‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحدث والواقع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحدث والواقع. إظهار كافة الرسائل

السبت، 21 سبتمبر 2019

انتخابات تونس: قراءة في تراجُع "النهضة" وتقدّم آخرين

    سبتمبر 21, 2019   No comments
محمد علوش
فاجأت الانتخابات التونسية الأوساط السياسية والمُراقبين في الداخل والخارج بنتائجها التي تصدَّرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

المُفاجأة الأكثر أهمية هي تدني نسبه الاقتراع في بلدٍ يُعتَبر الأكثر تعافياً في سُلَّم الديمقراطية بين الدول العربية كافة. وهو أمر مُحيِّر لأولئك الذين طالما قالوا إن ارتفاع منسوب الديمقراطية في المجتمعات يزيد من ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للجماهير، حيث يُتَرجَم ذلك بتزايُد عدد الأحزاب وارتفاع نسبه الاقتراع في الاستحقاقات الدستورية.

في الحال التونسية حصل العكس تماماً. فنسبة الاقتراع لم تتجاوز 45 % مُقارنة بنسبه 63 % عام 2014. ولا يجد المرء تفسيراً سياسياً لها إلا بإحالة الأمر إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة نتيجة تواضُع أداء وبرامج القوى السياسية المُتنافِسة، والتي - على ما يبدو- لم تقنع الناخِب التونسي بتوجّهاتها.

وبما أن تونس بلد فتيّ، كما هي حال أغلب دول العالم الثالث، فإن نسبة العزوف العالية تعود إلى فئة الشباب الذي لا يكفّ عن محاولات الهجرة إلى البلاد الأوروبية بحثاً عن حياة أكثر كرامة، وأغنى فرصاً.

المُفاجأة الثانية برزت في تقدّم مُرشّحين من خارج الفضاء السياسي للقوى الحزبية على باقي المُرشّحين. من أبرزهم رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهِد، ورئيسا وزراء سابقان، ورئيس جمهوريه سابق ووزير دفاع، إضافة إلى مُرشَّح حركه النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو.

حلول الأكاديمي قيس سعيد في المرتبة الأولى، وهو شخص مغمور لا يمتلك برنامجاً سياسياً، ولا دعاية انتخابية، ولم يدعمه حزب سياسي، كان صادِماً أكثر من حال نبيل القروي قُطب الإعلام المُعتَقل على ذِمّة قضايا عدّة منها التهرّب الضريبي بحلوله في المرتبة الثانية. فالرجلان من خارج الفضاء السياسي للقوى المُتنافِسة.

وإذا كان القروي قاد حملته الانتخابية مُبكراً وانفتح على التجمّعات الشعبية الفقيرة، فإن قيس سعيد المُنتمي إلى الطبقة المتوسّطة لم يدشّن حملة تُقارَن بما تفعله الأحزاب والشخصيات المُنافِسة عادة. رغم ذلك، وبلُغته الفُصحى، وتلقائيّته، وغياب سجّل سياسي له، نجح سعيد في الوصول إلى قلوب الشباب، فصوَّتت له شرائح مختلفة من شباب الثورة والإسلاميين واليساريين والمُهمَّشين من أحزابهم.

عبد الفتاح مورو، مُرشَّح حركة النهضة، الشخصية الباسِمة والمُتّصفة بالاعتدال السياسي مُقارنة بقياداتٍ عريقةٍ في حزبه، لم يتمكَّن من تجاوز المرتبة الثالثة في السباق. لا يكفي القول هنا: إن تشتّت أصوات الإسلاميين منعه من ذلك. فمُنافسه الإسلامي حمادي الجبالي جاء في مرتبة متدنّية جداً في هذا السباق. وإذا ما جمعنا الأصوات التي تحصّل عليها الأخير مع تلك التي كانت من حصَّة الرئيس السابق منصف المرزوقي، فإنها لا تكفي لبلوغ مورو المرتبة الأولى في النِزال.

ولا يوجد تفسير لذلك إلا بتآكُل القاعدة الشعبية للحركة الإسلامية التي أُصيبت بإحباطٍ نتيجة أداء الحركة السياسي، أو لمشاركتها اللعبة السياسية مع القوى الأخرى التي كانت أكثر خيبةً في تحقيق مطالب الثورة التي قام بها الشباب التونسي.

هكذا يبدو، مُرشَّح "النهضة" عبد الفتاح مورو الذي لا يمتلك عَداوات مع أحد، ويُعتَبر شخصية مقبولة بين التونسيين اضطر إلى دفع ثمن العِقاب، كونه مُرشّحاً لحزبٍ شارك في المنظومة السياسية القائمة منذ العام 2012.

الناخِب التونسي عبر عزوفه النسبي عن الاقتراع، واقتراع أغلب شريحته الشابّة لقيس سعيد الذي اتّخذ من شعار "الشعب يُريد" رمزاً لحملته الانتخابية، وهو أبرز شعارات الثورة، أراد مُعاقبة المنظومة القائمة لعجزها عن إيجاد حلولٍ للأزمة.

وكانت الرسالة بالغة إلى حد حملت رئيس الحكومة يوسف الشاهِد للقول: "تلقّينا الرسالة التي أرسلها الناخبون وهي درس يجب أن نفهمه جيّداً".

المُفاجأة الثالثة أن نبيل القروي الذي حلَّ ثانياً، يختلف كلّياً في التوجّه عن مُنافِسه سعيد من حيث الإمكانات والثراء المالي ونشاطه في المجال الخيري في الشهور الماضية. وقد كانت أعلى النِسَب التي حصل عليها في المناطق الفقيرة من البلاد، مثل الشمال الغربي والوسط الغربي.

ولا يُستبعَد أن يكون التصويت له جاء انتقاماً من السلطة أكثر منه اقتناعاً بمشروعه السياسي الذي يُشبّهه البعض بمشروع الرئيس الأميركي ترامب في الولايات المتحدة. ولهذا قال القروي في أول تعليق له على نتائج الانتخابات: "الشعب التونسي عاقبَ مَن حاول سرقة أصوات الناخبين عبر وضعي في السجن من دون محاكمة وحرماني من التواصل مع التونسيين". وقد كان الرجل ذكياً بما يكفي في استغلال الحاجات الاجتماعية للناس. فعمل في المساحات التي تركتها الدولة أو أخطأت في التفاهُم معها.

وإذا ما قدِّر للقروي العبور إلى الجولة الثانية كونه مُهدَّداً قضائياً بالإقصاء عن خوض المُنافسة لصالح مُرشَّح النهضة، فإنه سيكون مُنافِساً جدّياً لقيس سعيد الذي ستجد النهضة نفسها مُضطرّة لمُساندته ودعمه كونه أقرب إلى وجدانها السياسي والاجتماعي من القروي الذي سينهال عليه الدعم الغربي والعربي الرسمي، باعتبار شخصيّته مُنسجِمة ومُتوائِمة مع طبيعة المنظومات السياسية الحاكِمة أو الفاعِلة في العالم العربي.

فهل يتحمَّل النظام العربي الرسمي بأذرعه الإعلامية الضخمة القبول بقيس سعيد رئيساً في تونس طالما يعتبر التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي خيانة عُظمى، ويَعِد التونسيين "أن تكون دولة القانون حجر الأساس في إدارة الشأن العام"، كما يَعِد بخلق نظام سياسي "يتمحور حول الديمقراطية المحلية ويكون عِماده المجالس المحلية مع أعضاء مُنتخَبين يمكن إقالتهم أثناء ولايتهم"؟

الثلاثاء، 9 أبريل 2019

مستقبل الانتقال في الجزائر

    أبريل 09, 2019   No comments
 صورية بو عامر*


لا تُخفى على الجميع، حدّة الصخب السياسي التي شهدتها الساحة السياسية منذ الانتفاضة الشعبية في 22 شباط/فبراير الفارط، للمطالبة بتحوّلات سياسية، اقتصادية، اجتماعية حقيقية، بعيداً عن سياسة النظام السلطوي التسلّطي الشمولي الذي كان ضحية فشله المواطن الجزائري ودفع ثمن إخفاقاته.

إن ما مرّت به الجزائر خلال عقدين من الزمن،كشف عن حال شتات الطبقة السياسية وجعل الممارسة السياسية تشوبها شوائب عدّة، ميول الفاعل السياسي إلى الفردانية ورفضه التعدّدية من خلال اعتماد نظام الحزب الواحد،بالإضافة إلى غياب الاحترافية في العمل السياسي بالرغم من تطوّر الاستراتيجيات والأساليب التي يستوجبها مجال التواصل السياسي،إلا أن عدم الالتزام بضوابط أخلاقية مقبولة اجتماعياً،جعل الرجل السياسي محل انتقاد لاذع، وكان بمثابة حلقة وصل بين مختلف الحركات الاحتجاجية التي عايشتها مختلف الفئات المجتمعية التي تؤسّس للمشهد السياسي في الجزائر.

لا تُخفى على الجميع، حدّة الصخب السياسي التي شهدتها الساحة السياسية منذ الانتفاضة الشعبية في 22 شباط/فبراير الفارط، للمطالبة بتحوّلات سياسية، اقتصادية، اجتماعية حقيقية، بعيداً عن سياسة النظام السلطوي التسلّطي الشمولي الذي كان ضحية فشله المواطن الجزائري ودفع ثمن إخفاقاته.

ضعف النظام السياسي الذي كان قائماً وهشاشة مؤسّسات الدولة والتناقض الصريح بين مضامين النصوص الدستورية وتطبيقها الفعلي في الواقع ،كلها عوامل  أحدثت فجوة كبيرة بين صنّاع القرار والقاعدة الشعبية تولّدت عنه أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم،أدّت إلى اشتداد الصراع السياسي وفتحت الأبواب على مصاريعها لسيناريوهات غير مجنّدة في سياق حاجة البلاد إلى حفظ الاستقرار لاستكمال طريق محفوف بالمهاترات والتجاذبات السياسية التي لا يمكن من خلالها تحقيق استحقاقات تنافسية نزيهة للمرور نحو الانتقال الديمقراطي ، وتسمح بإجراء انتخابات مقرّرة هذا العام،بعد أن أسدلت الستارة على أول فصل من المشهد السياسي الجزائري،بعدما أعلن الرئىيس المنتهية ولايته السيّد عبد العزيز بوتفليقة  استقالته في الثاني من إبريل الجاري،كحل أخير بعد فشل كل المناورات السياسية والمحاولات الجريئة للسلطة التي تخبّطت في أزمة ضيق تنفّس سياسي،وعرفت في هرمها حالة من الفوضى نتيجة رفض الشعب لكل مقترحات الحكومة التي كانت في أغبلها قائمة على التلاعب،الاستغباء،والاستخفاف بعقول الجزائريين،ما أدّى إلى ارتفاع مشاعر الاستفزاز لديهم ارتفع معها سقف المطالب التي تتمثل في تغييب كل وجوه ورموز النظام القديم.

كما عمد الجزائريون إلى التعبير السلمي والذي كان تعبيراً سياسياً أكثر منه شعبياً وطالبوا بالإقرار بمبدأ التداول على السلطة وترك المجال للشباب الذين سئموا في كل مرة من تجريب السلطة لدساتير لا تتصل بالواقع الفعلي للدولة،ودعوا إلى إعادة البناء الدستوري بوجوهٍ جديدةٍ وعقولٍ فتيةٍ مع مراعاة وضع نصوصه حيّز التنفيذ الفعلي.

بعد أن استطاع الحراك الشعبي أن ينتصر على كل أساليب السلطة من مغالبة،مكابرة،تخويف،تخوين وتعنّت من خلال تمسّكه في لحظة تاريخية للتحوّل نحو الديمقراطية بمطالب مرتبطة بقِيَم غير مادية والتي بها يمكن تلبية  الحاجيات المادية من تشغيل،صحة،تعليم وبنى تحتية.

إن مسالة الانتقال الديمقراطي أصبحت قضية حتمية بعدما بثّ النظام السياسي السابق شعور الإحباط المجتمعي الذي لازمَ الحزائريين عشرين سنة كاملة.

كما أن هذه الثورة الفكرية كانت خطوة ضرورية يتطلّبها المشهد الديمقراطي الوطني الذي ستظل أركانه وفصوله منقوصة،ولن تكتمل إلا بالتحلّي بالإرادة الشعبية والنفس الطويل لنيل الحريات،وبالبحث عن مزيد من الروافد للواقع المتأزم وخلق تصوّرات ناضجة تعمل على احتضان واحتواء الخيار الديمقراطي.

فالتحوّل الديمقراطي عبارة عن كيان مجتمعي قائم لا يمكن إنجازه إلا بالإرادة الوطنية التي تكون وليدة الإنسان الباحِث عن التغيير الرافِض لكل المؤامرات التي تُحاك لإحباط هذه المرحلة الانتقالية في تاريخ الجزائر.

إن الشعب الجزائري أبان عن وعيه السياسي تُرجِم في مواقفه الثابتة وفي تحلّيه بالسلمية في كل وقفاته الاحتجاجية الرافضة للاستبداد والمعادية للدكتاتورية.

هذا الوعي النابع من مجتمع فتّي مُتعطّش للمزج بين قِيَم التحوّل والتغيير الاجتماعي، فمشروع توليد وتوريث الديمقراطية يتطلّب استعداداً لكسر حاجز الخوف والخنوع من أجهزة التسلّط، وهذا ما تمّ فعلاً،ومحاربة كل أشكال الاحتكار السياسي لبناء دولة وطنية، مستقلّة،مُنسجمة مع الإرادة المجتمعية ترفض ممارسة الديمقراطية المُعلّبة.

___________
*صحافية جزائرية

السبت، 12 يناير 2019

حركة النهضة وخلفيّات بيانها بشأن سوريا... هل هناك مراجعة إخوانية شاملة أم مجرد مناورة سياسية؟

    يناير 12, 2019   No comments
محمد الرصافي المقداد

في بيان لم تعرف بعد دواعي إصداره في هذا الوقت، دعا حزب حركة النهضة التونسي إلى مصالحة وطنية شاملة في سوريا.

جاء في البيان بخصوص (مصالحة وطنية شاملة يستعيد فيها الشعب السوري حقه في أرضه وفي حياة ديمقراطية، وتضع حداً للتقاتل وما نتج منه من مآسٍ إنسانية، وتعيد إلى سوريا مكانتها الطبيعية في المنظمات الدولية والعربية).

ولئن عُدّ البيان مفاجئاً للبعض، فإن مضمونه بما حواه، لا يعدّ مفاجأة، ذلك أنّ ما جاء فيه، لم يكن يتضمن تغييراً في موقف الحركة المبدئي، الذي يتّفق تماماً مع الموقف العام لحركة الإخوان العالمية، التي يُنظر إلى حركة النهضة على أنها جزء منها، باعتبار أن حركة الإخوان السورية، شاركت بصورة عملية في الأعمال الإرهابية، بمختلف مناطق سوريا، وكان لها دور خفيّ في الإعداد لها قبل الأحداث وأثناءها وحتى اليوم.

وحتى لا يؤوّل البيان على حسب تصوّر من رأى فيه تغيّراً لموقفها، صرّح القيادي في الحركة والنائب في مجلس نواب الشعب السيد عبد اللطيف المكي بأن موقف حزبه لم يتغيّر وبقي على ما هو عليه. داعماً مطامح الديمقراطية والثورة السلمية للشعب السوري - بحسب قوله - مبيّناً أنّ الذين يتّهمون حركة النهضة بأنها داعمة للعنف في الأزمة السورية، هم من أوّلوا بيان الحركة، على أساس أنه تحوّل استراتيجي في موقفها... وختم بالقول: الآن عندما برزت تطورات جديدة تسير بالأزمة السورية إلى الحوار، النهضة ذكّرت بموقفها ودعت إلى المصالحة السورية الشاملة. (حقائق أون لاين 4/1/2019).

وذهاب السيد عبد اللطيف المكي، الى اعتبار أن سياسة حركة النهضة الخارجية، تقف إلى جانب مطامح الشعب السوري في الديمقراطية، والثورات السلمية في الوطن العربي، مستحضراً معارضة الحركة، في مؤتمر ما سمّي أصدقاء سوريا، تسليح المعارضة السورية، وهو موقف أثار غضب المشاركين من المعارضة.

التطوّرات الجديدة التي أشار اليها القيادي في حركة النهضة، والتي نسبها إلى الحوار، ليست جديدة في واقع الأمر. ذلك أنّ مؤتمرات الحوار السوري برعاية الأمم المتحدة (مؤتمرات جنيف/ أستانا) بدأت لم تؤدِّ إلى شيء تقريباً، وظهر فيها النظام السوري الأقدر على تقديم الحلول سياسياً - أمام ارتباك واختلاف الجانب المقابل له من المعارضة، التي تبيّن عدم امتلاكها قرارها السياسي- والأقوى على محاربة الإرهاب التكفيري الغازي لبلاده (تركيا/ الأردن)، من أول يوم بدأت فيه العمليات العسكرية، والجيش السوري لم يخرج حينها من ثكنه وقواعده.

فإن كان السيد عبد اللطيف مكي يقصد بالتطورات قرارات دول الخليج مثل الإمارات والبحرين ومن سيتبعهما كالكويت والسعودية بإعادة بعثاتها وتشغيل سفاراتها في العاصمة السورية دمشق، فذلك لا يستدعي أن تُصدر بشأنه حركة النهضة بياناً، لأنه لا يعنيها بحال من الأحول، وهي لا تخرج عن أمرين: إما أن تكون مناورة سياسية، ومحاولة أخيرة لإبقاء خيط مودّة يربط من جديد، الأنظمة التي دعمت الفصائل الإرهابية المسلحة، في مسعى منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من علاقة، أو أنها خضوع للأمر الواقع الذي أصبح عليه الوضع الميداني في سوريا.

السيد المكي وحركة النهضة تناسيا، أنّ في صلب الحكومة السورية وزارة، اسمها وزارة المصالحة (تأسست سنة 2012)، استطاعت جهودها أن تعيد إلى حضن الوطن، معظم من غرّر بهم الغرب وعملاء الصهيونية، وأسهمت في حقن دماء كثيرة، كانت ستذهب هدراً لولا تلك الجهود الوطنية، فعن أي مصالحة يتحدّث بيان الحركة؟ 

جدير بالذكر أن الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، قرر في فبراير/شباط 2012، قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وطرد سفيره من تونس، وإغلاق سفارة بلاده في دمشق، بمشاركة وتحريض من حركة النهضة، التي كانت الطرف الأقوى في السلطة آنذاك.

حركة تبييض الوجوه السياسية، التي نشهدها اليوم على مستوى حكومات، انضمّ اليها حزب حركة النهضة، ليعبّر بأسلوبه عن براءته من التهم الموجّهة اليه، في دعم الأعمال المسلحة في سوريا منذ انطلاقها، وينطبق هذا تماماً على الدّول التي موّلت الفصائل المسلحة بالمال والعتاد، وتريد أن تمسح ما طبع ملامحها، من نقض لميثاق جامعة الدول العربية، وغدر بأصول الأخوّة وحسن الجوار العربي.

وتبدو حركة النهضة المعرقل الوحيد، لعودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، ليس من حيث المبدأ فقط، وإنما أيضاً لاعتبار مهمّ آخر، يتلخّص في أن عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلدين، سوف تفتح ملفّاً شائكاً وثقيلاً، في دعم الإرهاب من طرف شخصيات بارزة في الحركة، ستكون تحت طائلة المساءلة والمحاكمة، إذا ثبت تورطها في الإشراف على شبكات تسفير الشباب التونسي، للقتال في سوريا، عبر وسائط وهميّة، كجمعيات خيرية، أو نحوها من الجمعيات التي عملت سنوات 2011 و2012 و2013.

وأتذكّر جيّداً في مؤتمر نظمته الكلية الزيتونية سنة 2012، وحضره الدكتور يوسف القرضاوي  إلى جانب رئيس حركة النهضة، وكنت من بين الحضور، الكلمة التي ألقاها الشيخ راشد الغنوشي، والتي عبّر فيها عن موقف لم يكن نابعاً من الشعب السوري، قائلاً إن الشعوب العربية التي ثارت على حكامها، كانت تنادي بإسقاطهم فقط، بينما نادى الشعب السوري بإعدام الرئيس.

وكنت حاضراً أيضاً أثناء اندلاع الأزمة في ريف دمشق، فلم أسمع بمقالة الشيخ أبداً، بل إنّ كل ما سمعته لم يكن ليرقى الى إسقاط النظام، وأنا كنت متابعاً لما يجري في درعا، عبر قناة الفتنة القطرية (الجزيرة)، واستمعت إلى شاهد عيان منها قال بالحرف الواحد: ( أنقذونا من حزب الله والحرس الثوري الايراني)، والحال أنه لا وجود لأحد من هؤلاء، بل إنه لا وجود للجيش السوري في بداية الأحداث، وهذا يؤكّد أن التحريض بالكذب، كان أسلوباً دعائياً خبيثاً، مخادعة للشعب السوري، المتعايش بمختلف طوائفه في أمن وأمان، في محاولة لإثارته طائفياً، وهذا ما حدث فعلاً.

التنصّل من تبعات الأعمال والمواقف بدأت وتيرته تتصاعد، وما خفي بالأمس القريب، سيظهر حتماً في المقبل من الأيام، على ضوء جدارة النظام السوري في القيادة، وانتصار جيشه وروافده، وتراجع دول كبرى ساهمت في إطالة أزمته، وكانت تصر على رحيله، عن مواقفها، وهي لم تجد اليوم بدّاً من الإقرار ببقائه، وفي مقدمتها أميركا ودول الغرب، والأيام حبلى بالأحداث.

السبت، 29 سبتمبر 2018

مع أم ضد؟ عن الجدل التونسي حول المساواة في الميراث

    سبتمبر 29, 2018   No comments
 عبد الوهاب الملوح*

ما أثار الضجة التي تبعها جدل حاد في جميع وسائل الإعلام وصل إلى درجة التظاهر والاحتجاج في الشوارع، هو مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، الذي أعاد النقاش في قضية المرأة في الإسلام إلى المربّع الأول.
لماذا يسمح الدين الإسلامي بتعدّد الزوجات؟ السؤال نفسه لم يبل بفعل الزمن وظل متجدّداً. وغالباً لا يقف عند هذا الحدّ، بل يتعداه إلى أسئلة أخرى تتمحور حول القضايا التي ما انفكّ يطرحها مفكّرون ومفكّرات والتي تتصل بوضعية المرأة في الإسلام.

هذه المسألة عادت إلى الواجهة في تونس اليوم لكن بحدّة مُضاعَفة عما كانت عليه سابقاً، وذلك بسبب ما باتت تفرضه التحوّلات الاجتماعية والسياسية، خاصة بعد التقرير النهائي الذي قدّمته "لجنة الحقوق والحريات الفردية والمساواة" في حزيران/يونيو الماضي، عِلماً أن اللجنة أطلقها الرئيس التونسي الباجي قايد السيسي في آب/أغسطس عام 2017 وتكوّنت من حقوقيين وأكاديميين وقضاة وعُلماء شرع.
 
جاء التقرير في 235 صفحة على جزءين. الجزء الأول مخصّص للحقوق والحريات الفردية، أما الجزء الثاني فتناول المساواة في الميراث بين المرأة والرجل. وتصدر التقرير توطئة عامة تستند إلى مقاربة اجتماعية ودينية.

ورغم تعرّض هذا التقرير للحقوق والحريات الفردية مقترحاً توصيات عدّة في هذا الشأن من قبيل الحق في الحياة والحرية والأمان والتفكير والعقيدة، غير أن ما أثار الضجة التي تبعها جدل حاد في جميع وسائل الإعلام وصل إلى درجة التظاهر والاحتجاج في الشوارع، هو مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، الذي أعاد النقاش في قضية المرأة في الإسلام إلى المربّع الأول.

في العام 1899 أصدر قاسم أمين كتاباً بعنوان "تحرير المرأة". العنوان وحده كان كافياً ليلفت الأنظار ويطرح عاصفة من الردود على شكل أسئلة موجِعة، ومنها تحرير المرأة ممن؟ من الرجل؟ من المرأة؟ من عقلية الذكورة؟ ناهيك أن عنوان الكتاب ينطلق من بديهة أساسية وهي أن المرأة سجينة. لم يكن بإمكان قاسم أمين حينها أن يتجرّأ  في الذهاب نحو الأبعد في محاربته التفكيكية لوضع المرأة في التشريع الإسلامي، رغم أن نظرة كبار عُلماء المسلمين في ذلك العصر من أمثال الكواكبي والأفغاني ومحمّد عبده ورشيد رضا كانت منفتحة وإصلاحية.

