‏إظهار الرسائل ذات التسميات الربيع العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الربيع العربي. إظهار كافة الرسائل

السبت، 29 سبتمبر 2018

مع أم ضد؟ عن الجدل التونسي حول المساواة في الميراث

    سبتمبر 29, 2018   No comments
 عبد الوهاب الملوح*

ما أثار الضجة التي تبعها جدل حاد في جميع وسائل الإعلام وصل إلى درجة التظاهر والاحتجاج في الشوارع، هو مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، الذي أعاد النقاش في قضية المرأة في الإسلام إلى المربّع الأول.
لماذا يسمح الدين الإسلامي بتعدّد الزوجات؟ السؤال نفسه لم يبل بفعل الزمن وظل متجدّداً. وغالباً لا يقف عند هذا الحدّ، بل يتعداه إلى أسئلة أخرى تتمحور حول القضايا التي ما انفكّ يطرحها مفكّرون ومفكّرات والتي تتصل بوضعية المرأة في الإسلام.

هذه المسألة عادت إلى الواجهة في تونس اليوم لكن بحدّة مُضاعَفة عما كانت عليه سابقاً، وذلك بسبب ما باتت تفرضه التحوّلات الاجتماعية والسياسية، خاصة بعد التقرير النهائي الذي قدّمته "لجنة الحقوق والحريات الفردية والمساواة" في حزيران/يونيو الماضي، عِلماً أن اللجنة أطلقها الرئيس التونسي الباجي قايد السيسي في آب/أغسطس عام 2017 وتكوّنت من حقوقيين وأكاديميين وقضاة وعُلماء شرع.
 
جاء التقرير في 235 صفحة على جزءين. الجزء الأول مخصّص للحقوق والحريات الفردية، أما الجزء الثاني فتناول المساواة في الميراث بين المرأة والرجل. وتصدر التقرير توطئة عامة تستند إلى مقاربة اجتماعية ودينية.

ورغم تعرّض هذا التقرير للحقوق والحريات الفردية مقترحاً توصيات عدّة في هذا الشأن من قبيل الحق في الحياة والحرية والأمان والتفكير والعقيدة، غير أن ما أثار الضجة التي تبعها جدل حاد في جميع وسائل الإعلام وصل إلى درجة التظاهر والاحتجاج في الشوارع، هو مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، الذي أعاد النقاش في قضية المرأة في الإسلام إلى المربّع الأول.

في العام 1899 أصدر قاسم أمين كتاباً بعنوان "تحرير المرأة". العنوان وحده كان كافياً ليلفت الأنظار ويطرح عاصفة من الردود على شكل أسئلة موجِعة، ومنها تحرير المرأة ممن؟ من الرجل؟ من المرأة؟ من عقلية الذكورة؟ ناهيك أن عنوان الكتاب ينطلق من بديهة أساسية وهي أن المرأة سجينة. لم يكن بإمكان قاسم أمين حينها أن يتجرّأ  في الذهاب نحو الأبعد في محاربته التفكيكية لوضع المرأة في التشريع الإسلامي، رغم أن نظرة كبار عُلماء المسلمين في ذلك العصر من أمثال الكواكبي والأفغاني ومحمّد عبده ورشيد رضا كانت منفتحة وإصلاحية.

في تلك السنة خرج إلى الوجود الطاهر الحداد الذي قلب الطاولة على الجميع في كتابه "إمرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي صدر سنة 1930. لم يكن الحداد مُصلحاً اجتماعياً، كما لم يكن عالِم دين، بل ناشطاً في المجالين النقابي والسياسي باعتباره عضواً في الحزب الدستوري المعارض للاستعمار الفرنسي. غير أن ذكاءه الألمعي أوصله إلى أن صلاح هذه الأمّة لن يتم إلا بصلاح المجتمع، وبالأساس العائلة. لذلك اشتغل على وضع المرأة في المجتمع الإسلامي وأصدر كتابه الذي أعلن فيه عدم جواز تعدّد الزوجات، وأن المرأة مساوية الرجل في الكثير من الحقوق الاجتماعية.

في هذه البيئة تربّى فكر الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس بعد الاستقلال. ولا غرابة أنه لما عاد من المنفى في العام 1955 ترجم هذا الفكر بعد سنتين في مجلة الأحوال الشخصية في العام 1957 والتي كانت ثورة كبرى على الوضع النسوي حيث تضمّنت مسألة تعدّد الزوجات والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في مجالات عدّة. لقد شكّلت المجلة المذكورة ثورة حقيقية وإعلان بداية تمرّد على الوضع المتكلّس للاجتهاد، بل لقد ذهب بعض علماء الدين وقتها إلى تكفير الحبيب بورقيبة. غير أن المجلة كانت تعبيراً عن تحرير عقلية التونسي من التزمّت والتطرّف، وجاءت انسجاماً مع معاهدة حقوق الإنسان للأمم المتحدة. كما أتت نتيجة لتراكم تحرّكات المرأة التونسية خلال عقود من أجل تحرّرها من عقلية الذكورة. ولم تكتف المرأة بما جاء في مجلة الأحوال الشخصية بل واصلت نضالاتها وكانت لها مواقف ثورية في عهد زين العابدين بن علي، حتى أنها ضحّت بنفسها وسقط الكثير منهن الشهيدات في المواجهة مع بوليس بن علي أثناء ثورة 2011.

هذا يؤكّد قوّة التحدّي الذي انخرطت في سياقه المرأة التونسية التي لم تعد ترضى أن تكون مجرّد أنثى أو امرأة، بل تطالب أن تتم معاملتها كإنسان كامل للحقوق شأنها شأن الرجل. وفي هذا السياق يتجدّد السؤال في مُقاربة مُغايرة. هل أن توصيات لجنة الحريات الفردية والمساواة جاءت في حجم هذا التحدّي؟ ام أنها كانت لغايات أخرى لا يعلمها إلا السبسي؟ بكل الأحوال، نجح الرئيس التونسي على الأقل في توجيه أنظار الرأي العام في البلاد نحو ما جاء به تقرير اللجنة من توصيات، وذلك في ظل أزمة سياسية حادّة تعيشها الحكومة وتوقّف مسار ميثاق قرطاج وما أسفر عنه من طلاق غير مُعلَن لــ "الزواج العرفي" بين حزبي "النداء" و"النهضة". ولذلك جاءت ردود الفعل مُتباينة بخصوص التقرير بل رافضة حتى ممَن هم من غير المحسوبين على تيارات اليمين، ممَن يناضلون من أجل مدنية الدولة وحرية الفكر والمعتقد. هو ما تصرّح به الصحفية والروائية وحيدة ألمي للصفحة الثقافية في الميادين نت قائلة:

"لم يكن مطلب المساواة في الميراث حديث عهد بآلاف الأصوات المساندة التي يضجّ بها الشارع التونسي في كل مناسبة، وآخرها عيد المرأة الموافق ليوم 13 أغسطس. فهذا المطلب كان من بين أهم النقاط المطروحة في لائحة مطالب تقودها نساء حداثيات يطالبن بمساواة مُطلقة مع الرجل في الحقوق. غير أن الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم يتجرّأ على إدخال يده إلى غار النّمل وتحلّى بذكاء سياسي جعله لا يتورّط في وعود ولا التزامات بقبول المُقترح رسمياً، لإدراكه بأن هذا الموضوع المحسوم شرعاً يفتح أبواب الجدل واسعاً"، مُضيفة "غير أنه مع هشاشة الدولة بعد ثورة يناير عاد التأجيج على أشدّه للضغط على الحكومة وحسم الأمر. مسألة المساواة وغيرها من مطالب جاءت في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بما في ذلك إيجاد موضع قدم للمثليين داخل المنظومة الاجتماعية التونسية رسمياً، جاءت وفق إملاءات خارجية أخذت شكل "النضال الحقوقي". فهذه الأصوات المساندة تدخل في إطار النضال مدفوع الأجر من منظمات دولية تزرع أبواقها في كل دولة عربية لأجل إعادة هيكلة مجتمعاتها وتفتيتها قيمياً وإعادة بنائها تحت مظلّة الحداثة وحقوق الإنسان".

تواجه المرأة التونسية اليوم جملة من المطالب الحياتية التي لم تتحقّق رغم ترسانة من القوانين المُناصرة لها في الظاهر. ففي حالات الطلاق مثلاً تعجز الأمّ الحاضنة للأبناء عن الحصول على النفقة لإعالة أطفالها، وتصطدم منذ رفع القضية لدى المحاكم بصعوبات التأجيل وتنفيذ الأحكام. كما أنها غير قادرة اليوم على الطلاق للضرر النفسي والاستغلال الجنسي والاقتصادي، رغم إيجاد القانون المنظّم لذلك ودخوله حيّز التنفيذ في شباط/فبراير 2018.

المرأة التونسية تشكو أيضاً من التحرّش في العمل وتُساوَم في قوتها وترقياتها وتعيش على المحك رغم التبجّح بقانون يجرّم ذلك. غير بعيد من هذه الفكرة تقول خديجة معلى المستشارة الدولية إنه "صحيح أن واقع المعيشة حالياً في تونس يرزح تحت وطأة المشاكل الحياتية التي تتطلّب حلاَّ عاجلاً نظراً لتأثيرها السلبي على حياة المواطنين، وعلى أمن المجتمع وتقدّم الشعب"، غير أن تأصيل حقوق الإنسان، وخاصة المساواة بين الجنسين في كل المجالات بدءاً من الميراث هي حقوق لا ترتبط بوقت أو بظرف. علماً وأن لتونس أسبقية تاريخية في مجال تمتّع المرأة بحقها في التعليم، وفي العمل والتنظيم العائلي، وجميع الحقوق المدنية والسياسية".

معلى رأت أنه وبغضّ النظر عما قيل عن المبادرة الرئاسية الحالية من أنها "مناورة سياسية أم لا، إلا أنها بالتأكيد تُعبّر عن المرأة، لأن النضال من أجل استكمال حقوقها لم ينقطع حتى في عهد النظام السابق للثورة".

يتمثل ذلك، وفق معلى، في نضال شخصيات حقوقية ومنظمات المجتمع المدني مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وغيرها "من الذين لم ينقطعوا عن المُطالبة بجميع الحقوق والحريات الفردية والمساواة".

تكريس للمساواة؟

أما فتحية السعيدي، أستاذة العلوم الاجتماعية والقيادية في "حزب المسار" اليساري، فترى أن تونس "تعيش جدلاً اجتماعياً فريداً من نوعه تراوح بين النقاش الهادئ والرصين، وبين التعبيرات الانفعالية حول ما جاء في تقرير "لجنة الحريات"". فالتقرير برأيها "تناول عدداً من القضايا المجتمعية المهمة التي تستهدف تغيير التمثلات والتصوّرات الاجتماعية في اتجاه تطويرها ضمن مقاربة اتجهت إلى اعتماد القراءة المقاصدية المستنيرة والمتفتحة للنص الديني".

السعيدي أضافت إن من بين أبرز القضايا التي طرحها التقرير "مراجعة مختلف القوانين التي أصبحت مُتعارِضة مع دستور الجمهورية الثانية الصادر في العام 2014، علماً أنه قد أقر المساواة التامة بين النساء والرجال ومنع التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المعتقد، أو العرق، أو الجنس وهو ما يستلزم ملاءمة مختلف القوانين مع ما ورد في الدستور".

ذلك أن المبادرة التشريعية الأخيرة حول المساواة في الميراث تعدّ "أحد الخطوات المهمة في اتجاه تكريس المساواة بين النساء والرجال. فالقاعدة الأساسية هي المساواة واللامساواة هي الاستثناء"، بحسب وصف القيادية في "حزب المسار" التي أشارت إلى ضرورة مراجعة مجلة الأحوال الشخصية وخاصة الفصل 13 المتعلّق بالمهر والفصل 23 المتعلّق برئاسة الأسرة وكل ما يليه من مشمولات الحضانة والولاية".

بشكل عام، يمثل تقرير (لجنة الحريات) "خطوة عملاقة رغم كل الصخب الذي رافقها ورغم محاولات تسييس المطالبات الواردة فيه واعتبارها مناقضة للعادات وللتشريع الإسلامي"، كما تقول السعيدي مذكّرة بأن تونس "دولة مدنية تفرض علوية الدستور".

أغراض انتخابية؟

هل ما جرى يرتبط بشكل أو بآخر بحسابات انتخابية؟ المستشار السابق للإعلام والاتصال في حكومتي على العريض ومهدي جمعة، عبد السلام الزبيدي يؤيّد هذا الرأي. فهو يقول إن السبسي "لم يُخف أهدافه الحقيقية من مبادرته تشكيل لجنة الحريات الفردية والمساواة وتكليفها بإعداد تقرير في الغرض على أساس أحكام الدستور والالتزامات الدولية لتونس والتوجهات الحديثة في مجال الحريات الفردية والمساواة. فقراءة متأنيّة لمضمون خطابه في العيد الوطني للمرأة التونسية عام 2017 والذي أَعْتبِرُه خطاب التكليف الحقيقي، تجعلنا نقف على أنّ للرئيس ثلاثة أهداف جوهرية، الأوّل أن يكون ثالث إثنين هما المصلح الطاهر الحداد والزعيم الحبيب بورقيبة. أما الهدف الثاني فهو إعادة هندسة المشهد السياسي التونسي وهي أشمل بكثير من العبارة المتداولة المتمثّلة في "الأغراض الانتخابية"".

لكن كيف ذلك؟ يشرح الزبيدي "رئيس الجمهورية يريد أن يستردّ بيده اليُسرى ما فقده بيده اليُمنى، والمفقود المقصود هو الفشل الذريع في الخيارات السياسية وانقلاب رئيسيْ الحكومتين اللذين اختارهما شخصيّاً رغم أنّ الدستور لا يُخوّل له ذلك (الحبيب الصيد ويوسف الشاهد)، والعجز عن الإيفاء بتعهداته الانتخابية التي تتجاوز صلاحياته"، وذلك فإن مبادرة تشكيل اللجنة وتقريرها وما ترتب عنهما "من شأنه إعادة هندسة المشهد وذلك بوضع "حليف التوافق" أي حركة النهضة بين كماشتيّ الضغوطات الدولية وتوجّهات أنصارها. فهذا الحليف رفض مسايرة رئيس الجمهورية في مسعاه لإزاحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فأشهرَ له الباجي قايد السبسي ورقة مبادرة الحريات الفردية والمساواة في الإرث".

ويضاف إلى ذلك الهدف الثالث الذي يتمثل وفق الزبيدي في "إعطاء تأويل مستقر للدستور في فصوله ذات الصلة بالهوية والحريات، وهي التوطئة والفصلان الأول والثاني عن (طبيعة الدولة وعلاقتها بالإسلام) والفصول6-21-21-26-46-47-49 التي نصّت على رعاية الدين وحرية الضمير والحريات الفردية وحقوق المرأة".

