‏إظهار الرسائل ذات التسميات الربيع العـربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الربيع العـربي. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

السعودية وراء وقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات” ... حكام العرب مستمرون في سياسة تكتيم الأفواه والإستعلاء

    نوفمبر 06, 2015   No comments

لندع جانبا الذرائع والحجج التي تستخدمها السلطات السعودية لوقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات”، الذي يوجد مقر مجلس ادارته في عاصمتها الرياض، وتملك حوالي ثلث اسهمه، ونتحدث عن ظاهرة اكثر اهمية واخطر، وهي تحول هذه السلطات الى الجهة التي تقرر من هو موضوعي، ومن هو حر، ومن هو منحاز، ومن هو عدو، ومن هو صديق، ومن هو مهني، ومن هو غير مهني، ومن يجب ان يبقى على “العربسات”، او “النيل”، او اي قمر صناعي عربي آخر، ومن يجب ان يطرد، ومن هو المطرب او المطربة، ومن هو الشاعر او الشاعرة، ومن هو المبدع، ومن هو غير المبدع.

السعودية ومعظم حلفائها في مجلس التعاون، والتحالف العربي الذي تقوده في اليمن، هو الذي قرر حجب القنوات الفضائية اليمنية التابعة للتحالف “الحوثي الصالحي”، مثلما قرر قبلها اغلاق القنوات الليبية الرسمية لدولة عربية مساهمة في القمر الصناعي نفسه، واتخذ القرار نفسه، وبالاعذار نفسها، لاغلاق القنوات السورية، فممنوع ان يكون هناك رأي آخر، لانهم يخافونه وكل منابره الاعلامية، مهما كانت بائسة وفقيرة ماليا وفنيا، وهم الذين يملكون الامبراطوريات واذرعتها الاعلامية التي تتناسل وتتناسخ مثل الارانب، وتنفق المليارات لتمويلها.

***
لا نعرف من اعطى السلطات السعودية هذه القوة، ومنحها هذا “الفيتو”، ولماذا الصمت عليه من دول مثل مصر والعراق والجزائر والمغرب والكويت والاردن، والقائمة طويلة، وبأي حق هي التي تحجب من تشاء وتبقي من تشاء، باسم العرب والمسلمين، والجامعة العربية ومؤسساتها.
السلطات السعودية فعلت، وتفعل، كل هذا، وما هو اكثر، وانطلقت الآن من دائرة حرب التعتيم الاعلامي التي برعت فيها جيدا طوال الثلاثين عاما الماضية الى التدخل العسكري المباشر، وكل هذا تحت شعار حماية الشعوب، ونشر قيم العدالة الاجتماعية، وترسيخ قيم الديمقراطية، والقضاء العادل المستقل.

نفهم هذا التغول لو كانت الامبراطوريات الاعلامية السعودية، والاخرى الدائرة في فلكها، قمة المهنية والموضوعية والحيادية، ولا تعتمد اي اجندات خاصة وتحترم الرأي الآخر، ولا تضع قوائم سوداء وحمراء وصفراء لضيوفها، واذا كنا مخطئين حدثونا لو تفضلتم عن موضوعية “العربية”، ومهنية “الجزيرة” خاصة في الشؤون اليمنية والمصرية والليبية والسورية، افيدونا حول “اعتدال” وعدم طائفية اكثر من مئة قناة اسلامية تمولها الدول الخليجية، والسعودية منها على وجه الخصوص؟
السبب او الذريعة التي تستخدمها السلطات السعودية في وقف بث قناة “الميادين” ظهور ضيف ايراني على قناتها تهجم عليها اثناء كارثة الحج الاخيرة، كلام جميل، وعذر مقبول، ولكن من حقنا ان نسأل المسؤولين السعوديين، عما كانوا يتوقعون ان يكون رد فعل المسؤولين الايرانيين، عن مقتل اكثر من 300 من حجاجهم سحقا تحت الاقدام، واختفاء اكثر من مئتين لم يتم العثور على اي منهم حتى الآن، او الحصول على رد واضح حول مصيرهم وغيرهم المئات من الحجاج الآخرين من السلطات السعودية؟
هل يتوقع المسؤولون السعوديون من اب مكلوم، او ابن فقد والده، او الدته، او الاثنين، ان يتغنى بالترتيبات السعودية الرائعة والعالية المستوى لموسم الحج، وان يشيد بحكومة خادم الحرمين الشريفين على رعايتها، وحرصها على ارواح الحجاج؟
مر اكثر من شهرين الآن على كارثة الحجاج، ولم نسمع او نقرأ حتى الآن رقما حقيقيا موثقا علميا عن عدد الضحايا، او مصير المجهولين، ولم نقرأ او نسمع، حتى كتابة هذه السطور، معلومات موثقة عن كيفية حدوث هذه الجريمة، ومن هو المسؤول عنها رغم وجود آلاف الكاميرات، ورغم تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وكل ما سمعناه هو ارسال خادم الحرمين برقية تهنئة الى ولي عهده رئيس اللجنة العليا المشرفة على رعاية شؤون الحجاج وسلامتهم بمناسبة النجاح الكبير لجهوده في هذا الاطار.
اليمن افقر بلد عربي، وربما في العالم بأسره، يواجه قصفا يوميا، ومنذ سبعة اشهر، من اكثر من مئتي طائرة، من احدث ما انتجته المصانع الامريكية، تلقي بحممها على رؤوس اليمنيين، وتقتل وتدمر كيفما تشاء، وتقصف معامل للحليب وتعبئة المياه واعراس، وسط حصار بحري وجوي وبري خانق، اوصل اكثر من عشرين مليون يمني الى المجاعة، وبات خيار المواطن اليمني اما الموت جوعا، او قصفا، نعم.. الحوثيون يقصفون ويقتلون ايضا، ولكن من الذي ذهب الى حربهم؟ ومن البادي في اشعال فتيلها؟ ومن الذي انفق اكثر من 300 مليار دولار على شراء احدث الصواريخ والقذائف واشدها فتكا في السنوات الثلاث الماضية فقط، ويستخدمها حاليا في اليمن؟
***
ممنوع علينا وغيرنا الكتابة عن كل هذه القضايا بموضوعية، ممنوع ان نردد ما يقوله بان كي مون امين عام الامم المتحدة عن مقتل ما يقرب العشرة آلاف يمني، ممنوع ان نتحدث عن كارثة الحج، ونطالب بمعرفة عدد القتلى، هل هم 760 قتيلا؟ ام 2200 قتيل؟ ام اربعة آلاف؟.. ممنوع ان نتحدث عن اي اهمال او تقصير.. ممنوع ان نتطرق للتواطؤ العربي مع حلف الناتو، ودوره في تحويل ليبيا الى دولة فاشلة، تهيمن عليها الميليشيات المسلحة تماما، مثلما كان ممنوعا علينا ان نتعاطف مع اكثر من مليون عراقي قتلهم الحصار بعد غزو الكويت عام 1990، او اكثر من مليون بسبب الغزو والاحتلال الامريكي، واذا تحدثنا فاننا غير موضوعيين، وغير مهنيين، او مجوس، وعملاء لايران، مثلما كنا عملاء لصدام حسين، في نظر اسياد الموضوعية والمهنية، والقيم الديمقراطية، واصحاب البرلمانات التي لا يوجد لها مثيل في العالم، الذين يبكون دما حاليا على العراق وصدام الذي تآمروا مع الامريكان على حصارهما وتدميرهما.

لقد طفح كيلنا من غروركم وغطرستكم وعجرفتكم.. استمروا في هذا النهج، ونبشركم بانكم توحدون الغالبية الساحقة من فقراء العرب، واصحاب الضمائر الحية ضد انظمتكم.

احجبونا.. اطرودنا من عربساتكم.. امنعونا من قنواتكم ومطاراتكم.. واشتمونا كما شئتم.. سنظل نكتب ونكتب حتى ولو على الجدران.. وسننتصر دائما للمظلومين العرب، واولهم شعوبكم.. ولن ترهبونا مطلقا.

الجمعة، 31 يوليو 2015

استياء عام، تلاعب، ومواجهات طائفية... المزاب في مواجهة غياب الدولة الجزائرية

    يوليو 31, 2015   No comments

سليمة ملّاح *


مطلع تموز/ يوليو الجاري، اندلعت اشتباكات في بلدات عدة في وادي المزاب الواقع في ولاية غرداية الصحراوية، على بعد 700 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية. تسبب شبان مجهزّون بأسلحة بيضاء، وكذلك بقنابل المولوتوف والأسلحة النارية، باشتباكات عنيفة بين المزابيين (أو بني مزاب) والشعانبة (أو الشعامبة). وفي حصيلة أيام العنف الثلاثة، سُجل سقوط 23 قتيلاً وعشرات الجرحى واحتراق العديد من المحال والمنازل.
في الرواية التي روّجتها وسائل الإعلام للأحداث، يظهر الصراع على أسس طائفية وإثنية بين الأمازيغ الذين يتكلمون البربرية والإباضيين والعرب والمتحدثين باللغة العربية وهم من المالكيين. أما وسائل التواصل الاجتماعي فكانت شاهدة على توسع دائرة الحقد التي تتجاوز القدرة على احتوائها.
يبدو مهماً تفكيك هذه الصورة كي لا يتم استخدامها كأساس لاعتداءات عنصرية تجاه مكون معين عادةً ما تكون مبنية على وصمه بسمات محددة. تختزل وسائل الإعلام "المستقلة" الصراع بمواجهة ثنائية بين المزابيين والشعانبة، متجاهلة العديد من الحقائق التاريخية والاجتماعية والسياسية، التي يؤدي غيابها إلى استمرار العنف المتفجر، والتي لو أُظهرت لسمحت بفك بعض خصائص هذا العنف.


وادي المزاب: منطقة بثقافات مختلفة

كان وادي المزاب ملاذاً لأتباع المذهب الإباضي، السابق للمدارس الأربع الأساسية لدى أهل السنة والجماعة، الذين هربوا من البصرة في العراق ليستقروا في جبل نفوسة في ليبيا ومن ثَم في الجزائر، حيث أسسوا في العام 761 مملكة تيهرت.
وقد ترك الإباضيون مرغمين هذا المكان في العام 909، وانتقلوا جنوباً باتجاه وادي المزاب، بعدما أمضوا فترة في منطقة ورقلة، حيث نشروا ثقافتهم المدينية. هذه البقعة التي اختاروا الإقامة فيها لم تكن خالية تماماً، إذ كانت ممراً للقبائل الرحل التي احتك بعضها بالإباضيين فتبنوا مذهبهم واستقروا بدورهم في المنطقة. نشأت في وادي المزاب سبع مدن مُسيّجة (تدعى القصور) هي: العطف في العام 1012، وبنورة في 1065، وغرداية 1085، ومن ثَمّ بني يزقن 1321 ومليكة 1355، وفي وقت لاحق بريان 1631، وأخيراً القرارة 1691.
في ما يخص الشعانبة، فالمعلومات الموثقة عنهم قليلة. تشير مصادر إلى أنه عند وصول الإباضيين، كانت في المنطقة قبائل رحل متحدرة من قبيلة زيناتة (بربر) وبني هلال (عرب)، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن هذه القبائل وصلت لاحقاً. الشعانبة، وهم من المالكيين والناطقين باللغة العربية، وهم بالتأكيد من البربر، لكن يعتبرون أنفسهم عرباً.
اختلط الشعانبة بالإباضيين، ونشأت بينهم علاقات تجارية، استقروا في مدنهم حتى القرن الثاني عشر حيث أسسوا في الوادي المجاور مقرهم (قصرهم) الخاص تحت اسم متليلي، إلا أنهم كانوا يعودون بقوافلهم بانتظام. لا بدّ من الإضافة إلى أن هناك مجموعات عُرفت بـ "العرب" استقرت منذ قرون في منطقة ( بني مرزوق والمدابيح وأولاد نايل..). هذه المجموعات، المتخاصمة أحياناً والمتحالفة أحياناً أخرى، شهدت تغييرات متبادلة، فقد اعتنق بعض الإباضيين المذهب المالكي والعكس.
في العام 1317، ولوضع حدّ للخصومات الموجودة بين الطرفين، تمّ توقيع معاهدة بينهما حصل بموجبها استقرار عائلات إباضية في متليلي فيما انتقل شعانبة إلى مدن (قصور) الإباضيين. وفي القرن الرابع عشر جرى توقيع اتفاقية ثانية. وعلى مرّ العقود، شهدت القصور تدفق المالكيين وكذلك اليهود والمسيحيين، مع استمرار التبادل التجاري وكذلك الثقافي مع الجماعات الرحل وشبه الرحل. هذه القدرة على احتواء المزابيين المتجذرين بعمق في وادي المزاب هي ثمرة تنظيم قائم مبني على مؤسسات سياسية ودينية متينة، وعلى مبادئ تضامن موروثة وروح مساواة تكفل نوعاً من الانسجام الاجتماعي والوضع الاقتصادي المستقر.


اختلالات متصاعدة


لم يعرف سكان القصور الاضطرابات الاجتماعية الناتجة من السياسة الاستعمارية، كما تمكنوا من مقاومة انعكاسات الحداثة العنيفة. ولكن يبدو أن هذا المجتمع المحافظ والمحمي استطاع بصعوبة مقاومة الضربات التي تعرض لها في العقود الأخيرة.
شهد وادي المزاب تنامياً ملحوظاً في عدد سكانه منذ الاستقلال، من دون أن تتوفر لديه الموارد لمواجهة الموجات الأخيرة من النزوح لسكان مناطق الشمال المضطربة في التسعينيات، الطامعين بالازدهار النسبي لهذه المنطقة. وهكذا ازداد عدد سكان وادي المزاب من 50 ألفاً بعد الاستقلال إلى حوالي 200 ألف (تحصي الولاية أكثر من 350 ألفا من السكان).
اليوم، يعتبر الإباضيون ديموغرافياً من الأقليات في موطنهم الأصلي. وقد حصلت تغيرات مفاجئة من حيث الشكل المدني وإمكانية الوصول إلى المياه والزراعة، أثرت جميعها على شكل المجتمع التقليدي الذي أُفرغت بنيته السياسية من مكوناتها الأساسية من خلال المؤسسات العامة المستحدثة، من ضمنها المجالس البلدية.
عمّت حال من الاستياء غذّتها نسب البطالة المرتفعة في صفوف الشبان، ولكنها لم تكن مقتصرة على هذه المنطقة. فالاحتجاجات هزت مدناً أخرى دورياً، إلا أن حال التمرّد في ولاية غرداية، حيث لا يتمتع السكان الوافدون حديثاً ببنى اجتماعية منظمة كما في مناطق أخرى، أخذت شكل المواجهات الطائفية ـ الأهلية.
في الماضي القريب، جرى احتواء الصراعات الناشئة بين المذاهب على نحو فعال. ولكن منذ سبع سنوات تقريباً، خيمت حال من التوتر الدائم. فقد عرفت مدينة بريان منذ العام 2008 اهتزازاً أمنياً ومواجهات عنيفة في الأحياء المختلطة، أسفرت عن سقوط خمسة قتلى وعدد من الجرحى وتدمير مئات المنازل، فيما أجبرت عائلات بأكملها على ترك منازلها وأملاكها، واضطر أطفال كثر إلى ترك مدارسهم والانتقال إلى أخرى. وتحولت الطريق الوطنية رقم واحد إلى خط تماس يفصل بين المجموعتين المتنازعتين.
الهدوء الحذر الذي دام لأقل من أربع سنوات في المنطقة توقف في ربيع العام 2013 عندما تحولت مدينة غرداية من جديد مسرحاً للمواجهات. ومنذ ذلك الحين، عاشت مدن عدة أحداثاً عنيفة، ازدادت حدتها مع كل جولة عنف. وفي فترة تقارب الـ15 شهراً، أحصي أكثر من 10 قتلى بينما غادرت مئات العائلات منازلها المتضررة أو المدمرة، كما دُنست القبور والأضرحة.
يبدو الوضع ميئوساً منه، خاصة أن السلطات لا تقدم أية حلول سياسية جدية. هذه السلطات اختارت إدارة أمنية للأوضاع الخارجة عن سيطرتها. هكذا لم يعد لدى السكان أي ثقة بالقوى الأمنية المتهمة بالتراخي، وبالتحيز لطرف دون آخر. وفي نهاية المطاف، فإن رجال الامن الذين تم نشرهم في المنطقة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ما لبثوا أن تمردوا في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، حيث جرى استدعاء الجيش ونشره للمرة الأولى على الارض.
وافتتح العام 2015 في المزاب بموجة من الاعتداءات والحرائق وتدخل عنيف للشرطة التي استعملت الغاز المسيل للدموع متسببة بوفاة العديد. وهكذا، بعد فترة قصيرة من زيارة وزير الداخلية، في 2 تموز/ يوليو، بغرض إنشاء لجنة وزارية مشتركة مولجة البحث في احتمالات التهدئة في مزاب، تفجرت مجدداً ليل الرابع والخامس من تموز/ يوليو موجة العنف، أولاً في بريان ومن ثم في بنورة، لتطال لاحقاً الوادي بأكمله.


