‏إظهار الرسائل ذات التسميات داعش. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات داعش. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

«أحرار الشام» تُقصي رافضي «الارتهان لتركيّا» ... وتستعدّ لـ«الاحتراب»

    أغسطس 26, 2015   No comments
«أحرار الشام» تُقصي رافضي «الارتهان لتركيّا» ... وتستعدّ لـ«الاحتراب»

 صهيب عنجريني

«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» ماضيةٌ في رسم مسارها وفقَ إيقاعٍ مضبوطٍ على النغمة التركيّة. وباتَ مألوفاً أن تُزامن «الحركة» بين كلّ خطوة تخطوها بغية الإيحاء بتحرّرها من ثقل «الانتماء القاعدي»، وبين أي تصريحٍ تركيّ في شأن «المنطقة الآمنة»، أو التعاون التركي الأميركي في الشمال السوري. في هذا السياق، حرصت «أحرار الشام» في اليومين الأخيرين على إصدار ثلاثة بيانات لافتة، وبالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن «بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على تنفيذ عمليات جوية شاملة لإخراج مقاتلي تنظيم الدولة من المنطقة الحدودية السورية».

وخصّصت «الحركة» أحد بياناتها لتجديد التأكيد على عدم «وجود ارتباط بين الحركة وبين تنظيم القاعدة»، وهو أمر بات التنصّل منه محور تحركات «الحركة» في الشهور الأخير. أمّا البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» البدء بـ«إعادة هيكلة الجناح العسكري ليكون نواة جيش نظامي»، فهو في واقع الأمر لا يعدو كونَه إعلاناً لاستقطاب مقاتلين جُدد يرفدون صفوف «الحركة» تحت ستارٍ «وطني». ويأتي ذلك استعداداً لـ«التحديات» التي تنتظر«الحركة» في الشمال السوري على وجه الخصوص، والتي يُرجّح أن تتطلّب منها الانخراط في معارك على جبهات عدّة. فعلاوةً على المعارك ضدّ تنظيم «داعش»، التي يتهيّأ «الأحرار» لبدء مرحلة جديدة منها حال ورود ضوء أخضر أميركيّ، يبدي رعاة «الحركة» الأتراك تحسّباً كبيراً لاضطرارها إلى دخول احتراب مع شركاء الأمس في «جبهة النصرة». ومنَ المُنتظر أن يكون هذا الاحتراب بمثابة عربون أخير تُقدمه «الحركة» في سبيل مباركة غربية لارتدائها «العباءة المعتدلة» («الأخبار»، العدد 2651). من هذه الزاوية تحديداً، يغدو البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» فصل أحد أعضاء «المكتب الشرعي» هو أخطر البيانات الصادرة عنها أخيراً. البيان المذكور صدر عن «المكتب الشرعي العام»، وأوضح أنّ «الشرعي أبو شعيب المصري يعتبر مفصولاً عن المكتب الشرعي بسبب عدم انضباطه بتوجيهات المكتب الشرعي». ولا يمكن اعتبار هذا الإعلان مجرّد «إعلان فصل»، بل ينبغي التعامل معه على أنّه «إعلان حرب جديدة» ضدّ أصحاب الهوى «القاعدي» ومُعارضي الارتماء كليّاً في الحضن التركي. ويُعتبر «الشرعي» المفصول رأس حربة في هذا السياق، وهو صاحب الموقف الشهير الذي أعلن فيه براءته من تأييد «الحركة» للتدخل التركي، كذلك انتقد المواقف الصادرة عن «مسؤول العلاقات الخارجية» لبيب النحاس والتي حاول فيها الأخير التقرّب من الرأي العام الغربي، وتسويق «اعتدال الحركة» لديه. وفي مقابل ذلك تبنّى المصري «فتوى تحرّم التعاون مع الدول الاقليمية وخاصة تركيا». وكما كان متوقّعاً، فقد أثار فصل المصري حفيظةَ «جبهة النصرة» التي باتت في ريبة دائمةٍ من توجّهات «أحرار الشام» المستجدّة («الأخبار»، 2663). وسارعَ المُنظّر «الجهادي» المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان، أردني من أصل فلسطيني) إلى استغلال الفصل لتجديد هجومه على قيادة «أحرار الشام». ونقلت مصادر «جهاديّة» عن المقدسي (الذي يُعتبر أحد أبرز مُنظري تنظيم القاعدة، ومن المؤثرين في توجهات جبهة النصرة) تعليقَه على الحادثة من «رؤية شرعيّة بحتة». وتكتسب المهاجمة من زاوية «شرعيّة» أهميّة خاصةً في حالات الخلافات المماثلة بين «الفصائل»، وعادةً ما تكونُ مقدّمة لتسعير المواقف، ومظلّة في كثير من الأحيان لشن المعارك. وجاء هجوم المقدسي أمس على «قيادة الأحرار» حادّاً، وشبيهاً لما صدر عنه إبّان تأييدها التدخل التركي («الأخبار»، 2647). وكان من أبرز ما جاء في تعليق المقدسي الأخير اتّهامه «قادة الأحرار» بأنّهم «يريدون إمّعات... طراطير تنساق لهم بلا تفكير ولا وعي ولا محاولة اجتهاد».