على أية حال، وبغضّ النظر عن أهداف الرئيس التونسي يبقى من الضروري الاحتكام إلى مقتضيات دستور 2014 ومنطقه الداخلي وأولوياته الحقيقية. إذ إن تقديم مبادرة حول الحريات الفردية أو المساواة يتطلّب عرضها للاستشارة الوجوبية أمام الهيئة الدستورية لحقوق الإنسان والتنمية المُستدامة، في حين أنّ البرلمان لم ينظر أصلاً في النص المؤسّس لها. فضلاً عن انتخاب أعضائها، بالإضافة إلى أنّ من شروط المصادقة النهائية على مشروع قانون الميراث أو إمكانية عرضه على الاستفتاء يتطلّب مُصادقة المحكمة الدستورية التي لم تَر النور بعد.

وعليه، من الضروري إنشاء الهيئتين ثم إثر ذلك يكون عرض المبادرة التشريعية على البرلمان. أما في ما يتعلق بالمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى في ذاتها، يظل الفصل بين مسارين إثنين حاسماً. المسار الأول فكري وتقوده النخبة بمختلف توجّهاتها ضمن جدل له أوجهه الأكاديمية والمجتمعية، أما الثاني فسياسي وتشريعي يكون لاحقاً وليس سابقاً للمسار الفكري.
_________________
* كاتب وشاعر من تونس

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

تونس وشبح التفكيك الناعم في سوق الحرية والمساواة

    أغسطس 29, 2018   No comments
 صلاح الداودي*

يكمن الوهم الكبير في ادّعاء أن دستور تونس الجديد المُتشكّل من خليطٍ هجينٍ من عدّة مرجعيات مركّبة على بعضها البعض، قد حسم الجدل في عدّة قضايا ومن أهمها قضايا السيادة والاستقلال والهوية والعدالة، في حين أن الواقع يثبت في كل مرة أنه ما من قضية خلافية تُذكَر إلا ويصبح اختراق وتجاوز الدستور أمراً واقعاً ومن الجهتين إن كانتا حكماً ومعارضة أو كانتا "النهضة" أو"النداء". تكمن المُغالطة الكبرى في ادّعاء أن المسار الانتفاضي المُنقلب عليه أثناء وما بعد سنة 2011 كان حصراً وأولوياً من أجل الحريات كما أراد
ويريد التيار النيوليبرالي الموجّه لتونس بالإملاءات والمُهيمن عليها ثقافياً بواسطة هيمنته على نخب الاستعمار السياسية والفكرية. والحق أن  أول وأعمق ما قامت عليه الحركة الانتفاضية وتاريخها، كان ضد التبعية الاقتصادية والظلم الاجتماعي تحت ضربات تسلّطية حديدية تمنع الحقوق وتعدم الحريات، ولا تعترف بكل مستويات المساواة بسبب النظام الأمني والاقتصادي على وجه الخصوص ونظام الحُكم بوجهٍ عام.
ليس علينا عندما نعالج قضايا وطنية مصيرية في سياق الأزمات المركّبة خاصة، ليس علينا أن نرهن أوطاننا وشعوبنا للدوائر الأيديولوجية المُغلقة والحلقات السكتارية المُفرغة، والتوجيه الخارجي لرُعاة دوليين ماليين بلا همّ ولا رحمة. وليس علينا أن نستسلم لنزوات استعراضية لبعض الأفكار الوجودية النمطية لإثارة الإعجاب لدى البعض وإثبات النسب العقائدي السياسي لدى البعض الآخر.

لذلك يتوجّب أن نعاود التنبيه إلى خطورة التحشيد الإنتخابي-الأيديولوجي الأعمى من دون وعي عميق، والتحذير من الخوض العشوائي في موضوع الحريات والمساواة من دون رؤية فكرية ثابتة ومن دون تنزيل سياسي مناسب ومن دون تفكير في الأفق الإستراتيجي الذي ستلتئم أو تصطدم فيه الدولة والمجتمع والأفراد، زيادة على الآفاق الإقليمية والدولية المحفوفة بصراع إدارة الفوضى وإعادة تشغيلها في كل مكان. والحال، وبكل تكثيف، إننا نعيش تونسياً قلباً للآية تشريعياً وسياسيا حتى يختزل كل الأمر في الخوض الشكلاني في الشكليات، ومنع تنفيذ النموذج السيادي الذي يبُدع تحقيق الأهداف الوطنية والاقتصادية والاجتماعية في المجالات العامة والشخصية كلها.
نحن على قناعة تامة أن أمراً حساساً مثل تقرير الحريات والمساواة لا يحسم إلا في الوعي وضمن الرؤية الوطنية الإستراتيجية الشاملة لرسم مسار ومعالم استكمال التحرّر، وخطط الانعتاق الثوري والبناء المستقل والسيادي الذي يضع نُصب عينيه كل المجتمع وليس بعض فئات المجتمع، ومستقبل أجيال تونس وليس بعضهم وحسب توازن استراتيجي وطني ومجتمعي متكامل، وليس حسب مزاج أحدنا. كما إننا على قناعة واثقة أن الأسلم والأحكم والأقوم والأعدل هو حسم الخلافات على قاعدة الاختيار الحر والتدريجي والمنصف، وليس بالتدافُع وعلى الهوى بإلهاب سوق الأهواء المُستعرة بمقتضى مقولات غرائزية ومزاجية وسوقية، وموغلة في الفردانية والعدوانية مثل مقولة الشبيه المستوحشة ومقولة الغريب المتوحشة.
في الواقع، نحن لسنا حضارة خاصة مقتطعة من كل جذورها ومن كل المتغيّرات والمآلات، ونحن لسنا قطعة من أمّةٍ تذهب إلى مزيد التقطّع وترنو إلى مجتمع معلّق على حبال أفراده كل يقطع منه ما يريد ومتى يريد. وفي الحقيقة، نحن لا نطمح أن نكون حديقة خلفية للاتحاد الأوروبي ولا مجرّد ملهى ليلي لإمارات ومملكات ومشيخات الخليج. كما ولا نظن أن غالبية مجتمعنا عازمة بحق ووعي على تحويل نفسها إلى مجتمع شُذّاذ آفاق لا يجمعها إلا عقد تبعية متعدّد التبعيات ، أو عقد إرهاب وفساد مُتعدّد المُشغّلين يحطّم أية إمكانية لنهوض مشروع وحدة المصير، والاندماج والتعاون والشراكة الإستراتيجية لا الإلحاق القسري المعولم لبعضنا ، والشتات العالمي لمن سوف يتبقّى منا في لعبة التفكيك الناعم والصلب.  

وعلى ذلك نرى أنه علينا مواجهة أي مشروع فئوي وقُطري محلي تابع بصيغته المعولمة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتجريبي مختبري بصيغته العولمية الثقافية والقانونية، وهنا الفرق الفارق بين من لديه مشروع وطني جامع يمتد إلى أبعاده العروبية والإسلامية والعالمية الإنسانية التحرّرية والثورية ومن لا ينظر إلا من ثقب نفسه الفردية ومن يشبهها.
إن ما يحدث في تونس هذه الأيام من تخبّط وتمزّق وصراع للأحقاد سيجعل مع مرور الوقت من المجاميع المحلية اليسارية الليبرالية الملوّنة على مستوى الهوّة الهويّاتية الوطنية في السياسة والمجتمع، أشبه بما يُسمّى اليمين في أميركا الجنوبية من دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بالأجندات الأجنبية الاستخباراتية، وسيجعل من مجاميع البورقيبية الدستورية أشبه ما يكون بمجاميع الأقليات في أوروبا وأميركا من دون أن تكون بالضرورة من دون غالبيات انتخابوية، وسيجعل من مجاميع الإسلامويين شعوباً على طريقة توزّع الإخوان المتأسلمين في تركيا والأردن وغيرهما. وسيلتقي الجميع ضد نواة التيار الوطني المقاوِم الذي يرفض فصل المجتمع عن نفسه وعن تطوّره التفاعلي الذاتي الحر والمستقل، ويرفض فصل المغرب العربي عن محيطه ويرفض التفريط في تونس لفلسفة مجتمع وسياسة وفلسفة قانون واقتصاد وأمن نيوليبرالية تهدف إلى اللامساواة والانتداب الناعم وإدامة الوصاية والاستعمار والقضاء على الدولة وتعويضها بتوحّش سوق رأس المال المعولم والتابع. ويلتقي الجميع من حيث يريدون أو لا يريدون  ضد وطنهم قبولاً أو صمتاً في كل قضايا السيادة الوطنية وعلى رأسها النظام الاقتصادي والعقيدة الأمنية والتطبيع مع العدو والعدالة التوزيعية الإنمائية، وبالتالي كل مستويات الحقوق والحريات والمساواة.
________

* كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.

الاثنين، 6 أغسطس 2018

مسارات خطاب حركة النهضة التونسية منذ تأسيسها

    أغسطس 06, 2018   No comments

 محمد محمود مرتضى -- باحث وأكاديمي لبناني

مسارات خطاب حركة النهضة التونسية منذ تأسيسها ( حركة الاتجاه الإسلامي) وخطاب قياداتها الأوائل المُتمثّلة براشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر، تشير إلى تغييرات جذرية تتعلّق بأدبيات المؤسّسين، سواء منها الأدبيات الدينية أو السياسية. على أن التغيير الأكبر الذي طرأ على خطاب الحركة جاء بعد ثورة ك1/ ديسمبر 2010.

لقد كان الانعطاف الكبير في تاريخ الحركة هو فوزها في انتخابات تشرين أول/ أكتوبر 2011، لكن ذلك لم يمنعها من مشاركة الحُكم في إطار ما عُرِفَ بالترويكا ضمن حكومتين مُتعاقبتين هما حكومتا حمادي الجبالي وعلي العريضي القياديان في حركة النهضة، حتى انتخابات تشرين أول/ 2014، حين حلّت الحركة بالمركز الثاني وشاركت في حكومة الحبيب الصيد ويوسف الشاهد(الحالية).

قد يُرجِع البعض تطوّر الخطاب "النهضوي" لما شهدته الساحة العربية من تطوّرات، وعلى رأسها السقوط المدوّي للإخوان المسلمين في مصر، وأن التطوّر "المزعوم" اقتضته ضرورات ما بعد "السقوط الاخواني المصري" لا "القناعة النهضويه"، إلا أن هذا الادّعاء، على فرض صحّته، يصبّ في مصلحة النهضة لا ضدّها؛ لأنه يُشير إلى قيام الحركة بتقديم المصلحة التونسية على حساب المصلحة الحزبية، وأن هذا "التجديد" في الخطاب قد أنجى تونس من السقوط. وإن كان يحلو للبعض القول إن تونس ربما نجت من السقوط في الفوضى الأمنية لكنها لم تنجُ من السقوط الاقتصادي، فإنه من الموضوعية بمكان عدم تحميل هذا السقوط الاقتصادي لحركة النهضة، وأن ما تعانيه تونس تعود جذوره لحقبة ما قبل "الثورة"، وإن كان أداء ما بعد "الثورة" لم يكن مُلائماً ولا هو ينسجم مع تطلّعات الشعب التونسي وطموحاته، لكن ذلك لا تتحمّله حركة النهضة، كما لا يعفيها من ضرورة لعب دور إنقاذي أكثر مما تقوم به الآن، ولا يعفيها أيضاً من أنها ترتكب نوعاً من "المبالغة" في "لبرلة" ( من الليبرالية) الخطاب الاقتصادي لا سيما المتعلّق منه مع الغرب وأدواته الاقتصادية والمالية. ومع ذلك فإننا لا يمكننا تحميل الحركة وحدها مسؤولية "السقوط" الاقتصادي خاصة وأن الكثير من المُنتقدين لم يقدّموا حلولاً أو برامج اقتصادية واجتماعية إنقاذية بقدر ما قدّموا خطابات وشعارات ، تُذكّرنا بمرحلة بائِدة من الجماعات التي أغرقت الساحة في متاهات الجدالات المفاهيمية والاصطلاحية البعيدة عن الحلول العملية والواقعية.

وبالعودة إلى "الخطاب النهضوي" فإنه يُسجّل للنهضة تطوّر خطابها السياسي الواضح والذي لم يقتصر على الخطاب بل تعداه إلى الفعل، وقد برز ذلك في قبولها للآخر ومشاركتها للحُكم معه بل وعدم ترشيح أحد قياداتها للرئاسة التونسية ( رغم الاحتمال الكبير في قدرتها على إيصاله) رغم حقّها في ذلك، أسوة بأيّ حزب أو شخصية تونسية.

كما لا يمكننا أن نمرّ مرور الكِرام على قيام رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي على الترحّم على الرئيس الراحل "الحبيب بورقيبة" (مع ما يعنيه ذلك في الأدبيات الإسلامية) والذي وإن كان رمزاً من رموز مقاومة الاستعمار إلا أنه أيضاً رمز من رموز "علمَنة تونس".

وفي المقابل، يعمد "بعض العلمانيين" لتوجيه النقد بشكلٍ عشوائي لحركة النهضة في خطاب لا يقلّ إقصائية عن الخطاب "الإسلاموي المُتشدّد". ولئن كان هؤلاء يحملون على  كل "الإسلام السياسي" بأنه إقصائي ( ولا نوافق على التعميم)، فإن أداء هؤلاء "العلمانيين" ليس بأفضل حال.

إن مقتضى الموضوعية، بل والحنكة السياسية، هو في شدّ اليد والثناء على تطوّر خطاب "النهضة" لا التشنيع عليه، ودفعهم نحو المزيد منه لا ممارسة الابتزاز معه.

والحقيقة إن حركة النهضة في وضع لا تُحسَد عليه، فهي تقع بين سندان "بعض مُتطرّفيها" ومطرقة بعض "العلمانيين". ففيما بعض "الداخل الحزبي" يتّهم قيادته بازدياد منسوب الخطاب الليبرالي عنده، يتّهمها بعض "خارج الحزب" بالسعي "لأسلَمة تونس" بناء على إرث أدبي قديم يعود لفترة "الخطابات الثورية" في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

فلنقلها صراحة وبكل شفافية، إن نجاة تونس وكل العالم العربي إنما تكون بنبذ الخلافات والتوحّد حول مشروع إنقاذي واحد بعيد عن إملاءات الغرب وشروط البنك الدولي، و"إصلاحات التخريب" لصندوق النقد الدولي، والعمل على إنتاج مشروع وطني سياسي- اقتصادي- اجتماعي، وتونس، بلا شك، لديها الكفاءات والعقول القادِرة على إنتاج ذلك. ولتكن المحاسبة على أساس الخطاب والسلوك الحاليين لا أدبيات الماضي "الثورية"؛ لأن العودة إلى "أرشيف" كل حزب أو سياسي سيجعل الجميع، ربما، تحت مقصلة الاتهام، ولن ينجو من هذه المقصلة أحد.