في تلك السنة خرج إلى الوجود الطاهر الحداد الذي قلب الطاولة على الجميع في كتابه "إمرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي صدر سنة 1930. لم يكن الحداد مُصلحاً اجتماعياً، كما لم يكن عالِم دين، بل ناشطاً في المجالين النقابي والسياسي باعتباره عضواً في الحزب الدستوري المعارض للاستعمار الفرنسي. غير أن ذكاءه الألمعي أوصله إلى أن صلاح هذه الأمّة لن يتم إلا بصلاح المجتمع، وبالأساس العائلة. لذلك اشتغل على وضع المرأة في المجتمع الإسلامي وأصدر كتابه الذي أعلن فيه عدم جواز تعدّد الزوجات، وأن المرأة مساوية الرجل في الكثير من الحقوق الاجتماعية.

في هذه البيئة تربّى فكر الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس بعد الاستقلال. ولا غرابة أنه لما عاد من المنفى في العام 1955 ترجم هذا الفكر بعد سنتين في مجلة الأحوال الشخصية في العام 1957 والتي كانت ثورة كبرى على الوضع النسوي حيث تضمّنت مسألة تعدّد الزوجات والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في مجالات عدّة. لقد شكّلت المجلة المذكورة ثورة حقيقية وإعلان بداية تمرّد على الوضع المتكلّس للاجتهاد، بل لقد ذهب بعض علماء الدين وقتها إلى تكفير الحبيب بورقيبة. غير أن المجلة كانت تعبيراً عن تحرير عقلية التونسي من التزمّت والتطرّف، وجاءت انسجاماً مع معاهدة حقوق الإنسان للأمم المتحدة. كما أتت نتيجة لتراكم تحرّكات المرأة التونسية خلال عقود من أجل تحرّرها من عقلية الذكورة. ولم تكتف المرأة بما جاء في مجلة الأحوال الشخصية بل واصلت نضالاتها وكانت لها مواقف ثورية في عهد زين العابدين بن علي، حتى أنها ضحّت بنفسها وسقط الكثير منهن الشهيدات في المواجهة مع بوليس بن علي أثناء ثورة 2011.

هذا يؤكّد قوّة التحدّي الذي انخرطت في سياقه المرأة التونسية التي لم تعد ترضى أن تكون مجرّد أنثى أو امرأة، بل تطالب أن تتم معاملتها كإنسان كامل للحقوق شأنها شأن الرجل. وفي هذا السياق يتجدّد السؤال في مُقاربة مُغايرة. هل أن توصيات لجنة الحريات الفردية والمساواة جاءت في حجم هذا التحدّي؟ ام أنها كانت لغايات أخرى لا يعلمها إلا السبسي؟ بكل الأحوال، نجح الرئيس التونسي على الأقل في توجيه أنظار الرأي العام في البلاد نحو ما جاء به تقرير اللجنة من توصيات، وذلك في ظل أزمة سياسية حادّة تعيشها الحكومة وتوقّف مسار ميثاق قرطاج وما أسفر عنه من طلاق غير مُعلَن لــ "الزواج العرفي" بين حزبي "النداء" و"النهضة". ولذلك جاءت ردود الفعل مُتباينة بخصوص التقرير بل رافضة حتى ممَن هم من غير المحسوبين على تيارات اليمين، ممَن يناضلون من أجل مدنية الدولة وحرية الفكر والمعتقد. هو ما تصرّح به الصحفية والروائية وحيدة ألمي للصفحة الثقافية في الميادين نت قائلة:

"لم يكن مطلب المساواة في الميراث حديث عهد بآلاف الأصوات المساندة التي يضجّ بها الشارع التونسي في كل مناسبة، وآخرها عيد المرأة الموافق ليوم 13 أغسطس. فهذا المطلب كان من بين أهم النقاط المطروحة في لائحة مطالب تقودها نساء حداثيات يطالبن بمساواة مُطلقة مع الرجل في الحقوق. غير أن الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم يتجرّأ على إدخال يده إلى غار النّمل وتحلّى بذكاء سياسي جعله لا يتورّط في وعود ولا التزامات بقبول المُقترح رسمياً، لإدراكه بأن هذا الموضوع المحسوم شرعاً يفتح أبواب الجدل واسعاً"، مُضيفة "غير أنه مع هشاشة الدولة بعد ثورة يناير عاد التأجيج على أشدّه للضغط على الحكومة وحسم الأمر. مسألة المساواة وغيرها من مطالب جاءت في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بما في ذلك إيجاد موضع قدم للمثليين داخل المنظومة الاجتماعية التونسية رسمياً، جاءت وفق إملاءات خارجية أخذت شكل "النضال الحقوقي". فهذه الأصوات المساندة تدخل في إطار النضال مدفوع الأجر من منظمات دولية تزرع أبواقها في كل دولة عربية لأجل إعادة هيكلة مجتمعاتها وتفتيتها قيمياً وإعادة بنائها تحت مظلّة الحداثة وحقوق الإنسان".

تواجه المرأة التونسية اليوم جملة من المطالب الحياتية التي لم تتحقّق رغم ترسانة من القوانين المُناصرة لها في الظاهر. ففي حالات الطلاق مثلاً تعجز الأمّ الحاضنة للأبناء عن الحصول على النفقة لإعالة أطفالها، وتصطدم منذ رفع القضية لدى المحاكم بصعوبات التأجيل وتنفيذ الأحكام. كما أنها غير قادرة اليوم على الطلاق للضرر النفسي والاستغلال الجنسي والاقتصادي، رغم إيجاد القانون المنظّم لذلك ودخوله حيّز التنفيذ في شباط/فبراير 2018.

المرأة التونسية تشكو أيضاً من التحرّش في العمل وتُساوَم في قوتها وترقياتها وتعيش على المحك رغم التبجّح بقانون يجرّم ذلك. غير بعيد من هذه الفكرة تقول خديجة معلى المستشارة الدولية إنه "صحيح أن واقع المعيشة حالياً في تونس يرزح تحت وطأة المشاكل الحياتية التي تتطلّب حلاَّ عاجلاً نظراً لتأثيرها السلبي على حياة المواطنين، وعلى أمن المجتمع وتقدّم الشعب"، غير أن تأصيل حقوق الإنسان، وخاصة المساواة بين الجنسين في كل المجالات بدءاً من الميراث هي حقوق لا ترتبط بوقت أو بظرف. علماً وأن لتونس أسبقية تاريخية في مجال تمتّع المرأة بحقها في التعليم، وفي العمل والتنظيم العائلي، وجميع الحقوق المدنية والسياسية".

معلى رأت أنه وبغضّ النظر عما قيل عن المبادرة الرئاسية الحالية من أنها "مناورة سياسية أم لا، إلا أنها بالتأكيد تُعبّر عن المرأة، لأن النضال من أجل استكمال حقوقها لم ينقطع حتى في عهد النظام السابق للثورة".

يتمثل ذلك، وفق معلى، في نضال شخصيات حقوقية ومنظمات المجتمع المدني مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وغيرها "من الذين لم ينقطعوا عن المُطالبة بجميع الحقوق والحريات الفردية والمساواة".

تكريس للمساواة؟

أما فتحية السعيدي، أستاذة العلوم الاجتماعية والقيادية في "حزب المسار" اليساري، فترى أن تونس "تعيش جدلاً اجتماعياً فريداً من نوعه تراوح بين النقاش الهادئ والرصين، وبين التعبيرات الانفعالية حول ما جاء في تقرير "لجنة الحريات"". فالتقرير برأيها "تناول عدداً من القضايا المجتمعية المهمة التي تستهدف تغيير التمثلات والتصوّرات الاجتماعية في اتجاه تطويرها ضمن مقاربة اتجهت إلى اعتماد القراءة المقاصدية المستنيرة والمتفتحة للنص الديني".

السعيدي أضافت إن من بين أبرز القضايا التي طرحها التقرير "مراجعة مختلف القوانين التي أصبحت مُتعارِضة مع دستور الجمهورية الثانية الصادر في العام 2014، علماً أنه قد أقر المساواة التامة بين النساء والرجال ومنع التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المعتقد، أو العرق، أو الجنس وهو ما يستلزم ملاءمة مختلف القوانين مع ما ورد في الدستور".

ذلك أن المبادرة التشريعية الأخيرة حول المساواة في الميراث تعدّ "أحد الخطوات المهمة في اتجاه تكريس المساواة بين النساء والرجال. فالقاعدة الأساسية هي المساواة واللامساواة هي الاستثناء"، بحسب وصف القيادية في "حزب المسار" التي أشارت إلى ضرورة مراجعة مجلة الأحوال الشخصية وخاصة الفصل 13 المتعلّق بالمهر والفصل 23 المتعلّق برئاسة الأسرة وكل ما يليه من مشمولات الحضانة والولاية".

بشكل عام، يمثل تقرير (لجنة الحريات) "خطوة عملاقة رغم كل الصخب الذي رافقها ورغم محاولات تسييس المطالبات الواردة فيه واعتبارها مناقضة للعادات وللتشريع الإسلامي"، كما تقول السعيدي مذكّرة بأن تونس "دولة مدنية تفرض علوية الدستور".

أغراض انتخابية؟

هل ما جرى يرتبط بشكل أو بآخر بحسابات انتخابية؟ المستشار السابق للإعلام والاتصال في حكومتي على العريض ومهدي جمعة، عبد السلام الزبيدي يؤيّد هذا الرأي. فهو يقول إن السبسي "لم يُخف أهدافه الحقيقية من مبادرته تشكيل لجنة الحريات الفردية والمساواة وتكليفها بإعداد تقرير في الغرض على أساس أحكام الدستور والالتزامات الدولية لتونس والتوجهات الحديثة في مجال الحريات الفردية والمساواة. فقراءة متأنيّة لمضمون خطابه في العيد الوطني للمرأة التونسية عام 2017 والذي أَعْتبِرُه خطاب التكليف الحقيقي، تجعلنا نقف على أنّ للرئيس ثلاثة أهداف جوهرية، الأوّل أن يكون ثالث إثنين هما المصلح الطاهر الحداد والزعيم الحبيب بورقيبة. أما الهدف الثاني فهو إعادة هندسة المشهد السياسي التونسي وهي أشمل بكثير من العبارة المتداولة المتمثّلة في "الأغراض الانتخابية"".

لكن كيف ذلك؟ يشرح الزبيدي "رئيس الجمهورية يريد أن يستردّ بيده اليُسرى ما فقده بيده اليُمنى، والمفقود المقصود هو الفشل الذريع في الخيارات السياسية وانقلاب رئيسيْ الحكومتين اللذين اختارهما شخصيّاً رغم أنّ الدستور لا يُخوّل له ذلك (الحبيب الصيد ويوسف الشاهد)، والعجز عن الإيفاء بتعهداته الانتخابية التي تتجاوز صلاحياته"، وذلك فإن مبادرة تشكيل اللجنة وتقريرها وما ترتب عنهما "من شأنه إعادة هندسة المشهد وذلك بوضع "حليف التوافق" أي حركة النهضة بين كماشتيّ الضغوطات الدولية وتوجّهات أنصارها. فهذا الحليف رفض مسايرة رئيس الجمهورية في مسعاه لإزاحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فأشهرَ له الباجي قايد السبسي ورقة مبادرة الحريات الفردية والمساواة في الإرث".

ويضاف إلى ذلك الهدف الثالث الذي يتمثل وفق الزبيدي في "إعطاء تأويل مستقر للدستور في فصوله ذات الصلة بالهوية والحريات، وهي التوطئة والفصلان الأول والثاني عن (طبيعة الدولة وعلاقتها بالإسلام) والفصول6-21-21-26-46-47-49 التي نصّت على رعاية الدين وحرية الضمير والحريات الفردية وحقوق المرأة".

على أية حال، وبغضّ النظر عن أهداف الرئيس التونسي يبقى من الضروري الاحتكام إلى مقتضيات دستور 2014 ومنطقه الداخلي وأولوياته الحقيقية. إذ إن تقديم مبادرة حول الحريات الفردية أو المساواة يتطلّب عرضها للاستشارة الوجوبية أمام الهيئة الدستورية لحقوق الإنسان والتنمية المُستدامة، في حين أنّ البرلمان لم ينظر أصلاً في النص المؤسّس لها. فضلاً عن انتخاب أعضائها، بالإضافة إلى أنّ من شروط المصادقة النهائية على مشروع قانون الميراث أو إمكانية عرضه على الاستفتاء يتطلّب مُصادقة المحكمة الدستورية التي لم تَر النور بعد.