انهيار ممنهج؟


كما في السابق، توافق سكان مزاب على مختلف مشاربهم على فضح موقف الحكومة التي اكتفت بخطوات رمزية وبمفاوضات بين ممثلين وهميين عن المذاهب، مع استبعاد الفاعلين الحقيقيين في المجالات الاجتماعية والسياسية. كما فضح السكان أيضاً غياب أي برنامج اقتصادي في ظلّ وجود مصانع مهترئة عفّى عليها الزمن. أضف إلى ما سبق، عدم جدوى برامج الدمج المهني في حين أن حقل حاسي رميل للغاز الطبيعي الذي يعد الأكبر في الجزائر لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مدينة بريان التي شهدت فورة عمرانية سريعة وعشوائية إلى حدّ كبير. علاوة على ذلك، قدمت الوعود من أجل التعويضات وإعادة الإعمار من دون أن تقترن بإجراءات عملية. فشل السلطات كان واضحاً، يزيده وضوحاً الحصانة التي نالها مرتكبو الأفعال الجرمية إبان الاضطرابات التي عززت الشعور بتخلي الدولة وأجهزتها الأمنية عن دورها.
كثرت التساؤلات بشأن الإرادة الفعلية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة وحول ما إذا كان هناك استغلال للوضع المحلي الذي يزداد هشاشة. أما الفوضى وانعدام الامن اللذان تغلغلا باطراد في هذه المنطقة، التي تعتبر تقاطعاً للطرق العابرة للصحراء، فقد شكلا بيئة حاضنة لأوساط المافيا المتورطة في صفقات متعددة، من ضمنها المخدرات، وذلك بالتواطؤ مع عدد من المسؤولين.
يواجه سكان وادي المزاب أيضاً تحدياً إضافياً: ذاك المتعلق بخطاب الكراهية الذي يروجه بعض السلفيين بينما تبقى الإدارة والقضاء غائبين عن المشهد. دعوات القتل لا تصدر فقط عن الدعاة والمحرضين المحليين لكن أيضاً عن قنوات تلفزيونية سعودية ووهابية، مثل سلسلة قناة "إقرأ" التي بثت منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2013 أربع مرات برنامج "كرسي العلماء" الذي يعتبر الإباضيين من "الخوارج" ويبيح قتلهم.
عبّر العديد من الفاعلين السياسيين والمراقبين عن قلق حقيقي إزاء تصاعد العنف مطلع تموز/ يوليو 2015. وتساءل البعض عن تورط "جزء من السلطة" في ذلك، ولمّح البعض الآخر إلى تورط قوى خارجية موجودة في المزاب، كأرضية خصبة لزعزعة الأمن في الجزائر، على غرار ما يحصل في بعض دول المغرب والمشرق.
تبقى المشكلة الأساسية متمثلة في فشل النظام الاستبدادي وعجزه إلى حد كبير، فقد أضعفته الصراعات الداخلية الهادفة لخلافة الرئيس بوتفليقة. كما تبدو السلطة عاجزة في وجه الانهيار الكبير لأسعار النفط وتآكل التوازنات الداخلية الهشة. هذا التدهور في الوضع الاجتماعي - الاقتصادي يصبح مقلقاً، لا سيما مع المناخ الجيوسياسي المنتشر في المنطقة ومع الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها السلطة الجزائرية.
واقع وجود تلاعب في المزاب لا يعفي النظام من مسؤوليته في رسم مخرج سياسي يعزز في حده الأدنى الثقة بين الجزائريين. ومن الضروري والعاجل الخروج من الإدارة الحالية للأزمة، المستندة إلى حلول مؤقتة، لأنه ومن دون أدنى شك، فإن خطر مواجهة الاختلالات الكبرى لم يعد سيناريو مستبعداً.
___________________________

عن السفير...
 (ترجمة: هيفاء زعيتر)
* رئيسة تحرير موقع Algeria Watch

 

السبت، 28 فبراير 2015

الإسلام والتوحّش: معالم من معارك الغرب الدعائيّة

    فبراير 28, 2015   No comments
أسعد أبو خليل

العولمة، في معنى من معانيها، تعني استبطان واجترار قيم ومفاهيم الغرب من قبل غير الغربيّين - ومن دون إدراك واعٍ - حتى ولو كانت تلك القيم والمفاهيم على تضاد مع مصالح غير الغربيّين. عولمة القيم هي في محاكاة الرجل الأبيض المُستعمِر من دون أن تلاحظ (تلاحظي) ذلك. إن عولمة الاستعمار والهيمنة الفعاليّة هي في إيهام المُستعمَر ان ما ينطق به وحتى ما يعتقد انه يؤمن به بقوّة وحماسة هو نتاج ذاتي غير متأثّر باستعمار بدأ ولم ينتهِ.

كتب إدوار سعيد في ختام كتاب «الثقافة والإمبرياليّة» ان واحداً من الأذى الاستعماري ان شعوب العالم النامي تظنّ ان هويّاتها خاصّة بها وحدها، أو أصيلة، فيما هي ناتجة عن تقسيمات أتى بها المُستعمِر لخدمة أغراضه هو، لكن بات يُخيّل لسكّان رواندا وبوروندي أن تقسيم الـ «هوتو» والـ «توتسي» هو اجتماعي عميق، مع أن الألمان والبلجيك هم الذين حوّلوا الفارق (الهامشي جينيّاً) بعد الحرب العالميّة الأولى بين الشعب المحلّي إلى تقسيم طبقي واجتماعي ووظيفي (استعان البلجيك بأقليّة الـ «توتسي» لفرض حكمهم واصدروا بطاقات هويّة للتفريق بين الفريقيْن). هل أن الإيمان العربي (الباطل) بأنهم بيض (فيما هم أفرو- آسيويّون) ناتج من قناعة خالصة أم هو محاولة للتماهي مع ميزات الرجل الأبيض في البلاد وفي المهاجر؟
إن خطاب الغرب التاريخي العدائي ضد الإسلام يُستبطن من قبل مسلمين (حتى لا نتحدّث عن غيرهم) فيما يقوم الغرب بإعادة شحذ أدوات حروبه الماضية في بلاد العرب والمسلمين. لكن البيت الأبيض عقد قبل أيّام مؤتمراً لمكافحة «التطرّف» ودعا إليه رهطاً من المعتدلين، من السعوديّة ودولة الإمارات ومصر وقطر واوغندا والبحرين والأردن بالإضافة إلى ممثّل عن طاغية كازخستان، حتى لا نتحدّث عن خارقي حقوق الإنسان في الغرب. (ودعا، في من دعا، رسّاماً أردنيّاً زعم ان قصصه المصوّرة تباع بالملايين وأنه إستطاع ان يخلق للعرب والمسلمين أبطالاً جدد، لا يشكّلون خطراً على المصالح الأميركيّة. وزعم الرسّام - الذي لم يسمع به احد واسمه سليمان البخيت، وهو ابن لرئيس وزراء سابق للنظام الهاشمي الصهيوني - أن متطرّفين اعتدوا عليه بسبب مكافحته التطرّف). قرّرت أميركا مكافحة التطرّف، مثلما هي كافحت في حقبة الحرب الباردة مظاهر التطرّف اليساري والعلماني والمتنوّر والنسوي في كل بلاد العالم النامية، وعملت مع النظام السعودي والأردني والباكستاني على نشر قيم الجهاد الإسلامي الرجعي لدحر الشيوعيّة (من الضرورة قراءة الفصل الأوّل - على الأقلّ - من كتاب الصديق جوزيف مسعد، «الإسلام في الليبراليّة»، والذي يخوض في تاريخ الخطاب السياسي الليبرالي الاستعماري نحو الإسلام والمسلمين). كانت أميركا تحضّ على تعبئة دينيّة جهاديّة للمسلمين من أجل محاربة فكر التنوير والشيوعيّة في زمن الحرب البادرة.
وقد تعرّض أوباما إلى انتقادات من فريق كبير من الساسة في أميركا لأنه تمنّع عن استعمال وصف «الإسلامي» للتطرّف، لأن التطرّف هو إسلامي بالعرف الأميركي. ووصف التطرّف بالإسلامي يصبّ في مجرى السجال السياسي الدائر والذي لا نهاية له: هل الإسلام برّاء أم أن الإسلام مذنب؟ والحكم على الإسلام وإدانته من خواص التعاطي الغربي مع الإسلام: والإسلام في قفص الاتهام، إن كان في القرون الوسطى أو في عصر الليبراليّة الاستعماريّة. وموضع توّحش «داعش» بات على كل شفّة ولسان، غرباَ وشرقاً. التنظيم المذكور يتقصّد الإرهاب تكتيكاً وهدفاً، وهو في هذا يختطّ لنفسه منجهاً مستحدثاً في الإرهاب الحديث. لكن «داعش» لم يخترع وسائل تعذيب جديدة، ولم يأت بعقيدة جديدة لم تعرفها منطقتنا - أو منطقتهم - من قبل. إن «داعش» هو التطبيق الفعلي لعقيدة حاكمة في مملكة القهر السعوديّة، لكن مع بثّ مُتلفزّ لتطبيق العقوبات، فيما تعاقب حكومة آل سعود مَن يتجرّأ على أخذ صورة أو فيديو بهواتفه لقطع الرؤوس والجلد الدوري في الساحات العامّة.
لقد ألصق التوحّش بالإسلام في الغرب، وحتى في الشرق حيث اجترّ الاستشراق المحلّي (الكنسي غالباً تاريخيّاً) مقولات العداء والكراهية ضد الإسلام. والخطاب النفطي السعودي المُوالي للغرب الصهيوني بات معنيّ بإعادة نشر وضخ مقولات الصهيونيّة الغربيّة نفسها ضد العرب والمسلمين. ولهذا فإن صفحات جريدة «الشرق الأوسط» و»المجلّة» (المملوكتيْن من قبل الملك السعودي الحالي) باتت تعجّ بكتابات عتاة الصهاينة وكارهي الإسلام في الغرب. أفردت مجلّة «المجلّة» مقالة غلاف مسهبة للليكودي الصهيوني، جوشوا مُرافتشيك، وهو ليس أكاديميّاً وليس خبيراً في شؤون الشرق الأوسط إلا إذا كان التعصّب ضد العرب هو الاختصاص الشرق اوسطي عينه - وهذا سارٍ في المعيار الصهيوني في أميركا، لنقد وإهانة وتشويه كتابات الراحل إدوار سعيد. أي أن حماة «الحرميْن» باتوا المُسوّقين المحليّين لعقيدة معاداة الإسلام، وللعقيدة التي تسهم في تقبيح صورة الإسلام في الغرب والشرق على حدّ سواء.
لا يمكن منهجيّاً نسب أفعال وجرائم أفراد من المسلمين إلى الدين نفسه

لكن هل يمكن الحديث عن وحشيّة أو إرهاب إسلامي؟ ولماذا لم يؤدّ نحو قرن من الإرهاب الصهيوني إلى استعمال وصم «الإرهاب اليهودي»؟ ووصم الإرهاب بصفة الدين - في الحالتيْن- جائر لأنه يحمّل الدين والعقيدة وزر أفعال أشخاص، قلّ عددهم أم كثر. إن الإرهاب والوحشيّة ليس صنو الدين، مع أن العلمانيّين والملاحدة يرغبون في نسبة كل إرهاب وكل وحشيّة إلى الدين. هذا لا يعني ان الدين - كل دين، أو أي دين - هو برّاء ممُا يصلق به بالضرورة خصوصاً في حالات تكون فيها السدة البابويْة - أعلى مرجع في الدين المسيحي تاريخيّاً - مسؤولة مثلاً عن الإعلان الرسمي للحروب الصليبيّة وعن إرهاب النساء تحت عنوان «محاربة الساحرات»، أو في قمع الأقليّات في زمن كان القسّ فيه حاكماً. وفي هذا لا ينطبق الوصم على الإسلام لسبب بسيط ان الحاكم هو الذي يُخضع الفقيه لسلطته، وليس العكس. إن المفتي السعودي أو حاكم الأزهر ليس إلا أداة بيد طاغية مُتغيّر: والطاغية يمتّ إلى الدين بصلة أضعف من صلته بالاستعمار. الحالة الإيرانيّة تختلف لأن الفقيه أخضع الحاكم لسلطته لكن نظريّة «ولاية الفقيه» لا تعبّر عن صلب العقيدة الشيعيّة ولا تحظى بإجماع المراجع الشيعيّة العليا حول العالم.
والحديث عن التوحّش في الإسلام يقتضي مساءلة فرضيّة نسب أفعال أفراد أو حكّام مسلمين إلى الإسلام نفسه. هادي العلوي كتب كتاباً مقروءاً جدّاً بعنوان «من تاريخ التعذيب في الإسلام». لكن العلوي بعنوانه هذا نسب كل ما جرى من تعذيب وجرائم إلى «الإسلام» بصورة عامّة، والتعميم من هذا النوع يفضي إلى مفاهيم وفكر الاستشراق التقليدي. لا يمكن منهجيّاً نسب أفعال وجرائم أفراد من المسلمين إلى الدين نفسه. وهذا النوع من التعميم لا يُستعمل بتاتاً عن اليهوديّة أو المسيحيّة. وقد استدرك العلوي متأخّراً ما وقع فيه من خطأ في المنهج فأضاف تعقيباً على طبعة لاحقة جاء فيها: «أرسل لي الفنّان العراقي أسعد علي بعد صدور هذا الكتاب إضمامة (ألبوم) تتضمّن صوراً لأشكال التعذيب في أوروبا حتى مطلع القرن التاسع عشر. وبعد ان تصفّحته قليلاً طويته وأخرجته من منزلي إذ لم تواتيني الشجاعة على مواصلة النظر فيه. وإنما ساعدني على وصف فنون التعذيب في تاريخنا أنها وردتنا محكيّة لا مكتوبة. وأقول في ختام هذا القسم إني كلّما خضت في تاريخ هذه الهمجيّة الكبرى وددت لو أن البشريّة لم توجد على الأرض» («فصول من تاريخ الإسلام السياسي»، ص. 327). تقرأ هذا الاستدراك وتقول في سرّك للمؤلّف: «بعد شو؟»، بعد ان الصقتَ كل ما مرّ على تاريخنا الطويل من تعذيب بالإسلام؟ وفي كتابه هذا يعترف العلوي ان الإسلام لم يُدخل «فنّاً» في فنون التعذيب إلا واستعاره من حضارات سبقته أو جاورته.
لكن المنهج الغربي الحالي يصرّ على أمريْن: 1) لوم الإسلام برمّته على أفعال كل مسلم في أي مكان في العالم. 2) العمل الدؤوب من أجل تغيير عقيدة الإسلام، وإعادة تفسير نصوصه الدينيّة بما يتلاءم مع مصالح الغرب ودولة العدوّ الإسرائيلي. (قلتُ مرّة لمراسل «نيويورك تايمز» عام 1993 بعد أن سألني عن التغطية المجنونة لتفجير «مركز التجارة العالمي» الأوّل عام 1993: ليس الهدف نفي تهمة الإرهاب عن بعض المسلمين. على العكس: إنه من حق المسلمين ان يكون لديهم عدد من المجرمين والإرهابيّين والأوغاد، مثلهم مثل كل الشعوب وأفراد الأديان، من دون ان تؤدّي أعمال المجرمين والإرهابيّين والمعتوهين - المسلمين بالولادة أو العقيدة - إلى تحميل الدين الإسلامي أو ثقافة العرب أو تاريخ المنطقة المسؤوليّة عن هذه الشرور غير المحصورة بالمسلمين.
هناك أكثر من طريقة لدراسة التوحّش الإسلامي المعاصر. أولاً، يمكن دراسة الظاهرة من خلال وضعها في سياقها السياسي والتاريخي المعاصر. هذا ما فعله روبرت بيب، في كتابه «الاستماتة للفوز» عن ظاهرة العمليّات الانتحاريّة المعاصرة والتي توصّل خلاصتها إلى الاسنتاج أنها غير مرتبطة بدين أو بعقيدة واحدة، وأن شعوباً مختلفة ذات مذاهب مختلفة (بما فيها يسار ملحد) ارتكبت أعمالاً كهذه بدافع مشترك: التخلّص من احتلال أجنبي. ثانياً، يمكن وضع الظاهرة في سياقها الإقليمي المعاصر، من دون الغوص في التاريخ السحيق. إن وحشيّة «داعش» أو غيرها من التنظيمات تمكن نسبتها إلى تنظيمات إرهابيّة معاصرة. لا حاجة إلى التفتيش في كتب الفقه (كما فعل الراحل العزيز، هادي العلوي، وكأن كتب الفقه هي التي تفسّر أفعال البشر من المسلمين، وليس العكس، وكأن ليس هناك من ظواهر اجتماعيّة واقتصاديّة أجدى بالفائدة في التفسير)، ولا حاجة للغوص في نظريّات عنصريّة عن «العقل العربي». إن ولادة الميليشيات المسلّحة في بلادنا كان في الثلاثينيات من القرن الماضي على يد الميليشيات الصهيونيّة (ولم يكونوا من المسلمين). هؤلاء كانوا الروّاد الحقيقيّين في تعريف المنقطة على أنماط من الوحشيّة والإرهاب لم تعرفها منطقتنا من قبل. العصابات الصهيونيّة هي كانت أوّل مَن لجأ إلى هذه الوحشيّة في الإرهاب: 1) رمي القنابل في المقاهي (في يافا في 17 آذار، 1937، للمرّة الأولى). 2) رمي القنابل على متن الحافلات (في صيف آب-أيلول عام 1937 في أنحاء مختلفة من فلسطين للمرّة الأولى). 3) رمي القنابل في الأسواق الشعبيّة (في 6 تمّوز عام 1937 في حيفا للمرّة الأولى). 4) تفجير الفنادق (في 22 تمّوز 1946 في القدس، للمرّة الأولى). 5) تفجير السفارات (في 1 أكتوبر من عام 1946 في روما للمرّة الأولى). 6) تفخيخ سيّارات الإسعاف (في 31 أكتوبر عام 1946 في بتاح تكفا، للمرّة الأولى). 7) تفخيخ الطرود البريديّة (في حزيران عام 1947 ضد أهداف بريطانيّة للمرّة الأولى). (راجع كتاب «من هم الإرهابيّون» الصادر بالإنكليزيّة عن مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة في عام 1972، والذي يجب ان يُترجم إلى كل لغات الأرض).
وهناك أيضاً ميلشيات اليمين الطائفي في الحرب اللبنانيّة، وتحديداً ميلشيات «حزب الكتائب» و»نمور الأحرار» و»حرّاس الأرز» و»التنظيم» (والذين انضووا في ما بعد في نطاق «القوّات اللبنانيّة). إن هذه المليشيات كانت أوّل ميلشيات حربيّة عربيّة معاصرة في التاريخ العرب الحديث. وهي - وإن لم تكن إسلاميّة، بل أدخلت في عقيدتها وشعاراتها ورموزها رسوماً ورموزاً مستوحاة من الدين المسيحي، وإن يكن من الإجحاف تحميل الدين المسيحي وزر جرائم حرب هؤلاء - كانت أوّل من تفنّن، كما الصهاينة، في اإبتكار وسائل تعذيب وحشيّة لم تشهدها منطقتنا من قبل. هناك من يقول إن الكل «فظّع» في الحرب وارتكب جرائم، لكن هذه المقولة التوفيقيّة تهدف إلى تبرئة المجرم وهي مجافية للحقيقة. لم تكن كل التنظيمات الفلسطينيّة واللبنانيّة متساوية في الجرم: لا في إشعال الحرب، ولا في استمرارها ولا في ممارسة التعذيب والتمثيل بالجثث. هناك تنظيمات يساريّة لبنانيّة وفلسطينيّة فرضت انضباطاً جبّاراً في سنوات الحرب، وإن كانت التنظيمات المرعيّة من قبل مخابرات الأنظمة العربيّة أقل التنظيمات انضباطاً، لا بل إن إجرامها كان مقصوداً بهدف التخويف - أو الإرهاب. لكن تنظيمات اليمين الطائفي التي أشعلت الحرب الأهليّة عام 1975 (بعد ان حاولت إشعالها عام 1969 وفي عام 1973) وبإيعاز من العدوّ الإسرائيلي، هي التي ابتكرت وسائل تعذيب لم تعرفها منطقتنا من قبل. قد يكون التنسيق والتناغم بين هذه الميلشيات والعدوّ الصهيوني أدت إلى مشاركة بين الطرفيْن في تطبيق أنواع مختلفة من الوحشيّة، أو الاستيحاء والإلهام المتبادل. لكن ميليشيات اليمين الطائفي بدأت مبكّرة في ترويع اللبنانيّات واللبنانيّين: هي التي كانت السبّاقة إلى ممارسة عمليّات الخطف الطائفي (والتي سارع إلى ممارستها «ثوّار» سوريا المرعيّين من قبل الأنظمة التركيّة والسعوديّة والقطريّة) وإلى القصف العشوائي على منازل الآمنين (والتي شاركت فيها ردّاً مدفعيّة حركة «فتح» بأمر من «أبو صالح»، الذي استغلّ غياب «أبو عمّار» عن الساحة اللبنانيّة). كانت الميلشيات اليمينيّة تقطع الأعضاء الذكوريّة للمخطوفين من المسلمين وتكدّسها في براميل في منطقة المرفأ. لقد ترك كتاب مجرم الحرب، جوزيف سعادة «أنا الضحيّة والجلاّد أنا» بالغ الأثر على الراحل جوزيف سماحة، وكان يشير إلى ضرورة قراءة الكتاب لفهم طبيعة الحرب الأهليّة في لبنان، ودور ميليشيات اليمين فيها. كانت الميليشيات أوّل من مثّل بالجثث ومَن كان يربطها إلى السيّارات والمسير بها بسرعة فائقة حتى تتحلّل الجثّة امام جمهور المُصفّقين على تخوم المخيّمات الفلسطينيّة حيث كانت المجازر ضد أهلها لا تكتمل إلا بفتح زجاجات الشمبانيا.
لم تعد الذاكرة اللبنانيّة المعاصرة تحتفظ بسجلّ لإجرام تلك الميلشيات (غير الإسلاميّة) المتحالفة مع الصهيونيّة. لقد نشر الاتحاد الاشتراكي العربي في لبنان (أو واحد من تنظيماته المُنشقّة بالاسم نفسه) كتاباً مرجعاً بالفرنسيّة عام 1976 واحتوى على صور وشهادات عن وحشيّة تلك الميلشيات. لم يقل أحد يومها بأن الجرائم تلك كانت نتيجة طبيعيّة لنصوص دينيّة مسيحيّة، أو ان مسح العوارض الوحشية عن الحياة اللبنانيّة تقتضي إعادة صوغ تفاسير جديدة للدين. كانت المجازر التي ارتكبتها الميلشيات تلك في المخيّمات الفلسطينيّة وفي النبعة وحي الغوارنة وسبناي من أبشع ما ارتكب من جرائم في الحروب الأهليّة حول العالم، بشهادة المراسلين الأجانب الذين غطّوا أكثر من حرب أهليّة. ولقد كنّ مراسل «واشنطن بوست»، جوناثان رندل، الذي غطّى أولى سنوات الحرب، كراهية فظيعة وعداء مستحكماً ضد ميليشيات «الكتائب» و»الأحرار» بسبب وحشيّتهم وكتب في ذلك كتاب «الذهاب إلى الآخر».
لا تريد أميركا ان تتصدّى للمُسببات الحقيقيّة للتطرّف والوحشيّة في منطقتنا. هي لا تريد ان تعترف بقسطها من المسؤوليّة وبقسطها من ممارسة الوحشيّة والإرهاب. أميركا والعدوّ الإسرائيلي والطائرات الغربيّة تحرق الجثث من أعلى، فيما يمعن «داعش» في حرقها من أسفل. الحرق حرقٌ وإن تعدّدت الأسباب والأدوات والجهات.
إن الخطاب الغربي عن الإسلام هذه الأيّام لا يختلف البتّة عن الخطاب الألماني النازي عن اليهود في الثلاثينيات. هاكم وهاكنّ مراسل «نيويورك تايمز في الدانمارك أندرو هيغنز، يكتب هذا الأسبوع عن المسلمين هناك: «كما في دول أوروبيّة أخرى، قد يتعايش المسلمون في الدانمارك مع جيرانهم لكنهم يحافظون على تعلّقهم بالقيم وبالعقليّة المُتأثّرة بالمؤامرات من بلدان منأشهم». لو ان هذا الكلام قيل عن اليهود اليوم لقامت تظاهرت حاشدة ضد الكاتب وضد الصحيفة. أما الخبير الفرنسي في شؤون الإسلام، أوليفي روا (الذي درس «إسلام الضواحي» في فرنسا) فقد دعا جهاراً في مقابلة مع صحيفة «إنفورماسيون» الدانماركيّة إلى «بناء نموذج وطني (دانماركي) للإسلام من خلال تمويل حكومي». لم تعد الدعوة إلى مشاركة حكومات الغرب في صنع إسلام جديد وملائم خافتة.
أما مجلّة «أتلانتك منثلي» فقد نشرت مقالة طويلة جدّاً عن «داعش» قبل أيّام واستعانت فيها بآراء المؤرّخ، برنارد هيكل، الذي يعترض على كل مَن يبرّئ الإسلام من جرائم «داعش»، وسخر فيها من مقولة ان الإسلام دين سلام (والحقيقة ان كل الأديان تقبل الحرب والسلم على حدّ سواء، ورهبان البوذيّة رعوا في السنيتيْن الماضيتيْن إرهاب البوذيّيين ضد المسلمين في بورما، وأجّجوا له). ويقول هيكل إن الإسلام هو مجموع «ما يفعله المسلمون». لكنه لا يقول لنا إذا كان ذلك ينطبق أيضاً على اليهود والمسيحيّين. ويعود هيكل إلى نصوص تمتد لقرون من الزمن ليدلّل على وحشيّة الإسلام، كأن النصوص التوراتيّة مسالمة ووديعة، وكأن الحياة التي عاشها المسيحيّون على مرّ القرون كان ملؤها التسامح والسلم، وكأن المسلمين يقيمون حياتهم بناء فقط على النصوص الدينيّة (فليقرأ كتاب ماكسيم رودنسون، «الإسلام والرأسماليّة»). الكاتبة سوزان جاكوبي ذكّرت قرّاء «نيويورك تايمز» بجرائم الحروب الصليبيّة. لكن المقارنات الدينيّة في الجرائم لا تفيد، لأنها في النهاية تقابل إجرام حقبة الصليبيّة بإجرام يتصل في أذهان الغربيّين بالإسلام.
لم يعرف العالم العربي توحشّاً مثل الذي شهده في الحرب العالميّة الثانية ولم يكن أطرافها أو مُخطّطوها أو منفّذوها من المسلمين. تطاحن الطرفان وقتلا بالملايين، وتعرّضت ملايين النساء للاغتصاب. قال الجنرال كرتس لو ماي، قائد القوّات الأميركيّة في الباسيفيك، لمساعده روبرت مكنمارا (الذي عمل لاحقاً وزيراً للدفاع في حرب فييتنام ثم رئيساً للبنك الدولي): «سنُحاكَم على جرائم حربنا لو هزمنا» - قالها فيما كان ومساعده يختاران مواقع الأحياء السكنيّة في طوكيو للقصف اليومي (قتل القصف الأميركي نحو 100000 مدنيّ ومدنيّة في ليلة قصف واحدة). وكتاب «حرب من دون رحمة» يروي بتفصيل فظائع ووحشيّة القوّات الأميركيّة في حربها في الباسيفيك. كانت آذان الجنود اليابانيّين تُقطع وتصنّع حمّالات مفاتيح، فيما كانت العظام تُسنّن وتصنّع قاطعات للورق. والفظائع الألمانيّة دخلت التاريخ البشري في القدرة على إستخدام التكنولوجيا الحديثة لقتل ملايين من البشر.
إن الوحشيّة بشريّة وليس خاصّة بدين أو بطائفة أو بعرق. هذا ما حاولت حنة أرندت ان تقوله في كتاب «أيخمن في القدس»، والذي أثار ضدّها غضبة الصهاينة. وميشيل فوكو درس استعراض القتل والتعذيب في التاريخ الأوروبي في كتاب «عقاب ومراقبة»، وارتباط طقوس التعذيب والقتل بطرق المراقبة والقمع الشامل من قبل السلطة. هذا لا يعفي المسلمين وغير المسلمين من المسؤوليّة عن تطويع الدين لغايات أنظمة وتنظيمات وعقائد وحشيّة. لكن هذه المسؤوليّة توازي مسؤوليّة الغرب الحاضر، وليس التاريخي فقط، عن وحشيّة رافقت كل حروبه المعاصرة، خصوصاً ضد المسلمين والعرب. إن وحشيّة «داعش» وتنظيماتها ولدت في سياق وحشيّة الحروب الأميركيّة، كما ان السياسات الغربيّة نحو سوريا على مدى السنوات الأربع الماضية هي التي لعبت دور القابلة القانونيّة لولادات تنظيمات وحشيّة. وإخراج أفلام وصور «داعش» يستقى من صور الوحشيّة الأميركيّة في العراق وأفغانستان.
طبعاً، يريد الغرب ان يجعل من موضوع الوحشيّة الداعشيّة الموضوع الأوحد من أجل ان يتيح لنفسه إعادة تعريف الإسلام ومن اجل الحصول على تنازلات سياسيّة من العرب والمسلمين. تستطيع ان تحلّل الإرهاب الداعشي دينيّاً - كما يفعلون في الغرب - لكنك تستطيع أيضاً ان تحلّل الظاهرة كواحدة من الإفرازات الوحشيّة للسياسات والحروب الأميركيّة في منطقتنا على مدى عقود طويلة. لكن وحشيّة إرهاب الغرب والعدوّ الإسرائيلي تحظى بتجميل، من قبل حكومات الغرب التي تطلي عدوانها بشعارات برّاقة عن الحريّة والديمقراطيّة، فيما يجترّ الليبراليّون المحليّون خطاب ذم الذات العنصري.

