‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمعات الإسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمعات الإسلامية. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 21 يوليو 2015

حوار شامل مع محمد حسنين هيكل: ايران بعد الاتفاق النووي وصورة المنطقة والعلاقات مع أميركا

    يوليو 21, 2015   No comments

 طلال سلمان


بقميص أبيض مفتوح الصدر وبنطال أسود استقبلنا "الأستاذ" متوكئاً على "الووكر" لكسر في ساقه، في الشاليه القائم في منتجع الروّاد على الساحل الشمالي الذي يمتد بامتداد الشاطئ بين الاسكندرية ومرسى مطروح عند الحدود مع ليبيا.
البحر الهادئ فيروزي بسطحه الهادئ يمتع النظر ويغري بالتأمل. قال وهو يلاحظ انبهارنا بالمشهد الجميل: هنا كان الماريشال مونتغمري يقيم مركز قيادته أثناء معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية.. وكان يبدأ نهاره مع أول شعاع للشمس فيسبح عارياً.

بدأ يستجوبنا عن أحوال لبنان بتفاصيله التي لا تنتهي، وبدأنا نسأله عن أحوال مصر في محاولة لفهم ما يجري فيها من تطورات يختلط فيها القرار السياسي المفرد في غياب المؤسسات التي تحمي هذا القرار بالزخم الشعبي مع الدماء التي يسفحها الإرهاب في نواح عدة من مصر، أخطرها سيناء التي ظلت متروكة لدهور، والتي اتخذها الإرهاب قاعدة خلفية، مسنداً ظهره إلى العدو الإسرائيلي.


وباشرنا الحوار يواكبنا إحساس من يجلس إلى موسوعة: فالتجربة عريضة والثقافة مميزة، والمتابعة دقيقة، والتحليل يستند إلى معلومات تفصيلية تتجاوز الأخبار والمعرفة المباشرة بأصحاب القرار، والذاكرة المميزة التي تحتفظ بشبابها... كل ذلك يحضر مع "الأستاذ" فإذا هو دائرة معارف: يعرف الكثير الكثير من المرجعيات السياسية معرفة مباشرة، ويعرف عن البلاد وأحوالها، لا سيما العربية وبعض الغرب البريطاني والأميركي وبعض الشرق، روسيا أساسا ثم الصين والهند وصولا إلى اندونيسيا، اقتصاداً وثقافة وتوجهات، لهذا كله فهو "الأستاذ".