القحطاني «يجرح ويداوي»

وكان لافتاً أنّ تعليق أبو ماريّا القحطاني (شرعي النصرة المُجمّد) على فصل «أحرار الشام» لأبي شعيب المصري قد وافقَ من حيث المؤدّى تعليقَ المقدسي، على الرغم من أن القحطاني يُعتبر محسوباً على تيّار «مهادن». أبو ماريّا انتقد «قادة الحركة» في سلسلة تغريدات عبر صفحته على موقع «تويتر»، مؤكّداً أنّه « ليس لإخواننا في الحركة الحق أن يلزموا هذا الأخ الشرعي (أبو شعيب) بمسألة فقهية يراها». واستغلّ القحطاني الحادثةَ لمهاجمة معظم «الفصائل» في ما يخصّ «الشرعيين»، في ما يبدو أنّه غمزٌ من قناة «جبهة النصرة» أيضاً. وقال القحطاني إنّ «غالب الشرعيين في الجماعات يكون أداة بيد القادة، يشرعن لهم ما يشتهون وما يرون. وأحياناً يستخدم القضاء للتصفيات السياسة». وأضاف: «أصبحت الجماعات كالحكومات الجبرية تستخدم المؤسسة الإعلامية والشرعية بما فيها القضاء بأنها تبع لها وتأتمر بأمرها وهي ظاهرة جبرية». لاحقاً لذلك، حرص القحطاني على نشر سلسلة تغريدات جديدة، امتدح عبرها «ما تقدمه الحركة من جهود في الساحة الشامية».

توضيحٌ «إخواني»

في موازاة ذلك، أصدر «المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا» أمس بياناً توضيحيّاً في شأن ما تداولته وسائل إعلام حول «رغبة الجماعة في التكامل مع «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». ونفى المكتب أن يكون ما نُشرَ في هذا السياق «تصريحاً صادراً عن الجماعة»، مؤكداً أنّ «أصل الكلام حوار أجراه المراقب العام (محمّد وليد) مع صحيفة العهد التابعة للمكتب الإعلامي للجماعة، وقد تم اقتطاع جزء منه بصورة مخلة ونشره على أنه تصريح». وقال المكتب إنّ «حديث المراقب العام (في الحوار) كان عن رؤية للتكامل ما بين السياسي والعسكري، وما بين الجماعة وبقية الفصائل على اختلافها وتنوّعها، ولم يقتصر الحديث على فصيل محدد». وكان الحوار المذكور قد نُشر منتصف الشهر الجاري، وقال فيه وليد إنّ «أحرار الشام فصيل سوري كبير، (...) ونحن نرى أن ما بيننا وبينهم من القواسم المشتركة ما يجعلها أرضاً خصبة لتعاون كبير، وفرصة لخلق التكامل بين السياسي والعسكري. وهذه رؤيتنا مع جميع الفصائل السورية الفاعلة على اختلافها». ومن المعروف أنّ القواسم المشتركة بين الطرفين كثيرة، وأبرزها أن المكوّن «الإخواني الهوى» يلعب دوراً نافذاً داخل «حركة أحرار الشام». كذلك يُعتبر «حزب العدالة والتنميّة» راعياً أساسيّاً للطرفين.

___________________________________________________

«المنطقة الآمنة»: «أحرار الشام» تتهيّأ لارتداء «عباءة أردوغان المعتدلة»؟


يكاد تعبير «المناطق الآمنة» يكون الأكثر وروداً في تصريحات المسؤولين الأتراك على امتداد الحرب السوريّة. مرّات كثيرة تكرّر المشهد ذاته: تكثيف للمساعي التركيّة في هذا السياق، تصاعدٌ يوحي بأنّ التنفيذ بات قاب قوسين، قبلَ أن تشير بوصلة حلفاء أنقرة إلى اتجاه معاكس، ويُعلّق الأمر. في الأيّام الأخيرة عاد الحديث عن إنشاء «منطقة آمنة في الشمال السوري» إلى الواجهة، وبتسارع كبير. ومن دون استبعاد احتمال تكرار السيناريو ذاته، ثمّة مستجدّات عدّة ينبغي أخذُها في عين الاعتبار قد تلعبُ دوراً في الوصول إلى نهاية مختلفة.

مستجدّات تبدو مرتبطةً بالشأن الداخلي التركي بقدر ما هي مرتبطةٌ بتطورات المشهد في الشمال السوري. فمنذ الانتكاسة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، كان واضحاً أنّ الملف السوري هو أبرز الملفات التي سيسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلالها إلى «إعادة الأمور إلى نصابها» وفقاً لمنظور حزبه. سواء قادت المجريات إلى انتخابات مُبكرة، أو نجحت المناورات في جذب شركاء معارضين إلى حكومة تركيّة ائتلافيّة. في هذا التوقيت اللافت جاء الدخول التركي على خط المشهد العسكري عبر بوابة «محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلاميّة». وبات من المسلّم به أن محاربة «داعش» تبدو تفصيلاً جزئيّاً في سلّة الأهداف التركيّة المتوخّاة في المرحلة الراهنة، والتي يحضر فيها الهاجس الكردي بقوّة. وبالنظر إلى جغرافيّة المنطقة التي يدور الحديث عنها، يتضح ببساطة أنّها فُصّلت على مقاس هذا الهاجس. فقيام «المنطقة الآمنة» المنشودة سيكون كفيلاً بمنع اتصال مناطق النفوذ الكردي على طول الخط الحدودي (تفصل بين عفرين غرباً وعين العرب والحسكة شرقاً). كذلك، فإن من شأن المنطقة المذكورة أن تحول بين مناطق سيطرة «داعش» في ريف حلب (الباب تحديداً) وبين الشريط الحدودي. التناقضات بين تصريحات المسؤولين الأتراك وتصريحات حلفائهم في شأن «المنطقة الآمنة» ما زالت قائمة. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن صحيفة «نيويورك تايمز» كانت قد نقلت يوم الاثنين عن «أربعة مسؤولين كبار اطلعوا على المحادثات (الأميركية ــ التركية)» أن «الكثير من التفاصيل لم يتم تحديدها، بما في ذلك عمق الشريط داخل الأراضي السورية». الصحيفة نقلت أيضاً عن «مسؤول كبير في إدارة أوباما» قوله إنّ «هناك تفاصيل لا يزال يتعين العمل عليها، ولكن ما نتحدث عنه مع تركيا هو التعاون لدعم شركاء على الأرض في شمال سوريا لمواجهة داعش»، مشيرة إلى استخدام المسؤول تعبير «إقامة منطقة خالية من داعش، وضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار على طول الحدود التركية مع سوريا».