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

تونس تطوي انتخاباتها بتهنئة المرزوقي للرئيس الجديد الباجي القائد السبسي

    ديسمبر 23, 2014   No comments
طوت تونس أمس صفحةالانتخابات الرئاسية، فيما كان لافتاً حجم الاحتفاء الدولي بانتخاب الباجي القائد السبسي، الذي قال في أول كلمة له إنه سيكون «رئيساً لكل التونسيين»

تعهد الرئيس التونسي المنتخب، الباجي قائد السبسي، مساء أمس، بأن يكون «رئيساً لكل التونسيين»، داعياً مواطنيه الى نسيان «انقسامات» فترة الحملة الانتخابية.
وقال قائد السبسي (88 عاماً)، في كلمة عبر التلفزيون التونسي العام، «أؤكد أني سأكون إن شاء الله رئيساً لكل التونسيات والتونسيين»، شاكراً في الوقت ذاته منافسه الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي.
وقال «أتوجه بالشكر الى السيد الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي هاتفني منذ حين وهنأني على ثقة الشعب. أشكره وأقول له إن الشعب التونسي لا يزال في حاجة إليه، وأنا شخصياً، الى نصائحه».

وأظهرت النتائج الرسمية، أمس، فوز قائد السبسي بنسبة 55.68 في المئة، في أول انتخابات رئاسية حرة في تونس، أشادت بها الولايات المتحدة، التي رحبت بتونس ضمن «الدول الديموقراطية». وقال رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، «نعلن فوز الباجي قائد السبسي بنسبة 55.68 على المرزوقي الحاصل على 44.32 في المئة من الأصوات.»
وفي رد فعل على مواجهات بين محتجين ورجال أمن في بعض مناطق الجنوب التونسي، حيث حلّ المرزوقي في الطليعة، إثر إعلان النتائج، دعا قائد السبسي الى الهدوء. وقال «أريد أن أتوجه الى شعبنا، سواء في الجنوب أو الشمال... إن ما يجري في بعض مناطق الجنوب ما كان يجب أن يحصل»، مشككاً في أن يكون الأمر عفوياً. وأضاف «الحملة الانتخابية انتهت، وعلينا الآن أن ننظر الى المستقبل».
واشنطن تقود الاحتفاء بالانتخابات، والدوحة تنضمّ إلى المهنئين

وكان محتجون في تطاوين (جنوب) قد أحرقواً مقر «نداء تونس» احتجاجاً على فوز قائد السبسي. وقال شهود إن قوات الشرطة التونسية أطلقت في وقت سابق، أمس، قنابل الغاز في مدينة الحامة الجنوبية لتفريق مئات الشبان المحتجين على إعلان حملة السبسي. لكن المنصف المرزوقي دعا، في بيان، إلى الهدوء، قائلاً إن «تونس انتصرت».
وقال، في بيان، «أتابع بانشغال بعض التحركات غير السلمية هنا وهناك في علاقة بنتائج الانتخابات وأدعو الجميع إلى الكف عن أي أشكال التحريض والتشنج، وخاصة في هدا الظرف الحساس». وأضاف إن «نجاح الانتخابات وإتمام المرحلة الانتقالية في حد ذاته مكسب كبير لكل التونسيين، مهما اختلفت خياراتنا وتوجهاتنا، ويجب علينا أن نتحلى بالروح الرياضية وتغليب المصلحة العليا للبلاد على أي حسابات أخرى».
وتمثل الانتخابات الرئاسية الخطوة الأخيرة في مرحلة الانتقال الديموقراطي في تونس إثر الحراك الذي أطاح الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011.
وهنأ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قائد السبسي بالفوز وتعهد بالعمل معه في الفترة المقبلة، مشيداً «بنجاح الانتخابات» التي قال إنها مرحلة هامة في «إنهاء الانتقال الديموقراطي التاريخي».
بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في بيان، «لقد ضربت تونس لمنطقتها وللعالم بأسره مثالاً مشرقاً لما يمكن تحقيقه من خلال التفاني من أجل الديموقراطية والتوافق واتباع عملية سياسية حاضنة لكل الأطراف». وأضاف «ستواصل الولايات المتحدة دعم تونس وهي تنضم إلى الدول الديموقراطية في العالم».
وفي سياق الاحتفاء بنتائج الانتخابات التونسية، هنأ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، الرئيس التونسي المنتخب وتمنى له «النجاح الكامل في مهمته في خدمة الشعب التونسي»، وأشاد «بحس المسؤولية لديه».
بدورها، قالت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، في برقية تهنئة للرئيس التونسي المنتخب الجديد، إن «الاتحاد الأوروبي متمسك بالعمل مع السلطات التونسية الجديدة لدعم العملية الديموقراطية».
كذلك، كانت لافتة التهنئة القطرية الموجهة إلى الرئيس التونسي الجديد. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن الأمير تميم بعث «برقية تهنئة إلى فخامة السيد الباجي قائد السبسي لمناسبة فوزه... متمنياً له التوفيق والنجاح».
__________________

تونس: عجوز على كرسي الرئاسة بعد سنوات من ثورة الشباب

نور الدين بالطيب

تونس | لم يكن أحد من التونسيين يتصور أن ذلك العجوز، الذي نسي مع من نسي من وزراء بورقيبة، الباجي قائد السبسي، سيكون رئيساً لتونس في حوالى التسعين من عمره، بعد ثورة كان عنوانها الرئيس: (الشباب).
فاز الباجي قائد السبسي (١٩٢٦) بنسبة ٥٥،٦٨% من الأصوات أمام منافسه في الدور الثاني، الرئيس المؤقت، منصف المرزوقي، الذي حصل على نسبة ٤٤،٣٢%، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات ٦٠،١١% من مجموع المسجلين في القوائم الانتخابية. ويمثل وصول السبسي إلى الحكم مفارقة كبيرة بعد ثورة أطاحت النظام السابق في ١٤ كانون الثاني، قادها الشباب، من متخرجي الجامعات، العاطلين من العمل خاصة.

المفارقة في أنه ربح على مرشح "الثورة" و"الربيع العربي" الذي لقي ترحيباً عربياً ودولياً، عند انطلاقته من تونس، أواخر ٢٠١٠، وبداية ٢٠١١، والذي امتدّ بعد ذلك إلى اليمن ومصر وليبيا وسوريا، وأدى إلى نتائج كارثية في معظم الحالات.
صعود السبسي اليوم، بما يمثله من إرث رمزي، باعتباره أحد بناة دولة الاستقلال التي انطلقت في ٢٠ آذار ١٩٥٦، عندما التحق بديوان رئيس الحكومة مستشاراً للحبيب بورقيبة، يمثل نهاية عملية للمشروع الذي بشّر به منافسه، منصف المرزوقي، الحقوقي والمعارض الشرس لنظامي بورقيبة وبن علي، والذي بنى مشروعه على الترويج لمشروع "الربيع العربي" ضد "أنظمة الفساد والاستبداد" وقد كانت انطلاقة هذا المشروع من مدينة سيدي بوزيد، بعد إحراق الشهيد محمد البوعزيزي نفسه في ١٧ كانون الأول ٢٠١٠، وتبعت ذلك احتجاجات غير مسبوقة، انتهت برحيل بن علي، وتولي رئيس وزرائه، محمد الغنوشي، الحكم لليلة واحدة، ليتولى بعده رئيس البرلمان فؤاد المبزع الحكم. لكن شباب الثورة (كما يسمونهم في تونس) أسقطوا الحكومة الأولى والثانية، عبر اعتصامين شهيرين (القصبة الأولى والثانية) ولم تستقر حال البلاد إلا مع تولي الباجي قائد السبسي رئاسة الحكومة في أواخر شهر شباط ٢٠١١.

تسليم السلطة

عندما عاد اسم قائد السبسي إلى الأضواء كان اسماً جديداً لغالبية الشبان الذين شاركوا في الحراك الاحتجاجي، بسبب انسحابه من الحياة السياسية منذ سنة ١٩٩١، بعد سنة واحدة قضاها رئيساً لأول برلمان، في عهد بن علي. لكن السبسي قديم في المشهد السياسي، وله محطّات هامّة مع الديموقراطية، فهو أول من انشق على النظام البورقيبي، عندما استقال من سفارة تونس في باريس١٩٧٠، وقد كان نشره لاستقالته على أعمدة جريدة "لو موند" تحدياً ضمنياً لـ"الأب الروحي" والزعيم، الحبيب بورقيبة، الذي تحدث عن تفاصيل علاقته به في كتابه الشهير "بورقيبة الأهم والمهم". وبعد هذه الاستقالة تتالت الاستقالات من نظام بورقيبة، ومن أشهرها استقالة أحمد المستيري، والحبيب بولعراس، ومحمد مواعدة، ومصطفى بن جعفر، وغيرهم، وذلك على خلفية انتهاك النظام لأسس الديموقراطية، ومنع التعددية الحزبية وحرية الإعلام، وفي سنة ١٩٧٦ أسّس قائد السبسي مجلة بالفرنسية بعنوان "الديموقراطية" كان لها دور حيوي في نشر الثقافة الديموقراطية في بلد لا يؤمن بغير الزعيم الواحد. كما كان قريباً وفاعلاً في المجموعة التي أسست الرابطة التونسية للدفاع عن "حقوق الإنسان"، وكذلك جريدة "الراي" أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولم يعد قائد السبسي إلى الحكومة إلا بعد اعتراف الزعيم، الحبيب بورقيبة، بالتعددية الحزبية، وحرية الإعلام، فتولّى وزارة الخارجية في عهد رئيس الوزراء، القريب من الإسلاميين، محمد مزالي، ثمّ سفارة تونس في بون بألمانيا.
استعاد قائد السبسي حضوره في المشهد التونسي بعد فشل حكومتي محمد الغنوشي، ودخل التاريخ كأول رئيس حكومة عربي يسلّم الحكم لحكومة منبثقة من برلمان انتخبه الشعب، وبرئاسة أحد قادة الحركة الإسلامية، حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة "النهضة" وقد كان الاحتفال الذي نظّمه في قصر الحكومة بالقصبة، كانون الأول ٢٠١١، سابقة في تاريخ العالم العربي، بعد ثماني سنوات من رئاسة الحكومة التي التزم خلالها بتنظيم الانتخابات، وعدم الترشح لأي منصب، وكذلك كلّ أعضاء حكومته.

