجح الانحياز للأسد بل يشير إلى ما قاله رئيس الجناح السياسي الأمني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد في مؤتمر هرتزليا الأمني العام الماضي: إن "إسرائيل" تتبنى الرأي الذي يقول: إن سقوط الأسد سيفضي إلى كارثة عليها نتيجة تشكيل إمبراطورية إسلامية في الشرق الأوسط يقودها الإخوان المسلمون في مصر والأردن وسورية ويتفق معه المعلق الأمني البارز يوسي ميلمان الذي يؤكد قلق "إسرائيل" البالغ من تنامي الجماعات الإسلامية على حدود هضبة الجولان ويقول إن "الإسرائيليين" ظلوا صامتين في مؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا عما يجري في سورية ميلاً إلى الأسد فقط: نعم إنهم أصبحوا يخافون من الإسلاميين والعلمانيين والمستقلين القادمين الجدد للحكم ولا يرضون إلا بمثل حافظ أسد وبشار اللذين حافظاً على حدودهم وأمنهم حتى استطاعوا التوسع في المستوطنات. وهم يأملون اليوم أن يصيروا سادة علينا لنفرش لهم سورية بالرياحين فعلى ماذا تعولون يا قواد الثورة من أصدقاء سورية الذين تكونت مجموعتهم من سبعين بلدا أبرزهم من البلاد العربية التي تتزعمها المغرب لحل القضية السورية خارج مجلس الأمن بعد فيتو روسيا والصين وكم هاجم فابيوس وزير الخارجية الفرنسي في باريس نظام الأسد وأكد أنه لن يكون للأسد دور في مستقبل سورية ووافقه وزراء خارجية الدول الأعضاء الـ 11 في المجموعة مؤكدين أن هذا الأمر محسوم بينما هم اليوم لا ينبسون ببنت شفة.

بل قد كان جاء من المجموعة أن أية انتخابات رئاسية يجريها النظام السوري ستعتبر لاغية! وإن المجموعات المقاتلة مع النظام وعلى رأسها حزب الله يجب أن تخرج من سورية فما الذي يحدث يا ترى ومن نصدق؟ ثم تأتي الخارجية الأمريكية أمس لتصرح أن الأسد فقد شرعيته لقيادة شعبه. وكم قالت ذلك من قبل؟ ومتى جاء هذا التصريح الذي هو لذر الرماد في العيون؟ أبعد سيطرة النظام على يبرود الملتهبة في البرد القارس بواقع عشرين غارة وست براميل متفجرة يومياً فلك الله يا يبرود كم صنعت من الأبطال منذ انحزت إلى الثورة بعد شهر من نشوبها وبقيت محررة حتى غزاك لئام الجبناء فترجلت جريحة في 16-3-2014 بعد ذكرى مرور ثلاث سنوات تماماً على هذه الثورة المباركة ولم يشفع لك أنك استضفت العوائل الهاربة من لبنان من أتباع حزب الله في حرب 2006 لأنه كما قال الشاعر:

ولا ترج السماحة من لئيم فما في النار للظمآن ماء

ومتى يأخذ الوعي دوره وحقه يا قواد الثورة ومتى نحترس ونحذر من الأصدقاء الأعداء:

احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصد يق فصار أولى بالمضرة

وهل ستضيع يبرود بين مكر الأصدقاء وكيد اليهود؟!

___________________

مسؤولية الغرب المباشرة في احتلال يبرود

د. عوض السليمان
لا يخفى على متابع أن بشار الأسد بدأ يستعيد بعض السيطرة على الأرض في سورية بعد تسليمه السلاح الكيماوي للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يشك أحد في أن جميع الأصوات المنادية بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية قد خفتت وبالكاد نسمع حسيسها.

وكلا الأمرين طبيعي، إذ لا يعتقد عاقل أن الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب عازمون على إسقاط الأسد، وذلك مع انطلاق الثورة السورية، فكيف بعد أن قدم الأسد سلاح الشعب السوري للعدو.

إن ما يحققه الأسد للولايات المتحدة وحلفائها أكبر بكثير من أي مصلحة قد تتحقق بإسقاطه أو إبعاده عن الحكم. فالرجل قد دمر سورية كلها في ثلاث سنوات وقتل مائتي ألف شهيد واعتقل خمسمائة ألف سوري كما شرد عدة ملايين.

وما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ولا الكيان الصهيوني ولا الغرب كله مجتمعاً ليفعل بسورية أكثر مما فعله بشار الأسد، وبالتالي فأي مصلحة تلك التي قد تكون أكبر من الإبقاء على نظام الأسد في دمشق.

توقعنا في الشهر الثامن من العام الماضي أن قتل الأسد لأكثر من ألف شخص في الغوطتين بالسلاح الكيماوي، سيثمر عن صفقة غربية مع الأسد تقضي بأن يسمح العالم للأسد بقتل من يشاء وتدمير كل البنى التحتية في سورية والقضاء على الشجر والبشر مقابل تسليم ذلك السلاح.

ما المصلحة الأمريكية في تدمير السلاح الكيماوي السوري؟ بالطبع كي لا تصل تلك الأسلحة لمن قد يستخدمها ضد الكيان الصهيوني، فالأسد كان في مرحلة انهزام عسكري وأخلاقي في البلاد، وخشي الغرب على أمن "إسرائيل" من خلال وقوع الأسلحة بيد الثوار، ولهذا قرر تدميره تحت التهديد بضربة عسكرية لنظام بشار الأسد.

إذاً، كانت القوة ممكنة من أجل التخلص من السلاح، ولكنها غير ممكنة على الإطلاق عند قتل مئات الآلاف من المدنيين.

ليس هذا فحسب، فكم من مدينة إستراتيجية سقطت بيد نظام الأسد بعد تحريرها من قبل الثوار بسبب القصف الجوي بالبراميل. ويبرود خير دليل على ذلك. لو أراد الغرب الحفاظ على دم الشعب السوري والمدنيين في سورية، ولو أراد إسقاط الأسد بالفعل كما يدعي لفرض منطقة حظر جوي فوق سورية كما فعل بالعراق على سبيل المثال.

لو أن حظراً جوياً فرض على نظام الأسد، لما سقطت يبرود بيد الشبيحة هذا اليوم. فقد تعرضت المدينة في الأسابيع الماضية لأربعين غارة جوية يومياً بالبراميل المتفجرة. ولا نشك في أن الغرب والولايات المتحدة يدركان أهمية يبرود من الناحية الجغرافية الإستراتيجية للثوار.

وإذا اتفقنا أن الغرب يعلم ذلك جيداً فما الذي منعه من فرض منطقة الحظر الجوي لحماية مكاسب الثوار على الأرض، ناهيك عن وقف تدمير حلب وحمص ودرعا وغيرها.

وإذا كان الغرب يعرف أن موقف النظام العسكري سيتحسن بعد احتلال يبرود، وكذلك موقف إيران وحزب الله، فأي تفسير في عدم مساعدة الثوار إلا رغبته في مناصرة من يدعي كذباً أنه يحاربه.

لم تمنع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب منطقة الحظر الجوي فحسب، بل منعت وصول الصواريخ المضادة للطائرات إلى الثوار، بل وأوعزت إلى أدواتها في المنطقة باعتبار جبهة النصرة والإخوان المسلمين جماعات إرهابية، وهم يعلمون أن جبهة النصرة هي إحدى أهم الفصائل المقاتلة في القلمون، فكيف بعد ذلك يظن عاقل أن مثل هؤلاء قد يقفون مع الثورة السورية ضد بشار الأسد.

_____________

المراقب العام لإخوان سورية: "داعش" صناعة إيرانية.. ونشكر تركيا حكومة وشعباً
حاوره في اسطنبول: مجاهد مليجي

* كيف ترى الدور التركي في دعم نضال الشعب السوري؟

** لاشك أنّ مو قف تركيا من أقوى المواقف الدولية الداعمة لنضال الشعب السوري للخلاص من النظام القمعي الدموي الذي يعمل القتل ليل نهار في أبناء شعبه دون توقف أو رادع من المجتمع الدولي.

كما أنّنا نوجّه الشكر لهذا الموقف النبيل والشهم لتركيا حكومة وشعباً على دعمهم الرئيسي للشعب السوري على مستوى رعاية اللاجئين في مختلف المخيمات على الحدود السورية التركية وفي داخل تركيا، إضافة إلى الجهد التركي المتميز في مجال تقديم أعمال الاغاثة وتيسيرها لأبناء الشعب السوري، بغضّ النظر عن الدعم السياسي والدبلوماسي الذي توفّره تركيا لقضية الشعب السوري والذي يعدّ من أقوى مواقف الحكومات الإسلامية .

* ما هو الدور الفعلي الذي تقوم به جماعة الإخوان المسلمون اليوم على الساحة السورية؟

** حقيقة على أرض الواقع نقوم بدعم المجموعات ذات الفكر المعتدل في وقوفها ودفاعها عن الشعب السوري في الداخل، ونسعى لتجميع هذه القوى علها تعمل مشتركة خطط واحدة وعمل مشترك.

* كيف يكون الدعم هل يقتصر فقط على عناصر الإخوان ومؤيديهم؟

** إطلاقا.. فنحن نقدّم الإغاثة والدعم لكلّ أبناء الشعب السوري الذين يعيشون ظروفاً صعبة للغاية، وتأخذ هذه المساعدة عدّة أشكال أهمها المالية؛ لأنّ هذه الفصائل بحاجة إلى مصاريف متنوعة ونسعى لدعمهم بهذا، ومن خلال أعمال الإغاثة بالمواد الإغاثية المباشرة، وعندنا عدد من الجمعيات التي تعمل في هذا المجال، مثل جمعية العطاء الإغاثية، والأيادي البيضاء، والجمعية السورية للإغاثة والتنمية، وكلها تعمل على إغاثة الشعب السوري ونذّكيها لدى الآخرين لثقتنا في أعمالها وفي المشرفين على هذه الجمعيات وبالطبع أعمال الإغاثة للشعب السوري ولا نميّز بهذا أبدا.