وعليه، من الضروري إنشاء الهيئتين ثم إثر ذلك يكون عرض المبادرة التشريعية على البرلمان. أما في ما يتعلق بالمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى في ذاتها، يظل الفصل بين مسارين إثنين حاسماً. المسار الأول فكري وتقوده النخبة بمختلف توجّهاتها ضمن جدل له أوجهه الأكاديمية والمجتمعية، أما الثاني فسياسي وتشريعي يكون لاحقاً وليس سابقاً للمسار الفكري.
_________________
* كاتب وشاعر من تونس

الأحد، 2 سبتمبر 2018

ظاهرة الانتحار والتطرف عند "الجهاديين الجدد"

    سبتمبر 02, 2018   No comments
 د. هيثم مزاحم

يلاحظ الباحث الفرنسي أوليفييه روا أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

نشر الباحث الفرنسي المعروف والمختص بالشؤون الإسلامية أوليفييه روا، قبل سنتين كتابه المعنون "الجهاد والموت" باللغة الفرنسية ونقله إلى العربية صالح الأشمر ونشرته دار الساقي عام 2017. وقد حاول روا فهم ظاهرة التطرف الذي يقوم به تنظيما "داعش" و"القاعدة" وخاصة في الدول الغربية وهل سببها الدين الإسلامي أو الظلم السياسي والاجتماعي في الدول العربية والإسلامية أو الاستعمار والغزو الغربيان لهذه الدول؟ هل السبب هو العقيدة السلفية التي تحولت إلى سلفية جهادية؟ هل يعود السبب إلى عدم اندماج هؤلاء الشبان المسلمين في المجتمعات الأوروبية التي نشأوا فيها أو هاجروا إليها وإلى التمييز والعنصرية اللذين يعاملون بهما في هذه الدول؟.

يسعى الباحث إلى فهم هذه الظاهرة وتفسيرها استناداً إلى فكرة الانتحار، المتمثلة بالعمليات "الجهادية" المزعومة، والتي يبدو أن هدفها الأول هو موت المنفذ أكثر من تحقيق أي أهداف سياسية أو عسكرية استراتيجية. لكن هذه الدراسة تختص بالمجتمعات الأوروبية وبشكل خاص "المقاتلين الجهاديين" الفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية. وعلى أساس هذه القاعدة، أرسى الباحث تحليله، خصوصاً أنها معززة بقواعد البيانات الأخرى، وهو يعتبر أن مسارات "الجهاديين" متقاربة جداً وتنتمي إلى الفئات نفسها.

يقول روا إن من الشائع جداً النظر إلى الجهادية على أنها امتداد للسلفية. وليس كل السلفيين جهاديين، لكن كل الجهاديين سيصيرون سلفيين. إذن، السلفية ستكون ممراً للولوج إلى الجهادية. وبعبارة أخرى، سيكون التطرف الديني المرحلة الأولى للتطرف السياسي. لكن روا يرى أن الأمور أكثر تعقيداً. "فمن الواضح أن هؤلاء المتطرفين مؤمنون حقاً، يظنون أنهم سيذهبون إلى الجنة ومرجعيتهم إسلامية خالصة. فهم ينضمون إلى تنظيمات تريد إقامة نظام إسلامي، بل إعادة الخلافة بالنسبة إلى "داعش"". ويعتبر روا أن الخطأ يكمن في التركيز على اللاهوت ومن ثم على النصوص في فهم التطرف الإسلامي. لكن الجهاديين لا يقدمون على العنف بعد التأمل في النصوص، إذ ليس لديهم العلم الديني المطلوب، وقلّ ما يهتمون باكتسابها. فهم لا يصبحون متطرفين لأنهم أساؤوا قراءة النصوص، بل لأنهم اختاروا أن يكونوا متطرفين.


الدواعش جهلة بالإسلام


فبين أربعة آلاف مجنّد غربي في "داعش" تظهر سجلاتهم أنهم ذوو مستوى تعليم جيد، معظمهم أنهوا الثانوية العامة، لكن 70% منهم صرّحوا أن ليس لديهم سوى معرفة أولية بالإسلام. لكن ما يعمل هنا هو التديّن وليس الدين، أي الطريقة التي يعيش بها المؤمن الدين، من العقيدة، والممارسات، والمتخيّلات، والشعائر، لكي يبني تساميه الذي يدفعه إلى احتقار الحياة، حياته وحياة الآخرين. وعلى الرغم من اعتماد "داعش" على التفاسير للحديث النبوي، إلا أن المتطرفين الغربيين المنتمين إلى التنظيم لا يعمدون إلى هذه الشروح المطوّلة. فهم أقل كلاماً عن الدين من السلفيين، وصفحاتهم الالكترونية ونصوصهم أكثر تركيزاً على العمل منها على الدين.

يرجع الإرهابيون دوافعهم للقيام بأعمالهم الإرهابية إلى الانتقام من الغرب بسبب الفظاعات التي ارتكبتها الدول الغربية ضد المسلمين، حيث يلعب الجهادي دور البطل المنتقم، إضافة إلى دافع الموت المودي إلى الجنة واستقبال النبي له والدرجة التي ينالها.

يلاحظ الباحث الفرنسي أن الغريب أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

ارتباط الإرهاب والجهادية في السعي المتعمد إلى الموت، هو محور الكتاب، ومنها استمدّ عنوانه. فمن عملية الجزائري خالد كلكال من "الجماعة الإسلامية المسلحة"، منفذ تفجيرات مترو باريس في 29 أيلول سبتمبر 1995 إلى تفجيرات مسرح باتكالان في باريس في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2015، نجد أن هؤلاء الإرهابيين أقدموا على تفجير أنفسهم أو الاشتباك مع الشرطة حتى الموت، من دون أن يحاولوا الهرب، بل حتى لم يكن موتهم ضرورياً على الدوام لإنجاز عملياتهم.

يقول روا إن العنف الإرهابي و"الجهادي"، الآخذ في الانتشار منذ عقدين من الزمن، ينطوي على حداثة متأصلة، برغم أن الإرهاب والجهاد ليسا بظاهرتين جديدتين، إذ ظهرت أنواع "الإرهاب العالمي" الذي "ينشر الرعب باختياره لأهداف ذات رمزية رفيعة، أو على العكس باستهداف مدنيين "أبرياء" من دون أن يعبأ بالحدود"، منذ سبعينيات القرن الماضي، حين نشأ تحالف بين عصابة "بادر" الألمانية وأقصى اليسار الفلسطيني والجيش الأحمر الياباني.

 السعي إلى الموت: انتحار أم شهادة؟

لتأكيد مقاربته عن سعي "الجهاديين" إلى الموت، يستشهد روا بكلام أحد "الجهاديين" الفرنسيين دافيد فالا، الذي اعتنق الإسلام وكان قريباً من خالد كلكال وزوّده بسلاحه، إذ يقول: "كانت القاعدة هي ألا يؤخذ حياً. فعندما رأى كلكال رجال الدرك علم أنه سيموت، وأراد أن يموت". وردد أحدهم قولاً منسوباً لمؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن: "نحن نحب الموت، أنتم تحبون الحياة".

إذاً، لم يعد موت الإرهابي مع "الجهاديين" احتمالاً بل أصبح في صلب مشروعه، وبخاصة مع المنضمين إلى تنظيم داعش الذين يعتبرون الهجوم الانتحاري الغاية المثلى لالتزامهم.

هذا الاختيار المنهجي للموت من قبل الجيل الجديد للجهاديين أمر مستجد، إذ كان منفذو الهجمات بين عامي 1970 و1980، سواء كانوا من الشرق الأوسط أم لا، يساريين أو إسلاميين، يرتبون عملية فرارهم بعناية، لأن الفقه الإسلامي وإن كان يقر بفضل الشهيد الذي يقتل في الجهاد، إلا أنه يحرّم الانتحار. من هنا يطرح الباحث روا أسئلة عن سبب اختيار هؤلاء "الجهاديين" الجدد الموت المنهجي، وتفسير ذلك بشأن التطرف الإسلامي المعاصر؟

يتبنى روا مقاربة جديدة في هذا الخصوص تربط بين حب الموت والسعي له، وبين كون "الجهادية" في الغرب والمغرب وتركيا هي حركة شبّان، لا تنفصل عن "الثقافة الشابّة" لهذه المجتمعات. فهذا البُعد الجيلي جوهري، لكنه على حداثته، ليس وقفاً على الجهاد الحالي. ويذهب بعيداً إلى أن التمرد الجيلي قد نشأ مع الثورة الثقافية الصينية، فهي للمرة الأولى في التاريخ لم تكن ثورة ضد طبقة، بل ضد فئة عمرية معيّنة، باستثناء زعيم الثورة ماو تسي تونغ. وقد استعاد كل من "الخمير الحمر" في كمبوديا بين عامي 1975 و1979، و"داعش" هذه الكراهية للآباء ذات البعد المرضي والكوني، الذي يتجلى في ظهور الجنود الأطفال وتدمير الآثار الثقافية. فلا يقتصر الأمر هنا على تحطيم الأجساد، بل كذلك على إتلاف التماثيل والهياكل والكتب، أي تدمير الذاكرة.

يرى روا أن بُعد إماتة الجسد لا علاقة له البتة بالصراعات الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، وهو غير منتج سياسياً واستراتيجياً. لكن هذا البُعد الانتحاري مرتبط بـخلافة "داعش"، وقبلها مشروع الجهاد العالمي مع "القاعدة"، التي ترفض أي حل سياسي أو تفاوض، لأن من يسعى إلى الموت لا يفاوض على شيء.

ويذهب الباحث الفرنسي إلى أن خلافة "داعش" وهم وخرافة وحدة أيديولوجية في توسع إقليمي مستدام، واستحالتها الاستراتيجية تفسّر لماذا كان أولئك المتماهون بها متعاقدين على الموت، بدلاً من نذر أنفسهم لمصلحة المسلمين، فلا وجود لأي أفق سياسي أو غد مشرق.

يرفض روا فكرة أن الإرهاب "الداعشي" أو "القاعدي" سببه الحرمان الاجتماعي والمظالم السياسية، لأن هذا الإرهاب يقتل السياسة قبل التساؤل عن الأسباب السياسية للنزوع نحو التطرف. وهذا الإرهاب "الانتحاري" ليس فعالاً من وجهة نظر عسكرية، بينما الإرهاب "البسيط" يتضمن بعض العقلانية المتعلقة بالحرب غير المتكافئة، حينما يقوم بعض الأفراد بإلحاق خسائر كبيرة بعدو أقوى منهم بكثير. بينما الإرهاب الانتحاري غير عقلاني بسبب استخدامه المقاتلين مرة واحدة وأخيرة، وهو يدفع المجتمعات الأوروبية إلى التطرف المضاد، ويقتل من المسلمين عدداً أكبر من عدد القتلى الغربيين.

يعتقد الكاتب أن الارتباط المنهجي مع الموت هو أحد المداخل لفهم التطرف الراهن، فالبُعد العدمي مركزي هنا، والعنف ليس وسيلة بل غاية، وهو عنف بلا مستقبل. يقول روا إنه بدلاً من اعتماد مقاربة عمودية تنطلق من القرآن لتصل إلى "داعش"، مروراً بإبن تيمية، وحسن البنا، وسيّد قطب، وابن لادن، على افتراض وجود ثابت "العنف الإسلامي" يظهر بانتظام، فقد فضّل اللجوء إلى مقاربة تحاول أن تفهم العنف الإسلامي المعاصر بالتوازي مع أشكال أخرى من العنف والتطرف، قريبة جداً منه(تمرّد جيلي، وقطيعة جذرية مع المجتمع، وجمالية الموت، واندراج الفرد المنقطع في سردية عالمية كبرى، وبِدع عالمية). فالإرهاب الانتحاري والظواهر من طراز "القاعدة" و"داعش" هي حديثة العهد في تاريخ العالم المسلم، ولا يمكن أن تفسّر بمجرد صعود الأصولية، ولذلك اعتبر روا أن "الإرهاب لا يتأتي من تطرف الإسلام، بل من أسلمة التطرف".