العودة

بعد انسحاب السبسي، وتسليمه للحكم، لم يكن أحد يتصور أن العجوز، الثمانيني، سيعود إلى الأضواء. لكنّه اختار، منذ ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢، أن يعود لتحقيق المعادلة في المشهد السياسي، فأسّس حركة "نداء تونس" مع مجموعة من اليساريين واليوسفيين (أنصار صالح بن يوسف الذي اغتاله بورقيبة) والنقابيين والدستوريين، ليغدو حزبه، في وقت قياسي، القوّة السياسية الأولى التي فازت بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (٨٦ مقعداً) لتتولى بذلك، حسب الدستور الجديد، تشكيل الحكومة. كما فاز هو برئاسة الجمهورية، محققاً استثناءً تونسياً جديداً، إذ إن الاحتجاجات الشعبية، التي فجرها الشباب، وأسقطت النظام السابق، تكون بذلك قد اختارت عجوزاً على رأس الدولة، في انتخابات كان الشباب فيها الغائب الأبرز. فهل هو الحنين الى بورقيبة؟ أم اليأس من الثورة وحكم الإسلاميين وحلفائهم؟

_______________

السبت، 13 ديسمبر 2014

بوغدانوف: الأمير بندر قال لي سندمر سوريا ... جولة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الى سوريا ولبنان وتركيا

    ديسمبر 13, 2014   No comments
سامي كليب

أكدت جولة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الى سوريا ولبنان وتركيا، أن الصراع الروسي الاميركي لا يزال يرخي بظلاله المتشائمة فوق الدم السوري. كل التفاؤل المصطنع الذي أوحت به اتصالات هذا المسؤول الروسي الرفيع حيال امكانية الحوار بين الدولة السورية والمعارضة يبقى بلا أمل فعلي. لا شيء حتى الساعة يسمح بالقول إن واشنطن ستدعم المساعي الروسية للحل السياسي او ستقبلها، ولا السعودية غيرت موقفها حيال النظام. فلماذا هذه الضجة البوغدانوفية اذاً ما دام لا افق حاليا لتسوية سياسية؟

منذ لحظة وصوله الى المنطقة، حرص نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف على إظهار لهجة أكثر حزما حيال دعم نظام الرئيس بشار الاسد. لمس بعض محاوريه ان نبرته ارتفعت عما كانت عليه في اللقاءات الماضية. اللهجة مرتبطة باحتدام الصراع الروسي الاطلسي. يدرك الرئيس فلاديمير بوتين ان سوريا مهمة جدا في هذه الصراع. لا بد من العودة بقوة اذاً صوب دمشق.

استقبل بوتين علانية وبترحيب كبير وزير الخارجية السورية وليد المعلم. رفع مستوى توريد السلاح كماً ونوعاً الى الحليف السوري. قال للمعلم إنه فوجئ واُعجب بنسبة التصويت لمصلحة الأسد في الانتخابات الرئاسية. قال كلاما عاليا جعل الوفد السوري يقول أثناء عودته إنه «سمع ما فاق توقعاته».

تلك السجادة الحمراء التي فرشها بوتين، جعلت بوغدانوف يتقدم عليها صوب المنطقة، مدركا ان مهتمه الاولى هي دعم سوريا كي تصمد، لأن في صمودها ما يقوِّي اوراق الصراع الروسية مع الغرب. لا بد اذاً من دفع المعارضة إلى محاورة النظام، او على الاقل من تحميلها مسؤولية احباط الحوار. يقين موسكو ان المعارضة المفككة بسبب خلافاتها الداخلية، وخفوت الدعم الغربي لها، سيدفعانها إلى قبول المسعى الروسي. ربما في هذا اليقين بعض مغالاة.

لم يكن غريبا اذاً، ان يسمع بعض معارضة الداخل كلاما من بوغدانوف فيه شيء من السخرية حيال «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة». قال ما حرفيته وبلغته العربية الممتازة: «سنذهب الى إسطنبول لنرى معارضة فنادق الخمس نجوم إذا ما كانت تعيش فعلا رفاهية الحياة» ضحك الجميع. كانت الرسالة واضحة.

بندر والتدمير

لم يكن غريبا أيضا ان يروي بوغدانوف لمحادثيه في المنطقة، كيف ان رئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان قال حرفيا في موسكو: «نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا». وحين سأله بوغدانوف: «كيف كانت علاقتكم بالرئيس الراحل حافظ الاسد؟»، سارع الامير السعودي إلى الاجابة: «كانت ممتازة، وكان رجلا حكيما»، فقال له بوغدانوف: «إذاً المشكلة ليست في النظام العلوي، بل مع الرئيس بشار الاسد نفسه». كَشفُ هذا الأمر الآن يحمل رسالة روسية واضحة ايضا حيال الرياض.

لم يكن غريبا كذلك، أن يوجه بوغدانوف انتقادات لاذعة إلى الاميركيين برغم انه كشف عن موافقتهم على التحرك الروسي الحالي. روى لمحادثيه كيف جاء جون كيري بعد 3 اسابيع على مفاوضات جنيف 2 يقول للروس: «لقد فشلت المفاوضات، وسوف نعود الان الى الحرب»، كان الجواب الروسي انكم حين تتولون الاشراف على التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين تمضون 9 أشهر ثم تمددون 9 أشهر اخرى ثم تكررون الامر لفترات طويلة، فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه لانقاذ سوريا.

قناعة بوغدانوف بان لا ثقة مطلقا حاليا بالاميركيين. إمكانية ان يخدعوا قائمة. فهم متفقون مع موسكو على هذا التحرك لجمع المعارضة والدولة، لكن الموافقة هي من باب «سنترككم تتحركون ولا شك انكم ستفشلون». هذا بالضبط ما يجعل المسؤولين الروس يتحفظون جدا على تأييد اي عمل اميركي او أطلسي خارج مجلس الامن ضد داعش، ولعلهم في قرارة أنفسهم لم يرتاحوا كثيرا لانفتاح سوريا على الرغبة في التعاون مع التحالف الدولي ضد داعش. فهم كما الايرانيون، يرون ان اي اشارة إيجابية للتحالف تعني السماح لاميركا وحلفائها بارتكاب اخطاء، والقيام بخدع على الاراضي السورية.

من قابل المبعوث الروسي فقد سمع مثلا كيف ان كيري نفسه قال للروسي: «لا تعتقدوا بأننا جئنا نضرب داعش في سوريا لكي يستفيد النظام». يبدو ان هذا الامر كان محور صدامات كثيرة روسية اميركية. سابقا، كان الاميركيون يقولون للروس ما دام نوري المالكي في السلطة فلن نتحرك لضرب الارهاب في العراق، وهم يقولون الشيء نفسه تقريبا في سوريا، برغم انهم مضطرون إلى ضرب داعش. رد الروس أكثر من مرة، وفق رواية بوغدانوف، بالقول: «انكم بهذا ايضا تخرقون كل القانون الدولي والانساني، لانكم تسهلون الارهاب لغايات سياسية، وهذه سابقة في السياسة الدولية».

لماذا التحرك اذا الان ما دام لا ثقة بالاميركيين؟ ببساطة لان موسكو تريد احراج واشنطن، وإحداث اختراق سياسي، او الايحاء بهذا الاختراق. الاسد متفهم لهذا الامر، وهو يريد تسهيل المهمة الروسية برغم انه قال اكثر من مرة لبوغدانوف وغيره إن هذه المعارضة لا تؤثر في شارع واحد ومن الافضل التحاور مع المسلحين. لا بأس، فالاسد، تماما كما موسكو، يدرك ان الائتلاف وحلفاءه هم المحرجون بالتحرك الروسي. إن قبلوا الذهاب الى موسكو، فإن هذا يعني انهم قبلوا توسيع اطار المعارضة، ما سيلغي دورهم الاول، وان لم يقبلوا، فهم يتحملون نتيجة الفشل ويقتصر الحوار على اطراف معارضة يقبلها النظام.

بوغدانوف ينتقد الاعتقالات

حين طرح وزير الخارجية السورية وليد المعلم ان تكون اجتماعات المعارضة والحكومة السورية في دمشق، كان الجواب: «لا، ليس في دمشق، بل في موسكو، هذا افضل». سأل المعلم عن السبب، وخصوصا ان دمشق باتت آمنة الآن، فكان جواب بوغدانوف: «لو كانت آمنة لما اختفى عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واعتقل لؤي حسين». موسكو منزعجة من اختفاء او اعتقال هؤلاء المعارضين الثلاثة.

حاولت التدخل أكثر من مرة للافراج عنهم او لمعرفة مصيرهم، كان الجواب بالنسبة إلى الخير ان الدولة لا تعرف اين هو، وبالنسبة إلى الاخرين فإن ثمة اجراءات قضائية. ثمة من ينقل عن السفير الروسي في دمشق قوله ان بوغدانوف طرح موضوع رئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين على الرئيس الاسد، ولكنه لم يلق جوابا شافيا. دمشق تتسلح دائما بالجوانب القانونية والقضائية، بينما موسكو ترى في الامر مؤشرات سياسية ضرورية لبناء الثقة.

هذا بالضبط ما قاله المعارض السوري الدكتور هيثم مناع لموفد روسي زاره قبل فترة. سأله المسؤول الروسي عن كيفية تفعيل هيئة التنسيق، وانهم يعولون على دوره الشخصي في سياق الحل السياسي والتحاور، سأله مناع: «هل تقبلون حكومة فيها عبد العزيز الخير وزيرا للعمل، ولؤي حسين وزيرا للنقل، ورجاء الناصر وزيرا للعدل؟». ذهب المسؤول ولم يعد، فاختار مناع الصمت مستندا الى حديث نبوي يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او فليصمت»، ويضيف: «في هذه المرحلة الصمت موقف»، لكنّ العارفين ببعض تحركات المعارضة في الخارج يلمسون توسيعا لهامش تحرك مناع، واستقبال مسؤولين غربيين وعرب كثيرين له، كان بعضهم يرفض حتى الحديث اليه في السنوات الماضية.

بوغدانوف كان قد التقى في بيروت وفدين من المعارضة السورية يوم السبت الماضي، الاول يضم منى غانم وأنس جودة من قيادة تيار بناء الدولة، ونضال السبع الوسيط بين بعض معارضة الداخل والسفارة الروسية في بيروت. استمر اللقاء ساعة كاملة من الـ4 الى الـ5 مساء. كان مرصودا له نصف ساعة على ان يكون النصف الآخر لوفد هيئة التنسيق بقيادة حسن عبد العظيم، وعضوية صفوان العكاش وأحمد الحسراوي. تأخر الوفد لمشكلة في أوراق العكاش عند الحدود السورية. جرى اتصال بالامن السوري، جرى تمرير الوفد فوصل متأخرا.

عند وصول عبد العظيم وصحبه، اجتمعوا بمدير إدارة الشرق الاوسط في الخارجية الروسية بينما كان بوغدانوف قد ذهب للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولكن حين عاد اجتمع مع عبد العظيم والوفد بحضور نضال السبع.

إشادة بمعاذ الخطيب

لوحظ في خلال لقاءي بوغدانوف مع وفدي معارضة الداخل أنه سأل عن هيثم مناع وركز على اهمية دور هيئة التنسيق، ولكنه سأل أيضا عن رأيهم في الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف، واشاد بدوره وتحدث عن بعض الاتصالات الروسية معه. كان لافتا ان حسن عبد العظيم أشاد هو الآخر بمعاذ الخطيب، وقال إن هيئة التنسيق على تواصل وتنسيق دائمين معه، وان الخطيب بات يقود مجموعة من الأعضاء السابقين للائتلاف، المؤمنين بالحل السياسي والتفاوض.

منى غانم التي تقود «تيار بناء الدولة» حاليا في الداخل السوريّ بعد اعتقال رئيسه لؤي حسين تحدثت عن مجموعة من النقاط، ابرزها: «الحفاظ على وحدة الاراضي السورية. بناء الدولة الديمقراطية العادلة. إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين. الحفاظ على مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية. محاربة الارهاب بكل الطرق السياسية والثقافية والعسكرية».

اما عبد العظيم، فقد قدم مشروعا للحل من صفحات عديدة. تتضمن الصفحات النقاط التي كررتها هيئة التنسيق غير مرة. جرى حديث عن مسؤولية الدولة السورية وضرورة قيامها بخطوات لبناء الثقة.

لا خطة واضحة

مختصر الامر ان بوغدانوف جاء ليسمع كل وجهات النظر، وخصوصا انه يسير في حقل الغام. فلا الائتلاف يريد دورا فاعلا روسياً، خشية من أن يكون قريبا من النظام، ولا النظام مؤمن بتأثير للمعارضة الخارجية في الوضع الداخلي، ولا اميركا تريد لروسيا ان تنجح حيث فشلت هي. ولذلك فإن أقصى الطموح هو ان تنجح روسيا بجمع المعارضة اولا في موسكو، للاتفاق على وفد معارض، ثم أن تجمعها مع السلطة. اذا نجحت في الخطوة الاولى، فهي دون ادنى شك ستجد شبه استحالة في انجاح الخطوات التالية.

أميركا ليست جاهزة بعد، والسعودية لم تغير رأيها. هذا ما يمكن فهمه من نقاشات بوغدانوف مع الاطراف الاخرى، من دمشق الى حزب الله مرورا بقيادات لبنانية. ولعل حزب الله سمع من المبعوث الروسي كلاما مفاده بان موسكو لن تتأخر في دعم سوريا سياسيا وعسكريا باقصى ما تستطيع لكي تضرب الارهاب.

من الطبيعي ان يشعر حزب الله بأن موسكو اليوم اكثر تشددا من اي وقت مضى في دعمها لسوريا وتقديرها لدور حزب الله في ضرب الارهاب. لعل الحزب لمس ان لهجة بوغدانوف اليوم اكثر صلابة من تلك التي سمعها منه وفد الحزب في موسكو. هذا رصيد اضافي لموقف روسي سابق. حين جاء وفد المجلس الفدرالي للبرلمان الروسي برئاسة نائب رئيسه إلياس اوماخانوف والتقى مطولا قيادة حزب الله، واستهل لقاءاته في لبنان بعشاء على مائدة الحزب، قيل كلام كبير الاهمية آنذاك، لدرجة جعلت قيادة المقاومة تقتنع بأن موقف موسكو اكثر استراتيجية مما يعتقد البعض، وأكثر استعدادا للمواجهة مما يظن خصوم موسكو.

يبدو ان بوغدانوف يأتي بالتفكير عينه. ذلك ان حماية سوريا هذه المرة باتت اكثر من ضرورية لمستقبل الصراع الروسي الغربي، ما يفترض سحب كل احتمالات «الغدر الاميركي»، واقناع جميع الاطراف السورية بأن الحوار هو الافضل.

لعل اسرائيل فهمت الرسالة قبل غيرها، فردّت في اليوم التالي للقاء بوغدانوف مع حزب الله وزيارة المعلم الى ايران بقصف مواقع قرب دمشق.

هل تنجح موسكو؟ من الصعب ذلك، لكنها سحبت ولو لحين اضواء الملف السوري لمصلحتها. هذا بحد ذاته مهم في أوج الصراع الروسي الاطلسي. هذا ما يدفع الاسد إلى تسهيل مهمة بوغدانوف الى اقصى حد، برغم قناعته الذاتية كما كان شأنه مع جنيف، بأن كل هذا ليس سوى ذر للرماد في العيون.
 
الجيش السوري خط أحمر

في خلال لقاءاته مع مسؤولي المعارضة في تركيا ولبنان ودمشق، ومع عدد من المسؤولين اللبنانيين، طرح نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أكثر من مرة السؤال الآتي: «لمصلحة من تدمير الجيش العربي السوري؟». وقدم تحليلا مفاده بان لا احد يستفيد من هذا التدمير الممنهج سوى اسرائيل. وكذلك طرح سؤالا آخر على المعارضة: «الا تعتقدون ان الحوار وحده هو الذين يجنب سوريا التقسيم»، مشيرا إلى ان على المعارضة ان تتحرك اليوم قبل الغد لتفادي ما يحاك ضد البلد الذي لها دور في إنقاذه وإعادة بنائه. فهِم سامعو بوغدانوف ان «الجيش السوري خط أحمر» بالنسبة إلى روسيا.

لم يسمع المعارضون السوريون من المسؤول الروسي مرة واحدة احتمال رحيل الرئيس بشار الاسد. هو تحدث عن الحوار واللقاء وتقريب وجهات النظر. حين سأله احد مسؤولي الائتلاف عن جنيف 1 وما لحظه من هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، أجاب بأن أساس الحوار هو جنيف 1 ولكنه بحاجة الى تعديلات الآن، بعدما صار الارهاب اولوية، وكذلك بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة.

خرج عدد من مسؤولي الائتلاف من الاجتماع يقولون: «إن موسكو لم تغير رأيها، ولا تزال تدعم نظام الاسد، وإن جولة بوغدانوف هي لهذه الغاية»، لكن المحادثات تطرقت ايضا، وربما الروس تعمدوا ذلك، تطرقت الى التذكير بأن الغرب لم يقدم إلى المعارضة اي شيء فعلي سوى توريطها.
__________
«الأخبار»

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الانتخابات البرلمانية في تونس: «النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم || «الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً || السبسي: رجل أسقط «النهضة» || سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة || «خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب

    أكتوبر 28, 2014   No comments
«النهضة» تخسر الهيمنة على الحكم
 نور الدين بالطيب


بعد أقل من عامين ونصف على التأسيس، نجح حزب «حركة نداء تونس» في حصد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاصداً 83 مقعداً (نتائج غير نهائية) من أصل 217 ضمن البرلمان الأول بعد هرب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فتقدم بذلك على كل الأحزاب الأخرى، بما فيها حركة «النهضة» التي تأسست فعلياً قبل نحو أربعين عاماً وحصدت، أول من أمس، 68 مقعداً.

نجاح «نداء تونس» بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الذي ستكون ولايته لخمس سنوات تشكل خلالها الحركة حكومتها، يطرح مجموعة من الأسئلة في الشارع التونسي، وذلك لتزامن ما حدث مع اضمحلال أحزاب أخرى برز نجمها منذ سقوط النظام السابق، وسبق أن تفوّقت في الانتخابات الماضية، كحزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي لم يحصل إلا على مقعدين بعدما حاز المرتبة الثالثة في عدد الأصوات والمقاعد عام 2011.

