‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشرق الأوسط. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشرق الأوسط. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 18 يناير 2017

الشيخ البشير “الصندوق الأسود” للمعارضة السورية لماذا قرر الحديث الآن وكشف المستور وفضح العديد من الاسرار والشخصيات القيادية؟ وهل سيكون “شاهد ملك” امام محاكمات “الإرهاب” الدولية مستقبلا للمتورطين والداعمين؟

    يناير 18, 2017   No comments

في بدايات “الازمة” السورية عام 2011، كان انشقاق الجنرالات والسفراء والمسؤولين عن السلطة السورية الحدث الأكبر الذي يحتل صدارة اهتمامات الفضائيات العربية الخليجية، على وجه الخصوص التي تدعم دولها المعارضة السورية، وتستعجل سقوط النظام في دمشق، وتبشر بحتمية هذا السقوط، لكن يبدو، وبعد ست سنوات، اننا نشهد حاليا ظاهرة انشقاق معاكسة، عن فصائل المعارضة وهيئاتها هذه المرة.
من تابع اللقاء الذي أجرته قناة “الميادين” الفضائية مساء امس مع السيد نواف البشير المعارض السوري “السابق”، وشيخ قبيلة البقارة السورية (تعدادها اكثر من مليون شخص)، الذي تحدث فيه بـ”اريحية” عن اسباب انشقاقه، وعودته الى حضن النظام عبر البوابة الإيرانية، لا بد يتفق معنا في هذا الاستنتاج.
الشيخ البشير، كان بمثابة “الصندوق الأسود” الذي يحتوي على الكثير من اسرار المعارضة السورية واتصالاتها وتحالفاتها وتمويلاتها، نظرا لتجربته في معارضة المنفى التي تعود الى اكثر من ست سنوات، وما كشف عنه في هذه المقابلة من رشاوى واختلاسات وفساد، ربما يكون قمة جبل الثلج.
ابرز ما كشفه الشيخ البشير اقدام بعض قيادات المعارضة على زيارات سرية متعددة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وحرصه ان يوضح انه لا يتحدث عن الزيارات العلنية التي قام بها اشخاص مثل كمال اللبواني ومحمد المصري، وانما عن آخرين ابقوا زياراتهم ولقاءاتهم مع المسؤولين الاسرائيليين طي الكتمان، كما كشف عن اختلاس قيادي معارض حوالي 116 مليون دولار هرب الى دولة عربية واسس حزبا، بينما حصل آخر على مطبعة لطبع الجوازات السورية المزورة لتسهيل وصول متطرفين الى عواصم أوروبية.
ولعل اخطر ما كشفه الشيخ البشير، هو الحديث عن مبالغ قدمتها دول عربية لدعم جماعات مصنفة على قائمة “الإرهاب” الأممية والدولية، مما قد يعرضها لملاحقات قانونية على درجة كبيرة من الخطورة، علاوة على الكلفة المالية والسياسية، اذا ما تقرر في “يوم ما” فتح هذا الملف.
تختلف الآراء حول أسباب انشقاق الرجل، فمعارضوه يقولون انه وبعد ست سنوات من التهميش السياسي، وعدم تحقيق مطالبه المالية وجد الرجل نفسه وحيدا مفلسا في تركيا، فقرر العودة الى مظلة النظام في دمشق عبر البوابة الايرانية، اما الذين يدافعون عنه فيؤكدون ان معارضته للنظام بدأت عام 2005، أي قبل الثورة السورية بستة أعوام، عندما انضوى في صفوف ما سمي في حينها حركة “اعلان دمشق”، حينما لم تكن هناك كعكة مالية خليجية يريد نصيبه منها.
ليس دورنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان نرجح كفة هذا المعسكر او ذاك في هذه المسألة، وانما دورنا هو التوقف عند هذه الظاهرة والتبصر بتداعياتها القانونية والسياسية في محاولة لقراءة المستقبل، مستقبل المعارضة والدول الداعمة لها على وجه الخصوص.
الشيخ البشير او “صندوق المعارضة” الأسود، ربما يتحول، في المستقبل القريب، الى “شاهد ملك” في حال فتح الملفات امام محاكم دولية يقف امامها المتهمون بالإرهاب ودعمه، لان ما قاله، اذا ما تأكدت صحته، يمثل وثائق على درجة كبيرة من الأهمية في هذا المضمار.
اما المسألة الأخرى اللافتة في حديثه المتلفز بالصوت والصورة، فهو ما كشف عنه حول وجود العديد من الشخصيات المعارضة التي تستعد للعودة الى دمشق لتسوية أوضاعها السياسية والقانونية، ونحن لا نستغرب ذلك، في ظل “مراجعات” اجراها كثيرون في هذا الصدد، أمثال معاذ الخطيب، واحمد الجربا، والعميد مصطفى الشيخ، قائد الجناح العسكري الأسبق للجيش السوري الحر الذي اصدر حكم بالاعدام في حقه، لانه أشاد بالتدخل العسكري الروسي في سورية، ويتواجد حاليا في موسكو.
كشف المستور جاء مبكرا، وبطريقة مفاجئة، واسرع مما توقعه الكثيرون، وربما نكون امام الفصل الأول من فصول عديدة أخرى وما علينا الا الانتظار.
____________

“راي اليوم”

الاثنين، 9 يناير 2017

فرنسا التي تغيّرها كلمة حق في حلب: زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سوريا

    يناير 09, 2017   No comments
قاسم عزالدين *

في مثل هذا المناخ الملوّث بالسموم لا ريب أن شهادات الوفد الفرنسي في سوريا وحلب تشير إلى هزّة عنيفة تخبط في السردية الرسمية خبط عشواء، أقلّها كما بدأت تسري في تعليقات بعض الجنرالات الديغوليين المتقاعدين الذين يتحمسون للإفصاح عن تشابك المصالح الإقليمية والدولية في الحرب على سوريا والمنطقة.

زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد، بدأت تداعياتها تتفاعل في خرق التضليل الإعلامي الفرنسي، وفي تلعثم خطاب الطبقة السياسية أمام شهادات الوفد في سوريا ولا سيما في حلب. فما ينقله رئيس الوفد تييري مارياني في مقابلاته مع الإذاعات الفرنسية من سوريا، يقع كالصاعقة على رؤوس في فرنسا محشوّة بالأضاليل المتعمّدة حتى انتفاخها بالأوبئة. لكن هذا التورّم الفاقع قد يكون سبباً في فرقعتها بوخزة دبوس حملته جملة واحدة على لسان مارياني ربما وردت عن عفو خاطر.

يقول مارياني نائب الفرنسيين في العالم من حلب: "لم يتعرّض سكان المدينة إلى الإبادة الجماعية كما تتداولون، ولم يتهدّم من مباني المدينة أكثر من 15% بينما لم يتعرّض حوالي 65% للضرر". وهذه الجملة المختصرة تقضّ الخطاب الرسمي الفرنسي الأكثر توتراً من أي بلد أوروبي آخر حيث لا يحتمل تحجّره ضربة مطرقة على رأس هرم الأكاذيب التي بلغت الذروة في كثافة دموع التمثيل المسرحي لنعي حلب. فسردية الدراما الجنائزية في الندب الفضائحي تملّقاً، منتشرة بين "الناشطين" من كل حدب وصوب وهي أشبه برقصة "هستيرية" كمن أصابه المسّ. ولعلّها المرّة الأولى التي يشعر فيها المرؤ القادم من بلاد الشام إلى باريس أنه في وسط حلقة دراويش عليه أن يترنّح على نغمات قرع طبولهم أو يترك الحلبة. وفي العادة كان القادم محط ترحاب للاستفسار والحوار في شؤون معقّدة، لكن المرّة هذه انقلبت العادات وبات القادم محط تحقيق استفزازي للإجابة بنعم أو لا بين تأييد الثورة أم تأييد إيران وموسكو وبشار الأسد في تدمير حلب وإبادة سكانها. وعبثاً تحاول أن تستنطق بعض الجهابذة بشأن مخيالهم لما يتصوّرون، فكل منهم يتخيّل أنه يأخذ معرفته الحقّة عن هذا "الناشط الكبير" في ندوات باريس أو ذاك، ويحفظ عن ظهر قلب عشرات المقالات الصحافية والصور التلفزيونية وغيرها. وفي مثل هذا المناخ الملوّث بالسموم لا ريب أن شهادات الوفد الفرنسي في سوريا وحلب تشير إلى هزّة عنيفة تخبط في السردية الرسمية خبط عشواء، أقلّها كما بدأت تسري في تعليقات بعض الجنرالات الديغوليين المتقاعدين الذين يتحمسون للإفصاح عن تشابك المصالح الإقليمية والدولية في الحرب على سوريا والمنطقة.

