صلاح الداودي*
يكمن الوهم الكبير في ادّعاء أن دستور تونس الجديد المُتشكّل من خليطٍ هجينٍ من عدّة مرجعيات مركّبة على بعضها البعض، قد حسم الجدل في عدّة قضايا ومن أهمها قضايا السيادة والاستقلال والهوية والعدالة، في حين أن الواقع يثبت في كل مرة أنه ما من قضية خلافية تُذكَر إلا ويصبح اختراق وتجاوز الدستور أمراً واقعاً ومن الجهتين إن كانتا حكماً ومعارضة أو كانتا "النهضة" أو"النداء". تكمن المُغالطة الكبرى في ادّعاء أن المسار الانتفاضي المُنقلب عليه أثناء وما بعد سنة 2011 كان حصراً وأولوياً من أجل الحريات كما أراد
يكمن الوهم الكبير في ادّعاء أن دستور تونس الجديد المُتشكّل من خليطٍ هجينٍ من عدّة مرجعيات مركّبة على بعضها البعض، قد حسم الجدل في عدّة قضايا ومن أهمها قضايا السيادة والاستقلال والهوية والعدالة، في حين أن الواقع يثبت في كل مرة أنه ما من قضية خلافية تُذكَر إلا ويصبح اختراق وتجاوز الدستور أمراً واقعاً ومن الجهتين إن كانتا حكماً ومعارضة أو كانتا "النهضة" أو"النداء". تكمن المُغالطة الكبرى في ادّعاء أن المسار الانتفاضي المُنقلب عليه أثناء وما بعد سنة 2011 كان حصراً وأولوياً من أجل الحريات كما أراد
ويريد التيار النيوليبرالي الموجّه لتونس بالإملاءات والمُهيمن عليها ثقافياً بواسطة هيمنته على نخب الاستعمار السياسية والفكرية. والحق أن أول وأعمق ما قامت عليه الحركة الانتفاضية وتاريخها، كان ضد التبعية الاقتصادية والظلم الاجتماعي تحت ضربات تسلّطية حديدية تمنع الحقوق وتعدم الحريات، ولا تعترف بكل مستويات المساواة بسبب النظام الأمني والاقتصادي على وجه الخصوص ونظام الحُكم بوجهٍ عام.
ليس علينا عندما نعالج قضايا وطنية مصيرية في سياق الأزمات المركّبة خاصة، ليس علينا أن نرهن أوطاننا وشعوبنا للدوائر الأيديولوجية المُغلقة والحلقات السكتارية المُفرغة، والتوجيه الخارجي لرُعاة دوليين ماليين بلا همّ ولا رحمة. وليس علينا أن نستسلم لنزوات استعراضية لبعض الأفكار الوجودية النمطية لإثارة الإعجاب لدى البعض وإثبات النسب العقائدي السياسي لدى البعض الآخر.
لذلك يتوجّب أن نعاود التنبيه إلى خطورة التحشيد الإنتخابي-الأيديولوجي الأعمى من دون وعي عميق، والتحذير من الخوض العشوائي في موضوع الحريات والمساواة من دون رؤية فكرية ثابتة ومن دون تنزيل سياسي مناسب ومن دون تفكير في الأفق الإستراتيجي الذي ستلتئم أو تصطدم فيه الدولة والمجتمع والأفراد، زيادة على الآفاق الإقليمية والدولية المحفوفة بصراع إدارة الفوضى وإعادة تشغيلها في كل مكان. والحال، وبكل تكثيف، إننا نعيش تونسياً قلباً للآية تشريعياً وسياسيا حتى يختزل كل الأمر في الخوض الشكلاني في الشكليات، ومنع تنفيذ النموذج السيادي الذي يبُدع تحقيق الأهداف الوطنية والاقتصادية والاجتماعية في المجالات العامة والشخصية كلها.
نحن على قناعة تامة أن أمراً حساساً مثل تقرير الحريات والمساواة لا يحسم إلا في الوعي وضمن الرؤية الوطنية الإستراتيجية الشاملة لرسم مسار ومعالم استكمال التحرّر، وخطط الانعتاق الثوري والبناء المستقل والسيادي الذي يضع نُصب عينيه كل المجتمع وليس بعض فئات المجتمع، ومستقبل أجيال تونس وليس بعضهم وحسب توازن استراتيجي وطني ومجتمعي متكامل، وليس حسب مزاج أحدنا. كما إننا على قناعة واثقة أن الأسلم والأحكم والأقوم والأعدل هو حسم الخلافات على قاعدة الاختيار الحر والتدريجي والمنصف، وليس بالتدافُع وعلى الهوى بإلهاب سوق الأهواء المُستعرة بمقتضى مقولات غرائزية ومزاجية وسوقية، وموغلة في الفردانية والعدوانية مثل مقولة الشبيه المستوحشة ومقولة الغريب المتوحشة.