من هم الشركاء المحتملون؟

في انتظار جلاء حقيقة الموقف الأميركي، واتضاح مدى إمكان «إنشاء المنطقة»، فإن السؤال الأبرز هو: من هم الشركاء المحتملون؟ إذ ستقع على عاتق هؤلاء مهمة الانتشار وبسط النفوذ في «المنطقة الآمنة»، وتالياً «ضبط أمنها والدفاع عنها». وهو ما أشار إليه بوضوح رئيس الحكومة التركيّة أحمد داوود أوغلو، الذي قال «قواتنا البرية في سوريا هي الفصائل التي نتعاون معها». ويبدو بديهيّاً أن إدراج أبرز المجموعات المؤثرة في الميدان (وهي المجموعات الجهاديّة) في قائمة الاحتمالات هو أمرٌ مستحيل. وعلى الرغم من أن الأتراك دعموا (وما زالوا) كلّ تلك المجموعات (بما في ذلك داعش الذي تبدلت العلاقة معه أخيراً فقط)، غيرَ أنّ الأمر مختلفٌ في حالة «المنطقة الآمنة». ويمكن الجزم بأن الأتراك سيعمدون إلى دعم «الجهاديين» خارج «المنطقة» لضمان أهداف عدّة، مثل إلهاء تلك المجموعات، والسعي إلى إخراج مزيد من المناطق عن سيطرة الدولة السورية، وبطبيعة الحال مواصلة إنهاك الجيش السوري. أمّا داخل «المنطقة» فثمّة مجموعات مرشّحة عملت في الفترة الأخيرة على تصوير نفسها بعيدة عن قائمة «الجهاديين»، وعلى رأسها تأتي «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». مصدرٌ من داخل «الحركة» يجزم بأنّ «للأحرار دوراً رئيسيّاً في المنطقة الآمنة». ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «هذه ليست توقعات، ثمّة اتصالات كثيرة ومستمرّة بين قادة الحركة، والأصدقاء والداعمين، ومناقشة لدور الحركة في كل التفاصيل». وبعيداً عن «تفاؤل الأحرار المُفرط»، فإن دعم هذه المجموعة يبدو رهناً بالقبول الأميركي، وهو أمرٌ مُستبعد التحقق بالنظر إلى الشراكة المستمرّة بينها وبين «النصرة»، وباقي مكوّنات «جيش الفتح». وتبرز «الفصائل التركمانيّة» متسلحةً بدعم تركي مُطلق، وبكونها حافظت على نفسها بعيدة من «الشائبة الجهاديّة». ويبدو لافتاً في هذا السياق أنّ هذه الفصائل لم تخض معارك حقيقيّة منذ فترة طويلة، وبصورة توحي بأنّ ضابط إيقاعها التركي يرغب في احتفاظها بقوّتها للوقت المناسب. كذلك فإنّ عدم خوضها المعارك قد جنّبها الدخول في تحالفات تغلب عليها الصبغة «الجهاديّة». أبرز هذه المجموعات «كتيبة السلطان محمد الفاتح»، و«كتيبة السلطان مراد»، و«كتيبة السلاجقة»، و«كتيبة أحفاد الفاتحين». ومن التفاصيل اللافتة في هذا السياق يبرز تصريحٌ لـ«رئيس المجلس التركماني السوري» عبد الرحمن مصطفى، قبل أيّام، إذ نقلت عنه وكالة «الأناضول» التركيّة قوله إن «المجموعات التركمانية المقاتلة في سوريا اتخذت قراراً بتقديم دعم أكبر بعضها لبعض، والعمل على إنشاء جيش تركماني في حال سمحت الظروف بذلك». ولا يعني ذلك أنّ الاعتماد على «التركمان» دون سواهم هو أمر سهل، إذ سيكون الأمر كفيلاً بإثارة تحفّظات «عرقيّة» لدى بعض المجموعات، فضلاً عن أنّ «المنطقة الآمنة» في هذه الحالة ستبدو أشبه بـ«كانتون تحرسه الجندرمة التركيّة». وهو أمرٌ يصفه مصدرٌ من «كتائب أبو عمارة» بأنّه «غير وارد، ولا مقبول». ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «الفصائل التركمانية إخوة لنا، والتفاهم بيننا وبينهم أمرٌ قائم. هناك مجموعات من بينهم يشاركوننا في غرفة عمليات فتح حلب. ونحن ومعظم فصائل الغرفة مستعدون لمشاركتهم في حفظ أمن المنطقة العازلة (الآمنة)».

_______

«الأخبار»

الاثنين، 29 يونيو 2015

قادة «داعش» وتوزع المسؤوليات في سوريا والعراق

    يونيو 29, 2015   No comments
قبل عام، اختار تنظيم «داعش» شهر رمضان، بما يحمله من رمزية، للإقدام على خطوة مباغتة تمثلت في إعلان قيام دولة «الخلافة» وعلى رأسها «أمير المؤمنين الخليفة أبو بكر البغدادي»، وهو الاسم الحركي لإبراهيم عواد ابراهيم البدري السامرائي.
جاءت هذه الخطوة في خضم إنجازات ميدانية نجح خلالها هذا التنظيم التكفيري في السيطرة على مساحات شاسعة باتت توازي اليوم نصف مساحة سوريا وثلث مساحة العراق، فضلا عن احتلاله نحو 250 كلم2 من جرود القاع ورأس بعلبك، أي نحو 2.4 في المئة من إجمالي مساحة لبنان.
وطوال العام الاول من عمر «الخلافة» نجح تنظيم «الدولة»، وبرغم ما اشتهر باسم حرب «دول التحالف»(...) عليه، في تنفيذ إستراتيجية «كسر الحدود»، خصوصاً بين العراق وسوريا، حيث أمسك بمعظم البوابات والمنافذ الحدودية بين البلدين، ومن غير المستبعد أن يعلن زعيمه البغدادي قبل نهاية رمضان الحالي، عن إستراتيجية ما بعد كسر الحدود، في تحد واضح لكل الإستراتيجيات الإقليمية والدولية المضادة.