 هل الإسلام ينتج العنف؟
وإذ يقر الكاتب الفرنسي بوجود أصولية إسلامية تنتشر منذ أربعين عاماً، لكنها لا تكفي لإنتاج العنف. وقد تعرّضت هذه المقاربة لنقد كثير من زملائه بينهم الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا الذي أخذ عليه أنه لم يلحظ الأسباب السياسية للتمرد، وهي الإرث الاستعماري، والتدخلات العسكرية الغربية ضد شعوب الشرق الأوسط، والتهميش الاجتماعي للمهاجرين وأبنائهم. كما اتهمه الباحث الفرنسي جيل كيبل بأنه يتجاهل العلاقة بين العنف الإرهابي والتطرف الديني للإسلام متجلّياً في السلفية.

لكن روا يقول إنه لا يتجاهل أياً من هذه الأبعاد، لكنها لا تكفي لتفسير الظواهر التي يدرسها، لأننا لا نجد أي صلة سببية انطلاقاً من المعطيات التجريبية التي يملكها. فالباحث يرفض مسألة "التطرف الديني" لأن إلصاق عبارة تطرف بالدين أمر سيء، إذ يترتب على ذلك أننا نحدد حالة معتدلة للدين، فلا توجد أديان معتدلة. أكان كالفن ولوثر معتدلين؟ بالتأكيد لا فالكالفانية مثلاً في المفهوم اللاهوتي تعد "متطرفة". وتقوم فرضيته على أن التطرف العنيف ليس نتيجة التطرف الديني، وإن اقتبس منه الطرق والنماذج، وهذا ما يسمّيه "أسلمة التطرف". فالأصولية الدينية موجودة طبعاً وتطرح مشكلات اجتماعية مهمة، لأنها ترفض القيم القائمة على مركزية الفرد وحريته في جميع المجالات، لكن هذه الأصولية لا تُفضي بالضرورة إلى العنف السياسي. فيهودي أو مسيحي متزمتان هما مؤمنان "مطلقان" بدلاً من أن يكونا متطرفين، ويعيشان نوعاً من الانفصال الاجتماعي لكنهما ليسا عنيفين سياسياً، وغالبية السلفيين تندرج في هذا السجل غير العنيف.

وينتقد روا فرضية فرانسوا بورغا بأن المتطرفين تحفّزهم معاناة المسلمين، المستَعمرين سابقاً، أو ضحايا العنصرية والتمييز، وعمليات القصف الأميركية.. إلخ، وبالتالي فإن التمرد هو أولاً تمرد الضحايا. لكن روا يعتقد أن الصلة بين المتطرفين والضحايا صلة خيالية أكثر منها واقعية، والذين ينفذون التفجيرات في أوروبا ليسوا سكن قطاع غزة ولا الليبيين أو الأفغان، وما هم بالضرورة الأكثر فقراً، ولا الأقل اندماجاً. ويستدل الباحث بوجود 25% من المتحوّلين إلى الإسلام في صفوف "الجهاديين" على أن الصلة بين المتطرفين و"شعبهم" هي أيضاً من قبيل المتخيّل. فالثوريون لا ينحدرون مطلقاً من طبقات معذبة، إنما في تماهيهم في البروليتاريا و"الجماهير" والمستَعمرين، هي إعادة بناء خيالية لوجودهم في العالم وبلاغة للتعبير عنه. فقلة من المناضلين ينتمون إلى هذه البروليتاريا الافتراضية التي هم على استعداد للموت في سبيلها. فالمتمردون يعانون من معاناة الآخرين، وهم ليسوا ضحايا الظلم والاحتلال الإسرائيلي أو الغزو أو القصف الأميركي في أفغانستان أو العراق، لكنهم شاهدوا هذه المعاناة وتأثروا بها.

ولم تبدأ منهجة العمل الانتحاري إلا عام 1995، فقبل الثمانينيات، كان "الإرهاب العادي" سلاحاً تستخدمه مجموعات علمانية، قومية أو ثورية، بحسب تعبير روا، حيث اتسمت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بسلسلة هجمات في أوروبا، مرتبطة باستراتيجيات دولية، فكانت هجمات مؤيدة لفلسطين أو سوريا أو ليبيا أو إيران، في سياق الرد على السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط. حتى الهجوم الانتحاري ليس ابتكاراً إسلامياً، لقد بدأت منهجته منذ الثمانينيات على أيدي "نمور التاميل"، مخترعي الحزام الناسف.

ويلاحظ روا أن "الجهاديين" لا يترددون في ابتكار أشياء غير موجودة في العقيدة ويبتعدون عن النصوص المقدسة والتفاسير المجازة. فهذا النمط العملياتي للهجوم، أي موت المهاجم، يصير المعيار، وهو يتداخل مع إخفاق سياسي وتشاؤم عميق في الوقت نفسه، متأتٍ من مؤلفات سيّد قطب حول الجاهلية وتكفير المجتمع، وإضافة بُعد قيامي كامل وعدمي، والتفكير بالخلاص الشخصي بدلاً من التفرغ لبناء مجتمع أفضل، وهو خلاص يمر بالموت الانتحاري لأنه الطريق الأقصر والأضمن.

 المتطرفون الجدد
حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان الجهاديون الدوليون أفراداً قادمين من الشرق الأوسط، قد مارسوا الجهاد في أفغانستان قبل أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية لكي يباشروا العمل فيها، أو بحثاً عن أراضٍ جديدة للجهاد بعد سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان عام 1992. هؤلاء هم الذين نفذوا أول موجة تفجيرات عالمية. هؤلاء هم الجيل الأول من الجهاديين التابعين لأسامة بن لادن. لكن ابتداء من عام 1995، نشأ جيل جديد يسمّونه في الغرب "أبناء البلد"، ليس لهم علاقات مع بلدانهم الأصلية، وبينهم نسبة متزايدة من معتنفي الإسلام ومن النساء، ومجال عملهم عالمي تماماً. هم الجيل الثاني من الجهاديين، من خالد كلكال إلى الأخوين كواشي وعبد الحميد اباعود، ولهم الملامح نفسها. فهم قُتلوا كلهم أثناء العمل، إما قتلوا أنفسهم أم قتلوا خلال مواجهتهم مع الشرطة، ولم يهتموا بتدبير فرارهم.

يقول روا إن الإرهابيين الغربيين الذين نفذوا هجمات في أوروبا كلهم معروفون نتيجة وجود سجلات لهم لدى الشرطة وأجهزة الأمن الغربية، ويشير إلى وجود ملفات تضم أسماء 4118 جهادياً أجنبياً جنّدهم "داعش" بين عامي 2013 و2014. وهو يهتم في كتابه هذا خصوصاً بالفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين، دون أن يغفل نظراءهم الأوروبيين. وهو يجد خصائص مشتركة بينهم وبعض الاختلافات. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية.

ولا يجد روا صورة نمطية للإرهابيين، لكنه يقع على مميزات متواترة. فخالد كلكال أول إرهابي من أبناء البلد(عملية ليون، 1995)، والأخوان كواشي (عملية صحيفة شارلي ايبدو، 2015)، بينهم أوجه شبه محددة: هم من الجيل الثاني، ومندمجون جيداً في المجتمع الفرنسي، ومروا بمرحلة جنوحية قصيرة، وصاروا متطرفين في السجن، قاموا بهجمات وقتلوا، وشهروا أسلحة في وجه الشرطة.

كانت الصورة النمطية للإرهابيين ثابتة حيث نجد فئتين أساسيتين: الجيل الثاني (60% منهم)، والمتحولون إلى الإسلام يشكلون 25% منهم، وعلى نطاق أضيق الجيل الثالث(25%). أما الجيل الأول فمحدود (محمد الحويج بوهلال، منفذ مجزرة نيس في يوليو 2016). يفسّر روا غلبة الجيل الثاني بحقيقة أن التطرف قد ظهر في الوقت الذي بلغ فيه أبناء المهاجرين سن الرشد، بعد جمع شمل العائلات عام 1974. فعلى مدى عشرين سنة ظلت الغلبة للجيل الثاني، فيما كان الجيل الثالث يقترب من سن الرشد.

ثمة ميزة أخرى مشتركة بين جميع البلدان الأوروبية هي أن المتطرفين فيها جميعهم تقريباً من "المولودين الجدد" الذين بعدما عاشوا حياة دنسة (ملاهٍ، وكحول، وجنوحية)، اهتدوا فجأة إلى الممارسة الدينية، بصورة فردية أو في نطاق مجموعة صغيرة، وليس في إطار منظمة دينية. ونجد أن معظم المتطرفين غائصون عميقاً في "الثقافة الشابة" المعاصرة، في تقنيات الاتصالات، وبكونهم قد قصدوا علب الليل، وغازلوا الفتيات، واحتسوا الكحول، وارتكب نحو نصفهم جنحاً صغيرة، وأزياؤهم مماثلة لأزياء أترابهم، ملابس الشارع من قبعات وبرانس وعلامات، وما عادت اللحية علامة على التقوى. فهم لا يرتدون أبداً اللباس السلفي، ويحبون الراب، ويتابعون أفلام العنف الأميركية وربما ألعاب الفيديو، وارتياد صالات الرياضة وخاصة بعض الرياضات العنيفة كالكونغ فو والملاكمة، وركوب الدراجات النارية. كما أن لغة المتطرفين هي لغة بلد الإقامة، وهي الفرنسية في هذه الحالة، وهم يتحدثون بلغة "شابة"، لغة الضواحي المحوّرة سلفياً.

لا شك أنه لا يمكن تعميم استنتاجات الباحث روا على جميع "الجهاديين" وبخاصة في الدول العربية والإسلامية، فدوافعهم مختلفة عن دوافع نظرائهم الغربيين، وتلعب العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقدية الدينية، فضلاً عن التحريض الإعلامي والمذهبي، والتوظيف السياسي الدولي والإقليمي لبعض التنظيمات "الجهادية"، كل ذلك تلعب دوراً في تغذية هذا التطرف وتوحشه، حيث يكون "الجهادي" العربي والمسلم ضحية لهذا الفكر المتطرف حيناً، وللتوظيف السياسي والتحريض المذهبي حيناً آخر.

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

تونس وشبح التفكيك الناعم في سوق الحرية والمساواة

    أغسطس 29, 2018   No comments
 صلاح الداودي*

يكمن الوهم الكبير في ادّعاء أن دستور تونس الجديد المُتشكّل من خليطٍ هجينٍ من عدّة مرجعيات مركّبة على بعضها البعض، قد حسم الجدل في عدّة قضايا ومن أهمها قضايا السيادة والاستقلال والهوية والعدالة، في حين أن الواقع يثبت في كل مرة أنه ما من قضية خلافية تُذكَر إلا ويصبح اختراق وتجاوز الدستور أمراً واقعاً ومن الجهتين إن كانتا حكماً ومعارضة أو كانتا "النهضة" أو"النداء". تكمن المُغالطة الكبرى في ادّعاء أن المسار الانتفاضي المُنقلب عليه أثناء وما بعد سنة 2011 كان حصراً وأولوياً من أجل الحريات كما أراد
ويريد التيار النيوليبرالي الموجّه لتونس بالإملاءات والمُهيمن عليها ثقافياً بواسطة هيمنته على نخب الاستعمار السياسية والفكرية. والحق أن  أول وأعمق ما قامت عليه الحركة الانتفاضية وتاريخها، كان ضد التبعية الاقتصادية والظلم الاجتماعي تحت ضربات تسلّطية حديدية تمنع الحقوق وتعدم الحريات، ولا تعترف بكل مستويات المساواة بسبب النظام الأمني والاقتصادي على وجه الخصوص ونظام الحُكم بوجهٍ عام.
ليس علينا عندما نعالج قضايا وطنية مصيرية في سياق الأزمات المركّبة خاصة، ليس علينا أن نرهن أوطاننا وشعوبنا للدوائر الأيديولوجية المُغلقة والحلقات السكتارية المُفرغة، والتوجيه الخارجي لرُعاة دوليين ماليين بلا همّ ولا رحمة. وليس علينا أن نستسلم لنزوات استعراضية لبعض الأفكار الوجودية النمطية لإثارة الإعجاب لدى البعض وإثبات النسب العقائدي السياسي لدى البعض الآخر.