* لابد أنّكم كنتم على صلة بالائتلاف، ما هي تفاصيل المحادثات التي دارت في جنيف بين أعضاء الائتلاف وبينكم والتي يمكن الاستفادة منها؟

** الحقيقة في جنيف ما حصل هو مهزلة، والوفد السوري لنظام الأسد أتى لمضيعة الوقت، وأستطيع أن أقول إنّها مهزلة حقيقية، فالوفد السوري أتى لمضيعة الوقت وهذه قناعتنا السابقة كإخوان مسلمين ولمعرفتنا بطبيعة النظام السوري، وأصل الدعوة أتت لبحث بنود اتّفاق "جنيف1" والذي البند الرئيسي فيه هو تشكيل حكومة أو هيئة انتقالية لحكم البلاد، والوفد السوري رغم أنّه أتى بدعوة تنصّ على هذا البند؛ إلا أنه رفض بحث هذا البند، وأراد بحث موضوع آخر وهو الارهاب. ولذلك لم يحصل أيّ حوار حقيقي في جنيف، ووفد الائتلاف المعارض كان مصرّاً على بحث البند الرئيسي حول الهيئة الانتقالية التي تمّت الدعوة للمؤتمر على أساسه. فكان المؤتمر مضيعة للوقت كما قلت.

*ما هي التفاصيل المسكوت عنها في هذه اللقاءات على هامش المؤتمر وفي داخل جلساته؟

** لم يحصل أي لقاء حقيقي حتى يكون هناك تفاصيل، فلا يوجد أيّة تفاصيل لأنّه لم يحدث أي تفاوض مباشر أو حقيقي أو جاد، وكلّ ما في الأمر أنّ موقفنا كإخوان مسلمين كان واضحاً منذ البداية بأنّ نظام الأسد لا فائدة مطلقاً من الحوار معه، ولكن الائتلاف المعارض الإخوان جزء منه، أخذوا قراراً بالأغلبية بالمشاركة في "جنيف2"، ونزل الإخوان على رغبتهم، حيث كان هناك ضغط دولي على الائتلاف لكي يحضر ،وتجاوب الائتلاف مع هذا وما أراد أن يجابه الدول كلها، وشاركوا ولكن ثبت بعد ذلك للجميع أن لا فائدة مع هذا النظام بتاتاً، وأنّ من أفسد المفاوضات هو النظام السوري.

* طيب ما هي تفاصيل ما دار من أمور في الغرف المغلقة سواء بين أعضاء الوفد السوري المعارض وبين الوساطات؟

** الدول التي حضرت 11 دولة ووفودها كلّها حاضرة، وكانوا يضغطون على النظام لكي يدخل في حوار جاد ويبحث بنود "جنيف1"، ولكن النظام السوري يعرف أنّه إذا دخلوا في مناقشة جادة في بنود "جنيف1" حول موضوع الهيئة الانتقالية فإنّه يعني إبعاد الأسد وعصابته عن الحكم ولذلك رفض تماماًـ وأنّه هو الذي سيخسر بينما هو يريد أن يبقى في السلطة، وكل الوفود المشاركة بما فيهم الروس كانوا يضغطون على النظام السوري ولكن دون جدوى ؟... فالدول الغربية كانووا يريدون أن يصلوا إلى أيّ نتيجة.

* كيف ضغط الروس على النظام؟

** الروس ضغطوا على النظام ليحضر وليقبل ببحث الهيئة، لا أظنّ أنّ هناك أية تفاصيل. لا توجد تفاصيل تستأهل ذكرها.

* الإخوان حضروا في مؤتمر جنيف؟

** لم نشترك في المفاوضات، ولكن الهيئة السياسية للائتلاف عقدت في جنيف، وذهب ممثّل الإخوان في الائتلاف فاروق طيفور ليمثلنا في اجتماع الهيئة السياسية ليس أكثر من ذلكـ والحقيقة لم نشارك ولكن سمعنا فقط في هذا الاجتماع وكانوا يبحثوا مسار المفاوضات، كما شاركوا في اجتماع الوفد مع الوفود الغربية التي حضرت للمتابعةـ وسارت حوارات بين الهيئة السياسية للائتلاف ووفود الدول الغربية التي حضرت إلى جينف لتكون على هامش المؤتمر.

* هل هناك تفاصيل حدثت في هذه اللقاءات وحضرها ممثلكم فاوق طيفور وحكى لكم عنها يمكن ذكرها لنا؟

** المعنى الذي كان يؤكد عليه ممثلنا في اجتماعات الهيئة السياسية للائتلاف هو أنّ الغرب غير جاد في إنهاء الوضع الحالي في سورية ومتخاذل ومقصر ؛ بل وشريك في هذه الجريمة. وقد كان قيل لهم جميعاً إنّهم متخاذلون لأنّهم حقيقة في قضية الكيماوي استطاعوا الضغط على النظام وأجبروه على تسليم الكيماوي، أمّا البراميل المتفجرة فلا يريد الغرب التحرك لإنهائها رغم بشاعة تأثيرها، ولذلك فإنّ ممثلنا وعلى لسان الإخوان أخبرهم أنّهم شركاء في هذه الجريمة وليس من المعقول أنّهم لا يستطيعون الضغط على النظام لوقف البراميل المتفجرة، هم يستطيعون وهذا الموقف منهم غير معقول أو مقبول.

* عند مواجهة الوفود الغربية بحقيقة تخاذلهم وأنّهم شركاء في جريمة إبادة الشعب السوري، ماذا كانوا يردّون بحسب ما ذكره أستاذ طيفور؟

** كانوا يضعون وجوههم في الأرض هروباً من الإجابة، ويقولون إنّنا سنعود إلى حكوماتنا ونبلغهم بذلك ونبحث معهم الموقف.

* ما هي الأمور التي لم يذكرها الإعلام في محادثاتكم مع الوفود الغربية سواء في جنيف أو غيرها بشكل عام؟

** في جنيف أؤكد لك أنّ في اجتماع الهيئة السياسية للائتلاف هاجمنا مواقف الغربيين بقوة وبصراحة شديدة على تخاذلهم، وهذا ما لم يتناوله الإعلام أو يذكره، وهذا بعيداً عن المشاركة في المؤتمر.

* ما هي أهمّ القضايا التي طرحت في الغرف المغلقة ولم يتناولها الإعلام؟

** هذا قيل للوفود الغربية بصراحة وهم كانوا يسكتون ويتهربون من المواجهة..هذه لم يتكلم عنها الإعلام. ولم يشارك في الوفد ولكن لحضور اجتماع الهيئة السياسية التي عقدت على هامش المؤتمر، وثبت صحة وجهة نظرنا.

* ما هي التفاصيل التي أثيرت في "جنيف 2" ورفضها النظام الدموي بقوة؟ ولماذا؟

** مناقشة بنود "جنيف 1" والدعوة التي وجّهها الأخضر الإبراهيمي دعاهم لمناقشة تنفيذ مقررات "جنيف1" والنظام عندما جاء يعرف لماذا أتى ورغم ذلك أفسد المؤتمر.

* ما هو الدور الذي يقوم به مراقب الإخوان لدعم وخدمة القضية السورية على أرض الواقع بشكل عملي في العواصم العالمية؟

**نحن خارج سورية، لست أنا فقط ولكن كلّ الإخوان السوريين وغير الإخوان، فالكل جزء من الشعب السوري، ونحن كإخوان جزء من هذا الشعب السوري ونسعى لشرح القضية السورية والتواصل مع الأحزاب والمؤسسات المجتمع المدني في الدول الأوربية لخلق رأي عام لمواجهة تخاذل الأنظمة.

كما أننا نكثف من طلب الدعم للجمعيات،وساهمنا في إيجاد مظلة سياسية في المشاركة في المجلس الوطني والائتلاف ومع جميع التحالفات السورية على مستوى العالم، فنحن نسعى لتوحيد المعارضة والمجموعات المقاتلة المعتدلة على الأرض أيضاً من كل الأطياف، واستطعنا لتجميع المعارضة في الخارج ونسعى للإغاثة على الأرض، وكانت المجموعات الرئيسية في المجلس الوطني ابتداءً ثم بدأ التوسع في الائتلاف حتى وصل إلى شكله الحالي بفضل جهود الإخوان التجميعية والحريصة على توحيد المعارضة.

* البعض عبر عن احتمالات انعقاد مؤتمر الائتلاف السوري المعارض القادم بالقاهرة، هل ترى ذلك ممكنا؟

** جرى كلام عن انعقاده في القاهرة ولكن لم يتم البتّ فيه نهائيا.. ولكن لا يوجد عندي معلومات، وإذا تم في القاهرة لن يشارك الإخوان؛ لأنّ الاوضاع في القاهرة لا تتناسب مع الوضع الحالي في سورية، وأستبعد أن يعقد في القاهرة، اللهم إلا إذا ذهبت بعض الوفود، ولكن مؤتمر عام للائتلاف لا أعتقد.

* يتعرض الإخوان في سورية لهجمات منظّمة من خصومهم السياسيين على غرار ما تعرّض له الإخوان في مصر وتونس وليبيا وغيرها من الاتّهامات المتداولة من أنّكم إقصائيين وأنّكم لا تتعاونون مع الآخر، وأنّكم تريدون الاستحواذ وغيرها من الاتّهامات، فما هي أنسب السبل للتعاطي مع ذلك من وجهة نظركم؟

** نحن قرّرنا ألا ندخل في مهاترات مع أحد، وألا نرد على من يتهمنا مباشرة، وإنما نعمل على شرح مبادئنا وسياستنا عبر مواقفنا وتوضيحها عبر وسائل إعلامنا من صحافة ومجلات وغيرها من الإعلام والعمل الميداني على الأرض، وأبناء الشعب السوري بنفسهم يرون ويقيّمون. وفي الحقيقة لولا دور الإخوان ما تأسّس المجلس الوطني، ولا الائتلاف السوري المعارض الحالي، وعددنا في تشكيل المجلس الوطني أو الائتلاف وسط بقية المعارضة محدود جداً، وليس شرط أن يكون لنا سيطرة أو قوة رئيسية كما يروّج البعض. وعندما تشكّل المجلس الوطني، تنازلنا عن جزء من حصتنا ومن مقاعدنا لصالح مجموعات صغيرة لم تحصل على مقاعد، فهدفنا دوماً التوحيد والتجميع وليس السيطرة كما نتهم.