وليس خافياً أن التنظيم ومن خلال «تنويع» أساليب «التوحش» في القتل والإعدام وأرقام ضحاياه، على مدى أقل من 10 سنوات من نشأته، قد أنتج صورة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.. ولن يكون مفاجئاً أن يقدم على اتباع أساليب جديدة، أكثر دموية، وأن تكون أرقام ضحاياه أكبر بكثير، خصوصاً في ظل التساهل الدولي والإقليمي مع النشأة والتوسع.. وربما التمدد أكثر فأكثر، تبعاً للوظائف المرادة له ومنه.
كما أن التنظيم نجح في توفير تمويل ضخم وترسانة اسلحة تسمح له بالاستمرار لسنوات عدة، وفق ما يرى محللون، وخير دليل على ذلك، توسعه في المشرق والمغرب، بدليل العمليات الثلاث الأخيرة المتزامنة في كل من الكويت وتونس وفرنسا، في تذكير أقرب ما يكون الى عمليات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى مدى سنة، من نشوء «الدولة»، التي أطاحت حدود سايكس بيكو، تمكن التنظيم من شن هجمات متتالية والتوسع في شمال العراق وغربه وفي شمال سوريا وشرقها، قبل ان يشهد بعض الاخفاقات التي ساهم فيها دخول ائتلاف دولي بقيادة اميركية على خط العمليات العسكرية، ما اجبره على التراجع مثلا في مدينة تكريت العراقية ومدينتي عين العرب (كوباني) وتل ابيض السوريتين.
إلا ان التنظيم نجح في طرد قوات المعارضة السورية حيناً والقوات الحكومية السورية او العراقية احيانا اخرى من مناطق إستراتيجية كان آخرها في مدينة الرمادي في العراق ومدينة تدمر في وسط سوريا التي فتحت له طريق البادية وصولا الى الحدود العراقية وجعلته على تماس أكثر مع خاصرتي دمشق وحمص.
ومن الواضح ان «داعش» يعمل وفق إستراتيجية لـ «دولته» المزعومة، وقد حددها بشعاره الشهير «باقية وتتمدد»، وهو ما تبدّى في تعدد الجبهات التي يتخذها التنظيم التكفيري، والتي لم تعد مقتصرة على الميدانين العراقي والسوري.
ومع حلول العام الاول لـ «الخلافة» بات لـ «الدولة الاسلامية» عشرة فروع، بعد البيعات التي شهدتها الاشهر الماضية، لتشمل بذلك ساحات: سوريا، العراق، اليمن، مصر، السعودية، ليبيا، الجزائر، أفغانستان، نيجيريا... وأخيراً «ولايات القوقاز».
صحيح أن تنظيم «داعش» لم يعلن هيكليته الرسمية، غير أن خبراء متخصصين في متابعة مسار تطور هذا التنظيم وباقي «الحركات الجهادية»، رسموا لـ «السفير» أبرز عناوين البنية التنظيمية لـ «داعش» على الشكل الآتي:
يعتبر ابراهيم عواد ابراهيم البدري (أبو بكر البغدادي) صاحب القرار الأول والأخير في التنظيم، يليه نائبه أبو عبدالله البغدادي وهو المنصب الذي استحدثه «الخليفة» بعد مقتل أمير «داعش» السابق أبو عمر البغدادي مع وزير حربيته أبو حمزة المهاجر في الوقت نفسه، وذلك تفادياً لشغور منصب القيادة في حالات كهذه.
ويعتبر فضل أحمد عبدالله الحيالي (أبو مسلم العفري التركماني)، نائب رئيس تنظيم «داعش» في العراق، الرجل الثالث في بنية التنظيم.
وتتوزع المسؤوليات في تنظيم «داعش» على عدد من المجالس يترأس معظمها ضباط سابقون في الجيش العراقي الذي تم حله بعد سقوط نظام صدام حسين، وهذه المجالس هي:
• المجلس العسكري: يترأسه العراقي وليد العلواني (أبو أحمد العلواني)، ويضم ثلاثة أعضاء يتم تعيينهم من قبل الخليفة ومهمتهم الاشراف على العمليات العسكرية التي يخوضها التنظيم.
• المجلس الدفاعي والأمني والاستخباري (أو اللجنة الأمنية والشرعية): يترأسه العراقي أبو علي الأنباري (نائب البغدادي في سوريا)، ويعتبر الحلقة الأهم في بنية التنظيم، كونه يتولى في جزء من مهامه أمن الخليفة البغدادي، وضع المخططات، جمع المعلومات الاستخبارية وتقييمها وإصدار الأوامر.
• المجلس القضائي: يترأسه العراقي أبو محمد العاني، ومهمته الإشراف على جميع القضايا الشرعية والقضائية المتعلقة بـ «الدولة الاسلامية».
• مجلس الشورى: يترأسه العراقي أبو أركان الأميري، ويضم 11 عضواً يعينهم الخليفة، ويتولى الاشراف على جميع شؤون الدولة الاسلامية المفترضة.
• المجلس المالي: يترأسه العراقي موفق مصطفى محمد الكرموش.
• المجلس الإعلامي: يترأسه العراقي أبو الأثير عمر العبسي، ويعاونه عدد من الخبراء في مجالات الاعلام ومواقع التواصل والدعاية.
الوزارات