وعلى أية حال، إن كان لا بدّ من محاولة لتشبيه وضع حركة النهضة مع بعض معارضيها، فإنه سيكون مع وضع هذه المقالة، والتي وإن كانت لن تنجو من نقد بعض قواعد "حركة النهضة" لأنها ستعتبرها تحتوي على نقدٍ مُبطّن ، فإنها لن تنجو أيضاً من مُعارضي النهضة لأنها ستعتبرها دفاعاً عنها. والحال إنها مجرّد رأي ليس دفاعاً عن النهضة ولا هجوماً.

الأربعاء، 13 يونيو 2018

تونس تعلن رسمياً عن النتائج النهائية للانتخابات البلدية.. وتصدّر قائمات المستقلين تليها حركة النهضة الإسلامية وحركة نداء تونس بالمركز الثالث

    يونيو 13, 2018   No comments
أعلنت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات البلدية بعد ان صادق مجلس الهيئة خلال اجتماعه أمس على القرارات النهائيّة لنتائج الانتخابات البلدية بـ 28 دائرة انتخابية.

وقد أقرت المحكمة الإدارية جميع النتائج التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وأعلن محمد التليلي المنصري ان اكثر عدد من الطعون تقدم به حزب نداء تونس وهو 11 طعنا في الطور الابتدائي و20 طعنا في الطور الاستئنافي ثم الحبهة الشعبية تقدمت ب 5 طعون وحركة النهضة ب 3 طعون، أما القائمات المستقلة فتقدمت ب 14 طعنا في الطور الابتدائي وطعنان في الاستئنافي.

وقدرت نسبة المشاركة في التصويت بـ 35.6% ، وأحتسبت 35753 ورقة بيضاء، و71517 ورقة ملغاة و1806969 عدد الاصوات المصرح بها.

في حين سجلت أعلى نسبة مشاركة بولاية المنستير ببلدية مزدور ومنزل حرب واقل نسبة مشاركة ببلدية حي التضامن باريانة، وقد تحصلت 93.5 % من القائمات المترشحة على مقاعد، و115 قائمة تحصلت على اقل من 3% من الاصوات.

وفي ما يلي التوزيع النهائي للمقاعد: 

القائمات المستقلة 2373
حركة النهضة 2193
حركة نداء تونس 1600
الجبهة الشعبية 261
التيار الديمقراطي 205
مشروع تونس 124
حركة الشعب 100
افاق تونس 93

في حين بلغت نسبة الفائزين بمقاعد من الذكور 53% ، و47% من الاناث، فيما بلغت نسبة رؤساء القائمات من الذكور الذين تحصلوا على مقاعد 70 بالمائة، مقابل 30% فقط من النساء.

الخميس، 15 فبراير 2018

هيثم مناع - الأمين العام للتيار الوطني يتحدث عن سوريا وتركيا والكرد

    فبراير 15, 2018   No comments




كمال خلف: سلام الله عليكم مشاهدينا. عُقد مؤتمر سوتشي للحوار السوري وخرج بنتائج يُنتَظَر أن تتحقّق على أرض الواقع دفعاً للحلّ السياسيّ المنشود. إلا أن المقاطعين تمسّكوا بمسار جنيف وحده لا شريك له، فما إمكانية تطبيق مقرّرات المؤتمر في ضوء هذا الإنقسام حوله؟ ليس على مستوى المعارضة فقط وإنّما على المستوى الإقليمي والدولي، إذ تقف الولايات المتّحدة وحلفاؤها في المنطقة ضد مرجعية سوتشي. في المقابل ينفجر الميدان وتُنهي القوات التركية شهرها الأوّل تقريباً في محاولة السيطرة على عفرين. يقع الكرد في حيرة الخيارات فهل تخلّت عنهم أميركا وهل خذلتهم روسيا وكيف سينخرطون في مسارات الحل لتحديد وضعهم في مستقبل البلاد؟

وفي أقصى المشهد يقبع الجزء القبيح، هو جزءٌ يُعلن عن نفسه بوقاحة المستقوي بالعدو المُندفع لخدمة إسرائيل علناً، مَن هو ومَن وراءهم وما مصيرهم؟

هذه المحاور نطرحها في حوار الساعة الليلة على القيادي في التيار الوطني السوري الديمقراطي المعارض وعضو رئاسة مؤتمر سوتشي للحوار السوري، المعارض البارز الدكتور هيثم منّاع.

دكتور أسعد الله مساءك بدايةً.



هيثم منّاع: مساء الخير أخي لك ولكل المشاهدين والمشاهدات.


كمال خلف: حيّاك الله، نبدأ من سوتشي دكتور هيثم حيث تمّ انتخابك في رئاسة هذا المؤتمر وخجر هذا المؤتمر بقرارات وبتوصيات، ما تمّ التسليط الضوء عليه هو لجنة تتعلّق بإعادة صياغة الدستور. دي مستورا يقول دكتور منّاع بأنه سوف يكون مشاركاً في اختيار خمسين عضواً من تلك اللجنة، كما سيتمّ الإختيار من قبَل تركيا وروسيا وإيران. اليوم الخارجية السورية ردّت وقالت دي مستورا ليس له علاقة بالموضوع. هل يمكن أن توضّح لنا هل هناك سوء تفسير، سوء تقدير، ماذا جرى بالضبط ولماذا هذه التصريحات المتضاربة؟


هيثم منّاع: أنا أعتقد بأن سوتشي الذي انعقد يختلف عن المشروع الذي طُرح بدءاً من الطرف الروسي، ولحصن الحظّ أن الطرف الروسي قد استمع للملاحظات السورية من مختلف الأطراف وطلب منّا أن نكتب مسودّة البيان الختامي وقدّمنا أول نسخة لهذه المسودّة وتمّ نقاشها من الحكومة السورية وأيضاً من الدول الثلاث الراعية وتمّ التوافق على الصيغة التي تعرفونها والتي تمّ إقرارها في المؤتمر.
هذه الصيغة النهائية التي أُقرَّت تنصّ صراحةً على مسألة أساسية هي أن سوتشي ليست عزفاً منفرد، ليست كما يفعل الأميركي الآن بقراراته حول الشمال السوري مثلاً، وإنّما هي في إطار القرارات الأممية وتسعى لأن تحقّق إختراق بالعملية السياسية لأنها كما ذكرنا قبل سوتشي هي في غرفة العناية المشدّدة وتحتاج حقيقةً الى منشّط أو شيء يفتح أبواب عوضاً عن الإنغلاق الذي عشناه لأربع سنوات وليس فقط لجولتين أو ثلاث.
وسوتشي إن كان لها شيء قد حقّقته فهو أنها في ثمان ساعات حقّقت ما لم يتحقّق في ثمان جولات، وفي الأربع ساعات الأخيرة تحقّق ما لم يتحقّق في أربع سنوات، فتحنا الباب أمام إحدى السلال الأساسية في قرار مجلس الأمن وهي السلّة الدستورية ووجدنا الصيغة المُثلى لكي تسير هذه اللجنة الدستورية الى الأمام وبسرعة بحيث أنه لن تكون هناك جلسة لمفاوضات قبل إتمام هذه المهمّة، وهذا عمل شاقّ وعلينا كسوريين..


كمال خلف: وصلنا الى نقطة الإجابة، هذه اللجنة مَن سيختارها؟ دي مستورا له علاقة باختيارها أو لا كما قيل اليوم؟


هيثم منّاع: نحن قدّمنا قائمة من ٢٠٠ اسم الى المبعوث الدولي للأمم المتّحدة ليأخذ أيضاً بعين الإعتبار أن مَن حضر لا يمثّل كل السوريين، نحن كنّا ١٣٠٠ اختارتهم الحكومة السورية بشكل صريح وواضح، ٢٠٠ مُنعوا من المشاركة تمّ اختيارهم من أحزاب ليست مرتبطة بالسلطة السورية، بعضها مرخَّص ولكن أيضاً لم يُسمَح له، عشرون من تيّار قمح لم يُسمَح لم بمغادرة البلاد، الى آخره، فكنّا ١٠٥ محسوبين من المعارض مقابل ١٣٠٠، لا يوجد نسبة أكبر من تلك يمكن أن يحصل عليها النظام، ووصلنا الي توافق على أن الرئاسة تقرّر الصيغة وتُبدي فيها بعد نشر هذا البيان الختامي بأنه كان هناك تحفّظات، تقول للعالم فعلاً كانت هناك تحفّظات لأن هناك مَن صوّت ضد بعض الفقرات ولكن النتيجة النهائية كانت تبنّي هذا البيان الختامي الذي ينصّ على تسليم هذا الملفّ للأمم المتّحدة للمبعوث الدولي ومتابعتنا له وتقديمنا له قائمة، ويقوم المبعوث الدولي، وهذا ما قام به فعلاً، بالتواصل مع الهيئة التفاوضية لكي تنخرط في هذا العمل. الهيئة التفاوضية أعربت عن إرتياحها لنتائج المؤتمر واستعدادها للتعاون، وجاءت الى جنيف وسمعت بشكل وافر ما جرى وسمعت أيضاً منّا ما جرى وأيضاً استقبلوا عن السيّد دي مستورا بسبب السفر، استقبلوا إثنين من فريقه وتمّت مناقشة كيف يتمّ ما عليهم من أجل ذلك.
اليوم نحن نُفاجأ بأن الخارجية السورية تقول بأنها ليس لها علاقة بهذا القرار. ١٣٠٠ الذي اجتمع فيهم في الأوبرا هو الوزير المعلّم وليس السيّد رياض الترك أو هيثم منّاع أو .. هم الذين اختاروهم، هم الذين أعطوهم التعليمات.


كمال خلف: بيان الخارجية السورية يقول ما يلي، يُحمّل دي مستورا وواشنطن بأنهما يسعيان لسحب مخرجات مؤتمر الحوار في سوتشي والتعتيم عليه وأن سوريا لا تعترف إلا بما تمّ التصويت عليه في سوتشي.


هيثم منّاع: يا أخي أنا صوّت الظهر وكنّا ضد التصويت وطرحنا بأن التصويت لا يمكن أن يكون عادلاً لأن التمثيل غير عادل وغير واقعي، لذا يجب أن تكون القرارار بالتوافق، وعدنا الى مبدأ التوافق، والرئاسة طلبت من المؤتمر تسليمها البيان الختامي لكي تُصدره هي خارج التصويت، وانتهت المسألة.
ما جرى في الصباح اتّفقت الرئاسة والرئاسة فيها ستّة من مكوّنات أساسية في الحكومة وحلفائها، وبالتالي كانوا موافقين ورئيس الجلسة هو الذي أعطاني الحديث لكي أشرح ضرورة أن يكون القرار بالتوافق وبهذه الطريقة، مشكوراً، وتمّ التوافق على كل ذلك ولم تقم الناس وتعترض، قامت إثنتان اعترضتا على ذلك من أصل ١٣٠٠ أو ١٤٠٠، هذا عدد لا يُذكَر، وتوقّف الأمر هنا وتمّ الإقرار لهذا النصّ كما هو. بالتالي نتائج المؤتمر وما صدر عنه تمّت بهذا الشكل ولا يحقّ لأحد أن يقول لا، الظهر الناس اتّفقت أن تُلغي الفقرة الفلانية، انتهينا، المؤتمر حتى آخر لحظة فيه، وأنا كنت حتى آخر لحظة، حتى أنني أضعت البرنامج الذي كان مُتَّفَق عليه معكم بسبب أنني كنتُ أتحدّث في تلك اللحظة.

فهذه أمور لا يمكن للحكومة السورية أن تتهرّب منها وأتمنى حقاً أن يكون هناك توجيه رئاسي لهذا الأمر لأن مؤتمر الحوار الوطني شئنا أو أبينا، رغم كل الشبّيحة ورغم كل شيء هو أوّل إجتماع لهذا العدد من السوريين وهذه المروحة فعلاً التي تشمل ممّن كانت لديه في الدم، حتى أكثر السلميين تعصّباً كما يُقال. جلسنا مع بعض وتصايحنا وصفّرنا وصفّقنا لبعض ثمّ وصلنا الى نتيجة وكان نصر حقيقي.


كمال خلف: دكتور الآن السؤال كان مباشرةً بعد سوتشي ولا زال هذا السؤال أن سوتشي هي ستكون مسار شبيه ينضمّ الى مسارات أخرى كأستانة وجنيف أم أن سوتشي هو محطّة ستُنقَل إليه النتائج فيها الى جنيف كما قال المبعوث الدولي وانتهى موضوع سوتشي؟ هل سيكون هناك سوتشي إثنان، دمشق واحد؟ كل هذه أسئلة طُرحَت بعد سوتشي مباشرةً.


هيثم منّاع: وأنا أقول لك أخي كمال بكل وضوح، هذه الكلمة طُلب منّا ألا نذكرها للإعلام، قلت لهم أنا غير سائل، أنا سأذكر للإعلام فنحن لا نضحك على الناس. سوتشي مسار ولكن هذا المسار تكملي ولتحريك وتفعيل وتنشيط مسار جنيف وليس لخلق صراعٍ بين مسارين وانفصام بين مسارين لأن في هذه الحالة كلا المسارين سيفشل. من هنا نحن حرصنا على التكامل، علي التنسيق، أنا بعد مقاطعة سنتين قبل أن أذهب الى سوتشي ذهبت للقاء السيّد دي مستورا وفريقه كاملاً وتناقشنا في كل التفاصيل، لماذا؟ لأننا حريصون على تكامل المسارات. نحن اليوم نقول لتليرسون وترامب أنكم أنتم الآن تمزّقون الوحدة السورية والعملية السورية بالعزف المُنفرد والقرارات السورية التي تتّخذونها، الأمر نفسه سأقوله لأي طرف آخر يحاول أن ينفرد لوحده بالحلّ السياسي لأن هذا كأنه ينفرد عسكرياً، هذه لم تعد سياسة. نحن عندنا فقرة أساسية بالقرار ٢٢-٥٤ إذا حدث إشكالات يكون المرجع مجموعة العمل، إذاً مجموعة فيينا كاملةً، أي واحد منهم يضارب على الثاني ويضعنا نحن الدم السوري والبناء السوري والمستقبل السوري رهينةً نرفض ذلك منه.