لذلك يتوجّب أن نعاود التنبيه إلى خطورة التحشيد الإنتخابي-الأيديولوجي الأعمى من دون وعي عميق، والتحذير من الخوض العشوائي في موضوع الحريات والمساواة من دون رؤية فكرية ثابتة ومن دون تنزيل سياسي مناسب ومن دون تفكير في الأفق الإستراتيجي الذي ستلتئم أو تصطدم فيه الدولة والمجتمع والأفراد، زيادة على الآفاق الإقليمية والدولية المحفوفة بصراع إدارة الفوضى وإعادة تشغيلها في كل مكان. والحال، وبكل تكثيف، إننا نعيش تونسياً قلباً للآية تشريعياً وسياسيا حتى يختزل كل الأمر في الخوض الشكلاني في الشكليات، ومنع تنفيذ النموذج السيادي الذي يبُدع تحقيق الأهداف الوطنية والاقتصادية والاجتماعية في المجالات العامة والشخصية كلها.
نحن على قناعة تامة أن أمراً حساساً مثل تقرير الحريات والمساواة لا يحسم إلا في الوعي وضمن الرؤية الوطنية الإستراتيجية الشاملة لرسم مسار ومعالم استكمال التحرّر، وخطط الانعتاق الثوري والبناء المستقل والسيادي الذي يضع نُصب عينيه كل المجتمع وليس بعض فئات المجتمع، ومستقبل أجيال تونس وليس بعضهم وحسب توازن استراتيجي وطني ومجتمعي متكامل، وليس حسب مزاج أحدنا. كما إننا على قناعة واثقة أن الأسلم والأحكم والأقوم والأعدل هو حسم الخلافات على قاعدة الاختيار الحر والتدريجي والمنصف، وليس بالتدافُع وعلى الهوى بإلهاب سوق الأهواء المُستعرة بمقتضى مقولات غرائزية ومزاجية وسوقية، وموغلة في الفردانية والعدوانية مثل مقولة الشبيه المستوحشة ومقولة الغريب المتوحشة.
في الواقع، نحن لسنا حضارة خاصة مقتطعة من كل جذورها ومن كل المتغيّرات والمآلات، ونحن لسنا قطعة من أمّةٍ تذهب إلى مزيد التقطّع وترنو إلى مجتمع معلّق على حبال أفراده كل يقطع منه ما يريد ومتى يريد. وفي الحقيقة، نحن لا نطمح أن نكون حديقة خلفية للاتحاد الأوروبي ولا مجرّد ملهى ليلي لإمارات ومملكات ومشيخات الخليج. كما ولا نظن أن غالبية مجتمعنا عازمة بحق ووعي على تحويل نفسها إلى مجتمع شُذّاذ آفاق لا يجمعها إلا عقد تبعية متعدّد التبعيات ، أو عقد إرهاب وفساد مُتعدّد المُشغّلين يحطّم أية إمكانية لنهوض مشروع وحدة المصير، والاندماج والتعاون والشراكة الإستراتيجية لا الإلحاق القسري المعولم لبعضنا ، والشتات العالمي لمن سوف يتبقّى منا في لعبة التفكيك الناعم والصلب.  

وعلى ذلك نرى أنه علينا مواجهة أي مشروع فئوي وقُطري محلي تابع بصيغته المعولمة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتجريبي مختبري بصيغته العولمية الثقافية والقانونية، وهنا الفرق الفارق بين من لديه مشروع وطني جامع يمتد إلى أبعاده العروبية والإسلامية والعالمية الإنسانية التحرّرية والثورية ومن لا ينظر إلا من ثقب نفسه الفردية ومن يشبهها.
إن ما يحدث في تونس هذه الأيام من تخبّط وتمزّق وصراع للأحقاد سيجعل مع مرور الوقت من المجاميع المحلية اليسارية الليبرالية الملوّنة على مستوى الهوّة الهويّاتية الوطنية في السياسة والمجتمع، أشبه بما يُسمّى اليمين في أميركا الجنوبية من دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بالأجندات الأجنبية الاستخباراتية، وسيجعل من مجاميع البورقيبية الدستورية أشبه ما يكون بمجاميع الأقليات في أوروبا وأميركا من دون أن تكون بالضرورة من دون غالبيات انتخابوية، وسيجعل من مجاميع الإسلامويين شعوباً على طريقة توزّع الإخوان المتأسلمين في تركيا والأردن وغيرهما. وسيلتقي الجميع ضد نواة التيار الوطني المقاوِم الذي يرفض فصل المجتمع عن نفسه وعن تطوّره التفاعلي الذاتي الحر والمستقل، ويرفض فصل المغرب العربي عن محيطه ويرفض التفريط في تونس لفلسفة مجتمع وسياسة وفلسفة قانون واقتصاد وأمن نيوليبرالية تهدف إلى اللامساواة والانتداب الناعم وإدامة الوصاية والاستعمار والقضاء على الدولة وتعويضها بتوحّش سوق رأس المال المعولم والتابع. ويلتقي الجميع من حيث يريدون أو لا يريدون  ضد وطنهم قبولاً أو صمتاً في كل قضايا السيادة الوطنية وعلى رأسها النظام الاقتصادي والعقيدة الأمنية والتطبيع مع العدو والعدالة التوزيعية الإنمائية، وبالتالي كل مستويات الحقوق والحريات والمساواة.
________

* كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.

الجمعة، 13 يوليو 2018

لماذا اعتقل النظام السعودي الشيخ سفر عبد الرحمان الحوالي... هل السبب ما قاله في كتابه: المسلمون والحضارة الغربية

    يوليو 13, 2018   No comments
محمود القيعي
 
لا تزال توابع اعتقال الشيخ سفر الحوالي وأربعة من أبنائه مستمرة، ما بين مؤيد له متعاطف معه، وناقم عليه من قبل من اعتبرهم البعض كتائب الكترونية تابعة للنظام السعودي.

محبو الشيخ وأتباعه صبوا جام غضبهم على النظام السعودي الذي لم يرقب في مؤمن الا ولا ذمة، واعتقل الحوالي برغم كبر سنه واصابته بكسر في الحوض وجلطة دماغية اخيرا.


اللافت ان كثيرا من اتباع الشيخ الحوالي وضعوا كتابه ( المسلمون والحضارة الغربية pdf) على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهو الكتاب الذي يزيد على 3000 صفحة والفه في ابريل 2018 الماضي، ووجه فيه سهامه الى النظام السعودي دون مواربة، وكأن الشيخ – كما يقول متابعوه- أراد أن يختم حياته بالجهاد بقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.

الاسئلة النارية

من الاسئلة التي وجهها الشيخ الحوالي للنظام السعودي:هل من شرع الله تحويل الجيش من مجاهدين في سبيل الله لا يأخذون اجرا الى مرتزقة يسعون للكسب المادي ويتخذه الكبراء وسيلة للنهب غير المحسوب وأن يضعوا له الميزانية الضخمة التي لا يعرف الشعب أين تذهب ولا كيف تصرف؟

وتابع الحوالي:“ان الثابت ان دبابات الحوثيين اكثر من دبابات السعودية وأن الشاحنات العسكرية قديمة
والكمامات من الحرب العالمية الاولى وان بعض الدبابات تسخن وهي لا تزال على جسر الميناء.
وتابع الحوالي متسائلا:هل من شرع الله فتح فروع للشركات الامريكية في كل شارع مع انهم نصارى او ملاحدة؟

ومع ان ترامب يقول ما يقول والكونجرس الامريكي يصدر قانون” جاستا”والمبتعث السعودي يقتل؟
هل من شرع الله ان يكون ما يقوله ضاحي خلفان اصدق مما يقوله كثير من العلماء والدعاة؟
هل من شرع الله انشاء ما يسمى مجلس التعاون الخليجي بدلا من اعتبار التعاون الاسلامي مقدمة لاعادة الخلافة؟

هل من شرع الله انتشار الرشوة والفساد الاداري؟
_______________
 

السبت، 3 مارس 2018

سلفيون جهاديون من «عين الحلوة» يراجعون أدبياتهم

    مارس 03, 2018   No comments
رضوان مرتضى

قرّرت قيادات سلفية بارزة في مخيم «عين الحلوة»، ارتبطت بتنظيمي «جبهة النصرة» و«القاعدة»، إعلان «مراجعة» أدت إلى اتخاذ قرار «بتصويب البندقية باتجاه الصهاينة في فلسطين المحتلّة». يُريد هؤلاء السلفيون الجهاديون دحض التهمة التي التصقت بهم طوال السنين الماضية.

وبعدما قاتلوا في كل أصقاع الأرض ونسوا بيت المقدس، قرروا أن وجهتهم، اليوم، «ستكون القدس وحدها». لماذا الآن؟ هل يرتبط هذا القرار بالقيادة المركزية لتنظيم القاعدة؟ ماذا عن الصراع بين جبهة النصرة وقيادة «القاعدة» على الساحة السورية؟ هل مراجعتهم مرتبطة بالنكسة التي مُني بها تنظيم الجهاد العالمي على أرض الشام، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من إقامة دولته في سوريا، بانشقاق أبو بكر البغدادي عن القاعدة، ثم ابتعاد الجولاني عن التنظيم الأم، في ظل الصراع على الترِكة؟ وهل نشهد قريباً عمليات استشهادية في العمق الفلسطيني بتوقيع هؤلاء «الجهاديين الجدد»؟


على عجل، طلب أحد مشايخ السلفيين الجهاديين الشيخ أسامة الشهابي، اجتماعاً طارئاً في عين الحلوة. «الموضوع في غاية الأهمية»، قالها الرجل عبر الهاتف. في اليوم التالي، جرى اللقاء ليلاً. داخل منزله المتواضع في حيّ الصفصاف، تحت رسم لبيت المقدس تظلله رايات الإسلام، جلسنا جنباً إلى جنب مع المرشد السابق لـ «تجمّع الشباب المسلم» الشيخ جمال حمد المشهور بـ «أبو محمد» وأسامة الشهابي الذي يحمل فكر «تنظيم القاعدة» - أسامة بن لادن وشاب ثالث يكنّى «أبو عبيدة».
الثلاثة فلسطينيون يعيشون على أمل استعادة أرضهم المحتلّة. اثنان منهما لم يغادرا المخيم منذ أكثر من عشرين عاماً بعد اتهامهما بالإرهاب. الثلاثة ينضوون ضمن مجموعة أكبر من حَمَلَة الفكر السلفي الجهادي الذين أجروا «مراجعة، وليس تراجعاً»، كما يبررون خطوتهم، والهدف منها «إعادة تصويب بوصلة البندقية».
ما الموضوع الطارئ يا شيخ؟ تساؤلٌ يجيب عنه الشهابي بأنّه «فلسطين ولا شيء سوى فلسطين». ينطق بها كمن يزفّ بشرى، كاشفاً عمّا يسميها «دراسة ومراجعة عمرها أشهر لمعاني ومباني وعقبات المشروع الذي قرروا المضي فيه».
ينطلق الشهابي من هذه المقدمة ليتحدث عن «تحوّل جديد» بشأن «أولوية أرض القتال». يتحدث عن «وجهة واحدة هي القدس وفلسطين»، قبل سوريا والعراق. يرى الشيخ الجهادي أنّ باقي الجبهات، «وإن كان محرّك انطلاقها الظلم، ونحن نعتقد بذلك، ولأجله خرجنا وخرج شبابنا، إنما لدينا يقين أنّ لأمريكا يداً في توجيه الثورات لحرف الصراع عن وجهته الحقيقية».
يشرح الشهابي أن «الجهاد في عقيدتنا ليس غاية،بل وسيلة. لا نُمانع إن سقط منا آلاف الشهداء، لكن نريد أن يكون ذلك من أجل هدف. من أجل غاية. نريد أن نأكل الثمرة، لا أن نُحرق الشجرة». يتحدث الشيخ، الذي يُعدّ من أحد رجالات «القاعدة» في «عين الحلوة»، عن خريطة طريق عملانية سيبدأ العمل بها. يتحفّظ عن الإجابة عن أسئلة ذات طابع أمني أو عسكري، لكنه يقطع بأن المشروع «سيطاول كل السُّبل».