وقد أنشأ تنظيم «داعش» في موازاة هذه المجالس الستة، وزارات تتولى المهام التنفيذية ويترأس كل واحدة منها وزير.. غير أن اللافت للانتباه أن هذه الوزارات اختفت من قاموس التنظيم بعد تولي البغدادي القيادة، إذ إن الأخير أدخل تعديلات جذرية على بنية التنظيم بينها استحداث منصب نائبه واستبدال الوزارات، على الأرجح، بالمجالس المتخصصة، بدليل أنه لم يعلن في عهده عن أي وزارة جديدة، علماً أنه سبق لسلفه أبو عبدالله البغدادي أن أعلن عن «حكومة» في العام 2009، وهي الثانية بعد «الحكومة» التي أعقبت الاعلان عن تأسيس «دولة العراق الاسلامية» في أواخر العام 2006.
الولاة
ولقد عين الخليفة البغدادي حوالي 15 والياً عُرف منهم:
• والي الرقة: السوري طه صبحي فلاحة (أبو محمد العدناني) وهو الناطق الإعلامي باسم التنظيم.
• والي بغداد: العراقي أحمد عبد القادر الجزاع (أبو ميسرة).
• والي صلاح الدين: العراقي وسام عبد زيد الزبيدي (أبو نبيل)، وقد أشيعت أنباء مؤخراً عن مقتله أو انتقاله الى ليبيا!
• والي كركوك: العراقي نعمة عبد نايف الجبوري (أبو فاطمة).
• والي الحدود: رضوان طالب حسين اسماعيل الحمدوني (أبو جرناس).
• والي الجنوب (العراقي) والفرات الأوسط: العراقي أحمد محسن خلف الجحيشي (أبو فاطمة).
• والي حلب: السوري عمر العبسي (أبو أثير العبسي)، وكانت ترددت أنباء عن عزله من منصبه منذ انسحاب «داعش» من أعزاز في شمال حلب العام الماضي.
• والي دمشق: العراقي أبو أيوب.
• والي الخير (دير الزور): العراقي حاجي عبد الناصر.
• والي حمص (والبادية): أبو يحيى العراقي.
• والي الحسكة: أبو اسامة العراقي.
• والي نينوى غير معروف، ولم يُعرف أيضاً من حل مكان العراقي عدنان لطيف حامد السويداوي (أبو مهند) بعد مقتله، وهو كان والياً للأنبار.
قادة.. من جنسيات مختلفة
ويحيط بالبغدادي قادة كثر من أبرز المعروفين بينهم:
الشيشاني طارخان باتيراشفيلي (عمر الشيشاني)، العراقي وهيب شاكر الفهداوي (أبو وهيب)، الألباني لافادريم موهسكري (أبو عبد الله الكوسوفي)، العراقي أبو خطاب الكردي (يقود معركة عين عرب/ كوباني)، اليمني أبو حذيفة اليمني، العراقي أبو عمر (الملاكم)، الأميركي ـ السوري أحمد أبو سمرا، البحريني تركي البنعلي (أبو همام الأثري) وهو من أبرز القيادات الشرعية ومن المنظرين البارزين في التنظيم خصوصاً بعد مقتل عثمان آل نازح.
ومن القادة المعروفين أيضاً: العراقي عبدالله أحمد المشهداني (أبو قاسم) ويتردد أنه مسؤول المضافات الخاصة بالمقاتلين العرب وناقل الاستشهاديين، العراقي بشار اسماعيل الحمداني (أبو محمد) مسؤول متابعة ملف الأسرى، العراقي عبد الواحد خضير أحمد(أبو لؤي) وهو المسؤول الأمني العام، العراقي محمد حميد الدليمي (أبو هاجر العسافي) وهو مسؤول بريد الولايات، العراقي عوف عبد الرحمن العفوي (أبو سجى) والتركمانستاني أبو عمر القرداش والتونسي طارق بن الطاهر بن الفالح العوني الحرزي (أبو عمر)، الذي أعلن البنتاغون أنه قتله بغارة جوية على الموصل في 15 حزيران الماضي وهو من المتهمين بقتل السفير الأميركي في بنغازي (ليبيا).
جيوش «الخليفة»
وغداة بدء «التحالف الدولي» بشن ضربات جوية على التنظيم في سوريا والعراق، قسّمت قيادة «داعش» بنية التنظيم في سوريا الى ست ولايات، يتمتع جيش كل ولاية باستقلالية في اتخاذ القرارات، وهي:
• جيش ولاية الرقة: أكبر جيوش «داعش» في سوريا، ويقدر عدد مقاتليه بنحو 11 الفاً ويقوده السوري علي الحمود الملقب بـ «علي موسى الشواخ» (أبو لقمان)، وهو معتقل سابق لدى النظام السوري، ويعتبر من قيادات الصف الأول في سوريا. ويتواجد في ولاية الرقة عدد من رموز التنظيم وبينهم السوري عبدالله الشوخ والعراقي توباد البريج العبد الهادي المسؤول عن ادارة ملف العشائر، أبو عبد الرحمن السهو (مسؤول أمني)، أبو حمزة الرياضيات (مسؤول أمني)، أبو حسن الفراتي (مسؤول أمني)، الأنباري أبو أحلام (أمير) وأبو عقبة الجزراوي.
• جيش ولاية حلب: يقدر عديده بنحو 11 الف مقاتل ويقوده التونسي أبو اسامة التونسي الذي يتواجد في مدينة الباب في ريف حلب. يعتبر حسان عبود السرميني (قائد لواء داوود سابقاً) من أهم القادة الميدانيين في جيش ولاية حلب.
• جيش ولاية الخير (دير الزور): يقدر عديده بنحو 9 آلاف مقاتل ويقوده السوري أحمد المحمد العبيد (أبو دجانة الزر).
• جيش ولاية الحسكة: يقدر عديده بنحو 6 آلاف مقاتل ويتردد أن عبد المحسن الزغيلان الطارش (ابو جندل الكويتي) هو أحد أبرز قادته.
• جيش ولاية حمص: يقدر عديده بنحو 4000 مقاتل ومن أبرز قادته أبو طلحة الألماني، وهو مغني راب، وكان يقوده سابقاً السوري محمد حسين حميد الذي قتل في احدى المعارك.
• جيش ولاية دمشق: يقدره عديده بنحو 1500 مقاتل.