كمال خلف: المقاطعون لسوتشي هل لديهم قدرة على فرملة النتائج التي خرج بها هذا المؤتمر؟


هيثم منّاع: المقاطعون لسوتشي وأتحدّث معك بكل صراحة ووضوح، يتابعون معنا خطوة خطوة وننسّق معاً، سوريا أكبر، ومستقبل سوريا أكبر من أي خلاف سياسي وأي مصلحة شخصية أو مصلحة حزبية، هذه مسألة فيها مستقبل سوريا.


كمال خلف: أي أن الكل دكتور يعترف بنتائج سوتشي؟ كل أطياف المعارضة؟


هيثم منّاع: الكل سعيد بنتائج سوتشي والكل أعرب عن استعداده..


كمال خلف: حتى مَن قاطع.


هيثم منّاع: أنا أقول لك ليس العشرة الذين صوّتوا في الهيئة من أجل الحضور وإنّما كل أعضاء الهيئة رحّبوا بمخرجات المؤتمر وأعربوا للسيد دي مستورا عن إستعدادهم للتعاون الكامل.
إذاً الآن الطابة في ملعب الحكومة السورية وهي التي فعلاً فاجأتنا اليوم بهذا الموقف الغريب الذي يدلّ على أنها لا تريد لأيّ مسارٍ أن يتحرّك.


كمال خلف: دكتور اسمح لي أن أنتقل من سوتشي الى العملية العسكرية التركية في عفرين وموضوعات أخرى أيضاً. العملية العسكرية في عفرين تقترب من شهرها الأول تقريباً، نحن اليوم في اليوم ٢٥، بتقديرك دكتور منّاع الكرد أخطؤوا في خياراتهم وتحالفاتهم وهل هناك فرصة لتراجعهم وكيف؟ ومعضلة الكرد أساساً في الحل السياسي تقف عند الفيتو التركي الذي هو أحد الضامنين في أستانة والراعين لسوتشي والى آخره، كيف سيتمّ حل هذه المعضلة؟


هيثم منّاع: أولاً أرجو التصحيح أخي كمال، ليس الكرد وإنّما التيار الأوجلاني أو حزب الإتّحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، لأن الكرد أولاً لديهم أكثر من ٤٦ حزب سياسي.


كمال خلف: لكن تعرف دكتور أن هؤلاء المُسيطرين، أي أنهم مَن يسيطرون على الأرض الآن.


هيثم منّاع: نحن في تيار قمح لدينا ٢٠٪ كرد، أكثر من نسبتهم في المجتمع السوري، هم ١٠٪ في المجتمع السوري، نحن لديها ٢٠٪، فلا يدّعِ أحد ويقول أنا الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الكردي، نحن وهم كنّا سوياً نقول للإئتلاف اسحبوا لنا هذه الأسطوانة، وكنّا نقول للنظام الغِ المادة الثامنة من الدستور، وكنّا نناضل مع بعض من أجل ذلك، فلا يلعبوا هذه اللعبة ويدخلون في هذا النفق. هذه أول نقطة.
أظن بأن الأخوة الكرد في حزب الإتّحاد والإدارة الذاتية ارتكبوا خطأً جسيماً بعدم الموافقة على خروج المسلّحين من عفرين وتسليمها للشرطة السورية. الإتّفاق الروسي كان يقول بتسليمها للشرطة السورية، الشرطة السورية هي أخي وابن عمّي وابن عمه وابن عم ذاك، هي لا للنظام السوري ولا للمخابرات السورية ولا تمثّل حزب البعث، فما معنى أن يرفضوا ذلك إلا أنهم يرفضون مؤسسات الدولة؟ فهذا الخطأ أظنّ أنهم سيتحمّلون مسؤوليّته ولذلك هم شركاء في الدمار والجرائم التي تحصل في حقّ أبناء عفرين، أبناء الشعب السوري في عفرين. كان عليهم أن يقبلوا ذلك لأنهم لو وافقوا على الإقتراح الروسي ليس هناك ذريعة للطلب التركي بأن يدخل وليس بإمكانه أن يدخل، كان هناك روس في عفرين ما كانوا انسحبوا.

أنا أتحدّث عن عفرين، نصل الى الولايات المتّحدة والطرف الآخر. في الطرف الآخر شرقي الفرات يوجد مشروع أميركي وليس مشروع أوجلاني أو مشروع كردي، هذا الشروع قد يؤدي الى تقسيم سوريا وهنا المشكلة مختلفة تماماً. أنا أشعر بالألم، أنا كتبت عن الأوجلانية وأجريت دراسة عن مرافعات أوجلان أمام المحكمة وأيضاً المرافعة التي قُدّمَت للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي هذه المرافعة أكثر من ١٤٠ صفحة حول الدور الأميركي المخرّب للقضية الكردي ولقضايا الشعوب وللجرائم بحقّ الشعب الكردي بكل مكوّناته. اليوم كل هذا يرمونه في البحر ويعتبرون الطرف الأميركي هو الطرف الثقة ويتعاملون معه ويُقيمون له القواعد العسكرية. يا عمي أنتم تقولون لنا كل كلمتين القائد أوجلان، القائد أوجلان يقول غير ذلك، أنتم ماذا تفعلون بالناس.
فهناك مشكلة حقيقية نقولها بصراحة.


كمال خلف: وجهة النظر الكردية تقول أنهم كانوا مضطرين للإعتماد على الولايات المتّحدة في حين كان هناك فوضى في سوريا واقتتال داخلي وداعش وكذا، فهم لم يجدوا إلا الولايات المتّحدة.


هيثم منّاع: نحن كنّا في البدء متحالفين عرباً وكرد ضد داعش وضد الديكتاتورية وضد الفساد وكل هذه المعارك، وأنا كنتُ أول رئيس لمجلس سوريا الديمقراطية، لماذا قدّمت استقالتي؟ لأننا بدأنا بعزف منفرد خارج نطاق مخرجات القاهرة والميثاق الوطني الذي وقّع عليه صالح مسلم والآخرين. عندما خرجوا من نطاق الميثاق الوطني السوري وعقدوا اجتماع الفدرالية قدّمنا استقالتنا وانسحبنا.
النقطة الثانية الخلافية أنهم سلّموا رقابهم للأميركي، لا أحد يسلّم رقبته للأميركي.


كمال خلف: الآن هناك حل سياسي، محاولات للحل السياسي، لقاءات، حوارات، مفاوضات، مسارات، الى آخره، هنا في شرق الفرات في المنطقة التي تُشير إليها دكتور يوجد قواعد أميركية، المنطقة تعرف أنها غنية بالنفط والغاز وحتى بالثروات الطبيعية، القطن ولقمح والى آخره، وتجلس الولايات المتّحدة في هذه المنطقة، والممثّلون عن الكرد في هذه المنطقة مغيَّبين عن مسارات الحل السياسي، إذاً هنا ما التصوّر، ما هو تصوّرك دكتور هيثم لمنطقة شرق الفرات طالما أن قسد غير ممثّلة في الحوار والولايات المتّحدة جلست في هذه المنطقة وتقول أنها ستبقى فيها فترة طويلة، هل فعلاً نحن أمام سيناريو تقسيم خطير وما هو التصوّر للخروج منه سواء كان على طاولة التسوية أو حتى في الميدان؟


هيثم منّاع: أخي كمال للتاريخ أريد أن أسجّل نقطة هنا، أنا انسحبت من مباحثات جنيف لأنه وُضع فيتو على ستة أعضاء من حركة المجتمع الديمقراطي وحزب صالح منهم، انسحبت من المباحثات، ومَن الذي منعهم من الحضور؟ مَن الذي فرض الفيتو؟ الطرف الأميركي جاء، راتني ومساعده واجتمعا بصالح مسلم في لوزان وأقنعاه بأنكم في الجولات القادمة، الطرف الأميركي هو الذي كان حريص على عدم حضورهم في الرياض وعدم حضورهم في مباحثات جنيف، والطرف الأميركي نفسه هو الذي حاول معي قبل أن أجتمع بجاتيلوف ويحاول معي نفس المحاولة، أنه يا عمّي نحن أقنعنا صالح مسلم فأنت احضر المباحثات، ما دام صاحب القضية راضٍ وفهم موقفنا. فالطرف الأميركي هو الذي أبعدهم عن هذه العملية. اليوم يستغلّ عملية الإبعاد هذه ليحوّلها الى مظلومية، لا ليس هكذا.


كمال خلف: دكتور سنُكمل في هذا الموضوع لكن أنا مضطر للذهاب الى فاصل قصير، بعده مباشرةً نواصل هذا الحوار. ابقوا معنا.


فاصل


كمال خلف: تحيّة من جديد مشاهدينا في حوار الساعة، هذه الليلة نستضيف فيها القيادي البارز في المعارضة السورية وعضو رئاسة مؤتمر سوتشي دكتور هيثم منّاع.
دكتور هيثة فقط في دقيقة لنقدّم خلاصة في ما قلناه خلال القسم الأوّل من هذه الحلقة، في ما يتعلّق بالولايات المتّحدة والكرد، الكرد أخطؤوا في خيارهم بالتحالف مع أميركا، أميركا لم تسمح لهم بالمشاركة في الحوار وها هي تجلس الآن شرق الفرات وتريد أن تُبعد كل المسألة عن الحلّ السياسي. ما هو تصوّركم؟ أي خلاصة بدقيقة، التصوّر لهذا الوضع القائم، أميركا وشرق الفرات والكرد ومستقبلهم في الحلّ السياسي السوري.


هيثم منّاع: إلا ورقة تجيب على سؤالك تماماً، عقدت إجتماع واشنطن الخماسي وهو الإملاء للمكوّنات بما فيهم الفرنسية، لا يستطيع الفرنسي والبريطاني أن يقولا أنهما كانا طرف، هو إملاء لتصوّر، هذه الورقة أنا وصفتها على قناتكم بعاجل أرسله للأخ غسّان بأنها لا تستحقّ الحبر الذي كُتبَت به لأنها مليئة بالتناقضات وتُخرجنا تماماً عن مسار وقرارات الأمم المتّحدة وتعتمد حقيقةً على قيام أقاليم الأميركي يريد منها أن يكون لدينا إقليم له الصلاحية في طلب مساعدة خارجية. إذاً نحن لسنا فدرالية، بل كونفدرالية في سوريا ستحصل، لأجل تشريع وجوده في سوريا كما أنه يحقّ لإقليم كردستان.. في إقليم كردستان اليوم عندنا في السليمانية قاعدة عسكرية أميركية وفي أربيل قاعدة عسكرية أميركية، القاعدتان بموافقة برلمان الإقليم وليس الدولة المركزية، هم يريدون إجراء نفس العملية بحيث يحقّ لمجموعة أن تجري إنتخابات ويقولون هذه إنتخابات هذا الإقليم أو شمال سوريا ومن قراراته وجود هذه القواعد لحماية الشعب من داعش ومن كذا وكذا. هذا الكلام الفارغ بالنسبة لنا هو تمزيق لسوريا وخلق دويلة غير قادرة على الحياة ولن تدعمها أميركا كما تدعم أميركا إسرائيل لذا ستكون دولة جائعة. من أجل ذلك حاول الأميركان السيطرة على مناطق الماء والنفط والغاز، ونلاحظ بأنهم تدخّلوا بقضية الشاعر وقُتل حوالى ٣٥ مواطن من العشائر العربية بالقصف الأميركي لأنه لا يحقّ لك أن تقترب من هذه المناطق لأنه على الأقل لن ندفع قرش لهؤلاء، لن ندفع لسوريا قرش، عليكم أن تُطعموا نفسكم بنفسكم وتدبّروا أموركم بنفسكم، فخذوا سدّ الفرات وسدّ الطبقة ودبّروا أموركم.

هذا المشروع الذي يعدّه المندوب القادم، وهو من معهد واشنطن ومعروف من الصهاينة الجدد، الذي يريد يأخذ مكان راتني وهو الذي يؤثّر على هذا الوسط الحاكم تليرسون وترامب، الآن يطرح على الطاولة وقالوا لهم نحن عسكرياً نعطيكم نصف مليار أمّا الرقّة الذي أصبح حجر على حجر لا مشكلة اذهبوا الى العرب ليبنوا لكم، اذهبوا الى الكويت أو الخليج. بعد أن تحدّثت بريطانيا أنها ستدفع قرشين انسحبت ولم نسمع أي كلام في هذا الموضوع.

أنا أتمنى على المناضلين الديمقراطيين الكرد الذين ما زال عندهم ثقافة مناهضة الإمبريالية ومعرفة ماذا تفعل الإمبريالية في بلادنا وكيف تعامل مع الشعوب المظلومة أن يفتحوا أعينهم جيّداً، لأن هذا المشروع تدمير لهم، هذا المشروع يعني أن هناك حرب مفتوحة بيننا وبين الجار التركي، أنا معروف موقفي القديم للنظام التركي، لكن أنا دائماً أكرر عبارة أقولها لكل الناس، أنت بثلاث كلمات تُطلّق زوجتك، طالق ثلاث مرّات انتهت، لكن لا تسونامي ولا غيره يغيّر جارك، نحن بحاجة الى علاقة حسن جوار مع كل جوارنا الإقليمي لذا كنتُ أطالب بحضور، عندما وضعوا فيتو على إيران قلنا لهم ادعوا نانسي عجرم الى مباحثات جنيف أو لفيينا، يجب أن يكون الإيراني والتركي. فنحن نريد علاقات جيّدة مع جيراننا، هذا مشروع يعني حرب مفتوحة لعشرين أو ثلاثين سنة بين تركيا وهذا التكوين.


كمال خلف: دكتور أريد طرح أيضاً قضايا أخرى ونقاط أخرى في الحلقة، وكل نقطة نطرحها الآن ربّما تحتاج الى حلقة، موضوع الكرد وشمال سوريا ربّما يحتاج الى حلقة كاملة، أيضاً سوتشي ومُخرجاته والمخاطر التي تتعرّض لها مسارات الحل ربّما تحتاج الى حلقة، ولكن بكل الأحوال إن شاء الله لنا لقاءات مقبلة.
اسمح لي أن أسألك دكتور منّاع حول موقف المعارضة السورية من إسقاط الجيش السوري والدفاعات السورية الطائرة الإسرائيلية، لماذا بقيت المعارضة السورية بلا موقف من هذا الأمر ومَن علّق فردياً من أقطاب المعارضة أو من الشخصيات المحسوبة على المعارضة؟ كان تقريباً القاسم المشترك بين الجميع أن هذه مسرحية.