في الواقع، نحن لسنا حضارة خاصة مقتطعة من كل جذورها ومن كل المتغيّرات والمآلات، ونحن لسنا قطعة من أمّةٍ تذهب إلى مزيد التقطّع وترنو إلى مجتمع معلّق على حبال أفراده كل يقطع منه ما يريد ومتى يريد. وفي الحقيقة، نحن لا نطمح أن نكون حديقة خلفية للاتحاد الأوروبي ولا مجرّد ملهى ليلي لإمارات ومملكات ومشيخات الخليج. كما ولا نظن أن غالبية مجتمعنا عازمة بحق ووعي على تحويل نفسها إلى مجتمع شُذّاذ آفاق لا يجمعها إلا عقد تبعية متعدّد التبعيات ، أو عقد إرهاب وفساد مُتعدّد المُشغّلين يحطّم أية إمكانية لنهوض مشروع وحدة المصير، والاندماج والتعاون والشراكة الإستراتيجية لا الإلحاق القسري المعولم لبعضنا ، والشتات العالمي لمن سوف يتبقّى منا في لعبة التفكيك الناعم والصلب.
وعلى ذلك نرى أنه علينا مواجهة أي مشروع فئوي وقُطري محلي تابع بصيغته المعولمة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتجريبي مختبري بصيغته العولمية الثقافية والقانونية، وهنا الفرق الفارق بين من لديه مشروع وطني جامع يمتد إلى أبعاده العروبية والإسلامية والعالمية الإنسانية التحرّرية والثورية ومن لا ينظر إلا من ثقب نفسه الفردية ومن يشبهها.
إن ما يحدث في تونس هذه الأيام من تخبّط وتمزّق وصراع للأحقاد سيجعل مع مرور الوقت من المجاميع المحلية اليسارية الليبرالية الملوّنة على مستوى الهوّة الهويّاتية الوطنية في السياسة والمجتمع، أشبه بما يُسمّى اليمين في أميركا الجنوبية من دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بالأجندات الأجنبية الاستخباراتية، وسيجعل من مجاميع البورقيبية الدستورية أشبه ما يكون بمجاميع الأقليات في أوروبا وأميركا من دون أن تكون بالضرورة من دون غالبيات انتخابوية، وسيجعل من مجاميع الإسلامويين شعوباً على طريقة توزّع الإخوان المتأسلمين في تركيا والأردن وغيرهما. وسيلتقي الجميع ضد نواة التيار الوطني المقاوِم الذي يرفض فصل المجتمع عن نفسه وعن تطوّره التفاعلي الذاتي الحر والمستقل، ويرفض فصل المغرب العربي عن محيطه ويرفض التفريط في تونس لفلسفة مجتمع وسياسة وفلسفة قانون واقتصاد وأمن نيوليبرالية تهدف إلى اللامساواة والانتداب الناعم وإدامة الوصاية والاستعمار والقضاء على الدولة وتعويضها بتوحّش سوق رأس المال المعولم والتابع. ويلتقي الجميع من حيث يريدون أو لا يريدون ضد وطنهم قبولاً أو صمتاً في كل قضايا السيادة الوطنية وعلى رأسها النظام الاقتصادي والعقيدة الأمنية والتطبيع مع العدو والعدالة التوزيعية الإنمائية، وبالتالي كل مستويات الحقوق والحريات والمساواة.
ليس علينا عندما نعالج قضايا وطنية مصيرية في سياق الأزمات المركّبة خاصة، ليس علينا أن نرهن أوطاننا وشعوبنا للدوائر الأيديولوجية المُغلقة والحلقات السكتارية المُفرغة، والتوجيه الخارجي لرُعاة دوليين ماليين بلا همّ ولا رحمة. وليس علينا أن نستسلم لنزوات استعراضية لبعض الأفكار الوجودية النمطية لإثارة الإعجاب لدى البعض وإثبات النسب العقائدي السياسي لدى البعض الآخر.
لذلك يتوجّب أن نعاود التنبيه إلى خطورة التحشيد الإنتخابي-الأيديولوجي الأعمى من دون وعي عميق، والتحذير من الخوض العشوائي في موضوع الحريات والمساواة من دون رؤية فكرية ثابتة ومن دون تنزيل سياسي مناسب ومن دون تفكير في الأفق الإستراتيجي الذي ستلتئم أو تصطدم فيه الدولة والمجتمع والأفراد، زيادة على الآفاق الإقليمية والدولية المحفوفة بصراع إدارة الفوضى وإعادة تشغيلها في كل مكان. والحال، وبكل تكثيف، إننا نعيش تونسياً قلباً للآية تشريعياً وسياسيا حتى يختزل كل الأمر في الخوض الشكلاني في الشكليات، ومنع تنفيذ النموذج السيادي الذي يبُدع تحقيق الأهداف الوطنية والاقتصادية والاجتماعية في المجالات العامة والشخصية كلها.