___________

عن المحرر السياسي لجريدة السفير 

الجمعة، 5 يونيو 2015

الجولاني: أنا «داعش» سوريا.. والبغدادي «داعش» العراق

    يونيو 05, 2015   No comments
عبد الله سليمان علي

«أنا داعش سوريا.. وليكن البغدادي داعش العراق». تمثّل هذه العبارة خلاصة جزء كبير من لقاء زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني مع قناة «الجزيرة» القطرية، الذي بُثَّ على حلقتين.
وبالرغم من أن اللقاء، من حيث توقيته والمنصّة الإعلامية التي خرج من خلالها، كان يراد له أن يكون منعطَفاً مهماً في مسيرة «جبهة النصرة»، ومحاولة لتغيير النظرة إليها من تنظيم «إرهابي» إلى فصيل «ثوري»، إلا أن الجولاني ساهم عبر المواقف التي أطلقها في إفشال هذه الغاية.


والأهم أن كلامه ترك علامة استفهام كبيرة حول حقيقة ما يقال عن وجود اختلاف منهجي بين «جبهة النصرة» وبين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فالجولاني، وبرغم تأكيده على وجود هذا الاختلاف بعبارات منتقاة، إلا أن مواقفه التي عبر عنها في اللقاء كانت تؤكد شيئاً آخر.
فضح الجولاني سريعاً نزعته التكفيرية، فهو يرى في العلويين أنهم «لا يحسبون طائفة من أهل الإسلام بل هم خارجين عن دين الله عز وجل وعن الإسلام». أما الدروز فهم بالنسبة إليه «محل دعوتنا، ونحن أرسلنا إليهم الكثير من الدعاة وأبلغوهم الأخطاء العقدية التي وقعوا فيها». ومن نافلة القول إن المقصود بالأخطاء العقدية هي انحرافات في العقيدة تتناقض مع مبدأ التوحيد، كما يؤمن به الجولاني. وأهم مكرمة يعد فيها الجولاني النصارى «المسيحيين» هي أن الجزية لن تُفرض إلا على القادرين على دفعها فقط! أما المكرمة الثانية فكانت بتأكيده «نحن ليس لدينا حرب (الآن) مع النصارى، نحن (الآن) لا نحمّل نصارى الشام ما تفعله أميركا».
وهذا يعني أن نظرة «جبهة النصرة» إلى الطوائف الأخرى تتطابق تماماً مع نظرة «داعش»، من دون أي اختلاف بينهما. وهذا طبيعي طالما أن الجماعتين تنهلان من نفس المرجعيات الفقهية التي بنت طوال قرون من الزمن هيكل التكفير فوق جماجم المسلمين. لكن الفارق الوحيد هو أن «داعش» تمكن فعلياً من تطبيق غالبية هذه الأحكام على الطوائف الأخرى في مناطق سيطرته، أما «جبهة النصرة» فإنها تنتظر أن تتاح لها فرصة تطبيق ذلك على نطاق واسع، بحكم أنها طبقت بعضاً منها على نطاق ضيق، خصوصاً في أرياف إدلب عبر «دار القضاء» الذي أعطى صورة وحشية في التعامل، سواء مع المواطنين أو قادة الفصائل المسلحة أو الناشطين الإعلاميين.
ولا يخرج كلام الجولاني حول حالة الأمان التي يعيشها أبناء الطائفة الدرزية في القرى التي يسيطر عليها عن النهج الذي اتبعه تنظيم «الدولة الإسلامية» في نشر إصدارات تُظهر حالة الرخاء والأمن التي يحظى بها «المسيحيون» في معقله بالرقة، فالكلام مجاني.
وبالرغم من أن الجولاني حرص على وصف عناصر «الدولة الإسلامية» بأنهم «خوارج»، مستنداً الى فتاوى صدرت ممن أسماهم «علماء الأمة»، وهو يقصد أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي، مؤكداً وجود فروقات منهجية بين الجماعتين، إلا أنه عجز عن إيضاح ماهية هذه الفروقات باستثناء الحديث عن تكفير «عموم المسلمين» و «قتل المصلحة».
والحقيقة أن «داعش» لا يجرؤ على القول علناً بتكفير عموم المسلمين (والمقصود هنا أهل السنة حصراً وليس العلويين ولا الدروز ولا الاسماعيليين ولا غيرهم) رغم أن سلوكه يختلف عن ذلك. ونفس الأمر ينطبق على «جبهة النصرة»، فهي لا تقول بتكفير «مسلمي الشام» مثلاً، لكنها تبذل جهوداً كبيرة لمحاربة المذهب الأشعري المنتشر في سوريا، وإجبار أبناء المناطق السنية التي تسيطر عليها على تلقّي تعاليم المذهب الوهابي، وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه «الدولة الإسلامية» تجاه السنة، وبالتالي حتى في هذه النقطة ليس هناك أي اختلاف بين الجماعتين.
أما «قتل المصلحة» فإن «جبهة النصرة» متهمة مثل «داعش» باستحلاله، وقد وجهت اتهامات إلى مسؤولها «الشرعي» العام سامي العريدي بأنه أفتى بجواز قتل المصلحة، وبناء عليه تم قتل العديد من قادة الفصائل، وبعض قدامى الأفغان العرب وعلى رأسهم أبو محمد السوري.