هيثم منّاع: قبل أن أحضر الى استديو التصوير خالد المحاميد نائب رئيس الهيئة التفاوضية قال إسرائيل عدو ونحن ندين أي ضربة إسرائيلية ويجب الردّ عليها، نحن ننتقد أن النظام يقول بالوقت والزمان المناسبين، فعندما أراد أن يضرب سنقول له لا؟ على العكس من ذلك، نحن نعتبر أن الجيش السوري عندما يقوم بالدفاع عن الأراضي السورية من هذا العدو الصهيوني فهو يقوم بواجبه وبمحبّة كل الناس، معارضةً وموالاةً وكل الناس، كل الشعب السوري يعرف حقيقة إسرائيل وماذا تمثّل وماذا فعلت في المنطقة وكل دورها التخريبي ناهيك عن انتهاكاتها بحقّ الشعب الفلسطيني، فكيف يمكن أن يكون موقفنا مختلفاً؟


كمال خلف:  هذا موقفك ربّما وموقف أيضاً معارضين آخرين. كان موقف الشارع العربي عموماً، ربّما لاحظت دكتور هيثم أن الشارع العربي صفّق للجيش السوري الذي أسقط الطائرة الإسرائيلية رغم أن الشارع العربي لديه آراء واختلافات..


هيثم منّاع: ونحن صفّقنا أيضاً لهؤلاء الأبطال لأن المكان الطبيعي للسلاح السوري هو في مواجهة العدو الإسرائيلي وليس في ضرب الغوطة أو في ضرب إدلب، المكان الطبيعي للجيش السوري هو في مواجهة العدو الإسرائيلي وحماية الوطن، هذه مسألة أساسية لذلك نحن نحيّي أي مواجهة ولا نطلب طيشاً، أي مواجهة عقلانية ومدروسة كما حصل، نحيّيها ونؤكّد عليها، ويجب أن يكون الموقف هكذا، أقولها باسم التيّار الوطني الديمقراطي كله وأيضاً باسم غيرنا لأنني اتصلت مع كل الناس في هذا الموضوع.


كمال خلف: هناك ظاهرة دكتور منّاع، أكيد تلاحظها، وهي اندفاع بعض شخصيات محسوبة على المعارضة باتّجاه العلاقة مع إسرائيل وطبعاً هذا ليس اتّهام، تعرف بالخصومة دائماً يُتَّهَم الطرف الآخر بالعمالة لاسرائيل، لا، هذا ليس اتّهام بل اعتراف وهم اعترفوا علناً والزيارة تمّت وتمّ تصويرها، من كمال اللبواني الى آخرهم عبدالجليل السعيد وغيره. ما خطورة مثل هذه الظاهرة دكتور ولماذا لا يكون هناك موقف حازم من هيئات ومؤسسات وشخصيات المعارضة المعروفة من هكذا أشخاص؟ عندما ذهب كمال اللبواني الى إسرائيل قال أنا في إسرائيل، وعبدالجليل السعيد من بضعة أيام قال إسرائيل ليست عدوّ ولا أعتقد إسرائيل عدو وكنتُ مع المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي ولا مشكلة لديّ. لماذا لا يُؤخَذ موقف من شخصيات المعارضة، من المعارضة مجتمعة أو بهيئاتها من مثل هؤلاء الأشخاص؟


هيثم منّاع: أخي أولاً أودّ أن أقول لك مسألة، عندنا مثل شعبي دمشقي يقول "كل بيت فيه بلّوعة" فأكيد عندنا "بلّوعة" اسمها هؤلاء الناس، لكن هؤلاء قمامة البلد، ليسوا أناس لهم مكانة أو كذا، هم صُنعوا ورُتّبوا وصارت لهم أهمية بمساعدة لوبيات معيّنة الى أن وصلوا الى السطح. ولعلمك لكي نكون منصفين الإئتلاف طرد اللبواني كما أن سوتشي طرد هذا عبدالجليل، لأنه كان في سوتشي دعاه أحدهم.


كمال خلف: كان في سوتشي وهو جزء من منصّة أستانة.


هيثم منّاع: نحن بالنسبة لنا لا يمكن أن نقبل، لا أحد يجلس في "البلوعة" يا أخي، عليك أن تبتعد عنها، رائحة كريهة لا يمكن أن تتعايش معها أو تجلس معها، هذه مسألة محسومة. الأمر الثاني حتى في النقاشات، نحن الآن في نقاشات مشتركة وأيضاً كل فريق لوحده، واحد من شروط الترشيح للجنة الدستورية، أنا أعطيك مثال، هو ألا يكون له أي علاقة بالكيان الصهيوني من قريب أو بعيد، هذا واحد من الشروط التي ليس أنا وضعها بل مختلف الأطراف التي تعمل على هذا التشكيل، لذا لن يكون مثل هذا.
أنا أظن أنه في القضية الوطنية وفي الموقف من العدو الإسرائيلي الأغلبية الساحقة من المعارضة لها موقف وطني واضح.


كمال خلف: دكتور هذه الأشكال تتحرّك لوحدها أم أن هناك مَن يقف وراءهم وهناك مَن يدفعهم أمام، بمعنى هل هؤلاء يتحرّكون بقرار فردي أنا أودّ أن أذهب الى إسرائيل أو أن إسرائيل اختارته فردياً أم أن هناك منظومة أو هناك مَن يحمي مثل هؤلاء لأن الظاهرة تتكرر على ما يبدو؟


هيثم منّاع: يا أخي أنا أذكّرك في ٢٠١١ عُقد مؤتمر في باريس للمعارضة السورية وكان قد نظّمه الصهيوني المعروف برنار هنري ليفي ونقلته إحدى المحطّات الموجودة في دبي مباشرةً، والمعلّق زار إسرائيل بعد عامَين. إذاً عندنا محاولة من اللوبي الصهيوني الأوروبي والأميركي لأن يخترقوا المعارضة السورية ويقولون لهم نحن أصدقاءكم ونحن ضد الأسد ونساعدكم، الآخرون ربّما لا يوصلوكم ونحن نوصلكم لإسقاطه وكذا. هذا أمر موجود وبقوّة، وهناك أكثر من اتّفاقيات سننشرها كلها ونفضح أصحابها، نحن مَن سينشرها كمعارضة لأننا لا نقبل أن نُبقي هذا السرطان في جسد المعارضة، يوجد ناس وقّعت اتّفاقيات باسم جمعية خيرية هنا، باسم تعاون إعلامي هناك، اتفاقيات مباشرة وجلست في.. وأكثر من ذلك، الوثائق ستُنشَر وستكون كثيرة.


كمال خلف: نحن بانتظارها ونتمنى أن تُرسل لنا أي شيء جديد حول هذا الموضوع لأن موضوع إسرائيل موضوع حسّاس للغاية ولا اختلاف وجهات نظر هنا ولا تيارات واتّجاهات ولا أيديولوجيات، هنا المسألة واضحة.
الخطورة دكتور بأن المشروع الذي تتحدّث عنه، الفضيحة التي كُشفَت من يومين لمؤسسة قناة أوريانت ومالكها غسان عبود والتنسيق المباشر مع إسرائيل عبر برنامج عسكري أمني إعلامي إنساني أطلقوا عليه اسم حسن الجوار، هذا المشروع يستهدف أبناء الجنوب، يستهدف حوران، يستهدف جنوب سوريا وحضرتك إبن حوران وإبن جنوب سوريا، خطورة هذا..


هيثم منّاع: ويستهدف إدلب ويستهدف بلده، يستهدف مدينته إدلب وليس فقط الجنوب، هو بدأ في إدلب للأسف.


كمال خلف: حسن الجوار هو للجنوب، برنامج حسن الجوار هو لسكان الجنوب.


هيثم منّاع: هذا الاسم.


كمال خلف: الى أي مدى ممكن أن ينجح هذا دكتور؟


هيثم منّاع: أنا أريد أن أقول لك مسألة، وسيلة الإعلام المذكورة كانت لديها مهمّة في السنة الأولى ٢٠١١ هي تشويه سمعة كل مَن قام من السوريين، مَن شارك في عملية ملاحقة الإسرائيليين في جرائم ٢٠٠٨-٢٠٠٩ بالاسم، كلنا شُوّهَت سمعتنا، عملاء نظام، عملاء حزب الله، عملاء إيران، وبشكل دائم، لماذا؟ لأننا شاركنا في ما سُمّي بالتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب. هذا تقول أنه بذكاء غسّان عبّود؟ لا، بطلب إسرائيلي وأميركي وهذه مسألة كانت لها دور كبير. خصّصوا لي أنا العبد الفقير أكثر من ٥٢ كليب، ٥ دقائق هنا و١٠ هنا، وزار دمشق في كذا وذهب الى القصر الجمهوري مع عارف دليلة وأصدروا أوراق مزوّرة أنني وعارف دليلة مسموح لنا أن نصل الى القصر الجمهوري بأي وقت. كل هذا التضليل والكذب كُشف الآن، لماذا؟ حتى أنهم ورّطوا الرئيس التونسي بزيارة هذا الشخص، والتونسيون كانوا أوّل مَن نبّهونا لأن الأمن التونسي قال..


كمال خلف: دكتور يبدو أن كشف هذا الموضوع كان له علاقة نوعاً ما بالصراع الخليجي الخليجي، القطري الإماراتي تحديداً، ولولا ذلك ربّما لم تُكشَف هذه الأدوار لمثل هذه الأشكال.


هيثم منّاع: جيّد. أحياناً كما يُقال عندما يتشاجر اللصوص تُكشَف سرقات كثيرة.


كمال خلف: دكتور هنا نسأل عن المصير، مصير مثل هذا المشروع سواء كان في الجنوب، مصير مثل هؤلاء الأشخاص. فعلاً أنا عندما ناقشت قبل أن نتحدّث عن هذا الموضوع، ناقشت بعض الأشخاص والصحفيين والزملاء قالوا الزمن تغيّر، كنّا نقول بأن هذه الشخصيات أو هذا النوع من العمالة نهايته كنت كنهاية أنطوان لحد بائع فلافل في ضواحي تل أبيب، البعض قال لا، الزمن تغيّر الآن.


هيثم منّاع: بل أسوء من ذلك.


كمال خلف: هذه وجهة نظرك؟ لأن البعض قال أن الزمن تغيّر.


هيثم منّاع: أخي كمال نحن اليوم أعلن تي واحد أي ترامب، أنا أسمّيهم تي تي ترامب وتليرسون لأنهما لا يستحقان أكثر من ذلك، عندما أعلن ترامب الخطاب اللاتاريخي والمزوّر والكاذب بشأن القدس نحن خرجنا في تظاهرة أمام الأمم المتّحدة، فطلب منّي الأخوة العرب أن آخذ الحديث، فأنا نظرت الى إثنين من الهيئة التفاوضية المشاركين، شاركت الهيئة التفاوضية بعدد جيّد في هذه التظاهرة، فأخذ الميكروفون أحمد العودة وهو من قادة فصائل الجنوب وألقي كلمة لا أظنّ أنها تختلف عن الكلمات التي سمعناها عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو حماس.
فلا بأس، الناس لم تضيّع حسّها الوطني ولم تفقد البوصلة، ما زالت البوصلة موجودة ونعرف مَن هو عدوّنا ونعرف كل هذه المسائل، نحن في وضع أصبح جسمنا مجروح ومضروب لأن نُعطي الأولوية لقضيّتنا قضية السلام في سوريا، السلام للشعب السوري وإعادة بناء البلد، لكن هذا لا يعني أننا أضعنا بوصلة فلسطين أبداً.


كمال خلف: دكتور دعنا نختم بالدقائق، معي دقيقتين ونصف تقريباً، المتبقية بخلاصة سريعة، اللقاء المقبل بالنسبة للحلّ السياسي، هل يتمّ العمل، هل هناك اتّصالات تجري حالياً لعقد لقاء جديد يتعلّق بالحل السياسي، أكان على مستوى سوتشي أو حتى على مستوى اللجان؟


هيثم منّاع: سيكون هناك لقاءات عديدة غير رسمية قبل أي اجتماع قادم في الأمم المتّحدة، أيضاً إن كان سيكون هناك إجتماع مصغَّر في سوتشي بحوالى ٢٥٠ فلن يكون قبل أن نترجم عملياً نتائج أساسية خرجنا بها في سوتشي.
إذاً اليوم مهمّتنا ترجمة ما استطعنا التوصّل إليه، ونحن نتمنّى أن يهدي الله الحكومة السورية الحكمة وتخوض معنا في اللجنة الدستورية لأن هذا العمل هو قمّة الوطنية وعدم تسجيل إنسحاب مباشر من الحلّ السياسي.


كمال خلف: شكراً جزيلاً لك دكتور هيثم منّاع القيادي في المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري وعضو رئاسة مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري، كنتَ معنا مباشرةً من جنيف، أشكرك جزيل الشكر.

مشاهدينا حوار الساعة انتهى شكراً للمتابعة والى اللقاء.

الأربعاء، 17 يناير 2018

الاحتفالات بـ”ثورة الياسمين" في تونس بطعم "الحرية"... “الرقية الشرعية” في المغرب

    يناير 17, 2018   No comments

 نبيل بكاني

أخذت الاحتفالات بـ”ثورة الياسمين” في تونس هذا العام شكلا مختلفا، فقد شهدت شوارع البلاد موجات احتجاجية، تخللت بعضها أعمال العنف والتخريب.. التونسيون، عموما، وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة الحالية، لم تعد مناسبة ثورة 2011، تثير في نفوسهم الرغبة في الاحتفاء وتذكر أقوى لحظات تلك الأيام الباردة من شتاء ذاك العام.

تونس عرفت هجمات إرهابية عنيفة، كانت سببا في ضرب السياحة التي تعتبر أهم موارد البلاد من العملة الصعبة، خاصة بعد تراجع حركة الإنتاج والتجارة مع الخارج، نظرا للتقلبات السياسية بعد الثورة، وما نتج عن ذلك، من إجراءات تقشف وصعوبات في تعافي الاقتصاد، واستياء اجتماعي واسع.


المحتجون، أو المحتفلون، وفي الذكرى السابعة للثورة، أعادوا رفع نفس المطالب، وتهم في الغالب، البطالة وارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية والحد من الفساد، وهي، تقريبا، نفسها المطالب القديمة، باستثناء مطلب “الحرية” الذي مثل أيقونة الاحتجاجات قبل سبع سنوات ولم يكن له مكان في الاحتجاجات الأخيرة.. هكذا يبدو أن تونس، وان خسرت قدراتها الاقتصادية بشكل ملموس، فإنها في مقابل ذلك، كسبت رهان “الحرية” وهو، بالتالي، ما انعكس على طريقة تغطية الإعلام الرسمي للتظاهرات، فلم نشاهد على القنوات التونسية ما يذكر بـ”البروبغاندا” التي صبغت نفس الإعلام قبل سبع سنوات.. وفي أول احتجاجات، وهي الأكبر من نوعها في عهد “الجمهورية الثانية” وجد النشطاء أنفسهم، أمام تلفزيون يحترم وجهات نظرهم وحقهم في التعبير عن مطالبهم ومناقشة الوضع العام للبلاد دون سقف أو خطوط حمراء.. وهذا بحد ذاته مكسب عظيم يتوجب على عامة التونسيين حمايته، وذلك بالاستمرار في التأكيد والحث على سلمية كل احتجاج ينزل إلى الشارع، وبالتالي دحض كل تلك التخوفات من عودة الاستبداد التي تعالت بالتزامن مع الاعتقالات التي طالت العديد من الأشخاص.