كبار الموظفين العرب في الهيئات الدبلوماسية والثقافية الغربية والعربية، يجدّون السعي في ترويج ادعاءات السردية الرسمية، وبعضهم يتمتع بصدقية قديمة في أوساط الناشطين على خلفية مناصرة السلطة الفلسطينية. والبعض الآخر جلّه من أصول لبنانية يطمح إلى دور مميّز في الاستشراق الجديد الذي تهتم به الدبلوماسية الغربية بتنشأته في الجامعات ومراكز الأبحاث. لكن الإعلام هو رأس الحربة في حرب ضروس لا تقتصر على الكذب والتضليل، بل تتعداها إلى الإرهاب الفكري وهدر دم الصحافيين المستقلين الذين يحاولون بإمكانيات متواضعة نقل بعض الحقيقة. فالصحافي البلجيكي ــ الفرنسي "ميشال كولون" على سبيل المثال يتعرّض إلى حملة إعلامية شخصية تخوضها ضد موقعه كبريات وسائل الإعلام الفرنسية مثل فرنس أنتر ولوموند وليبراسيون ولوبوان أو مجلة لونوفيل أوبسرفاتور وغيره. وهي تسعى بكل ما تملك إلى تحطيم موقعه "أنفستيج أكسيون" الذي يموّله القراء برموش العيون منذ عام 2004، لأن القراءة المغايرة للسردية السائدة كالنار تحت الرماد لا تلبث أن تحرق الأكاذيب في جفافها. وقد تكون بوادر زيادة قرّاء الموقع ومشاركيه كلما اشتدّت الحملة، إشارة في السياق الذي تنقلب فيه صفحة سوداء.

مثل "ميشال كولون" يتعرّض عالم الفيزياء ــ الفيلسوف "جان بريكمون" إلى حرب نفسية مشابهة تستهدف تشويه عضويته في الأكايمية الملكية البلجيكية للعلوم وإسكات موقعه "بلوغ رزيستانس" الداعم للمقاومة في لبنان في مواجهة إسرائيل وداعش" و"النصرة".

ولعل أكثر ما يفصح عن هشاشة سردية الخطاب الإعلامي والسياسي السائد في فرنسا على الرغم من عنجهيته العارية، هو عدم قدرته على هضم مقالة مغايرة كما حذف موقع "ميديابار" مقال الكاتب "برينو غويغ" (متعاون مع موقع الميادين نت) بعد ساعات على نشرها. فالموقع منظّم منذ 2008 بشكل يمكن أن يكتب فيه المشتركون الذين يدفعون اشتراكاتهم، وهو يضم 118 ألف مشترك كونه يزعم الانفتاح على تعدد الآراء والحرص على الاستقلالية عن الطبقة السياسة. لكن هيئة التحرير حذفت مقال برينو عن حلب على وجه السرعة ووضعت مكانها مقالة فاروق مردم بك أحد العالمين بتفاصيل مخيلته عن المريخ. ولا ضير فعلى الأرجح أن تذهب معظم هذه الجهود الهائلة سدىً تحت ثقل متغيرات كرّستها حلب على الأرض قبل أن تظهر على الألسن والرؤوس. ففرنسا تتغيّر بهدء لكن بثبات. حتى أن المنافسين على الرئاسة في الانتخابات التمهيدية "بينوا هامون وآرنو مونتبورغ" يوجهان نقداً لاذعاً لسياسة فرنسوا هولاند الخارجية ولوزير خارجيته لوران فابيوس. والتغيير الأكثر وضوحاً وصراحة هو ما يعبّر عنه "برينو لو مار" الذي كان منافساً لفرنسوا فيّون على الترشح للرئاسة/ إذ يقول "يجب علينا العودة إلى سوريا لمواجهة الإرهاب والمشاركة في الحل السياسي مع الرئيس الأسد، قبل أن تضعنا روسيا والصين والولايات المتحدة خارج اللعة وخارج ملعب الشرق الأوسط.

ضحايا التشويه الإعلامي بشأن ما يجري في حلب، بحسب تعبير مارياني، يحتاجون إلى ضوء شمعة وشعاع من الحقيقة، وفق جان لاسال، ونيكولا ذويك العضوين في الوفد البرلماني، إلى جانب منظمات مدنية وهيئات مسيحية. لكن بضوء شمعة أو من دونها تتغيّر الأرض ولا بد أن تتغيّر بعدها الأفكار والمقاربات في الرؤوس فدوام الحال من المحال.
_____________
 * قاسم عزالدين
أكاديمي وباحث، حائز على دبلوم في الدراسات الأنتروبولوجية المعمّقة من جامعة السوربون في باريس، وشهادة من معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس. يكتب في العديد من الصحف والدوريات في الشؤون الدولية واستراتيجيات البدائل.

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

رجب طيب اردوغان يجمع الوقاحة والكبرياء والإستعلاء والدهاء... طوبى لمن أراد رجلا بهذه الصفات صديقا وناطقا باسمهم

    أكتوبر 17, 2016   No comments
مقدمتنا: رجب طيب اردوغان يجمع الوقاحة والكبرياء والإستعلاء والدهاء... طوبى لمن أراد رجلا بهذه الصفات صديقا وناطقا باسمهم.
_______________________
 