* من الاتّهامات التي توجّه لكم أنّكم تقولون إنّ الفضل لكم في عمل كل شيء، وكأنّ غيركم لن يستطيع فعل ذلك؟

** هذه حقيقة أنّ الإخوان بالفعل بذلوا جهوداً كثيرة، هل هذه سلبية؟!.. فكما تعرف أنّه في سورية لم يكن هناك حياة سياسية، ولم يكن هناك أحزاب، اللهم إلا الإخوان وحدهم الذين استطاعوا أن يحافظوا على كيانهم، وعندما بدأت الثورة استطاعوا أن يلملموا شتات الشعب السوري، ونحن كجماعة منظّمة وكيان متماسك أقدر من الأفراد على فعل هذا وهو شيء طبيعي.

* أمامكم ثلاثة أو أربعة نماذج عربية.. تونس واليمن وليبيا ومصر، أيّ النماذج ترونها أقرب لكم في سورية؟

** شعبنا لازال في ثورة، ونحن لم نصل بعد إلى تحرير سورية، وعندما تتحرر سورية يمكن أن نتحدث، فوضعنا مازال مختلفاً طبعا؛ لأنّ هناك ثورة، والدول التي ذكرتها انتهت مراحل ثورية فيها أو مرّت بمراحل ثورية لم تمرّ سورية بها بعد، كما أنّنا لم نصل إلى مرحلة الحكم بعد وإن كنّا نسعى للمشاركة في العملية الديمقراطية في سورية المستقبل، ولكنّنا لن نحكم منفردين ونريد أن نتعاون مع الجميع في حكم سورية، ويجب أن تشارك كل فئات وطبقات الشعب السوري في حكم بلدهم ولا إقصاء لأحد لا لقوميات ولا لطوائف، وكفى حكم الحزب الواحد، والقائد الأوحدـ وهذا النموذج يجب أن ينتهي، وهذه سياستناـ فسورية ملك للجميع بمن فيهم العلويين المناوئين للنظام الحالي، فالكل مواطنين سوريين ومن حقهم أن يشاركوا في حكم سورية، ولا إقصاء لأحد لأ لقوميات ولا لطوائف.

* ما هو الموقف المعلن للإخوان في سورية من الأكراد والقضية الكردية؟

** لا تحفّز، ونحن التقينا بالأحزاب الكردية وتحاورنا وليس هناك موقف من الأكراد، وشاركوا في الائتلاف، اللهم إلا بعض المتطرفين بيننا وبينهم خصومة، اللهم إلا بعض المتطرفيين مثل الـ "بي ك ك"، وعلى العكس دعيت دعوة رسمية إلى كردستان العراق، وعلى العكس بيننا وبين الأكراد علاقة طيبة.

* هل أثّرت الأوضاع الحالية في مصر عليكم في سورية؟ وكيف؟ وما هو دوركم في تجاوز تلك الآثار على أرض الواقع؟

** مبدئياً هذه التجربة مفروض نستفيد منها، ونحن ابتداءً نتكلّم عن ديمقراطية، فنحن ضدّ ما حصل في مصر، ليس لأنّه انقلاب على الإخوان، ولكن لأنّه انقلاب على الديمقراطية، ولم يعد ذلك مقبولاً لا عندنا ولا عند الشعوب العربية. ونحن عندما نقول إنّنا نقبل بصناديق الاقتراع فنحن صادقون ولن ننقلب عليه. وموقفنا عنتدما سئلت في بعض العواصم الأوربية هل تقبل بمسيحي رئيساً، فقلت لهم أليس مواطن سوري جاءت به صناديق الاقتراع نقبل به، أمّا الانقلاب على صناديق الاقتراع أمر نرفضه لأنّه ضدّ مبادئنا وأخلاقنا.

* ماذا تتعلّمون ممّا حدث في مصر، هل أصابكم بالإحباط؟

** أبداً، لم يصيبنا بالإحباط، ولكنّه أفادنا بضرورة أخذ الدروس والاستفادة، وكان يجب أن يهتم الحكم في مصر بتنظيف الأجهزة من بقايا النظام الديكتاتوري التي تآمرت عليه وانقلبت عليه، ونحن نستفيد بضرورة تنظيف الأجهزة، ويجوز الإخوان في مصر تأخروا في هذا ولم ينتبهوا لخطورة ذلك وقصّروا في هذا.

* هل الانقلاب الدموي في مصر أعطاكم دفعة للأمام أم للخلف؟

** لم يؤثّر بشكل مباشر على الساحة السورية، ومازال النظام السوري مصراً على إجرامه والشعب السوري مصرّ على أخذ حقوقه ونيل حريته.

*ما هي انعكاسات الأحداث في أوكرانيا عليكم؟ وكيف تواجهون آثارها عمليا؟

** ما حدث لم يؤثّر بشكل مباشر، لأنّه مازال النظام مصراً على إجرامه، والشعب السوري مصراً على نيل حريته.

* هل لكم تجربة عملية في التعاطي مع المجموعات التي ظهرت فجأة على الساحة لتفريق وتمزيق وحدة الأحرار؟

** هذه المجموعات هي جزء من النظام السوري، وهي نفسها جزء من دولة العراق والشام وهي نفسها داعش، وهذه من صناعة إيرانية، وهي أتت لإفساد الساحة الثورية في سورية، وتتحدّث باسم الثورة لتفسد الساحة على الأرض لصالح النظامـ وتربك الأمر على الأرض وهي جزء من النظام.

ورأينا ألا تهادن هذه المجموعات أبداً، وحقيقة بعد فترة كشف هذا الأمر فهي لا تخوض معارك ضد النظام، ولكنها تشتبك مع المقاومين وتستولي على المناطق المحررة، وتستولي على الغنائم وهم في الحقيقة أربكوا الساحة السنية ليتمكن المالكي وعصابته من العراق وبالفعل. انتهوا من العراق أتوا إلى سورية.

* هناك كلام عن انسحاب داعش قبل أيام قليلة من حمص وحلب، فهل ترى ذلك إعادة ترتيب صفوف؟

** داعش لم ينسحبوا من حمص ولكنهم طردوا، صحيح أنّهم طردوا من حمص وإدلب وحماة وتغلبوا عليهم ثم طردوهم بقوة من الفصائل السورية المسلحة.

* عملياً كيف تواجهون الدور الطائفي المشبوه في سورية؟ وما هي الآليات لذلك؟

** الدور الطائفي الآن في حرب، فالنظام استطاع إقناع الطائفة العلوية بأنّه الحامي لهم وأنّه إذا ذهب فالشعب سينتقم منهم، وأنّه الحامي لتجميعهم حوله، ونحن ننشر ثقافة التسامح وليس الانتقام، ونؤكّد على أنّه من أجرم في حق الشعب السوري وارتكب الجرائم يحاكمون بالقانون بعيداً عن أيّة انتقام، لأننا نريد أن ننتقل إلى دولة مدنية، ولكن النظام يخوّفهم ليبقوا ملتفين حوله، وأخطأ بعض الضباط ببقائهم حوله وارتكابهم الجرائم البشعة.

* كيف ترى الدور الطائفي في الحرب ضد الشعب السوري؟

** هذه حرب طائفية بامتياز واعتراف "حزب الله" بذلك أمراً ليس خافياً على أحد.. فـ"حزب الله" أعلن قتاله إلى جانب نظام الأسد المستبد، لا لشيء إلا لأنّه ينتمي إلى للقتال بزعم، فهي حرب طائفية فعلا، ونظام الأسد قام بتجنيد الطائفة العلوية في سورية واستدعى الشيعة من الخارج، من إيران الحرس الثوري وغيرهم، ونحن بالنسبة لإيران الآن لا نملك أن نفعل شيئاً، ولكن إذا انهار النظام فهؤلاء الغرباء سيخرجون قطعا.

* رؤيتكم في مواجهة هذه الهجمة الطائفية مستقبلاً؟

** نحن تكلمنا مع الايرانيين كإخوان مسلمين وقلنا لهم إذا انتم تركتم الساحة وتنسحبوا من الآن، وتتركوا هذا النظام وتقفوا مع الشعب السوري، ولكنكم إذا استمريتم في الوقوف إلى جانب ذبح الشعب السوري فلن يوجد سوري واحد يقبل بالحوار معكم.

ونحن لا نتحاور معهم بشكل مباشر ولكن عبر وساطات، وأبلغناهم أنّنا لن نتحاور معهم مباشرة إلا بعد أن يسحبوا قواتهم من سورية.

* من الذي كان يتوسط؟

** هم من كانوا يرسلون وسطاء وليس نحن.

* متى كانت آخر هذه الوساطات؟

** آخر هذه الوساطات كان منذ حوالي سنة، وحاولوا التواصل معناً مراراً خلال هذا العام أكثر من مرة، ولكن الطريق أمامهم مسكر تماما.

* الوضع في اوكرانيا كيف ترى انعكاساته عليكم في سورية؟

** نتأمل أن تخسر روسيا في حربها في أوكرانيا؛ لأنّ نفس الموقف وقفته في سورية هو ما حدث في أوكرانيا ضد إرادة الشعب الاوكراني .. ولكن الملفت للنظر أن المجتمع الغربي اهتمّ بأوكرانيا أكثر ممّا يجري في سورية

* لماذا؟

** أولاً هناك هدف للغرب، وهو مزيد من التدمير لسورية لصالح "إسرائيل" لأنّ أيّ حكم سيأتي لسورية بده عشر سنوات من إعادة البناء، ممّا يمثّل راحة واطمئنان لـ"إسرائيل".

والسبب الثاني أنّ معظم مراكز الأبحاث والدراسات الغربية تؤكّد أنّه إذا ما زال نظام بشار في سورية فإنّ البديل إسلامي لا محالة، وهذا خط احمر. وقناعتي لو أنّ المجتمع الغربي ضمن نظاماً موالياً له بعد الأسد لأنهى المشكلة، ويستطيع بالفعل التدخل لإنهاء هذا النظام، ولكنه غير متأكد ممّن سيأتي لحكم سورية.

* ماذا تريد أن تقول للسوريين؟

** رسالتي للسوريين أن يوحّدوا صفوفهم جميعاً في مواجهة هذا النظام، وأن يبتعدوا عن كلّ البرامج، لأن المتفق عليه بين جميع طوائف المعارضة والشعب السوري هو العمل على زوال هذا النظام ونيل الشعب حريته.