  “يوليانه” الألمانية التي هربت إلى حبيبها الجزائري

عرض تلفزيون “النهار” الجزائري قبل ثلاثة أيام، ريبورتاجا حول الفتاة الألمانية التي هجرت وطنها لأجل الالتحاق بحبيبها الجزائري والذي بفضله أو بسببه اعتنقت الإسلام. وأفاد التقرير بأن السلطات المعنية في الجزائر باشرت تحقيقاتها وأن موظفي القنصلية الألمانية يتواصلون مع الفتاة “يوليانه” ذات 16 سنة والتي ارتدت الحجاب بعدما أقنعها صديقها الجزائري بارتدائه، وكانت قد تعرفت إلى الشاب قبل سنوات، إذ كان لاجئا بألمانيا منذ 2013 حتى سنة 2015 حين رفض طلب لجوءه.

السلطات الجزائرية تمكنت من التأكد بأن الفتاة الألمانية متواجدة بمنزل الشاب بمنطقة البليدة، حيث تم تقديمه للقضاء، قبل الإفراج عنه، والتأكيد على أن الفتاة سيجري ترحيلها إلى بلدها، ما وضع حدا لبعض “التحليلات” التي ربطت بين هرب الفتاة وفرضية التحاقها بتنظيم “الدولة الإسلامية”، بعدما نُسجت سيناريوهات لقصص مشابهة بدأت بعلاقات غرامية رومنطقية وانتهت في أراضي القتال.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فجزء من الإعلام الألماني ركز في تعاطيه مع الموضوع على جانبين، هما إسلام الفتاة يوليانة وهربها إلى عند لاجئ سابق، وهو ما فتح الباب، على مواقع التواصل الاجتماعي، لتناول الموضوع بشكل يسيء للاجئين، وتوزيع التهم بشكل عام.

الفتاة الألمانية، اختارت الالتحاق بصديقها، أو زوجها، إن صح التعبير، على اعتبار أنهما تزوجا بشكل غير رسمي في أحد مساجد ألمانيا، مع الأخذ بعين الاعتبار بطلان الزواج من الناحية القانونية، بسبب سن الفتاة، لكن في المقابل، هذه القصة أبانت عن تناقض صارخ، فبعدما كانت قصص الحب والغراميات في مجتمع كالمجتمع الألماني يقبل بالعلاقات العاطفية ويصرح بها على الملأ، مقبولة ومرحل بها، نجده اليوم يقلب الأرض بسبب قصة عاطفية لو كان بطلها في وضعية غير وضعية من يحمل صفة لاجئ سابق، لما ذهب التناول الإعلامي لجزء من الإعلام الألماني في هذا الاتجاه السلبي، هذا فيما نسمع عن العشرات من القاصرين من أبناء الوطن يغادرون إلى أوروبا في ظروف غير عادية، دون أن تكلف سلطات بلادهم عناء ربط الاتصالات مع نظيرتها في بلد الاستقبال من أجل الوصول إلى المعنيين.

 “الرقية الشرعية” في المغرب

أثار تحقيق نشره التلفزيون الألماني (دويتشه فيله) على موقعه، حول الرقية الشرعية في المغرب، الكثير من الجدل، وذلك بسبب ما جاء في الشهادات من استغلال جنسي من قبل بعض من يدعون أنهم رقاة شرعيون، لضحاياهم من النساء.

الضحايا كشفن أنهن تعرضن للابتزاز من طرف رقاة ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قالت إحداهن أنها اضطرت لإرسال صورة لها عارية بطلب من الراقي الذي أقنعها بأن جسدها مصاب بالسحر وأنه سيعلم على إبطال مفعول السحر من خلال الصورة، ليتحول الأمر إلى ابتزاز وتهديد بكشف الصورة ومطالبتها بالمال.
حالة أخرى، لسيدة متزوجة، بسبب الثقة الزائدة، وجدت نفسها ضحية استغلال جنسي من طرف أحد الرقاة، الذي شرع فيما بعد يهددها بتسجيل فيديو توثيقي.

من الأمور الواضحة في المغرب، أن المجتمع المغربي ميال كثيرا للاعتقاد بكل ما يتعلق بالسحر، وما يدخل في ما يعرف بالعلاج البديل، سواء بالرقية أو ببعض العلاجات الشعبية التي تطور ممتهنوها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، بعد شيوع تكنولوجيا الاتصال وتزايد عدد الفضائيات المعنية بهذا المجال أو التي تخصص للموضوع حيزا في شبكة برامجها.

قبل سنوات اعتقلت الشرطة المغربية راق ومعالج بالأعشاب ينحدر من سلطنة عمان مشهور على المستوى العربي، بعدما قام بافتتاح قناة كانت تسمى قناة “الحقيقة” تبث من الدار البيضاء ونالت شهرة كبيرة، بعدما استخدمها في الترويج لنفسه ولمعجزاته في معالجة الأمراض المستعصية كالسرطان مثلا، مدعيا توفره على شهادات عليا في المجال من جامعات بريطانية، ليتضح فيما بعد، وبحسب البلاغات الرسمية، أن كل ما كان يوهم به ضحاياه على قناته لا يزيد عن نصب واحتيال وادعاءات باطلة بما فيها الشواهد التي ثبت أنها مزورة.

حادثة الرقية تعيد طرح السؤال حول مدى عجز الجهات المعنية عن تطبيق القانون وغياب مراقبة فعلية، ما يجعل كل من هب ودب يفتتح عيادة أو مركزا للعلاج الشعبي سواء بالأعشاب أو بالرقية الشرعية، والتي انتشرت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تعاظم أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والتساهل الكبير في ما يعرض من وصلات دعائية مكثفة على بعض القنوات، ومن بينها نجد قنوات إعلانية أضحت مختصة في عرض المنتجات والمركبات الطبية الشعبية دون ضمانات رسمية.. كما لا يخفى أن قضية الاستغلال الجنسي التي عرضتها “دويتشه فيله” الألمانية ليست الحالة الوحيدة التي تحدث عنها الصحافة، إذ أن صفحات الجرائد المغربية لا تكاد تخلوا من حوادث مشابهة أو أكثر خطورة.

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

أحداث وأزمات ما بعد الربيع العربي فرصة لمراجعات شاملة وكاملة ويبدو أن قيادة حزب الله --على عكس الإخوان والسلفية والقوميون--وعت هذه الحقيقة

    سبتمبر 12, 2017   No comments
المحرر: 
 لا شك أن أحداث وأزمات ما بعد الربيع العربي الذي لم يزهر خلقت وضعا جديدا وحقاق جديدة لكن قليلون هم من وعى حجم التغييىرات المستحقة على خلفية المتغيرات. لقد أزاحت هذه الأزمات ورقة التوت التي كانت تستر العورة المذهبية والدينية والأثنية والقومية والإيديولوجية التي نقصت من قداسة الكرامة الأنسانية. لكن هناك من رأى في هذه المحن فرصة لمراجعات شاملة وكاملة ويبدو أن قيادة حزب الله--على عكس الإخوان والسلفية والقوميون--وعت هذه الحقيقة ودعت لمراجعة وفية لبعض الشعائر الدينية والممارسات الشعبوية.
_________
وفيق قانصوه

شدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على اهمية إحياء ذكرى عاشوراء كمناسبة «استنهاضية» وعلى ضرورة حضور المجالس مع مراعاة المحيط، داعياً قرّاء العزاء الى تجاهل «الأمور الخاطئة» و«تجنّب المبالغات»، و«عدم طرح مواضيع ذات اشكاليات عقائدية». وحثهم على التركيز على أن ثورة الإمام الحسين «لم تكن رفضاً للظلم فحسب، بل كانت أيضاً إطاعة للتكليف الالهي بالقتال» في وقت وظرف محدّدين. كما شدّد على ضرورة «الابتعاد عن المبالغة في التفجّع، والتركيز على الصلابة والتمسك بالمبادئ اللذين نتعلمهما من مدرسة كربلاء، خصوصاً في ما يتعلق بقضية السيدة زينب». ولفت الى أنه «مع تطور الأبحاث والدراسات في الحوزات العلمية وعند المحققين ظهرت نقاشات جديدة حول بعض ما هو متعارف عليه في المجالس. هناك بعض الأمور التي نحتاج أن نصححها، لكن من دون مهاجمة الأفكار السابقة. يمكننا بكل بساطة أن نقول ما هو الصحيح، من دون التعرض للاقوال المغايرة حتى لا نتسبب بصدمة عند المستمع أو نثير الخلافات».
 ...
     
 وأكّد السيد حسن نصرالله «أننا على بصيرة من أمرنا في هذه المعركة (في سوريا)، وشهداؤنا وجرحانا وأسرانا وناسنا يغيّرون معادلات ويصنعون تاريخ المنطقة وليس تاريخ لبنان». وشدد على «أننا انتصرنا في الحرب (في سوريا)... وما تبقّى معارك متفرقة»، مشيراً إلى أن «المشروع الآخر فشل ويريد أن يفاوض ليحصّل بعض المكاسب». وجزم بأن «مسار المشروع الآخر فشل، ومسار مشروعنا الذي تحمّلنا فيه الكثير من الأذى مسار نصر ونتائج عظيمة ستغيّر المعادلات لمصلحة الأمة».

 وفي لقائه السنوي مع قراء العزاء والمبلّغين، عشية حلول شهر محرم، قال نصرالله إن قتال «داعش» و«النصرة» كان «أكبر محنة عشناها منذ 2010، وأخطر من حرب تموز 2006». وأضاف: «منذ 2011، كنا على يقين بأن ما يجري فتنة كبرى، وأن هناك مشروعاً أميركياً ــــ إسرائيلياً ــــ قطرياً ــــ سعودياً بهدف القضاء على المقاومة وتسوية القضية الفلسطينية».

وروى أنه عقب بداية الأحداث السورية زار إيران والتقى المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي الخامنئي. «يومها، كان الجميع مقتنعاً بأن النظام سيسقط بعد شهرين أو ثلاثة. أوضحنا له رؤيتنا للمشروع المعادي، وأننا إن لم نقاتل في دمشق فسنقاتل في الهرمل وبعلبك والضاحية والغازية والبقاع الغربي والجنوب... فأكمل القائد موافقاً: ليس في هذه المناطق فقط بل أيضاً في كرمان وخوزستان وطهران... وقال إن هذه جبهة فيها محاور عدة: محور إيران ومحور لبنان ومحور سوريا، وقائد هذا المحور بشار الأسد يجب أن نعمل لينتصر وسينتصر». ولفت الى انه «بعد المعركة بسنة ونصف سنة أو سنتين ارسلت السعودية إلى الرئيس الأسد أن أعلِن في مؤتمر صحافي غداً صباحا قطع العلاقة مع حزب الله وإيران وتنتهي الأزمة».

ولفت الأمين العام لحزب الله إلى «أننا حذّرنا إخواننا العراقيين، منذ البداية، من أنه إن لم يقاتلوا تنظيم داعش، وتمكّن من السيطرة على دير الزور، فإن هدفه التالي سيكون دخول العراق. وقد صدقت توقعاتنا بعدما تمكّن هذا التنظيم الارهابي من السيطرة على ثلثي العراق وبات على مسافة عشرين كيلومتراً من كربلاء و40 كلم من بغداد و200 متر من مقام الامام العسكري في سامراء». وسأل: «لو تخلفنا عن الجهاد والتكليف ما الذي كان يمكن ان يحصل في لبنان، ولو تخلف أهل العراق عن الاستجابة لفتوى (الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع السيد علي السيستاني عام 2014 لقتال تنظيم داعش)، ما الذي كان سيحصل في العراق؟».

وقال: «هذه المعركة مباركة، ونحن ذهبنا الى سوريا لأداء تكليفنا. وإلا ما الذي يأخذ شاباً إلى حلب أو دير الزور حيث كان لنا اخوان محاصرون منذ ثمانية أشهر، وكلهم من الكوادر والقيادات؟»، مشيراً الى أن «البعض في لبنان لن يرضى مهما فعلنا، فلا تعذبوا أنفسكم وليشربوا مليون محيط... والمهزوم والمكسور يمكنه أن يرفع صوته قليلاً».
البعض في لبنان لن يرضى مهما فعلنا، فليشربوا مليون محيط


______________

الخميس، 17 أغسطس 2017

دعوة السبسي للمساواة بالإرث والزواج في تونس: هل هي مراجعات دينية أم حنكة سياسية

    أغسطس 17, 2017   No comments
 مسألة الحقوق الشخصية في المجتمعات الإسلامية في حاجة إلى عناية, لكن استعمالها لأغراض سياسية او في فترة حراك سياسي لا يخدم مسألة حقوقية بامتياز كحقوق المرأة والعدالة الإجتماعية. إنها موضوع مراجعات فكرية ودينية وتقافية قبل أن تكون سياسية لأنها على قمة من الأهمية.
___________________________________
دعوة السبسي للمساواة بالإرث تثير جدلا واسعا بتونس

  أثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بمناسبة العيد الوطني الـ61 للمرأة التونسية الأحد الماضي، جدلا مجتمعيا واسعا في صفوف الأحزاب ومختلف الأطياف السياسية بالبلاد وحتى خارجها، وامتد إلى منصات التواصل الاجتماعي.

وتضمن خطاب السبسي مبادرة لمساواة الرجل والمرأة في المجالات كافة بما فيها الإرث، كما طالب بتغيير مرسوم إداري صادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة يمنع زواج التونسية بأجنبي قبل إشهار إسلامه.

وحرص السبسي في خطابه على التذكير بتمسكه بالمرجعية الدينية، وشدّد قائلا: "إني لمتيقن أن العقل الإيماني الإصلاحي القانوني التونسي سيجد الصيغ الملائمة التي لا تتعارض لا مع الدين ومقاصده ولا مع الدستور ومبادئه".

ووفق بيان للرئاسة، قررالسبسي تشكيل لجنة "الحريات الفردية والمساواة"، لكي تتولّى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة.

جمعيات نسائية تونسية اعتبرت مبادرة الرئيس السبسي خطوة في الاتجاه الصحيح (رويترز)

ترحيب وتأييد
وأعربت حركة نداء تونس -وهي حزب الرئيس السبسي، ولها 58 نائبا من أصل 217- في بيان، استعدادها لإنجاح النقاش حول ما سمته منظومة تشريعية "تحقق الغايات الإصلاحية بالتوازن بين الالتزام باحترام مبادئ عقيدتنا الإسلامية السمحاء، وبين ما نص عليه الدستور ويبيحه الاجتهاد وتؤكده قيم العصر".