سامي كليب


نشأته مثيلا لما قاله قبل يومين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لنظيره العراقي حيدر العبادي. بلغ الذل العربي مرحلة يستطيع فيها سليل السلطنة العثمانية مخاطبة رئيس وزراء دولة عريقة بحضارتها وتاريخها كالعراق بالقول: «إن صراخك يا سيد عبادي ليس مهمّاً بالنّسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولاً».. أما الرد العراقي الرسمي فكان أبيخ من أن يُذكر، وذكّرنا بشكاوى العرب ونحيبهم أمام مجلس الأمن ضد إسرائيل.
في الجانب القانوني، ما قاله اردوغان خرق فاضح لسيادة دولة مفترض انها مستقلة (حتى ولو أنها مشرّعة لكثير من الدول الإقليمية والدولية). وفي الجانب الأخلاقي هذه وقاحة. وفي الجانب السياسي والديبلوماسي، فان كلامه لا يدخل مطلقا في أصول المخاطبات. اما في الجانب المذهبي، فهذا جوهر الكارثة التي تحرق الوطن العربي من رأسه حتى أخمص قدميه. يريد اردوغان بكل بساطة ان يقول للعبادي، لن اسمح لك بان تُسكن الحشد الشعبي (ذا الغالبية الشيعية) مكان سنة الموصل. ليس في الأمر اذاً محاولة ابداء الحرص على السنة العرب والتركمان والكرد فقط وإنما فيه شيء من أحلام التاريخ حيث كانت الموصل جزءا من السلطنة العثمانية. هنا لا شك أن اردوغان يدغدغ مشاعر قسم لا بأس به من العراقيين تماما كما كان حاله في سوريا ومصر وغيرهما، فثمة من يرى فيه حاميا للسنة مقابل حماية ايران للشيعة. وهذه مصيبة. فكيف لا يسأل اردوغان: «هل يمكن تفريق غازي عنتاب عن حلب، وسيرت عن الموصل..؟».
العقل الاردوغاني لن يتغير. لنعد قليلا الى جوهر موقفه مثلا حيال سوريا. يقول:
يسألوننا عن أسباب انشغالنا بسوريا. الجواب بسيط للغاية، لأننا بلد تأسس على بقية الدولة العليَّة العثمانية. نحن أحفاد السلاجقة. نحن أحفاد العثمانيين.
هذا ما قاله مرارا أيضا احمد داوود اوغلو رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب العدالة والتنمية سابقا ومنظّر السياسة الخارجية التي اختصرها في كتابه المهم «العمق الاستراتيجي». قال اوغلو قبل ان يُلقي عليه اردوغان كل مصائبه ويُبعده:
إن «شرقًا أوسط جديدًا يولد في المنطقة، وفكر هذا الشرق الجديد سترسمه تركيا التي ستقوده إلى التغيير».
وها هو اردوغان يقول في نهاية الشهر الماضي إن معاهدة لوزان لعام ١٩٢٠ هزيمة وليست نصرا. ما يعني ان الرجل مهجوس فعلا بإعادة مناطق عربية او يونانية وغيرها الى السلطنة الجديدة. يبدو ان ضم أراضٍ جديدة هو شروط أساسية لترسيخ عهد أي سلطان، تماما كما ان التواجد في واحدة من المدن الثلاث بغداد ودمشق ومكة هو شرط لترسيخ أي خلافة عبر التاريخ.
اصطدم المشروع التركي بالانقلاب العسكري المصري على الاخوان المسلمين واطاحتهم من الحكم. واصطدم بصمود الجيش السوري ودخول «حزب الله» وإيران ثم روسيا على خط الحرب. واصطدم بخذلان حلفائه في الأطلسي وبتحول الحرب السورية الى ساحة صراع روسي أميركي. وأخيرا شعر بأن الفخ الكردي في الشمال السوري أكبر من أن يتحمل استمرار السياسة التركية على حالها. طوى الصفحة وذهب لعند الرئيس فلاديمير بوتين يطلب العون، ووجد روسيا أيضا بحاجة اليه في ملفات أمنية وسياسية واقتصادية ونفطية كثيرة.
لم يتخَلَّ أردوغان عن أحلامه في سوريا وحلب. لا يزال يجاهر بموقفه المطالب برحيل الرئيس الأسد، ولا يزال يراهن على تغيير بعض قواعد اللعبة عبر جمع مجموعات مسلحة في اطار واحد بالتنسيق مع بعض الدول الخليجية خصوصا في الريف الحلبي. لكنه مضطر لتغيير بعض الاتجاهات موقتا بسبب التقارب مع روسيا والهم الكردي. لا بد إذاً من مكان آخر وساحة أفضل في المرحلة الحالية. لعله يجد في العراق خير الساحات. علاقته بكرد الشمال ممتازة سياسة وأمناً ونفطاً، خصوصا مع مسعود برزاني. هو قادر على اختراق الأراضي العراقية لضرب حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا يقدم نفسه مجددا كقائد سني يغري جزءا من العرب بشعاره حماية سنة الموصل ومنع ايران من توسيع دورها. ألم يكن لافتا انه بعد تحقيره العبادي، سارع مجلس التعاون الخليجي لفرش السجاد الأحمر لوزير الخارجية التركي؟
قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم قبل أيام: «لا تَمَسّوا سكان الموصل الأصليين. ان الموصل للموصليين. يجب عدم تغيير ديمغرافية الموصل عبر جلب مدنيين من خارجها وتوطينهم فيها». كذلك فعل اردوغان بحديثه عن سبب بقاء جيشه في «بعشيقة»، مشيرا الى الحرص على «السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد».
قد يفهم المرء ان الرئيس التركي يريد وقف التقدم الشيعي الايراني في العراق. فبعض المتطرفين الايرانيين عبّروا هم أيضا عن أحلام توسعية حين صار بعضهم يتحدث عن السيطرة على ٤ عواصم عربية وغير ذلك من الكلام الاستعلائي. لكن هل في الأمر فعلا حرص على السنة ضد «تمدد» شيعة ايران وشيعة العراق عبر الحشد الشعبي وغيره؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الصراع السياسي المرير بين تركيا اردوغان ومصر عبد الفتاح السيسي منذ اطاحة الاخوان؟ وماذا فعل الموقف التركي فعليا للسنة في غزة المحاصرة والمدمّرة غير الكلام؟ لا بل ماذا فعل حين حوصرت وسحقت وقتلت مناطق سنية بكاملها في سوريا والعراق وليبيا وغيرها؟
الواضح ان الهدف التركي لا يختلف عن الهدف الاميركي ـ الخليجي في الموصل. يراد قطع الطريق على أي صلة وصل بين إيران وسوريا عبر العراق، كما يراد دفع مسلحي «داعش» وغيرهم من الأراضي العراقية صوب سوريا لاستكمال استنزاف روسيا وايران والجيش السوري و«حزب الله». ويراد كذلك إعادة رسم التوازنات المذهبية في العراق حتى لو رسخ ذلك احتمالات التقسيم التي تخدم إسرائيل قبل غيرها.
لكن هل يُلام فعلا اردوغان، ام يُلام قادة هذا النظام العربي المترنح في فِخَاخِ الفتن والاقتتال وأوهام الانتصارت على بعضهم البعض. فماذا فعلوا هم لغزة او اليمن او سوريا او ليبيا او حتى للصومال الجائع؟
لنتذكّر قليلا: قبل ساعات من غزو أميركا وبريطانيا للعراق وإعدام الرئيس صدام حسين، جرى الحوار التالي بين غوندوليسا رايس والأمير بندر بن سلطان، نقله حرفيا الكاتب الأميركي الشهير بوب ودوورد في كتابه «خطة الهجوم»:
قالت رايس وهي الصريحة والمرحة عادة (على حد تعبير ودوورد): «احبس أنفاسك، إننا مقتحمون، لا أحد يعرف ما سيحدث في نحو ٤٥ دقيقة، كيف سيتغير العالم».
سأل بندر: «أين هو الرئيس؟».
رايس: إنه يتناول طعام العشاء في هذا الوقت بالذات مع السيدة الأولى، وبعد العشاء قرر أنه راغب في أن يكون وحده».
بندر: «قولي له إنه سيكون في دعائنا وقلوبنا، فليباركنا الله جميعا»؛ أي ليباركه الله في المشاركة بتدمير واحد من أعرق وأكبر الدول العربية. ممتاز.
ثم اتصل الأمير بندر بولي العهد السعودي الأمير عبدالله، قائلا بالشيفرة حول قرب وقوع الغزو: «تقول النشرة الجوية الليلة إن مطرا غزيرا سيهطل على الروضة».
رد ولي العهد: «يا إلهي، سمعتك، سمعتك، هل أنت متأكد؟»
الأمير بندر: «نعم انا متأكد جدا، إن لدى الأميركيين قدرات عظيمة، أقماراً صناعية ومما اليها للتنبؤ بأحوال الجو».
من فعل هذا بشعبه، تخيل ما يمكن ان يفعله بالآخرين؟

لم تكن السعودية وحدها راغبة بتدمير نظام صدام حسين الذي ارتكب حماقة احتلال الكويت وهدد وتوعد دولا خليجية بعد انتهاء الحرب مع ايران. كانت أنظمة عربية كثيرة تريد ذلك وتعمل على ذلك وتساهم في ذلك. يجب ان نعترف بانه لولا التآمر العربي لما أعدم صدام (وبقي مرفوع الرأس في لحظة الإعدام)، ولولا التآمر العربي لما دُمِّر العراق ولما قُتل القذافي ودمرت ليبيا. ولولا التآمر العربي لما استشهد ياسر عرفات بطلا بالسم الإسرائيلي بعدما ساهم العرب ووهم السلام في عزله بمقاطعة العز في فلسطين، ولولا التآمر العربي لما غرقت سوريا وليبيا بالتدمير الممنهج بغض النظر عن أخطاء هذا الطرف او ذاك.
لا يلام اردوغان إذاً على طموحه بعد ان ساهم العرب بقتل بعضهم البعض. نكاد نقول اذاً: «برافو على اردوغان». هو يحاول إعادة المجد الى دولته. حقه ان يحلم ويعمل لحلمه. نقول أيضا إن إيران لا تلام على توسيع دورها، حقها ان توسّعه طالما ان العرب قرروا إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بالذل. اما الذي يُلام فهو هذا النظام العربي المهترئ الذي شرّع الأبواب لكل الغزاة. فكيف لا يقول رئيسٌ تركي لرئيس حكومة إحدى كبرى الدول العربية: «إلزم حدودك». هو يدرك انه من خلاله يقول لكل عربي: «إلزم حدودك» بغض النظر عما إذا كان هذا العربي شيعيا او سنيا او مسيحيا... انه من فتح كل الأبواب وشرعها لكل غازٍ وحالم.
يبدو بعد مرحلة تدمير الدول المركزية، ومن خلال الاشتباك التركي العراقي و«التلطيشات» التركية لإيران والادبيات الإسرائيلية الأخيرة، أن ثمة وقتا قد حان ربما لرسم خرائط ما بعد الدمار. يريد التركي ان يكون له نصيب ان لم يكن في سوريا فلا بأس في العراق.