وأكثر من ذلك، كان التطابق الأغرب بين مواقف الجولاني ومواقف «الدولة الإسلامية» هو ما جاء بخصوص جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. ففي حين سخر المتحدث الرسمي باسم «داعش» أبو محمد العدناني من «الإخوان» في خطابه «السلمية دين من؟»، ها هو الجولاني يؤكد متسائلاً «ماذا فعلت سلميتهم إلا أن أتت على آخرتهم»، داعياً إياهم للعودة إلى «نهج الجهاد سبيلنا» وحمل السلاح. مع ملاحظة أن الجولاني (الذي لا يكفر عموم المسلمين) اتهم «الإخوان» باتهامات تؤدي إلى تكفيرهم، مثل الديموقراطية والمشاركة في البرلمانات والقَسَم على احترام الدستور.
لذلك فإن المأخذ الحقيقي لـ «جبهة النصرة» على «داعش» لا يتعلق بالمنهج ولا العقيدة، وإنما بالمصالح والنفوذ، فلولا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لم يحارب «جبهة النصرة» واكتفى بمحاربة الفصائل الأخرى لما كان الجولاني وصفه بالخوارج حتى.
وما يؤكد ذلك أن الجولاني استمر في امتداح أعمال «الدولة الإسلامية» في العراق، معتبراً أن التنظيم في العراق يبلي بلاء حسناً ضد «الروافض»، بل أكد أن «جماعة الدولة لديهم جدية في قتال الرافضة في العراق على خلاف جديتهم في قتال النصيرية في الشام». وعندما حاول تبرير ذلك عزاه إلى وجود «قيادات عراقية لديها 10 سنوات من التضحية في صفوف التنظيم في العراق»، متناسياً أن هؤلاء أنفسهم من يقودون التنظيم في سوريا. ويبدو أن الجولاني حتى في هذه النقطة لا يستطيع الخروج عن النص الذي وضعه زعيمه أيمن الظواهري، الذي حكم بالخلاف بين التنظيمين بأن يبقى الجولاني في الشام ويعود أبو بكر البغدادي إلى العراق.
وعلى فرض صحة ملاحظة الجولاني حول جدية التنظيم هنا وعدم جديته هناك، فإنه أوقع نفسه في مطب لن يتمكن من الخروج منه، خاصة عندما أعلن أنه «لن يتخذ من الشام منطلقاً لمهاجمة المصالح الغربية»، استناداً إلى أن هذه المهمة، بموجب تعليمات الظواهري، موكلة إلى فرع «القاعدة» في اليمن، وليس إلى «جبهة النصرة» في الشام. فإذا كانت عدم جدية «داعش» في قتال «الرافضة» في الشام تهمة فإن تخلي «النصرة» عن استهداف الغرب تهمة أخطر منها. والمقصود هنا الدلالة على تناقض الجولاني وعدم قدرته على صياغة خطاب مقنع، وليس التسليم بصحة ما يقوله.
وليس هذا التناقض الأخير الذي وقع به الجولاني، ففي سياق حديثه عن دور «القاعدة»، أكد أن خطة أسامة بن لادن كانت تقضي باستدراج القوات الأميركية إلى أفغانستان لمحاربتها هناك، واعتبر ذلك من عبقرية مؤسس التنظيم. في حين أنه سبق له في خطاب سابق أن انتقد «الدولة الإسلامية» لأنه تسبب من خلال سياسته وسلوكه في استقدام «التحالف الدولي» إلى العراق وسوريا.
وهنا أيضاً بخصوص «التحالف الدولي» يبرز تناقض آخر، ففي خطابه أواخر العام الماضي، أكد الجولاني أن هدف التحالف ليس «الدولة» ولا «النصرة» وإنما القضاء على عموم «المجاهدين»، لكنه في لقاء «الجزيرة» اكتفى بالتلويح بإمكانية استهداف مصالح الغرب، في حال استمرت غارات التحالف ضد مقار جماعته فقط.
أما أغرب هذه التناقضات، فهو ما يتعلق به شخصياً، حيث أكد أنه «لم يبايع البغدادي إلا بعد أن تأكد أن في عنقه بيعة لأيمن الظواهري»، لأن المفترض هو أن الجولاني بايع البغدادي في حياة أسامة بن لادن، وبالتالي ينبغي أن تكون البيعة له وليس للظواهري.

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

أنقرة: كيف ننصر إرهابياً على إرهابي؟!

    أكتوبر 27, 2014   No comments
واصل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أمس، تحريضه ضد أكراد سوريا، محاولا إثارة الفتنة بينهم وبين اكراد العراق، بعد اتهامه «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي بأنه لا يريد مساعدة من «بشمركة» إقليم كردستان العراقي، للدفاع عن مدينة عين العرب (كوباني) السورية، في الوقت الذي ساوى فيه نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» التركي ياسين أكتاي بين الاكراد المدافعين عن المدينة والمهاجمين من تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، معتبراً انهما «حزبان ارهابيان».
في هذا الوقت، كشفت «حكومة» إقليم كردستان العراق أن «البشمركة» لن يشاركوا مباشرة في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وان مهمتهم ستكون تقديم دعم مدفعي للمدافعين عن عين العرب.