وبلغة "البدو" هو العارفة. ذاكرته نضرة، ومعلوماته شاملة، فضلاً عن أنها تستند إلى معرفة مباشرة بأصحاب القرار وصانعي السياسة.. ثم انه متابع دقيق وخزينه المعرفي يسهل عليه تحليل الحاضر واتجاهات الريح، ما يمكّنه من استقراء المستقبل.
يعرف البلاد وحكامها، يعرف نخبها الثقافية والقادة المؤثرين في التوجهات وفي القرار، ثم ان له ذاكرة فيل، فهو نادراً ما ينسى قائداً أو قيادات سبق له أن عرفها، عن قرب، في هذا البلد أو ذاك. يعرف الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ. يعرف قادة مفكرين مؤثرين في الغرب، بريطانيا وأميركا وفرنسا، وفي الشرق. ثم ان له صلات بالنخب، يتابع حركتها ونتاجها الفكري والثقافي حتى اليوم. ويعرف معظم القياديين من الساسة العرب... والأهم انه قارئ نهم ومتميز، تمكنه صلاته بكبريات الصحف العالمية برؤساء تحريرها والكتّاب فيها أن يعرف كثيراً عن الآفاق الثقافية وحركة التجديد فيها.
يعرف مصر كلها، بتاريخها القديم وبصناع تاريخها الحديث، من زعماء أحزاب العهد الملكي والنخب الثقافية، إلى القائد الذي تجاوز معه الراوية إلى موقع الصديق والمستشار ومبلور الأفكار والمفسر والشارح للقرارات، جمال عبد الناصر.
عرف السادات جيداً واختلف معه إلى حد الذهاب إلى السجن، وعرف مبارك إلى حد القطيعة بعدما اكتشف عبثية الحوار معه، وعرف كل من كان له موقع في العهود الثلاثة السابقة على "الميدان"، كما كان يعرف بعض المجلس العسكري. وحاور الإخوان الذين يعتبرونه خصماً. واجتهد في نصح محمد مرسي، فلما يئس ابتعد، ثم انحاز إلى "الميدان" وتفهم أسباب حركة الجيش التي انتهت بتولي المشير عبد الفتاح السيسي قمة السلطة عبر استفتاء شعبي كان محكوم النتائج.
..ولقد ذهبنا إليه للحديث عن إيران، التي عرفها امبراطورية بالشاه وإحدى زوجاته شقيقة الملك فاروق، ورئيس الحكومة الذي قاد عملية تغيير ثوري الدكتور محمد علي مصدق سنة 1951، والذي قاتله الاميركيون والغرب والامبراطور، ولم تتيسر الحماية لهذا الزعيم الشعبي الذي لعب دوراً تاريخياً وصار بطلا وطنيا لا منازع له في شعبيته حين أقدم على تأميم البترول، وواجه الامبراطور والغرب والرأسمالية الإيرانية وأجبر الشاه على التنازل عن كثير من صلاحياته... ثم قاتله الغرب عموماً وتمكنوا من "أسره" ثم تصفيته سياسياً.
كذلك فهو قد واكب الثورة الإسلامية في إيران، فكان بين أوائل من حاوروا الخميني الإمام بمنطق المتفهم والمساند ولكن من موقع عربي... كما عرف الكثير من قيادات الثورة ومن متابعي نهج الخميني بعد رحيله وأبرزهم هاشمي رفسنجاني رئيساً وركناً في قيادة الحكم لفترة طويلة... وما يزال يقرأ التطورات في إيران بعيون عربية.
ربما لكل هذه المعارف اخترنا ان نحاوره حول التطورات الأخيرة، وتحديداً حول اتفاق فيينا وما بعده، ورؤيته لإيران ما بعد هذا التطور، وكيف سيكون موقف الغرب منها وكيف سيتصرف الحكم المصفح بالشعار الثوري في المرحلة الجديدة التي سيقبل فيها الغرب عليها... ثم أين روسيا والصين؟ قبل أن نتوقف أمام محطة العرب وإيران من اليمن إلى لبنان مروراً بالسعودية إلى الخليج.
البداية: أوباما وقدراته..
بدأنا بمحاولة استعادة رأي "الأستاذ" بالرئيس الأميركي باراك أوباما، انطلاقاً من خطابه أمام جامعة القاهرة سنة 2009 ثم الانطباعات التي تكوّنت لديه بعد ولايتين له:
ـ ألم أكن على حق في ما قلته يومها؟ انه خطيب مفوّه، لكن تكوينه ضده، أصوله ولون بشرته، وموقع السود في النظام الأميركي.
بماذا يتحدى أوباما الكونغرس؟ علينا التمييز بين أن يختلف مع الكونغرس ويمارس اللعبة في إطار نصوص معينة أو بين أن يتحدى الكونغرس. أنا لا أراه يتحدى الكونغرس وقد اقتربت ولايته الثانية من نهايتها. سيمر الاتفاق، سيحدث الكونغرس ضجيجاً كبيراً حوله ولكنه يبقى من اختصاص الرئيس وإدارته. لا يمكن في أميركا أن يتم توقيع اتفاق ولو بالحروف الأولى ضد إرادة الكونغرس حيث إن هناك دائما توافقا بين الكونغرس والإدارة في هذه المسائل.
التحدي الوحيد الموجود في المنطقة بالنسبة إلى السياسة الأميركية هو إيران. فالعالم العربي كله كما نرى! وفي تركيا من هم مثل أردوغان لا يُبنى على مواقفهم. هذا هو التحدي الوحيد حيث لن ترضى أميركا عن طيب خاطر بنظام كالنظام الإيراني: أن تقر بوجوده كحقيقة واقعة وهي لا تملك حلاً آخر! ولكنه لن يكون النظام الأفضل بالنسبة إليها.
سحب هيكل نفساً من سيكاره، ثم استأنف كلامه فقال:
ـ لو كان هناك "سلاح اقتصادي" قد يؤذي إيران لكان آذاها في السنوات التي اشتد فيها الحصار الاقتصادي عليها.
هناك أمر جديد حصل نتيجة المفاوضات بين أميركا وإيران وهو أن حاجزاً كبيراً كان قائما بين أوروبا وافريقيا وآسيا وبين إيران قد انكسر من غير محاذير بعد فك الحظر الأميركي. وذلك برغم ان العداء الأميركي لإيران سيستمر. وبعد أن وصلوا الآن إلى نوع من الاتفاق لن تضطر دول كثيرة إلى مراعاة الحظر الأميركي الذي كان قائماً.
توقف عن الكلام لحظات ونظر إلينا يتفحصنا ثم عاد إلى تحليل شخصية أوباما وقدرته على القرار:
ـ لا يمكن أن تأتي بأحد من خارج سياق القوى الحقيقية وتتوقع منه أن يصل إلى التفرد بالقرار. مجيء أوباما هو دليل بحد ذاته على أزمة قرار وأزمة قوى في أميركا، فليس من الطبيعي أن تأتي برئيس "أسود" وبأغلبية الأصوات في الانتخابات.. فالأغلبية هي للبيض (WASP). إذا جئت برئيس من أقلية ضدها تمييز تاريخي ولا تملك مفاتيح القوة ومضطهدة فأنت تريده أن يحقق لك هدفاً. السود حتى هذه اللحظة في أميركا 12ـ 14% وليست لديهم أي من مفاتيح القوة، وهناك تمييز عنصري بحقهم. القوى الحقيقية في أميركا لديها هدف في هذه اللحظة. وبغض النظر عما إذا كان أوباما قد نجح أو فشل فهو لم يحقق الهدف. حتى لو كانت هناك محاولة من قبله بشكل معين فليس معنى ذلك انها قد تنجح. لا أعتقد انه غيّر صورة أميركا كثيراً وهو أمر صعب للغاية بالنسبة له. الذي يغير أميركا هي الصدمات المتوالية في فيتنام وإيران وأماكن أخرى.
تسألني عن الدليل؟ أعطني دليلاً واحداً أن أوباما غيّر سياسة في منطقة ما. نتكلم هنا عن تغيير حقيقي وليس لعبة العلاقات العامة في الشكل (كيف يدخل أوباما ويفتحون له الأبواب ويتراقص في مشيته وهو طويل، ويتكلم بثقة)...
واستنتج "الأستاذ":
ـ تقدم أميركا نفسها أمام الخارج بوجه آخر يمكن ان يكون مقبولاً في العالم، بأنه ليس لديهم تمييز عنصري ومشاكل إنسانية من هذه الطبيعة. فشلت سياسة الاحتواء الأميركية السابقة. ما غيّر الأوضاع ليس أوباما، بل ما غيرها هو أن كوبا وقفت وإيران وقفت. فلم يصل رئيس في أميركا إلى السدة واتخذ خيارات جديدة وغيّر الأوضاع. بل كان يأتي "الرئيس" ويجد أمامه حقائق مختلفة تسقط خياراته القديمة. يمكن أن نقول إن الحصار الذي كان مفروضا على إيران سيخف. لكن الحرب على النظام في إيران، وإن لم تعد موجودة في الشكل الذي كانت عليه سابقاً، لا زالت مستمرة. والإيرانيون يدركون ذلك. تراهن أميركا على تحولات انفتاحية داخل النظام الإيراني. لكن النظام الإيراني لم يفعل مثل ما فعلناه في مصر حيث قرر السادات ليلاً السفر إلى تل أبيب وركب الطائرة في الصباح فكان ظهر اليوم التالي في مطار بن غوريون. هذا أمر لم يفعله ولن يفعله أحد غيره.
[Media:202804]
الزيارة الأولى: 1951..
صمت لحظة ثم عاد يستذكر تاريخ علاقته بإيران، قال:
ـ أوّل زيارة لي إلى طهران كانت سنة 1951 أيام مصدّق، وعرفت الشاه وعرفت أشرف (شقيقة الشاه)... ثم عرفت الخميني والخامنئي ورفسنجاني وخاتمي الذي تكرم فزارني في برقاش.
وفي تقديري أن علينا ألا نبالغ في مدى تأثير الاتفاق النووي. هو مهم جداً ولكن أميركا لن تترك العالم كله يجري مباشرة الى إيران بل تريد أن تتصل مع إيران علنا بقدر معلوم لكنها لا تريد لأحد غيرها أن يتصل. ما تمثله إيران هو الطموح المستقل الذي وصل إلى حد المعرفة النووية (وتباعا السلاح النووي)، وهذا غير مقبول من أميركا. هناك فرق بين ان تتعامل لفترة مع حقائق تدرك انه ليس بإمكانك ان تغيرها الآن، ولكن تتعامل معها مع افتراض أنك قد تكون قادراً على تغييرها في مرحلة لاحقة. فلو نجح النموذج الإيراني ورُفع عنه الحصار وتركته ينمو، تكون الخطة قد فشلت. وما تقوم به أميركا اليوم هو انها تشغل إيران الى ان تكون قد استولت بالكامل على سوريا، وتشغل إيران الى ان تكون قد استولت بالكامل على الأردن. العامل النفسي يلعب دوراً وقد بات الجميع يخاف من إيران وفي هذه الحالة تسقط كل التحفظات. والمعركة تدور حالياً في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران. والرئيس السيسي يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب أو الانفتاح. الدول القوية قد تقوم ببعض الأشياء التي تستسهل أن تقدم عليها هي، ولكن لا تسمح لك أن تفعلها أنت. فهي قد تسمح لبعض الدول التي يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم على ذلك، ولكن ان تقوم بها أنت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحة، فهذا لن يكون مقبولا.
وخلص "الأستاذ" إلى الاستنتاج:
- لم ينتهِ التناقض الإيراني الأميركي ولن ينتهي بوجود هذا النظام في إيران. فإما ان يتغير النظام فيها أو يتم إسقاطه. فأميركا أمام نظام في إيران رافض للهيمنة الأميركية وملاصق لروسيا وللصين، وهو في منطقة وموقع جغرافي يشكل نقطة ارتكاز مشرفة على روسيا والصين وتركيا... يمكن ان تقبل أميركا بترتيبات في هذه اللحظة، ولكن لن ينتهي عداء أميركا مع هذا النظام مهما كان، إلا اذا غيّر النظام طريقته أو غيرت أميركا مطالبها منه. التناقض الحالي بين الاثنين أكبر من ان يحل، ولن توفر أميركا أي قيد تقدر ان تفرضه على تمدد النووي الإيراني. نحن هنا أمام علاقة قوة: هل تستطيع اميركا ان تقبل بقوة في المنطقة قادرة على الانتشار والتأثير خارج حدودها ولا تكون حليفة لها؟... ان التناقض بين الدولتين كبير جدا ويجب ان يغير أحدهما طبيعته. هل ستغير الثورة الإيرانية رأيها في مفهومها للاستقلال؟ ولو تواضعت اميركا قليلا او لو روّضت إيران تنتهي المشكلة. ما نشهده اليوم هو الاستمرار للوضع الذي جاء بعد الثورة الإيرانية، والحيرة بين إمكانية احتواء الثورة وهي ترفض أن تُحتوى، وبين ضربها وهذا أمر لا يقدر عليه أحد ولا يرغب فيه احد، فلا يستطيع أحد ان يتحمل حرباً في هذه الظروف. هناك طرف متمرّد وطرف آخر يريد أن يروّضه وهنا تدخل في صراع دون ان "يمسكوا في هدوم بعض"، وإذا جلسوا إلى الطاولة فهم قد جلسوا لطرح موضوع محدد. هناك دولة محورية بين 5+1 وهي أميركا، فهل تستطيع اميركا ان تقبل في هذه اللحظة نظاماً ثورياً خارجاً على طاعتها ويمارس سياسة مستقلة؟
إيران بعد الاتفاق..
سألنا عما بعد الاتفاق النووي، فقال هيكل:
ـ أميركا لن تقبل بوجود أي نظام في إيران يسمح بوجود دولة قوية. فإيران وتركيا تشكلان قاعدة المواجهة الأميركية الأمامية مع روسيا، بصرف النظر عما إذا كان في روسيا قيصر أو زعيم شيوعي. في العودة إلى التاريخ والجغرافيا، تشكل روسيا خطراً حقيقياً على أوروبا، ويتحسب الأميركيون من روسيا بحد ذاتها وليس من النظام الشيوعي فيها. هزيمة أميركا في إيران ستكون مدوّية، كما كان لوقع سقوط الشاه والعائلة البهلوية، ثم ان فشل أميركا حتى الآن في تطويع الثورة الإيرانية أو استبدالها بنظام آخر يضعها أمام نزاع خطر قد يدخل في مرحلة يقلم فيها الطرفان أظافر بعضهما بعضا، ويصعب على أميركا أن تقبل بنظام قوي في إيران. هذه مسألة في غاية الأهمية.
واستنتج "الأستاذ":
ـ الاتفاق سيجعل إيران أقل شعوراً بالعزلة. لأن الغرب قد نجح، ولو بالفوضى، في أن يجعل العراق بؤرة عزل لإيران، وسوريا كانت تشكل نقطة ارتكاز لإيران في المنطقة... أما اليوم فإيران وحدها في الإقليم وليس لديها حلفاء طبيعيون لما تمثله الآن، ولا حتى تركيا.
وكان بديهيا أن يستدرك هيكل ليتوقف أمام عنصر مؤثر في التطورات المحتملة، فقال:
ـ أما الحركات والتنظيمات التي تعتمد عليها، فكلها ضعيفة. يشكل "حزب الله" قوة كبيرة في لبنان، ولكن لبنان كله (مع احترامي لكم) له حدود في التأثير، فكيف إذا كانت سوريا مدمرة بهذه الطريقة التي هي عليها اليوم؟ وإذا كان العراق يعيش أو يموت بالطريقة التي نشهدها. نحن أمام مأزق حقيقي، فلا تحمل الناس أكثر مما تطيق. صحيح أن لدى السيد حسن نصر الله إشعاعاً معيناً في لبنان وخارجه، لكن لا تحمّله أكثر مما يطيق، فليست لديه القدرة على التحرك والحركة خارج حدود لبنان. صحيح أن لديه سمعة جيدة، ولكن السمعة لا تشكل بحد ذاتها قوى تقاتل على الأرض. قتال "حزب الله" في سوريا هو للدفاع عن نفسه، وليس في معركة إثبات نفوذ. إذن فهو بحالة دفاع عن النفس في سوريا لأنه مستهدف، فمن يريد أن يضرب إيران اليوم يحاول ان يقص أجنحتها في أي مكان لديها فيه نفوذ. وقتال "حزب الله" هو من أجل بقائه ودفاعا عن نفسه وعما يمثله في لبنان، وهذا ما يؤكد مشروعيته في انه يقاوم، وليس في انه جزء من مشروع إيراني. إيران قد تستفيد من ذلك، وكذلك مصر برغم اننا لا نعترف بذلك: فنحن نستفيد من كل بؤرة مقاومة معطِّلة لتسوية شاملة في لحظة ضعف العالم العربي وتهاويه بهذه الدرجة.
ـ وماذا عن مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق، إذا ما حاولنا استكشاف الآفاق المحتملة؟
قال "الأستاذ":
ـ ليس صحيحاً أن كل الملفات قد طُويت وتم فتح الملف النووي وحده. لقد فتحت كل الملفات. والموقف الأميركي يهتم بإيران أكثر من اهتمامه بما حولها. إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة. وعندما تكون الطريق إلى إيران مفتوحة، فسيدخل فيها الاميركيون إلى آخر مدى. الشيخ راشد بن مكتوم كان شاطراً في هذه المسألة وكان مستعداً أن يضرب من يحاول الاستهانة بإيران. هناك حقائق في الجغرافيا، فالسعودية تهيمن على الخليج وهناك إيران وتأثير الهند وباكستان، ولكن لإيران التأثير الأكبر في المنطقة.
ثم استدرك فأضاف:
ـ لقد فتحت كل الملفات بين أميركا وإيران، وقد لامسوا المواضيع من دون أن يجدوا لها الحل. كل من لديه مصالح متشابكة يدخل الى المفاوضات وقد وضع أجندة بالمواضيع المطروحة، وهي تتضمن تلك التي لها أولوية في هذه اللحظة.
رأينا العقوبات والحصار في مصر خلال عهد عبد الناصر، وكذلك واجهت كوبا هذا المصير. إيران تتعرض لما تعرضت له كل حركة تمرد في وجه الهيمنة الأميركية. ذلك حصل لعبد الناصر وحصل لكاسترو وللصين وآخرين كثيرين، وإيران تعلمت من تجربة الآخرين ودرست تلك التجارب جيداً، ولن يعيد أحد تجربة ما قام به السادات في مصر فينقلب على ذاته. ونتيجة تجربة السادات وحسني مبارك واضحة أمام الجميع.
واستنتج "الأستاذ": ـ ليس هناك أقوى من شعب على أرضه مع حضارة مستمرة. الإيرانيون لم يفعلوا سوى أنهم كانوا أنفسهم. هناك حضارة فارسية على هذه الأرض وفي هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمة كبيرة. فمصر مثلا وبرغم كل ما أصابها مارست هذا الأمر في فترة ما.
عن مصر وروسيا والسعودية..
ـ وماذا عن مصر؟.. طالما قد استذكرت تجربتها في الماضي؟
ليت هناك رؤية واضحة بالنسبة إلى ما ستكون عليه مصر مستقبلا، ولكنها بدأت تستعيد توازنها حيث ان فترة الفوضى التي سادت في مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت. والمصريون اليوم مرهقون بما يواجههم ويتخيلون أن هناك إنقاذاً سيأتي من العالم العربي، لكن لا مفر أمامهم من أن يعتمدوا على أنفسهم.
روسيا كانت قد دخلت في صميم الشرق الأوسط. ولُسعت فيه ودفعت فيه خسائر برغم حسن نياتها، ثم انتكست بعد أن خرجت مصر من المعادلة الإقليمية فيه، والآن تقف سوريا عند باب الخروج.
هناك تناقض، تاريخياً، بين إيران وروسيا، وهناك شك طبيعي روسي. التجربة الشيوعية في روسيا لم تكتمل ولكنها تركت مواريث ثقافية أثرت في أمور كثيرة، ما قام به ستالين وخروشوف أو غورباتشوف أنهم نظروا إلى مطالب روسيا في المنطقة بمقدار قوتها. والصراع التاريخي بين روسيا وإيران طويل جداً وكذلك التداخل بينهما، وصيغ التعايش في ما بينهما لم تعش كثيراً، فالشاه حاول ومن قبله، والروس يرغبون في فترة من غير مشاكل كما يرغبون بسلام مع كل حدودهم (مع أوروبا أو مع الجنوب) لأنهم يشعرون انهم يحتاجون إلى إعادة بناء واسعة جداً، فأحوالهم ليست جيدة. روسيا لا تزال بلد عالم ثالث، وهي غنية بالموارد، وقد دخلت في ثورة صناعية حقيقية، برغم انها "عالم ثالث" ولكنها في أفضل حالات العالم الثالث، ولو أن واحدة من جمهورياتها لديها كل مظاهر العالم الأول ولديها قوة. لو امتلكت إيران مثلاً القنبلة النووية فلن يجعلها ذلك دولة من دول العالم الأول.
انتقلنا إلى الأبعاد العربية لهذا التطور المؤثر دولياً، وكذلك انعكاسها على الجوار الإيراني، فقال هيكل:
ـ في نقاط الارتكاز في المنطقة، باكستان ليست نقطة ارتكاز بل هي نقطة تواجد فقط. فلا يكفي ان تحتل أميركا بلداً ليكون نقطة ارتكاز. نقاط الارتكاز (pivots) في المنطقة هي تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد ما والهند إلى حد ما. أما باكستان فلديها مشاكل كثيرة وخطيرة. أما الدول العربية، فمصر مشغولة  ولا يوجد هناك تحالف عربي يمكن ان يحل محلها في الدور الذي يمكن ان تلعبه، والسعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة.
وإذا عدنا إلى أساس الموضوع فالسعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها. أما البدائل فلا بدائل! ولا أحد عنده سلطة تخوله ان يكون البديل. هناك مشكلة حقيقية وهذا هو ما يبقي السعودية.
الجيش يتحكم به هم أمراء الأسرة. هم أذكياء إلى درجة ان الوحدات الرئيسية في الجيش هي بقيادة أمراء. هل هناك من يملك المصداقية المطلوبة؟ لا أدري. كلهم يتساوون ولا أحد يظهر انه البديل، حالة الصراع الموجودة هي مع البرجوازية الناشئة.
عن سوريا والعراق واليمن.. والوضع العربي
وكان بديهيا أن نسأل عن سوريا التي تقلق أوضاعها المضطربة الجميع... فقال هيكل:
ـ سوريا لم تكن مركزاً لدعم بؤر المقاومة في المنطقة بل حاولت أن تفيد منها لمصلحتها. إذا تحدثنا عن مشروع تقسيم في سوريا فذلك يعني اننا نتحدث أيضاً عن مشروع تقسيم في العراق، وتأثيرات ذلك في شبه الجزيرة العربية كبيرة جداً، ولا أظن ان الاميركيين يريدون ذلك. ما يريدونه هو ان يتخلصوا من النظام الحاكم حالياً وان يأتوا بنظام يناسب مصالحهم (وليس مصلحة إيران بطبيعة الحال).
العراق الحالي كان تركيبة جديدة، والقوى التي أنشأته لم تعد تهتم فيه اليوم وتركته لأهله الذين يرغبون في الحفاظ على التماسك الداخلي فيه.
والأكراد المشكلة الأكبر فيه، وهم جادون في محاولتهم لتحقيق مطالبهم فيه بصرف النظر في ما إذا كانت محقة. هناك قاعدة للدولة الكردية وهي موجودة على ارض موجودة، وسيكون في منتهى الصعوبة ان تمنع قيام الدولة. وإذا استطعت ان تمنعها فستلقى مقاومة كبيرة من الأكراد لفترة طويلة. والحقيقة ان للأكراد الحق في ان تكون لهم دولة تمثل قوميتهم بلغتها وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، ولو تركهم العرب ليقيموا هذه الدولة فسيقاومها آخرون (تركيا وإيران).
واستدرك الأستاذ فقال:
لا أعرف كيف ومتى ستنتهي المصائب التي يقع فيها العالم العربي، والكارثة أن كل ذلك يحدث في اشنغال مصر.
 سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن. عندما تدخّل عبد الناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا على محافظتين فيها. اليمن مرهق وسترهق السعودية حتماً في دخولها في حرب مع اليمن ولكنها حذرة جداً. فالقبائل يعرف بعضها بعضاً جيداً. ولن يتوغل السعوديون في الداخل اليمني سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجودة هناك.
السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي، ولكن يمكنها أن تشكو الى الأميركيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابياً حتى الآن. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة. كلهم يتساوون في الخوف من إيران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض على إيران في الفترة الأخيرة والتشكيك في نياتها.
إذا أكملت أية دولة دورة تخصيب اليورانيوم يكون لديها القدرة على صناعة القنبلة النووية خلال 6 أشهر. ما قامت به إيران هي انها تعهدت ألا تطور سلاحاً نووياً وقد امتلكت المعرفة النووية. هناك دول في الخليج (الامارات وقطر) تبرز في محطات معينة أن لها علاقة في تمويل ودعم التكنولوجيا في مجالات مختلفة، ولكن يبقى هناك فرق بين ان تشتري التكنولوجيا وتستخدمها دون القدرة على استيعابها وبين أن تستوعبها.
وخلص هيكل إلى الاستنتاج بعد هذا الاستعراض والمقارنة بين إيران والدول العربية:
ـ الدول هي التي تصنع عقول الحكام وليس العكس لأن المجتمعات هي التي تترك أثراً.
هناك من كان وضعه أسوأ منا وهي ألمانيا، فقد تقسمت ودمرت وتبهدلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن كان لدى شعبها نواة الإرادة المستقلة. مشكلتنا في العالم العربي أنك لا تجد بين المسؤولين من لديهم الإرادة لصنع تاريخهم. المنطقة الأغنى هي الخليج، والمنطقة الأهم وهي مصر والشام عندها مشاكل كثيرة، أما المغرب العربي فهو غارق في مشاكله و "زهقان" من المشرق العربي... فأين يبقى الأمل؟ في السودان؟
لقد دخل العالم العربي كله في فراغ. هناك فكرة انهارت وهناك قوى إقليمية ظهرت، لم تظهر لدينا قوة بديلة او فكرة بديلة. ولكي يبادر أحدهم عليه ان يتمتع بإمكانية القبول أو مصداقية القبول، ولا يملك أحد المصداقية المطلوبة في العالم العربي، أبداً. المصداقية تائهة في مكان ما وهي خارج العالم العربي. كلهم يتكلم بكلام جيد ولكن لا أحد منهم يعني ما يقوله، ولا يملك أحداً تشخيصا حقيقيا للمنطقة أو لأحوال العالم من حولها.
في إيران هم قادرون على ان يفهموا ما يجري في العالم ومن حولهم. لقد استطاعت الثورة الإيرانية ان تأخذ ثوابت الثقافة والحضارة الفارسية باستمرار. هناك أمة كانت تتقدم واستمرت في ذلك وكان الانتقال سلساً. وهذا أمر يمكن أن يحدث في بلدين: عندنا هنا في مصر، وفي إيران، وإلى حد ما تركيا طبعا. فهذه أوطان حقيقية والباقي كله يشكل فسيفساء بين أوطان حقيقية.
ـ ومتى تنتهي الفوضى في العالم العربي؟
ـ نحتاج بين 12 إلى 15 سنة.
عن مصر والإخوان وإسرائيل
عدنا إلى المنطقة العربية ومآسيها والتعثرات السياسية الخطيرة، وانكشاف الأنظمة وعجزها ضمن الفراغ السياسي الذي تعيش فيه عن مواجهة "داعش"، واضطرارها إلى طلب النجدة الأميركية. سألنا "الأستاذ":
ـ لقد ربطت الحديث عن "داعش" بالفراغ، هل هناك خوف على مصر؟
ورد جازماً: لا خوف على مصر. "داعش" لا تعيش في مصر. طبيعة مصر مختلفة. هناك جماعات إرهابية خطرة موازية لداعش لكن التنظيم لم يصل إلى هنا، ولا ينجح "داعش" في مصر. لقد نجح الإخوان مثلا، كحركة محلية. داعش والبغدادي لا أحد يقبل بهما في مصر. حسن البنا ممكن أما البغدادي فلا أحد يقبل به.
سألنا: قلت ان تنظيم الاخوان نشأ، في الأصل، محلياً، لماذا لا يزال مستمرا حتى الآن؟
ـ قوته في انه ورث التنظيمات الصوفية. الطرق الصوفية لها نفوذ قوي في مصر. حسن البنا كان صوفيا، وهو استخدم البنية التحتية للصوفيين. حسن البنا وفي مكتبي في "اخبار اليوم" سلمني البيان ذاته الذي جاء فيه ان المتطرفين في التنظيم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين. التنظيم (الاخوان) متأثر بالطرق الصوفية ولكن هذا التأثير هو الذي يجعل له جذوراً في مصر. الناس في مصر عندها عشق للدين. وهناك يسار حقيقي في مصر. هناك أحزاب في مصر وعندها برامج سياسية وخصوصا الوفد له برنامج، ويمكن ان يقوم ائتلاف.
مصر تمشي إلى مستقبل ما. أنا أرى أن أحوال مصر لا بأس بها. هناك اقتصاد مأزوم ومرهق جداً. التعليم ليس مدمرا تماما. أنا أخشى من الأحكام المطلقة. التعليم ليس مدمرا الى هذا الحد. التعليم الخصوصي طول عمره موجود. من يأتي بالمعلم الخصوصي هو من طبقة معينة. النظام التعليمي معمول لاستيعاب 6 ملايين واليوم يتم تحميله من 30 إلى 35 مليوناً، من دون تحديثه بذريعة ان نصف علم أفضل من جهل كامل. النصف الجاهل كارثة. أنا أراهن على أنه في التصنيع ليس بالضرورة ان نحتاج الى مستوى علمي معين. الوظائف العامة في الدولة لا تتحمل أكثر من 9 أو 10 ملايين. علينا الاتجاه الى التعليم المهني لغايات واضحة مثل الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات. عليك ان تخلق وظيفتك. استنفدنا الوظائف العامة. لازم نسلم ان مصر كلها في ازمة. وهي في مرحلة الانتقال من حال إلى حال. أنت امام بلد لا يزال يدعي انه كويس وهو مفلس.
... وكان لا بد ان نستعيد ما يجسد الواقع المأساوي الذي نعيش. قلنا: لقد كدنا ننسى فلسطين..
ـ فلسطين تجسد تردي الواقع العربي. ومن باب الطرافة لا أكثر، أستذكر أنني ذهبت مع احمد بهاء الدين مرة للقاء القائد الراحل ياسر عرفات في تونس، وكان معنا ادوارد سعيد على أساس انه خبير في المجتمع الإسرائيلي، وهذا تخصصه، وطلب إلينا "أبو عمار" ان نذهب للقاء محمود عباس (ابو مازن) فذهبنا إليه... ولقد حاول الرجل ان يقنعنا وبحماسة، بأن المجتمع الإسرائيلي ليس كتلة صماء بل فيه كتل وجماعات وتنوعات ويمكن النفاذ منها وسمعناه أنا وبهاء قد أصابنا الاستغراب أمام هذا التحليل.
وكان بديهيا أن نسأل عن إسرائيل وموقفها من الاتفاق.. فقال "الأستاذ":
ـ إسرائيل لا تتأثر كثيراً، طالما يعتبر الطرف الأميركي حمايتها من مسؤولياته المباشرة. كانت إسرائيل تراهن على صدام اميركي مع إيران وهي لا تستطيع ان تتصادم مع إيران، ثم أصيبت بخيبة ما عند توقيع الاتفاق.
ـ إسرائيل في اية مرحلة من عمرها الافتراضي؟
ـ المرحلة التي يبدأ فيها العد التنازلي لإسرائيل هي عندما يكون هناك عالم عربي قوي. الآن إسرائيل مهيمنة على المنطقة كلها.
ـ وماذا عن أميركا.. ألا يمكن ان تكبر التناقضات الداخلية، في الولايات المتحدة الأميركية عندما تلملم انتشارها في العالم؟!
ـ لن يحصل ذلك. بالمصالح لا أحد يمكن ان ينسحب. اميركا لم تعد قادرة على الانسحاب. بلد تجارته وموارده الأولية كلها في العالم الخارجي. لا يمكن لأميركا ان تخرج من عندك ومن عند غيرك ما لم يكن عندك قدرة على التعايش معها من خلال نموذج معين. لنأخذ نموذج إيران: إيران إرادة واحدة. العالم العربي إرادات كثيرة وليس إرادة واحدة.
أما في الأفكار والثقافة فإن النموذج الأوروبي العلماني (الفرنسي) هو أقدر على التأثير من النموذجين الأميركي والروسي، وهو نموذج ثقافي أولا واقتصادي ثانيا. انه البحر الأبيض المتوسط.
ـ وماذا عن تركيا؟
ـ تركيا إلى المأدبة المتوسطية والأوروبية والأردوغانية. أما عن أردوغان، فكل واحد منا يعبّر في النهاية بطباعه عن طبيعته. كيف تطلب من مخلوق يفترض ان طبعه لا يعبر عن طبيعته وطبيعته لا تعبر عن طبعه انه تركي عثماني بالتأكيد!
وبعد لحظات استدرك "الأستاذ" فقال: ـ في أي حال، لقد ظلمنا الاتراك. هم لعبوا دوراً مهما في حماية الإسلام وأرض الإسلام بعد انهيار العصر المملوكي. محمد علي من داخل الإسلام كان فريدا في بابه.
بين الأمبراطوريتين..
وعاد الأستاذ إلى إيران والاتفاق ليستنتج:
ـ لا اميركا يمكنها ان تتجاهل إيران ولا إيران تتجاهل اميركا. قدر من التطبيع جيد، لكنّ هناك قدرا كبيرا من التناقضات بينهما.
أعتقد ان الكوبيين تصرفوا بطريقة جدية مع أميركا وليس هناك أي نوع من أنواع التبعية.
وختمنا بسؤال من واقع الحال في عالمنا:
ـ هل أميركا أعظم امبراطورية في تاريخ البشرية؟
ورد بسرعة: لا، أبداً. إنكلترا هي أعظم واكبر. في النفوذ والاقتصاد والتحول والعصر الصناعي. هي نشأت في وقت مثالي. فترة التجارة والصناعة والبحر. لا امبراطورية وافقت زمنها وعصرها بقدر الإمبراطورية البريطانية. أميركا قوية جدا لكن "ده كلام ساكت" كما يقولون. الحقيقة ان الإمبراطورية الحقيقية في التاريخ بعد الإمبراطورية الرومانية هي الإمبراطورية البريطانية.. لكل امبراطورية نهاية بالسيطرة ولكن ليس بالنفوذ. الإمبراطورية البريطانية باقية بقوة ما دامت اللغة الإنكليزية باقية. الإنكليزية صارت لغة التكنولوجيا وهذا من حظهم. الإمبراطورية باقية باللغة. ليس بالضرورة ان تبقى بالقواعد والجغرافيا. لازم نسلم ان الإمبراطورية البريطانية والرومانية هما نموذجان مهمان ومختلفان تاريخيا. الوعاء لكل حاجة هو اللغة. حظ الإنكليز ان الثورة التكنولوجية قد منعت سقوطهم. فالانكليزية هي اللغة المعتمدة في وسائل التواصل والتقنيات والإعلام واللغة السائدة هي اللغة الإنكليزية. قلت مرة لمارغريت تاتشر: أنتم فقدتم امبراطورية في الجغرافيا ولكنكم وجدتم امبراطورية في اللغة. قالت لي: ما أصح هذا الكلام!
كنا نود أن نسأل أكثر فنعرف أكثر ولكننا لم نشأ أن نستبق حواراُ أوسع عن أحوال العرب بعنوان مصر في المقبل من الأيام.
 وستكون لنا عودة إلى " الأستاذ " لاستكمال الحوار المفتوح مع عقله وثقافته السياسية البلا حدود.

_______________
السفير

طباعة    
جريدة السفير 2015©

الخميس، 2 يوليو 2015

الصادق المهدي - زعيم حزب الأمة السوداني-- يدعو إلى مراجعات شاملة

    يوليو 02, 2015   No comments

إسلاميون وبعد | المحور الأول







_________

إسلاميون وبعد | المحور الثاني



الجمعة، 5 يونيو 2015

الجولاني: أنا «داعش» سوريا.. والبغدادي «داعش» العراق

    يونيو 05, 2015   No comments
عبد الله سليمان علي

«أنا داعش سوريا.. وليكن البغدادي داعش العراق». تمثّل هذه العبارة خلاصة جزء كبير من لقاء زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني مع قناة «الجزيرة» القطرية، الذي بُثَّ على حلقتين.
وبالرغم من أن اللقاء، من حيث توقيته والمنصّة الإعلامية التي خرج من خلالها، كان يراد له أن يكون منعطَفاً مهماً في مسيرة «جبهة النصرة»، ومحاولة لتغيير النظرة إليها من تنظيم «إرهابي» إلى فصيل «ثوري»، إلا أن الجولاني ساهم عبر المواقف التي أطلقها في إفشال هذه الغاية.


والأهم أن كلامه ترك علامة استفهام كبيرة حول حقيقة ما يقال عن وجود اختلاف منهجي بين «جبهة النصرة» وبين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فالجولاني، وبرغم تأكيده على وجود هذا الاختلاف بعبارات منتقاة، إلا أن مواقفه التي عبر عنها في اللقاء كانت تؤكد شيئاً آخر.
فضح الجولاني سريعاً نزعته التكفيرية، فهو يرى في العلويين أنهم «لا يحسبون طائفة من أهل الإسلام بل هم خارجين عن دين الله عز وجل وعن الإسلام». أما الدروز فهم بالنسبة إليه «محل دعوتنا، ونحن أرسلنا إليهم الكثير من الدعاة وأبلغوهم الأخطاء العقدية التي وقعوا فيها». ومن نافلة القول إن المقصود بالأخطاء العقدية هي انحرافات في العقيدة تتناقض مع مبدأ التوحيد، كما يؤمن به الجولاني. وأهم مكرمة يعد فيها الجولاني النصارى «المسيحيين» هي أن الجزية لن تُفرض إلا على القادرين على دفعها فقط! أما المكرمة الثانية فكانت بتأكيده «نحن ليس لدينا حرب (الآن) مع النصارى، نحن (الآن) لا نحمّل نصارى الشام ما تفعله أميركا».
وهذا يعني أن نظرة «جبهة النصرة» إلى الطوائف الأخرى تتطابق تماماً مع نظرة «داعش»، من دون أي اختلاف بينهما. وهذا طبيعي طالما أن الجماعتين تنهلان من نفس المرجعيات الفقهية التي بنت طوال قرون من الزمن هيكل التكفير فوق جماجم المسلمين. لكن الفارق الوحيد هو أن «داعش» تمكن فعلياً من تطبيق غالبية هذه الأحكام على الطوائف الأخرى في مناطق سيطرته، أما «جبهة النصرة» فإنها تنتظر أن تتاح لها فرصة تطبيق ذلك على نطاق واسع، بحكم أنها طبقت بعضاً منها على نطاق ضيق، خصوصاً في أرياف إدلب عبر «دار القضاء» الذي أعطى صورة وحشية في التعامل، سواء مع المواطنين أو قادة الفصائل المسلحة أو الناشطين الإعلاميين.
ولا يخرج كلام الجولاني حول حالة الأمان التي يعيشها أبناء الطائفة الدرزية في القرى التي يسيطر عليها عن النهج الذي اتبعه تنظيم «الدولة الإسلامية» في نشر إصدارات تُظهر حالة الرخاء والأمن التي يحظى بها «المسيحيون» في معقله بالرقة، فالكلام مجاني.
وبالرغم من أن الجولاني حرص على وصف عناصر «الدولة الإسلامية» بأنهم «خوارج»، مستنداً الى فتاوى صدرت ممن أسماهم «علماء الأمة»، وهو يقصد أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي، مؤكداً وجود فروقات منهجية بين الجماعتين، إلا أنه عجز عن إيضاح ماهية هذه الفروقات باستثناء الحديث عن تكفير «عموم المسلمين» و «قتل المصلحة».
والحقيقة أن «داعش» لا يجرؤ على القول علناً بتكفير عموم المسلمين (والمقصود هنا أهل السنة حصراً وليس العلويين ولا الدروز ولا الاسماعيليين ولا غيرهم) رغم أن سلوكه يختلف عن ذلك. ونفس الأمر ينطبق على «جبهة النصرة»، فهي لا تقول بتكفير «مسلمي الشام» مثلاً، لكنها تبذل جهوداً كبيرة لمحاربة المذهب الأشعري المنتشر في سوريا، وإجبار أبناء المناطق السنية التي تسيطر عليها على تلقّي تعاليم المذهب الوهابي، وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه «الدولة الإسلامية» تجاه السنة، وبالتالي حتى في هذه النقطة ليس هناك أي اختلاف بين الجماعتين.
أما «قتل المصلحة» فإن «جبهة النصرة» متهمة مثل «داعش» باستحلاله، وقد وجهت اتهامات إلى مسؤولها «الشرعي» العام سامي العريدي بأنه أفتى بجواز قتل المصلحة، وبناء عليه تم قتل العديد من قادة الفصائل، وبعض قدامى الأفغان العرب وعلى رأسهم أبو محمد السوري.
وأكثر من ذلك، كان التطابق الأغرب بين مواقف الجولاني ومواقف «الدولة الإسلامية» هو ما جاء بخصوص جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. ففي حين سخر المتحدث الرسمي باسم «داعش» أبو محمد العدناني من «الإخوان» في خطابه «السلمية دين من؟»، ها هو الجولاني يؤكد متسائلاً «ماذا فعلت سلميتهم إلا أن أتت على آخرتهم»، داعياً إياهم للعودة إلى «نهج الجهاد سبيلنا» وحمل السلاح. مع ملاحظة أن الجولاني (الذي لا يكفر عموم المسلمين) اتهم «الإخوان» باتهامات تؤدي إلى تكفيرهم، مثل الديموقراطية والمشاركة في البرلمانات والقَسَم على احترام الدستور.
لذلك فإن المأخذ الحقيقي لـ «جبهة النصرة» على «داعش» لا يتعلق بالمنهج ولا العقيدة، وإنما بالمصالح والنفوذ، فلولا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لم يحارب «جبهة النصرة» واكتفى بمحاربة الفصائل الأخرى لما كان الجولاني وصفه بالخوارج حتى.
وما يؤكد ذلك أن الجولاني استمر في امتداح أعمال «الدولة الإسلامية» في العراق، معتبراً أن التنظيم في العراق يبلي بلاء حسناً ضد «الروافض»، بل أكد أن «جماعة الدولة لديهم جدية في قتال الرافضة في العراق على خلاف جديتهم في قتال النصيرية في الشام». وعندما حاول تبرير ذلك عزاه إلى وجود «قيادات عراقية لديها 10 سنوات من التضحية في صفوف التنظيم في العراق»، متناسياً أن هؤلاء أنفسهم من يقودون التنظيم في سوريا. ويبدو أن الجولاني حتى في هذه النقطة لا يستطيع الخروج عن النص الذي وضعه زعيمه أيمن الظواهري، الذي حكم بالخلاف بين التنظيمين بأن يبقى الجولاني في الشام ويعود أبو بكر البغدادي إلى العراق.
وعلى فرض صحة ملاحظة الجولاني حول جدية التنظيم هنا وعدم جديته هناك، فإنه أوقع نفسه في مطب لن يتمكن من الخروج منه، خاصة عندما أعلن أنه «لن يتخذ من الشام منطلقاً لمهاجمة المصالح الغربية»، استناداً إلى أن هذه المهمة، بموجب تعليمات الظواهري، موكلة إلى فرع «القاعدة» في اليمن، وليس إلى «جبهة النصرة» في الشام. فإذا كانت عدم جدية «داعش» في قتال «الرافضة» في الشام تهمة فإن تخلي «النصرة» عن استهداف الغرب تهمة أخطر منها. والمقصود هنا الدلالة على تناقض الجولاني وعدم قدرته على صياغة خطاب مقنع، وليس التسليم بصحة ما يقوله.
وليس هذا التناقض الأخير الذي وقع به الجولاني، ففي سياق حديثه عن دور «القاعدة»، أكد أن خطة أسامة بن لادن كانت تقضي باستدراج القوات الأميركية إلى أفغانستان لمحاربتها هناك، واعتبر ذلك من عبقرية مؤسس التنظيم. في حين أنه سبق له في خطاب سابق أن انتقد «الدولة الإسلامية» لأنه تسبب من خلال سياسته وسلوكه في استقدام «التحالف الدولي» إلى العراق وسوريا.
وهنا أيضاً بخصوص «التحالف الدولي» يبرز تناقض آخر، ففي خطابه أواخر العام الماضي، أكد الجولاني أن هدف التحالف ليس «الدولة» ولا «النصرة» وإنما القضاء على عموم «المجاهدين»، لكنه في لقاء «الجزيرة» اكتفى بالتلويح بإمكانية استهداف مصالح الغرب، في حال استمرت غارات التحالف ضد مقار جماعته فقط.
أما أغرب هذه التناقضات، فهو ما يتعلق به شخصياً، حيث أكد أنه «لم يبايع البغدادي إلا بعد أن تأكد أن في عنقه بيعة لأيمن الظواهري»، لأن المفترض هو أن الجولاني بايع البغدادي في حياة أسامة بن لادن، وبالتالي ينبغي أن تكون البيعة له وليس للظواهري.

السبت، 28 مارس 2015

إسلاميّو القاهرة يلتحقون بالسعودية: هل نسيتم عزل مرسي؟

    مارس 28, 2015   No comments
أحمد سليمان

لم يتجمع الفرقاء الإسلاميون في مصر على رأي واحد منذ «30 يونيو» 2013 كما تجمعوا على مساندة التدخل العسكري في اليمن ضد «أنصار الله»، معتبرين إياها حلقة مهمة في كسر «الهيمنة الإيرانية» على المنطقة.
باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي لم تعلن موقفاً واضحاً ومحدداً، فإن الطيف السياسي الإسلامي ــ بما في ذلك أنصار «الإخوان» وحلفاؤهم منذ عزل الرئيس محمد مرسي ــ بارك وساند أي تدخل مصري عسكري محتمل في اليمن، وبارك أيضاً الضربات التي وجّهتها الطائرات السعودية لـ«أنصار الله»، برغم اختلاف النيات والدوافع.

لم يتأخر السلفيون، مدفوعين بنزعة مذهبية واضحة، في إعلان التأييد لأي تدخل عسكري ضد «قوات الحوثيين» في اليمن. تأييد السلفيين غير منفصل عن مواقفهم الممتدة منذ «30 يونيو» 2013؛ منذ ذلك التاريخ والسلفيون يسيرون في ركاب النظام، مؤيدين ومباركين كل خطواته، كذلك فإن العلاقات القوية التي تربط بين الدعوة السلفية والنظام السعودي تعتبر أحد الدوافع المهمة لتأييد هذا التدخل، إضافة إلى نزعة الكراهية المذهبية التي يفسح لها السلفيون مساحة واسعة في خطابهم الفقهي والعقدي.
«الإخوان»: الانشغال السعودي في اليمن سيرتد على النظام المصري

رئيس «حزب النور» السلفي، يونس مخيون، قال إنهم «في الحزب والدعوة السلفية» يرون أن «الحوثيين خطر على المنطقة، وأن تحكّمهم في مضيق باب المندب يهدد الامن القومي المصري تهديداً مباشراً، وأن إيران عبر الحوثيين تسعى للتحكم في مصير العرب ومصر، وأنهم سيتصدون للتمدد الإيراني بكل قوة».
المباركة السلفية للتدخل العسكري نصرةً لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وتأييدهم السابق لعزل الرئيس محمد مرسي، يكشفان حجم الخلافات البينية بين أكبر فصيلين إسلاميين في مصر، وهو خلاف أكبر من أن يتم جسره أو احتواؤه. كل طرف (الإخوان والسلفيون) يرى في خصمه مهدداً وجودياً له. السلفيون الذين أيّدوا عزل مرسي وباركوه، انتفضوا لليمن، وهو ما أعاد الجدل بشأن ما قالته القيادات السلفية لـ«الإخوان» في مسارهم الذي اتخذوه عقب عزل مرسي: لو كانوا يطلبون شريعة لساندوهم، لكنهم يطلبون «شرعية» وهي أمر دنيوي؛ فهل التدخل العسكري في اليمن أمر نصرة لشريعة؟
حتى «الجماعة الإسلامية»، الحليف الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» منذ عزل مرسي عن سدة الحكم، أعلنت، في بيان رسمي، دعمها لـ«عاصفة الحزم» من أجل «وقف مغامرات الحوثيين، وقف أطماع إيران والشيعة في المنطقة»، في مفارقة تكشف أن الإسلاميين يعارضون نظام السيسي في مصر، ويباركونه في اليمن، فيما تدعم السعودية ما وصفته بـ«الشرعية» في اليمن في حين أنها الداعم الأكبر لعزل مرسي من رئاسة مصر.
الفتاوى الدينية كانت حاضرة في المشهد بقوة. بخلاف فتاوى «الدعوة السلفية»، كان للأزهر حضوره عبر علمائه الذين رأوا، على لسان محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، أن «من الواجب على مصر والدول العربية كلها، باعتبارهم أهل سنّة وجماعة، مواجهة المدّ الشيعي». وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه محمد يسري إبراهيم، وهو أمين عام «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تشكلت بدعم من جماعة الإخوان المسلمين عقب خلع الرئيس حسني مبارك بهدف تكوين جبهة «مشيخية» قادرة على تأمين دعم إضافي للتوجهات السياسية للجماعة وقادرة أيضاً على التغلب على السطوة الإعلامية الرهيبة التي كان يتمتع بها الدعاة المحسوبون على «الدعوة السلفية» في حينه.
وحدها جماعة الإخوان المسلمين لم تعلن موقفاً واضحاً من العمليات العسكرية في اليمن، إلا أن المعلومات الواردة تشير إلى أن الجماعة ترى في الانشغال السعودي باليمن أمراً سيكون له مردوده بتخفيف الدعم السعودي للنظام المصري، وهو ما سيهزّ النظام الذي يعتمد منذ «30 يونيو» بشكل كبير على المساعدات المالية الخليجية. كذلك ترى الجماعة أن هناك حاجة ضرورية للأطراف المعنية في التنسيق معها في اليمن عبر فرعها «حزب الإصلاح»، وهو ما قد يكون أحد أثمانه ضغطاً سعودياً ــ خليجياً على النظام المصري بضرورة تراخي القبضة الأمنية المشددة على الجماعة وأنصارها. وتنظر الجماعة إلى التقارب السعودي التركي القطري بشأن اليمن على أنه منفذ لها للولوج مرة أخرى إلى خريطة التفاعلات في المنطقة، ولعب أحد أدوار الفاعلين، بعدما اقتصر وجودها على مدار أكثر من عامين على دور المفعول والمنكل به.

الخميس، 7 أغسطس 2014

من أقوى من «داعش»؟ الربيع العـربي، هز ديكتاتـوريات، ورثتها حركات إسلامية، كانت مختبئة في القاع الاجتماعي المقفل عليه بقرارات ديكتاتورية، فاحتلت المشهد

    أغسطس 07, 2014   No comments

http://www.google.com/reviews/polls/display/7754288029976286359/blogger_template/vote?lnkclr=%2355850d&hideq=true&font=normal+normal+13px+Arial,+Tahoma,+Helvetica,+FreeSans,+sans-serif&txtclr=%23333&chrtclr=%2355850d
من أقوى من «داعش»؟
نصري الصايغ

I ـ ما أبشع ما نستحقه
«داعش» احتلت عرسال، بلمح البصر. عملية تشبه احتلال الموصل في العراق. احتاج الأمر ساعات، وقيل، أقل من ذلك... قبل ذلك، وبسرعة قياسية غير مسبوقة، اجتاحت مساحات شاسعة من سوريا والعراق، توازي ثمانية أضعاف مساحة لبنان، وأقل قليلاً من مساحة سوريا، عندما كانت بعد دولة موحدة.
«داعش» هذه، لم تعد تنظيماً، صارت دولة وخلافة مترامية الأطراف، بإمكانيات مذهلة، مالياً وعسكرياً وعددياً، وبانتشار منظم غير مسبوق، لعل بعضه مقتبس من تنظيمات «الحشاشين» بقيادة الصباح، انطلاقاً من قلعة «الموت» في إيران.
«داعش» هذه، مخيفة بما ترتكبه وما تتعمد نشره على مواقع التواصل الاجتماعي: إعدامات مرعبة، جز رقاب مذهل، ذبح على مرأى من الكاميرا، وفي مشهدية حية، وسط تكبير صارخ... و«داعش» هذه، سمعتها التي تثير الهلع، جزء من كسبها للمعارك. هكذا كان المغول قبلهم. رعبهم يسبقهم، فتتداعى الحصون وتتساقط مدن وتخلى حصون أخرى... و«داعش» هذه لم تَقْوَ عليها جيوش. هزمت جيش العراق وأذلته، وكادت تصل أسوار بغداد، وتدق أبواب إقليم كردستان وتسلب سهول نينوى وصلاح الدين، كما أنها لم تخسر في سوريا معاركها الكبرى، وان كانت تصاب أحيانا بانتكاسات. لم تتوقف «داعش» عن الانتشار، فهي في أرض خلافتها وفي خارجها كذلك، حتى بلغت «عرسال» برفقة عناصر من اخوانها اللدودين، كـ«النصرة» والفلول والشبيحة والقتلة.
ولـ«داعش» فروع من سلالة «القاعدة» الأم، يسيطرون على حضرموت في اليمن، وعلى أرض الصومال، وعلى «الجماهيرية» الدموية العظمى، وعلى أجزاء واسعة من العراق وسوريا، ولها خلايا مستيقظة أو نائمة في دول عربية كثيرة، ومنها لبنان «المضياف» بحناجر بعض مهووسي أبناء الحملة، كما لها خلايا في عواصم ومدن الغرب، وشمال افريقيا وجنوب الصحراء، وبوكو حرام في نيجيريا إلى جانب بعض دول ومناطق الاتحاد السوفياتي السابق، من دون أن ننسى أرض ولادة القاعدة في ديار الملا عمر، الحاكم بأمر الله في معظم أراضي أفغانستان.

هل نستحق هذا المصير؟ أما كنا نعرف أن أقدام «داعش» تقترب منا، منذ أكثر من عامين؟
كتب الكثير عن خطر «داعش»، عن جنونها المستفحل والمنظم والمعقدن. كتب عن شناعاتها ونهجها التكفيري وسياساتها الاستئصالية لكل من لا ينتسب إليها أو يشبهها شبها مبرماً. كتب عما ارتكبته مع العلويين والمسيحيين والأزيديين، وعن سنة لا يشبهون بها. تفوقت على سفاحي الممالك في التاريخ وقراصنة البحار وروّاد الحضارة الغربية التي أفرغت القارة الأميركية من سكانها الأصليين بالإبادات الجماعية. كتب الكثير، وقرأنا الكثير، فماذا فعلنا لنتجنب عرسال وأخواتها في المستقبل؟
لم يسمع قادة لبنان الستة نداء طلب الحماية للبنانيين من دولتهم. لم يبن أحد جسراً بين المتخاصمين. أعمدة الكيان الستة، المنتخبون طائفياً ومذهبياً، بصناديق شرعية، ظلوا على منصاتهم يصرخون ويتهمون ويتبارون في تعميق شقة الخلاف وتأبيد الانقسام الذي أفرغ الدولة من قدراتها على اتخاذ قرار أو ملء فراغ أو تصريف أعمال...
داعش، لم تعد على الأبواب. أصبحت في صحن الدار.
فما أبشع ما نستحقه.

II ـ ما أبشع ما بدأ وما سيلي
قبلنا، حدث ما سيحدث عندنا. دول، لم تكن دولاً. استبداد مدني بثياب عسكرية بقائد، هو «الله» و«الكتاب» و«الأمر بالمعروف والنهي...»، معصوم عن الخطأ، مجرد النقاش في ما له وما علينا، يستوجب العقاب. دول، مظلومة بحكام مدنيين «ظلاميين»، يرتدون ثياباً غربية ومزركشة بمساحيق العولمة... قَبْلَناَ، حدث ما سيحدث في لبنان. الدولة في لبنان، مشروع مؤجل. البديل، سلطات طائفية ومذهبية مطاعة من أكثرية «شعوبها»، تصطدم ولا تلتئم، تشرك في الوطن ولا تشارك، منقسمة على نفسها، لا أرضية مشتركة لها، غير اقتناص المنافع والمراكز والنفوذ، في مبارزات يومية «دونكيشوطية، يدفع ثمنها الشعب الطافر من طوائفه.
قبلنا، جاء الربيع العـربي، هز ديكتاتـوريات، ورثتها حركات إسلامية، كانت مختبئة في القاع الاجتماعي المقفل عليه بقرارات ديكتاتورية، فاحتلت المشهد. حركات إسلامية، المعتدل فيها، «اخواني» يتشبث بأكثريته فيفرضها عبئاً ونيرا على الدولة والسياسة والمجتمع، والمتطرف فيها، يتشبث بقوة التكفير ممارساً أعتى همجية وبربريـة عرفـها التـاريخ، مضيفاً إليها مشهدية مقصودة ومبرمجة، لبث «الإيمان» بالرصاص أو بحد السـيف أو بقطـع الأعناق.
عندنا ما يشبه التحضير للمسرح القادم. عندنا ما يشبه سوريا قبل التنفيذ، وما يشبه العراق قبل الدخول إلى الحلبة، وما يشبه ليبيا قبل الاندلاع الجماهيري العنفي. وما يشبه الصومال وحضرموت. وبالأمس القريب، اقترب المشهد من بدايته: عرسال هي التوطئة، فماذا بعد، ومن بعد؟

III ـ من أقوى من «داعش»؟
لا يبدو، من خلال سير المعارك، ان أحداً استطاع أن يوقف «داعش» أو يتصدى لها بنجاح. لا الجيوش القوية، ولا التنظيمات المنافسة، ولا حتى الدول. تملك «داعش» رصيدا من الاجتياحات تؤكد حجم القوة التي تحظى بها، وهي لا تشبه التنظيمات الفقاعية العابرة، التي تولد بسرعة وتموت بسرعة، ذلك أنها لم تنشأ بقرار من خارجها، تدين له. لا دولة وراءها، وكل الدول ضدها، حتى تلك التي تتوهم أنها قادرة على توظيفها في معركة ما. «داعش» ليست موظفة عند أحد، وهذا سر خطورتها وسطوتها، فلا أحد يمون عليها، لا من دول الخليج ولا من الممالك العربية.
لذلك، تبدو هي الأقوى، وبناء عليه، يظهر أنها صاحبة مشروع له حيثية حقيقية، مشروع شرق إسلامي، بحاضنات إسلامية سنية تاهت عن صراط الاعتدال. وهي تبدو كذلك متفوقة في ممارسة نهجها المتشدد. في التكفير وعقابه، وفي فرز الأعداء من «الأنقياء». هذا الجديد في «داعش» غير مسبوق إسلامياً، حيث تم تزويج «العقيدة» للسيف، مع أولوية السيف على العقيدة.
حدث ذلك والأرض العربية فارغة من أي مشروع عروبي، تقدمي، إنساني، ديموقراطي. الإسلام الرسمي لا يقنع «داعش»، الإسلام الشيعي مدان، المسيحيون كفرة، الأزيديون والآخرون رجس من قبل الشيطان، فأبيدوه.
حدث ذلك، بعد ارتطام الربيع العربي، بالأنظمة الديكتاتورية، وفشل القوى التقدمية والديموقراطية والمدنية في احتلال الساحة السياسية والفكرية، فاستفردت القوى الإسلامية «المعتدلة» بالساحة سياسة، والقوى الظلامية تكفيراً وقتلا وتهجيرا.
«داعش» تتقدم والآخرون يتراجون مرعوبين. الموصل لا تزال تحت أقدام داعش. أهلها هجروها: مسلمين ومسيحيين.
سهول وجبال ومنابع نفط وحقول غاز ومدن ومناطق ومحافظات لا تزال تحت سيطرتها، وترسل البعثات بعيداً عن مراكزها، وقد وصلت منها بعثة إلى عرسال... والدم المسفوك أول الرسالة. لا الجيوش استطاعت صدها، ولا الدول ولا العالم. فهي الأقوى، هنا وهناك وفي كل مكان تطأه سيوفها وأسلحتها وطرائق فتكها. والخوف الأكبر، أن تكون قواها السرية منتشرة ومهيأة للحظة الانقضاض على الجميع.
من حقنا أن نخاف. يبدو أن «داعش» أقوى منا جميعاً ولذلك قد تكون عرسال الأولى، فمن بعدها؟
الجيش اللبناني يطالب بتجهيزات عسكرية. فهو غير مستعد، لضعف عدته، لمواجهة «داعش» في عرسال، فكيف إذا فتحت جبهة أخرى. الجيش يطالب السياسيين بتأمين حصانة تامة لمعاركه المكلفة، شهداء وجرحى وآلاما وخرابا. فلا يخرج أتباع «داعش» عندنا، بحرب كلامية على الجيش وحروب كلامية توقظ النعرات وتفجر البلاد. الجيش اللبناني، بحاجة إلى حماية وحضانة وطنية كي يحمي اللبنانيين. هو مسؤول عن أرواحنا. مسؤول عن بقائنا هنا، مسؤول عن سلامة الدولة... وهو مستعد لذلك، إنما غيره ليس مستعداً بعد... لم يجترح الخطوة الضرورية. لم يتنازل أحد من أعمدة لبنان الستة، ليقول: فليكن شعارنا الأول: محاربة الارهاب ومنعه من التمدد. ولنؤجل كل الخلافات العميقة إلى ما بعد ذلك، لأن خراب البصرة اللبنانية، إذا حصل، لا يبقي لأعمدة «الحكمة» الستة، غير الدخان والرماد والأندلس المحترقة.
لدينا بارقة أمل وحيدة: أن يتنازل هؤلاء، ليرتقي الشعب إلى مصاف المواجهة الواحدة مع التكفير والإرهاب.
قد تأخرنا كثيراً. إنما، لدينا متسع من الوقت ورفعة من التفاؤل. حبذا لو يكون بيننا من يؤمن أن الدولة أولاً، ومن دون الدولة، نحن على طريق العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال... سائرون.

IV ما أبشع ما نتوقعه
رايات سود، إمارات سود و«آيات» سود... وصباح أسود يا بيروت، لقد جاءك من يغمض عينيك، ليصير البلد على سنة الموصل، وعلى أبوابه وجدرانه حروف سود، أولها «نون» وآخرها، من تبقى من «ميم». وعندها يكون لبنان قد أبِيْدَ ولم يعد موجوداً. تماماً كعراق ضاع، وكشام تقلّصت، وكصومال انتهى زمنه، كليبيا في جماهيرية الاقتتال، أو كسيناء في فصل الصحراء، كحضرموت في هزيع «القات» الديني... تماماً، يصير لبنان، أخاً حقيقياً، للدول البائدة، وضحية ثمينة لجحافل البرابرة القادمين لتطهير الأرض من ناسها.
أبشع ما نتوقعه، أن لا نستيقظ ذات يوم، لنقول للبنان وداعاً.

الاثنين، 4 أغسطس 2014

تفكّك «الجبهة الإسلامية» في سوريا: الإعلان عن تحالف جديد من 18 فصيلاً

    أغسطس 04, 2014   No comments
عبد الله سليمان علي  
يدخل المشهد «الجهادي» في سوريا مرحلة جديدة من الفرز وإعادة الهيكلة. وإذا كان عنوان المرحلة السابقة هو الطلاق بين «جبهة النصرة» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فعنوان هذه المرحلة سيكون طلاقا آخر بين «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، ليصل بذلك التحالف الذي حمل اسم «الجبهة الإسلامية» إلى نهايته بعد فقدانه الغطاء الإقليمي لاستمراره.
ويسير «جيش الإسلام»، بقيادة زهران علوش، بخطى حثيثة على طريق إكمال إجراءات الطلاق مع «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي اضطر إلى الاقتران بها تحت مظلة «الجبهة الإسلامية»، التي كانت في حينها مطلباً سعودياً، أرادت الرياض من خلاله مواجهة مسار مؤتمر جنيف ومنع اتخاذه منصةً لإعلان الحرب على الإرهاب كما كانت تريد كل من دمشق وروسيا.

http://www.google.com/reviews/polls/display/7754288029976286359/blogger_template/vote?lnkclr=%2355850d&hideq=true&font=normal+normal+13px+Arial,+Tahoma,+Helvetica,+FreeSans,+sans-serif&txtclr=%23333&chrtclr=%2355850dفي ذلك الوقت، أي قبل مؤتمر جنيف، كانت أهم الفصائل المسلحة ـ باستثناء «داعش» و«النصرة» ـ تندرج في إطار جبهتين اثنتين هما «جبهة تحرير سوريا الإسلامية»، التي كان ينتمي إليها «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام»، و«الجبهة الإسلامية السورية» التي كانت تهيمن عليها «حركة أحرار الشام» وتضم «لواء الحق». ويبدو أن الأمور تسير باتجاه استعادة ذلك الواقع، مع تغييرات تفرضها التطورات الميدانية والتحديات العسكرية المركبة التي تعيشها الساحة السورية.
فلم تمض 24 ساعة على إعلان الاندماج الكامل بين «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» حتى تبين أن خطوة الاندماج هذه لم تكن سوى تمهيد لخطوة أشمل، من شأنها توسيع الفجوة بين مكونات «الجبهة الإسلامية» والسير بها على طريق «المفاصلة الثانية» بعد المفاصلة الأولى بين «داعش» و«القاعدة». وتمثلت هذه الخطوة بالإعلان يوم أمس عن ولادة تحالف عسكري جديد ضمّ 18 فصيلاً من أكبر الفصائل الموجودة على الأرض.
والأمر المهم في هذا التحالف الجديد أنه لا يخفي سعيه إلى أن يكون الواجهة الجديدة للنشاط العسكري الموحد في سوريا، وبالتالي الاستيلاء على مسمى «الثورة السورية» والعمل باسمها، رغم أن فصائل كبيرة أخرى غير ممثلة فيه، مثل «أحرار الشام» و«جبهة النصرة».
ونص البند الأول من اتفاق هذه الفصائل على «تشكيل مجلس قيادة الثورة السورية، ليكون الجسم الموحد للثورة السورية». وحدد الاتفاق مهلة 45 يوماً يتم خلالها اختيار قائد للمجلس، وتشكيل المكاتب التابعة له، وخصوصاً المكتب العسكري والقضائي. وسيتوزع تشكيل المجلس الجديد، بحسب الجبهات التي كان يتوزع عليها تشكيل «هيئة أركان الجيش الحر» وهي الجبهة الشمالية، والشرقية والجنوبية، والغربية، والوسطى، بحيث يكون لكل جبهة من هذه الجبهات فرع يقودها، مؤلف من ممثلين عن جميع الفصائل المشاركة في تشكيل «مجلس القيادة».
وأهم الفصائل الموقعة على الاتفاق، هي «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» و«جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» و«جيش المجاهدين» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» و«فيلق الشام» و«لواء الحق» و«هيئة دروع الثورة» وفصائل أخرى غيرها. وإذا كان غياب اسم «جبهة النصرة» عن الاتفاق يبدو طبيعياً، لأنها لم تدخل رسمياً من قبل في أي تحالف عام بين الفصائل، فإن غياب اسم كل من «أحرار الشام» و«لواء التوحيد» يطرح تساؤلات عديدة حول مصير «الجبهة الإسلامية»، اللذين يعتبران من مؤسسيها مع كل من «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام» و«لواء الحق».
ورغم أن الاتفاق ترك الباب مفتوحاً لانضمام فصائل أخرى إليه، مشيراً بذلك على نحو خاص إلى «أحرار الشام»، إلا أنه من المستبعد أن يحدث ذلك، من دون أن يكون مستحيلاً، لاسيما وأن «أحرار الشام» تعيش تحت ضغط هائل من الاستقطاب والتجاذب بين نهجها ذي الميول «القاعدية»، وبين مقتضيات الميدان وما تفرضه من تحالفات تخالف نهجها، وما يتفرع عن ذلك أحياناً من حالات صراع داخلية بين قيادة الحركة وبين قاعدتها العسكرية.
وقد سبق لـ«أحرار الشام» أن رضخت للضغوط، ووافقت على بعض المواثيق والاتفاقات التي كانت ترفضها من قبل، ومثال ذلك التوقيع على «ميثاق الشرف الثوري» الذي أحدث جدلاً واسعاً، وأثار اتهامات متبادلة مع كل من «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية»، بسبب تلميحه إلى موضوع استبعاد «المهاجرين» من خلال تأكيده على العنصر السوري في العمل الثوري. وأكد مصدر من داخل «أحرار الشام»، لـ«السفير»، أن قيادة الحركة رفضت «ميثاق الشرف الثوري» عندما عرض عليها أول مرة، لأنها اعتبرته يتضمن بنوداً تشكل انحرافاً عن ثوابتها ومخالفةً لمنهجها. لكن الحركة عادت ووافقت على الميثاق من دون أي تعديل، بسبب التطورات الميدانية التي فرضتها حرب الفصائل «الجهادية» ضد بعضها البعض.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن «حركة أحرار الشام» لا تنطلق في تحديد موقفها بناءً على التطورات الميدانية فحسب، بل إن عامل التمويل يلعب دوراً كبيراً في تحديد الكثير من مواقفها، لاسيما بعد أن خسرت القسم الأكبر من مواردها المالية، التي كانت تدرها عليها آبار النفط في المنطقة الشرقية أو بعض المعابر الحدودية التي كانت تحتكر إدارتها قبل فقدانها السيطرة عليها، مثل معبر تل أبيض في ريف الرقة. لذلك تجد الحركة نفسها أسيرةً نوعاً ما لمصدر التمويل، المتمثل بتبرعات رجال الأعمال الخليجيين، والذين يسيرون في فلك أجهزة استخبارات بلادهم، وعلى رأسهم السعوديون والكويتيون.
وبذلك يكون زهران علوش قد نجح في حشر «أحرار الشام» في زاوية ضيقة لا تملك فيها الكثير من الخيارات. فإما أن تسير معه في تحالفه الجديد، متخليةً بذلك عن منهجها وثوابتها وما قد يترتب عنه من تزايد حالات الانشقاق عنها، وإما أن ترفض الانضمام إليه مخاطرةً بفقدان جزء آخر من مصادر تمويلها، الأمر الذي سيضعف من فاعليتها على الأرض ويضعها أمام تحديات جديدة.
في كافة الأحوال، وأياً كان قرار «أحرار الشام»، فإن هذه التطورات تعني أن «الجبهة الإسلامية» قد وصلت إلى نقطة النهاية بعد ثمانية أشهر فقط من تأسيسها، وأن الطلاق بين مكوناتها قد يصبغ المرحلة المقبلة بألوان جديدة من الصراعات والمعارك.


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.