بدورها، رأت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة (مستقل) راضية الجربي -في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات)- أن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة قابلة للتنفيذ في تونس طبقا للدستور.

كما أعلنت دار الإفتاء التونسية عن تأييدها لمقترحات السبسي، ووصفتها بأنها "مقترحات تدعم مكانة المرأة، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، التي نادى بها الدين الإسلامي".

ورحّبت جمعيات تونسية قريبة من اليسار -في بيان مشترك- بمبادرة الرئيس، ورأت أنها في تناغم مع دستور البلاد الداعي صراحة إلى تكريس المساواة التامة بين المرأة والرجل.

ووقّع على هذا البيان تسع جمعيات في مقدمتها "جمعية النساء الديمقراطيات" و"النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، كما رحبت جمعيات مهتمة بحقوق المرأة بالمبادرة واعتبرتها خطوة في الاتجاه الصحيح.

ولم تصدر حركة النهضة (69 نائبا) حتى اليوم أي تعقيب أو بيان يتضمّن موقفها الرسمي من مبادرة السبسي، وقال رئيس المكتب السياسي للحركة نور الدين العرباوي إنها "لا ترى أي إشكال في طرح موضوع المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، طالما أن هذه المسألة ستطرح ضمن ثوابت الدستور وفي إطار الالتزام بنص الإسلام وروحه".

وأكد أن العمل الذي ستقوم به لجنة الحريات الفردية والمساواة "لا يتعارض مع الدين الإسلامي أو مع مقاصده، ولا مع الدستور ومبادئه".
حمادي الجبالي: مبادرة السبسي تخرق الفصل الأول من الدستور التونسي (الجزيرة)

رفض وعرائض
ويرى المعارضون لمبادرة السبسي أن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، مستندين إلى الآية الكريمة "للذكر مثل حظ الأنثيين".

ورفضت "الجمعية التونسية لأئمة المساجد" (مستقلة) مبادرة الرئيس، ووصفتها بأنها "اتهام صريح لشرع الله بعدم صلاحيته لواقعنا، وبظلمه للمرأة وعدم إنصافها"، ودعت -في بيان صحفي- الأئمة لتخصيص خطب الجمعة لبيان خطورة هذا الإجراء.

وفي رد فعل أكثر حدة، أطلق حزب "تيار المحبة" (نائبان في البرلمان) الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق المقيم في لندن الهاشمي الحامدي، عريضة شعبية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تطالب مجلس نواب الشعب بسحب الثقة من الرئيس وعزله بتهمة "مخالفته الصريحة للدستور".

ووصفت ثمانية أحزاب ومنظمات قومية عربية -في بيان مشترك- الدعوة إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة وتشريع زواج المسلمة من غير المسلم، بأنها "تطاول على القرآن، وهدم لأحكامه المقدسة لغايات انتخابية مفضوحة".

وفي ردود أفعال أخرى، وصف الرئيس السابق منصف المرزوقي -في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"- مبادرة السبسي بأنها "عملية سياسية بامتياز للتعمية على الإخفاق المهين للرجل ولحزبه".

واعتبر أن القضايا التي أثارها السبسي في خطابه تهدف إلى "خلق شرخ بين التونسيين"، وأنها مبادرة موجهة ضد حركة النهضة وجاءت "لمزيد من إذلال النهضة وإضعافها".

من جهته اعتبر رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي مبادرة الرئيس دعوة إلى "خرق الدستور في فصله الأول"، الذي ينص على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، ولا يجوز تعديل هذا الفصل.

وتساءل الجبالي في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، بقوله "أين هذه القضايا المثارة من اهتمامات وأولويات شعبنا، ومن قضاياه المصيرية ومشاكله المتفاقمة؟".

الجورشي: الحوار والنقاش المجتمعي حول المبادرة هو الأهم في المرحلة الحالية (الجزيرة)

الحوار المجتمعي
ويرى الإعلامي صلاح الدين الجورشي -عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة التابعة لرئاسة الجمهورية- أن السبسي بمبادرته هذه "يطمح إلى دخول التاريخ من زاوية ما توقف عنده الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، بعدم مساسه بمسألة الإرث في مشروعه لإصلاح أوضاع الأسرة".

وأوضح الجورشي -في حديث للأناضول- أن ما عبر عنه الرئيس حتى الآن، هو "مجرّد رغبة"، معتبرا أن النقاش المجتمعي هو الأهم، وأن"على التونسيين أن يكوّنوا رأيا عاما حول المبادرة معها أو ضدها، وهو ما قد يفضي إلى تعديلات قد تعزز حقوق المرأة التونسية".

من جانبه، رحب الباحث في مركز البحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية سامي براهم، بفتح مجال الحوار لعموم المواطنين حول قضية مطروحة داخل ما وصفها بـالنخبة، حتى إن  كانت مبادرة السبسي وراءها غايات انتخابية دعائية على حد قوله.

واعتبر أن مبادرة السبسي هي اختبار لمدى قدرة المجتمع على الدفاع عما يعتقده من الثوابت والهوية، واختبار لمدى التزام حركة النهضة بخيار التخصص السياسي الذي أقرته في لوائح مؤتمرها العاشر المنعقد في مايو/أيار 2016، واختبار لمعرفة المدى الذي سينجح فيه التونسيون في خوض جدل يتعلق بمشروع وطني يحتل الدين والمرجعية الحداثية مكانة مهمة فيه، على حد قوله.

يذكر أنه في عام 2016، تقدم 27 نائبا في البرلمان من كتل برلمانية مختلفة بمبادرة تشريعية تتعلق بتحديد نظام المنابات في الميراث، تتضمن ثلاثة بنود وتقر المساواة في الإرث بين المرأة والرجل. ولاقت المبادرة معارضة شديدة داخل البرلمان، وتوقفت النقاشات حولها منذ أشهر دون تقديم مبررات لذلك.
المصدر : وكالة الأناضول
________________________
في خطاب رئيس الجمهورية:وفاء صارم للبرنامج الانتخابي ورسم جديد لحدود التوافق
أثبت رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في خطابه بمناسبة عيد المرأة بقصر قرطاج انه قادر على الدوام على اثارة الجدل وتحريك السواكن  وتقديم مبادرات ذكية تفتح مجالات وتغلق أخرى.

لم يكن السيد الباجي قايد السبسي مضطرا الى اثارة موضوعين شائكين يتعلق الاول بالمساواة في الارث بين الذكر والانثى والثاني بزواج المسلمة من غير المسلم. وهو يعلم علم اليقين ان النص القرآني فيهما واضح المبنى والمعنى وان احاديث الرسول وتطبيقه واجماع العلماء في مختلف المذاهب جرى على ذلك. ولكنه اختار مع ذلك خوض غمار هذا البحر الهادر لاسباب قد لا يقبلها البعض من وجهة نظر دينية، ولكنها قد تقبل اذا غيرنا النظر من زاوية سياسية.
مخاتلة
من حيث الشكل كان السيد الباجي ذكيا جدا فأعلن اولا انه شكل لجنة تتولّى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريّات الفردية والمساواة استنادًا إلى مقتضيات دستور 27 جانفي 2014، والمعايير الدولية لحقوق الانسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريّات والمساواة وان اعمالها ستعرض عليه ثم اذا كان هناك توافق حول المحتوى سيتم التوجه الى مجلس النواب لتقديم مبادرة في الغرض وهو بذلك يتنصل من كل مسؤولية فردية او قرار شخصي في الغرض.
اضافة الى ذلك كان كلام رئيس الدولة في طرح فكرته «مرمرما» وغير واضح مما يدل على الحذر الشديد والمخاتلة المتقنة بقوله ‹›اذا فكرنا في التناصف فلأن الدستور يفرض ذلك، ولذلك يجب أن نذهب في هذا الاتجاه» ثم اردف ‹›ولكن لا أريد أن يعتقد البعض أنه حين نتجّه نحو التناصف فإنّنا نخالف الدين وهذا غير صحيح « وزاد للتوضيح ‹›ولكن يجب أن نقول هناك اتجاه للمساواة بينهم في جميع الميادين» وختم بقوله «على كل حال هذا رأيي».
هذه المعاني المزدحمة تقطع مع الاسلوب الخطابي المعهود للباجي الذي ينبني على وضوح المعنى واختصار الجملة ومباشرة الهدف وهو ما يحيل مرة اخرى الى رغبته في الدفع نحو المبتغى دون الوقوع في حقل صراع الهوية مع التحوط من نتائج المبادرة التي قد تنتهي الى اخفاق ثان يترافق مع اخفاق مبادرة المصالحة الاقتصادية التي تم قطع أجنحتها واصبحت هيكلا خاليا من الروح التي قصدها.
وفاء بالوعود
رئيس الجمهورية للحقيقة كان وفيا لوعوده الانتخابية التي اطلقها في حملته وهذا يحسب له. فقد تم اصدار قانون يخفف جريمة تعاطي المخدرات وقدم مبادرة للمصالحة الاقتصادية وها هو يواصل مشواره في تثبيت المبادئ البورقيبية التي قال انه يواصل السير على هداها وعلى رأسها المحافظة على حقوق المرأة. بل لعله ذهب بعيدا ووصل الى ما احجم عنه بورقيبة نفسه خوفا من الوقوع في محظور التصادم مع الدين واثارة حفيظة الشعب المسلم علاوة على ما قد يجده هذا الرأي من استهجان على المستوى العربي الاسلامي.
لكن الباجي يعلم جيدا بما يمتلك من حنكة واطلاع على موازين القوى ان الرياح الان مواتية لطرح مثل هذه المواضيع في ظل ما يحدث في المشرق العربي من انحسار للروح الدينية بسبب الصراع السياسي الذي لبس المعاني وخلط الثوابت. فلا ضير من المحاولة والقاء المبادرة وفي ذلك تحقيق لاغراض كثيرة. اهمها صرف النظر عن الاخفاقات السياسية التي تعيشها البلاد ويتحمل مسؤوليتها ولو جزئيا الحزب الفائز في الانتخابات الاخيرة في ظل انسداد الافق وتشظي حزب النداء والخلاف بين رئيس الحكومة وحزبه وتراكم الصعوبات الاقتصادية. وكلها مشاكل لا تبشر بنتيجة ايجابية في الانتخابات البلدية، لذلك كان لزاما تحريك المخزون الهائل الذي رجح كفة الباجي خلال الانتخابات الرئاسية الماضية وهو «المرأة « واستدعاؤها مجددا الى حضيرة التصويت المفيد لعلها بذلك تعيد بصيص الامل في العودة الى الامساك بزمام المبادرة التي لا تبدو مضمونة في الوقت الحاضر.
رسم حدود التوافق
ما ذهب اليه الباجي قايد السبسي وان بدا يهم بدرجة اولى نداء تونس وتحريك قواعده الانتخابية فإنه لا يخفي ايضا اشارة واضحة موجهة الى الشريك «المؤقت» حزب النهضة بأن التوافق له حدود يرسمها التباين في المبادئ والاختلاف حول الرؤية الثقافية. كما ان التوافق املته ضرورة النتيجة في الانتخابات الماضية وليس خيارا اراديا وان كل شيء له حدود وظروف وضوابط. وان كان الهدف مازال صالحا فيمكن مراجعته وتحوير بعض تفاصيله وانتظار توفر الظروف المناسبة للتخلص منه نهائيا. وهذه رسالة مزدوجة الى النهضة اولا والى انصار هذه الرؤية التي تستعدي النهضة وتبحث جاهدة على التخلص منها ثانيا. رسائل جلية وواضحة تجعل من خطاب رئيس الجمهورية خطابا مفصليا لعله الاخطر على الاطلاق حدد خلاله طبيعة المرحلة القادمة وأطلق صافرة البداية لسباق المنافسة على الانتخابات البلدية القادمة.

خالد البارودي
صدر هذا المقال بالنسخة الورقية للشروق
_________________

زواج التونسية المسلمة بغير المسلم: المشرّع لـم ينص صراحة على المنع.. لكن


طالب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي  خلال كلمة ألقاها بمناسبة العيد الوطني للمرأة بتغيير المنشور عدد 73 الذي يمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بأجنبي غير المسلم.