متى يصحو العرب؟ او على الأقل: متى يوقفون التآمر على بعضهم البعض؟

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

انتخابات تركيا: الجميع في خدمة أردوغان... أردوغان، الفوز المشروط والإنتصار الممنوع... الانتخابات التركية: عودة إلى المربع الصفر

    نوفمبر 03, 2015   No comments
حسني محلي

بات الإخوان المسلمون، بكل تياراتهم وأجنحتهم السياسية والمسلحة، يرون في رجب طيب أردوغان زعيماً سياسياً وعقائدياً وعسكرياً، شأن السلطان سليم الأول الذي غزا سوريا في 1516، ودخل القاهرة في 1517، ليعود منها خليفة للمسلمين، بعد حملته على إيران الصفوية عام 1514

هنّأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو على انتصار حزبهما الكبير في الانتخابات التشريعية قبل يومين، «مغرّداً» عبر «تويتر» أنهما سيبقيان في السلطة حتى عام 2023، أي عام الاحتفال بالذكرى المئوية لقيام الجمهورية العلمانية الأتاتوركية.

وأحيت نتيجة الانتخابات حلم أردوغان بإعادة صياغة الجمهورية التي يعرف الجميع، منذ أن تسلّم زعيم حزب العدالة والتنمية السلطة في تشرين الثاني 2002، أنه ضدها عقائدياً وسياسياً. وسيسمح النجاح الانتخابي لأردوغان بأن يتخذ كل الإجراءات لضمان إعادة انتخابه رئيساً في صيف 2019، وبالتالي تكرار فوز «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني 2019 أيضاً. ويُحتمل أن ينجح أردوغان مباشرة في تغيير نظام الحكم في تركيا إلى رئاسي، وهو يحتاج لذلك إلى 13 مقعداً إضافياً فقط في البرلمان، بعدما حصل حزبه على 317 مقعداً، أي أقل بـ١٣ مقعداً من النصاب الدستوري المطلوب للدعوة إلى استفتاء شعبي مباشر حول تعديل الدستور.
ومن المتوقع أن ينجح أردوغان في تفجير صراعات داخلية في حزب الحركة القومية، بغية استقطاب 13 من نواب الحزب الذي يعيش صدمة حقيقية بعد تراجع مقاعده البرلمانية من 80 في حزيران الماضي إلى 40 مقعداً، بسبب السياسات الغريبة لزعيم الحزب، دولت بهجلي، الذي رفض الائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بحجة علاقته بحزب الشعوب الديمقراطي، اليساري وذي الغالبية الكردية. كذلك رفض بهجلي الائتلاف مع «العدالة والتنمية»، بحجة أن الأخير غير جاد في حربه ضد حزب العمال الكردستاني. وكانت هذه المواقف كافية لدفع عدد كبير من مناصري «الحركة القومية» إلى التصويت «للعدالة والتنمية»، بعدما حمّلوا بهجلي مسؤولية عدم الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي الاقتصادي.

كذلك حمّل عدد كبير من الذين صوّتوا لحزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات حزيران الماضي قيادات هذا الحزب، ومن ورائهم حزب العمال الكردستاني، مسؤولية التصعيد الأمني، فذهبوا إلى التصويت «للعدالة والتنمية»، على أمل عودة الاستقرار الأمني والاقتصادي. وفشل قادة «الشعوب الديمقراطي» و»الشعب الجمهوري» في دحض خطاب الثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو، خاصة بعدما تم تعويق وصولهم إلى الناخبين، إن كان عبر محطات التلفزيون التي كانت تبثّ خطابات الثنائي المذكور بمعدل 20 و30 ضعفاً أكثر عن خطابات قادة «الشعب الجمهوري» و»الشعوب الديمقراطي»، أو عبر الاتصال المباشر، حيث اضطر قادة هذين الحزبين إلى إلغاء تجمعاتهم الانتخابية في عموم البلاد، بسبب التهديدات الأمنية «الارهابية». كذلك استغربت غالبية أنصار الحزبين قبولهما المشاركة في الانتخابات، رغم قولهما إنها غير ديمقراطية وغير عادلة.
وكان «الإرهاب» وسيلة أردوغان الأفعل «لإقناع» الناخبين. فالهجومان الانتحاريان في مدينة سروج في 20 تموز الماضي، وفي أنقرة في 10 تشرين الأول الماضي، كانا من صنع عناصر «الدولة الإسلامية»، الذين غضّ الأمن التركي نظره عن جميع نشاطاتهم، حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت التفجيرات. وتحدث مراقبون عن «غرابة» الهجوم الذي استهدف عنصرين أمنيين في مدينة ديار بكر في 21 تموز الماضي، والذي اتهمت السلطات عناصر «الكردستاني» بتنفيذه، ليتحول الأخير فجأة إلى حديث الساعة. وبات واضحاً أن «العدالة والتنمية» استفاد من عودة القتال الذي أودى بحياة نحو 200 من عناصر الجيش والأمن، وأضعاف العدد من عناصر «الكردستاني» داخل تركيا وفي شمالي العراق. ويرى البعض أن «الكردستاني» منح الحزب الحاكم فرصة ثمينة ليسوّق نفسه لدى الناخبين، وخاصة القوميين، على أنه الوحيد القادر على القضاء على «الاٍرهاب» وتحقيق الاستقرار. ويرى هؤلاء أيضاً أنه لولا فشل أحزاب المعارضة، غداة انتخابات 7 حزيران الماضي، في الاتفاق في ما بينها على تشكيل حكومة ائتلافية، لما عاد «العدالة والتنمية» إلى الإمساك بالسلطة.

سمح كل ذلك للثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو بتحقيق انتصار الأحد الذي سيبقيهما في السلطة حتى عام 2019، وبعدها حتى 2023، ليمضيا في طريق أسلمة الدولة والأمة التركية. وتتوقع الدراسات ألا تعترض غالبية الأتراك على هذا النهج السياسي والعقائدي، ما دامت أمورهم اليومية ميسّرة، علماً بأن غالبية الشعب التركي محافظة ومتدينة، وقومية الجذور والطبع الفردي والاجتماعي. وما على الثنائي الحاكم إلا الاستعجال في القضاء على أشكال المعارضة كافة، السياسية والإعلامية والاجتماعية، وهو ما ينتظره الجميع خلال الايام المقبلة، ما دام حزب الشعب الجمهوري لا يملك مقومات التصدي للحملة الجديدة، التي لن يبالي أحد بها في الغرب، رغم تكرار الحديث عن معايير كوبنهاغن للانضمام إلى الاتحاد الاوربي. ولا يزال الاتحاد يكتفي بتوجيه انتقاداته التقليدية لأردوغان، في ما يتعلق باحترام الديمقراطية وحقوق الانسان، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن ما يهم عواصم الاتحاد، ومعها واشنطن، هو استثماراتها وأرباحها الخيالية في تركيا، بعدما وصل حجم الاستثمارات الأجنبية الى 2 تريليون دولار، خاصة في البورصة والقطاع المصرفي، التي باتت 70٪ من أموالها أجنبية.
ويعرف الجميع أيضاً أن هذه الأرباح جاءت نتيجة شبكة من العلاقات الشخصية، تجمع أردوغان وقيادات من حزبه بأصحاب الرساميل الخليجية خاصة. ويفسر ذلك قضايا الفساد الخطيرة التي تشمل صفقات يقدر البعض قيمتها بأكثر من ١٠٠ مليار دولار، حيث قامت حكومات «العدالة والتنمية» ببيع ما قيمته 150 مليار دولار من مؤسسات ومرافق القطاع العام، التي لم يبق منها إلا القليل، ويستعد أردوغان لبيعها خلال السنوات الأربع المقبلة. ويريد أردوغان بذلك أن يضمن، عبر مشاريعه، تمويل حركة الشارع الشعبي اليومي، الذي أثبت في انتخابات الأحد الماضي، وقبلها في انتخابات رئاسة الجمهورية في آب من العام الماضي، أنه غير مبال بقضايا الفساد والسرقات، ما دام هو أيضاً مستفيداً منها بشكل أو بآخر.
ويبقى الرهان على تحديات المرحلة القادمة، وخاصة في ما يتعلق بالملف الكردي، ببعديه الداخلي والخارجي، حيث تتحدث مصادر عن مساومات جديدة محتملة مع زعيم «الكردستاني»، عبد الله أوجلان، بالتنسيق مع واشنطن التي يتوقع البعض أن تسعى لسد الطريق على الروس في المنطقة، ومنعهم من لعب الورقة الكردية.