نحن على قناعة تامة أن أمراً حساساً مثل تقرير الحريات والمساواة لا يحسم إلا في الوعي وضمن الرؤية الوطنية الإستراتيجية الشاملة لرسم مسار ومعالم استكمال التحرّر، وخطط الانعتاق الثوري والبناء المستقل والسيادي الذي يضع نُصب عينيه كل المجتمع وليس بعض فئات المجتمع، ومستقبل أجيال تونس وليس بعضهم وحسب توازن استراتيجي وطني ومجتمعي متكامل، وليس حسب مزاج أحدنا. كما إننا على قناعة واثقة أن الأسلم والأحكم والأقوم والأعدل هو حسم الخلافات على قاعدة الاختيار الحر والتدريجي والمنصف، وليس بالتدافُع وعلى الهوى بإلهاب سوق الأهواء المُستعرة بمقتضى مقولات غرائزية ومزاجية وسوقية، وموغلة في الفردانية والعدوانية مثل مقولة الشبيه المستوحشة ومقولة الغريب المتوحشة.
في الواقع، نحن لسنا حضارة خاصة مقتطعة من كل جذورها ومن كل المتغيّرات والمآلات، ونحن لسنا قطعة من أمّةٍ تذهب إلى مزيد التقطّع وترنو إلى مجتمع معلّق على حبال أفراده كل يقطع منه ما يريد ومتى يريد. وفي الحقيقة، نحن لا نطمح أن نكون حديقة خلفية للاتحاد الأوروبي ولا مجرّد ملهى ليلي لإمارات ومملكات ومشيخات الخليج. كما ولا نظن أن غالبية مجتمعنا عازمة بحق ووعي على تحويل نفسها إلى مجتمع شُذّاذ آفاق لا يجمعها إلا عقد تبعية متعدّد التبعيات ، أو عقد إرهاب وفساد مُتعدّد المُشغّلين يحطّم أية إمكانية لنهوض مشروع وحدة المصير، والاندماج والتعاون والشراكة الإستراتيجية لا الإلحاق القسري المعولم لبعضنا ، والشتات العالمي لمن سوف يتبقّى منا في لعبة التفكيك الناعم والصلب.
وعلى ذلك نرى أنه علينا مواجهة أي مشروع فئوي وقُطري محلي تابع بصيغته المعولمة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتجريبي مختبري بصيغته العولمية الثقافية والقانونية، وهنا الفرق الفارق بين من لديه مشروع وطني جامع يمتد إلى أبعاده العروبية والإسلامية والعالمية الإنسانية التحرّرية والثورية ومن لا ينظر إلا من ثقب نفسه الفردية ومن يشبهها.
إن ما يحدث في تونس هذه الأيام من تخبّط وتمزّق وصراع للأحقاد سيجعل مع مرور الوقت من المجاميع المحلية اليسارية الليبرالية الملوّنة على مستوى الهوّة الهويّاتية الوطنية في السياسة والمجتمع، أشبه بما يُسمّى اليمين في أميركا الجنوبية من دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بالأجندات الأجنبية الاستخباراتية، وسيجعل من مجاميع البورقيبية الدستورية أشبه ما يكون بمجاميع الأقليات في أوروبا وأميركا من دون أن تكون بالضرورة من دون غالبيات انتخابوية، وسيجعل من مجاميع الإسلامويين شعوباً على طريقة توزّع الإخوان المتأسلمين في تركيا والأردن وغيرهما. وسيلتقي الجميع ضد نواة التيار الوطني المقاوِم الذي يرفض فصل المجتمع عن نفسه وعن تطوّره التفاعلي الذاتي الحر والمستقل، ويرفض فصل المغرب العربي عن محيطه ويرفض التفريط في تونس لفلسفة مجتمع وسياسة وفلسفة قانون واقتصاد وأمن نيوليبرالية تهدف إلى اللامساواة والانتداب الناعم وإدامة الوصاية والاستعمار والقضاء على الدولة وتعويضها بتوحّش سوق رأس المال المعولم والتابع. ويلتقي الجميع من حيث يريدون أو لا يريدون ضد وطنهم قبولاً أو صمتاً في كل قضايا السيادة الوطنية وعلى رأسها النظام الاقتصادي والعقيدة الأمنية والتطبيع مع العدو والعدالة التوزيعية الإنمائية، وبالتالي كل مستويات الحقوق والحريات والمساواة.
________
* كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.
* كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات