‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمعات الإسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمعات الإسلامية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 23 أبريل 2014

أمير المؤمنين يقاتل أمير المؤمنين: «البيعة الخراسانية» تشقّ «القاعدة»

    أبريل 23, 2014   No comments
رضوان مرتضى
 انشقّ الجهاد العالمي. تنظيم «القاعدة» أصبح قاعدتين، وإمارة الجهاد صار لها رأسان. وبدلاً من أمير أوحد للمؤمنين، صار للمؤمنين الجهاديين أميران. منذ أيام، دقّت «البيعة الخراسانية» آخر المسامير في نعش المصالحة بين «أخوة الجهاد». كسرت الجرّة، ليس بين «داعش» و«النصرة» في سوريا فحسب، بل بينها وبين «القاعدة» على امتداد ساحات الجهاد العالمي

بايع تسعة أمراء من تنظيم «القاعدة» في أفغانستان وتركمانستان وإيران «أمير المؤمنين» أبو بكر البغدادي، أمير «دولة الإسلام في العراق والشام». عُرفت البيعة باسم «البيعة الخراسانية». اسمٌ يجدر حفظه جيداً، لأنه سيُمثّل نقطة تحوّل في الصراع من كونه محصوراً في الميدان السوري بين البغدادي والشيخ أيمن الظواهري إلى صراعٍ مفتوح على امتداد العالم الإسلامي. ولم تكد تمرّ أيام حتى خرج المتحدث باسم «الدولة» أبو محمد العدناني ليقول إنّ «القاعدة انحرفت عن المنهج الصواب»، معتبراً أن «الخلاف ليس على قتل فلان أو بيعة فلان، إنّما القضية قضية دين أعوَجّ ومنهج انحرف».


وهنا كان الفراق. النتيجة المعروفة سلفاً نطق بها سابقاً مستشار أمير «الدولة» أبو علي الأنباري. في إحدى جلسات المصالحة قالها بوضوح: «إمّا أن نبيدهم أو يُبيدونا». كان حاسماً وكررها ثلاثاً. وفي المسار نفسه، وضع أمراء «القاعدة» التسعة (أصحاب «البيعة الخراسانية») البغدادي في مواجهة الملّا محمد عمر شخصياً. تموضع البغدادي في مقابل قائد حركة طالبان الذي كان أوّل من حاز لقب «أمير المؤمنين» على رأس «الدولة الإسلامية» التي أقامتها «طالبان» في أفغانستان. يُريد هؤلاء ضرب «القاعدة» من الرأس. رمزيتها «أصبحت من الماضي وأمجاد اليوم يصنعها جنود الدولة». وللعلم، فالملّا عمر هو أمير أمراء «القاعدة» الذي بايعه كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وهو الرجل الذي دُمِّرت في عهده أفغانستان بعد رفضه طلب الولايات المتحدة تسليم بن لادن وآخرين.
إذاً، يقف البغدادي في مواجهة الملّا عمر. «أمير للمؤمنين» في مقابل «أمير للمؤمنين». يُحدّد البغدادي خصمه، متجاوزاً الجولاني والظواهري إلى شيخهما الأكبر. ورغم المعلومات التي ترددت عن مقتل الملا عمر بعد انقطاع أخباره في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام ٢٠٠١، إلّا أنّ الدلائل والمعطيات تُشير إلى عكس ذلك. فعشية ذكرى هجمات أيلول عام ٢٠١٢ خرج الظواهري ناعياً «أبو يحيى الليبي» الذي كان يُعدّ الرجل الثاني في التنظيم، فصرّح حينها بذلك علانية قائلاً: «ﺃﺯﻑّ ﻟﻸﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﻟﻠﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻭﻷﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﻼ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻤﺮ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻧﺒﺄ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺃﺳﺪ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﺿﺮﻏﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺎﺋﺪ»، ﻓﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ.
لم يكن ينقص الحرب المستعرة في سوريا بين «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» سوى «البيعة الخراسانية». هذه البيعة التي تداولتها منتديات جهادية أبرزها «شبكة شموخ الإسلام» صبّت مزيداً من الزيت على نار الحرب الدائرة بين التنظيمين. قيادي جهادي في «القاعدة» قلّل في حديث إلى «الأخبار» من أهميتها قائلاً: «ليسوا سوى عدة أشخاص بايعوا، لكنّها ضُخّمت إعلامياً». ولفت إلى أن «الأشخاص الواردة أسماؤهم ليسوا قيادات ولا أصحاب مسؤوليات تُذكر»، علماً بأنّ الأمراء التسعة هم الشيوخ أبو عبيدة اللبناني، أبو المهند الأردني، أبو جرير الشمالي، أبو الهدى السوداني، عبد العزيز المقدسي (شقيق الشيخ أبو محمد المقدسي)، عبدالله البنجابي، أبو يونس الكردي، أبو عائشة القرطبي، وأبو مصعب التضامني.
في المقابل، هناك من يرى أنّ هذه البيعة لا تُشبه سابقاتها. يعتبرها متابعون للشؤون الجهادية «استفتاءً على قيادة الجهاد العالمي». ينطلق هؤلاء من «البذرة الأولى التي غُرِست في أرض الرافدين أيام أبو مصعب الزرقاوي». يومها كان التنظيم الجهادي يُعرف باسم «جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين». وقد بايع أميره الزرقاوي أسامة بن لادن الذي صنع أحداث ١١ أيلول عام ٢٠٠١. وبحسب هؤلاء، البدايات الأولى لتأسيس «الدولة الإسلامية في العراق» كان الزرقاوي مكوّناً أساسياً فيها. يرى فيه أمراء «البيعة الخراسانية» صانع الخلية الأولى وأبا «الدولة الإسلامية» التي تمددت لتصبح اليوم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

في رسالة البيعة يعرض القياديون التسعة مراحل الجهاد العراقي ضد الغزو الأميركي عام ٢٠٠٣، ويستعيدون تجربة «جماعة التوحيد والجهاد» بإمرة الزرقاوي الذي بايع الشيخ أسامة بن لادن من العراق إلى خراسان، ثم يمرّون على مقتل الزرقاوي عام 2006، والذي خلفه «أبو حمزة المهاجر» في إمارة تنظيم «القاعدة» في العراق. وهو ما تزامن مع إعلان «أبو عمر البغدادي» قيام «دولة الإسلام على أرض العراق»، فبايعه المهاجر، لِيُحَلَّ فرع «القاعدة» في العراق ويذوب تحت إمرة «دولة الإسلام»، ومن ثم مقتل البغدادي ووزير حربه المهاجر وتولّي أبو بكر البغدادي إمارة «الدولة الإسلامية في العراق» التي باركها كل من بن لادن والظواهري، معتبرين أنها «مداد للعمل الجهادي»، وقد «أثنى عليها الشيخ عطية الله والشيخ أبو يحيى الليبي أحسن الثناء». ويواصل القياديون التسعة استقراء ما يجري من أحداث حتى اندلاع الأحداث في سوريا التي «وَجَبَ فيها على دولة العراق التمدد لنصرة أهلها لإفشال مؤامرة الجيشين، الجيش السوري والجيش الحر».

أمراء البيعة الخراسانية: «الظواهري متخاذل»

يرى الشيوخ التسعة من خراسان أنه بعد تمدّد «الدولة»: «سارعت قوى الكفر والردة بزرع بذور النفاق بجماعات جديدة، وبمسميات إسلامية رنانة، لتكون ندّاً ومعوّقاً لدور الدولة الإسلامية». انتقد هؤلاء الظواهري و«النصرة» من دون تسميتهما، فأخذوا عليهما «عدم وجود الجرأة عند الجماعة لإقامة أي حكم على مرتكب ما يخالف الشرع، بحجة عدم التصادم مع الناس، ولعدم القدرة والتمكين، مع العلم بأن التنظيم كان يقيم في السر أكبر من ذلك ضمن اللوائح». واستنكروا على الظواهري «أسلمة مرسي الذي ثبتت ردته حتى عند كثير ممن كان له أدنى مسحة فهم. أم هي لفتة لنظام سياسي دعوي (جهادي جديد)؟ ورأوا أنّ خطابه «خطاب سياسي دعوي، دون الإشارة إلى حمل السلاح. واستبدال مصطلحاتٍ جديدة تحتمل التأويل بكثير من المصطلحات الشرعية». ثم انتقدوه لأنّه «توجه إلى الشعوب العربية مهنّئاً بالربيع العربي، وجعله من الطنطاوي والقرضاوي علماء إسلام». كذلك أخذوا عليه «التبرّؤ من الدولة الإسلامية التي أقامت الدين، ودعت لتعليم الناس التوحيد، والبراءة من الشرك وأهله، وكانت رمزاً في المساواة بين الناس والعدل». وختموا قائلين: «إنّا تُبنا إلى الله لتأخرنا عن إظهار الحق. ونصلح ما أفسدنا ونخالفه، ولا نرضى به؛ ولذلك كتبنا هذا الخطاب للأمة، ومعذرة إلى ربنا. ونبين لكم أن الحق مع الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي رفعت راية الإسلام، وأقامت الأحكام من غير مواربة، ولا وجل، ولا حساب لأحد إلّا الله، ونحسبهم كذلك. هذا وإن دامت على ذلك فلها منّا (النصرة والتأييد والبيعة) لأميرها أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي القرشي، على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وألا ننازع الأمر أهله. وإن هي بدلت أو زاغت: فليس لها منا إلا ما كان لغيرها».
الحرب بين «الدولة» و«القاعدة» لم تعد في الميدان فحسب. الصراع صار مفتوحاً. كلّ طرفٍ يرى أنّ الحق معه. حتى أمراء «الدولة» لجأوا إلى استعادة أحداث مضت. نكأوا جراح الماضي وخاضوا في أصل الخلاف بين الزرقاوي والظواهري عام ٢٠٠٥. يرى هؤلاء أن «الظواهري من يومه كان متخاذلاً. لا يكفي أنّه لا يُكفّر عوام الرافضة، بل ويعترض على أسلوب الزرقاوي، متهماً إياه بالمغالاة في التكفير».

_________
من «رومية» إلى قيادة «النصرة»

النار المستعرة بين «النصرة» و«الدولة» تزداد استعاراً. وبعد تشكيك «الدولة» في هوية قيادات «النصرة» واتهامهم بالعمالة، لا بل وانتقادهم لكون «أمير النصرة الجولاني مجهولاً من المجاهيل، لا يعرف هويته جنود تنظيمه»، بدأت «النصرة» بما سمّته «شهادات قبيل انتهاء مهلة المباهلة»، لتُعرّف عن مسؤولها العسكري العام «أبو همام الشامي» المعروف بـ«الفاروق السوري». فعرضت سيرته حيث «نفر إلى القتال في أفغانستان بين عامي ١٩٩٨ و١٩٩٨»، ثم التحق بمعسكر الغرباء تحت إمرة أبو مصعب الزرقاوي، وعيّنه عضو مجلس شورى القاعدة الشيخ سيف العدل مسؤولاً عن «تدريب المجاهدين في معسكر المطار في قندهار». وذكرت السيرة الذاتية أنّه «بايع أسامة بن لادن مصافحة، وعُيّن مسؤولاً للمجاهدين السوريين في أفغانستان». وقد برز لافتاً في سرد سيرته الذاتية الإشارة إلى أن القائد العسكري العام لـ«جبهة النصرة» سُجن في لبنان لمدة خمس سنوات قبل أن يُطلق سراحه ليلتحق بـ«قاعدة الجهاد في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، علماً بأنّ «النصرة» نشرت صورة لـ«أبو همام» برفقة أمير جند الشام خالد المحمود المعروف بـ«أبو سليمان المهاجر» داخل سجن رومية المركزي. وتبيّن أن اسمه الحقيقي هو سمير حجازي.

الخميس، 10 أبريل 2014

الإسلاميون ومفهوم الدولة: المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية

    أبريل 10, 2014   No comments
حسين العودات
رأى جان لوك أن الدولة هي تعاقد بين فئات المجتمع يتم برضاها، وتوضحت هذه النظرية لدى جان جاك روسو، الذي قال بضرورة توافق المجتمع على ما سماه “العقد الاجتماعي” كأساس لبنية الدولة ووظائفها وأهدافها، وضمنه مفاهيم سياسية وأخلاقية واجتماعية عدة، مثل المواطنة والدستور، والمساواة، وحقوق المواطن، والحرية والديمقراطية والقانون وغيرها، وما زال العقد الاجتماعي يعتبر في الدول الديمقراطية، فوق الدستور وله الأولوية واقعياً وأخلاقياً.

اتفق فلاسفة النهضة على أن الدولة هي دولة مدنية، وسلطة بشرية ديمقراطية، تتيح للعقول والعقلانية وللناس جميعاً المناخ الملائم للعمل، وتعتبر العقل والقانون أساس الممارسة الديمقراطية، ومفتاح الحقيقة والثورة العلمية، كما تعتبر الدولة الحديثة دولة المؤسسات والقانون الذي سيكون سيد الجميع، وتكفل سائر حقوق الفرد، لأنها دولة المواطنة، التي ترتكز على إرادة مواطنين أحرار، ترعى الدولة حقوقهم وتكفل حرياتهم.

تأثر النهضويون العرب بمفاهيم الدولة الحديثة هذه، ولكن تأثرهم بقي جزئياً، حيث اهتم كل منهم بجانب من معاييرها دون آخر، ولم يتبن أحد من النهضويين مفاهيم الدولة الحديثة أو معاييرها أو مكوناتها بكاملها، لكنهم جميعاً رفضوا الاستبداد وأدانوه، إلا أنهم لم يطرحوا بدائل له، لا الديمقراطية ولا غيرها، وحتى الشورى لم يعمقوا مفهومها ويطوروه ويحدثوه، ليصبح مكافئاً للديمقراطية أو بديلاً عنها.

لكنهم أجمعوا على مدنية الدولة وإبعاد الدين عن السياسة، ولخص الشيخ علي عبد الرازق بموضوعية وروية، آراءهم فقال: إنه لا وجود لما يسمونه المبادئ السياسية الإسلامية ونظام الحكومة النبوية، إذ لم تكن في الإسلام لا موازنة ولا إدارة نظام، ولم يرسل محمد (ص) ليمارس أي سلطة سياسية، ولم يمارسها في الواقع.

والحقيقة أن نهضويين عديدين قبل الشيخ علي عبد الرازق، مثل الشيخ عبد الرحمن الكواكبي والشيخ محمد عبده والشيخ قاسم أمين، وغيرهم من الفلاسفة الإسلاميين التقاة المتنورين، مالوا للدعوة إلى مدنية الدولة. تغير موقف الإسلاميين بعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، سواء ما يتعلق منه بفكرة الدولة أم بماهيتها أم وظيفتها.

فرغم أنهم قالوا في المراحل الأولى بإبعاد الدين عن السياسة، رأوا بعدها أن الدولة تضم أوطاناً وقوميات وأمماً عديدة، تجمعهم الخلافة (التي كان يطمح إليها الملك فؤاد)، فاعتبرها حسن البنا رمزاً للوحدة الإسلامية، ثم بالغ واعتبرها شعيرة إسلامية والخليفة “ظل الله في الأرض” و”الإسلام دين ودنيا”.

وكانت آراؤه هذه غير منسجمة مع أفكاره وطروحاته التي كانت عند تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان يعتبر السياسة شيئاً والدين شيئاً آخر، وهو الذي قال: “قلما تجد إنساناً يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سميت هذه الجمعية إسلامية لا سياسية..”. إن وظيفة الدولة لدى الإسلاميين هي إقامة الدين.. وهذه هي الغاية التي تهدف إليها الحكومة الإسلامية.

“ولا تحدد مصالح الناس في الدولة الإسلامية، لا رغبة بعض القوى السياسية في الدولة، ولا أهواء جماهير الناخبين أو آراءهم، وإنما هي سابقة على وجود الجماعة أو الدولة الإسلامية ذاتها، ولازمة لها بحيث تفقد هذه الدولة مبرر وجودها إذا تخلت عن غايتها أو تنكرت لها”. لقد بقيت علاقة الدين بالسياسة..

والدين بالدولة، تقف على رأس المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية، وقد وصف أصحاب الخطاب الإسلامي الحديث الدولة الإسلامية بالصفات الأخلاقية والفضائل والمثاليات، وبالغوا في شرح هذه الفضائل، سواء بالاستشهاد بما سموه الدولة الإسلامية أيام الرسول والخلفاء الراشدين، أم بتخيل مواصفات الدولة الإسلامية المحتملة التي يتصورونها. وفي جميع الحالات لم تخطر لهم العودة لمناقشة التساؤلات البديهية، وهي: ما هي أسس الدولة الإسلامية التي يتحدثون عنها؟

هل مرجعيتها دينية صرفة؟ وهل هي إعادة صياغة للشريعة على شكل قوانين؟ وهل كانت الظروف مماثلة لحاضرنا لتنطبق اجتهادات الماضي على الحاضر؟.. وعشرات الأسئلة الأخرى التي يفتح كل منها الباب على عشرات الأسئلة المماثلة.

إن تصور الإسلاميين للدولة يعود للفكرة المتداولة عن الدولة قبل حركة النهضة العربية، وهذه الصورة على نقيض مع فكرة الدولة، مع فلسفتها ووظائفها وهياكلها. فالدولة بمعناها الحديث لم تكن موجودة، وإنما كانت سلطة فقط وسوطاً تسوس به الناس. ومع التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، قرروا أن الدولة هي دولة الوحدة الإسلامية الجامعة، التي لها معاييرها ومفاهيمها المختلفة واقعياً وكلياً، عن معايير الدولة الحديثة…

فلا الوطن ولا القومية ولا اللغة ولا الأرض المشتركة، تشكل عناصر تكوين هذه الدولة أو مقوماتها، إنما هي دولة العقيدة وكفى، مهما تباعدت أوطان المسلمين واختلفت قومياتهم ولغاتهم وحتى مصالحهم. وهكذا فإن ما تم تحديثه من الدولة هو شكلها الخارجي، وبعض هيكليتها، والأساليب التنفيذية للحكم، وبقيت المعايير القديمة للدولة هي السائدة، ولم تؤخذ المعايير الحديثة بشكل منهجي وجدي، كما لم تهتم دولتهم بدور الديمقراطية في وحدتها وقوتها.

___________

«البيان»

الثلاثاء، 1 أبريل 2014

ستعود حماس الى دمشق من البوابة الايرانية، اذ بعد الزيارة المرتقبة لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الى طهران، ستسعى الجمهورية الاسلامية لاعادة العلاقات بين حماس ودمشق...لكن «حماس»، الرئيس بشار الأسد لا يستطيع ذلك!

    أبريل 01, 2014   No comments
قاسم س. قاسم
قبل اسبوعين، حلّ الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح ضيفاً على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، في مقر اقامة الأخير في قطر. الزيارة رمت الى «وضع اللمسات الاخيرة على الاستعدادات الجارية، لزيارة سيقوم بها مشعل الى ايران، تمهّد لاعادة العلاقة بين الجانبين الى سابق عهدها». هذا ما يقوله متابعون.

وبحسب مصادر متابعة لزيارة شلح الى الدوحة، فان «حماس لا تزال تعيش أزمة داخلية بسبب مواقف مكتبها السياسي من تطورات المنطقة، التي أدت الى خلل كبير في العلاقة مع ايران وسوريا وحزب الله». وتضيف: «ايران ظلت على الدوام الداعم الرئيسي للحركة ولكتائب القسام المقاومة بالمال والسلاح. وهي لا تزال تؤكد حرصها على المقاومة ودعمها، لكنها تنتظر من حماس مراجعة جدية لمواقفها في الفترة الماضية، قبل إعادة العلاقات مع المكتب السياسي الى افضل مما كانت عليه». لذلك، رمت زياة شلح الى «حث حماس على اتخاذ قرارات سريعة تساعد على تطبيع العلاقات مع طهران». وتؤكد المصادر نفسها ان شلح «اقترح فصل الموقف السياسي لحماس عن النهج السياسي للاخوان المسلمين، والعمل على جذب الاخوان الى نهج الحركة المقاوم».

كل هذه الافكار وافق عليها مشعل، الذي تُنقل عنه قناعته بأن «الانظمة العربية لا يمكنها تحرير فلسطين، وممنوع عليها دعم المقاومة ولو بطلقة رصاص». وهو كرّر امام الأمين العام للجهاد شكواه من «تضييق» يواجهه في الدوحة، ومن عدم قدرته على التحرك براحة ولقاء من يشاء، وحصر حركته في زيارة السودان وتركيا.

مسؤول العلاقات العربية في حماس اسامة حمدان زار طهران أخيراً، وعقد، على هامش مشاركته في مؤتمر هناك، لقاءات مع مسؤولين ايرانيين، وسمع تأكيدات على دعم المقاومة الفلسطينية، وترحيباً بزيارة مشعل.
هذه الاشارات الايجابية أسهمت في سرعة اتخاذ حماس قرار اعادة التموضع، وقد بدأت، بالفعل، الخطوات التنفيذية لذلك. وأشارت المصادر الى أن البحث يجري الآن في إيجاد مخرج يساعد الحركة الفلسطينية على اتخاذ الخطوة التالية. ومن بين الأفكار التي جرى تداولها عقد مؤتمر لدعم المقاومة والقضية الفلسطينية في طهران، تدعى الى حضوره كل الفصائل الفلسطينية وقادتها، ومن بينها مشعل لالقاء كلمة تؤكد ثوابت الحركة لناحية أن المقاومة هي الخيار الوحيد للتحرير، ورفض الاعتراف بإسرائيل. على أن يلتقي، في اطار الزيارة، مسؤولين ايرانيين ويتوّج ذلك بلقاء المرشد السيد علي الخامنئي. ويعلق احد المعنيين على الامر بالقول: «زيارة مشعل لايران من دون لقاء الخامنئي مثل الصلاة بلا وضوء».
أكد الايرانيون موافقتهم على لقاء مشعل مع الخامنئي، اذ لا يزال في طهران من ينظر الى حماس كحليف طبيعي، ويرى أن التحالف معها تجسيد للوحدة الاسلامية التي تدعو اليها طهران دوماً، في مقابل وجود تيار داخل القيادة الايرانية، لا يرغب في تطبيع سريع، ولا يرى حاجة الى لقاء الآن بين الخامنئي ومشعل.
3 سنوات من الانتظار

المسافة قصيرة جداً بين الدوحة وطهران، لكن تنقّل مشعل بينهما، احتاج الى مراجعة ذاتية اجرتها الحركة، ومشعل شخصياً، طوال العام الماضي. ويقول مقربون من «ابو الوليد» انه «يعد نفسه المسؤول عما تعيشه حماس من تشتت، لذلك سيعمل على اعادة مكانة الحركة الى ما كانت عليه قبل بدء الثورة السورية، ثم تقديم استقالته من رئاسة المكتب السياسي». وتقول المصادر: «قبول أعضاء المكتب استقالة ابو الوليد ليس مؤكداً، لكن المؤكد انه يسعى الى اعادة العلاقة مع ايران وسوريا الى ما كانت عليه».
قادة حماس لا يحبذون الحديث عن مراجعة. وهم ينفون، اصلاً، وجود خلافات داخل قيادة الحركة حول الموقف السياسي العام، لكن الكل يدرك الانقسام الظاهر بين الداخل الفلسطيني (غزة)، وخصوصاً قادة القسام، وقيادة الخارج (المكتب السياسي). يعرف اهل الداخل اكثر من غيرهم حجم مساهمات ايران وسوريا وحزب الله في دعم المقاومة. لذلك حافظ بعض هؤلاء، في خضمّ الخلاف، على صلة بطهران. وكان القياديان محمود الزهار وعماد العلمي من اصحاب هذا النهج.

بيروت ودمشق بعد طهران

على أن الأصعب في عودة حماس الكاملة الى محور الممانعة يكمن في العلاقة بينها وبين القيادة السورية. الرئيس السوري بشار الاسد قال («الاخبار» عدد ٢١٢٩ الاثنين ١٤ تشرين الأول ٢٠١٣) إن حماس «قررت أن تتخلى عن المقاومة، وأن تكون جزءاً من حركة الاخوان المسلمين (…) أتمنى لو يستطيع أحد ما اقناعهم بأن يعودوا حركة مقاومة مجدداً، لكنني أشك».
في قيادة حماس من يرفض اتهام الحركة بالتخلي عن المقاومة. لهؤلاء روايتهم للمشكلة مع القيادة السورية، لكنهم لا يودون الخوض فيها. الاتجاه الآن، بعد تطورات المنطقة، وخصوصا سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، هو لاعادة العلاقات مع سوريا ايضاً، وليس مع ايران وحزب الله فقط. سمع قادة الحركة نصائح متكررة بضرورة الفصل بين موقعها ضمن تنظيم الاخوان، وخصوصيتها كحركة تحرير. الخيار الجديد أعلنه وأكده رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية، الذي قال في ذكرى استشهاد الشيخ احمد ياسين إن «حماس حركة تحرر وطني معنية بقضيتها الفلسطينية إلى جانب شركائها في الساحة الفلسطينية من جميع القوى».
واضح للجميع ان طريق حماس الى سوريا ستمر من ايران، لكن الطريق الى ايران، ليست فقط من باب المقاومة، بل ايضا من باب الموقف من الازمة السورية. والكل يعوّل على نجاح زيارة مشعل الى ايران كي يكون لها تأثيرها الايجابي في مصالحة مع دمشق. المطلعون على محادثات شلح ــــ مشعل، يؤكدون ان الأخير سمع كلاماً واضحاً حول ضرورة «المصالحة مع رأس النظام السوري». ويكشف هؤلاء ان مشعل تمنى على شلح ان يعمل، مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على «نقل رسالة خاصة الى الرئيس بشار الاسد». لا تنفي الحركة ذلك ولا تؤكده، لكنّ قيادياً بارزاً فيها يذكّر بـ «أننا لم نهاجم النظام السوري بتاتاً، بل قلنا نحن مع ارادة الشعب السوري من دون تدخل خارجي». ويضيف ان مشعل «التقى قبل مدة في قطر بعض رموز المعارضة السورية. وقال لهم إن الحل يجب ان يكون سياسياً، موضحا لهم من جديد ان النظام السوري وقف الى جانب حماس في وقت تخلت عنها الدول العربية».

القسام: رصاصنا وسلاحنا ومالنا إيراني

برغم نفي مسؤولي حماس أن يكون موقفها من الازمة السورية قد تسبّب في خلاف داخلها، إلا أن الخلاف على ارض الواقع حقيقي. فقد حرصت كتائب عز الدين القسام، منذ بدء الازمة السورية، على رفض مهاجمة النظام في سوريا، وشدّدت على البحث عن مخرج سياسي للازمة السورية. «أبناء القسام»، في غزة وخارجها، يعرفون دمشق جيداً. لا ينسى هؤلاء الترتيبات التي كانوا يحظون بها لدى زيارتهم سوريا: ممر خاص في المطار، مواكب خاصة تنتظرهم على مدرج المطار. تسهيلات وشقق خاصة في العاصمة السورية، مراكز تدريب وتصنيع، تسهيلات لانتقال الكوادر منهم الى ايران للمشاركة في دورات تدريب. هؤلاء يقولون اليوم: «بعد محاصرة القطاع من قبل السلطات المصرية انقطعت زيارة القساميين الى طهران، لكن الحصار لم يمنع من تهريب السلاح اليه». وقد نجحت «كتائب القسام» في حفظ خط تواصل خاص بها مع ايران، من خلال قادة بارزين، يتقدمهم محمود الزهار. يؤكد هؤلاء: «نحن لم نخرج من محور المقاومة لنعود اليه، ودعم ايران لحماس وللقطاع المحاصر لم يعد محصوراً بالجانب العسكري فقط، اذ عادت الجمهورية الاسلامية الى دعم حكومة اسماعيل هنية بالمال، بعد توقف لفترة معينة، بسبب ابتعاد حماس في موقفها السياسي، اضافة الى بعض الصعوبات اللوجستية على معبر رفح، اذ إن السلطات المصرية صادرت في مرات سابقة اموالاً تعود إلى الحركة».
قبل مدة، زار القيادي الحمساوي محمد نصر طهران، وعاد محملاً بالمال لكتائب القسام. استمع نصر الى تعهدات ايرانية بعدم وقف المساعدات المالية او العسكرية لكتائب القسام، وبأن ايران لن تتدخل في خيارات حماس السياسية، لكنه حمل، أيضاً، نصيحة: «على الحركة ألا تتصرف بعقلية دولة لانها، ببساطة، حركة تحرير غير ملزمة باستراتيجيات دول».

حماس وحزب الله

اذا كانت العلاقة مع ايران جيدة، فذلك يعني ان علاقة حماس مع حزب الله جيدة هي الاخرى، والعكس صحيح. في لبنان، وبرغم الخلاف حول الملف السوري بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، الا ان التواصل بينهما لم ينقطع، وخصوصاً من الناحية العسكرية. في بيروت لا تزال مكاتب حماس موجودة في الضاحية. قادة في الحزب يؤكدون انهم لا يستطيعون التخلي عن حماس: «في النهاية، جميعنا يعمل تحت راية فلسطين، وحماس تبقى حركة مقاومة». «ما يجمعنا مع حماس اكثر مما يفرقنا»، على الرغم من الخلاف حول الملف السوري. بالطبع، لن ينتقل مشعل من الدوحة الى بيروت للاقامة فيها، كما اقترح البعض، لأن «الخلافات السياسية اللبنانية لا تتحمل وجود المكتب السياسي للحركة فوق اراضيها»، لكن العاصمة اللبنانية، وضاحيتها الجنوبية، ستشهدان زيارات كثيرة لـ «أبو الوليد» في الفترة المقبلة.

يمكنكم متابعة قاسم س. قاسم عبر تويتر | @QassemsQassem
__________________________
«الإخوان» ليست عباءة لنخلعها أو نلبسها
عروبة عثمان

 ومع استحضار كلام الرئيس السوري بشار الأسد عن اشتراطه خلع حماس عباءة «الإخوان المسلمين» لقبولها مجدّداً، يقول الزهار إنّ «الإخوان المسلمون ليست حزباً له مبادئ معينة كالحزب الشيوعي أو العلماني. مبادئها عامة تماماً كالإسلام، ونحن نلتزمها، لذا هذا الأمر ليس مرتبطاً بعباءة تلبس أو تُخلع». ويضيف، في حديثه مع «الأخبار»، «خرجنا من سوريا لأن جلوسنا هناك كان يحمل أخطاراً امنية كبيرة. الوضع كان يمهّد لحدوث اختراقات واغتيالات إسرائيلية، وتتورط كلُّ من سوريا وحماس فيها، وهما لا شأن لهما بها، لذا اختارت «الجهاد الإسلامي» الخروج والتوجّه إلى لبنان.

مشعل و«علم الثورة»

في شأن رد الفعل على رفع خالد مشعل علم سوريا أيام الانتداب الفرنسي أثناء زيارته لغزّة عام 2012، فإن مستشار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية للشؤون الخارجية، باسم نعيم، يوضح عبر «الأخبار» أنّ «حادثة رفع خالد مشعل علم الثورة السورية عرضي... كنت هناك حينها حينما أعطى أحد الشباب مشعل مجموعة من الأعلام (حماس وفلسطين والثورة)، ولم تتح له وقتها فرصة التدقيق في الأعلام. لا يجوز تحميل الأمر أكثر مما يحتمل».

البردويل: علاقتنا مع حزب الله جيدة جداً

برغم أن الأزمة السورية أرخت بظلالها نسبيّاً على العلاقة بين حماس وحزب الله، إلا أنها لم تنزلق نحو ما انزلقت إليه العلاقة بين الحركة ودمشق، حتى إن البيان الذي أصدرته الحركة ودعت عبره حزب الله إلى سحب مقاتليه من القصير، قيل إنه لم يكن نابعاً من قرار حماس الداخلي بقدر ما كان استجابة لضغط من «الإخوان المسلمين». عولج الأمر حينها، وجرى تداركه. ويقول القيادي صلاح البردويل لـ«الأخبار»: «علاقتنا مع حزب الله جيدة جداً ولم تنقطّع البتة طيلة الفترة الماضية، بفعل الاحتكاك المباشر بين الحزب ومخيمات اللجوء الفلسطينية. نحن ننسّق على نحو دائم مع الحزب، ولسنا معنيين بالتوترات معه، كما أننا نستنكر كل حادثة تفجير في لبنان»، مؤكّداً أن «خطاب حزب الله السياسي يتقاطع مع خطاب حماس بخصوص المقاومة، فيما التباين في الرؤى يتجّلى في الأزمة السورية، لكن هذا التباين لا يمهّد لأي إشكاليات أو أزمات حقيقية بين الطرفين».
أما سورياً، فيقول البردويل: «صحيح أن حماس استنكرت في بعض اللحظات بعض المذابح والمجازر في سوريا، لكنها لم تمرّ بأي حالة انحياز الى جهة على حساب أخرى، فهي نأت بنفسها وأرادت أن تحفظ علاقتها مع النظام السوري، حتى إننا دعونا كثيراً المسلحين والمقاتلين في مخيم اليرموك إلى الانسحاب منه». ويتساءل باستنكار: «هل تنكرّت حماس للنظام أو هاجمته أو أعلنت الحرب ضده، لكن في الوقت ذاته هل المطلوب منّا أن ننصّب مدافعنا ضد المعارضة السورية؟! القضية السورية أعقد بكثير من أن تحلها حماس، فهي لا تحتاج إلى قمة عربية، بل إلى همّة عربية. هذه حرب لا نهاية لها».
____________

يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر | @OroubaAyyoubOth
_______


«حماس»، الرئيس بشار الأسد لا يستطيع ذلك!
ناهض حتر
يمكن للإمام الخامنئي أن يستقبل خالد مشعل. لكن الرئيس بشار الأسد لا يستطيع ذلك... بل ولا مكان لـ «حماس» في دمشق، إلا بشروطٍ سورية، ربما يكون تحقيقها صعباً جداً.
«حماس» في مأزق؛ فخيارها الاستراتيجي في العام 2011، ذهب نحو الخروج السياسي من حلف المقاومة، والانخراط في المشروع الإخواني ــــ التركي ــــ القَطري.

ومن المعروف أن هذا المشروع كان يتجاوز سوريا إلى المنطقة كلها، مما يجعل القول إن سوريا هي نقطة الخلاف الوحيدة بين «حماس» ومحور المقاومة، ليس صحيحاً.
فالمشروع ذاك، كما لخّص مضمونه الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، في تصريح علني، هو «مشروع أهل السنّة والجماعة». وهو يخرج، طالما أنه محمول بأنظمة وأحزاب وحركات سياسية، عن نطاق الدين إلى نطاق السياسة، وجوهره الدفع بحركة الإخوان المسلمين لركوب الحراك الشعبي العربي، والاستيلاء على السلطة، كما حدث في تونس ومصر وجزئياً في المغرب، وكان مخططاً له أن يحدث في ليبيا وسوريا واليمن والأردن وفلسطين. في البلدين الأخيرين، وجدت «حماس» أنها تملك أوراقاً مهمة: السلطة في غزة المستندة إلى الحليف الإخواني المصري، والصعود غير المسبوق لحركة الإخوان الأردنيين ــــ وهي مجرد فرع حمساوي ــــ وبين السلطة في القطاع وامكانية الحصول عليها في الأردن، كانت فتح محاصرةً في رام الله، والضفة الغربية تفاحة ينتظر الحمساويون سقوطها في أحضانهم. جمح الخيال السياسي بـ «حماس» إلى امكانية بناء نظامها ومنظومتها في فلسطين والأردن. وكما هو الحال في تونس ومصر، تطلّب مشروع السلطة، تفاهماً عميقاً مع الأميركيين، وابتعاداً عن إيران وحزب الله، وتورّطاً مفتوحاً في الحرب على سوريا التي تهم القَطريين والأتراك بالدرجة الأولى؛ فالشام، للدوحة، معبر وحقل... غاز، وهي، لأنقرة، بوابة التمدّد العثماني إلى البلدان العربية.
في سوريا انكسر المشروع؛ وعلى الجمر السوري الملتهب، وقع الانشقاق الفكري والسياسي في الحراك الشعبي الذي هيمن عليه الإخوان ردحاً من الزمن؛ خاصمهم اليساريون والقوميون، وانتفضت الدولة الوطنية المصرية ضدّ سلطتهم، وانحسرت حركتهم في الأردن، وانفلتت خيوط الإرهاب من أيديهم في سوريا التي خيّبت ظن أصحاب المشروع؛ فصمدت، ومكّنت حزب الله من التوسع الإقليمي، بدلاً من الانكفاء. وفي الأثناء، أعادت السعودية بناء حلفها الخاص، وبدأت بالتصدي للمنافسة على الدور والقيادة؛ انشق، بالنتيجة، محور الإسلام السياسي ــــ الخليجي ــــ التركي.
من سوء حظ هذا المحور، بطرفيه، أن الربيع العربي الأسود، صادف ربيعاً روسياً أخضر؛ موسكو ــــ التي استكملت مستلزمات الإنبعاث ــــ قررت العودة، في لحظة الصمود السوري، إلى ميدان الصراع الدوليّ. ومن جهتها، وجدت الولايات المتحدة أن إعادة تنظيم إدارة أكثر فعالية وأقل كلفة للشرق الأوسط، لا يمكنها استبعاد إيران.
بالمحصلة، وجدت «حماس» نفسها خارج اللعبة، وأصغر منها؛ فساورها الحنين إلى الحضن الإيراني. وبالنسبة إلى إيران ــــ التي تجمّع أوراق النفوذ الإقليمية ــــ ليس هناك ما يمنع؛ فالخلاف مع الحمساويين محصور، عندها، في القضية السورية، و«فلسطين تجمعنا»، وكذلك «الصحوة الإسلامية»، والضرورة الشيعية الإقليمية للتحالف مع طرف سُنّي «معتدل»، حتى وإنْ كان يتداخل، ميدانياً، مع البيئة التكفيرية. وإلى ذلك، فـ «حماس» لم تؤذ الإيرانيين مباشرة، ولم تتلفّع بعلم الشاه، ولم تتدخل في الشأن الإيراني الداخلي، ولم «ينسحب» منها إرهابيون للقتال ضد الجيش الإيراني.
لكن ــــ بالنسبة إلى سوريا ــــ فالسياق كله مختلف نوعياً: سوريا جوهرة محور المقاومة، لكن نظامها السياسي علماني. وقد جذّرت الحرب الوطنية المريرة ضد جيوش محلية وغازية، مكوّنة من تيارات الإسلام السياسي، علمانيّتَه، بل إن إعادة بناء الدولة والمجتمع في سوريا ــــ وتجاوز ما حدث فيهما من تصدعات طائفية ومذهبية ــــ تفرض على القيادة السورية التشدّد في منحى علماني، يشكّل، في الآن نفسه، قوة تدخل ناعمة في تركيا التي تستخدم الإسلام السياسي للتدخل الخشن في سوريا.
من المعروف أن دمشق تؤيد، بلا تردد، النظام العسكري العلماني في مصر. وهي مستعدة للتسامح مع عمّان، ودعمها في مواجهة الإخوان المسلمين، بل إنها نسجت علاقات ودية مع فتح والسلطة الفلسطينية، تقوم على التفاهم المتبادل لخيارات طرفين تجمعهما العلمانية. ولا شيء يمنع من تطوّر هذا التفاهم إلى صيغة مشتركة تكفل الحضور السوري في الشأن الفلسطيني؛ هذه الصيغة أصبحت ممكنة بفضل المتغيرات الدولية، وامكانية تعديل موازين القوى السياسية مع إسرائيل، تحت مظلة الحليف الروسيّ.
لن يجرح الرئيس بشار الأسد، مشاعر السوريين باستقبال مشعل الذي تلفّع بعلم الانتداب، علم الإرهابيين الوالغين بالدم السوري. أما حركة «حماس»؛ فالشرط السوري واضح: قطع العلاقة مع الإخوان المسلمين. وحتى لو حدث ذلك، ستظل الحركة إخوانية في العمق، وموضع شبهة سياسية وأمنية عند الدولة السورية؛ طريق دمشق مقفل أمام حماس؛ لن تقبل الضغوط ولن تحتجّ، في الوقت نفسه، على ترتيب العلاقات الإيرانية ـــ الحمساوية.



______
«الأخبار»

الاثنين، 24 مارس 2014

متى يحين أوان المراجعة كي لا نصل إلى «الانتحار الذاتي»؟

    مارس 24, 2014   No comments
ابراهيم الأمين

سيكون أمام باحثين جدّيين مجالات كثيرة ووقت أكثر لدرس واقع لبنان خلال العقد الأخير. وسيكتشف الناس بعد وقت، قصير أو طويل، حقائق لا يعتقدون اليوم بوجودها. كما سيظلّ الوقت مفتوحاً أمام علمانيين، أو لاطائفيين، لإظهار عناصر القوة في خطابهم، علّهم يجذبون الشارع صوبهم.
لكن السؤال الملحّ، اليوم، هو الأزمة الهائلة التي تعصف بمشرقنا العربي، على خلفية صراع سني ــــ شيعي. هكذا هو شكله اليوم. من دون مواربة أو احتيال. والسؤال الأكثر إلحاحاً يتعلّق بقسم كبير من المتبنّين للمذهب السياسي ــــ السني، ويخوضون معركة ضد إيران وحزب الله، وصار قسم منهم يتعامل مع الشيعة على أنهم أعداء لهم.

النقاشات الهادئة قليلة مع أصحاب هذه الوجهة. وقلّما يتاح إحداث خرق يسمح بمجرد التواصل، بحثاً عن فهم أدقّ لخلفية الموقف. ولأن الأمر يلامس مرحلة الانتحار الذاتي عند قسم من هؤلاء، وجب نقل النقاش الى العلن، ووجب دفع الأمور صوب النهاية، بعدما صار الموت انتحاراً هو خيار هؤلاء. وهنا لا مجال للتشاطر، ولا للتستّر خلف أوهام. ولا حتى التغاضي عن حقائق قائمة.
في العقل الجمعي للمنتمين الى «السياسية السنية»، هناك تصورات عامة حكمت السلوك الجمعي. وافق هؤلاء على أن تمثّلهم قوى دينية وسياسية واقتصادية، ظهرت على شكل دول وحكومات وقوى وتيارات وهيئات، وهي التي تقود هذا الشارع منذ عقود عدة. وأبرز هؤلاء مملكة آل سعود وشقيقاتها في الخليج العربي، وحكّام دول أخرى عاشوا على دعم هؤلاء، ورجال أعمال تقرّر أن يصبحوا رؤساء دول وحكومات وتيارات سياسية، بأمر من هؤلاء أيضاً. وبعد كل ما مرّ، لم يحصد هؤلاء سوى الفشل والخيبة. لم ينجحوا في بناء دولة، ولا في رفع مستوى الناس، ولا في تقدم علمي حقيقي، ولا في بناء اقتصاد حقيقي، ولا في بناء جيش قوي. وهم، اليوم، يفقدون مواقعهم واحداً تلو الآخر، وإذا ما استمرت السياسات نفسها، فحتى مواقع نفوذهم في الخليج العربي ستسقط خلال أقل من عقد على أبعد تقدير.
الانتفاضة الأولى على هذا العقل الحاكم باسم الدين جاءت من أتباع الدين نفسه، وقامت على شكل قابل للاستخدام. هذا ما حصل يوم التزمت ممالك الجزيرة العربية مشروع مواجهة الشيوعية بوصفها الوباء، وتدرّج الأمر حتى حدود معركة أفغانستان، لينتهي الأمر الى بناء دولة متخلّفة تحت حكم «طالبان» ممثلة السلف الصالح كما يعتقدون. قبل أن تصبح، وسريعاً جداً، عبئاً على أهلها وعلى رعاتها. وتكون النتيجة انتفاضة من قبل المدرسة، باسم تنظيم «القاعدة»، بوصفه أداة ثورية عالمية لهذه القاعدة الاجتماعية الملتحقة بالفكر الديني والعقائدي نفسه السائد في الجزيرة العربية. وما لبثت هذه الثورة العالمية أن أدخلت نفسها في مغامرة، ليس فيها شيء من الحسابات المنطقية. برغم مشروعية الكثير من شعاراتها، وانتهى الأمر بها طريدة، تديرها الفوضى التي منعت شيخها الراحل أسامة بن لادن حتى من تصحيح بعض الأخطاء. وها هي، اليوم، أداة للاستخدام في حروب العالم الكبيرة.
وفي لبنان، حاولت هذه العصبية العالمية تقديم نموذج مدني لها، من خلال تجربة رفيق الحريري، انتهت الى مشكلة بينه وبين ثلثي اللبنانيين قبل مقتله، بطريقة تشير الى طبيعة الصراع. ومن ثم بدأ انهيار إمبراطورية ذات جذر مالي قوي، وبقيت منها عصبية تعيش مرحلة الأفول. وهي حاولت اللجوء الى وعاء أيديولوجي من خلال تيارات دينية بدت غريبة عن طبيعة أهل المنطقة، ثم ما لبثت هذه التيارات أن تمردت، ولو على دفعات، معلنة خروجها عن طاعة ولي الأمر.
جاء «الربيع العربي» ليفتح الباب أمام تجارب أخرى. لكن الصدمة تمثلت في خطأ قاتل ارتكبه تيار «الإخوان المسلمين» الذي استسلم لغواية السلطة، بديلاً من سؤال الهوية الوطنية، والبرنامج الاقتصادي البديل، والمشاركة رداً على العقل الإقصائي الذي طارد هذه الجماعة سابقاً. ثم ارتكب هذا التنظيم العالمي خطأً قاتلاً آخر، بقبوله تأجير حراك الشارع العربي لمصلحة أنظمة متخلفة وبالية وغير مستقلة، فأعيد الشارع الى حضن ممالك الجزيرة العربية، لينتهي به الأمر شلالاً من الدماء، كما هي الحال في ليبيا ثم في سوريا ولبنان.
لا حاجة الى استعراض ما يمكن لهذا العقل الجمعي أن يرى فيه استفزازاً وتحدياً له، من نجاح ثورة إيران في بناء دولة قوية، قابلة للعيش والتطور، وقادرة على مواجهة العالم كله، وخوض معارك قاسية عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية وإعلامية، مع نتائج فيها الكثير من الربح والقليل من الخسائر. والتحول الى رمز لعقل جمعي آخر، يخص أتباع «الشيعية السياسية»، الى نجاح هذا التيار في انتزاع حكم العراق، بكل ما فيه من مشكلات بنيوية وعقلية قد تقود الى كوارث، إلى نجاح تجربة حزب الله كقوة مقاومة صارت لاعباً إقليمياً مهماً، وصولاً الى حماية أبرز الحلفاء في سوريا اليوم.
هذه النتائج المقابلة ربما تعزز الإحباط لدى المنتمين الى العقل الجمعي لأتباع «السنية السياسية». لكن السؤال الحقيقي عند الفرد وعند المجموعة وعند الجماعة من هذا التيار هو: أين يقع الخلل؟ هل هو في أصل الفكرة، أم في المعتقد السياسي ــــ المذهبي، أم في القيادة، أم في آليات التفكير والعمل، أم في الأدوات والحلفاء؟
ما نراه اليوم، من سياسة مملكة آل سعود، وشقيقاتها في الجزيرة العربية، الى حالة «الإخوان المسلمين» في كل العالم العربي والإسلامي، إلى تفرعات «القاعدة» وأخواتها، الى الوجوه الغريبة التي تنشط في سوريا وليبيا وسيناء، الى حالات مدنية مثل أحزاب العدالة والتنمية في تركيا وبقية العالم، الى تيار المستقبل في لبنان. كل هذه القوى تتبع سياسة تعني أن هؤلاء لا يزالون اليوم، وبعد عقد من الزمن، وخسارة كل هذه المشاريع، وفشل كل هذه البرامج، يصرّون على رفض المراجعة وعلى القول: لقد تم إفشالنا!
ليس بمقدور أحد إقناع آخر، أي آخر، بالتراجع الى الخلف بقصد التفكير والمراجعة. وليس بوسع إيران تعديل مزاج هذا الشارع. كما ليس بمقدور شخص مثل السيد حسن نصر الله، اليوم، إقناع جمهور هذا التيار الواسع، بمغادرة هذا المشروع. وليس منطقياً أن يفكر بأمر كهذا، وإن كانت استحقاقات كبيرة تنتظره وحزبه في كل العالم. إلا أن السؤال يعود ليرمى في وجه من يجب أن يتحمل المسؤولية عن مصيره.
السؤال، اليوم، هو برسم كل كاره لحزب الله، وكل رافض لإيران، وكل مشكك في حقيقة أن المقاومة تستهدف القضاء على إسرائيل، وكل مقتنع بأن محور بيروت ــــ دمشق ــــ بغداد ــــ طهران ــــ موسكو، هو محور الشر بعينه. وعلى صاحب هذا الشعور، أو هذه الوجهة، أن يهدأ. وأن يجلس مع نفسه قليلاً، وأن يفكر من دون توتر، مثلما يفكر عندما يختار مدرسة لابنه، ومثلما يدقق عند اختياره لمسكنه أو عمله، ومثلما يحسب تجارته، وأن يدرس الأسباب والمقدمات والنتائج.
وفي ترجمة لهذه الحالة عندنا في لبنان، يفترض بمن هو حامل لهذا الموقف أن يتوقع المزيد من النار. سينتقل القتال الى داخل البيت الواحد. وستتقاتل مجموعات هذا التيار في ما بينها، كما بدأت الأمور في طرابلس، وكما تشتعل النار بصمت، ولكن بقوة، في عرسال وقرى البقاعين الأوسط والغربي، وكما هو الترقب والقلق في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو النازحين السوريين في لبنان.
ما يحصل اليوم، هو مرحلة جديدة عنوانها تصفية الحسابات بين الفاشلين أنفسهم. وسيسعى الكبار من هؤلاء، الذين يتسمون بانتهازية كبيرة، إلى الحفاظ على مواقعهم، بأن يجعلوا الناس يدفعون الثمن عنهم. فيجعلون كوادرهم كبش محرقة. ويتذرعون بالعجز عن العون، بينما هم يكدسون الأموال المنهوبة في جيوبهم. ويسعون الى رفع سقف خطاب التعبئة والتحريض، خشية أن يبتعد المصلّون عن مساجدهم.
السؤال اليوم أمام هؤلاء، ليس: لماذا نكره حزب الله؟ بل لماذا نفشل في مواجهته؟
لا نفع، هنا، لكل ترهات عن اندساس عناصر المخابرات السورية بينهم، أو عن دخلاء بعث بهم حزب الله، ولا عن جيش متغطرس تقوده الدولة الصفوية. كل هذا الكلام لن ينفع في شيء. كما لن تنفع الحريرية أي محاولة لرفع الصوت تحريضاً بقصد كسب الشارع المتوتر. ومن لا يجيد القراءة، فليتعلم من خصمه، وحتى من عدوه. لا أن يبقى أسير فكرة تجعله يهرب الى الأمام، منتقلاً من هزيمة الى أخرى، وإلى حيث يرى في الانتحار قتلاً، خياراً وحيداً للانتساب الى دار الله!
_______
 الأخبار

السبت، 15 مارس 2014

انتشار اى فكر لابد له من حاضنة: دور المخابرات السعودية لنشر المذهب الوهابى

    مارس 15, 2014   No comments
بن عبدالوهاب
هشام حتاته*
بدراسة واعية للتاريخ سنلاحظ ان انتشار اى فكر لابد له من حاضنة ، ففى العصر القديم كانت يثرب هى الحاضنة للاسلام ، وفى العصر الحديث كانت الثورة الفرنسية هى الحاضنه الاولى لافكار فلاسفة التنوير فى اوربا بداية من القرن السابع عشر ، وكانت الثورة البلشفية فى روسيا هى الحاضنة للفكر الماركسى ، وكانت الدرعية – كما وضحنا فى تاريخ الوهابية - هى الحاضنه لافكار محمد بن عبدالوهاب مماادى فى النهاية الى قيام مملكة بن سعود بالتحالف مع الوهابيين . 

الفكر الوهابى كما اوضحنا من قبل نستطيع ان نطلق عليه ( فكر القشور ) وهو فكر متهافت ليس به اى جديد ويستمد اصولة من اكثر المذاهب الاسلامية تهافتا وتشددا وهو المذهب الحنبلى ( ومازلنا نقول حتى الآن للمتعصب فى رأيه – ايا كان الرأى – انت حنبلى ..!!) ، فكيف لهذا الفكر المتشدد - على المستوى الدينى - بين المذاهب الاربعة . والمتهافت على المستوى العقلى والمعرفى ان يتسنى له كل هذا الانتشار فى خلال خمسة عشر عاما فقط من منتصف سبعينات القرن الماضى حتى نهاية الثمانيات - ؟؟ 

جميعنا نستسهل مقولة : ابحث عن البترودولار ، ونحن بالطبع لاننكر دور الدعم المادى الذى وفرته الثروة البترولية التى تراكمت منذ منتصف السبعينيات ، ولاننكر ان هناك سوءات سياسية واقتصادية واجتماعية ادت الى انتشار هذا الفكر فى الدول المحيطة ، وسنتعرض لها فى هذا المقال . ولكن هذا الانتشار السريع كانت وراءه قوة منظمة ومحركة استفادت من سوءات النظم المحيطة وتوفر لها الدعم البترودولارى ، الا وهو جهاز المخابرات السعودى .

مملكة آل سعود كما لايعلم الكثيرون لاتحكمها مؤسسات لصنع القرار، ولاقوانين منظمة للعلاقات بين الناس ، ولامحاكم علنية او نيابة عامة او حتى محامين ، وهى الدولة الوحيدة فى العالم بلادستور ، فدستورها هو عبارة واحدة : الشريعة الاسلامية . انها قبيلة يحكمها زمانيا آل سعود ، ودينيا آل الشيخ ( احفاد بن عبدالوهاب ) ، فكل الوزارات الهامة كالدفاع والحرس الوطنى والداخلية والخارجية يتولاها ابناء الملك عبدالعزيز ، حتى الوزارات الاخرى يكون معظم وكلائها من الجيل الثانى من آل سعود . وكل المدن الكبرى ( امارة منطقة الرياض – امارة منطقة مكة – امارة الطائف ... الخ ) يحكمه امراء من اولاد عبدالعزيز. وبالتالى المدن الاصغر يحمك بعضها امراء من الجيل الثانى او شيوخ من المرتبطين بالنسب أوالمصاهرة أوالمصالح مع آل سعود

المجال الوطيفى والتنظيمى بين وداخل الوزارات هى ( لوائح ) وليست قوانين، والمنازعات الوطيفية يقصل فيها وكلاء الوزارة او الوزراء حسب حجمها ، واذا كانوا من خارج العائلة المالكة يمكنك التظلم الى احد كبار الامراء ، اما اذا كان القرار لامير فيكون قطعيا ونهائيا ، فكلمة الامير لاترد . اما المنازعات المالية والجرائم فيحكمها احد شيوخ الدين ويطلق عليه تجاوزا كلمة قاضى ( فهو لايحكم ضمن قانونين مكتوبة ولكنه يحكم بالشريعة المستمدة من فكر عبدالوهاب والمستمد من سلفهم الصالح ( ابن حنبل ) حسب مايتراءى له من فهمه الشخصى للشريعة ( وسوف نتعرض للاحكام الشرعية التى يتباهون بها على القانون الوضعى – الفرنسى- فى مقال آخر )
جهاز المخابرات السعودية هو اقوى اجهزة الدولة ، يتعامل مع المعارضين لحكم آل سعود
فى الداخل والخارج ، وله دور رئيسى فى رسم سياسة الدولة ، وعلى تعاون وتنسيق وثيق بوزارة الخارجية ، ومن الطبيعى لدولة بلا قانون وبلادستور وبلا قضاء..... ان تكون دولة مخابرات من الطراز الاول .

كان من الطبيعى لهزيمة المشروع الثورى الناصرى فى الخامس من يونيو 1967 ان يصب لصالح مااطلق عليه وقتها الرجعية العربية متمثلة فى الدول الملكية الاستبدادية وعلى رأسها بالطبع مملكة آل سعود التى كانت احدى عوامل هذه الهزيمة - فقد ساعدت الانفصال السورى عن مصر بالدعم المالى المعروف ، ثم كان استنزاف الجيش المصرى فى حرب اليمن بالمساعدة المالية للقبائل المتمردة على الثورة اليمنية المدعومة من مصر - ، وبالتالى كان كل هذا يصب فى النهاية لصالح اسرائيل ، وبعد الهزيمة وفى مؤتمر الخرطوم بعدها بعدة شهور تعهدت السعودية والكويت والامارات بدعم مالى سنوى لكل من مصر وسوريا والاردن . ومع قبول الانظمة الثورية للدعم المالى من الانظمة الرجعية انتهى المد الثورى الذى كان يهدد عروش الانظمة الرجعية . وكان قبول عبدالناصر لمشروع روجرز بداية للاعتراف المصرى بالدور الامريكى فى ادارة الصراع العربى الاسرائيلى .
وجاء السادات
كان قبول عبدالناصر لمشروع روجرز بداية للاعتراف المصرى بالدور الامريكى فى ادارة الصراع العربى الاسرائيلى . ( واعتقد من التحليل المنطقى وقراءة احداث تلك الفترة ) ان السادات راهن على الدور الامريكى بشكل كامل ، وكانت حرب اكتوبر 1973 لتحريك الموقف على خط قناة السويس حتى تتمكن الولايات المتحدة من التدخل لحل النزاع ( ومن يقرأ كتاب السيد / هيكل – الطريق الى رمضان – يجد تلميحا مستترا بأن زيارة السيد /حافظ اسماعيل مستشار السادات للامن القومى وقتها - الى الولايات المتحدة عام 1972تضمنت الوعد بالتدخل اذا قامت مصر بتحريك الموقف لصالحها ) ، واصبحت السعودية من هذا الوقت هى قناة الاتصال والتنسيق بين مصر وامريكا ، وذلك من خلال العلاقة التي أشير إليها تكرارا مع السيد / كمال أدهم مستشارالملك فيصل وصهره – ورئيس المخابرات السعودية وقتها - والتي بدأت مع المؤتمر الإسلامي الذي رأسه السادات في عهد عبد الناصر. وكانت واشنطن على الطرف الآخر تنتظر من حليفها السعودى ان يحقق لها احتواء الضلع الثالث فى المعادلة ( السعودية - مصر- اسرائيل ) . وتغيرت قناعات ، وانتهت تحالفات قديمة لصالح تحالفات جديدة وكان ثمن هذه التحالفات :
- تحجيم نشاط الشيوعيين والناصريين في مصر باخراج المارد الدينى
- طرد الخبراء الروس
في هذا الوقت بدأت السعودية دعم توجهات مصر الدينية ليس بمساعدة الإخوان المسلمين
ولكن بنشر الفكر الوهابي من خلال منظومة خطط لها جيدا في المخابرات السعودية أساسا.

شاهد من اهلها :
يوم الاربعاء 16/8/2006 استضاف البرنامج الناجح في قناة دريم " العاشرة مساءا " والذى تقدمه الاعلامية منى الشاذلى الأستاذ / أحمد باديب نائب رئيس المخابرات السعودية السابق ، والذى قال ماملخصه :
- أن السيد / كمال أدهم كان مستشار للملك فيصل وشقيق زوجته الملكة عفت ، وكان أحمد باديب يعمل معه في المكتب موظفا ، ويبدو من كلامه( وهذا معروف ايضا ) أنه كان مستشارا لشئون المخابرات بعد ان ترأسها لفترة من الوقت .
- وعن كيفية التحاقة بالعمل فى المخابرات بعد ذلك . يقول ( أنه ذهب الى أمريكا لعمل ماجستير فيما يسمي "كيفية نشر فكر معين بين الناس" وأخذ مثالا تطبيقيا علي ذلك في رسالته دور الأزهر في نشر الفكر الشيعي في مصر في عهد الفاطميين. ومن المعروف أن الفاطميين عندما احتلوا مصر أنشأوا الأزهر لينشر فكرهم الشيعي بين الشعب المصري السني. ولقد نجح الأزهر في ذلك إلا أنه بعد الفاطميين جاء الأيوبيين وأعادوا المذهب السني للمصريين)
- ثم أضاف : ( وعندما عاد إلي المملكة طلبه الأمير تركي بن فيصل "مدير المخابرات السعودية وقتها" للعمل معه في المخابرات )
- رسأله الماجستير موحية .. "كيف تنشر فكر معين".
- وطلبه للعمل في المخابرات بعدها مباشرة موحيا
- والأزهر نموذجا موحيا.
وواضح ان رسالة الماجستير هذه كان مطلوب تطبيقها عمليا في "كيفية نشر المذهب الوهابي في مصر ... !! "
** وبدأت حملة التضليل والخداع والكذب على غرار مقولة جوبلز وزير الدعاية الهتلرى : اكذب .. اكذب.. فسوف يصدقك الناس فى النهاية . ولعدم وجود الرأى الآخر نظرا للمصالحة بين الثورية والرجعية ، ولأن القضية تمس الدين والعالم الآخر لدى المصريين ( وهى من اقدس عقائد المصرى منذ بداية تاريخه وحتى الآن - مع الفارق ان دخول مملكة اوزيريس فى العالم الآخر كانت تكتفى بالاقرار بمجموعة قيم الضمير ، ودخول مملكة الاله الوهابى كانت قائمة طويلة من المحرمات تبدأ باللحية وتنتهى الى غرف النوم فى العلاقة بين الرجل وامرأته .. !! )

**وفى الوقت الذى كان القاتل يشحذ سكينة كان المقتول مستعدا للذبح ...!!
انبهر الغلابة بالريالات والدولارات والأسواق المليئة بالسلع من كافة أرجاء الأرض .. ومن ضمن ماانبهروا به هو الشكل الدينى ..و كانوا يرددون على مسامعهم دائما : ولأن أهل القرى آمنوا واتقوا لرزقناهم .. الآية . وان الثراء البترولى هو دعوة ابراهيم : وارزقهم من الثمرات .... الآية ، والملك عبد العزيز طيب الله ثراه ( كما يقولون .. !! ) اشيع ان احفاد عبد الوهاب باركوا له ما فوق الأرض وما تحت الأرض .فكان فوق الأرض هي جزيرة العرب في مملكة له ولا بنائه وما تحت الأرض كان .. البترول .... ! . وهذه أرض الرسول.وهؤلاء من هذا النسل الطاهر التقي الورع الطيب .. هل هناك تقوى وإيمان أكثر من هذا ..!!
الغلابة يتم غسل مخهم ، والحجاج المصريين يأقون وتوزع عليهم كتب الوهابية ويعودون بها. - وإن الحكم إلا لله و ليس حكم البشر .. والوهابية هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية .. وهم من استجاب الله لدعوة إبراهيم أبو الأنبياء في عهدهم وعلى ايديهم.، فما نقوله هو الصحيح .. وما تعودتم عليه في مصر من زيارة الأضرحة والتبرك بهم هوشرك بالله وكفر ما دونه كفر .
معاملات البنوك ربا ... مرتبات الدولة المصرية حرام لانها من السياحة وبيع الخمور ، القانون الفرنسى المطبق فى مصر حرام لانة مخالف للشريعة الاسلامية ..... !!! . وعاد المصريين ومعظمهم من العمال واصحاب الحرف ليرددوا نفس الاقوال فى عملية تعويض نفسى عن ضحل ثقافتهم ليتعالموا على اهل المحروسة ، فهم قادمون من بلاد الحرم بالدين الصحيح ...!!
واذا عدنا الى الجزء الاول من الدراسة التى نشرت ضمن مقالاتنا على الحوار المتمدن بعنوان : الوهابية .. التاريخ . والتى اوضحنا فيها ان من اهم الاسس التى قامت عليها دعوة محمد بن عبدالوهاب هى التركيز على التناقض بين الحاكم والمحكوم فى قضية الدين .

بن لادن صناعة مخابراتية
وعودة الى المقابلة التلفزيزنية المشار اليها مع السيد/ باديب عندما سألته المذيعة عن بن لادن قال : أنه كان تلميذه في إحدى مدارس جده ( مدرسة الثغر النموذجية والتى كانت مخصصة للنخبة من ابناء الامراء والوجهاء والوزراء - الكاتب ) وبعدها قابله مرارا عندما أصبح في المخابرات حيث أنه كان مسئولا عن ملف أفغانستان في المخابرات السعودية .
انتهى كلام السيد / باديب ولكن تعليقنا لم ينتهى ، فعلي أرض أفغانستان تحرك الحلف الثلاثي - مصر بالحشد البشري والسعودية بالحشد العقائدي والتمويل المالي وأمريكا بالخبرة والسلاح - لمواجهة الاحتلال الروسي الشيوعي لدولة مسلمة هي أفغانستان .
وخرج الجن من القمقم : قتل السادات ... وانفجرت نيويورك فى 11 سبتمبر .. وشهدت مدن المملكة ولاول مرة فى تاريخها التفجيرات . ومازالت الفاتورة تدفع يوميا بعشرات القتلى فى بلداننا الاسلامية : العراق ولبنان وفلسطين وافغانستان وباكستان والصومال واليمن والمغرب والجزائر .. مع خالص التحية لوهابيتنا السعيدة وراعيها البطل الهمام .
_______________
* هشام حتاته: - من مواليد 14/8/1951باحدى قري محافظة الغربية فى دلتا مصر
- كاتب وباحث فى تاريخ الاديان ، ومن المنتمين الى مدرسة نقد الفكر الدينى الحديثة وكشف المستور والمضمر والمسكوت عنه فى التراث الدينى وتحطيم التابوهات
- حاصل على بكالوريوس تجاره عام 1973 وبدا حياته العملية محاسبا بالفنادق المصرية وتدرج حتى مدير مالى وترك العمل الحكومى ليتفرغ لاعمالة التجارية .
- عمل فى مملكة آل سعود خمسة سنوات من عام 1976 حتى عام 1981 وكانت بداية رحلته فى الاطلاع على التراث الدينى الاسلامى الاسطورى العتيق والتى امتدت لخمسة عشر عاما .
- بدأت الرحلة مع التاريخ الحقيقى للاسلام وتطبيقات العلوم الحديثه عليه ووضعه تحت مجهر البحث العلمى من عام 1995 مع البدايات الاولى للراجل فرج فودة والدكتور القمنى والراحل نصر ابوزيد ....... الخ وحتى صدور اول كتبى فى مايو من عام 2007 بعنوان ( الاسلام بين التشدد البدوى والتسامح الزراعى ) وكان اول كتاب فى مصر يتعرض للتاريخ الحقيقى للفكر الوهابى ونشاته واسباب انتشاره ، وتنبأت فيه ايضا بوصول الاسلاميين الى حكم مصر بعد خمسة سنوات ( والذى تحقق بالفعل فى مايو 20012 ) وبعدها كتاب من جزأين بعنوان (التراث العبء ) وبعض المقالات فى الصحافة المصرية الورقية التى سمح بنشرها

الجمعة، 14 مارس 2014

قطر والسعودية: كما يشتري الخليجيون، كل لوازمهم جاهزة، اشترت قطر تنظيماً عريقاً جاهزاً وبحاجة إلى مقر ومنبر وتمويل، أي الإخوان المسلمين

    مارس 14, 2014   No comments
ناهض حتر
 الصراع الذي بدأ، منذ وقت بعيد، قبلياً محلياً في نجد، بين آل سعود (من عنزة) وآل ثاني (من تميم)، تحوّل في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين إلى مفصل رئيسي في استراتيجيات الصراع الكوني. لا يعود ذلك، بالطبع، إلى عبقرية العائلتين البدويتين، وإنما إلى ثلاثية الطاقة والدين والإرهاب الشرق أوسطية

تبدو السعودية، اليوم، وقد حسمت أمرها مع قطر، ساعيةً إلى عزلها خليجياً وعربياً ودولياً، وتضرب بعنف أداتها التدخلية الإقليمية، الإخوان المسلمين، وتشنّ عليها هجوماً شرساً، لا نعرف سوى الجزء المعلن منه؛ فالأجندة مكتظّة بالإجراءات اللاحقة، وعلى المستوى السري، لم يعد مستبعداً توجيه ضربات أمنية للقطريين ومصالحهم بوساطة أدوات إرهابية سعودية، بل حتى بوساطة الصدام العسكري.

القطريون الذين يملكون، بدورهم، شبكاتهم الإرهابية الخاصة، سيردّون على السعودية في سوريا، ربما في المدينة/ الدولة المزدهرة، إنما الهشّة أمام سلسلة تفجيرات، دبي، وحتى داخل السعودية نفسها؛ يمكن تغطية المعارضة الشيعية سياسياً وإعلامياً، ويمكن تحريك خلايا نائمة.
بالطبع، سيكون احتدام الصراع بين مركزَي الوهابية هذين لحسن حظ العالم العربي والإسلامي؛ دماء السوريين لن تذهب هدراً، ولن يكون محور المقاومة مضطراً للرد على الإرهاب السعودي ـــ القطري؛ سيتولى الطرفان الاقتصاص في حربهما الثنائية التي يبدو أنه لا مفر منها.
مضى قرن كامل على التدخل البريطاني لطيّ مطالبة المملكة السعودية بضم شبه جزيرة قطر، التي يعدّها السعوديون جزءاً من الإحساء، لكن الجمر لا يزال تحت الرماد؛ الرياض لا تزال تنظر إلى قطر كإقليم انفصالي، ولا تزال تنظر إلى آل ثاني كأتباع متمردين على عرش الدنيا والدين السعودي. بالمقابل، يرى آل ثاني أنفسهم جديرين بمنافسة ملوك الرياض؛ فعوامل الجغرافيا والديموغرافيا والمكانة الدينية والسياسية لا قيمة لها، جدياً، في عالم القبائل.
لكن تلك مجرد الخلفية النفسية التاريخية، فاللوحة اليوم معقّدة للغاية: قطر الصغيرة القليلة السكّان، وإنما البالغة الثراء، انتهجت استراتيجية ناجحة لحماية الذات وتعظيم المكانة والدور؛ عملت على شغل أكبر المساحات العربية في العالم الافتراضي للفضائيات والإعلاميات والثقافيات والإنترنت، المئات من الإعلاميين والمثقفين والتقنيين العرب ـــ الذين لا يمكن انتاجهم إلا في مجتمعات عريقة وكثيفة ومتحضرة ـــ كانوا، وقد همّشهم فشل التنمية العربية، في خدمة المشروع القطري، معهم الآلاف من نخب العالم العربي، ممن يبحثون عن منبر وجدوه في قناة «الجزيرة»؛ لكن قطر لم تكتف، حسب الدرس السياسي اللينيني ـــ «بالجريدة»، وإنما عملت على امتلاك تنظيم سياسي إقليمي ودولي. وكما يشتري الخليجيون، كل لوازمهم جاهزة، اشتروا تنظيماً عريقاً جاهزاً وبحاجة إلى مقر ومنبر وتمويل، أي الإخوان المسلمين. كل شيء كان ناجحاً قبل الربيع العربي، كانت قطر قادرة على اختراق الفضاء العربي إعلامياً وسياسياً، تحظى بالمقبولية لدى المتصارعين، تقيم علاقات مع محور المقاومة ومع إسرائيل، ومع إيران وتركيا؛ بدت أعجوبة ربع القرن الأخير! لكن النجاح الصاعق الكبير أوهمها، وانتقل بها من استراتيجية حماية الذات إلى استراتيجية السيطرة على العالم العربي؛ هنا اصطدم الافتراضي بالواقعي، وبدأ يتهشم، بينما السعودية تنتظر للأخذ بالثأر، ووضع حد للتوسع القطري.
جزئياً، كان بإمكان قطر، لو أنها اكتفت بقدر من النجاح في مصر وتونس وليبيا، أن تحافظ على مكانتها، وتعزز ودورها، لكنها توهمت بأنها يمكن أن تلعب لعبة الربيع العربي، ولو بالدمار وأنهر الدماء، في سوريا؛ هنا انتهت اللعبة؛ فسوريا التي تتمتع بنسيج اجتماعي داخلي يمثل قاعدة واسعة نسبياً للنظام، وتتمتع بجيش متماسك ومقاتل، تشكل أيضاً معقلاً للروس والإيرانيين والمقاومة والتيارات اليسارية والقومية والعلمانية العربية، ومعقلاً للمسيحية المشرقية. وكل هذه القوى انخرطت في معركة الدفاع عن سوريا، ونظامها، وخياراتها في مواجهة غرب منهك وضائع الرؤية، وقوى إسلامية بلا أفق فكري حديث ولا برنامج ولا زعامة، لا تملك من متاع السياسة سوى التكفير والإرهاب.
في سوريا، وسّعت قطر تنظيمها ليشمل، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين، الشبكات الإرهابية، وتحالفت مع تركيا في حرب ضروس على الشعب السوري، وأمسكت بالملف كله ردحاً من الزمن، وخاضت الحرب بكل أوراقها، بما فيها ورقتها الأثمن، حركة حماس، فأخرجتها من سوريا، ومن محور المقاومة، وانجرّت الى المشاركة في الصراع السوري، فخسرت ما كانت تتمتع به من إجماع شعبي عربي، وفقدت سمعتها وهيبتها كحركة مقاومة. والخسارة، هنا، في النهاية، خسارة قطرية صافية من دون مقابل.
هزيمة المشروع في سوريا أدت إلى تخلخل موازين القوى على مستوى المنطقة كلها؛ سقط الإخوان المسلمون في الأردن ومصر وتراجعوا في تونس، وتخلخلت قوتهم في تركيا نفسها، ومع ما أصاب المشروع القطري من انتكاسات ووهن، كان هناك الأميركيون غير الراضين عن التوسع القطري الطموح، والسعوديون الذين تقدموا بعد تنحي الحمدين بالهزيمة، إلى صدارة المشهد، في سلسلة من المبادرات: (1) تكوين التحالف السعودي الإماراتي البحريني الأردني، (2) الإغداق المالي والدعم السياسي والإعلامي للنظام العسكري المصري في مواجهة الإخوان المسلمين، (3) تجديد الحرب في سوريا من خلال محاولات مثابرة لإعادة تكوين الجماعات المسلحة الإرهابية، وتوفير الدعم السياسي والتمويل والتدريب والتسليح لمن يقدّم منها الطاعة للمملكة السعودية، (4) التحرك في لبنان على مستويين، إرهابي مضاد لحزب الله والمصالح الإيرانية، يبتز الآخرين على المستوى السياسي لإعادة تعويم تيار المستقبل، وإحداث اختراقات في جبهة 8 آذار.
مشكلة السعودية الكبرى الباقية تكمن في العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما؛ فالعلاقات المتشعبة الواسعة النطاق وشبه العلنية مع شبكات الإرهاب الإسلامي، تجاوزت، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الحدود. وفي مفصل أساسي في السياسة الخارجية الأميركية هو مفصل التفاهم مع إيران في الملف النووي والملفات الإقليمية الساخنة الأخرى، رأت السعودية أنها معزولة، وهي التي كانت تراهن على ضربة أميركية عسكرية حاسمة لإسقاط النظام السوري، فاجأها التفاهم الروسي ـــ الأميركي في صيف 2013، على الاتفاق مع نظام الرئيس بشار الأسد على التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية، وتلافي حرب لم تكن واشنطن تريدها، إنما وجدت نفسها متورطة على حافتها.
السعودية التي تواجه التحدي الروسي الإيراني السوري، والضغوط الأميركية، والاستعداد القطري للانقضاض على دورها مجدداً، ذهبت إلى ثلاثة خيارات استراتيجية هي (1) التحالف مع إسرائيل والتنسيق معها في الحرب السورية وفي المواجهة المحتملة مع إيران، (2) السعي إلى الإمساك الكامل بورقة «المعارضة» السورية الخارجية، وبالتنظيمات المسلحة على الأرض، وضرب أي تنظيم لا يخضع كلياً للإدارة السعودية، باعتباره تنظيماً إرهابياً. (نلاحظ أن معيار الإرهاب، هنا، لا يتعلق بالفكر التكفيري واستخدام العنف الدموي ضد المدنيين والذبح على الهوية الطائفية الخ؛ فالتنظيمات الإسلامية التي تدعمها السعودية في سوريا باعتبارها معتدلة تتبنى برنامج فرض الشريعة وإقامة نظام إسلامي طائفي وتمارس التعبئة والقتال على أساس تكفيري وطائفي الخ)، (3) استخدام لعبة الباب الدوّار في الموقف من الإرهاب؛ إدانته والاستمرار في دعمه وتشغيله لضرب النظامين السوري والعراقي، على أسس التحشيد الطائفي ميدانياً، وباعتبارهما حليفين للعدو الرئيسي للسعودية، أي إيران. وفي هذا السياق ـــ ومن دون التوقف عن العلاقات مع الإرهابيين تحت مسميات مختلفة، الجيش الحر، المقاتلين «العلمانيين» المدربين لدى السي آي إيه، الجبهة الإسلامية المصنفة كمنظمة «معتدلة» ـــ قامت السعودية بالإعلان عن سياسات تمهد للتوافق مع «الزائر الأميركي الكبير»، باراك أوباما، الذي يحل ضيفاً على السعودية قريباً، للتفاهم على تجديد التحالف الثنائي وسط التغيّرات الإقليمية والدولية العاصفة: حظرت الرياض على مواطنيها القتال في سوريا أو خارج المملكة ـــ لكن من دون إجراءات ميدانية ـــ وأوقفت التحريض التكفيري داخلها، ثم انتهت إلى إعلان عدة منظمات باعتبارها إرهابية: «داعش» المتمردة أصلاً عن الخضوع للاستخبارات السعودية (تقاتلها في سوريا وتدعمها في العراق!) و«جبهة النصرة» المصنّفة، بالأساس، إرهابية، لدى الأمم المتحدة. لكننا، هنا، لسنا سوى بإزاء مسميات متحركة لجسم تكفيري طائفي إرهابي تسعى السعودية إلى التخلص من بعض قياداته وتنظيم صفوفه في جيش موحد تحت إمرتها. لكن جرى استخدام هذه المناورة الإعلامية الأمنية لتوجيه ضربة موجعة للقطريين: إعلان حركة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً؛ ليس هذا الإعلان عابراً ولا هو مجرد تلاعب بالألفاظ والمسميات؛ فلسنا، هنا، بإزاء جسم إسلامي تكفيري مقاتل يمكن إعادة تدويره وفكه وتركيبه، بل بإزاء حركة سياسية صلبة الحضور المادي والسياسي، وإعلانها تنظيماً إرهابياً من قبل السعودية، سوف يرتّب على الحركة أعباء سياسية ثقيلة جداً، ويربكها، ويزيد من حصارها؛ ففي مصر سوف تزداد الحرب التي تشنها على الإخوان، ضراوة وشدة، وفي فلسطين، سوف يكون على حماس أن تلجأ إلى فتح رام الله، كملاذ آمن، وفي تونس، سوف تضطر حركة النهضة الإخوانية إلى المزيد من التراجع والتواضع، أما في الأردن، فقد حدث ما يأتي: لم يكد حبر القرار السعودي باعتبار الإخوان تنظيماً إرهابياً، يجفّ، حتى تحوّل إخوان الأردن من المعارضة إلى الموالاة!
هذه ضربة معلّم سعودية عنيفة للأداة السياسية الإقليمية لآل ثاني، تتضمن، في الوقت نفسه، إحراج الأميركيين، ولزّهم إلى ارتباك مضاعف في علاقاتهم مع الإخوان المسلمين، وفي موقفهم من الصراع الدائر في مصر، وخصوصاً أن السعوديين قدّموا لواشنطن تنازلات شكلية ووهمية في ملف محاربة الإرهاب. والآن، إذا ما تمكنت الرياض من التوصل إلى تفاهمات مع زائرها، أوباما، فسيكون على قطر أن تتلقى المزيد من الضربات السعودية.
الرد القطري الممكن انطلق من حيث ارتكبت قطر خطأ عمرها، أي من سوريا؛ تطبيع العلاقات مع دمشق مقدمة لا بد منها للقيام بتفاهمات جوهرية مع طهران وموسكو. وهذا ما بدأت الدوحة القيام به فعلاً، ويلقى قبولاً سورياً؛ الآن، تحت تزايد الضغط السعودي، سوف تتكثف الاتصالات القطرية مع أطراف محور المقاومة، وعما قريب، ربما نشهد تطورات ميدانية في الحرب السورية، تعلن نهاية التدخل القطري ـــ التركي فيها، وتسريع مصالحات مع جهات وتنظيمات على الأرض، تبيّن من خلال عملية إطلاق سراح الراهبات المختطفات في يبرود، أنها ما تزال تدين بالولاء للدوحة؛ هل ستكون مصالحة منتظرة في يبرود بالذات، بداية لمسيرة تفاهم بين محور المقاومة وقطر؟ سؤال برسم المستقبل القريب.

«تمرّد» أردني على السعودية

أبلغت الرياض، عمّان، بصورة حاسمة، رفضها، من حيث المبدأ، أي وساطة يبدو أن الدبلوماسية الأردنية اقترحت القيام بها لإجراء مصالحة سعودية ـــ قطرية. المسؤولون الأردنيون الذين يدركون حجم الآثار السلبية التي سيتركها التفكك الخليجي، وتفاقم الصراع بين السعودية وقطر، على التموضع الأردني القلق، وجدوا أنفسهم مندفعين إلى القيام بشيء ما، لتلافي الأسوأ، لكن السعودية رفضت الفكرة و«غضبت منها».
مطبخ القرار الأردني، بدوره، رفض ضغوطاً سعودية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة. ولفت مسؤول أردني، لم يذكر اسمه، في تصريحات صحافية، إلى أنه «حتى في حال إجماع مجلس التعاون الخليجي على موقف موحد من قطر، فإنه ليس ملزماً للأردن؛ لأنه ليس عضواً في المجلس».
على الصعيد نفسه، أبلغت عمان جهات سعودية وإماراتية أنها لن تتبع مصر والسعودية في قرارهما حظر جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها منظمة إرهابية، «طالما أنها تواصل الالتزام بالمنهج السلمي».
_____________
 «الأخبار»

الجمعة، 7 مارس 2014

السعودية تتبنى “القبضة الحديدية”.. وتتخلص من ارث الامير بندر بن سلطان في سورية.. قطر و”الجزيرة” قد تجرمان قريبا جدا بتهمة دعم “الارهاب الاخواني”.. و”دعاة التويتر” تنتظرهم اياما عصيبة وربما السجن

    مارس 07, 2014   No comments
عبد الباري عطوان
عندما تساوي المملكة العربية السعودية بين حركة الاخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة”، وتضعهما جنبا الى جنب في قائمة “الارهاب” التي تضم ست جماعات اخرى، فان هذا لا يعني، ومنذ الوهلة الاولى، انها قررت اعلان الحرب عليها، اي حركة الاخوان، وكل الدول الداعمة لها (تركيا وقطر)، وكل من يعتنق فكرها داخل المملكة وخارجها.

هذا القرار السعودي غير المسبوق صدر عن وزارة الداخلية السعودية ظهر الجمعة، وجاء بعد بضعة اسابيع من زيارة الامير محمد بن نايف وزير الداخلية الى واشنطن، ولقائه مع اركان الادارة الامريكية، وقادة اجهزتها الامنية على وجه الخصوص.

الامير محمد بن نايف الذي حل محل ابن عمه الامير بندر بن سلطان في الاشراف على الملف الامني السعودي بكل جوانبه الداخلية والخارجية، اراد ان يحكم قبضته على الداخل السعودي، ويقتلع جذور “الاسلام السياسي” الذي يشكل الخطر الاكبر على حكم آل سعود من وجهة نظره، بسبب تغلغه في المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تستطيع السلطات الامنية حجبها او السيطرة عليها بشكل كامل.

وصم حركة الاخوان المسلمين بالارهاب يعني تجريم معظم الدعاة السعوديين الكبار والصغار، وتشريع اعتقالهم، وتطبيق احكام القوانين الجديدة عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاث وعشرين عاما.
ومن ابرز هؤلاء الشيوخ محمد العريفي، سلمان العودة، ناصر العمر، محسن العواجي، عايض القرني، عبد الله المحيسني والقائمة طويلة.
وربما يجادل بعض هؤلاء بانهم ليسوا اعضاء في تنظيم الاخوان المسلمين، وهذا صحيح، فالتنظيم لا يصدر بطاقات عضوية فعلا وقد صرح رضا فهمي عضو مجلس شورى الاخوان ان الجماعة ليس لها اي تنظيم في السعودية، ولمنه اعترف “ان هناك من يؤمن بافكار الجماعة المعتدلة شأن الكثيرين في الدول العربية”، ولكن القانون نص صراحة على الصاق تهمة الارهاب بكل “من يقوم بتأييد التنظيمات او الجماعات او التيارات، او التجمعات، او الاحزاب او اظهار التعاطف معها، او الترويج لها، او عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة او خارجها”.
***
ولعل الفقرة الاخطر في البيان السعودي تلك التي تقول “يشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الاعلام المسموعة، او المقروءة، او المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى انواعها، المسموعة او المقروءة، او المرئية، ومواقع الانترنت، او تداول مضامينها بأي صورة كانت، او استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، او اي رموز تدل على تأييدها او التعاطف معها”، وهي فقرة اغلقت كل الثقوب والثغرات في وجه اي محاولة للتعبير خارج اطار وسائل الاعلام الرسمية!
بمعنى آخر ان مشاركة دعاة سعوديين في اجتماعات ولقاءات هيئة كبار العلماء المسلمين الذي يتزعمه الشيخ يوسف القرضاوي تضعهم تحت طائلة قانون الارهاب، والشيء نفسه ينطبق على كل من يظهر على قناة “الجزيرة” او يضع شعار ميدان رابعة العدوية الاصفر بالاصابع الاربعة، وهناك عشرات الآلاف من السعوديين يضعون هذه الشعار على صدر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي مثل “التويتر” و”الفيسبوك” وغيرها، ومن بين هؤلاء دعاة كبار وصغار وطلاب علم.
السلطات السعودية تشعر فيما يبدو ان الخطر بدا يطرق ابواب بيتها الداخلي بقوة، وان اعمال التمرد والعنف قد تتصاعد داخل العمق السعودي، بعد ان طال امد الازمة السورية، ودخول الحرب فيها عامها الرابع، وتقدم اولوية مكافحة الارهاب على الارض السورية على اولوية اطاحة النظام التي كانت تتقدم على ما عداها في بداية الازمة.
المملكة العربية السعودية ونظام الرئيس بشار الاسد اصبحا في خندق واحد في مواجهة “الارهاب”، والقوانين الجديدة تؤكد هذه الحقيقة الصادمة بشكل او بآخر، بما في ذلك تجريم مشاركة المواطنين السعوديين في القتال على الارض السورية، واعطائهم مهلة اسبوعين للعودة فورا والا واجهوا عقوبات بالسجن تصل الى عشرين عاما.
من الواضح ان الامير محمد بن نايف الذي يقف خلف هذه القوانين ومراسيمها قرر التخلص بصورة نهائية من ارث ابن عمه بند بن سلطان، وان واعادة النظر في مفهوم التدخل السعودي العسكري تدريجيا في سورية، وان يزيل عن بلده اي شبه بدعم الارهاب لما يمكن ان تنطوي عليه هذه التهمة من عواقب قانونية دولية مستقبلا.
مسؤول امارتي قال لي قبل عشر سنوات، ان بلاده خسرت اكثر من 15 مليار دولار لتنفي عن نفسها هذه التهمة بسب مشاركة مواطن يحمل جنسيتها في هجمات الحادي العشر من سبتمبر (مروان الشحي)، فترى كم خسرت المملكة التي شارك 17 من حملة جنسيتها في هذه الهجمات؟
وما دمنا نتحدث عن الازمة السورية، فان السؤال الذي يطرح نفسه سيكون عن موقف المملكة من الائتلاف الوطني السوري الخيمة التي تنضوي تحتها معظم فصائل المعارضة السورية، ومن بينها حركة الاخوان المسلمين السورية، فهل ستسحب اعترافها بهذا الائتلاف، ام انها ستشترط استمرار اعترافها بطرد جميع الاعضاء المنتمين لهذه الحركة في هيئة قيادة المعارضة؟ سننتظر لنرى!
وومن غير المعتقد ان التجريم بتهمة الارهاب لن ينطبق حتما على الافراد والجماعات فقط، وانما على الدول ايضا، والمقصود هنا دولة قطر التي تقدم الدعم المالي والاعلامي والسياسي لحركة الاخوان المسلمين وتعترف بذلك علنا وترفض كل الضغوط لتغيير موقفها هذا، مثلما تقدم المأوى والحماية لقياداتها التي لجأت اليها، فاذا كانت جريمة الفرد الذي يجمع المال لحركة الاخوان السجن عشرين عاما فما هي عقوبة الدول التي تقدم لهم المليارات؟
لا نستغرب، بل لا نستبعد، اذا ما قامت القوات السعودية باقتحام الحدود القطرية “يوما ما” بسبب دعم دولة قطر لحركة “ارهابية” تهدد امن واستقرار المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر ومصر ايضا، سواء كانت هذه الحركة هي الاخوان المسلمين او حركة “الحوثيين” في شمال اليمن التي وضعت على قائمة الارهاب السعودية ايضا، وقال الامير سعود الفيصل في اجتماع وزراء الخارجية لدول الخليج  الاخير في الرياض ان بلاده تملك وثائق رسمية بدعم قطر لهذه الحركة بالمال والسلاح.
***
محطة “الجزيرة” القطرية ربما تكون اول محطة ستوضع على قائمة المحطات “الارهابية”، لانها تستضيف يوميا قيادات في حركة الاخوان المسلمين وتغطي احتجاجاتها المناهضة للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر، ولن يكون مفاجئا بالنسبة الينا اذا ما تعرضت مكاتبها للاغلاق اليوم قبل غدا، او حتى تعرضت مقراتها للقصف، الم يفكر الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش بقصفها، وتشاور مع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا جديا حول هذا الامر، حسب ما جاء في وثائق ويكيليكس؟ الم يطالب ملك عربي الرئيس بوش نفسه بتوجيه واحد من الصواريخ الذاهبة الى العراق لقصف مقر “الجزيرة” في الدوحة؟
نشم رائحة حرب في منطقة الخليج، حرب اعلامية وربما تتبعها حرب عسكرية، فالتوتر في ذروته، ووساطات “بوس اللحى” السابقة لم تعد تجدي نفعا، فقد اتسع الخرق على الراقع.
السلطات السعودية تقدم على مغامرات خطيرة جدا وتستعد للمواجهة على اكثر من جبهة، وتلجأ وبصورة اكثر قوة للقبضة الحديدية، لتكتيم الاصوات، وتقييد الحريات، في وقت تثور فيه الشعوب من اجلها، ولا بد ان هناك اسباب لا نعرفها تدفعها للذهاب الى هذه الدرجة من التشدد في هذا المضمار.
منطقة الخليج تقف حاليا على حافة تطورات غير مسبوقة لا يستطيع احد التنبؤ بنتائجها مهما اوتى من علم وبعد بصيره، فيبدو ان سياسة محاربة الثورات المطالبة بالديمقراطية في نهدها كأسلوب وقابة قد فشلت ولا بد من سياسة جديدة بديلة لتحصين الداخل من خلال القبضة الحديدية، السياسة التي اتبعها النظام السوري، ولكن باساليب غير دموية، وهذا لا يعني انها قد لا تتطور الى الحلول الامنية العسكرية لاحقا.
السعودية التي كنا نعرفها طوال الثمانين عاما الماضية تقف على ابواب مرحلة جديدة من التغيير، سنترك الحكم للمستقبل عما اذا كان هذا التغيير للافضل او الاسوأ.

الخميس، 6 مارس 2014

السعودية تحدد الإرهاب والإرهابيين: القاعدة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وجبهة النصرة، وحزب الله في داخل السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثيين

    مارس 06, 2014   No comments
أعلنت السعودية «تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وجبهة النصرة، وحزب الله في داخل السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثيين»، تنظيمات وجهات إرهابية، يحظر الانتماء إليها ودعمها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأن هذا الحظر يشمل «كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكرا، أو قولا، أو فعلا، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعرفت بالإرهاب وممارسة العنف».

 نص البيان:

«الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فاستنادا إلى الأمر الملكي الكريم رقم أ-44 وتاريخ 3-4- 1435هـ، القاضي في الفقرة (رابعا)، بتشكيل لجنة من وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة العدل، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، تكون مهمتها إعداد قائمة - تحدّث دوريا - بالتيارات والجماعات المشار إليها في الفقرة (2) من البند (أولا) من الأمر الكريم، ورفعها لاعتمادها.. فتود أن توضح وزارة الداخلية أن اللجنة المشار إليها اجتمعت وتدارست ذلك ورفعت للمقام الكريم بأن يشمل ذلك كل مواطن سعودي أو مقيم عند القيام بأي أمر من الأمور الآتية:


1ـ الدعوة للفكر الإلحادي بأي صورة كانت، أو التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي التي قامت عليها هذه البلاد.

2ـ كل من يخلع البيعة التي في عنقه لولاة الأمر في هذه البلاد، أو يبايع أي حزب، أو تنظيم، أو تيار، أو جماعة، أو فرد في الداخل أو الخارج.

3ـ المشاركة، أو الدعوة، أو التحريض على القتال في أماكن الصراعات بالدول الأخرى، أو الإفتاء بذلك.

4ـ كل من يقوم بتأييد التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها.

5ـ التبرع أو الدعم، سواء كان نقديا أو عينيا، للمنظمات، أو التيارات، أو الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، أو إيواء من ينتمي إليها، أو يروج لها داخل المملكة أو خارجها.

6ـ الاتصال أو التواصل مع أي من الجماعات، أو التيارات، أو الأفراد المعادين للمملكة.

7ـ الولاء لدولة أجنبية، أو الارتباط بها، أو التواصل معها بقصد الإساءة لوحدة واستقرار أمن المملكة وشعبها.

8ـ السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، أو الدعوة، أو المشاركة، أو الترويج، أو التحريض على الاعتصامات، أو المظاهرات، أو التجمعات، أو البيانات الجماعية بأي دعوى أو صورة كانت، أو كل ما يمس وحدة واستقرار المملكة بأي وسيلة كانت.

9ـ حضور مؤتمرات، أو ندوات، أو تجمعات في الداخل أو الخارج تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة في المجتمع.

10ـ التعرض بالإساءة للدول الأخرى وقادتها.

11ـ التحريض، أو استعداء دول، أو هيئات، أو منظمات دولية ضد المملكة.

وتشير وزارة الداخلية إلى أنه تمت موافقة المقام الكريم على ما جاء بهذه المقترحات وصدر الأمر الكريم رقم 16820 وتاريخ 5-5-1435هـ باعتمادها، وأن يبدأ تنفيذ هذا الأمر اعتبارا من يوم الأحد 8-5-1435هـ، الموافق 9 مارس 2014م، وأن من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال منذ هذا التاريخ ستتم محاسبته على كافة تجاوزاته السابقة، واللاحقة لهذا البيان، كما أمر المقام الكريم بأن يمنح كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت مهلة إضافية، مدتها خمسة عشر يوما اعتبارا من صدور هذا البيان لمراجعة النفس والعودة عاجلا إلى وطنهم، سائلين الله أن يفتح على صدورهم، وأن يعودوا إلى رشدهم.

وإذ تعلن وزارة الداخلية ذلك لترفق بهذا القائمة الأولى للأحزاب، والجماعات، والتيارات التي يشملها هذا البيان، وهي كل من أطلقت على نفسها مسمى: (تنظيم القاعدة - تنظيم القاعدة في جزيرة العرب - تنظيم القاعدة في اليمن - تنظيم القاعدة في العراق - داعش - جبهة النصرة - حزب الله في داخل المملكة - جماعة الإخوان المسلمين - جماعة الحوثي)، علما أن ذلك يشمل كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكرا، أو قولا، أو فعلا، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعرفت بالإرهاب وممارسة العنف.

وسوف تقوم الوزارة بتحديث هذه القائمة بشكل دوري وفق ما ورد في الأمر الملكي الكريم، وتهيب بالجميع التقيد التام بذلك، مؤكدة في الوقت نفسه أنه لن يكون هناك أي تساهل، أو تهاون مع أي شخص يرتكب أيا مما أشير إليه.

ونسأل الله عز وجل الهداية للجميع، مستذكرين قول الحق تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم)».

الأربعاء، 26 فبراير 2014

«الجماعة» غاضبة من الحريري: انقلب على مبادئه

    فبراير 26, 2014   No comments
غسان ريفي

تتسع الهوة تدريجياً بين الرئيس سعد الحريري وبين «الجماعة الإسلامية» التي تعتبر قيادتها أن «رئيس الحكومة السابق يضع نفسه، عن قصد أو عن غير قصد، في مواجهة المشروع الإسلامي في المنطقة، بعدما شكل الإسلاميون في لبنان رافعة سياسية أساسية له بعد استشهاد والده، وقد استخدمهم منذ العام 2005 في مواجهة خصومه».
حتى الأمس القريب، كانت «الجماعة» تغض النظر عن برقيات التهنئة المتكررة التي أرسلها إلى «الانقلابيين» في مصر وفي أكثر من مناسبة. وقد حاولت البحث عن «أسباب تخفيفية» لموقف الحريري من «الانقلاب على الشرعية الدستورية في مصر الكنانة»، وبذلت جهوداً لإقناع قواعدها أن المواقف يتّخذها تيار «المستقبل» لا تعبّر عن حقيقة الموقف الضمني للرئيس الحريري. خصوصاً أن الحريري نفسه ونواب «المستقبل» والرئيس فؤاد السنيورة كانوا من طلائع المؤيدين للثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، رغم تحالفهم معه قبل ذلك!

في رأي قيادات من «الجماعة الإسلامية» أن مواقف تيار «المستقبل» المتقلّبة مما يحصل في مصر هي تعبير عن عدم وجود استراتيجية واضحة وموقف ثابت، أو أنها تعبير عن «انتهازية» في «المستقبل» الذي يبدو أنه ينقلب على نفسه وعلى تحالفاته ويلتحق بـ«القوي».
ويعتقد أصحاب هذا الرأي في «الجماعة الإسلامية» أن تيار «المستقبل» لا يعبّر عن «براغماتية» في التعاطي مع ما يجري في مصر، وإنما يعبّر عن نزعة قادة «المستقبل» بـ«أن يلتحقوا بالواقع الذي يمكنهم الاستفادة منه».
ويذكّر أصحاب هذا الرأي بأن «الحريري خاصم سوريا واتهمها باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم عندما أدرك أن المزاج الدولي مع بشّار الأسد ذهب إليه وتبادل معه القبلات واعتذر عما أسماه يومها الاتهام السياسي، ومنحه صك براءة من التهمة، ثم لما حصلت الثورة في سوريا عاد وانقلب مجدداً على مواقفه. كما أن الحريري كان حليفاً للرئيس المخلوع حسني مبارك حين كان في السلطة وكان نظام مبارك حليفاً استراتيجياً له، حتى أن القاهرة صارت آنذاك قبلة الحريري والمستقبليين، ولما سقط مبارك سرعان ما تبرأ منه الحريري والسنيورة وبالتالي كل الذين كانوا يصفقون له، وساروا مع ثورة مصر التي انتخبت محمد مرسي رئيساً وصاروا حلفاء وشركاء في الغنم مع ثورة مصر، ولما حصل الانقلاب على الشرعية ساروا مع الانقلابيين».
تبعاً لذلك، تنظر قيادة «الجماعة الإسلامية» بعين الغضب إلى الزيارة التي قام بها الحريري الى مصر ولقائه رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور ووزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي. وهي إذا كانت غضت الطرف عن مواقف الحريري الإيجابية ممن تسميهم «الانقلابيين» على حكم الرئيس محمد مرسي في مصر، فان هذه الزيارة كانت بمثابة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» وهي دفعت عدداً من قياداتها الى المطالبة بإعادة النظر في العلاقة التي تربط الجماعة بالحريري.
ومما يثير استغراب قيادات «الجماعة»، هو أن الحريري «لم يكن مضطراً للقيام بهذه الزيارة على رأس وفد نيابي من تيار المستقبل، خصوصا أنه ليس رئيساً للحكومة، وليس ممثلاً للسلطة في لبنان، لكي يدفعه البروتوكول أو العلاقات بين الدول الى زيارة مصر في هذا الوقت بالذات، علماً أن أكثر الحكومات العربية لا تتواصل مع المشير السيسي، والدليل على ذلك ندرة زيارات المسؤولين العرب الى مصر».
وتعتقد هذه القيادات أن «السيسي يفتش اليوم عمن يزوره في مصر بهدف توسيع باب الاعتراف بالانقلاب على حكم الاخوان المسلمين، وأن زيارة الحريري لم تكن موفقة، لكونها جعلته ينقلب على مبادئه وعلى مبادئ ثورة الربيع العربي، وهي ستؤدي الى محاصرته في الشارع العربي».
ويقول رئيس المكتب السياسي لـ«الجماعة الإسلامية» عزام الأيوبي لـ«السفير»: «إن الزيارة جاءت ترجمة لمواقف سعد الحريري الإيجابية من الانقلابيين على الشرعية في مصر، وهو سيدفع ثمن هذه التصرفات في الساحة اللبنانية نتيجة انقلابه على المبادئ التي لطالما نادى بها، حيث يعتبر نفسه لبنانياً في مواجهة السلاح الذي ينقلب على الإرادة الشعبية، بينما هو في مصر يدعم السلاح الذي انقلب على الإرادة الشعبية، وهو في لبنان مع شرعية الدولة والمؤسسات، بينما في مصر يقف الى جانب من انقلبوا على الدستور والمؤسسات، فضلاً عن أن الساحة الإسلامية في لبنان ترى أن السيسي ومن يقف وراءه من قوى إقليمية ودولية، يحضرون لهجمة شاملة على المشروع الإسلامي في المنطقة العربية ككل، وبالتالي فإن الحريري وعبر الخطوات التي يتخذها يضع نفسه في مواجهة المشروع الإسلامي ومن يؤمن به».
ويلفت الأيوبي الى أن الحريري «يقوم، عبر مواقفه وتصرفاته، بتضييق المساحات المشتركة التي كانت تجمعه مع كثير من المكونات الإسلامية، وإن استمراره بهذا السلوك يؤدي الى محاصرته، وسيجعل تصريحاته وطروحاته الانفتاحية مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق».
ينفي الأيوبي قيام تحالف سياسي بين «الجماعة» والحريري، معتبراً «أننا نتعاون في بعض الملفات المحددة، وأن استمرار هذا التعاون رهن بالظروف القائمة»، منتقداً «عدم ثبات الحريري على موقف محدد».
ويضيف: «لقد كنا من المنادين بضرورة السعي لتشكيل الحكومة، لكن سعد الحريري رفع السقف في هذا الإطار الى أعلى المستويات، ومن ثم تراجع عند أول محطة تفاوضية وفاجأ كل من سار خلفه، وبالتالي فهو لم يكن مضطراً للتصعيد ومن ثم التراجع، خصوصاً أن جمهوره لم يعد راضياً عن هذه التناقضات التي تضيّع بوصلة تحركاته».
ويؤكد الأيوبي أن «ليس من مصلحة الحريري دعم من يقوم بمحاربة المشروع الإسلامي في المنطقة، وأن يتبرأ في كل مناسبة وعند كل محطة من الإسلاميين الذين دعموا مسيرته»، مشيراً الى أن «هذا المشروع يتعرض اليوم لكل أنواع المؤامرات بهدف ضربه وإضعافه»، معرباً عن رفضه «لكل الأعمال التخريبية والإرهابية التي تنسب الى الساحة الإسلامية في المنطقة، والتي تصب جميعها في استهداف مشروعها».
__________
  جريدة السفير

الاثنين، 17 فبراير 2014

السلفيون: ضدّ التفجيرات.. وخصومتنا مع حزب الله ليست حرباً

    فبراير 17, 2014   No comments
غسان ريفي 

يدرك السلفيون خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان اليوم، خصوصاً بعدما بدأت العمليات الانتحارية تتخذ أشكالاً متعددة، وتطال الأبرياء، وتهدد بتمدد رقعتها الى مناطق أخرى.
ويدرك بعض المشايخ أيضا أن درجة الغليان المذهبي الناتجة من الحرب السورية قد وصلت الى الذروة، ما يجعلهم يفقدون السيطرة على كثير من المجموعات التي تجنح نحو التطرف وتدخل الى سوريا لمساندة التنظيمات الإسلامية المتشددة وتنفذ بعض العمليات الانتحارية، وهي لا تتوانى منذ فترة عن شن الهجوم على المشايخ واتهامهم بالتقصير حينا، وبالكفر أحيانا.

وجاء موقف السعودية الأخير حول رفض القتال في سوريا، ليعيد كثيراً من مشايخ الحالة السلفية الى المربع الأول المتعلق بدعم المعارضة السورية سياسياً وإنسانياً فقط.
ويخشى هؤلاء المشايخ من أن تشكل بعض المجموعات وأفكارها وبعض ممارساتها سبباً في جعل الحالة السلفية كبش محرقة في التسوية المقبلة على المنطقة، وهذا ما اعتاده السلفيون في محطات سابقة ودفعوا خلالها أثماناً باهظة.
لذلك ثمة تراجع تكتيكي ملحوظ من قبل رموز الحالة السلفية في لبنان، وفي طرابلس تحديداً، عن تقدم الصفوف أو قيادة أي تحركات داخلية، كما كان يحصل سابقاً، مع تمسك هؤلاء بالمبادئ والثوابت المتعلقة بدعم المعارضة في سوريا، ورفض مشاركة "حزب الله" بالحرب الى جانب النظام، وانتقاد "ممارسات السلطتين السياسية والعسكرية بحق السنّة في لبنان".
أمام هذا الواقع، وبعد تنامي العمليات الانتحارية وتنقّل المزنرين بالأحزمة الناسفة بين الضاحية والهرمل والشويفات وحصدهم الأبرياء، يرى كثير من المشايخ السلفيين أن خصومتهم السياسية مع "حزب الله" لا تعني إعلان حرب عليه من هذا النوع، وأن ما تتبناه "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" من عمليات انتحارية في مناطقه، يختلف شكلاً ومضموناً عن المواجهة التي يريدها السلفيون مع الحزب الذي يأخذون عليه مشاركته في الحرب السورية وتوريط لبنان فيها.
ويعتبر هؤلاء أن انغماس الحزب بالكامل الى جانب النظام هو الذي يشجع بعض المتحمسين من الشبان اللبنانيين على الذهاب الى سوريا، ويؤدي بالتالي الى قدوم الانتحاريين الى مناطقه، وهم يشددون في الوقت نفسه على رفض كل العمليات الانتحارية وإدانتها، لأن المواجهة الفعلية لا تكون بقتل الأبرياء، داعين في ذلك الى تطبيق القاعدة الشرعية: "لا تزر وازرة وزر أخرى".
ويشير عضو "هيئة علماء المسلمين" الشيخ زكريا المصري الى أن "ما تشهده الضاحية الجنوبية وسائر المناطق من تفجيرات، هو ناتج من ردة فعل على مشاركة الحزب في القتال الى جانب النظام"، ويرى أن "حزب الله يجني على نفسه وعلى جمهوره، لأن الدخول بحرب من هذا النوع لن تكون نزهة"، مؤكدا "أننا بموقفنا هذا نقوم بتوصيف ما يحصل، ولا نتبنى هذه التفجيرات أو من يقوم بها، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نمنعها، وعلى القوى الأمنية أن تأخذ دورها، وعلى الحزب أن ينسحب فورا من سوريا".
ويقول شيخ قراء طرابلس بلال بارودي "إن الحالة الاسلامية، والسلفيين تحديدا، ضد كل عمل أمني يطال الأبرياء مهما كانت مبرراته وأسبابه، لأن الجرأة تكون بالمواجهة وليس بالتفجيرات في المناطق الآمنة، لذلك نحن ندين بشدة كل التفجيرات ونعتبرها أنها لا تمت الى إسلامنا بصلة".
ويرى بارودي "أن الذين تسببوا بقدوم التفجيرات الى الأرض اللبنانية هم الذين شاركوا فعلياً بمساندة النظام السوري، وربما من تعرض للظلم على يد النظام وشركائه استجابوا لنداء العاطفة وليس لنداء العقل"، مشيراً الى أن "ما يحصل في لبنان هو عمل أمني مخابراتي بامتياز، على غرار ما يحصل في العراق، وهناك مجرم كبير يريد أن ينشر الدم والدمار في الساحة الإسلامية".
ويضيف: "نحن في حالة خصومة مع حزب الله نابعة من مواقفه، لكننا نرى أن ما يحصل في الضاحية لا يجوز، وقلنا بعد تفجيرَي مسجدي التقوى والسلام أن من فجر في طرابلس هو الذي يفجر في الضاحية، ونحن نحرص على استخدام المفردات التي توحد الكلمة والصف وتبلسم الجراح، وقد رفضنا كل التسجيلات المجهولة والمقنعة التي صدرت من بعض المجموعات، لكننا لا نلقى تجاوبا من حزب الله، بل على العكس فإنه يتهمنا بأننا بيئة حاضنة للإرهاب، ويدفع بعض الأبواق عبر وسائله الإعلامية لتهديدنا واستفزازنا وهدر دمنا". لافتا الانتباه الى أن "الفتنة السنية ـ الشيعية إذا حصلت في لبنان، فإنها ستطال الجميع ولن ينجو منها أحد".
ويؤكد بارودي "أننا سنبقى بيئة حاضنة للاعتدال، ونمد أيدينا للجميع بالإنصاف والعدالة والحق، لكننا لا نتراجع عن حقنا مهما حصل، ونقول إن الشعب السوري مظلوم ويجب مساندته، ولا يجوز مساندة النظام، ونعتبر أن السكوت عن ظلم النظام هو ظلم".
ويؤكد عضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ نبيل رحيم أن "السلفيين ليسوا في حالة حرب مع حزب الله، بل هم في حالة خصومة، انطلاقاً مما حصل في 7 أيار، وهيمنة الحزب على الحياة السياسية وعلى المفاصل الأساسية في الدولة، وتدخله في سوريا الى جانب النظام ضد الشعب السوري"، معتبراً أن "كل ذلك يسعّر الفتنة ويثير النعرات".
ويقول رحيم: "نحن لسنا مع أي تفجيرات تحصل في الأراضي اللبنانية أو تطال أي فريق، وندعو الى أن يكف جميع اللبنانيين عن تدخلهم العسكري والأمني في سوريا، ونؤيد في ذلك خيار الشعب السوري فقط".
ويضيف: "نحن لسنا مع التكفير ولسنا مع التفجير، وندين التفجيرات وهي تستهدف الأبرياء والآمنين، وهذه الاعمال ليست من الاسلام في شيء، وأخشى أن تتسع هذه العمليات. لذلك فإن انسحاب حزب الله من سوريا هو الحل الوحيد لمنع هذه العمليات من الانتقال الى لبنان".

الجمعة، 7 فبراير 2014

رسائل الأمر الملكي: السعودية تتخلّى عن مقاتليها

    فبراير 07, 2014   No comments
ما أعلنته السعودية بداية الأسبوع في شأن مقاتليها في سوريا ليس تفصيلاً. هو مؤشر بالغ الخطورة إلى مدى الضغط الأميركي، والتهديد بإلغاء زيارة مرتقبة لباراك أوباما للسعودية. للقصة بعد آخر أيضاً: تخشى الرياض عودة غير منظمة لهؤلاء المقاتلين إلى بلادهم.
لا يصدر أمر ملكي في السعودية إلا حين يتعلق بإعفاء أمير أو تعيينه، أو بأمر له صلة بقضايا سيادية تتطلب قراراً من أعلى سلطة في الدولة. الأمر الملكي الصادر الاثنين الماضي، وهو الموعد الثابت لانعقاد الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء السعودي، يؤشّر بوضوح إلى أن القضية التي صدر الأمر الملكي في شأنها تتجاوز سلطة المجلس، وتستوجب ما يمكن وصفه بـ «تعهّد خطيّ» من الملك نفسه. في رسائل الأمر الملكي، يمكن التوقّف عند ثلاث منها:

الأولى: أن الأمر الملكي صدر في سياق تجاذب إعلامي حول زيارة مفترضة للرئيس الأميركي باراك أوباما للرياض نهاية آذار المقبل. صحف أميركية، مثل «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز»، نشرت مطلع هذا الشهر خبراً عن الزيارة المرتقبة، فسارعت السفارة الأميركية في الرياض إلى الرد في اليوم التالي مؤكّدة «أن البيت الأبيض لم يتحدث عن شيء في هذا الشأن». وأوضح مساعد الملحق الاعلامي في السفارة الأميركية في الرياض ستيوارت وايت «أن ليس لدى السفارة أي معلومات حول هذه الزيارة، ولا يمكنها التعليق على ذلك».

ولكن مع صدور الأمر الملكي في الثالث من شباط الجاري، أعلن البيت الأبيض، في اليوم نفسه، عن زيارة أوباما للرياض في نهاية آذار المقبل. خلاصة الأمر الملكي (وهو للمناسبة يعتبر الأطول في تاريخ الأوامر الملكية، ولا يضاهيه سوى الأوامر الملكية المتعلقة بالميزانية): إدانة شاملة للأعمال الإرهابية بكل أصنافها، التي ثبت فيها تورّط مواطنين سعوديين، من مدنيين وعسكريين ودعاة محرّضين ومنتمين ومتبرّعين، وممجّدين لجماعات دينية وفكرية متطرّفة، وإنزال أقصى العقوبات بهم.

وفي المعلومات، عرض مسؤولون أميركيون على السعوديين ملفاً ضخماً نهاية العام الماضي يشتمل على وثائق دامغة تدين ضلوع السعودية في الإرهاب الذي يضرب العراق وسوريا ولبنان واليمن، وصولاً الى روسيا، وأن الملف بات في تصرّف المجتمع الدولي الذي قد يدفع في اتجاه استصدار قرار إدانة من مجلس الأمن، وتصنيف السعودية دولةً راعية للإرهاب في العالم.

وصلت الرسالة الأميركية بوضوح الى السعودية، ومفادها أن من غير الممكن إدخال ملف الارهاب ضمن معاهدة الحماية والدفاع الاستراتيجي التي وقعت في الأربعينيات من القرن الماضي بين الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلن روزفلت، ولا بد من التصرّف على أساس أن قضية الإرهاب ذات طابع دولي، وخارج المعاهدات الثنائية.

شعرت السعودية بأن الخطر يحدق بالمصير، وتطلّب الأمر موقفاً عاجلاً ومن أعلى مستوى في البلاد، بل هناك من العائلة المالكة من فهم الرسالة الأميركية على أنها شرط لازم لزيارة أوباما للرياض، لإزالة الحرج أمام حلفاء الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بصورة عامة الذي لم يعد مرتاباً في شأن تورّط السعودية في غالبية الأنشطة الارهابية التي تجري في المنطقة وفي العالم كافة.

الرسالة الثانية: وجّه الأمر الملكي رسالة واضحة إلى المقاتلين السعوديين، المدنيين والعسكريين على السواء، في سوريا أولاً، وفي العراق ولبنان وغيرهما ثانياً، مفادها أن ثمة خاتمة وخيمة تنتظرهم في حال قرروا العودة الى الديار. وللحيلولة دون مواجهة المصير الحالك والعقاب العسير، عليهم البقاء خارج الحدود، واستكمال المسيرة حتى الفناء المبرم أو الانتشار في ساحات قتال أخرى، كما فعل الفوج الأول من الافغان العرب وما بعده من أفواج نشأت في العراق بعد عام 2003، ولبنان بعد معارك نهر البارد أواخر 2007، وحالياً في سوريا بعد اتفاق بندر ــ بترايوس صيف عام 2012.

لا ريب أن أمراً ملكياً بهذه القساوة يمثّل طعنة سامّة في الظهر، يصوّبها الراعي الرسمي، ممثلاً في بندر بن سلطان، الذي وضع الأمر الملكي نهاية لمهمته. تنطوي ردود فعل مناصري «القاعدة»، كما تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، على غضب عارم من السعودية لخداعها للمقاتلين المرة تلو الأخرى، منذ أفغانستان مروراً بالعراق ولبنان وصولاً الى سوريا. ولذلك، ينظر الكثيرون من السعوديين المقاتلين والمناصرين إلى الأمر الملكي على أنه عمل استفزازي، وقد يدفع بالمقاتلين الى ارتكاب حماقات أمنية لإحباط الهدف من الأمر، أي تشويه صورة المملكة، وترسيخ الانطباع بأنها داعمة للإرهاب.

بطبيعة الحال، بإمكان النظام السعودي التلطّي وراء ذريعة أنه لم يكن في أي يوم داعماً للقتال في الخارج، ولم يسمح بجمع التبرعات ولا بالتحريض على الهجرة للجهاد. في الشكل، يبدو الاحتجاج مقنعاً، فقد خضع دعاة محرّضون وأئمة مساجد للتحقيق لمنع جمع التبرعات للقتال في سوريا، كما صدرت فتاوى تعتبر ما يحدث في سوريا «فتنة»!

في المقابل، في إمكان المراقب حشد فيض من الأدلة على ضلوع المؤسسات السعودية السياسية والاعلامية والدينية في هجرة آلاف السعوديين الى ما يصفه دعاة التحريض بـ «أرض الرباط» في سوريا، وإلا كيف نفسّر مشاركة مئات العسكريين في القتال هناك، مع أن هؤلاء لا يمكنهم السفر إلى الخارج إلا بإذن خاص من القيادة العسكرية.

لم يكن ذكر العسكريين والعقوبة القاسية التي تنتظرهم مجرد نافلة، لولا وجود تقارير موثّقة عن انخراط عدد كبير من العسكريين في القتال في سوريا، وهم الذين كانوا يتدفقون من الأراضي الأردنية برعاية نائب وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن سلطان، الأخ غير الشقيق لعرّاب الحرب في سوريا الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة.

والحال أن السعودية أتقنت اللعبة المزدوجة؛ في العلن تبدي تشدّداً مفتعلاً في موضوع مشاركة سعوديين في القتال في الخارج، وفي جمع التبرعات لتنظيم «القاعدة» وفروعه القديمة والجديدة، وفي السر يتدفق المال والرجال والسلاح على سوح القتال من دون رقيب أو حسيب.

الرسالة الثالثة: ثمّة مؤشرات ثانوية في الأمر الملكي تفيد بأن الحرب في سوريا شارفت على نهايتها، وعلى الجماعات المسلّحة تدبّر أمرها، بعد فقدانها الرعاية المالية والتسليحية والتدريبية المطلوبة. وهذا يعني بالضرورة، وبحكم الواقع، أن لا دور بعد الآن يمكن أن يلعبه الأمير بندر بن سلطان الذي غادر الى الولايات المتحدة تحت عنوان العلاج، في اجازة مفتوحة.

نشير الى المقترح الايراني ــ التركي بتوفير مخرج لائق للسعودية من الوحل السوري، على أن تتخلى تدريجاً عن دعم المسلّحين. فمن الواضح أن الثنائي بدأ تنسيقاً مشتركاً عالي المستوى من أجل مواجهة ملف الإرهاب الذي تردّدت أنقرة في مقاربته سابقاً بصورة جدّية بحسب الرؤية الايرانية، ولكنها تعود الآن، بعد زيارة رجب طيب أردوغان الأخيرة لإيران، لفتحه على أوسع نطاق.

في النتائج، السعودية خائفة من عودة مواطنيها المقاتلين، ولذلك قرّرت أن تضع قائمة عقوبات صارمة درءاً للارتدادات العنيفة التي تصيبها في مرحلة الحساب. ولكن الأخطر من ذلك، من وجهة نظرها، هو العقاب الدولي الذي ينتظرها في حال لم تدفع أثمان خسارتها الحرب في سوريا، وتفجّر ظاهرة الارهاب على مستوى دولي، ما اضطر أجهزة الاستخبارات الأوروبية الى تكثيف حضورها في المنطقة لمواكبة عودة مواطنيها المقاتلين إلى الديار.

لا بد من لفت الانتباه الى ما قدّمته السعودية من تنازلات لإبعاد شبح اتهامها برعاية الإرهاب. في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري للرياض، وصف موقف القيادة السعودية من موضوع التسوية الاسرائيلية الفلسطينية بعبارة لافتة، حيث قال إنه لمس «حماسة عالية» لديها في هذا الشأن، في وقت لم يكن فيه ما يدفع إلى مثل هذه الحماسة.

هنا تتقاطع المعلومات: ملف الإرهاب الذي عرضه الأميركيون على نظرائهم السعوديين، وملف التسوية الفلسطينية ــــ الاسرائيلية، حيث ذكرت مصادر مقرّبة من السلطة الفلسطينية في رام الله أن كيري طلب من رئيس السلطة محمود عباس الإقرار بيهودية الدولة الإسرائيلية في مقابل إقامة دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها، على أن يتم التخلي عن مبدأ حق العودة، مقابل العمل على إحياء مشروع التوطين على نطاق واسع، بحيث يشمل استيعاب قسم منهم في دول عربية إضافة إلى أستراليا وكندا.

تضيف المصادر الفلسطينية أن الرئيس محمود عباس تردد في الإعلان عن الموافقة ما لم يحصل على غطاء من دول عربية وازنة، وعلى رأسها السعودية. بادر كيري إلى طمأنة عباس بأنه سيتولى هذه المهمة بنفسه. فهل ثمة علاقة بين طمأنة كيري وحماسة الملك عبدالله؟

في المجمل، الأمر الملكي يؤذن بمرحلة جديدة، قد تؤكل فيها العصي بدلاً من عدّها!

مفتي السعودية: أمر وليّ الأمر... سمعاً وطاعة
شدّد مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، على ضرورة الامتثال للأمر الصادر بمنع السعوديين من القتال في الخارج، مشيراً إلى أن الشباب الذين يخرجون للقتال «غُرّر بهم من أعداء الإسلام»، وباتوا «يُباعون في سوق النخاسة».

وقال آل الشيخ، في لقاء مع التلفزيون السعودي الرسمي قبل أيام: «ما أمرنا به وليّ أمرنا مما لا يخالف شرع الله واجب علينا السمع والطاعة، لأنه لا يريد إلا الخير والمصلحة. الله جعله راعياً لهذه الأمة، هو مسؤول عن أمنها ودفع كل شيء عنها وحماية دينها وعرضها واقتصادها».

وقال إن «وليّ الأمر»، الملك عبد الله، «يخشى على شبابنا الوقوع فريسة لسهام هؤلاء وهؤلاء، لذلك جاء الأمر الملكي بمنع الخروج للقتال خارج البلد، وأن من يفعل ذلك يعدّ مخطئاً، لأن خروجه ضرر عليه»، مشيراً إلى وجود «سباع تنهش» المتورطين في تلك النزاعات.

مقتل 250 سعودياً من أصل 2000 في سوريا
كشفت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية في تقرير نشرته أمس أن 250 سعودياً قتلوا في سوريا من بين 2000 انضموا لـ«الجهاد» والقتال في صفوف الجماعات المسلحة المعارضة، وتحديداً تلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة».

وذكر التقرير أنّ بعض المتطوعين أطلقوا من السجن شرط الذهاب إلى سوريا، غير أنه منذ عام، تضاعف السلطات تحذيراتها للسعوديين الذي يميلون إلى الانضمام للجماعات المسلحة السورية، لكن المهمة صعبة، حيث يجري تمويل المجموعات الجهادية أقله جزئياً من المملكة. وأضاف التقرير: «هذا إضافة إلى الدور الذي أدّاه رئيس الاستخبارات الأمير بندر بن سلطان. فهل هي صدفة؟ الأمير موجود في مستشفى أميركي منذ ثلاثة أسابيع. وبالنسبة إلى البعض، إنه في حال خزيّ بعد فشله في إطاحة الرئيس بشار الأسد كما تعهّد». ورأى التقرير أنّ القرار الذي أصدره الملك السعودي، والذي يقضي بمعاقبة من يقاتل خارج المملكة بالسجن مدة تراوح بين 3 سنوات و20 سنة، قد يكون «نتيجة أولى لإخراج بندر من دوائر القرار».
___________

المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبناني

الثلاثاء، 14 يناير 2014

حركة النهضة التونسية، ربما تعلمت من أزمات جماعة الإخوان المصرية وحزب العدالة والتنمية التركي، احتضنت الحلول الوسط لتظل ذات أهمية فاعلة في المستقبل

    يناير 14, 2014   No comments
أحمد  سوايعية *
سيحتفل التونسيون يوم 14 يناير بثورتهم التي أشعلت موجة من الاحتجاجات التي اجتاحت معظم أنحاء العالم العربي. بمناسبة الذكرى الثالثة، أهدت جبهة الإنقاض، ممثلة بقادة  الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، الشعب التونسي والجماهير العربية مجموعة من الهدايا النادرة: التداول السلمي على السلطة، دستورا جديدا يحمي حياة وكرامة جميع التونسيين، وخارطة طريق لمستقبل مستقر.

سلمت النهضة، الحزب الذي فاز في أول انتخابات  مابعد الثورة، السلطة لحكومة غير حزبية . وقد يكون هذا القرار الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسمح للنهضة بالحفاظ على تفوّقها في الانتخابات المقبلة وتفادي نتائج كارثية مماثلة لتلك التي مرت بها جماعة الإخوان في مصر واحتمال تراجع شعبية  حزب العدالة والتنمية في تركيا. الأهم من ذلك هو أن الإستقالة تعزّز ثقافة النقل السلمي للسلطة--ما قد يجعل تونس بلد رائد في العالم العربي. قبل تنحّيها عن السلطة، تمكّن قادة النهضة –مستعينين بقادة اثنين من الأحزاب السياسية العلمانية--المؤتمر و التوكل-- من تخفيض مستوى العنف في البلاد، وتحقيق بعض الاستقرار  الاقتصادي، وصياغة دستور جديد ، وتحديد مسار لتداول السلطة عن طريق صناديق الإقتراع الحر لا الرصاص القاتل.

مع ذلك, تجدر الإشارة إلى أن النهضة لم تتنازل عن الحكم طوعا. فلقد مرت البلاد بعدة أزمات سياسية، وكثير من الإضرابات والانتفاضات، واغتيال شخصيتان من المعارضة  قبل هذا الإنجاز المهم، الذي قد كان مستحيلا بدون المشاركة النشطة من قبل قادة مؤسسات المجتمع المدني الرئيسية (لا سيما النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية). لقد ساهمت كل هذه الظروف والأطراف في تطوبع حزب النهضة وحلفائه وإجبارهم على تسليم الحكم لهيئة حيادية. بالإضافة إلى ذلك، من الواجب التذكير بالوقت الطويل الذي قضته الترويكا  في صياغة مسودّة الدستور، ركيزة الإنتخابات التي من شأنها دفع البلاد الى ما بعد المرحلة الانتقالية.

مع ذلك، ينبغي الإعتراف بالدور الإيجابي الذي لعبته النهضة واستعدادها لتتعاون مع الجميع للحفاظ على كرامة جميع التونسيين وتكريس معايير العدالة الاجتماعية في الدستور الجديد. على سبيل المثال،  لقد كان ّ قادة الحركة يصرّون على أن يكون الإسلام مصدر التشريع، لكنها مع ذلك قبلت بالتنصيص على الدولة المدنية، وسيادة حكم القانون، وحظر التكفير. فمسودة الدستور الجديد، الذي ساهم قادة النهضة بشكل فعال في صياغته، يحمي صراحة حقوق النساء ويقنن مشاركة المرأة على قدم المساواة في الحياة العامة والسياسية، ويستنكر العنف ضد المرأة.

إضافة إلى ذلك، لقد فضل كبار قادة حزب النهضة النظام البرلماني، لكنهم وقّعوا على دستور يعتمد النظام الرئاسي (منقّحا إلى حد ما): فالرئيس هوالمسؤول عن السلطة التنفيذية العليا، كما أن الشعب (وليس من يفسر بعض النصوص الدينية على هواه) هو من يمارس  السلطة النهائية في تحديد مسار البلاد عبر الإنتخابات  كما يشارك ممثلو الشعب الرئيس مسئوليات الحكم. ويؤكد الدستور الجديد على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضع حدا مطلقا لعقد الرئاسة (دورتين فقط)، ويرسّخ الدستور إستقلالية القضاء وتمكين الشعب من فرض إرادته في التعيين (عضوية المحكمة الدستورية يتم تحديدها من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية المنتخبة على السواء).

باختصار، فإن الدستور الجديد يرسي أسس نظام تعددي يمكّن جميع التونسيين وينهي عهد الاستبداد. وقد تكون المرونة النسبية التي أبدتها ومارستها النهضة ورغبتها في الابتعاد عن السلطة في هذه المرحلة الفرصة الوحيدة والأفضل للحركة لتجنيبها مصير الإخوان المسلمين في مصر وحفاظها على الدعم الشعبي التي ستحتاجه في الانتخابات المقبلة .

بالطبع، مثل أي دستور آخر، ليست مسودة الدستور الجديد  مثالية--خالية من العيوب. على سبيل المثال، قد تسبب إزدواجية المعنى في كلمة "دولة" مشاكل في تفسيرالفصلين الأول والثاني—النصوص الأكثر إثارة للجدل في الوثيقة بأكملها. فيبدو أن هناك خلط بين مفهوم "بلاد" (الأمة, وطن)  و"الدولة" (الهيكل المؤسساتي). ويمكن تجنب هذه المشكلة إذا تم كتابة المادتين الأولى والثانية كالآتي :

 (1) تونس بلد، حر، مستقل، ذو سيادة، الإسلام دينه، العربية لغته، والجمهورية  نظامه
(2)  يحكم تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون.

قد يصحّح التمييز بين مفهومي الدولة والبلد بعض المفاهيم الخاطئة حول مكانة الدين في المجتمع ومؤسسات الدولة. إذ يظن  العديد من المعلقين الغربيين عن الدساتير العربية أن الإسلام مقنن في مؤسسة "الدولة". إستعمال لغة غامضة واستخدام مصطلح ذو معنى مزدوج يديم سوء الفهم. كما أن إستعمال كلمة ذاب معنى مزدوج قد يخلق تناقض بين الفصل 1 والفصل 2: إذ كيف يمكن لدولة إسلامية (بالمعنى المؤسساتي)  أن تكون دولة مدنية تعامل جميع المواطنين-- مسلمين وغير مسلمين-- بالتساوي؟

أما إذا تم التمييز بين الدولة المؤسساتية ودولة المواطنة فسينعدم التناقض في الدستور لأن الإسلام هو في الواقع من مكونات الهوية الشاملة لغالبية الشعب التونسي. فتبقى الدولة (المؤسساتية)  مدنية  تعامل جميع المواطنين على قدم المساواة بغض النظر عن الانتماء الديني والمذهبي أو إنعدامهما. ومن شأن هذا التركيب اللغوي عدم تمكين التفسيرات الضارة من الفصل 6.

 كما أن البنود الخاصة بتعديل الدستور—خاصة الفصل 142--غامضة وتترك مجالا واسعا لتفسير قد يخلق مسارين منفصلين لتعديل الدستور. على وجه التحديد، يمكن تفسير الفصل 142  بطريقة تسمح بتمرير التعديلات من خلال البرلمان أو من خلال استفتاء شعبي. أي، يمكن للرئيس وضع التعديل مباشرة للإستفتاء ثم يطلب من البرلمان الموافقة عليه بأغلبية مطلقة، في حين أن التعديلات الناشئة في البرلمان تتطلب أغلبية الثلثين. لا أظن أن هذا ما قصده صائغو مسودة الدستور لكن ليس من الواضح تماما ما إذا كانت الجملة الأخيرة من الفصل 142 تعبّر عن حق الرئيس في سلك طريق جانبي لتعديل الدستور أم هي مسألة سوء في التعبير.

هذه أوقات حاسمة في تونس. مرة أخرى، يجد الشعب التونسي وممثليهم فرصة لإثبات أن الربيع العربي لم يكن مجرد شبح أوجدته الصدفة، أن اللاعنف هو السبيل الوحيد للتغيير الاجتماعي البناء ، أن الإسلام منسجم مع مبادئ الديمقراطية، وأن السلطوية ليست الضامن الوحيد للأمن والاستقرار كما يدعي البعض. يمكن للتونسيين تقديم نموذجا واعدا للمجتمعات العربية كافة ... نموذجا بحجم  تضحيات الشعوب العربية ومكرما لأولئك الذين ناضلوا من أجل العدالة الاجتماعية وعانوا التعذيب والنفي والسجن والموت.
____________
* الأستاذ سوايعية يدرس في جامعة ايوا  (University of Iowa, USA). كتابه الأخير، , Anatomy of Dissent in Islamic Societies، يعالج تاريخ نظريات  الحركات المعارضة وأفكارها منذ ظهور الإسلام. آراء الكاتب خاصة به وفّرها خدمة للصالح العام؛ ولا تمثّل مواقف أو سياسة  الجامعة أو أي مؤسسة أخرى قد ينتمي اليها الكاتب.


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.