* معضلة تنوّع المعارضة ما بين الداخل والخارج هل هي ميزة أم عيب من وجهة نظركم؟

** قلت إنني أناشد الجميع بالتوحّد لأن الآن ليس وقت الخلافات، ولكن نتوحد أولاً ثم نذهب بعدها إلى الاتفاق أيضا، ولا أرى أيّ مبرّر للاختلاف. هناك فرق، فلكلّ دوره، وبالتالي من في الداخل تضحيات أكبر وصمود أكثر فلا غنى لكلاهما عن الآخر، وإنني أناشد الجميع بالوحدة، والوقت ليس وقت خلافات، ولكن وقت نضال ومواقف، والآن لا وقت للخلاف وكلنا علينا أن نوحّد صفوفنا جميعاً لمواجهة وإسقاط هذا النظام.
__________________________________
 
الرأي الآخر:
__________________________________
مسيرة «الجهاديين»... من السر إلى العلن
عبد الله سليمان علي
تعتبر شهادة المعارض السوري هيثم منّاع في 7 نيسان العام 2011 أول إشارة من نوعها إلى أن جهات خارجية كانت تعمل على إدخال السلاح إلى سوريا.
ورغم أن شهادة منّاع لم تؤخذ بالاعتبار لأسباب كثيرة، منها أن المناخ الإعلامي والسياسي السائد في تلك الفترة لم يكن يقبل بمرور أي إشارة تتعلق بالتسليح، لأن من شأنها تلويث طهارة ما اصطلح على تسميته بـ«الثورة السورية»، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن العمل لم يكن جاريا وبوتيرة متسارعة لإغراق سوريا بالسلاح، وتحويلها إلى ما أسماه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ما بعد «مغناطيس الإرهاب».
وفي الوقت الذي كانت تؤسس فيه «لجان التنسيق المحلية» و«الهيئة العامة للثورة السورية» و«اتحاد التنسيقيات» لقيادة احتجاجات الشارع السوري وتأطيرها ضمن عمل مؤسسي، ليتبين لاحقاً أن هذه اللجان والهيئات لم تكن سوى واجهة إعلامية وأداة بيد جهات خارجية سرعان ما اختفت بعد انتهاء دورها، كان الشيخ عدنان العرعور، المعروف بانتمائه إلى جماعة «الإخوان المسلمين» يطرح نفسه، عبر برنامجه على قناة «وصال»، كقائد ميداني للثورة السورية. وبعد ذلك، حظي العرعور فعلاً بمبايعة العديد من قادة الكتائب والألوية على رأسهم الرائد المنشق ماهر النعيمي، الذي لا تزال تربطه به علاقات قوية قائمة على التمويل والتسليح، بينما كان محمد رحال، وهو مقيم في السويد، يشكل «المجلس الثوري» الذي يعتبر أول تشكيل علني مبني على نزعة تكفيرية إقصائية منذ بدء الأزمة السورية. فقد أعلن بيان تأسيس هذا المجلس، في منتصف حزيران العام 2011، ووردت في مطلعه عبارة لها الكثير من المدلولات عندما نقرأها في الوقت الحالي: «الحالة الراهنة في سوريا هي حالة احتلال إيراني - صفوي يقوده حزب حسن نصر الله في لبنان بالتعاون مع عملاء الاحتلال الإيراني الصفوي من حكومة فيشي الأسدية». وقد سبق رحال كل من مأمون الحمصي، وهو عضو مجلس شعب سابق، وعبد الرزاق عيد، الذي أصبح لاحقاً عضواً في «المجلس الوطني» المعارض، حيث صرح كلاهما بوجود عناصر من «حزب الله» وإيران في درعا، وذلك في الأيام الأولى من اندلاع الأزمة في 17 آذار قبل ثلاث سنوات.
ولكن لم تكن هذه التحركات والتصريحات العلنية المفعمة برائحة الطائفية والتكفير أكثر ما يقلق في ما يجري على الساحة السورية، خصوصاً ما كان يجري تحت الأرض، حيث كانت الكثير من الخلايا تحفر أنفاقها في التربة بانتظار اللحظة المناسبة، لتطل برأسها أو نابها أو سكينها.
كان «المقاتلون الأجانب» يصلون إلى الأراضي السورية بسرية تامة، وكانت وجهتهم «كتائب أحرار الشام» التي تعتبر أول فصيل احتضن هؤلاء المقاتلين وأمّن لهم معسكرات التدريب. وكان وصول عدد من قدامى الرعيل الأول من الأفغان العرب منذ أيار العام 2011 مؤشراً مهما إلى أن ضوءاً أخضر قد أعطي لدول الجوار السوري بفتح حدودها أمام عبور قوافل «الجهاديين» للدخول إلى الأراضي السورية.
ورغم أن تشكيل «كتائب أحرار الشام» و«لواء الإسلام» سبق تشكيل «الجيش الحر» و«كتائب الفاروق»، إلا أن اسميهما لم يظهر في الإعلام إلا في وقت متأخر، وكانت العمليات التي يقومان بها تنسبها وسائل الإعلام إلى «الجيش الحر»، وهي سياسة إعلامية لا تزال متبعة حتى الآن في كثير من المعارك والاشتباكات.
من الذي كان يستدعي المقاتلين الأجانب للقدوم إلى سوريا؟ ومن كان يؤمن لهم مستلزمات القدوم؟ ومن كان يقدم التسهيلات ويزيل العقبات ويفتح الثغرات؟
عندما وصل زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني إلى سوريا قادماً من العراق، أواخر العام 2011، غادر القسم الأكبر من «المقاتلين الأجانب»، وكان عدد «كتائب أحرار الشام» بالمئات وانضموا إلى «جبهة النصرة لأهل الشام». وأصبحنا نعرف الآن أن زعيم تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو بكر البغدادي هو من أرسل الجولاني وانتدبه لمهمة تأسيس «جبهة النصرة»، وبالتالي فإن دخول الطلائع الأولى للمقاتلين الأجانب إلى سوريا إنما كان بتوجيه من البغدادي. ودليل ذلك أن معظم هؤلاء المقاتلين الأجانب لم يتردد لحظة في الانشقاق عن «أحرار الشام» والانتقال إلى راية الجولاني مندوب البغدادي، ما يشير إلى أنهم كانوا يعلمون أن انضمامهم إلى «أحرار الشام» كان مؤقتاً أو تنفيذاً لأمر قيادتهم الحقيقية.
وبينما كانت «كتائب أحرار الشام» و«لواء الإسلام» تتشكل وتنمو وتزداد أعدادها بهدوء، وعلى نحو متقن وبعيداً عن الأعين، عبر اتصالاتها مع بعض قادة الكتائب ذات التوجه الإسلامي لجذبها إلى مدارها والاندماج معها، أو على الأقل التحالف في ما بينهما، كان «الجيش الحر» يترسخ إعلامياً كعنوان عريض لعشرات، بل مئات، الكتائب والمجموعات التي كانت تتكاثر كالفطر مع اتساع جغرافيا المعارك وامتدادها من مدينة إلى أخرى ومن محافظة إلى محافظة.
أما «جبهة النصرة» فقد تمكنت خلال وقت قياسي من فرض نفسها كأقوى فصيل مسلح على الساحة السورية، وأكثرها تدريباً وتسليحاً، ولكن كانت علاقتها مع كل من «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» تعاني من فتور وعدم ثقة، وأحياناً اتهامات متبادلة، ولم تنس «أحرار الشام» أن «جبهة النصرة» هي التي سرقت منها المقاتلين الأجانب بعد أن حضنتهم ودربتهم، وبنت عليهم الكثير من التوقعات والأحلام. كذلك لم تكن العلاقة على ما يرام بين «أحرار الشام» من جهة و«لواء الإسلام» من جهة ثانية، وهذا ما تجلى بشكل واضح مع نهاية العام 2012 عندما انضم كل منهما إلى جبهة مغايرة، فانضم «لواء الإسلام» إلى «جبهة تحرير سوريا الإسلامية» بينما انضمت «أحرار الشام» إلى «الجبهة الإسلامية السورية».
وكانت المساعي الإقليمية والدولية تنصب جميعها نحو هدف واحد، هو كيفية توحيد المعارضة السياسية. وكانت جهود موازية تبذل أيضاً لتوحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة واحدة متمثلة بـ«الجيش الحر»، ولكن العام 2013 كان محملاً بمفاجآت غير متوقعة، فهو لم يفشل مساعي التوحيد وحسب، بل زاد وعمق من الانقسام والفرقة بين هيئات المعارضة السياسية من جهة وبين الفصائل المسلحة من جهة ثانية. وكان الخلاف بين الجولاني والبغدادي في التاسع من نيسان العام 2013 بداية مرحلة التدهور الكبير في العلاقة بين الفصائل المسلحة، وبرز على الساحة السورية اسم جديد هو «داعش»، والذي كان لبروزه تأثير كبير على مجريات الأحداث. فانتقلت العلاقة بين الفصائل من عدم الثقة والاتهامات الإعلامية المتبادلة إلى الاغتيالات المتبادلة، وحوادث خطف القيادات، وصولاً إلى الحرب المباشرة بينها، التي اندلعت بقوة في الشهرين الأخيرين من العام 2103. وكان أهم الفصائل المشاركة فيها هي «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«جبهة النصرة» ضد «داعش».
أما «الجيش الحر» فقد انتهى العام الثالث من ظهوره على وسائل الإعلام، ولم يتمكن حتى الآن من ترسيخ نفسه كبنية عسكرية صلبة تستطيع منافسة الفصائل الإسلامية، بل خسر الكثير من كتائبه وألويته التي سارعت إلى إعلان بيعتها إلى «أمراء الجهاد وقادته». وقد حدثت موجة كبيرة من هذه البيعات، لا سيما منذ أيلول العام 2013، عندما نجح «داعش» في طرد «ألوية أحفاد الرسول» من الرقة و«لواء عاصفة الشمال» من أعزاز في شمال حلب، وبدت الساحة السورية كأنها تتجه للسقوط كلياً بيد التنظيمات الإسلامية المتشددة.
لكن الحرب «الجهادية» بين الفصائل الإسلامية بعضها ضد بعض، أتاحت لـ«الجيش الحر» أن يلتقط أنفاسه، ويبذل، مع نهاية العام الثالث للأزمة، محاولة جديدة لإعادة هيكلة نفسه.