_________________
أردوغان، الفوز المشروط والإنتصار الممنوع
أمين أبوراشد
قبيل إجراء إنتخابات الإعادة للبرلمان التركي، والتي فاز فيها "حزب العدالة والتنمية" بنسبة 49.41 % من الأصوات مما يكفل له تشكيل الحكومة منفرداً، ركَّز الرئيس رجب طيب أردوغان في الإطلالات الجماهيرية الداعمة للحزب، على ضرورة الفوز بما يكفل قيام نظام رئاسي في تركيا، وكرَّر صراحة  ما قاله في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي: "إن رئاسة تنفيذية على غرار النظام الأميركي ضرورية لتعزيز النفوذ الإقليمي والنجاحات الاقتصادية لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي" وتوجّه بالكلام الى خصومه: "يقولون، إذا حصل أردوغان على ما يريد يوم الأحد فإنه سيصبح شخصاً لا يقف شيء في طريقه، إنهم يقصدون أن تركيا لن يستطيع أحد إيقافها".

قراءة لنتائج هذه الإنتخابات مقارنة مع نتائج الإنتخابات السابقة التي جرت منذ خمسة أشهر تُظهر ما يلي:
حزب العدالة والتنمية حصل على 316 نائباً مقابل 259 في الإنتخابات الماضية، واستقرّ جزئياً وضع الحزب الجمهوري بحيث حصل على 131 نائباً بتراجع ثلاثة نواب عن السابق، وتعرَّض حزب الحركة القومية للنكسة الكبرى بالحصول على 41 نائباً مقابل 78 في الدورة السابقة، وتراجع حزب الشعوب الديموقراطي الكردي وحصل على 59 نائباً في مقابل 78 في الإنتخابات الماضية.

أولى القراءات لهذه النتائج التي يبدو فيها أردوغان فائزاً، تُظهر ما يلي:
1) يحتاج أردوغان الى نسبة 67% من إجمالي نواب البرلمان البالغ عددهم 550 نائباً ليتمكن من تعديل الدستور أي ما مجموعه 369 نائباً، مما يحتِّم عليه التحالف مع حزب يمنحه على الأقل 53 نائباً، وهذا ما لا يتوفَّر سوى لدى حزب الشعب الجمهوري الرافض لكافة سياسات أردوغان وبشكلٍ خاص جموحه الى السيطرة الشخصية عبر النظام الرئاسي، مما يعني أن أي تحوُّل من النظام البرلماني الى الرئاسي، سوف يُلزِم أردوغان باللجوء الى حكومة إئتلافية لإرضاء الخصوم وزارياً، أو تشكيل حكومة يتفرَّد بها حزب العدالة والتنمية ويجد أردوغان نفسه ملزماً باللجوء الى الإستفتاء الشعبي. 

2) إن تخطِّي حزب الشعوب الديموقراطي الكردي عتبة العشرة بالمئة التي خوَّلته للمرة الثانية في تاريخه من دخول البرلمان ولو بعدد أقلّ من النواب هو هزيمة استراتيجية لأردوغان، لأن كل محاولاته لإقصاء ممثلي الأكراد عن البرلمان قد فشلت، وأن اتهامه لحزب الشعوب الديموقراطي بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره إرهابياً والتحريض على أكراد الداخل قد ورَّط حزب الحركة القومية المناوىء للأكراد بأعمال عنف وإحراق مراكز الشعوب الديموقراطي بالتواطؤ مع العدالة والتنمية، مما انعكس سلباً على الحركة القومية واتَّهمها الناخبون باستفزاز أكراد الداخل وخسرت 37 نائباً لصالح العدالة والتنمية، في الوقت الذي خسر فيه أردوغان معركة إقصاء الأكراد بعدما تخطى حزب الشعوب الديموقراطي عتبة العشرة بالمئة ودخل البرلمان ثانية، رغم الإرهاب الذي مُورِس عليهم في ديار بكر بشكل خاص وإحراق 80% من مراكز الحزب في أنحاء تركيا.

3) إن أحزاب المعارضة الرئيسية على تشتُّتها وعجزها عن التوحُّد، فهي على حدّ قول محلِّل تركي محايد "تُجمع على الخوف من جموح السلطة لدى أردوغان، وتعتبره أقرب الشخصيات التركية الى آخر سلاطين بني عثمان عبد الحميد الثاني 1876 -1909، الذي اتَّصف بالمواقف المتقلِّبة والسياسات التي كان يعتمد سلطته الشخصية محوراً لها، وإذا كان عبد الحميد قد ورِث عن أجداده هذا النمط على مدى 400 عام، فإن أردوغان كان وسيبقى حالماً باستحضار زمن السلاطين، عبر نزعته للتفرُّد بكافة دوائر الحُكم وسعيه للحصول على الأغلبية البرلمانية تمهيداً لتحويل النظام من برلماني الى رئاسي لتوطيد سلطة سلطانه، وهذا ما يُشكِّل عائقاً أمام التطوُّر الديموقراطي الفعلي وخروج على قواعد الجمهورية وإرث مصطفى كمال أتاتورك.

4) إن خصوم أردوغان يعتبرون أنه استحضر النار السورية الى الداخل التركي، سواء عبر جعل تركيا معبراً للإرهاب أو عبر المنطقة العازلة التي يُطالب بها ويرفضها الأميركيون، ومسألة المنطقة العازلة التي يطالب بها أردوغان ليست فقط لإبعاد حزب العمال الكردستاني ولو عبر استخدام داعش في مقاتلته، بل لإعادة إيواء مليوني سوري باتوا عبئاً على تركيا وينافسون الأتراك في أسواق العمل، وهو أمام خيارين إما استعمالهم ورقة ضغط على أوروبا للمطالبة بمساعدات إيواء أو الدخول في حرب استحداث منطقة عازلة وهو ما بات مستحيلاً بعد الدخول الروسي الأجواء السورية.

5) إن الإنكماش الإقتصادي والضمور الإستثماري وانهيار الليرة التركية في المرحلة الماضية، لم يحصل بسبب غياب حكومة فاعلة بقدر ما هو زعزعة ثقة بالإستقرار داخل تركيا، ولن يتمكَّن أردوغان وحكومة العدالة والتنمية من استعادة هذا الإستقرار قبل إقفال الحدود أمام إستيراد وتصدير الإرهاب وأعتدته وسلاحه، وقبل وقف التدخُّل في الشأن السوري بشكلٍ خاص، وقبل الإقرار بحقوق الأكراد، وإذا كان الأكراد قد خسروا أمامه معركة انتخابية وحلم المطالبة سياسياً بإنشاء كيان مستقل، فإن كل بقعة يسكنها أكراد في الداخل التركي باتت تعيش حكمها الذاتي ضمن كانتونات صغيرة يخشى الجيش التركي دخولها، وكذلك الموظفون المدنيون من الأتراك، والمعركة طويلة في الداخل التركي وعلى الحدود، ولن يصمت الجيش طويلاً على تطوُّر الفلتان الأمني والإنهيار الإقتصادي سواء كانت البلاد ضمن نظام برلماني أو في ظل نظام رئاسي، وبالتالي إذا كان أردوغان يعتبر أن نقل البلاد من نظام برلماني الى رئاسي شبيه بنظام الحكم الأميركي هو حلمه الأعظم فأنه حتى ولو نجح في الإستفتاء فلن ينتصر على 50% من الشعب التركي صوَّت ضدّ طموحاته نحو السلطة والسلطنة.