لماذا قد تقرر مجموعة قيادات تحمل فكر السلفية الجهادية وتنظيم «القاعدة» فجأة أن تحوّل البندقية؟ وما هو موقف الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والسياسية من إعلان كهذا؟
تزدحم الأسئلة ليبرز بينها سؤال أساسي: هل هناك تنسيق مع القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة»؟ هل لحمزة بن أسامة بن لادن علاقة بذلك؟
السؤال الأول يجيب عنه الشيخ بأن الاتصالات مقطوعة مع قيادة التنظيم، مشيراً إلى أنّ المحرّك «ذاتي». ويلفت إلى أن الاستشارة والاستخارة شملت القيادات الإسلامية والوجوه السلفية داخل مخيم عين الحلوة. أما عن نجل أسامة بن لادن، فيردّ الشهابي بأن الشعار الذي يرفعه ابن زعيم «القاعدة» هو «مقاتلة الأميركيين أينما وُجِدوا»، لكنه يؤكد أنه لا يعلم شيئاً عن مكان وجوده وتوجهاته وأبجدياته «في الفترة الأخيرة».
«فلسطين لنا»، يقول الشهابي ويضيف: «هكذا كانت البوصلة، وهكذا يجب أن تعود». يخلُص إلى أنّ «ما قبل اليوم، لن يكون كما بعده». يتحدّث عمّا يسميه «مشروع مواجهة جديد، موجود في القلوب، لكنه يولد اليوم على أرض الواقع». لماذا الآن ياشيخ؟ وهل الهزيمة التي مُني بها مشروع «القاعدة» على أرض الشام دفعتكم إلى إجراء المراجعة لتحديد العدو؟
يردّ الشيخ بأن «فكرة قتال اليهود قديمة جداً، وكنا نحلم بأن نقاتل اليهود في مشروع كبير، لكن هذه المشاريع كلها باءت بالفشل». لكن لماذا التحول الآن بالتحديد، وليس قبل سنة أو سنتين؟ «كان هناك نوع من عدم الجرأة في التخلي عن بعض المفاهيم القديمة. نحن أهل فلسطين وأصحاب الحق والواجب شرعاً على أصحاب أهل الأرض أن يدافعوا عنها. وإن عجزوا تأتي باقي الدول لمساعدتهم».
وفي السياق نفسه، يرفض الشيخ جمال حمد ربط التحوّل بحدث بعينه، إنما يتحدث عن «نقاط تحول كبرى». يعتبر أن أبرزها «إعلان يهودية الدولة الذي يعني طرد كل من هم من غير اليهود وأن تُصبح فلسطين يهودية خالصة». يُضاف إلى هذه النقطة، قضية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، معتبراً أنّ ذلك «معناه هدم الأقصى ومعناه بناء الهيكل ومعناه أيضاً تحقيق نبوءة اليهود التوراتية بأنّ أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». يرى الشيخ حمد الذي يحمل الفكر السلفي الجهادي أنّ «هذا يعني أننا مقبلون على حرب طاحنة، ونحن ندعو المليار ونصف المليار مسلم، شباباً بمئات الملايين، ندعوهم لأخذ دورهم بتحرير فلسطين». وينطلق حمد، الذي قاتل ابنه تحت راية تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا قبل أن يعود إلى المخيم، من حديث نبوي يقول: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون»، ليعقّب قائلاً: «أدعو الشباب المسلم لكي يكون من أهل هذا الوعد ومن أهل الجهاد لتحرير فلسطين وقتال اليهود».
لماذا الآن؟ سؤال لا بدّ من إعادة طرحه، يجيب عنه حمد بالقول: «تمّ تعطيلنا تاريخياً ووُرّطنا بمسائل لا ناقة لنا بها ولا جمل. البندقية التي سنحملها منذ اليوم هي بندقية قتال المشروع الصهيوني الصليبي». وفي هذا السياق، يقول الشهابي: «سننأى عن الصراع داخل المخيم والساحة اللبنانية. سنتحوّل للدفاع عن الأقصى الأسير». من يحمل هذا المشروع غيركم أنتم؟ يجيب: «هناك الكثير من الشباب الذين كانوا ضمن الشباب المسلم، وآخرون لا يُريدون الكشف عن أنفسهم، عاهدنا أنفسنا على المضي في هذه الطريق». ويضيف الشيخ المعروف بلقب «أبو الزهراء الزبيدي»: «مشروعنا أن نقاتل اليهود لتحرير ديارنا، أولاً، نحن نسعى لتحرير فلسطين لأننا مسلمون، وثانياً، لأن الأقصى أقصانا ونحن أهل فلسطين. والأولى بنا في ظل هذه الظروف التي يسعى فيها اليهود لتهويد القدس أن تكون القبلة فلسطين وليس أي مكان آخر».
هذه الخطوة توقفت عندها الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولا سيما أنها تعدّ «تحوّلا تاريخياً في خطاب السلفيين الجهاديين» على حد تعبير أحدهم. ورغم أن المصادر تقرأ هذا التحول منذ أشهر، تكشف عن اقتراح قدمه مطلوبو الإرهاب في عين الحلوة للدولة اللبنانية طلبوا فيه فتح طريق لهم للذهاب إلى الجولان لتشكيل «لواء غرباء فلسطين». تقول المصادر اللبنانية إن هؤلاء «تعهدوا بأنهم لا يريدون التورط في المستنقع السوري، بل يريدون إعداد العدة لجهاد فلسطين الذي يرونه قريباً. لكن الدولة اللينانية رفضت هذا الطرح الذي قُدِّم في سياق صفقة تبادل مرتبطة بمعركة عرسال».
غير أن التساؤلات التي يطرحها الأمنيون تتعلق بكيفية ترجمة هذه الخطوة؟ ماذا يعني إعداد العدة، وهل سنشهد مجدداً إطلاق صواريخ بشكل عشوائي باتجاه الأراضي المحتلة على طريقة «كتائب عبدالله عزام»؟ هل يعني ذلك فتح الحدود أمام الجهاديين؟ ماذا عن حزب الله؟ هل يقاتل جنباً إلى جنب الجهاديين في وجه العدو الإسرائيلي؟
«الجهاديون الجدد» يؤكدون أنهم لن ينتهكوا السيادة اللبنانية، لكنهم يجزمون «سنقاتل اليهود جنباً إلى جنب كل من يحمل السلاح لتحرير الأقصى». هم يرون أن الحرب المقبلة ستقسم العالم إلى معسكرين، «أحدهما سيكون الصهاينة، فيما سيضم المعسكر الآخر المسلمين».

أبرز من أعلن عن التوجّه الجديد للسلفيين الجهاديين في مخيم عين الحلوة هو الشيخ أسامة الشهابي، أحد قيادات السلفية الجهادية. في ما يأتي مقال كتبه الشهابي ليشرح فيه القرار الجديد:
العودةإلى القدس

لم نتراجع ولن نتراجع، لكننا أجرينا مراجعة لإعادة تصويب البندقية. نحن ثلة من الشباب المسلم المتعطّش لقتال اليهود المجرمين الذين احتلوا ديارنا وطردونا منها وحكموا علينا بالقتل والتشريد والظلم والسجون، لذلك قررنا بعد البحث والتنقيب والقراءة والاستشارة والاستخارة ما يأتي:

إعداد العدة بقدر استطاعتنا لمواجهة اليهود الصهاينة المجرمين، وهذه العدة هي مطلب شرعي وواقعي، لأن اليهود لا ينفع معهم مفاوضات ولا اعترافات ولا تنازلات، فالطلقة بحاجة لطلقة. إن إعداد العدة من المنطلق الشرعي هو أمر واجب، لأن قضية فلسطين والأقصى هي قضية كل المسلمين. ففلسطين أرض خِراجية فتحها المسلمون فتحاً، وتعاقب للحفاظ عليها القادة المسلمون، وإن اختلفت لغاتهم وجنسياتهم.
وإعداد العدة هو ضروري وواقعي علينا لأننا أهل فلسطين. فالواجب علينا مضاعف، والجهد علينا أكبر لأن الواجب على أهل البلد المحتل أن يجاهدوا بكل طاقتهم، فإن عجزوا انتقل الأمر إلى البلاد المجاورة. نحن سنعدّ العدة الفكرية لتاريخ اليهود ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ماذا يخططون وما هي أهدافهم وكيف يرسمون سياساتهم ومن يعينهم ويؤيد قراراتهم الظالمة، وكيف يحاربوننا حرباً عقائدية، ولماذا نجحوا وفشلنا؟ سنبدأ بأنفسنا وأهلينا، ولأن المعركة طويلة الأمد، سنهيئ للجيل القادم الأساليب والطرق لقتال اليهود من أجل أن يسيروا على بيّنة وأهداف واضحة. فالحرب طويلة، وهي ستكون محور الصراع المستقبلي مع الأمة لقتال اليهود. فالأمة عندها حبّ الدين والأقصى، وعندها إرادة التضحية والبذل، ولكن تنقصها القيادة المخلصة المضحية والوعي الشرعي والسياسي.
نحن سننأى عن الصراع داخل مخيم عين الحلوة، ولن نكون طرفاً في أي صراع. وإن استطعنا وقف أي إشكال سيحدث سنسعى بكل طاقاتنا وجهدنا لحفظ أمن الناس بالمخيم. فقد تعب الناس من الاشتباكات التي يُقتل فيها البريء ويصاب فيها الآمن. وهذه الاشتباكات ما زادت الناس إلا خوفاً وهلعاً وتهجيراً لهم وتهديماً لمساكنهم وإهداراً للطاقات التي لو وجهت لقتال اليهود، لكنا في أحسن حال اليوم. ومنذ ثلاثين عاماً من هذا الصراع داخل المخيم الذي تتوارثه الأجيال لا يُولِّد إلا الثأر وردات الفعل والمستفيد الأول هم اليهود وأعوانهم. نحن لن نتدخل في الصراع اللبناني، وسيكون هدفنا الدفاع عن الأقصى الذي يُراد تهويده وهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه. ومَن تتبع السياسة الأميركية الظالمة بقيادة ترامب (الأحمق المطاع) تجاه الأقصى يعلم خطورة الهجمة القادمة لإذلال الأمة الإسلامية وجعلها أمة مستسلمة للواقع خانعة خاضعة للأوامر اليهودية الأميركية.
نحن لا تربطنا علاقات خارجية ولا داخلية مع أية جهة، ولن نكون أداة بيد أحد، فالأقصى بالنسبة إلينا قضية دين وعقيدة ومبدأ وليس حجارة وطين، ونحن على استعداد لمدّ يد العون لكل مخلص يريد قتال اليهود والدفاع عن الأقصى الأسير.
البناء والتأسيس لمثل هكذا مشروع فيه صعوبة وعقبات كؤودة، ولكننا توكلنا على الله وانطلقنا من منطلقات شرعية ولن يُضيعنا الله، ولئن نبدأ متأخرين خير لنا من أن لا نبدأ، فأهل القوة والمنعة في بلادنا قد سكتوا عن اليهود وتآمروا على فلسطين وأهل فلسطين وبيع الأقصى بسوق النخاسة، لذلك سنصبر ونحن نسير في الطريق ولسوف نحفر بالصخر حتى نصنع لأمتنا مجداً قد ضُيّع.
والله نسأل أن يكتبنا من الصادقين وأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا.
أسامة الشهابي
_______
عن
الأخبار

الأربعاء، 21 فبراير 2018

لانتخابات البلدية التونسية, «النهضة»: استعادة الحكم «من أسفل»

    فبراير 21, 2018   No comments
تضمن المتوقع أن يُغلق غداً الخميس، باب الترشيحات إلى الانتخابات البلدية التونسية، فيما تُفيد عدة مؤشرات بأنّ الاستحقاق بات بالنسبة إلى «النهضة» بمثابة «حصان طروادة» ــ في إشارة إلى أشهر حِيَل الأساطير اليونانية ــ بغية الإطباق على الحكم «من أسفل»

حتى مساء يوم أمس، تلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، ترشح «595 قائمة حزبية» للانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في السادس من أيار/مايو المقبل، في ظلّ صعوبات تواجهها بعض الأحزاب والتحالفات السياسية في إيجاد مرشحين نظراً إلى كثرة الدوائر الانتخابية البلدية وإلى «الشروط المُجحِفة» التي يتضمنها القانون الانتخابي.