______________
«هزات ارتدادية» لمعركة القلمون الإرهاب يضرب في النبي عثمان
بعد ساعات من سقوط يبرود التي كانت تشكل أحد أبرز معاقل تفخيخ سيارات الموت المرسلة الى لبنان، فجّر انتحاري نفسه بسيارة مفخخة في منطقة النبي عثمان البقاعية، إثر افتضاح أمره، في ما بدا أنها محاولة لـ«المكابرة» وتحويل الأنظار عن الهزيمة في عاصمة القلمون، وصولا الى الإيحاء بأن إخراج المجموعات المسلحة منها، لا يعني ضرب قدرتها على الإيذاء.
ويمكن القول إن انفجار الأمس يندرج في إطار «الهزات الارتدادية» للتحول الميداني الذي طرأ على مسرح المواجهة العسكرية في سوريا، بعد استعادة مدينة يبرود الإستراتيجية، في تطور نوعي يحمل دلالات تتجاوز الحدود الجغرافية للحدث، الى ما بعدها.
وفي حين كشفت مصادر أمنية مطلعة لـ«السفير» عن ورود معلومات حول احتمال تسرّب أكثر من سيارة مشتبه فيها الى الداخل اللبناني، أشارت المصادر ذاتها الى أن الأجهزة الأمنية المختصة تأخذ بعين الاعتبار احتمال أن تلجأ المجموعات المسلحة الى ردود فعل انتقامية، بعد هزيمتها في يبرود، وإن يكن هامش حركتها قد تقلّص بعد الضربة التي تلقتها.
وأفاد مراسل «السفير» في البقاع الشمالي علي جعفر أن شبانا اشتبهوا بسيارة «شيروكي» تسير بسرعة على الطريق بين النبي عثمان والعين، فتمت ملاحقتها من قبل عبد الرحمن القاضي( العين) وخليل خليل (الفاكهة) اللذين أمرا سائقها بالتوقف، وتردد أنه تم إطلاق النار على عجلات السيارة، فما كان من الانتحاري إلا ان فجّر نفسه بعد اكتشاف أمره، ما أدى الى استشهاد القاضي وخليل ووحيدة نزهة الى جانب سقوط عدد من الجرحى، نقلوا الى مستشفيات المنطقة، ومن بينهم حسين نزهة الذي أصيب بجروح خطيرة، علما ان بعض المصادر أشارت الى وقوع اربعة شهداء.
وتسبب الانفجار بأضرار كبيرة في السيارات والمنازل السكنية والمحال التجارية المجاورة للمكان الذي وقعت فيه الجريمة الإرهابية.
وتبنت «جبهة النصرة» في لبنان التفجير واعتبرت أن البيان الصادر باسم «لواء أحرار السنة» في بعلبك، والمتبني للتفجير ايضا، هو عمل استخباري، فيما رجح مصدر أمني زنة المواد المنفجرة بحوالى 120 كيلوغراما، احدثت حفرة بعمق 70سنتمترا، و راجت تكهنات بأن تكون السيارة قد أتت من وادي رافق، وأن تكون وجهتها الأصلية بعلبك أو الهرمل. وليلا قطع عدد من اهالي اللبوة الطريق استنكارا للجريمة.
...ومع سقوط يبرود وما تلاه من تفجير إرهابي في منطقة النبي عثمان، فإن السؤال الملحّ لبنانيا هو حول منحى التطورات المحتملة في الأيام المقبلة وما تفرضه من تحديات وانعكاسات على أمن الداخل الذي كان ولا يزال عرضة لتهديد المجموعات المسلحة المنتشرة على الجانب السوري من الحدود الشرقية، تارة بالقصف الصاروخي وطورا بالسيارات المفخخة.
صحيح، أن مقاتلي «النصرة» وأخواتها تلقوا ضربة قاسية في يبرود، شتتت قواهم وبعثرت صفوفهم، إلا أنه يبدو من المبكر الجزم بانتهاء مفعولهم التخريبي كليا.
وفي المعلومات، أن المدعو أبو عبد الله العراقي كان يقود مجموعات التفخيخ في يبرود، وهو ورفاقه مجهولي المصير، فإما أنهم قتلوا في المعركة أو فرّوا الى الخطوط الخلفية في فليطا ورنكوس. وقد عُثر أمس، في المدينة المستعادة على عدد من السيارات الرباعية الدفع (شبيهة بتلك التي انفجرت في الضاحية والهرمل)، بعضها من دون لوحات وبعضها الآخر يحمل لوحات لبنانية.
ويبدو أن تجفيف خطر السيارات المفخخة بشكل أكبر يرتبط بإنهاء وجود المسلحين في فليطا السورية، والتي يبدو أنها ستكون مسرحا للمعركة المقبلة، بعدما هرب اليها عدد كبير من مقاتلي «النصرة» الفارين من يبرود.
أما التحدي الآخر المترتب على سقوط يبرود، فيتعلق بهروب آلاف المسلحين نحو فليطا ورنكوس وعسال الورد الملاصقة للحدود مع لبنان، انتهاء بجرود عرسال التي تسلل اليها خلال الساعات الماضية، وفق المعلومات الأولية، قرابة 1500مسلح، فيما نُقل الى داخل البلدة حوالى 100جريح وعدد من القتلى.
وعندما تبدأ معركة السيطرة على فليطا ومحيطها، يُرجح حصول تضخم في حجم «نزوح» المسلحين السوريين الى جرود عرسال، الامر الذي قد يفرض على هذه البلدة الخيار: فإما ان تطلب من الجيش اللبناني تولي زمام الأمن في داخلها وجوارها الجردي، وترفع الغطاء عن كل مسلح يمكن أن يتلطى بها وبأهلها، وإما أن تصبح «رهينة» لهذا الدفق المتوقع من المسلحين، مع ما سيعنيه ذلك من استدراج للمواجهة اليها، ومن أزمة مع جوارها اللبناني الذي سيغلق نوافذه عليها.
وفي انتظار أن تحسم عرسال خيارها، عزز الجيش اللبناني تدابيره الاحترازية لمنع تسرب المسلحين الفارين من يبرود الى العمق اللبناني، فيما ابلغت مصادر عسكرية «السفير» أن الوحدات المنتشرة على الأرض اتخذت كل الإجراءات اللازمة للحؤول دون أي فوضى قد تترتب على التطورات الاخيرة، لافتة الانتباه الى أن الطبيعة الوعرة للجرود المتاخمة للحدود تجعل من الصعب ضبط التسلل اليها وبالتالي فإن مسؤولية الجيش تتركز على حصر بقعة الزيت ومنع توسعها الى ما بعد عرسال.
ولعل الملف الامني المتصل بوضع عرسال ومحيطها، سيكون الاستحقاق الابرز امام الحكومة بعد نيلها الثقة النيابية، سواء على مستوى الإجراءات الميدانية التي يجب أن تتخذها المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية أو على مستوى المعالجات الخدماتية لتداعيات ارتفاع أعداد النازحين السوريين.
طرابلس
شمالا، تجددت ليلا محاولات جرّ طرابلس الى مواجهة عبثية ضد الجيش اللبناني، بعدما استهدف مسلحون بعض مواقعه في محيط التبانة فردّ الجيش بالأسلحة المناسبة، في أعقاب اعتداءات على المراكز العسكرية أدت الى استشهاد عريف وجرح 15عسكريا.
ولم تنعكس أجواء التوافق حول البيان الوزاري على الوضع الأمني في طرابلس الذي استمر عصيّا على الاحتواء بعد أربعة أيام على انطلاق جولة العنف الـ20، في ظل رفض المجموعات المسلحة من كل الجهات الالتزام بوقف إطلاق النار.
وقد أدت الاشتباكات المتنقلة على المحاور وما رافقها من حملات تحريض واستهداف للجيش الى تعطيل كل أوجه الحياة في المدينة، وإلى فرض حصار عليها بالحديد والنار، وانفلات عدّاد الضحايا الذي سجّل حتى ليل أمس مقتل 10 أشخاص بينهم شهيد للجيش، وجرح نحو 70 شخصا.

________


ماذا تعني هزيمة المسلحين في يبرود؟
«القصير 2» و«الغوطة 2» و«جنيف 2»

خليل حرب
ماذا جرى في يبرود؟ ولماذا تقهقر مسلحو المعارضة بأسرع مما توقع كثيرون؟ وما معنى دخول الجيش السوري المدينة التي ظلت توصف بأنها من قلاع المسلحين الحصينة، فإذا بها تتساقط بين ليلة وضحاها في لحظة مفارقة زمنية في ما يسمى «الذكرى الثالثة للثورة السورية»؟
وكيف يمكن قراءة معركة يبرود ربطاً بما جرى في القصير في حزيران الماضي، وبالتطورات العسكرية المحتملة في الغوطة الشرقية، وتداعيات هذا التقدم العسكري للجيش على مسيرة «جنيف 2» المتعثرة، وعلى الخيوط السياسية للمشهد في دمشق؟
وإذا كان من الصعب رسم صورة واضحة الملامح لما جرى خلال الساعات الـ48 الماضية في يبرود، واستخلاص معانيها الكاملة، إلا أن بالإمكان رصد مجموعة أحداث ونتائج لهذه اللحظة التي يراها كثيرون «إستراتيجية».
أول ما يمكن أن يقال إن ما جرى في يبرود يستكمل تقريباً انهاء «معركة قطع الشريان اللبناني». لكن الرسائل التي تخرج من دخان الاشتباكات في القلمون، يصل صداها الى ابعد من الخاصرة اللبنانية الرخوة... ربما نحو دمشق وواشنطن الى جانب الرياض والدوحة.
لكن ما هي هذه القيمة «الإستراتيجية» لما جرى في يبرود في هذه اللحظة؟. إذا كان مراقبون اعتبروا أن النظام السوري مر بثلاث مراحل اساسية في عمر الأزمة المفتوحة منذ ثلاثة أعوام، هي «الدفاع» ثم «الصمود» ثم «الهجوم»، فإن معركة القصير في الخامس من حزيران العام 2013، شكلت بداية انتهاء «مرحلة الصمود» من جانب النظام، والانتقال الى «مرحلة الهجوم». وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود، تشكل نقطة الذروة في هذا الهجوم حتى الآن، لأنها الأكثر تعقيداً جغرافياً وعسكرياً حيث يصل ارتفاع بعض جبال القلمون الى ما بين 1400 متر و1650 متراً، فيما تجعلها تضاريسها شبيهة بالجبال الأفغانية التي أنهكت عبر التاريخ جيوشاً جرارة.
لكن الفصائل المعارضة، هُزمت بسهولة نسبية، ونزلت أو انسحبت من الجبال لسبب أو لآخر، من بينها، كما تشي الاتهامات المتبادلة عبر «تويتر»، التخاذل والتقاعس والخيانات... الى جانب القوة النارية للمهاجمين (تفاصيل صفحة14).
وبالإضافة الى ذلك، فإن من معاني يبرود، الاقتراب بشكل حاسم نحو إنهاء المفاعيل اللبنانية للأزمة السورية بالمعنى الأوسع للكلمة، وبمعنى آخر «قطع الشريان اللبناني» الذي يغذي نار الصراع السوري عبر الحدود، على خطين متوازيين: الحصن - الزارة وصولاً الى وادي خالد، ويبرود فليطة وصولاً الى عرسال، ما يعني أيضاً أن «ثنائية يبرود عرسال» قد انكسرت في أحد جزئيها، وهو ما يجعل التساؤل الكبير مشروعاً: كيف سيتم التعامل الآن مع عرسال في بُعدها اللبناني بعد سقوط «ظهيرها التكاملي التبادلي» في يبرود؟
ماذا أيضاً بشأن يبرود؟. هذه المدينة الحدودية هي صلة الوصل بين ما تبقى من المنطقة الوسطى ودمشق العاصمة. ويبرود أيضاً هي «عاصمة التذخير» والتسليح من القلمون باتجاه دمشق... وخيوطها تمتد بعيداً وصولاً الى مسلحي الغوطة وفصائلها في جوبر وحرستا ودوما، ما قد يشكل ضربة مؤذية لاحتمالات «معركة الغوطة 2» التي راجت التكهنات بشأنها في الأسابيع الأخيرة، بعد معارك الغوطة الكبرى في تشرين الثاني الماضي.
وإذا كان الجيش السوري و«حزب الله» قد تمكنا من دخول يبرود، فإن هناك بعض النقاط المتفرقة التي ما زالت تحت سيطرة المسلحين حول المدينة مثل فليطة، رأس المعرة، رنكوس، عسال الورد، وادي بردى، حوش العرب، تلفيتا، الرحيبة والناصرية بالإضافة الى الزبداني. لكن مصدراً مطلعاً على المشهد الميداني قال لـ«السفير» إن «مسألة صمود مسلحي المعارضة في هذه القرى، باتت مسألة وجهة نظر لا أكثر، وإن المعنى الواقعي الذي تنتجه هزيمة يبرود، يجعل خوض معارك كبرى في بلدات متناثرة، شبه مستحيل، خاصة اذا استفاد الجيش السوري وحزب الله، من 5 عوامل متوفرة حتى الآن».
وعدد المصدر هذه العوامل:
1- عامل الهزيمة النفسية التراجعية للخصم.
2- عدم الثقة والتفكك بين المجموعات المعارضة نفسها.
3- قوة الدفع المعنوي للخصم (الجيش و«حزب الله»)
4- قوة النار.
5- يبرود هي غرفة العمليات المركزية لكل القلمون، وتمثل «عاصمة التحكم» مثلما كانت القصير «عاصمة تحكم».
لكل هذه الأسباب، يقول المصدر، فإن التدحرج من يبرود سوف يستمر،علماً أن هناك قوى أساسية في فصائل المسلحين كانت تجري اتصالات مباشرة بالجيش و«حزب الله» تعبيراً عن الرغبة بالتوصل الى تسوية، وفق منطق المصالحات التي ترعاها الدولة السورية في مناطق اخرى.
وإذا كان الميدان العسكري بنموذجه «اليبرودي» مهم، إلا أن نموذج مصالحات المعضمية وبرزة، لا يقل أهمية، وهو المعيار المتدحرج الذي بات بالإمكان البناء عليه في العديد من مناطق الجغرافيا السورية. وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود قد تعزز منطق الراغبين بالمصالحة في أكثر من منطقة ملتهبة بعدما بدا واضحاً أن المتضررين من «المصالحات» تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» و«الكتيبة الخضراء».
وفي حين تشير المعلومات المتوفرة الى أن «الجبهة الاسلامية»، بامتدادها السعودي، وتحديداً الرعاية التي كان يوليها رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان لها، لم تشارك، في معركة القلمون، كعادتها على ما يبدو في المواجهات الكبرى، حيث تؤثر الانسحاب المبكر، فإن المعلومات المؤكدة تشير الى ان «جبهة النصرة» هي التي خاضت القتال الرئيسي في يبرود، في حين سجل سقوط العديد من كبار قادة التنظيم وغيره من الفصائل خلال الايام الماضية، وهو ما أصابهم بالارتباك وتسبب بإحباط معنويات المقاتلين.
وسيكون من الضروري لرصد تداعيات يبرود، متابعة الوجهة التي ستسير عليها العلاقات المتوترة بين «داعش» و«النصرة» و«جيش الاسلام» خلال الاسابيع المقبلة، حيث من المتوقع في ظل النكسة الكبرى التي جرت الآن، اتجاهها نحو التعقيد، خصوصاً في ظل تبادل الاتهامات بالخيانة والتقاعس. لكن كان من اللافت ان الصراع الدموي بين هذه التنظيمات في اكثر من منطقة سورية والذي اوقع آلاف القتلى في صفوفهم خلال الشهور الثلاثة الماضية، لم تصل نيرانه الى القلمون، كما ظلت مناطق الغوطة بمنأى عنه نسبياً، ما يعني انها ستخضع لاختبار ساخن في الريف الدمشقي في القريب العاجل.
ومن المهم ملاحظة أن الحسم في يبرود جاء بعد اقل من شهر على تعثر مفاوضات «جنيف 2»، ومع وجود المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي في طهران، وتزايد التصريحات الاميركية، سواء على مستوى المسؤولين السياسيين او الأمنيين، او وسائل الاعلام مثل «واشنطن بوست»، برجحان كفة النظام في المواجهات الشرسة التي خاضها مع مختلف الفصائل على امتداد جبهات حمام الدم السوري. كما ترافق اقتحام يبرود مع خروج الخلاف السعودي القطري الى العلن للمرة الاولى بهذا الشكل الحاد، في وقت حدد مجلس الشعب السوري «شروطه» للمرشح المقبل للانتخابات الرئاسية السورية، ما يشكل ربما مفارقة ارتباط هذه الخطوة الرمزية في مغازيها السياسية، مع البصمة العسكرية في يبرود، واقتراب موعد ترشح الرئيس بشار الأسد.
ومن بين محصلة قصة يبرود، التي أصابها وأهلها الكثير من الخراب كغيرها من مدن المعاناة السورية، الخسارة المسجلة باسم كل من السعودية وقطر كلٌ من موقعه. القطريون من خلال ذراعهم الاولى المتمثلة بـ«النصرة»، والتي ربما كان من تجلياتها الانفراج السريع في قضية الراهبات المخطوفات، والسعوديون من خلال الانتكاسة الجديدة في مشروع بندر بن سلطان المتمثل بـ«الجبهة الاسلامية» التي الى جانب «النصرة»، تعتبران المكون الرئيسي للمعارضة المسلحة في القلمون.
وفي الخلاصة، فإن السؤال الملح هو: ماذا بعد القلمون؟ خاصة ان النظام منذ معركة القصير، لم يُمنَ بخسارة منطقة استردها، وهو ما يسمى «التحول النوعي بالتثبيت والحفاظ على المكتسبات» والتي يشارك فيها «جيش الدفاع الوطني».
فهل هي الجبهة الجنوبية في حوران والجولان؟ ام ريف حماه؟ او حلب؟ وبالتأكيد فإن المسألة ليست خاضعة للتكهنات، لكن سيكون من المهم متابعة التطورات في الغوطة على صعيد اسئلة المصالحات او المواجهات الداخلية بين الفصائل نفسها او تحرك الجيش استمراراً لسياسة القضم التدريجي. كما سيكون من المتوقع، ان القيادات السياسية والعسكرية السورية ستعمد بعد «تثبيت» الوضع في يبرود، (وهي من المكونات الاساسية لمعركة درع العاصمة)، الى مراقبة المشهد العام للصراع السوري وارتباطه بالسياسة، ثم قد تتقرر بعدها، الوجهة المقبلة لتدحرج المعركة.

____________

حماس على أبواب طهران وقطر تعيد وصل ما انقطع

علي هاشم

قبل أسبوع أو أكثر بقليل ذهب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح إلى العاصمة القطرية الدوحة، في زيارة حملت طابع السرية، أولاً بسبب الوضع الأمني لشلح الذي تضعه الولايات المتحدة على لائحتها للإرهابيين الأكثر خطراً في العالم، وكذلك إسرائيل الذي يتصدر مع غيره من قادة المقاومة لوائح التصفية الخاصة بها.
أما السبب الثاني للسرية فكان طبيعة الزيارة التي هدفت للقاء رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل الذي يتخذ من الدوحة مقراً له منذ تركه سوريا.
اللقاء بين أبي عبد الله وأبي الوليد ليس جديداً، فكلاهما يقود حركة مقاومة إسلامية فلسطينية، وكلاهما كان يجاور الآخر في دمشق قبل الأزمة، وكلاهما حليف لإيران. الجديد هنا هو مكان اللقاء: الدوحة، والمستجد هو أن مشعل ربما يزور طهران بعد رأس السنة الإيرانية، أي خلال أسبوعين فقط من الآن.
خلال الأشهر الماضية، كانت العلاقة بين حماس وإيران قد عادت إلى ما يمكن وصفه بالوضع المقبول. وفود عديدة من الحركة زارت طهران منذ صيف العام 2013، بعضها سياسي وبعضها عسكري وبعضها الآخر لأسباب أخرى مختلفة.
وحده مشعل ظل خارج قوائم المسافرين إلى طهران، لأن عوائق عدة كانت تمنع التواصل المباشر بينه وبين القيادة الإيرانية أو حتى بينه وبين الذين يمونون للتوفيق بينه وبينها. السبب معروف، وهو موقف مشعل من الأزمة السورية وتأييده الواضح والصريح خلال فترة معينة لـ«الثوار» في مواجهة النظام، بل وما حكي في أروقة «محور المقاومة» عن دور عسكري أو خبراتي قدمته حماس لبعض الكتائب، وهو الأمر الذي تم نفيه جملة وتفصيلاً على لسان أكثر من قيادي حمساوي، وذهب البعض منهم إلى القول إن الذين قتلوا من الحركة في معارك سوريا ذهبوا بمبادرة فردية.
مصادر قيادية في حماس أكدت أن الزيارة أصبحت وشيكة، وأن العلاقة مع طهران وإن مرت بما يشبه سحابة الصيف، إلا أنها اليوم جيدة وكذلك العلاقة بين حماس و«حزب الله»، وإن كل ما يحكى عن توتر أو فتور ليس سوى أمنيات من لا يرغب في رؤية «محور المقاومة» يعود إلى سابق عهده.
وتشير المعلومات المتوفرة من مصادر متقاطعة إلى أن العوائق التي كانت تمنع زيارة مشعل إلى طهران قبل أشهر كانت كثيرة، لكنها في الفترة الأخيرة انحصرت بعدم القدرة على تأمين موعد مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، الذي، ولأسباب عدة، كان يفضل التريث قبل حصول هكذا لقاء.
لكن حماس التي تعلم أن دون هذا الأمر لا شيء فعلاً يعيق الزيارة، جهدت لتأمين الموعد عبر الأصدقاء المشتركين والحلفاء المعنيين، وذلك لأن زيارة طهران من دون لقاء المرشد لن يكون لها المعنى والوقع الذي تريده أو الذي يريده مشعل، ولأن زيارة المرشد ستعني من دون شك أن صفحة كاملة طويت وأن حماس عادت بقوة إلى مكانها السابق في «محور المقاومة والممانعة» الذي يشهد اليوم عملية إعادة صوغ وبناء على قواعد جديدة تناسب زمن ما بعد «الربيع العربي».
في هذا الإطار، يقول مصدر عربي متابع للحراك الذي يجري على صعيد المنطقة إن عملية إعادة صياغة المحاور وبنائها تجري على قدم وساق في المنطقة بأسرها، «محور الاعتدال» يعيد تقييم تجربته بعد «الربيع العربي»، وكذلك «محور المقاومة والممانعة»، وكلاهما اليوم اختلفت أهدافه وعرضت جبهته وكثرت مشاكله.
ويضيف المصدر، إن اليوم لا بد من شكر التطورات الأخيرة في سوريا والخليج ومصر على دورها في تسريع حركة التموضع بالرغم من الخلافات والتناقضات، السعودية والإمارات والبحرين عزلت قطر التي وجدت نفسها أقرب إلى إيران تماماً كعُمان، وينطبق الأمر على تركيا وتونس و«الإخوان المسلمين» في المنطقة التي وإن كانت على خلاف جذري مع طهران حول سوريا، إلا أنها تجد نفسها إليها أقرب مما هي إلى «محور الاعتدال» الذي يعاد تشكله أيضاً بما يتناسب مع الخط السياسي والمصالح المشتركة.
أهم ما جاء على لسان المصادر المتقاطعة، هو أن الدوحة التي انحسرت علاقتها بالملف السوري خلال الأشهر الماضية، بدأت فعلياً بتصفية استثماراتها الجهادية على كل المحاور هناك، وأنها مستعدة للعب دور إيجابي إلى جانب تركيا في إقناع من تمون عليهم من المعارضة السورية للجلوس إلى طاولة جديدة للمفاوضات بناء على المبادرة التركية الإيرانية المشتركة للوصول إلى حل ينهي نزيف الدماء المستمر في سوريا، وأن يترك أمر الحسم في مصير الرئيس السوري بشار الأسد في نهاية المطاف إلى الشعب السوري، والنقطة الأخيرة هذه ربما تكون مربط الفرس في الصفحات الجديدة التي من المتوقع أن تفتح خلال الأسابيع المقبلة.

________________
ما بعد يبرود: هل تكرّ سبحة الانتصارات العسكرية سريعاً؟
علي عبادي


بين 5 حزيران/ يونيو 2013 تاريخ استعادة مدينة القصير و17 اذار/مارس 2014 تاريخ استعادة مدينة يبرود، محطات عديدة في الأزمة السورية تنقلت الجماعات المعارضة المسلحة خلالها من نكسة الى اخرى: فمن تسليمها بالعجز عن إسقاط النظام من دون تدخل عسكري أجنبي مباشر، الى إلقاء الملامة على الأطراف الدولية الداعمة لهم بعدم تقديم أسلحة "نوعية"، الى محاولات مستميتة لإحداث خروق متفرقة في الجبهات المختلفة في مطار منغ العسكري بريف حلب وريف اللاذقية الشمالي وبلدة مهين في حمص وصولاً الى الغوطة الشرقية. جاء توقيت استعادة يبرود مركز منطقة القلمون الاستراتيجية وبالسرعة والمهارة التي تمت بهما لتحدث شقاقاً بين الجماعات المسلحة بشأن تحديد من هو "الأب" لهذه الهزيمة المنكَرة، وقلقاً لدى الدوائر الإقليمية وفي مقدمها "اسرائيل" حول تداعيات هذه المعركة على الحسابات العسكرية في معادلة الصراع المفتوح وعلى مسار الأحداث في سوريا.

كان تحرير القصير نقطة تحول هامة في أحداث سوريا تسارعت بعدها محاولات التعويض في جبهات أخرى. لكن هذه المحاولات من حلب الى الساحل الى ريف دمشق وحمص وحماه لم يُكتب لها نجاح يذكر بل إن الجيش السوري تمكن من استعاد أغلب المواقع التي احتلتها المجاميع المسلحة، بل وحقق نقاطاً إضافية، كما في حال طريق خناصر- السفيرة وصولا الى شرقي حلب التي استأنف مطارُها الدولي رحلاته في الأيام الأخيرة.

لم تُرد الجماعات المسلحة والدول التي وراءها التسليم بمغزى هذا التحول، ظلت تسعى وراء مكسب ميداني تستثمره معنوياً وسياسياً، لكنها اضطرت لاحقاً الى الإقرار بأن لا حل عسكرياً لا سيما في أعقاب تراجع الولايات المتحدة عن التدخل العسكري في سوريا في ايلول/ سبتمبر الماضي. ونذكُرُ جميعاً الرهانات التي عقدت في الصيف الماضي، بدفع سعودي، على تحقيق إنجاز عسكري في حلب لحساب المعارضة، ثم في الغوطة الشرقية في الخريف الماضي لتهديد العاصمة مجدداً، ثم على جبهة درعا في الجنوب في الشتاء لاختراق الدفاعات حول دمشق. لكن هذه الرهانات جميعها أخفقت واضطر رُعاتها الى الانسحاب من المشهد السياسي بعدما تأكدوا من أن الوضع الميداني غير مُبشّر، في ضوء خيبة الأمل من أداء المعارضة وانقساماتها.

يبرود: الإنجاز النظيف والخاطف

تأتي معركة استعادة يبرود لتوجه ضربة أخرى الى أحلام كل المراهنين على تغيير الوضع العسكري سواء في محيط دمشق او في حمص او في اتجاههما. كان كمين العتيبة في الغوطة الشرقية الشهر الماضي إنذاراً صادماً لكل الإستعدادات التي قيل إنها تتم للتحرك من درعا في اتجاه العاصمة. ومعركة تحرير يبرود جاءت لتكمل الرسالة من واقع جغرافي صعب (تضاريس وجبال جرداء) ومناخ قاس شتاء وتحدٍّ عسكري  غير بسيط يتمثل في وجود آلاف المسلحين في مناطق سكنية وتحت الأنفاق عقدوا العزم- كما كانوا يقولون- على إفشال اختراق حصونهم وإيقاع كلفة بشرية عالية في الطرف المهاجِم. كل تلك الصعوبات تم تذليلها والتغلب عليها، وسقطت حصونهم في مدة قصيرة بأسرع مما تصور المسلحون، وبدون كلفة عالية على الطرف المهاجِم او خوض حرب شوارع كبيرة او حدوث تدمير واسع. ما السر في ذلك؟ ولماذا كانت معركة يبرود أسهل نسبياً من معركة القصير؟ وهل ستكون بداية تحولات دراماتيكية أسرع وأشد وقعاً من تلك التي شهدناها بعد معركة القصير؟

لا ريب في أنه، من طرف الجيش السوري وحزب الله، تمت الإستفادة من الخبرات المتراكمة ومن أهمها تجربة القصير التي تتسم بمنبسط من الأرض لكنه كثيف عمرانياً وحاشد تسليحياً، ووُضعت الخطط في يبرود على أساس تحقيق الهدف تدريجياً بعد عزل معاقل المسلحين الجبلية والقيام بعمليات نوعية اعتماداً على معلومات استخبارية تم جمعها بطرق شتى. وكان التوجه هو تضييق الخناق رويداً رويداً لدفع المسلحين الى الاستسلام او الانسحاب من أرض المعركة، من دون الاضطرار الى خوض معركة اقتحام سابقة لأوانها. أمكن من خلال عمليات اقتحام أولية إحداث ثغرة في دفاعات هذه الجماعات والنفاذ منها الى نقاط أخرى. لم يستطع المسلحون استيعاب تداعيات هذه العملية التي قُتل أثناءها عدد من قادتهم، فوقعوا في حال اضطراب مريعة، وبدأ فرار بعضهم ليثير موجة شائعات واتهامات متبادلة بالجبن والخيانة. وكرّت سُبحة الفرار و"الانسحاب التكتيكي" بصورة فوضوية لا مثيل لها، الأمر الذي أدى الى استعادة المدينة بكاملها.