_________

الانتخابات التركية: عودة إلى المربع الصفر

من المؤكد أن الليلة الماضية كانت الأكثر هدوءاً لرجب طيب اردوغان منذ السابع من حزيران الماضي، فقد نام الرئيس التركي على انتصار انتخابي استعاد خلاله حزبه الإسلامي المحافظ «العدالة والتنمية» الغالبية المطلقة في البرلمان، ما سيمكنه من تشكيل الحكومة التركية الجديدة بمفرده، ويعيد بذلك البلاد الى حكم الحزب الواحد، بعيداً عن إزعاجات معارضيه، المتعددي الانتماءات الأيديولوجية والمطالب السياسية.
وضرب حزب العدالة والتنمية كل التوقعات، امس الاول، فبعد فرز كل الاصوات تقريباً حصل على 49.4 في المئة منها ليشغل 316 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعداً، حسبما اعلنت شبكتا التلفزيون «ان تي في» و «سي ان ان - ترك».
ويشكل ذلك، بالنسبة الى اردوغان، انتقاماً بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها في الانتخابات السابقة، التي خسر فيها حزبه الهيمنة الكاملة على البرلمان التي كان يتمتع بها منذ 13 عاماً ما أسقط حلمه بتعزيز الصلاحيات الرئاسية.
وخلافاً لما جرى في اليوم الاول من انتخابات السابع من حزيران الماضي، حين توارى اردوغان عن الأنظار بعد تكبّد «حزب العدالة والتنمية» هزيمة انتخابية مدوّية، استفاق الرئيس التركي باكراً، ليحتفل رمزياً بالانتصار الانتخابي عبر الصلاة في مسجد ايوب في اسطنبول، كما كان يفعل السلاطين الجدد في السلطنة العثمانية.

وخلال هذا الاحتفال السلطاني الرمزي، اطلق اردوغان سلسلة مواقف، اكد فيها ان «الإرادة الوطنية عبَّرت عن نفسها في الأول من تشرين الثاني لمصلحة الاستقرار»، مضيفاً «لنتحد ولنكن أشقاء ولنكن جميعا تركيا».
لكن المواقف الاردوغانية لم تقتصر على ما قاله للصحافيين في مسجد أيوب، فقد كان لافتاً للانتباه أن الرئيس التركي لم يستطع فور صدور النتائج شبه النهائية للانتخابات أن يكبح رغبته في التعبير عن فرحته بأي طريقة، فاستخدم موقع «تويتر»، الذي طالما هدد بإقفاله لإسكات معارضيه، مطلقاً سلسلة تغريدات جاء في إحداها «أود أن أهنئ جميع الاحزاب التي شاركت في انتخابات الاول من تشرين الثاني، وجميع المواطنين الذين أعربوا عن إرادتهم القومية من خلال أصواتهم». وأضاف في تغريدة أخرى «أهنئ حزب العدالة والتنمية الذي سيتولى السلطة لوحده، وأهنئ شقيقي أحمد داود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء».
والجدير ذكره ان اردوغان لم يخف في السابق ازدراءه لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى انه تعهد بـ «القضاء» على تويتر قبل الانتخابات المحلية التي جرت في آذار العام 2014، وشبّه في آب من العام ذاته مواقع التواصل بأنها «سكين في يد القاتل»، مؤكداً انه «لا احب التغريد». وحجبت الحكومة التركية موقعي «تويتر» و «يوتيوب» لبضعة ايام قبل انتخابات آذارالعام 2014 بعد استخدامها لنشر سلسلة من التسجيلات الصوتية التي تدين اردوغان والدائرة المحيطة به في فضيحة فساد. إلا أن أردوغان بعث أول تغريدة شخصية له على الإطلاق من حسابه في شباط من العام الماضي ليدين التدخين في اليوم القومي التركي لمكافحة التدخين.
وكان رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو قد دعا، في كلمة ألقاها في مقر «حزب العدالة والتنمية» في انقرة ليل امس الاول الى الوحدة في بلد يشهد انقساماً وقلقاً، معتبراً أن «لا خاسر في هذا الاقتراع» وأن «تركيا بأكملها ربحت»، مؤكداً ان الحكومة المقبلة ستدافع عن «المكتسبات الديموقراطية»، وأن «حقوق 78 مليون نسمة تحت حمايتنا».
كما دعا داود اوغلو الأحزاب السياسية التركية إلى الاجتماع والاتفاق على دستور جديد بعد استعادة حزبه الحاكم الغالبية في البرلمان.
ولا يبدو ان التهاني العاطفية التي وجهها اردوغان وأركان «حزب العدالة والتنمية» للمواطنين الاتراك، وللاحزاب السياسية، ستترجم على مستوى الشراكة الوطنية، فبالإضافة الى التذكير بأن الحزب الاسلامي المحافظ سيحكم منفرداً، والتلويح بأن هذا الانتصار الانتخابي سيكون مقدمة لـ «إصلاحات» سياسية يسعى من خلالها اردوغان الى الانتقال بالبلاد من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، فإنّ بوادر معاقبة المعارضين لاحت في الأفق يوم امس، بعد إقفال صحيفة سياسية واعتقال صحافيين.
وذكرت وكالة «دوغان» التركية للأنباء ان قوات الأمن التركية، وبناءً على طلب من النائب العام، داهمت مكاتب صحيفة «نوكتا» في اسطنبول، وصادرت نسخ عددها الأخير بتهمة «الحض العلني على ارتكاب جناية». وأضافت الوكالة ان الشخصين اللذين اعتُقلا هما رئيس التحرير جوهري غوفن ومدير النشر مراد تشابان.
وفي عددها الذي صدر يوم امس، نشرت «نوكتا» في صفحتها الاولى صورة لأردوغان وكتبت تحتها «بدء الحرب الأهلية في تركيا».
وليست هذه هي المرة الاولى التي تداهم قوات الأمن مقر «نوكتا»، سبق للصحيفة ان تعرضت لملاحقات مشابهة قبل اسابيع. وتأتي هذه الخطوة في سياق مسلسل التضييق على الصحافيين، حيث داهمت قوات الأمن، الأسبوع الماضي، مقري شبكتي تلفزيون معارضتين، الأمر الذي وُوجه بتنديد واسع في تركيا وفي الخارج.
وتعكس خطوة مداهمة «نوكتا» انزعاج اردوغان من اي رأي يقول إن استمرار «حزب العدالة والتنمية» في الحكم سيجر تركيا الى مزيد من الاضطرابات.
وفي هذا الإطار، كان لافتاً ان مدينة ديار بكر، ذات الغالبية الكردية، قد شهدت فور ظهور النتائج الأولية للانتخابات مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن.
وانتقد صلاح الدين ديمرطاش، زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي الذي سجل تراجعاً كبيراً عن نتائج حزيران (13 في المئة مقابل اكثر بقليل من 10 في المئة) ما وصفه بالانتخابات «غير العادلة» التي جرت تحت التهديد الجهادي، لكنه أضاف أنه «انتصار كبير لنا على كل حال»، موضحاً «خسرنا مليون صوت لكننا بقينا واقفين في مواجهة المجازر (التي ترتكبها السلطة) والفاشية».
ويتفق كلام ديمرطاش مع تأكيد مراقبين دوليين، امس، ان حملة الدعاية للانتخابات البرلمانية في تركيا غير نزيهة وشابها الخوف والعنف.
وقال رؤساء البعثة المشتركة لمجلس اوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مؤتمر صحافي إن العنف كان له أثر كبير. وأشاروا الى اعتداءات وممارسة الترهيب ضد أعضاء في «حزب الشعوب الديموقراطي».
ولكن حتى الآن لم تقدم أي أحزاب شكاوى رسمية بشأن النتائج، وإن كان «حزب الشعوب الديموقراطي» قال إنه يعتزم الطعن على عدة مقاعد.
اما زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار اوغلو، فقال «نحن نحترم نتائج الانتخابات، السلطات التركية يجب ان تحترم غلبة القانون... لا أحد يجب ان يُعتبر فوق القانون».
وبرغم هذه التجاوزات فإن من غير المرجح ان تقود الانتقادات او الطعون الانتخابية الى نتيجة مغايرة، إذ بات الكل مقرّاً بأن اردوغان كرّس هيمنة «حزب العدالة والتنمية» على الحكم لأربع سنوات مقبلة.
ومع ذلك، يمكن القول إن كل القوى السياسية في تركيا قد طوت معركة الانتخابات وبدأت الاستعداد لمعركة أكبر، وربما اكثر خطورة، تتمثل في طموحات اردوغان الرئاسية.
وفي هذا الإطار، قال مصطفى سنتوب، وهو مسؤول كبير في «حزب العدالة والتنمية»: «لقد انهارت الرؤية بأن انتخابات السابع من حزيران هي رفض لمنصب الرئاسة التنفيذي».
وأضاف سنتوب، الذي سبق وقاد مساعي الحزب الحاكم لتعديل الدستور، أن «الأرقام غير كافية في تلك اللحظة لكنني أعتقد أن هذه الانتخابات تُظهر رغبة لتطبيق النظام الرئاسي. وقد يُنظر لها على أنها ضوء أخضر أو أصفر للرئاسة»، لكنه أشار الى انه لم يتضح بعد ما اذا كان الحزب الحاكم سيتمكن من إيجاد الأصوات الثلاثة عشر اللازمة لدعم الاستفتاء على الدستور الجديد.
وبرغم ذلك، فإن ثمة إجماعاً بين المراقبين على أن الطموحات الرئاسية لأردوغان قد تؤدي الى تعميق الخلافات داخل المجتمع التركي.
وفي هذا الإطار، قال الكاتب في صحيفة «جمهورييت» المعارضة كان دوندار «نحن نواجه الآن مجتمعاً منقسماً الى معسكرين يجلس اردوغان في وسطهما»، موضحاً أن المعسكرين هما «هؤلاء المستعدون للموت من أجل اردوغان، وهؤلاء الذين لم يعودوا يطيقونه. والانقسام أصبح أبدياً».
اما ناتالي مارتن، خبيرة السياسة التركية في جامعة نوتنغهام ترينت في بريطانيا، فاعتبرت ان اردوغان «اقترب خطوة من نقل النفوذ من البرلمان الى القصر الرئاسي وتعزيز سلطته بشكل دائم». وأضافت «بالرغم من أن (حزب العدالة والتنمية) لم يحصل على ما يسمى بـ (الغالبية السوبر)، التي كانت ستمكنه من تطبيق هذه الإجراءات، إلا أنه أصبح أقرب من تحقيق ذلك»، مشيرة الى ان «اردوغان حوّل الهزيمة الى انتصار خلال أشهر قليلة. أنا واثقة من أن عدداً قليلاً من الأصوات لن يوقفه الآن».
بدوره قال وليم جاكسون خبير اقتصاد الأسواق الناشئة في مؤسسة «كابيتال ايكونوميكس» إن الغالبية التي حصل عليها «حزب العدالة والتنمية» تبقى ضئيلة نسبياً ما سيؤدي الى ما يسمى بـ «الاقتصاد المعتدل»، مضيفاً أنه نتيجة لذلك «فيكون من الصعب على حزب العدالة والتنمية أن يطبق خططه لتعديل الدستور لتعزيز سلطات الرئيس، وهي الخطوة التي يخشى أن تقوي بعض التوجهات السلطوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لدى الرئيس إردوغان».
وفي ما يتعلق بالقضية الكردية، قال دوغو ايرغيل، الخبير في الشؤون الكردية في جامعة الفاتح في اسطنبول، إنه لا يعتقد أن الحكومة ستستأنف محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني»، مشيراً الى انه «بدلاً من ذلك أتوقع أن تتحدث الحكومة مباشرة مع ممثلين عن حركات كردية اخرى من بينها حزب الشعوب الديموقراطي... وإذا لم يحدث ذلك فإن المشكلة الكردية ستتفشى بشكل مميت».
كثيرة هي التساؤلات التي تحملها نتائج الانتخابات التركية، لكن الأكثر تعبيراً عن واقع الحال في تركيا اختزلته صحيفة «زمان» التركية المعارضة بعنوان: «العودة الى المربع صفر».

الاثنين، 3 أغسطس 2015

الجار ثم الدار: دعوة إيرانية إلى احترام سيادة الدول والامتناع عن التدخل بشؤونها الداخلية

    أغسطس 03, 2015   No comments
في مبادرة لافتة للانتباه تأتي في توقيتها غداة التفاهم النووي وزيارته التي شملت الكويت وقطر والعراق، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقالة خص بها "السفير" بعنوان "الجار ثم الدار"، إلى البحث عن آليات تساعد جميع دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها.
واقترح ظريف تشكيل مجمع حواري إقليمي ومن ثم إسلامي يرتكز على جملة أهداف ومبادئ أبرزها: احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلمياً، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.
وقال ظريف في مقالته ـ رسالته بوجوب عدم إنكار الحاجة إلى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها وأحدها موضوع محاربة الإرهاب.
واعتبر ظريف أن اليمن يمكن أن يشكل نموذجاً جيداً للخوض في ما أسماها "مباحثات جدية" بين طهران ودول الجوار، وذكّر بخطة بلاده هناك وقبلها بخطة إيران لحل الأزمة السورية، وقال إنه يمكن استخدام هذه المباحثات الإستراتيجية لتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية والارتقاء بالعلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة.
وفي ما يلي النص الكامل لمقالة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف:


"في تقاليدنا العريقة وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذي يجمعنا معا) توصية حكيمة تقول: الجار ثم الدار، وهي توصية أخلاقية ذات رؤية عميقة، وصلتنا عبر القرون، وباتت ضرورة لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر؛ إن الرفاه والأمن يتحققان فقط في البيئة التي يمكن أن تحظى بهاتين النعمتين العظيمتين.
إن أولى أولويات إيران منذ البداية، هي أنها تنشد علاقات طيبة ووطيدة مع جيرانها، وهذا ما أُعلن عنه بصراحة وتمت متابعته على الأخص منذ تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، وان جولتي الإقليمية إلى ثلاث دول جارة هي الكويت وقطر والعراق مباشرة بعد حصول الاتفاق النووي التاريخي بفيينا بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، إنما جاءت تأكيدا لهذه الإستراتيجية التي توليها السياسة الخارجية الإيرانية اهتمامها.
إن منطقتنا في الوقت الراهن تمر في اضطرابات، وتواجه مخاطر جدية تهدد أسس المجتمع والثقافة فيها. ومع أن إيران التي تعتمد على شعب يمتاز بالمرونة والصمود في مواجهة النزعة السلطوية، تعيش بفضل الله في استقرار وأمن، وقدمت آفاقاً جديدة عن التعامل البناء، فإنها لا يمكنها الوقوف موقف اللامبالاة أمام الدمار الهائل في أطرافها، لا سيما أن التجربة تقول لنا إن الفوضى والاضطرابات لا تعرف حدوداً، وانه من غير الممكن ضمان أمن أي بلد في بيئة مضطربة في هذا العالم السائر نحو العولمة.
إن اتفاق فيينا كان بداية ضرورية للمنطقة، فهو ليس فقط لا يشكل أي ضرر لجيراننا، بل إنه مكسب لمنطقتنا برمّتها لأنه وضع نهاية لتوتر كنا في غنى عنه دام اثني عشر عاما، هدد المنطقة أكثر من غيرها، وقد حان الوقت للتفرغ الى أعمال أهم وفي مقدمتها البحث عن آليات، تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها.
إن تشكيل مجمع للحوار الاقليمي في منطقتنا ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، لغرض تسهيل التعامل، حاجة ماسة كان ينبغي المبادرة اليه قبل هذا بكثير، ولا بد من أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة، وأهمها:
احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلميا، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.
علينا جميعا أن نقبل حقيقة انقضاء عهد الألاعيب التي لا طائل تحتها، واننا جميعا إما رابحون معاً أو خاسرون معاً، فالأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين، وان أي شعب لا يمكنه تحقيق مصالحه من دون الأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين، وهذا هو مصيرنا شئنا أم أبينا: (..وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ) (الانفال، الآية 46).
وبالطبع إن هذا التعاون الذي لا بد منه، ليس من نوع التعامل المرّ مع الأعداء، بل هو مسار ذو مذاق حلو للإصلاح والمودة بين إخوة وأعضاء أسرة واحدة ابتعدوا عن بعضهم البعض منذ فترة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ..) (الحجرات، الآية 10).
أهمية ممارسة هذه الآليات في منطقتنا، ثم في الشرق الاوسط عامة تفوق أهميتها في أية منطقة في العالم. ولا يمكن إنكار الحاجة الى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها، ومحاربة الإرهاب واحد من هذه المواضيع. فلا أحد بمستطاعه أن يحارب الجماعات المتطرفة، كالتي تسمى "الدولة الإسلامية" ـ التي لا هي بدولة ولا هي بإسلامية ـ في العراق، في حين تنتشر في اليمن وسوريا.
واذا كان مقرراً أن نختار موضوعاً من بين الفجائع في المنطقة للبدء في مباحثات جدية، فإن اليمن سيكون نموذجاً جيداً، وقد اقترحت إيران حلا معقولا وعمليا لتسوية هذه الأزمة المؤلمة وغير الضرورية. فالخطة الرباعية التي قدمتها تدعو الى وقف إطلاق النار فوراً، وإرسال مساعدات إنسانية الى المدنيين اليمنيين، وتسهيل الحوار بين المجموعات اليمنية داخل البلاد، وفي نهاية الأمر توجيههم الى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة.
وقبل عامين ايضاً، تم اقتراح خطة مماثلة بعد مشاورات مع سوریا وبعض الدول المجاورة وسائر الفاعلين من أجل إعادة السلام والأمن الى سوريا، بالإمكان إدراجه على جدول الأعمال، الى جانب الجهود المبذولة لتسوية الازمة اليمنية، وذلك بالتعاون مع الدول الإسلامية الاخرى وتحت إشراف آليات منظمة الامم المتحدة.
وتزامنا مع ذلك، يمكن استخدام هذه المباحثات الإستراتيجية، للقيام بخطوات محددة لتحقيق تفاهم أفضل لدراسة ولتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف، ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية، ولتنويع أشكال التعاون العلمي والصناعي والتنموي وللارتقاء بمستوى العلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة.
وقد يكون التعاون النووي للأغراض السلمية، نموذجا بارزا لمثل هذا النمط من التعاون، فمن حق إيران وجميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط الحصول على فوائد التقنية النووية السلمية طبقا للمقررات الدولية، ولا بد من أن تتعاون جميع دول المنطقة من أجل بلوغ هذه الأهداف، ومن الحالات التي يمكن متابعتها في هذا النمط من التعاون يشار الى:
ـ الإفادة من إمكانيات التخصيب، على شكل مركز إقليمي لتوليد الوقود النووي عبر تعاون الدول الإسلامية بالمنطقة في الجانب التقني، وفي الجانب السياسي تكثيف الجهود الدولية لإقامة منطقة منزوعة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
في الخاتمة: إننا، بلدان هذه المنطقة والشرق الأوسط، الذين تشدنا قواسم مشتركة كثيرة ومتنوعة في الدين والثقافة والسياسية والجغرافيا، نملك جميع المستلزمات لإقامة تعاون بناء ومفيد لجميع شعوبنا وشعوب العالم. فالتحديات الكثيرة القائمة في منطقتنا، مهمة وخطيرة الى درجة لا ينبغي لنا معها أن ننشغل بمجادلات مذهبية وخلافات شخصية وان نقدم بشجاعة وبصيرة على مثل هذا التعاون الحيوي لمعالجة جذور الازمات في منطقتنا، وان لا نعقد الآمال على ان يحل مشاكلنا من كان لهم الدور الأساس في خلقها.
إنها الفرصة الوحيدة للتعامل، وشعوبنا تنتظر منا عن حق بأن لا نضيّع هذه الفرصة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..) (التوبة، الآية 105).".