رغم النسق التصاعدي لتقديم الترشحات للاستحقاق البلدي، يُظهر حزب «النهضة» جهوزيةً واستعداداً كبيرين لخوض هذه الانتخابات، إذ يتوقع لهم المراقبون تقدّماً على حساب خصومهم الذين يتشتت شملهم منذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية، أي منذ تآلف «نداء تونس» و«النهضة» في توافق سياسي يحكم البلاد منذ مطلع 2015.
مؤشرات النجاح المتوقع لـ«النهضة» ولمن يدور في أفقها، لا تنحصر فقط في استعداد قاعدتهم الانتخابية أو انتشارهم الميداني في مختلف المناطق، ولا حتى الانضباط الحزبي الذي تتميّز به الحركة، وإنّما يتجاوز ذلك باتجاه الأخذ بالاعتبار النظرة المغايرة التي يعتمدها «النهضة» في التعامل مع الشأن السياسي في البلاد منذ خروجها من الحكم مطلع 2014 وخسارتها لمركزها الأول في الانتخابات التي فاز فيها شريكها الحالي في الحكم «نداء تونس». جدير بالذكر على هذا الصعيد، أنّها كانت الحزب الأول في تونس الذي بدأ استعداداته للانتخابات البلدية قبل نحو سنة من الآن، في الوقت الذي كانت فيه القوى «اليسارية» أو تلك الموصوفة تجاوزاً بـ«العلمانية»، تستنزف جهودها في معارك أخرى تتعلق بقانون المصالحة مع أطياف النظام القديم، أو بالاحتجاجات الاجتماعية، وذلك إضافة إلى عدم نجاح بعض القوى التي تُعرِّف نفسها بأنّها «مناهضة للإسلاميين» على توحيد صفوفها بسبب الخلافات والصراعات في ما بينها.

أيضاً، بادرت «النهضة» إلى فتح قوائمها الانتخابية للمستقلين بنسبة 50 في المئة في إطار «سياسة انفتاح على المجتمع»، التي يريدون من خلالها استقطاب فئات من خارج قاعدتهم الانتخابية التقليدية. وهذا مع العلم أنّ القوائم التي قُدِّمَت إلى حد الآن ترأس غالبيتها شخصيات من خارج «الحركة» ونساء لا يتقيّدن بالزيّ الإسلامي، كما تضمنت القائمة في محافظة المنستير الساحلية، تونسياً يهودياً في سابقة قد تكون مثيرة للجدل ولم تُقدم عليها أي من القوى العريقة. (يوم أمس، قال عضو المكتب السياسي في النهضة عماد الخميري: «إنّ ترشيح تونسي يهودي أمر عادي في حركة النهضة المنفتحة على كلّ التونسيين والداعمة لأسس التعايش والمواطنة»).


طبعاً، لسنا هنا بصدد تعداد مناقب «النهضة» أو الإشادة بحنكتها في التعامل مع الواقع التونسي، بقدر ما هو محاولة لاستشراف الواقع التونسي في ضوء استعدادات الأحزاب، خاصة أنّ الانتخابات البلدية المقبلة ستكون بمثابة الامتحان الأوّلي الذي سيُمهِّد الطريق أمام الفائز ليظفر بالانتخابات العامة المقررة في نهاية 2019.

ولّى زمن «الاستقطاب»؟

في مقابل «النهضة»، برغم تكتل أحزاب في ائتلافات انتخابية، إلا أنّها لم تتمكن بعد من تشكيل قوائم في جميع الدوائر الانتخابية. وإلى حد الآن، متوقع أن يُشارك «الاتحاد المدني» (تحالف 11 حزباً «علمانياً» وليبرالياً، ومحسن مرزوق هو أبرز وجوهه)، بستين قائمة من إجمالي 360 قائمة. ومن جهتها، لا تزال «الجبهة الشعبية» (تحالف قوى اليسار والقوميين) في مواجهة امتحان صعب، هو تقديم مرشحين في جميع الدوائر الانتخابية. (علماً أنّ القيادي فيها الجيلاني الهمامي، أعلن في مقابلة مع «الأخبار» يوم الخميس الماضي أنّ «الهدف حالياً هو في الدخول بقوائم باسم الجبهة في أكثر من 150 دائرة انتخابية، فيما سندعم في بعض الدوائر الأخرى قوائم تضم مناضلينا ومستقلين، لكنها لن تكون باسم الجبهة»).

أما «نداء تونس» الحاكم (حزب الرئيس الباجي قائد السبسي)، فلم يحسم بعد قوائم مرشحيه للدوائر البلدية، وذلك برغم أنه يتجه نحو استقطاب شخصيات بارزة محلياً ورجال أعمال على غرار ما جرى في الانتخابات البرلمانية الماضية. ولكنه يُواجه صعوبات في تجميع شتات قاعدته الانتخابية التي «تفرّقت بين القبائل» بعد تحالفه مع «النهضة» وتصدّعه، وليس أمامه اليوم سوى التنافس مع تلك الموصوفة تجاوزاً بـ«الأحزاب العلمانية» بغية استقطاب نفس الناخبين المحتملين. وهذا ما يجعلنا أمام «فرضية تشتت أصوات» شبيهة بما حصل في انتخابات الجمعية التأسيسية في 2011 التي اكتسحتها «النهضة» ومن معها.

وفي مواجهة تقدّم محتمل لـ«النهضة»، تحاول بعض القوى استعادة خطاب «الانقسام العلماني ــ الإسلامي» الذي سيطر على الخطاب الانتخابي في 2014، واعتماد أسلوب «تخويف من الإسلاميين الذين يريدون أسلمة المجتمع والتراجع عن مكاسب الحداثة في تونس»، ولكنّ تجربة الناخب مع الأحزاب التي استعملت هذا الخطاب ثم تحالفت «مع الإسلاميين» لن تجعل هذا الأسلوب ناجعاً مثلما سبق. وقد يكون من مصلحة الناخب وجود توازن سياسي في المجالس البلدية عوض الانقسام الذي من شأنه أن يُعطّل العمل البلدي ويُهمّش مطالب المواطنين المباشرة بما يُفقِد الاستحقاق قيمته من حيث أنه يُقدّم «خدمة» مباشرة للمواطنين في مجالات البيئة والبنية التحتية والاستثمار.

جدير بالذكر أنّ عدّة أحزاب، سبق أن وجهت سهام نقدها نحو القانون الانتخابي الذي زاد في صعوبة تشكيل القوائم، خاصة أنه يفرض أن تكون القائمة المترشحة متناصفة بين المرأة والرجل (عمودياً وافقياً)، وتضمّ أشخاصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يُنظر إليه كشروط «تعجيزية» لن تتمكن من تلبيتها سوى الأحزاب الكبرى، وعلى رأسها «النهضة». وبرغم أنّ هذه الأحزاب نفسها تتحمّل مسؤولية ما إذ كان من المفترض رفع الصوت قبل الوقت الحالي بكثير، فإنّ الباحثة هالة اليوسفي، كانت قد أبدت في حديث إلى «الأخبار»، الخشيةَ من أن نشهد انتخابات بين الأحزاب الكبيرة (النهضة والنداء)، على حساب التشكيلات الصغيرة أو القوائم المستقلة.

من جهة أخرى، يُرجِع القيادي في «النهضة» عبد الحميد الجلاصي، في حديث إلى «الأخبار»، هذا الواقع إلى «هشاشة المشهد الحزبي وضعفه وتعقيدات القانون الانتخابي»، ما يجعل «أكثر الأطراف حضوراً هي نداء تونس والنهضة، (مضيفاً إليهم) المستقلين». وبينما يشدّد أنّ «القانون الانتخابي صيغ بطريقة لا تسمح لأي طرف بالتغول»، فإنّه يُرجّح «أن تكون المجالس المنتخبة متنوعة من حيث التركيبة وفيها أقدار من التوازن على الأقل بين الحزبين الكبيرين».

الجلاصي يرى أنّ هذه «الانتخابات أقرب للفخ منها للفرصة (لأنّ) المجالس المنتخبة (ستواجه)، على الأقل في البداية، معضلات نقص الموارد واستمرار الثقافة القديمة وبطء الإجراءات». لكن لعلّ كل ما سبق ذكره، يُعطي صورة تقريبية عن استعدادات القوى السياسية للاستحقاق البلدي الأوّل من نوعه من «ثورة جانفي» 2011، وعن استعداد «النهضة»، بالأخص، لفوز «منطقي» فيها، سيكون بمثابة الباب الذي ستعود منه الحركة إلى سدّة الحكم برغم أنها لم تغادره إلا «خشيةً وخفراً» منذ استقالة حكومتها بداية 2014 إثر اغتيالات سياسية كادت تُدخل البلاد في أتون صراعات أكبر من الجميع.

«تجارب تركيا والمغرب حاضرة في مقاربة الحركة»

في حديث إلى «الأخبار»، يجيب الباحث التونسي حمزة المؤدب، عن أسئلتنا، بالإشارة بداية إلى أنّ «النهضة دفعت بشدة نحو تنظيم الانتخابات البلدية برغم مماطلة حلفائها وتأخيرهم للانتخابات في عدة مناسبات». وبينما يلفت في سياق الإجابة إلى أنّ «الانتخابات البلدية تندرج في إطار تأمين المسار الديموقراطي الذي يُمثّل السبيل الوحيد لتأمين دمج النهضة في النظام السياسي وفي هياكل الدولة»، فإنّه كان قد استبق ذلك شارحاً بأنّه «واضح جداً أنّ الاستحقاق يكتسي أهمية كبرى للنهضة لاعتبارين أساسيين».

«الأول» هو أنّها «محطة مهمة تحضيراً للمواعيد الانتخابية الوطنية في 2019، بمعنى أنّ إضافة شرعية جديدة من خلال الانتخابات المحليّة مهم لناحية تفادي تصادم عنيف واستقطاب حاد قد يتبلور مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية». ويضيف أنّ أهمية هذا الاستحقاق تكمن أيضاً في أنّه «من دونها، يكون الدخول إلى انتخابات عامة العام المقبل عملية خطرة بالنسبة إلى النهضة في ظلّ تصاعد الأصوات التي تنادي بتكوين قطب منافس لها، وفي ظلّ ضعف الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات؛ يعني أنّ أيّ قدح في نتائج الانتخابات العامة السنة المقبلة سيضعف المسار الديموقراطي ويجعله عملياً وفعلياً على المحك في غياب أي مستوى وسيط من الشرعية»، في إشارة إلى المستويات المحلية.

أما «البعد الثاني»، فهو «مرتبط بحاجة النهضة إلى الإطباق على السلطة من الأسفل (كما تقول في السؤال)، بمعنى تأمين حضورها وتجذرها داخل المجتمع من طريق العمل البلدي والخدمات العمومية»، موكداً أنّ «تجارب العدالة والتنمية في تركيا والمغرب حاضرة بشدة في مقاربة النهضة: العمل البلدي كمدخل لربط الحزب بقواعده ولاستقطاب فئات اجتماعية جديدة وتوسيع قاعدة الحزب. النجاح في العمل البلدي سيمثّل دليلاً أيضاً على تجاوز الانتقادات التي وجهت إليهم إبان فترة الترويكا، ولبناء شرعية سياسية مبنية على القدرة على الإنجاز وليس فقط على التاريخ النضالي إبان فترة الديكتاتورية». ويقول المؤدب: «تقديري أنّ الانتخابات البلدية ستكون فرصة لإعادة هيكلة الحزب أيضاً من طريق دمج مستقلين واستقطاب كفاءات والانفتاح على فئات اجتماعية جديدة من خارج القواعد التقليدية للحركة»، قبل أن يختتم: «طبعاً، إنّ ما تتناساه النهضة وغيرها من الأحزاب، أنّ القدرة على الإنجاز غير مرتبطة حصراً بالكفاءات الذاتية للأشخاص والتزامهم خدمة المواطنين، بل بضرورة إصلاح هياكل الدولة وبيروقراطيتها ومواءمتها مع مبدأ اللامركزية».


__________
 عن الأخبار 

الثلاثاء، 30 يناير 2018

البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري

    يناير 30, 2018   No comments
نحن المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني السوري، ممثلي كل شرائح المجتمع السوري، وقواه السياسية والمدنية، ومجموعاته العرقية والدينية والاجتماعية، وقد اجتمعنا بناء على دعوة من روسيا الاتحادية الصديقة في مدينة سوتشي، بهدف وضع حدّ لسبع سنوات من معاناة شعبنا عبر التوصل إلى تفاهم مشترك حول ضرورة إنقاذ الوطن من المواجهة المسلحة، ومن الدمار الاجتماعي والاقتصادي، واستعادة هيبته على الساحتين الإقليمية والدولية، وتوفير الحقوق والحريات الأساسية لجميع مواطنيه، وفي مقدّمتها الحق في الحياة الآمنة والحرة بدون عنف وإرهاب
وتتمثل الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذا الهدف بالتسوية السياسية للتحديات التي تواجه وطننا، وذلك بناء على المبادئ التالية:



ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.