ومن بين تلك الأطراف، الرئيس المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، الذي لم يحصل حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» إلا على أربعة مقاعد بعدما حاز المرتبة الثانية في عدد الأصوات والمقاعد خلال الانتخابات الماضية.
أما «الحزب الجمهوري»، بزعامة نجيب الشابي، فلم يحصل إلا على مقعد واحد، مبدئياً، بعدما حاز ١٦ مقعداً في الانتخابات الماضية، علماً أن هذه النتيجة تأتي بعد سنوات من تزعم هذا الحزب المعارضة التونسية في زمن الحبيب بورقيبة وبن علي، كذلك كان أيضاً وراء «إضراب الجوع» (الإضراب عن الطعام) الشهير في تشرين الأول ٢٠٠٥، وكان النواة الأساسية لتشكيل حراك مناهض للنظام السابق.
كل ذلك يقود إلى السؤال: ماذا حدث ليفوز «نداء تونس» بأعلى عدد من الأصوات والمقاعد؟ القول إن هذا الانتصار يعود إلى استعادة أنصار النظام السابق المبادرة، وتشكلهم في ثوب جديد، لا يمكن أن يفسر الانتصار، ولا يمكن تفسيره بكاريزما زعيم «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، فقط.
من الواضح أنه التقت مجموعة من العوامل الأساسية في تحقيق هذا الانتصار، أولها إخفاق «الترويكا» (النهضة ـ المؤتمر ـ التكتل)، التي حكمت بعد الانتخابات السابقة، في تحقيق أي مكسب للتونسيين.
ويوم أمس، برز اعتراف المتحدث الرسمي باسم «النهضة»، زياد العذاري، بأنّ حركته دفعت ثمن تولّيها الحكم خلال المرحلة الانتقالية، وبأنها ارتكبت «أخطاءً كانت نتيجتها ستكون أكبر بكثير مما حدث».
خلال حكم «الترويكا»، لا يمكن إنكار انتشار «الإرهاب والتهريب والجريمة»، وهو ما أغرق التونسيين في الإحباط إلى حد التحسر لدى قطاعات كثيرة على النظام السابق. في هذا المناخ من الظلام و«الإرهاب الأسود» وغياب الأمل، ظهر أن السبسي نجح في أن يؤسّس حركة سياسية شعارها الأساسي بسيط هو «الأمل» و«استعادة تونس»، وأيضاً إعادة الاعتبار إلى الراية الوطنية والنشيد الوطني، وتحقيق مطالب المحتجين الذين أسقطوا النظام السابق.
في النتيجة، صارت هناك ضرورة الالتفاف حول الحزب الجديد وزعيمه «البورقيبي» لاستعادة تونس، كما يقول قادة «النداء»، ومواجهة محاولات «أفغنة البلاد» عبر التعليم الديني على طريقة باكستان، ومنع الاختلاط في بعض الأماكن العامّة، والتساهل مع الإرهابيين، وليس أخيراً التمويل المشبوه للجمعيات الدينية والاجتماعية.
كل ذلك كان يجري إلى جانب المحاباة والسيطرة على الإدارة والمرافق العامّة، ما خلق قناعة لدى قطاعات واسعة من التونسيين بأنّ «الحكام الجدد» يعيدون أساليب النظام السابق مع تغيير نمط المجتمع ونشر ثقافة «وهابية» غريبة على التونسيين.
أمام هذه الانتكاسة، ومع بروز كابوس الاٍرهاب والاغتيالات، أدرك الناخبون أنّ ما ينتظرهم أبشع مما عاشوه زمن حكومتي الاستقلال، لذلك وجد الباجي في هذا المناخ خير سند لانتشار حزبه الذي يصل عدد المنخرطين فيه رسمياً إلى أكثر من ١١٠ آلاف مواطن، وهو عدد لم يحققه أيّ حزب آخر، باستثناء حزب بن علي المنحل، الذي كان الانتماء إليه شبه إجباري لأغلب موظفي الدولة.
هكذا يمكن التأكد من أن الإحباط الذي عاشه التونسيون منذ صعود «الترويكا» إلى الحكم في كانون الأوّل ٢٠١١ حتى كانون الثاني ٢٠١٤ هو الذي صنع من «نداء تونس» القوة السياسية الأولى في الوقت الذي اندثرت فيه، أو تكاد، الأحزاب الأخرى، كما تراجعت «حركة النهضة».
وفي غمار ما يعيشه التونسيون من خطر التهديد الأمني، وفي وقت يموت فيه كل يوم شباب البلاد في العراق وسوريا، يبحث «التوانسة» المعروفون بالاعتدال والوسطية عن حزب يذكرهم بتونس، حتى إن كان فيه قياديون من العهد السابق، لأنهم لا ينكرون مكاسب حكومتي الاستقلال، رغم أنهم عانوا الديكتاتورية والفساد، وهو ما لم تقطعه «الترويكا» التي لم تقدم إلّا أساليب متجددة من آليات الحكم القديم.
وليس مبالغة تقدير أن التونسيين عاقبوا «الترويكا» والأحزاب التي اقتربت من الإسلاميين، وكذلك «الأحزاب الصغيرة»، لأنهم يبحثون عن مركب نجاة، وإن فاحت منه رائحة الزمن القديم.
______________
«الاستقطاب» يجرف حصاداً ديموقراطياً
 محمود مروة

نجحت لعبة الاستقطاب بين «العلمانيين» و«الإسلاميين» في قلب معادلات المشهد السياسي التونسي، المبني على تراكمات حراك تاريخي شاركت في صنعه شخصيات هي اليوم من معارضي حكم «النهضة»، ومن خلفها «الترويكا». فقطعاً، أن تحصل أطراف مثل «الجبهة الشعبية» (حمة الهمامي أبرز وجوهها)، و«الحزب الجمهوري» (بزعامة المرشح الرئاسي أحمد نجيب الشابي)، على 15 مقعداً (في أفضل الأحوال) من أصل 217، لا يمثل انتصاراً، بل يوجه ضربة قاسية إلى مكونات سياسية عريقة.

وبعيداً عن شعارات مثل «سقوط آخر معاقل الإخوان في العالم العربي»، فإن لتداعيات الانتخابات التونسية آثاراً داخلية أكثر من تلك المفترضة عربياً، وخصوصاً أن خسارة «النهضة» لا تعني خروجها من الحكم. وتشير النتائج غير النهائية إلى مشهد تقاسم السلطة بين «قطبين» قد تعْرفه البلاد في المرحلة المقبلة، لأن الفارق مثلاً بين «النهضة»، التي حلت ثانية، وبين الطرف الذي حاز المركز الثالث، قد يصل إلى نحو خمسين مقعداً.
يصعب تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الجمهوري» مية الجريبي

وكان مشهد تقاسم السلطة بين «نداء تونس» و«النهضة» قد اقترب من التحقق نهاية العام الماضي إثر الأزمة السياسية الأعتى التي عرفتها البلاد، لتجسده اليوم خريطة البرلمان الجديد المفترض فيه تشكيل الحكومة المقبلة.
ويُحسب، ربما لمن بنى استراتيجية تظهير الانقسام الداخلي على أنه بين «علمانيين» و«إسلاميين»، تحقيق مكاسب انتخابية في وجه «النهضة»، لكن الثمن دفعته فعلياً أطراف يمكن تسميتها «المعارضة التونسية التقليدية»، على اعتبار أنها تضم قوى وشخصيات شاركت منذ السبعينيات في الحراك ضد نظام بورقيبة، ومن بعده بن علي.وحتى لا تقدم الصورة على أساس أن تلك القوى كانت، فقط، ضحية لمخططات ما، فمن الواجب الاعتراف والتذكير بأنها سقطت قبل نحو عامين في «فخ الاستقطاب»، وتحديداً حينما دخل «الحزب الجمهوري» في تفاهمات غامضة مع «نداء تونس» ضمن ما عرف آنذاك بائتلاف «الاتحاد من أجل تونس». وما لبث «الجمهوري» أن سحب نفسه في غضون أشهر قليلة.
أيضاً، ربما كانت تلك القوى قد أوقعت نفسها، عن دراية أو لا، في الفخ عينه حينما حاولت نهاية العام الماضي تصوير الأزمة المتنامية مع «النهضة» على أنها كالأزمة المصرية المنتهية بعزل الرئيس الإسلامي، في واقع عرف «نداء تونس» التصرف خلاله، كما يقول أحدهم، كمثل «فيل في متحف خزف صيني»، فيما حشّدت «النهضة» مناصريها للدفاع عن «وجودها».
برغم كل الأخطاء المفترضة والقابلة للنقاش، من الصعب مثلاً تقبل الخسارة الانتخابية للأمينة العامة لـ«الحزب الجمهوري»، مية الجريبي، ففي ذلك لمن يحبها مشهد خيالي، ومن الصعب كذلك قبول رؤية «شيخ السياسيين»، أحمد نجيب الشابي (الصورة)، في موقع ضعف. لكن الأكيد أن الصراع المفترض مع «النهضة» كانت طريقه أسهل.
ناشطة سياسية مقربة من «الجمهوري» ـ تختصر بحماستها صوراً تونسية عديدة ـ تقول إن «الحزب يتحمل مسؤولية كبرى لأنه من بين من أعطوا شرعية لهذا الاستقطاب»، وتستدرك: «برغم عودة الوعي المتأخرة نسبياً في هذا الخصوص، فإن كسر هذا الوهم يبدأ الآن من حملتنا الرئاسية»، فهل فات القطار؟
_______________

السبسي: رجل أسقط «النهضة»

نورالدين بالطيب

تونس | لن ينسى التونسيون يوم ٢٦ تشرين الأول ٢٠١٤، ولن ينسوا أيضاً رجلاً كان وراء سقوط «النهضة» اسمه الباجي قائد السبسي. ففي لحظة عاصفة من تاريخ تونس، ٢٧ شباط ٢٠١١، كانت الدولة فيها تواجه مخاطر الفوضى، أعلن الرئيس المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، تعيين السبسي (١٩٢٦) رئيساً للحكومة خلفاً لآخر رئيس وزراء لبن علي، محمد الغنوشي، الذي أطاحه اعتصام القصبة الثاني.

إلى حدود ذلك الوقت، كان الباجي، سليل أرستقراطية تونس العاصمة، اسماً مجهولاً لمعظم الشبان التونسيين، أما بالنسبة إلى الحركة الديموقراطية والنقابية والأحزاب السياسية، فقد كان «سي الباجي» وزيراً بارزاً في عهد الزعيم بورقيبة واسماً يحظى بالتقدير في الحركة الديموقراطية. وفي وقت قياسي نجح في فك الحصار الذي ضربه الشبان الغاضبون على قصر الحكومة في القصبة، كما نجح في فتح حوار مع كل الأحزاب السياسية، وأعلن أن أولويته المطلقة هي المحافظة على الدولة، وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وتسليم الحكم لمن سيختاره الشعب مهما كانت هويته، الأمر الذي منحه مصداقية استثمرها في ما بعد عندما قرر العودة إلى الحياة السياسية بعد انتصار «حركة النهضة» وحلفائها.
غادر الباجي قصر الحكومة في القصبة في أواخر كانون الأول ٢٠١١ وسط إشادة الحكام الجدد، الذين سرعان ما انقلبوا عليه، بعدما أسّس حزبه الجديد «نداء تونس» في حزيران ٢٠١٢ بعد أشهر من إطلاق مبادرته لتجميع الحركة الديموقراطية في ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢.وفي وقت قياسي، وبشخصيته الكاريزماتية التي ربما تذكّر بعض التونسيين بالزعيم الحبيب بورقيبة، نجح الباجي، خريج «جامعة السوربون» الفرنسية والمحامي منذ ١٩٥٢، والذي التحق بأول ديوان لرئيس حكومة تونس الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال الداخلي في ١٩٥٥ حتى قبل إعلان الجمهورية، في أن يجعل من حزبه الحزب الأول في كل استطلاعات الرأي منذ أكثر من عام، ويملك «البجبوج» اليوم، كما يسميه أنصاره، كل صفات الزعماء الكبار برغم شيخوخته: شرعية في النضال من أجل الديموقراطية، مؤسّس أول منبر إعلامي مستقل، وهي مجلة «ديموقراطية» الناطقة بالفرنسية، مسيرة حافلة في أهم حقائب الدولة، وصولاً إلى رئاسة أول برلمان بعد ما عرف بـ«التغيير» في ١٩٨٧ لينسحب بعدها تماماً من الحياة السياسية التي لم يعد إليها إلا في أواخر شهر شباط ٢٠١١.

________________
سليم الرياحي: حين يصنع المال رجال السياسة

أمينة الزياني

تونس | تمثلت إحدى مفاجآت الانتخابات التونسية في اكتساب «الاتحاد الوطني الحر»، بزعامة رجل الأعمال المرشح الرئاسي سليم الرياحي، 17 مقعداً في البرلمان الجديد (نتائج غير نهائية) ليحل ثالثاً، بفارق شاسع عن «نداء تونس» و«حركة النهضة».
ولا يبلغ الرياحي، رجل الأعمال ورئيس أحد أكبر الفرق الرياضية (النادي الأفريقي)، من العمر إلا 42 عاماً. هو ظهر فجأة على الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فيما يعلق أحدهم على ذلك بالقول «ظهر حاملاً معه أكياساً لا تحصى من المال ويوزع الوعود يميناً ويساراً حتى ظن التونسيون أنه سيطعمهم من ماله الخاص ويشغلهم في شركاته».
رئيس حزب «الاتحاد الوطني الحر» (تأسس عام 2011)، أو كما يلقبه التونسيون بـ«حزب توة»، أي الآن، وهو شعاره الانتخابي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 عندما لم يحصد إلا مقعداً واحداً عززه بانضمام النائبة حنان ساسي، شارك في جلسات الحوار الوطني الأخير، ولم يتوقف في سعيه إلى تدعيم صفوفه النيابية، عبر استخدام العامل المادي. غياب القاعدة الجماهيرية تداركه الرياحي في بعض الجوانب بترؤس نادي كرة القدم «الأفريقي». وكان لا بد للوجه السياسي الشاب من منبر إعلامي لتسويق صورته واحتلال حيّز من المشهد الاعلامي، لذلك اقتنى «قناة التونسية» المصادرة.

صنع سليم الرياحي الحدث خلال الانتخابات، لكن تماماً كالانتخابات السابقة رافقت حملة حزبه الانتخابية وعود هي أقرب إلى الخيال، فيما تعددت زياراته الى الأحياء الشعبية وقد رافقتها شهادات من المواطنين بتلقّيهم أموالاً انتخابية. وتعتبر المعلومات الشخصية حول رجل السياسة والرياضة والإعلام شحيحة، عدا أنه كان يقيم في ليبيا وعُرِف بعلاقاته الوطيدة بعائلة القذافي. ورغم محاولاته المتعددة للظهور في وسائل الإعلام كرجل الأعمال الشاب صاحب المشروع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تسعى أطراف سياسية عدة لقمعه، برز خلال أواخر عام 2013 كرجل المصالحة، حيث تمكن من لمّ شمل زعيم «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، بخصمه الباجي قائد السبسي في باريس. اليوم، يرى البعض أن الرياحي وحزبه لن يكونا إلا نسخة أكثر ثراءً من الهاشمي الحامدي وحزبه «العريضة الشعبية» الذي صنع مفاجأة في انتخابات 2011، واندثر خلال الانتخابات التشريعية الحالية.

____________
«خريطة النهضة» تتراجع... وتحفظ الجنوب

حسان العيادي

تونس | أقل من عشر ساعات، هو الوقت الذي احتاجت إليه «حركة النهضة» لتعدّل موقفها المشكك في خسارتها الانتخابات التشريعية وتحوّله إلى مباركة لخصمها اللدود «حركة نداء تونس»، في إعلان عن بدء مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.وبالتوازي مع بدء إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية، اتضحت الخريطة الانتخابية الجديدة، التي أظهرت انحسار نفوذ «حركة النهضة»، بفقدانها ٢٧ مقعداً (نتائج غير نهائية) مقارنة بانتخابات ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١ (89 مقعداً من أصل 217).

وتتركز المقاعد التي خسرتها الحركة في الساحل التونسي الذي يضمّ أربع محافظات ممثلة بـ٤٠ مقعداً في مجلس النواب، وهي سوسة والمنستير والمهدية ونابل التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين. وفي هذه الدوائر الخمس، فقدت «النهضة» خمسة مقاعد، لينخفض تمثيلها من ١٣ إلى ثمانية مقاعد، وهو ما يعادل خسارتها لحوالى ٢٠٠ ألف صوت.
وشملت خسارة «النهضة» تونس الكبرى، التي تضم أربع محافظات، والتي تتمثّل ضمن المجلس النيابي بـ٤٢ نائباً، كان نصيب «النهضة» منهم في الانتخابات الماضية ١٣ نائباً، أما في الانتخابات الحالية فقد انخفض هذا التمثيل إلى عشرة مقاعد، أي ما يعادل خسارة تجاوزت ٦٠ ألف صوتاً.وكانت الحال نفسها في الشمال الشرقي والشمال الغربي، حيث فقدت الحركة ثقلاً انتخابياً مهماً، بخسارتها أربعة مقاعد مقارنة بالانتخابات السابقة التي فازت فيها بـ١٦ مقعداً، فانخفضت الى ١٢ مقعداً، بخسارة حوالى ١٠٠ ألف صوت انتخابي.
هذا الانهيار الانتخابي لم تسلم منه مناطق نفوذ تاريخية للحركة، التي تأسست فعلياً في سبعينات القرن الماضي. فقد خسرت من ثقلها الانتخابي في وسط البلاد، وانخفضت حصتها من ١٢ مقعداً من أصل 32، إلى تسعة مقاعد.
وواصلت «حركة النهضة» خسارتها في محافظة صفاقس التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين تتمثلان بـ١٦ مقعداً في المجلس النيابي، فانخفض نصيب الحركة فيهما من ٧ مقاعد إلى ٦، لمصلحة خصمها الأبرز «نداء تونس».
في مقابل ذلك، توقّف مؤشر فقدان «النهضة» لمقاعدها في الجنوب التونسي في ولاياته الخمس، حيث وصلت نسبة أصوات الحركة التي حازتها إلى حوالى 40 في المئة، مكّنتها مبدئياً من الحفاظ على مقاعدها الخمس عن مدينة مدنين والمقاعد الثلاثة عن مدينة تطاوين، إضافة إلى مقاعد قابس الأربعة ومقعدي توزر وقبلي.
وتعتبر هذه المحافظات التي حفظت ماء وجه حركة «النهضة» الإسلامية، من أبرز مواقع انتشار «التيار السلفي الوهابي» والتيارات الإسلامية، التي يبدو أنه كان لها تأثير في دعم الحركة أثناء الانتخابات الحالية، من دون القطع في ذلك بانتظار المعطيات التي ستظهر تباعاً.