كانت نتائج معركة يبرود صاعقة حتى لأكثر المتشائمين من قادة المعارضة المسلحة الذين توقعوا الصمود لبعض الوقت -على الأقل- ليتمكنوا من إشغال الطرف المهاجِم واستنزافه بكلفة عالية قبل وصول إمدادات من جهة ما أو الانسحاب الى مواقع أخرى عند الضرورة. ويعود تحقيق هذه النتيجة في الجانب العسكري الى تعزّز خبرة الجيش السوري، ومعه حزب الله، في معارك المدن واتباع تكتيكات متناسقة بهدف شلّ فاعلية الخصم الذي لم يتمكن لحدّ الآن من استيعاب عِبر المعارك السابقة وتقدير قوة الطرف المقابل. 


أهمية يبرود

يعود اهتمام الجيش السوري بمدينة يبرود الى انها باتت ملاذاً آمناً للجماعات المسلحة التي فرت من معارك سابقة في القصير وحمص وريف دمشق، ومنطلقاً لشن هجمات مؤذية على مناطق خلفية في بلدة معلولا ذات الآثار التاريخية الفريدة في ريف دمشق (حيث احتجزت الراهبات) وبلدة مهين بريف حمص ( حيث مستودعات سلاح رئيسة للجيش) ومناطق أخرى تطل على طريق حمص- دمشق. ولا ننسى ان موقع القلمون يمثل ثقلاً جغرافياً هاماً وعقدة مواصلات تربط ريف حمص بريف دمشق وصولا الى الاراضي اللبنانية المصدر الهام للتسلح والتمويل والإرتباط، وكانت توجد في هذه المنطقة مخازن سلاح للجيش وضع المسلحون أيديهم عليها قبل أكثر من عام. كما تمثل القلمون أهمية خاصة للجيش السوري بسبب إطلالتها على طريق دمشق – حمص الدولي الذي تتيح السيطرة عليه تأمين الإمدادات لقواته في العاصمة وريفها، كما تمنع المسلحين من إيصال الإمداد لقواتهم في ريف دمشق.

وتفيد استعادة القلمون، وصولاً الى إغلاق منافذ التهريب عند الحدود اللبنانية، في تأمين العاصمة بشكل أفضل، حتى لو بقيت جيوب مسلحة في ريف دمشق. وباستطاعة القوات المسلحة السورية في المرحلة التالية التركيز- وفق الأولويات التي تحددها- على الجبهة الوسطى في حمص وحماه ، والجبهة الشمالية في حلب وإدلب، والجبهة الجنوبية في درعا والقنيطرة.

أما حزب الله فيعود اهتمامه بمنطقة القلمون الى كونها تمثل قاعدة للجماعات المسلحة المتطرفة التي باتت تتحكم بمسار الوضع فيها وتطلق تهديدات جدية باتجاه لبنان، وترسل منها باتجاهه السيارات المفخخة. وينظر حزب الله باهتمام خاص الى أي محاولة من هذه الجماعات للسيطرة على طريق دمشق- بيروت أو المناطق التي تقع في الفناء الخلفي لقواعد المقاومة، بما يهدد بيئتها الاستراتيجية او طرق إمدادها. وسبق أن حدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في شهر ايار/مايو 2013 الغاية من القتال في سوريا بـ "تحصين المقاومة وحماية ظهرها وتحصين لبنان وحماية ظهره"، مشدداً على ان "سورية هي ظهر المقاومة وسندها والمقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي ازاء كسر ظهرها".

وتضيف معركة يبرود نقاطاً الى رصيد حزب الله الذي يعزز حضوره وإمكاناته وينظر العدو الاسرائيلي الى تمركزه في سلسلة جبال لبنان الشرقية وما بعدها على أنه يصعّب على جيشه حصر رقعة المواجهة في أية حرب مقبلة. وبعد الانفجار الأخير بموكب عسكري اسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة، اتسم موقف العدو بالحذر الشديد لأنه يدرك أن حزب الله، مدعوماً من سوريا، بمقدوره النيل من الجيش الاسرائيلي انطلاقاً من نقاط جديدة لم تكن متوفرة له من قبل.

نكسات وتخبط 

التطورات الأخيرة تثبت أن اليد العليا في الميدان هي للجيش السوري، وأن الجماعات المسلحة تُراكمُ الهزائم وتبحث عن تبريرات لإقناع مؤيديها بأن ما جرى ليس أكثر من "نكسة"، بل إن بعضهم ذهب الى انه "إنجاز" في القدرة على الصمود لفترة طويلة و"تنظيم" انسحاب المدنيين والمقاتلين من المدينة! مُغْفلاً كل الأساطير والتهديدات بعظائم الأمور التي نُسجت قبيل استعادتها من قبل الجيش (لاحظ مدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" المعارض رامي عبد الرحمن لجريدة "النهار" اللبنانية ان "المؤشرات كانت واضحة منذ وصول القوات المهاجمة الى تخوم يبرود بأن المدينة ستسقط، لكن ليس بهذه السرعة، مستغرباً كيف ان بعض قيادات جبهة النصرة مصرّة على نفي سقوط يبرود برغم البث المباشر من هناك). وهذه مفارقة تستحق التوقف لأنها تشير الى ان العقلية التي لا تزال تسيّر المعارضة المسلحة تقوم على الإعتقاد بأن في وسعها قلب المعادلة وإسقاط النظام، وهذا ما يطيل عمر الأزمة ويزيد من الخسائر.

إفتقاد هذه المعارضة الى الحسابات العقلانية يقودها من هزيمة الى أخرى، والإنفصالُ عن الواقع يدفعها الى ادعاء القدرة على اجتراح المعجزات بسلطان "إلهي" هذه المرة. هكذا يصبح الله قيد إشارة المقاتلين الذين يدعونه عبر مواقع التواصل الإجتماعي طلباً لعجائب فلا يُستجاب لهم، من دون أن يبحثوا عن الأسباب؛ لقد أوهموا أنفسهم إبان معركة القصير - استنادا الى فهم خاطئ للدين وللأسباب الطبيعية - بأنهم سينتصرون فيها لا محالة ولن تقوى أي قوة على طردهم من القصير، وظل هذا الإعتقاد يساورهم الى الأيام القليلة الأخيرة من المعركة. وقبيل معركة يبرود أعادوا نسج الأسطورة ذاتها، فاعتقدوا أنها ستكون "مقبرة" للجيش السوري وحزب الله، لكنهم ولّوا الأدبار عندما حمي الوطيس. كيف تفسر المعارضة المسلحة هذه التراجعات؟ بالتأكيد ستجد – كما حصل بعد معركة القصير- جُملاً إلتفافية تقول إنها كانت مجرد معركة ومجرد "ابتلاء"، كما عبّر أحدهم من بعيد وهو يزيّنُ للمتراجعين استمرارهم في هذا المسلسل الانتحاري الذي يذهب بالكثير من الأرواح.

برغم ذلك كله، يمثل أي انتصار عسكري للجيش السوري تقدماً مضطرداً لمنطق الدولة وتراجعاً لطروحات الجماعات المسلحة التي تواجه تحدياً صعباً في إقناع حاضنتها الشعبية بجدوى خياراتها الجذرية، وفي إقناع الكثير ممن حملوا السلاح- اعتقاداً منهم بأن النظام سيسقط قريباً- في البقاء على هذا المسار. وقد لاحظنا ارتفاعاً في نسبة الشباب الذين يقومون بتسوية أوضاعهم ونشاطاً في تحرك المصالحات في العديد من المناطق. بهذا المعنى، فإن العمل العسكري يؤتي ثماراً إيجابية في اتجاه إعادة سوريا الى المسار الطبيعي، على أن يكون مرفقاً بمعالجات سياسية واجتماعية استثنائية للعبور الى بر الأمان.

التأسيس لانتصارات جديدة

ما بعد يبرود ليس كما قبلها. مرحلة يُتوقع أن تنفتح على تطورات عسكرية قد تتكثف فيها المواجهات بهدف إبعاد سطوة المجموعات المسلحة عن منشآت حيوية وطرقات رئيسية وتأمين تواصل قطعات القوات المسلحة واستعادة ثقة المواطن بالدولة والتمهيد لإنجازات جديدة تقف فيها القيادة السورية على أرضية أكثر ثباتاً، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبتّ في مستقبل مفاوضات جنيف. واذا كانت معركة استعادة القصير أضعفت الرهان على إسقاط النظام، فإن معركة استعادة يبرود من شأنها أن تقطع الشك باليقين وتؤسس لتراجع بعض الجماعات والأفراد عن حمل السلاح طريقاً للمعارضة، خاصة بعدما تأكد أن هذا السبيل كان مؤلماً ومكلفاً لسوريا وشعبها ووَضَعهما على حافة الإنزلاق الى التجزئة والإرتهان لقوى كبرى تتربص بالبلاد. وتبقى المشكلة الأساسية مع الجماعات العقائدية المتطرفة او تلك المرتبطة بمحاور اقليمية ودولية تريد لها الاستمرار في المواجهة حالياً بانتظار أمر ما.

وهناك معطى دولي جديد قد يساعد مهمة القيادة السورية في استعادة المناطق الخارجة عن السيطرة، ويتمثل هذا المعطى في الإنشغال الدولي بأزمة أوكرانيا والتي زادت من التباعد بين روسيا والمعسكر الغربي. وهذه الأزمة مرشحة لكي تمتد زمنياً ولا يبعد أن يمارس كلا الطرفين فيها أقصى ضغوطه على الآخر. وفي حين يأمل بعض المعارضين أن تضعف شوكة روسيا او ان توافق على تقديم تنازلات في سوريا لحفظ مصالحها في القرم، فإن ذلك لا يعدو أن يكون أملاً ورهاناً يضاف الى ما سبقه من آمال ورهانات، خاصة ان الأزمة في اوكرانيا ليست عابرة وهي تختصر معركة نفوذ مريرة بين روسيا واميركا على أبواب اوروبا بما يعيد أجواء الحرب الباردة. وفي وسع القيادة السورية ان توظف الهامش الزمني المتاح أمامها لفرض وقائع جديدة على الأرض  تصب في مصلحة إنهاء او تقليص الأخطار التي تعيشها سوريا وتخفيف معاناة شعبها.


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.