السبت، 28 مارس 2015

إسلاميّو القاهرة يلتحقون بالسعودية: هل نسيتم عزل مرسي؟

    مارس 28, 2015   No comments
أحمد سليمان

لم يتجمع الفرقاء الإسلاميون في مصر على رأي واحد منذ «30 يونيو» 2013 كما تجمعوا على مساندة التدخل العسكري في اليمن ضد «أنصار الله»، معتبرين إياها حلقة مهمة في كسر «الهيمنة الإيرانية» على المنطقة.
باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي لم تعلن موقفاً واضحاً ومحدداً، فإن الطيف السياسي الإسلامي ــ بما في ذلك أنصار «الإخوان» وحلفاؤهم منذ عزل الرئيس محمد مرسي ــ بارك وساند أي تدخل مصري عسكري محتمل في اليمن، وبارك أيضاً الضربات التي وجّهتها الطائرات السعودية لـ«أنصار الله»، برغم اختلاف النيات والدوافع.

لم يتأخر السلفيون، مدفوعين بنزعة مذهبية واضحة، في إعلان التأييد لأي تدخل عسكري ضد «قوات الحوثيين» في اليمن. تأييد السلفيين غير منفصل عن مواقفهم الممتدة منذ «30 يونيو» 2013؛ منذ ذلك التاريخ والسلفيون يسيرون في ركاب النظام، مؤيدين ومباركين كل خطواته، كذلك فإن العلاقات القوية التي تربط بين الدعوة السلفية والنظام السعودي تعتبر أحد الدوافع المهمة لتأييد هذا التدخل، إضافة إلى نزعة الكراهية المذهبية التي يفسح لها السلفيون مساحة واسعة في خطابهم الفقهي والعقدي.
«الإخوان»: الانشغال السعودي في اليمن سيرتد على النظام المصري

رئيس «حزب النور» السلفي، يونس مخيون، قال إنهم «في الحزب والدعوة السلفية» يرون أن «الحوثيين خطر على المنطقة، وأن تحكّمهم في مضيق باب المندب يهدد الامن القومي المصري تهديداً مباشراً، وأن إيران عبر الحوثيين تسعى للتحكم في مصير العرب ومصر، وأنهم سيتصدون للتمدد الإيراني بكل قوة».
المباركة السلفية للتدخل العسكري نصرةً لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وتأييدهم السابق لعزل الرئيس محمد مرسي، يكشفان حجم الخلافات البينية بين أكبر فصيلين إسلاميين في مصر، وهو خلاف أكبر من أن يتم جسره أو احتواؤه. كل طرف (الإخوان والسلفيون) يرى في خصمه مهدداً وجودياً له. السلفيون الذين أيّدوا عزل مرسي وباركوه، انتفضوا لليمن، وهو ما أعاد الجدل بشأن ما قالته القيادات السلفية لـ«الإخوان» في مسارهم الذي اتخذوه عقب عزل مرسي: لو كانوا يطلبون شريعة لساندوهم، لكنهم يطلبون «شرعية» وهي أمر دنيوي؛ فهل التدخل العسكري في اليمن أمر نصرة لشريعة؟
حتى «الجماعة الإسلامية»، الحليف الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» منذ عزل مرسي عن سدة الحكم، أعلنت، في بيان رسمي، دعمها لـ«عاصفة الحزم» من أجل «وقف مغامرات الحوثيين، وقف أطماع إيران والشيعة في المنطقة»، في مفارقة تكشف أن الإسلاميين يعارضون نظام السيسي في مصر، ويباركونه في اليمن، فيما تدعم السعودية ما وصفته بـ«الشرعية» في اليمن في حين أنها الداعم الأكبر لعزل مرسي من رئاسة مصر.
الفتاوى الدينية كانت حاضرة في المشهد بقوة. بخلاف فتاوى «الدعوة السلفية»، كان للأزهر حضوره عبر علمائه الذين رأوا، على لسان محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، أن «من الواجب على مصر والدول العربية كلها، باعتبارهم أهل سنّة وجماعة، مواجهة المدّ الشيعي». وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه محمد يسري إبراهيم، وهو أمين عام «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تشكلت بدعم من جماعة الإخوان المسلمين عقب خلع الرئيس حسني مبارك بهدف تكوين جبهة «مشيخية» قادرة على تأمين دعم إضافي للتوجهات السياسية للجماعة وقادرة أيضاً على التغلب على السطوة الإعلامية الرهيبة التي كان يتمتع بها الدعاة المحسوبون على «الدعوة السلفية» في حينه.
وحدها جماعة الإخوان المسلمين لم تعلن موقفاً واضحاً من العمليات العسكرية في اليمن، إلا أن المعلومات الواردة تشير إلى أن الجماعة ترى في الانشغال السعودي باليمن أمراً سيكون له مردوده بتخفيف الدعم السعودي للنظام المصري، وهو ما سيهزّ النظام الذي يعتمد منذ «30 يونيو» بشكل كبير على المساعدات المالية الخليجية. كذلك ترى الجماعة أن هناك حاجة ضرورية للأطراف المعنية في التنسيق معها في اليمن عبر فرعها «حزب الإصلاح»، وهو ما قد يكون أحد أثمانه ضغطاً سعودياً ــ خليجياً على النظام المصري بضرورة تراخي القبضة الأمنية المشددة على الجماعة وأنصارها. وتنظر الجماعة إلى التقارب السعودي التركي القطري بشأن اليمن على أنه منفذ لها للولوج مرة أخرى إلى خريطة التفاعلات في المنطقة، ولعب أحد أدوار الفاعلين، بعدما اقتصر وجودها على مدار أكثر من عامين على دور المفعول والمنكل به.

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.