_____________

الغنوشي يهنّئ السبسي
مصر تراهن على مستقبل العلاقات بعد «الإخوان»

علّق مصدر ديبلوماسي مصري على نتائج الانتخابات التونسية، مشيراً إلى أنّ «وزارة الخارجية المصرية لن تصدر بياناً رسمياً في هذا الخصوص، احتراماً لعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى».
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»، إن «وزارة الخارجية المصرية تابعت الانتخابات التونسية والمنافسة بين التيارات السياسية بترقّب، نظراً إلى التوتر في العلاقات بين البلدين» منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. كما أعرب عن تفاؤله «بمستقبل تونس، في ظل التجربة الجديدة وسعيها لتحقيق نظام ديموقراطي».
وأشار المصدر الديبلوماسي إلى أن «الخارجية المصرية تأمل تطوّر العلاقات المصرية ـ التونسية في ظل الحكومة الجديدة، والسعي إلى إعادتها إلى سابق عهدها، مع الأخذ في الاعتبار تشابه الظروف بين البلدين في ما يتعلق بالربيع العربي والرغبة في التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين».
ولكن المصدر أوضح في الوقت ذاته أن «تطوّر هذه العلاقة مرتبط بتوجّه النظام التونسي الجديد وطريقة تعامله مع الملفات الخارجية»، لافتاً الانتباه إلى أن هذا الأمر «لم يتّضح بعد، ومن ثم من السابق لأوانه الحديث عن انعكاس نتائج الانتخابات على العلاقات بين البلدين».

_____
«الأخبار»


الاثنين، 29 سبتمبر 2014

راشد الغنوشي: ثورات مضادّة في مصر وليبيا

    سبتمبر 29, 2014   No comments
المقابلة | راشد الغنوشي: ثورات مضادّة في مصر وليبيا

آدم الصابري

■ لا نريد لتونس ما يحدث في مصر وليبيا
■ لسنا نادمين على ترك الحكم، وواثقون من فوزنا بالانتخابات التشريعية
■ غارات التحالف في سوريا والعراق لن تنهي ظاهرة الإرهاب
■ قيادات الإخوان مرحّب بها لدينا، لكن القرار يعود الى الحكومة
■ الثورة تصارع الثورة المضادة في ليبيا، ونرحب بالمسعى الجزائري
■ نريد الترك والفرس معنا ولا نريدهما يتنافسان على الهيمنة علينا

لطالما دارت الحياة السياسية التونسية حول الشخصيات ـ الرمز. زعيم «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، بات إحدى تلك الشخصيات راهناً، ومن هنا كانت أهمية إجراء حوار معه، أكد فيه حقّ حركته في المشاركة في حكم البلاد التي رأى مستقبلها «مسلمة ديموقراطية»

■ يشهد العالم العربي ودول جوار تونس، ممثلة بليبيا وبمصر، ما يشبه المخاض، خاصة في ظل الإخفاقات التي عرفتها التيارات ذات التوجه الاسلامي. بناءً عليه، كيف يرى راشد الغنوشي مستقبل «النهضة»؟
ما يحدث في العالم العربي، خاصة في مصر و ليبيا، هو في حقيقة الأمر صراع بين إرادة التغيير والسعي للعودة إلى الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية، ونراه صراعاً بين الدفع إلى الأمام والجذب إلى الوراء، لذا فما يحدث باختصار هو صراع بين الثورة والثورة المضادة.

وفي ظل هذا الحراك الذي نتابعه باهتمام شديد، تعكف حركة النهضة على مناقشة ودراسة الأوضاع والأحداث على مختلف المستويات، سعياً منها إلى تجنب ما تعيشه بعض الدول كمصر و ليبيا، والاستفادة منها لإيجاد موطئ قدم ثابت يخدم تونس والتونسيين، ونحن متفائلون بأن قوى التقدم والتغيير والديموقراطية ستنتصر.

■ كيف ترون موازين القوى في العالم العربي، و دور القوتين المجاورتين النافذتين، إيران و تركيا؟
العالم العربي يتحرك بشكل متسارع يستدعي الحذر، فكثرة الأجندات خلطت الحسابات، والأصل أن يمثل الترك والفرس عمقاً لهذا العالم العربي، مبني على حسن الجوار والمساندة والتعاون، وينبغي أن يكون دورهما المستقبلي في إطار ترسيخ المبادئ المذكورة آنفاً بعيداً عن نزعة الهيمنة التي إن تنافس عليها الطرفان فستكون العواقب كارثية على العالم العربي. ونحن ندعو إلى بناء عالم إسلامي مبني على الاحترام والتوازن والمصالح المشتركة والمتبادلة، وليس تغليب طرف على آخر.

■ في ظل تلك التطورات، ما موقفكم من «التحالف الدولي» لضرب «داعش» ومكافحة الإرهاب؟
نحن نرفض التدخلات العسكرية الأجنبية مهما كانت الأسباب، ونحن مع احترام سيادة الدول والشعوب، وموقف الدولة التونسية في هذا الإطار كان واضحاً ومشرفاً بعد رفض المشاركة في تدخل التحالف الدولي في العراق وسوريا تحت غطاء محاربة ما يسمى «داعش» أو الإرهاب.

■ إذاً كيف ترون وتقوّمون مسألة محاربة الإرهاب وما يسمى تنظيم «داعش»؟
قبل البحث عن محاربة الإرهاب أو هذا «داعش»، يجب محاربة مسببات ظهور هذه التنظيمات، فالنظام السوري عاث في سوريا فساداً وأتى على الأخضر واليابس، مع تكميم الأفواه والتضييق على الحريات وممارسات الاستبداد والديكتاتورية ضد شعبه، هذه الممارسات هي التي أدت إلى ظهور الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وفي العراق حصلت التجاوزات التي لا تغتفر بحق السنّة من طرف مختلف الحكومات العراقية المتعاقبة. لقد عاش السنّة في العراق كل أنواع التصفية والتضييق، ما أسهم في تغذية الحقد وهيّأ المناخ لظهور ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي بات يرى أنه يدافع عن الإسلام السني، رغم أنه غير صحيح. هذه الأمور هي التي شجعت على ظهور الإرهاب، فمحاربته عسكرياً تزيد الأمر تعقيداً، ونرى أن الحل الأمني لا يجدي نفعاً ما لم تسبقه محاربة الاستبداد والديكتاتورية، أي يجب محاربة مسببات الإرهاب.
لم ننسحب من الحكم ولا نريد
توافقات لتقاسم السلطة ولا نناور رئاسياً
قبل البحث عن محاربة الإرهاب

■ على جانب آخر، هل هناك نية لاستضافة قيادات من جماعة «الإخوان» المصرية في تونس؟
تونس دولة ديموقراطية تعمل في إطار الأمم المتحدة وتخضع للقانون الدولي كدولة مستقلة ذات سيادة، ومع تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية من طرف عدة دول، وخاصة خليجية، وباتت غير مرغوب فيها من طرف المجتمع الدولي، فإن اتخاذ أي قرار باستقبال شخصيات من الإخوان في تونس يخضع لما تراه الدولة التونسية مناسباً في إطار المجتمع الدولي. لكن نحن كحركة نرحب بالشخصيات الإخوانية التى ترغب في الإقامة بتونس، لأن التونسيين أيضاً وجدوا الدفء في مختلف دول العالم (عندما) كانوا مضطهدين من نظام بن علي، لذا فوجود قيادات من الإخوان المسلمين في تونس نرحب به.

■ عن الوضع في تونس، هل مسيرتكم في الحكم لم تكن عند المستوى المطلوب، بالنظر إلى انسحابكم في نهاية الأمر؟
لا أبداً، فتجربتنا في الحكم كانت خلال فترة حرجة جداً عاشتها تونس، فقد ورثنا عبئاً ثقيلاً عن النظام السابق، قابله شعب متعطش للحريات والتنمية والرفاهية، يعاني مشاكل في مواجهة تحديات، لذا فمشاركة النهضة في الحكم كانت صعبة، لكن هذا لا يعني أن المسيرة كانت سلبية، على اعتبار أننا قدمنا ما نستطيع وما يجب على مختلف المستويات. وهناك أمر آخر، حيث إن مشاركتنا في الحكم هي حقنا.
■ وكيف تفسرون انسحابكم من الحكم؟
النهضة لم تنسحب من الحكم، بل تنازلت لمصلحة تونس. فنحن أعطينا الأولوية للعام على الخاص، وللوطني على الحزبي، وجعلنا الأولوية في إنجاح الخيار الديموقراطي. لذا فتنازلنا نعتبره تضحية لإنقاذ المسار الانتقالي، وقد نجحنا في خدمة المسار الانتقالي وتحقيق الوفاق الوطني، فتنازلنا رسالة قوية للأطراف السياسية الأخرى، بأننا نريد شراكة سياسية مستقرة، لا توافقات مغشوشة لتقاسم السلطة، أو مشروع اقتتال سياسي يمزق وحدة التونسيين. لذا فنحن لسنا نادمين على مغادرة الحكم.

■ يرى البعض أن امتناع «النهضة» عن تقديم مرشح رئاسي بمثابة مناورة، ما حقيقة الموقف؟
امتناع الحركة عن تقديم مرشحها للانتخابات الرئاسية ليس مناورة، بل رعاية لمصلحة البلد وميزان القوة، وفي ذلك مصلحة لتونس، لأن منطق الأغلبية لا يصلح، والحل في التوافق، ونحن مقتنعون بأن تونس بحاجة لمرحلة انتقالية أخرى، لأن التجربة الديموقراطية في البلاد ناشئة وتحتاج لمزيد من الوقت.

■ من هو فارس حركة النهضة في السباق نحو قصر قرطاج؟
في الحقيقة ليس لنا أي اسم محدد في الوقت الراهن، وخاصة أن الهيئة الانتخابية لم تعلن الأسماء التي قُبل ترشحها، لكنْ لكل حادث حديث، وقد نتجه بعد ظهور الأسماء نحو من يخدم تونس والتونسيين، لأننا نسعى إلى خدمة البلاد والعباد، ومنع العودة للاستبداد أو الذهاب للفوضى. نحن لا نريد العودة للهيمنة، ونسعى إلى منع هيمنة حزب واحد على السلطة، ونشجع التعددية والشراكة.

■ كيف ترون مستقبل تونس؟
مستقبل تونس يسير نحو دولة مسلمة ديموقراطية، ونحرص على تحقيق انتقال ديموقراطي هادئ وسلس، وخاصة أن المجتمع التونسي معتدل يرفض الغلو والتطرف.

■ في مقابل تفاؤلكم، تشهد ليبيا الجارة أوضاعاً أمنية خطيرة، ما تأثير ذلك على تونس؟
الوضع الأمني في تونس يتأثر كثيراً بالوضع في ليبيا، والعكس صحيح، وفي هذا الإطار نسعى ونعمل على تحقيق بناء ديموقراطي يكون نموذجاً مغرياً لدى جيراننا الليبيين ويشجعهم على الاقتداء به، والانتقال من التعامل بالرصاص إلى التعامل بالسلام والحوار والبناء.

■ هناك جلسات حوار ستُعقَد في الجزائر، وأنتم على خط المجهودات المبذولة، كيف تتصورون مصير الحوار المنتظر في الجزائر؟
نعم، نحن على اتصالات واسعة مع كل الأطراف الليبية المتنازعة، ونسعى إلى التقريب بين وجهات نظرهم، وقد نعلن عقد جلسات مصالحة بين الفرقاء الليبيين قريباً، وفي هذا الإطار كانت لي زيارة للجزائر، حيث التقيت بالرئيس (عبد العزيز) بوتفليقة وعدد من المسؤولين لإيجاد حل للأزمة الليبية من خلال عقد جلسات حوار في الجزائر. وقد لمست حرصاً كبيراً من الجزائريين على إنجاح الحوار وتحقيق المصالحة بين الفرقاء في ليبيا، وفي ذلك ندعم جهود الجزائر التي نتطلع إلى أن تتمكن بخبرتها من مساعدة الأخوة الليبيين في التوصل إلى وفاق وطني.

الخميس، 25 سبتمبر 2014

رسالة مفتوحة وجهها 126 عالما ومفكرا واكاديميا اسلاميا من مختلف دول العالم الى ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "ابو بكر البغدادي" والى جميع المقاتلين والمنتمين الى ما يسمى تنظيم داعش

    سبتمبر 25, 2014   No comments
https://docs.google.com/a/reasonedcomments.org/viewer?a=v&pid=sites&srcid=cmVhc29uZWRjb21tZW50cy5vcmd8cmVhc29uZWQtY29tbWVudHN8Z3g6Mzg1OTBlNzM2NjEyMDRlNQ

اكد علماء ومفكرون واكاديميون اسلاميون ان الله كتب على نفسه الرحمة لقوله تعالى "كتب ربكم على نفسه الرحمة"، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف "ان الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي"، وبالتالي فلا يجوز المساواة بين السيف والغضب والرحمة، ولا يجوز ان تكون الرحمة منوطة بجملة "بعث بالسيف".

وفي رسالة مفتوحة وجهها 126 عالما ومفكرا واكاديميا اسلاميا من مختلف دول العالم الى ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "ابو بكر البغدادي" والى جميع المقاتلين والمنتمين الى ما يسمى تنظيم داعش .اكد وا انه "من المستحيل ان يكون إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم منوطا ببعثه بالسيف لأنه يجعل (خطأ) السيف بمستوى الرحمة الإلهية"، ومؤكدين ان "الجهاد بدون سبب مشروع ليس جهادا بل حرابة وإجرام".

وفصل هؤلاء العلماء رأيهم من خلال 24 محورا، هي: الاصول والتفسير، اللغة، الاستسهال، الاختلاف، فقه الواقع، قتل الأبرياء، قتل الرسل (السفراء)، الجهاد، التكفير، أهل الكتاب، الرق، الإكراه، النساء، الأطفال، الحدود، التعذيب، المُثلة، نسبة الجرائم الى الله تعالى تحت عنوان التواضع، تدمير قبور الأنبياء والصحابة ومقاماتهم، الخروج على الحاكم، الخلافة، الانتماء الى الأوطان، وأخيرا الهجرة.

وشدد هؤلاء العلماء في محور التفسير على "ان جميع ما جاء في القرآن حق، وكل ما في الحديث الصحيح وحي، فلا يجوز ان يترك البعض، وبالتالي يجب التوفيق بين النصوص قدر المستطاع او ان يكون هناك سبب واضح لترجيح امر على امر".

وأضافوا ان "من اهم أركان الاصول فهم اللغة العربية، وهذا يعني فهم علوم اللغة والقواعد والنحو والصرف والبلاغة والشعر وأصل الكلمات والتفسير، وبدون هذه العلوم فإن الخطأ محتمل، بل مؤكد"، مشيرين الى ان إعلان ما سميتموه (الخلافة) كان بعنوان (هذا وعد الله) وقصد صاحب الإعلان "بوعد الله" الآية الكريمة "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأؤلئك هم الفاسقون".

وفي تفنيدهم لهذا الرأي قالوا انه "لا يجوز ان تُحمل آية من آيات القرآن الكريم بشكل خاص على حدث حصل بعد 1400 عام من نزول القرآن، فكيف يقول ابو محمد العدناني بأن وعد الله هو الخلافة المزعومة، فعلى صحة زعمه كان عليه أن يقول (هذا من وعد الله)".

واستشهدوا على خطأ الفكر الداعشي في هذه المسألة بقوله تعالى "عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون"، موضحين ان الاستخلاف يعني "انهم حلوا في الارض بدل قوم آخرين ولم يعن أنهم حكام على نظام معين سياسي".

وبينوا انه لا يجوز ان يؤخذ مقتطف من القرآن بدون فهمه في سياقه الكامل خاصة في مسألة الجهاد، ولذلك كانت قلة قليلة فقط من الصحابة مؤهلة للإفتاء، لقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، مشيرين الى انه "حينما يوجد اختلاف في الرأي فينبغي الأخذ بالأرحم ولا يشدد، ولا يظن ان الشدة هي معيار التقوى لقوله تعالى "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم".

ولفتوا الى ان "معظم الناس الذين اسلموا عبر التاريخ اسلموا بالدعوة الحسنة مصداقا لقوله تعالى "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن"، مشيرين الى ان هناك دولا كبيرة اسلمت بدون فتوحات نتيجة الدعوة مثل اندونيسيا وماليزيا وافريقيا الغربية والشرقية.

واكدوا ان كلمة الجهاد مصطلح اسلامي لا يصح ان يستعمل ضد اي مسلم، وهذا اصل وأساس، مشيرين الى ان الجهاد مشروط بإذن الوالدين.

وقالوا ان الجهاد في الاسلام نوعان: الجهاد الاكبر وهو جهاد النفس، والجهاد الاصغر وهو الجهاد ضد العدو، لافتين الى انه ربما يأتي وضع معين على المسلمين لا يُستلزم فيه قتال ولا يجب فيه جهاد، وبالتالي فإن الجهاد بدون سبب مشروع وغاية مشروعة ومن غير اسلوب مشروع ومن دون نية مشروعة ليس جهادا بل حرابة وإجرام.

واشاروا الى شدة حرمة قتل النفس بصفته من اكبر الموبقات لقوله تعالى "من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا".

وأما في مسألة التكفير فقد اجمع هؤلاء العلماء على ان "الأصل في الاسلام ان من قال لا إله الا الله محمد رسول الله لا يجوز تكفيره"، لافتين الى ان التكفير من اخطر المسائل لأن فيه استحلالا لدماء المسلمين وحياتهم وانتهاكا لحرمتهم واموالهم وحقوقهم لقوله تعالى "ومن يقتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".

___________

الأحد، 21 سبتمبر 2014

كيف تموّل قطر الإرهاب؟

    سبتمبر 21, 2014   No comments
كيف تموّل قطر الإرهاب؟

صباح نور الدين 

بحسب دراسة أجرتها مجلة الـ"تلغراف" البريطانية، فإن عدداً من الذين تابعوا سيطرة المسلحين "المتطرفين" على العاصمة الليبية، التفتوا الى أن "الميليشيات" هذه عصفت بطرابلس ما اضطر الحكومة الرسمية إلى الفرار وتسريع انهيار البلاد محولة إياها الى "دولة فاشلة القدرات".
وعلاوة على ذلك، فإن الأسياد الجدد (المتطرفون) لطرابلس هم حلفاء "أنصار الشريعة" (الحركة "الجهادية" الأكثر تطرفاً والمشتبه بضلوعها بقتل السفير الأميركي الى ليبيا كريستوفر ستيفنز وبمحاولة قتل نظيره البريطاني دومينيك اسكويث).