اوضح مصدر قانوني لـ"الشروق" ان مجلة الاحوال الشخصية مستمدة اصالة من الشريعة الاسلامية غير انها لم تنص صراحة على ان زواج التونسية المسلمة من غير المسلم باطل بل هناك منشور وزاري صدر سنة 1973 وجّه لضابط الحالة المدنية وعدول الإشهاد، يمنعهم من إبرام عقود زواج التونسيات المسلمات بغير المسلمين ولا يجوز الزواج اذا ما لم يقدّم الزّوج الاجنبي غير المسلم شهادة في اعتناقه للدّين الإسلامي مسلمة من قبل مفتي الديار التونسية.
وقال مصدرنا انه واستنادا لقاعدة التدرج الهرمي للقوانين فان القانون هوأعلى درجة من المناشير التي لا تعدّ نصوصًا تشريعية بما انها تصدر عن الوزراء لتنظيم مسألة ما، ولا تخضع لمصادقة البرلمان.
وهذه هي حجة يمكن اعتمادها لإلغاء منشور 1973 باعتبار انه إذا تعارضت القاعدة القانونية العليا مع القاعدة القانونية السفلى فإنه يتم إلغاء القاعدة القانونية السفلى.
وفي جانب اخر اشار ذات المصدر الى ان المحكمة ومن تلقاء نفسها ودون اثارة من اي طرف اعتبرت ان الموانع الشرعية التي جاء بها الفصل 5 من مجلة الاحوال الشخصية هي الموانع التي جاء بها الفقه الاسلامي.
واوضح مصدرنا ان المشرع التونسي اعتبر ان موانع الزواج تنقسم الى موانع مؤقتة وموانع مؤبدة ولم يذكر من بينها التباين في الدين وبالتالي لا بطلان للزواج دون نص قانوني الا ان هناك مسالة اثارت جدلا وهي ان المشرع نص صلب الفصل 5 على ان كلا من الزوجين يجب ان يكون خلوا من الموانع الشرعية وهنا اختلف رجال القانون حول معنى «الشرعية» حيث هناك من اعتبرها تفيد الموانع المنصوص عليها بالشريعة الاسلامية وهناك من قال انها تتعلق بالموانع القانونية .
اضاف مصدرنا ان المسالة اذا تتطلب نقاشا اجتماعيا اكثر منه قانونيا على اعتبار وان هناك محاكم اعتبرت في عديد الحالات ان الزواج المبرم في الخارج بين تونسية مسلمة وغير المسلم بمثابة زواج فاسد يجب التصريح ببطلانه.
وهناك محاكم لم تاخذ بعين الاعتبار بمانع الدين اجتماعيا هناك من يرى ان القرار رجعي لا يتماشى مع الواقع الحالي ويتعارض مع حقوق الانسان فضلا عن كونه غير مرتكز على نص قانوني صريح مستدلا بمصادقة تونس على عدد من الاتفاقيات الدولية على غرار اتفاقية نيويورك لسنة 1976 التي تنص على ان المراة حرة في اختيارها لزوجها دون اي قيد ولا شرط متعلق بالدين .
وفي سياق متصل قال مصدرنا ان مسالة زواج التونسية المسلمة من اجنبي غير مسلم مسالة مثلها مثل اي مسالة على علاقة بالحلال والحرام بمعنى ان الامر لا علاقة له قانونيا بالشريعة الاسلامية وانما الامر يتعلق بخيارات سياسية ومجتمعية ويتطلب نقاشا فقهيا وحضاريا.
عدالة الاشهاد .. على الخط
من جهته عبر عميد عدول الاشهاد الناصر العوني في تصريح خاص بـ"الشروق" عن رفضه تغيير منشور 73 الذي يمنع زواج المرأة التونسية بأجنبي غير مسلم واوضح ان الامر مخالف لشرع الله ولا اجتهاد مع النص
ولاحظ العميد العوني ان الامر فيه مساس بالهوية التونسية ولا علاقة له بالجباية مؤكدا أن هناك عدّة نقاط يجب مراجعتها تتعلق بمصلحة المرأة التونسية أكثر من منشور زواجها بغير المسلم.
واشار العميد العوني الى انه لا يمكن الاستئناس بوثيقة اعتناق الدين الاسلامي من قبل الزوج باعتبار يمكن ان يكون الامر صوريا لابرام عقد الزواج لا غير قائلا « لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق».
ودعا الرئيس السبسي الى مراجعة طلبه وتخصيص جلسة نقاش يجمع فيها اهل الاختصاص والاطراف المعنية قبل اتخاذ اي قرار ملاحظا ان الامر سياسي بالاساس ولا يتعلق بحقوق المراةوحريتها الشخصية.
ومن جهتنا نشير الى انه سواء تدخلت السلطة التنفيذية أوالتشريعية بإلغاء المنشور أوتعديل القانون، فيبقى قرار الحسم بيد المحكمة الدستورية المرتقب ارساؤها.

متابعة : ايمان بن عزيزة


ـ الشروق
صدر هذا المقال بالنسخة الورقية للشروق
| 15 أوت 2017
__________________



بعد مقترح الباجي حول المساواة في الميراث والزواج بغير المسلم:مشهد سيـــاســـي جديـــد؟

بعيدا عن الجانبين القانوني والديني لمقترحات رئيس الجمهورية حول المساواة في الارث وزواج التونسية بغير المُسلم، يتساءل المتابعون عن البُعد السياسي لما أعلنه قائد السبسي في هذا التوقيت بالذات.

تونس ـ الشروق:
تركزت اهتمامات التونسيين في اليومين الاخيرين على ما اعلنه رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد المرأة حول المساواة في الارث بين المراة والرجل وكذلك حول زواج التونسية بغير المسلم. وتسلطت الاهتمامات بالخصوص على البُعدين الديني والقانوني لهذه المبادرة وعلى امكانية تحقيقها على ارض الواقع.
غير ان شقا آخر من المتابعين ركز اهتمامه على الجانب السياسي في ما ذكره رئيس الجمهورية بالقول ان وراءه «حسابات» سياسية تهم الباجي قائد السبسي نفسه وكذلك حزبه الاصلي نداء تونس، خاصة مع اقتراب مواعيد انتخابية هامة اولها «البلدية» ثم «الرئاسية» و"التشريعية".
خزان انتخابي
بما ان هذه المبادرة تدخل في خانة مزيد دعم حقوق وحريات ومكتسبات المراة (دعم الحقوق المادية عبر المساواة في الارث ودعم الحريات عبر تمكينها من الزواج من الشخص الذي تريد)، فان أول ما أثاره عديد الملاحظين هو ان المبادرة تهدف الى مزيد كسب رضا المرأة ونيل ثقتها. ومن الطبيعي ان ذلك سيتجسد على ارض الواقع خلال الاستحقاقات الانتخابية، حيث ستُصوت المراة لفائدة كل من يدعم حقوقها وحرياتها ومكتسباتها. فأكثر من 50 بالمائة من النساء المسجلات بالقائمات الانتخابية أدلين بأصواتهن في الدورين الاول والثاني للانتخابات الرئاسية سنة 2014 . كما لعبت أصوات النساء دورا حاسما في فوز مرشح النداء الباجي قائد السبسي على حساب منصف المرزوقي، وبلغ عدد أصوات الناخبات 60 بالمائة من مجموع الأصوات التي حصل عليها السبسي. وهو ما اعترف به آنذاك الباجي قائد السبسي نفسه وعبر عن امتنانه لنساء تونس اللواتي صوتن لصالحه. ويبدو ان قائد السبسي قرأ حسابا للمحافظة على هذا «الخزان الانتخابي» في صورة تفكيره في اعادة الترشح لرئاسية 2019 وهو ما لم ينفه مؤخرا في احد تصريحاته الى جانب فرضية تفكيره ايضا في المحافظة على تقدم الحزب الذي اسسه (نداء تونس) في الانتخابات البلدية في ديسمبر القادم وايضا في الانتخابات التشريعية سنة 2019 من خلال استقطاب فئة النساء للتصويت لفائدته.
استقطاب سياسي
فسّر شق آخر من الملاحظين والمتابعين دعوة الباجي قائد السّبسي حول المُساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وحول زواج التونسية بغير المسلم بالقول إن الغاية منها التخطيط لاستقطاب حلفاء سياسيين جدد شريطة قبولهم بالمبادرة. وبلغة اخرى فان السبسي ـ وفق هذا الراي ـ سعى للابتعاد خطوة إضافية عن منافسيه السياسيين مع ترك الباب مفتوحا أمامهم للالتحاق به والتوافق معه او التحالف والاشتراك معه ومع حزبه الاصلي نداء تونس في صورة قبولهم بهذه المبادرة. وبذلك يخلق استقطابا سياسيا جديدا يقوم في جانب كبير منه على التوافق على هذه التغييرات الجوهرية لأبرز مجالات الاحوال الشخصية وهي الارث وشروط الزواج.
النهضة «بين نارين»
تبدو النهضة ـ الشريك رقم 1 اليوم لقائد السبسي ولنداء تونس في الحكم ـ ابرز المعنيين بهذا الاستقطاب السياسي المنتظر. ووفق المُحللين فان قائد السبسي جعلها في وضعية سياسية معقدة نسبيا بحكم انها حركة ذات مرجعية دينية اسلامية وقد تجد حرجا كبيرا تجاه قناعات بعض قيادييها وانصارها في القبول بما اقترحه قائد السبسي من «مخالفة قانونية» لاحكام الشريعة الاسلامية في مجالي الميراث وشروط الزواج. ومن جهة اخرى فان قبولها بها سيمكنها من المحافظة على صفة «الشريك القوي والدائم» للنداء وللباجي قائد السبسي في ما بقي من فترة الحكم الحالية او بالنسبة لما بعد 2019، أما الرفض فسيعني حصول «الطلاق» بينهما وامكانية حلول اطراف اخرى مكانها على مستوى الشراكة والتوافق في الحكم.
أحزاب
وبالنسبة لبقية الاحزاب، لم يحدد أغلبها موقفه بعد لكن بدأت تتضح بوادر «القبول» على البعض منها على غرار ما ذكره مؤسس حركة مشروع تونس محسن مرزوق الذي اعتبر ان مقترح قائد السبسي يندرج في المسار التاريخي للحركة الوطنية العصرية التونسية ومدارس الاجتهاد والإصلاح الدينية الزيتونية المجيد او حزب القطب الذي عبر في بيان عن «ارتياحه لإدراج هذه المسائل على جدول أولويات رئاسة الجمهورية» في انتظار مواقف بقية الاحزاب خاصة المعروفة بدعمها لكل ما يهم حقوق وحريات المراة والتي قد تكون هذه المبادرة تمهيدا لها لمزيد الاقتراب من نداء تونس والباجي قائد السبسي.

فاضل الطياشي
______________________

القيادي في نداء تونس سمير العبدلي يرد على علماء الازهر ووسائل الاعلام العربية
كتب القيادي في نداء تونس سمير العبدلي اليوم على صفحته الرسمية في الفايسبوك ردا يدافع فيه  عن ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية يوم 13 اوت الجاري من مقترحات حول الميراث وغيره وخص العبدلي تدوينته للرد على وسائل الاعلام العربية التي سماها بالداعية الى العزل والتكفير وكذلك للرد على تعليق جامع الازهر على خطاب السبسي وقد جاء في التدوينة كالتالي:

"ردّا على بعض وسائل الاعلام العربية الداعية للعزل والتكفير، بما في ذلك من فتح الباب أمام دعاة الغلوّ والتطرّف لبثّ خطاب الحقد والكراهية المعتاد فانّه من موقعنا أدعوا هؤلاء، الذين لم يرتق وعيهم بعد لاستيعاب المرحلة، بتحدياتها الفكرية والاجتماعية، أن ينهلوا من بيانات وفتاوي بعض المراكز المنبتّة، أوضح التاريخ، لمن لا يقرأ التاريخ، أنّهم خارج التاريخ.

كما أذكّر أنّه ليس للأزهر، وعلمائه ومناهجه، وكتب الفقه فيه، التي تبيح أكل لحوم البشر والمرأة والصبىّ، دون شيّها، وتجيز للإنسان قطع جزء من جسده وأكله إذا اضطرّ، ان تلقّن تونس درسا في آليّات تطوير الأحكام الشرعية والمجتمعية.

مرّة أخرى، ينجح رئيس الدولة الأستاذ الباجي قائد السبسي ، رئيس ومؤسس حركة نداء تونس ، يوم 13 أوت 2017، أن يكتب اسمه في التاريخ المسار التحرّري الوطني، بطرح قضيّة مجتمعية نراها في صميم نهج تحرير المرأة الذي نفتخر به عالميا، والذي وضع معالمه الأولى الزعيم بورقيبة والشيخ الطاهر الحداد. فهو قرار يعتبر من أكثر القرارات جرأة ومناصرة للمرأة، بتمكينها من المساواة في الارث والحرية في اختيار القرين، باعتباره حقّ دستوري لا يمكن لأي كان أن ينزعه عنها. وفي ذات السياق، ما انفك نداء تونس منذ تأسيسه، ومع تتالي قياداته، ما انفكّ يدافع على حقوق المرأة وتدعيم مكاسبها في جميع المحطات، لعلّ آخرها، مكسب حققه النداء بقيادة الكتلة النيابية للحزب، وهو المصادقة وبالإجماع يوم 26 جويلية 2017 على القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة".

_________________


صناعة الاستقطاب من المصالحة الى الميراث:مَـــن مـــع الباجـــي ومَـــن ضـــدّه ؟


في سيناريو مشابه للردود من مبادرته في المصالحة تردّت الاحزاب في تباينات كبرى تفاعلا مع ماقاله رئيس الجمهورية حول المساواة في الميراث والغاء المنشور 73 المانع لزواج التونسيات باجانب غير مسلمين.

تونس ـ الشروق:
وهلل منجي الحرباوي نائب نداء تونس بمضمون خطاب رئيس الجمهورية معتبرا أن ماجاء فيه يعد تواصلا لما تم انجازه لفائدة المرأة عموما لاسيما وأن التطورات المجتمعية فرضتها كشريك في الحياة العامة مايقضي بملاءمة التشريع مع ذلك.
طلب سحب الثقة من الباجي
وفي المقابل اعلن المكتب التنفيذي لحزب تيار المحبة اطلاق عريضة شعبية على الفايسبوك تطالب البرلمان بسحب الثقة من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وعزله وبرروا ذلك بما اسموه مخالفة صريحة للفصل الاول من دستور الجمهورية، كما اعتبر الحزب أن الباجي يثير الفتن ويزرع الفوضى في البلاد.
 
  
وبرز الصد ايضا داخل حركة النهضة فكتبت نائبتها يمينة الزغلامي على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي انه في النظام الديمقراطي القائم يعد مجلس نواب الشعب السلطة الاصلية في اشارة الى أن منبع التشريعات وسن القوانين هو البرلمان وليس رئاسة الجمهورية، وتابعت بالقول ان القضية الحقيقية للمرأة برأيها تكمن في قانون القضاء على العنف المسلط عليها و نحو منحها عطلة أمومتها وباقي النصوص التشريعية التي تحمييها من كل تمييز وفقدان الحق في الوسط الريفي.
هذا وبدت مواقف اخرى داخل النهضة رافضة لما جاء على لسان الباجي قائد السبسي من ذلك ماعبر عنه محمد بن سالم والحبيب خضر وغيرهم من الذين وصفوا ما قاله الباجي بالخطير والمتضارب مع الشريعة والدستور فيما سجل غياب الغنوشي في موكب خطاب رئيس الجمهورية.
ليست أولوية...
ولئن عبر الصحبي بن فرج من حزب مشروع تونس عن مساندته للمساواة في الميراث والغاء الفصل 73 فانه نبه الى عدم الانزلاق في معركة قديمة متجددة بين الحداثة والرجعية مذكرا بأن الاولوية المطلقة تكمن حاليا في الحرب على الفساد بنوعيه المالي والسياسي وفي التنمية وانقاذ تونس من الافلاس وأن مازاد على ذلك في اتجاه التراجع سيجعل من الاجيال القادمة تتقاسم توارث الديون والفقر والخراب.

أشرف الرياحي

صدر هذا المقال بالنسخة الورقية للشروق
__________

مصطفى الجويلي (قيادي في الجبهة الشعبية):محاولة للتغطية على فشل الحكومة

أكد مصطفى الجويلي (قيادي في الجبهة الشعبية) أن المبادرة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية على أهميتها الا أنها ليست ملحة وطرحها في هذا الوقت فيه محاولة للعودة للاستقطاب الثنائي الذي ساد قبل الانتخابات التشريعية الفارطة»، وأضاف الجويلي: «هو أيضا محاولة للتغطية على فشل الحكومة في حل الملفات الحارقة من تنمية وتشغيل وفقر وقفز على صراعات حول المواقع بين الأحزاب الحاكمة وقفز على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها التونسيون».

صدر هذا المقال بالنسخة الورقية للشروق

   

    





ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.