خطوة إلى الأمام قامت بها دول الخليج الثرية التي تمتلك مجموعة من معالم لندن، وتدّعي أنها واحدة من أفضل أصدقائنا في الشرق الأوسط.. إذ أن قطرهذه، مالكة مجموعة "هارودز" الأشهر عالمياً، عمدت الى إرسال طائرات شحن محملة بأسلحة لنصرة تحالف الإسلاميين، تحت عنوان "ليبيا الفجر".
ولدى تعقّب المسؤولين الغربيين للرحلات الجوية ذات الطابع العسكري، والتي تهبط عادة في مدينة مصراتة الليبية، الواقعة على بعد 100 كيلومتر شرقي طرابلس، حيث معقل المسلحين الإسلاميين، كُشف أن قطر واصلت عملية إرسال الأسلحة الى ليبيا بعد سقوط العاصمة الليبية وزوال الحكومة السابقة، بحسب ما أكد مسؤول غربي.
ويضيف أن "قطر عمدت الى شراء العقارات في لندن، في ظل العمل ضد المصالح البريطانية في ليبيا مسلحة الجهاديين الذين حاولوا قتل أحد سفرائنا. دولة تمتلك أحد أغلى المباني السكنية في لندن، وأعلى مبنى في المدينة من جهة، وفي الوقت نفسه تعمل مع أناس من شأنهم تدمير المجتمع الغربي بكل سرور من جهة أخرى". والحقيقة هي أن البعض سيشعر بالصدمة.
ويشير التقرير الى أن  الدور القطري "راعٍ رسميٍ للمتطرفين"، شاملاَ  حركة "حماس" في غزة  مع المتطرفين الى جانب التنظيمات المسلحة في سوريا، ، بما في ذلك جماعات مرتبطة بتنظيم "القاعدة". ويقول "بات (ذلك) واضحاً للديبلوماسيين والخبراء. على اعتبار أن ترويج دولة قطر للتطرف قد أغضب جيرانها، في وقت اختارت  كل من السعودية، والبحرين، والإمارات سحب سفرائها من البلاد في آذار الماضي.
ويقول إن "سوريا مثلاً، قامت قطر بدعم "الثوار" ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ظناً بأنه وبالسياسة هذه ستقف جنباً الى جنب والقوى الغربية لقيادة جزء كبير من العالم العربي. إنما قطر عمدت الى تسليح وتمويل الإسلاميين، أبرزها جماعة "أحرار الشام"، أو "أحرار سوريا". فقط في الأسبوع الماضي، أشاد وزير الخارجية القطري خالد العطية بالحركة مؤكداً "سورية" الجماعة، معتبراً أن مقاتليها "تكبدوا خسائر فادحة اثر محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي تقف خلف اغتيال الرهينة البريطاني ديفيد هاينز، وموظفة الاغاثة البريطانية، والتي تحتجز الى جانب جون كانتلي وألان هينينغ".
في كانون الاول الماضي، أعتبرت واشنطن رجل الأعمال الأكاديمي القطري عبد الرحمن النعيمي، بأنه "إرهابي عالمي، متهمةً اياه بـ"ارسال ما يقرب من 366000 جنيه استرليني الى تنظيم القاعدة في سوريا، تحت غطاء يعرف بأبو خالد السوري، الذي تبين أنه أيضاً قيادي بارز في أحرار الشام"، الأمر الذي يؤكد لأميركا أذا صدقت المعلومات بأنه "ممثل تنظيم القاعدة"  بالتالي وجود تداخل واضح المعالم بين قيادة المجموعتين (القاعدة وأحرار الشام).
والنعيمي هذا، اتُّهم أيضا بنقله من الخزانة الأميركية مبلغ يقدر بـ2 مليون دولار في الشهر لدعم "القاعدة" في العراق، وما يعادل 250 ألف دولار إلى "حركة الشباب" التابعة للصومال، في وقت أكتفى النعيمي بنفى الأقوال هذه قائلاً إن "نقدي الخاص للسياسة الأميركية هو ما استفذهم".
وفي ظل هذا كله، فان مسألة عدم سعي الدولة القطرية الي اعتقال النعيمي ترك علامات تعجب كثيرة لدى النقّاد، إذ قال النائب المحافظ لشمال شرق كامبردجشاير ستيفن باركلي إنها "تتعلق بعمق هؤلاء الأفراد، عندما يكون هناك دليل كاف في مكان لتبرير إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية، لا يزال البعض يتردد في طبيعة نشاطه التجاري".
من جهة أخرى، أشار ديبلوماسي في أحد بلدان الشرق الأوسط الى أن "جبهة النصرة كانت أحد المستفيدين من مساعدة قطر في أحد فترات العام الماضي. يمكن القول بأنهم جزئياً كانوا مسؤولين عن تمويل النصرة وتسليحها وتأمين متطلباتها كافة"، مضيفاً أنه "لم يكن هناك أي دليل على سخاء قطر (العسكري والمادي) بصورة مباشرة تجاه داعش، ولكن الأمر حدث عن طريق الصدفة بدلا من التصميم. أنا لا أعتقد أن لديهم أي نية لدعم "داعش"، نعم دعموا النصرة. انما بعض الألوية انشقت عن النصرة وانضمت لداعش وأخذت عتادها الكامل معها".
وظهر أربعة فروع لقطر تتعامل مع التنظيمات المسلحة في كل من سوريا وليبيا: وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات في البلاد، والمكتب الشخصي للحاكم أمير تميم بن حمد آل ثاني. ففي حالة سوريا، قطر تعتمد الى دعم المسلحين عبر تمرير مبالغ كبيرة إلى وسطاء في تركيا، ثم تستخدم الأموال هذه لشراء الأسلحة من بلدان ثالثة، لا سيما كرواتيا، واتخاذ الترتيبات اللازمة ليعاد نقلها إلى المسلحين في سوريا.
وفي نهاية الأمر، فان هناك أناساً حول الخليج يقومون بدعم أفراد ذي قيم قبيحة وغير قادرين على استيعاب مدى قباحة أفعالهم هذه.
_______________
ديفد بلير وريتشارد سبنسر

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

بيان مفتي السعودية عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ: تبصرة وذكرى || داعش والقاعدة عدو الإسلام الأول || جرائم ما يسمى بداعش والقاعدة وما تفرع عنها من جماعات ليس من الإسلام في شيء ||

    أغسطس 19, 2014   No comments
وجه مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ بياناً بعنوان "تبصرة وذكرى"  فيما يلي نصه :

الحمد الله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد :

http://www.google.com/reviews/polls/display/7754288029976286359/blogger_template/vote?lnkclr=%2355850d&hideq=true&font=normal+normal+13px+Arial,+Tahoma,+Helvetica,+FreeSans,+sans-serif&txtclr=%23333&chrtclr=%2355850d
أيها الإخوة والأخوات أحييكم بتحية الإسلام الخالدة , ذات المضامين الكريمة والمقاصد السامية .. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى , ومن اشتغل بتقوى الله فالله كافيه . ومع هذه الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية اختلت فيها كثير من الأوطان , ومعها اختلت كثير من الأفهام , ولا شك أن أكثر الأفكار خطراً أفكار تسوق باسم الأديان , ذلك أنها تكسبها قداسة تُسترخص في سبيلها الأرواح , وحينئذٍ ينتقل الناس ــ والعياذ بالله ــ من التفرق الذي يعصم منه الدين , إلى التفرق في الدين نفسه , وهذا الذي حذرنا الله عز وجل منه في قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) الأنعام: 159 .فإنه تعالى في هذه الآية يحذر المسلمين من أن يكونوا في دينهم , كما كان المشركون في دينهم , وتفريق دين الإسلام هو تفريق أصوله بعد اجتماعها , وهو كلّ تفريقٍ يفضي بأصحابه إلى تكفير بعضهم بعضاً , ومقاتلة بعضهم بعضاً في الدين , وليس في الإسلام جناية أعظم عند الله تعالى بعد الكفر من تفريق الجماعة , التي بها تأتلف القلوب , وتجتمع الكلمة , كما في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103 .
قال ابن مسعود رضي الله عنه ” يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة , فإنها حبل الله عز وجل الذي أمر به , وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة ”
والفرقة والخلاف لا تكون إلا عن جهل وهوى , كما أن الجماعة والائتلاف لا تكون إلا عن علم وتقوى .

إن المسلمين اليوم ــ والحال كما يعرف الجميع ــ في حاجة متأكدة إلى أن يتضلعوا علماً ومعرفة بهذا الدين القويم قبل أن يعرفوا به غيرهم , ليس ذلك في المسائل والأحكام فحسب , وإنما في مقاصده العظيمة الواسعة التي من أجلها شُرع , وعليها أُنزل , فإن الله تعالى ما أرسل الرسل , وشرع الشرائع إلا لإقامة نظام البشر كما قال تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد: 25 وشريعة الإسلام هي أعظم الشرائع وأقومها كما دلَّ عليه قوله تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) آل عمران: 19 وقد جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل .
والمقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها .
ومن أسس القرآن الواسعة : أن الأصل في الأشياء الإباحة ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ) البقرة: 29 وأن الأصل في الإنسان البراءة : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) الروم: 30 وهاتان القاعدتان هما أساس كل تشريع وحرية.
ولا تتم كل الأسس وتقوى على النهوض إلا بمعرفة أن سماحة الإسلام هو أول أوصاف الشريعة الإسلامية وأكبر مقاصدها . كما في قوله تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة: 185 وقوله ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج وقوله ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) البقرة: 286 وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ” أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ” . والحنيفية ضد الشرك , والسماحة ضد الحرج والتشدد . وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم : ” إن الدين يسر , ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه ” .
واستقراء الشريعة يدل على أن السماحة واليسر من مقاصد هذا الدين . وقد ظهر للسماحة أثر عظيم في انتشار الإسلام ودوامه , فعلم أن اليسر من الفطرة , لأن في فطرة الناس حب الرفق . وحقيقة السماحة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط , والوسطية بهذا المعنى هي منبع الكمالات , وقد قال الله تعالى في وصف هذه الأمة : ( وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) البقرة: 143 .

وعلى ضوء هذه المقاصد العظيمة , تتجلى حقيقة الوسطية والاعتدال , وأنها كمال وجمال هذا الإسلام , وأن أفكار التطرف والتشدد والإرهاب الذي يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل ليس من الإسلام في شيء , بل هو عدو الإسلام الأول , والمسلمون هم أول ضحاياه , كما هو مشاهد في جرائم ما يسمى بداعش والقاعدة وما تفرع عنها من جماعات , وفيهم يصدق قوله صلى الله عليه وسلم : ” سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان , سفهاء الأحلام , يقولون من خير قول البرية , يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة”.
وهذه الجماعات الخارجية لا تحسب على الإسلام , ولا على أهله المتمسكين بهديه, بل هي امتداد للخوارج الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب , فاستحلت دماءهم وأموالهم .
وندعو في هذا الصدد إلى توحيد الجهود وتنسيقها التربوية والتعليمية والدعوية والتنموية لتعزيز فكر الوسطية والاعتدال النابع من شريعتنا الإسلامية الغراء بصياغة خطة كاملة ذات أهداف واضحة مدعمة بخطة تنفيذية تحقق تلك الأهداف المنشودة واقعاً ملموساً .
هذا وإن العالم اليوم وهو يضطرب من حولنا , علينا في المملكة العربية السعودية وقد أنعم الله علينا باجتماع الكلمة ووحدة الصف حول قيادتنا المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين وولي ولي العهد حفظهم الله , علينا أن نحافظ على هذا الكيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً , وألا نجعل من أسباب الشقاق والخلاف خارج الحدود أسباباً للخلاف فيما بيننا , فكلنا ولله الحمد في المملكة العربية السعودية موحدون ومسلمون , نحافظ على الجماعة , ونلتزم الطاعة في المعروف , ونحمل أمانة العلم والفكر والرأي والقلم ويوالي بعضنا بعضاً ولاءً عاماً , ويعذر بعضنا بعضاً فيما أخطأنا فيه , سواء في ذلك العلماء والأساتذة والكتاب والمثقفون وسائر المواطنين , ندير حواراتنا حول ما يهمنا من قضايا الدين والوطن بأسلوب الحوار الراقي الذي لا يُخوَّن ولا يَتَّهم , فكلنا في هذا الوطن سواء , لنا حقوق وعلينا واجبات . نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وأن يقيَنا وإياهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح أحوال المسلمين إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .


المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ

________________________________________________________________________________
رأي وتحليل

لماذا هو خطر على السعودية؟ داعش... الوعد الوهابي المؤجّل

 فؤاد إبراهيم *

من أجل تقدير دقيق للخطورة المتمثّلة في مشروع «داعش»، لا بد من قراءة إجمالية للعقل السياسي السعودي. فالدولة السعودية الوهابية التي نشأت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي عقب تحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود عام 1744 والذي أسّس لدولة دينية تقوم على تقاسم السلطة بين الشيخ والأمير، أريد لها الانفراد بالتمثيل السياسي السني، بما يحول دون نشوء أي كيان آخر منافس داخل المجال الإسلامي العام.

في داخل المجال الديني الوهابي، خاض حرّاس المذهب تحديّات متعاقبة لجهة إبقاء الدولة السعودية داخل نطاق تأثير التعاليم الوهابية التي وضعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسائله ومصنّفاته وسيرته. وجرت محاولات فردية أحياناً وجماعية أحياناً أخرى لجهة إعادة وهبنة الدولة السعودية ولكن باءت المحاولات بالفشل.
من بين المحاولات الفردية، ما قام به الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان بمثابة المفتي العام في الدولة السعودية الثانية، وقد بعث رسائل الى الأمير فيصل بن تركي آل سعود (1788 ـ 1865) يذكّره بالأساس الديني الذي قامت عليه الدولة السعودية: «وأهل الاسلام ما صالوا على من عاداهم، الا بسيف النبوة، وسلطانها، وخصوصاً دولتكم، فإنها ما قامت الا بهذا الدين...» (الدرر السنية في الاجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن محمد النجدي، الطبعة السابعة، 2004، الجزء 14 ص 70).

 
كانت معركة السبلة عام 1929 مواجهة بين الدولة السعودية المحدّثة وحرّاس الوهابية

وقد حذّر علماء المذهب الوهابي أمراء الدولة السعودية الثانية من العواقب الوخيمة التي آلت اليها أمور الدولة السعودية الأولى، حين غيّر الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد طريقة والده (وبغاها ملكاً) بتعبير الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، أي حين «طغت أمور الدنيا على امر الدين»، بحسب قوله (الدرر السنية في الاجوبة النجدية، ج14 ص 123). فقد أراد الشيخ عبد الرحمن تأكيد دور الدين في بقاء واستقرار وقوة الدولة ووحدتها وتمركزها النجدي، ولذلك طالبه بشدة بأن يجعل الحكم أمر دين (الدرر السنية، ج14 ص 124).
تكشف رسائل المشايخ في سنوات لاحقة عن إحباط شديد إزاء جنوح الدولة السعودية بعيداً من المبادئ الوهابية، واتسعت هوّة الخلاف بين الطرفين، وفيما كان الحكّام السعوديون يصرّون على بقاء مصدر المشروعية الدينية فاعلاً في البيئة الشعبية الحاضنة لحكمهم، أي نجد، فإنهم في المقابل واجهوا تحدّيات جمّة تفرضها متطلبات التحديث، بما في ذلك استعارة أنظمة وتشريعات غير مستمدة مباشرة من الكتاب والسنّة، واعتبره العلماء اختراقاً لمجالهم السيادي، كون التشريع يمثّل امتيازاً خاصاً لهم، وهو ما دفع المفتي الأكبر ورئيس القضاة في عهد الملك فيصل، الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ لوضع «رسالة في تحكيم القوانين» (مكة 1960) جاء فيها ما نصّه «أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل، لا ينقل عن الملة». وسئل المفتي السابق، الشيخ عبد العزيز بن باز (1999): هل يعتبر الحكّام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفاراً...؟ فأجاب: فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر (انظر: مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز، المجلد الرابع، ص 416).
وقد فهم طلاّب الشيخ بن باز ومن جاء بعدهم، خصوصاً من «الجهاديين» في «القاعدة» و «داعش» تلك الفتاوى على أن النظام السعودي في مقدمة المستهدفين بفتاوى الشيخين ابن ابراهيم وبن باز. وقد أسست تلك الفتاوى لتكفير الدولة السعودية كونها حكّمت قوانين وضعية في المحاكم.
وكان أول خلاف بين آل سعود وقاعدتهم الشعبية برز في النزاع بين ابن سعود وجيشه العقائدي المتمثل في «الاخوان»، حول إبقاء الصلاحية العملانية للتصوّر العقدي الوهابي القائم على التكفير والهجرة والجهاد مفتوحة، وقد أخذوا عليه أنه «عطّل فريضة الجهاد» الى جانب إدخاله البدع «اللاسلكي والتلغراف» الى بلاد الإسلام.
كانت معركة السبلة عام 1929 بين ابن سعود والاخوان مواجهة بين الدولة السعودية المحدّثة وحرّاس الوهابية في نسختها الأصلية. قُضِيَ على الإخوان بدعم عسكري بريطاني وجرى استيعاب فلولهم داخل مؤسسات الدولة.
وجرت محاولة أخرى في منتصف الستينيات من القرن الماضي من قبل شباب يتحدّر بعضهم من «الإخوان» بتأسيس جماعة دعوية أطلقت على نفسها «الجماعة السلفية المحتسبة»، واختارت المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، مرشداً لها، وما لبث أن طوّر قادة الجماعة من أفكارها وأساليبها وراحوا يصوغون رؤية دينية وسياسية والانتقال من مرحلة الدعوة السلمية الى مرحلة المواجهة المسلحة لناحية ليس إعادة وهبنة الدولة السعودية فحسب بل والانتقال الى مرحلة متقدّمة في الصراع الكوني، والذي توّج باندلاع حركة تمرّد مهدويّة داخل الحرم المكي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 بقيادة جهيمان العتيبي الذي قتل ورفاق دربه وفشلت الحركة في تحقيق اهدافها.
من يقرأ سيرة أفراد الطبقة القيادية في التنظيم يجد أن هؤلاء تشرّبوا العقيدة الوهابية

لا بد من الإشارة الى أن رسائل جهيمان باتت مكوّناً أساسياً في أدبيات السلفية الجهادية الممثلة حالياً في «القاعدة» و»داعش». حدّد جهيمان في «رسالة الإمارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام على طلبة العلم والعامة»، وظيفة الحاكم وقال بأن «واجب الخليفة هو تحكيم الشريعة»، وإلا «فقد ضل عن سبيل الله...». وكان يعتقد جهيمان بأن واقع حال المملكة السعودية هو «تعطيل الحكم بكتاب الله». وبحسب مقاربة الشيخ محمد بن ابراهيم والشيخ بن باز فإن من هذه حاله يعتبر كافراً.
توارى جهيمان جسداً وبقيت أفكاره تتفاعل في طبقات المجتمع الوهابي، وبعد غزو نظام صدام حسين للكويت في آب 1990، ولدت حركة اعتراضية من داخل المجتمع الوهابي عرفت لاحقاً بتيار الصحوة بقيادة مشايخ من الطبقة الثانية في التراتبية الوهابية في المملكة السعودية أمثال: سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر وعايض القرني وعادل الكلباني وغيرهم، وزوّدوا الساحة المحلية بفيض من الخطابات الاحتجاجية ضد المخالفات الشرعية للنظام السعودي في ضوء ما ورد في رسائل جهيمان. وكان إصدار «مذكرة النصيحة» في يوليو/ تموز 1992 والتي حملت توقيعات 108 من المشايخ والقضاة والدعاة وأساتذة الجامعات الدينية والأكاديميين والأطباء والمهندسين المصنّفين على التيار الديني الوهابي، يعتبر ذروة النشاط الاحتجاجي الوهابي في المملكة، حيث طالب الموقّعون بإعادة أسلمة الدولة السعودية على منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وكان المطلب الرئيسي في «المذكرة»: «وجوب التحاكم الى شرع الله وتحكيمه في جميع شؤون الفرد والأسرة والدولة وفي علاقة الأمة بالدولة، وفي علاقة الدولة والأمة بغيرهما من الدول والأمم...». وبالعودة الى أدبيات القاعدة، سوف يظهر بأن التركة الصحوية، خصوصاً ما يتعلق منها بالسعودية، شكّلت الخلفية الفكرية والسياسية لتنظيمات السلفية الجهادية في الجزيرة العربية المرتبطة بالقاعدة، واندغمت بصورة تلقائية وسلسة في البنية الإيديولوجية لدى «داعش».
من الضروري لفت الانتباه الى أن عقيدة «داعش» لا تختلف عن عقيدة أي تنظيم سلفي جهادي أو صحوي. وعودة سريعة الى المكتبة العقدية المثبتة على المواقع الاكترونية لتنظيم «داعش» سوف تنفر الهوية العقدية لدى التنظيم. من نافل القول، إن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب مثل «كتاب التوحيد» و»كشف الشبهات» و»نواقض الاسلام»، وغيرها يجرى توزيعها في المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش»، ويتم تدريسها وشرحها في الدروس الدينية الخاصة التي يعقدها الجهاز التربوي في التنظيم.
علاوة على ذلك، من يقرأ سيرة أفراد الطبقة القيادية في تنظيم «دولة العراق الاسلامية» وتالياً «الدولة الاسلامية في العراق والشام» أو «الدولة الاسلامية» سوف يجد وبسهولة متناهية أن هؤلاء تشرّبوا العقيدة الوهابية وأتقنوا العمل بكل تفاصيلها... بل يتعمَّد كتّاب سيرهم التشديد على عبارة «يسير على منهج السلف»، أي يعتنق المذهب الحنبلي الوهابي. هذا ما نقرأه في سيرة: ابو عمر البغدادي وخلفه ابو بكر البغدادي، ووزير الحرب السابق ابو حمزة المهاجر المصري، ووزير الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الدولة أبو محمد العدناني الشامي وغيرهم.
أبو عمر البغدادي، أول أمير للمؤمنين في «دولة العراق الاسلامية» عام 2006، صاغ على سبيل المثال ثوابت دولته المأمولة فكانت سلفية وهابية، وهو من أعدّ الوثيقة التعريفية بعقيدة «الدولة» ومن بين أهدافها: أولاً: إقامة الدين ونشر التوحيد «الذي هو الغاية من خلق الناس وإيجادهم والدعوة إلى الإسلام...». وهو التعريف الذي يمكن العثور عليه في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وشروحات كتاب التوحيد من مشايخ الوهابية.
إذاً مشروع «داعش» ليس شيئاً آخر غير إعادة إحياء وهابية الجيل المؤسس، وهو ما يبعث القلق لدى آل سعود، لأن التصحيح في المشروع الوهابي يأتي هذه المرة من خارج الدولة السعودية، ويبطن تقويضاً لمشروعيتها.
وشأن كل التنظيمات السلفية الوهابية، فإن تكفير الآخر، مسلماً كان أم كتابياً، بات سمة راسخة في عقيدتها، ببساطة لأن المواصفات الصارمة المطلوبة في الانسان المسلم بحسب رؤية هذه التنظيمات لا تنطبق سوى على المنضوين تحت راية الوهابية. الطريف أن قيادة تنظيم «داعش» تلوذ بالمنطق ذاته لدى محمد بن عبد الوهاب حين وجّهت له تهمة التساهل في تكفير المخالفين. يقول ابو عمر البغدادي في بيان عقيدة «الدولة» في كلمته بعنوان: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي) في 13 مارس/ آذار 2007:
«وقد رمانا الناس بأكاذيب كثيرة لا أصل لها في عقيدتنا، فادَّعوا أننا نكفر عوام المسلمين ونستحل دماءهم وأموالهم».
وحين رد التهمة لجأ البغدادي الأول لمنهجية محمد بن عبد الوهاب نفسها في تكفير الآخر ولكن بطريقة مواربة. وحين نعود الى المصنّفات الوهابية في التكفير لا نجد البغدادي إلا مقلّداً ومردّداً لمقولات الوهابية في التفكير.
ثوابت «الدولة» كما حدّدها أبو عمر البغدادي تكاد تكون منقولة حرفياً من المرجعيات الوهابية مثل «وجوب هدم وإزالة كل مظاهر الشرك، وتحريم وسائله...»، و»من نطق بالشهادتين وأظهر لنا الإسلام ولم يتلبس بناقض من نواقض الإسلام عاملناه معاملة المسلمين...»، وأن «الكفر كفران: أكبر وأصغر»، و»وجوب التحاكم إلى شرع الله من خلال الترافع إلى المحاكم الشرعية في الدولة الإسلامية، والبحث عنها في حالة عدم العلم بها، لكون التحاكم إلى الطاغوت من القوانين الوضعية والفصول العشائرية ونحوها من نواقض الإسلام...». والنقطة الأخيرة تبدو واضحة في أن من يتحاكم الى غير محاكم «الدولة» يكون قد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام وبذلك يصبح كافراً، وبالتالي فإن الغالبية الساحقة من المسلمين هم كفّار كونهم يتحاكموا في غير محاكم «الدولة»!
كخلاصة، فإن داعش وفق المعطيات سالفة الذكر يمثّل أشد الجماعات التكفيرية إسرافاً في إطلاق أحكام التكفير حتى لا تكاد تجد مسلماً خارج نطاق «داعش»، وفي ذلك التزام أمين بالتصوّر الوهابي الأول للعالم.

من التوحش الى التمكين

يصوغ منظّرو «القاعدة» و»الدولة» استراتيجية شاملة للتغيير تقوم على ثلاث مراحل: النكاية والإنهاك، التوحش، التمكين (= قيام الدولة). وتشتمل مرحلة التوحّش على مهمات كثيرة منها رفع الحالة الايمانية لتسهيل استقطاب الناس الى صفوف العاملين: «عبر توجيه رسول من التنظيم للإدارة المسؤولة عن المناطق المجاورة لدعوتها للدخول في ولاء أهل التوحيد والجهاد...» (أبي بكر ناجي، إدارة التوحش، سلسلة مقالات في فقه التغيير، الحلقة الاولى من سلسلة تحفة الموحدين في طريق التمكين، مركز الدراسات والبحوث الاسلامية، د.ت، ص47).
وفي نهاية المطاف، فإن استراتيجية السلفية الجهادية تقوم على رؤية عقدية وهو ما ينعكس على تصوّرها للمعركة «أن معركتنا هي معركة توحيد ضد كفر وإيمان ضد شرك، وليست معركة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية...» (أ.ناجي، إدارة التوحّش، مصدر سابق ص112).
ويرسم الشيخ أبي بكر ناجي صورة مثالية لمهمات إدارة التوحش، من بينها: إقامة القضاء الشرعي بين الذين يعيشون في مناطق التوحش، العمل على بث العلم الشرعي الفقهي (الأهم فالمهم) والدنيوي (الأهم فالمهم). وخصائص مرحلة التوحّش تكاد تشبه خصائص الإمارة الدينية التي أقامها محمد بن عبد الوهاب في الدرعيّة، وسط نجد، حين طبّق رؤيته الدينية الصارمة في إدارة شؤون العباد، لتطبيق الشريعة وإقامة الحدود، وجبي أموال الزكاة والغنائم.
وهنا مكمن الخطورة على الدولة السعودية التي تمثّل الوهابية، الإيديولوجية المشرعنة لها، حيث يعتنق «داعش» مشروعاً أممياً ناضلت الوهابية منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي من أجل تحقيقه ولكن تمّ القضاء عليه نتيجة إذعان عبد العزيز آل سعود لقوانين النظام الدولي حينذاك.
قيام «الدولة الاسلامية» وفق رؤية عقدية وهابية، يشكّل خطراً جديّاً بالنسبة إلى السعودية التي تسعى إلى تقويض أي مشروع أممي قد يصل الى داخل حدودها... في واقع الأمر، أن «داعش» هو البديل العملاني من شبكة «القاعدة» التي تخسر فروعها لمصلحة «الدولة الاسلامية» التي لم تعد مقتصرة على العراق والشام، وإنما باتت مفتوحة على المكان، فكل أرض خضعت تحت سيطرة «الدولة» باتت جزءاً من سيادتها.
ويعطي أبو محمد العداني توصيفاً خاصاً للدولة بما نصّه: «الدولة الإسلامية ما وُجِدت قديماً وحديثاً إلا لتحقيق هذه الغاية التي هي حمل الناس كافةً على التوحيد والاحتكام بشرع الله ليكونوا أمةً واحدة...».
إنها بكلمات أخرى دولة حرب، تستمد وجودها ومشروعيتها من إيديولوجية الفتح، أي النزاعات مع الدول الأخرى وعلى القطيعة والخصومة معها، فهي تريد أن تحكم بالسيف لتطبيق الشرع!
ولذلك، نلحظ كيف تدرّج مشروع «الدولة» من كونه خاص بالعراق ولأهل السنة فيه على وجه الخصوص حين أعلن عن «الدولة الاسلامية في العراق» (تشرين الأول/ أكتوبر 2006)، ثم تحوّل الى مشروع يضم العراق والشام (داعش)، أي «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (9 نيسان 2013)، وأخيراً أصبح مشروع خلافة إسلامية وصار اسمها «الدولة الاسلامية» (29 حزيران 2014)، وهذه مفتوحة على الأرض.
لمعرفة أهداف «الدولة» نعود الى كلمة الأمير السابق للدولة الاسلامية في العراق ابو عمر البغدادي في سياق رصده لمكاسب «مجاهدي» الدولة بعد أربع سنوات من ولادتها، ويضع في الناحية العقدية «ففي فترة زمنية قياسية درب جيل كبير من الشباب على عقيدة الولاء والبراء المنسية...»، ولا تتحقق هذه العقيدة إلا في وجود جماعة، وتعليل ذلك: «أن الجماعة هي تجسيد عملي لحقيقة الولاء والبراء في الإسلام، فارتباط المؤمنين في جماعة واحدة بعد ارتباطهم بالتوحيد هو الذي يجسد هذا الإيمان في واقع الحياة». فهي إذاً دولة دعوية لا صلة لها بالدول المتعارف عليها.
في ضوء الأدلجة الفارطة للدولة، نجد أنفسنا أمام الرؤية الوهابية النقيّة التي صاغها محمد بن عبد الوهاب حين أقام إمارة دينية تكون منصّة لإطلاق مشروع الخلافة الاسلامية القائمة على: التوحيد، والولاء والبراء، والهجرة والجهاد.
ثمة دلالة كبيرة في دعوة أبي بكر البغدادي، خليفة «الدولة الاسلامية» في خطبته في المسجد الكبير في الموصل في 4 تموز الماضي المسلمين عموماً بالانضواء في الدولة والهجرة اليها، «فيا أيها المسلمون في كل مكان؛ مَن استطاع الهجرة إلى الدولة الإسلامية فليهاجر، فإن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة... ففرّوا أيها المسلمون بدينكم إلى الله مهاجرين...».
إن عبارة «الهجرة الى دار الإسلام واجبة...» كفيلة بالكشف عن حقيقة عقدية لدى البغدادي وأهل دعوته، فمجرد الدعوة الى الهجرة يعني أن ثمة دار شرك يراد الهجرة منها الى مكان آخر، كالهجرة من مكّة الى المدينة، وأن تكون الهجرة واجبة تعني أن المشروعية الدينية باتت محصورة في النطاق الجغرافي للدولة الاسلامية التي يتولى أمرها ابو بكر البغدادي. هنا نستحضر تجربة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتقاله من العيينة الى الدرعيّة وسط نجد، حين دعا أنصاره بالهجرة الى الدرعية باعتبارها دار الإسلام وأن الهجرة اليها واجبة، وما عداها يصبح تلقائياً دار كفر.

السعودية... في مرمى «الدولة»

باتت السعودية اليوم من بين مجموعة دول تضم الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان واليمن، من ضمن الدول المرشحة لأن تكون ضمن مناطق التوحش، لوجود عمق جغرفي وتضاريس تسمح بإقامة مناطق تدار بنظام إدارة التوحش، وضعف النظام الحاكم وضعف حضوره العسكري في الأطراف، وجود مد إسلامي جهادي واعد، طبيعة الناس في هذه المناطق، انتشار السلاح بأيدي الناس فيها (أ. ناجي، طريق التمكين، مصدر سابق 8 ـ9).
ومن الضروري الإشارة الى أن مرحلة إدارة التوحش تكون تمهيدية لمرحلة التمكين، وإن ادخال السعودية ضمن استراتيجية التغيير يعني أن داعش يستعد لتحقيق الوعد الوهابي المؤجل بإقامة الخلافة.
استبشر كثير من المقرّبين من النظام السعودي بسيطرة «داعش» على الموصل وتمدّده الى محافظات عراقية أخرى، وبالغ البعض في وصف ذلك، فبين من أسبغ على مقاتلي داعش صفة «الثوار»، وبين من اعتبر فعله «حركة تحرير»، ولكن ما لبّث أن انقلب المزاج العام بصورة دراماتيكية، منذ الإعلان عن إقامة «دولة الخلافة»، وبدء الحديّث عن تمدّد «الدولة» الى الجنوب، الى حيث «الجزيرة العربية».
فوجئت السلطات السعودية بالمنسوب المرتفع من التعاطف مع «دولة الخلافة» وسط القاعدة الشعبية الوهابية، إلى درجة أن حملات الكترونية انطلقت بصورة متزامنة تشيد بإعلان الدولة وتعلن البيعة لأميرها أبي بكر البغدادي.
اكتشفت السعودية بأن ثمة مجتمعاً داعشياً ثاوياً وسط المجتمع الوهابي الذي تعتقد بأنها تديره وتسيطر عليه. تنبّه آل سعود الى أن انبعاثاً وهابياً انطلق من خارج الحدود هذه المرة ويمثّل أكبر وأخطر تهديد واجهه النظام السعودي منذ نشأته.
خطورة «الدولة الاسلامية» تكمن في اعتناقها ذات المدّعيات العقدية وتبشيرها بنفس التعاليم الدينية التي صاغها المؤسس محمد بن عبد الوهاب، وتزيد على ذلك أنها تحمل في طياتها الوعد المؤجل منذ قرنين، أي إقامة دولة الخلافة، وصنع ما أخفق في صنعه مشايخ الوهابية و»الاخوان» و»حركة جهيمان» و»مشايخ الصحوة» و»قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» وغيرها من المحاولات الفردية والجماعية.
حارب آل سعود أنظمة الحكم الدينية بعد اندلاع الربيع العربي، وخصّصوا ميزانيات ضخمة لإسقاط حكم الاخوان في مصر كي لا ينشأ نموذج حكم إسلامي ينافس ويقوّض مشروعية النظام السعودي، ولكن برز إليهم من داخل المجال الوهابي من يحمل مشروعاً منافساً ويملك من الأفكار التحريضية، والمبررات الدينية، والقوة العسكرية والبشرية ما يجعله بديلاً محتملاً، وسط بيئة بدت كما لو أنها منقسمة على ذاتها، يكشف عن ذلك توجيه شباب على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة الى أمير المؤمنين في «الدولة الاسلامية» للقدوم الى الحجاز لتحرير مكّة من آل سعود!

___________________________
* باحث وناشط سياسي ــ السعودية
___________________________



للنقاش: هل «داعش» نبتة سلفية؟


تغريدة لامام الحرم المكي السابق الكلباني يؤكد “ سلفية داعش تثير جدلا

ـ اثارت تغريدة إمام المسجد الحرام في مكة المكرمة السابق الشيخ عادل الكلباني تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حين وصف تنظيم «داعش» بأنه نبتة سلفية وتلك حقيقة يجب مواجهتها بشفافية، حسب ما نقلت صحيفة المرصد.
حيث عقب الدكتور دايل الشهراني بحسب صحيفة “الجزيرة” قائلا (داعش صناعة استخباراتية يا شيخ عادل بارك الله فيك)، فقال الكلباني (كل ما فعله العدو هو استغلال للفكر). ومضى الكلباني في القول: إن (فرعونية الفكر لا بد أن يكون نتاجها داعشية الفعل)، وفي تغريدة أخرى أورد الكلباني: (لم أقل سلفية، قلت نبتة سلفية وفرق بينهما واضح)، وتابع (التبديع والتفسيق والتضليل نواة للحكم بالردة والتكفير، ومن ثم استحلال الدم والمال والعرض).

وتحت وسم (‫#‏الكلباني_داعش_نبتة_سلفية) تباينت التعليقات بين مؤيد ومعارض لوجهة نظر الشيخ الكلباني، فبدا الكاتب محمد علي المحمود مؤيدا حين قال في تغريدة له (قلناها حتى قبل أن توجد داعش، عندما كنا نؤكد أن ترك السلفية تنمو بلا حدود، لا بد وأن تؤدي إلى ما هو أبشع من القاعدة)، وفي تغريدة أخرى أورد المحمود (منذ ظهر هذا التنظيم القذر داعش ونحن نقول إنه التطبيق العملي للتنظير السلفي.. بدري يا كلباني!)، وتابع المحمود (قبل عشر سنوات قلناها صريحة إن الإرهاب الذي يضربنا في العمق هو نتاج الوعي السلفي قبل أن يكون نتاج أي فكر آخر)، وواصل إن (سلفية داعش لا تحتاج لشيخ! افتح أي كتاب عقائدي سلفي، سترى برنامج العمل الداعشي بالتفصيل مدعوما بالأدلة)، ومضى المحمود في القول (الفرق بين داعش وبين بقية السلفيين التقليديين أن الدواعش امتلكوا شجاعة التطبيق بينما جبناء السلفية يكتفون بالتصفيق)، وأضاف (كتبت عشرات المقالات قبل عدة سنوات تتحدث عن كون السلفية التقليدية هي أيديولوجيا كراهية الآخرين)، وفي تغريدة أخرى أورد المحمود (هل لا بد أن يأتي شيخ سلفي، يعترف لنا صراحة بإرهابية المنظومة السلفية، حتى نعرف أن السلفية هي أيديولوجيا الإرهاب؟!).
من جانبه، قال عبدالله الكويليت (هذا النقد الاجتماعي العارم لكل مسببات ومظاهر «التدعشن» سيقودنا إلى الصحوة الحقيقية نحو المستقبل.. كفى تغييباً).
وفي الجانب المعارض علق محمد المهنا على الشيخ الكلباني (السلفية يا أبا عبدالإله هي منهج السلف، ونسبة أهل الغلو إليها ظلم وافتراء، بنانك وفقك الله يحتاج إلى زمام وخطام)، حسب تعبيره.
من جانبه، قال فهد العوين إن (تغريدة الشيخ الكلباني سيتم توظيفها بصورة سيئة بدوائر صنع القرار الغربي بتحشيد رافضي ضد الإسلام والسلفية باعتبارها شهادة من أهلها)، على حد قوله.
في حين قال عبدالعزيز الشهري (التطبيقات الخاطئة لمنهج لا تُحمل المنهج تبعتها وإنما يتحملها الأفراد المخطئون، وإلا لحمل الإسلام شطحات الفرق)، عبدالله الهدلق أورد تغريدة بنص (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.. على المرء من وقع الحسام المهند)، حسب وصفه.

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.