وفي الوقت الذي شنت فيه طائرات أميركية خمس غارات جديدة على مواقع «داعش» قرب عين العرب، صد الأكراد السوريون هجوما جديدا على الحي الشمالي للمدينة القريب من الحدود التركية». وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، أن «الدولة الإسلامية يركز اهتمامه على هذا المكان لمحاصرة مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي في المدينة، وقطع طريق الإمدادات ومنعهم من إجلاء جرحاهم نحو تركيا».
وأضاف «قتل أكثر من 800 شخص في عين العرب منذ بداية هجوم الدولة الإسلامية قبل 40 يوما، بينهم 481 جهاديا من التنظيم و302 مقاتل كردي و21 مدنيا».
وقال اردوغان، في الطائرة التي كانت تعيده إلى أنقرة من زيارة لأستونيا، إن «حزب الاتحاد الديموقراطي غير متمسك بوصول البشمركة إلى كوباني، والسيطرة عليها». واعتبر أن الحزب، الذي وصفه بالمنظمة «الإرهابية»، لا يريد المجازفة بفقدان نفوذه في شمال سوريا.
وقال نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» التركي ياسين أكتاي، لوكالة «الأناضول»، إن «داعش انتشر في الأراضي التي احتلتها القوات الأميركية منذ 11 عاماً (العراق) وأصبح يمتد إلى أن وصل سوريا وحدود تركيا، وبلدة كوباني ليست الوحيدة التي امتد إليها داعش».
وأضاف «من يطالبنا بالحرب في كوباني نقول له، إن وظيفتنا ليست أن نحارب خارج أراضينا، وفي كوباني يوجد تنظيمان إرهابيان، هما داعش وحزب العمال الكردستاني، فهل ننصر فئة منهما على الأخرى، خاصة أن حزب العمال قام مؤخراً باستهداف مدنيين في تركيا». وتابع «لم تتدخل تركيا عسكرياً في كوباني، لكنها لم تقف على الحياد، فقامت بدور إنساني، وتم نقل المدنيين إلى الأراضي التركية».
وكشف المتحدث باسم «حكومة» إقليم كردستان العراق سفين دزيي، لوكالة «رويترز»، عن الدور الذي سيقوم به عناصر «البشمركة» في عين العرب. وقال «ستكون قوة دعم بالأساس بالمدفعية والأسلحة الأخرى. لن تكون قوات قتالية في حد ذاتها بأي حال في هذه المرحلة». وأوضح، ردا على سؤال عن إمكانية نشر مزيد من عناصر «البشمركة» مستقبلا، «يعتمد كل ذلك على كيفية تطور الأمور على ارض الواقع».
وقال «رئيس ديوان الرئاسة» في إقليم كردستان فؤاد حسين إن «البشمركة على استعداد للتوجه إلى كوباني عبر تركيا بمجرد الانتهاء من وضع جدول زمني مع الحكومة التركية وأكراد سوريا، متوقعا «المضي قدما في نشر 155 من عناصر البشمركة خلال أيام».
ووصف الأسلحة التي سينقلها «البشمركة» إلى عين العرب بأنها «شبه ثقيلة»، معتبرا أنها ستمكن المقاتلين الأكراد من مجابهة دبابات «الدولة الإسلامية» ومركباتها المدرعة.
إلى ذلك، بحث ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل مع منسق التحالف الدولي الجنرال الأميركي جون آلن «الجهود القائمة لمكافحة الإرهاب، وعلاقات التعاون بين السعودية والولايات المتحدة والأمور ذات الاهتمام المشترك». وجاءت زيارة الرياض في إطار جولة لآلن تشمل بريطانيا وفرنسا والسعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» بثت أمس الأول، إن موسكو مستعدة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، لكن لا توجد أي اتفاقات بشأن تبادل المعلومات الاستخبارية في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» .

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

كي لا يصبح لبنان أفغانستان: هل تكشف حرب «داعش» من اغتال الحريري؟

    سبتمبر 30, 2014   No comments
جان عزيز
ثمة رابط خفي من نوع المفارقة، بين أن تتابع جلسات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، وبين أن ترصد تلك الحركة «الفكرية» الناشطة في السعودية. في لاهاي، سلسلة جلسات رتيبة مملّة لم تعد تثير اهتمام أحد. كانها تكرار مضجر لمسرحية هجرها جمهورها، ولما ييأس منتجها بعد. لا يزال يدفع رواتب الممثلين، فيؤدون أدوارهم أمام مقاعد مهجورة ومسرح خال.

أما في الرياض فحراك لافت. قبل يومين عبدالله يدعو المنظّرين الدينيين لنظامه إلى البحث في «الأزمة الثقافية للأمة». قبل أسبوعين فتوى تحرم القتال إلى جانب الإرهابيين، تصدرها إحدى هيئات النظام. قبل 20 يوماً، كلام رسمي عن «أن الطائفية هي الوجه الآخر للإرهاب». قبل نحو شهر، ما يسمى «مجلس الشورى السعودي» يصدر انتقاداً علنياً لما اعتبره «الاجتهادات الميدانية الخاطئة» لجناح التسويغ الديني لنظام العائلة السعودية، أو المطاوعة. وذلك على خلفية حادثة لا تقل خروجاً عن المألوف السعودي: أحد بوليسيي المطاوعة ضرب مواطناً بريطانياً. مسألة عادية لا بل سلوك تاريخي لذلك الجهاز. لكن المفاجأة أن الحادثة انتشرت بالصوت والصورة، وان جهاز التسويغ الديني نفسه أجرى تحقيقاً في الموضوع. وأن «تقريراً رسمياً» صدر حول حادثة الاعتداء، ونشر كاملاً للمرة الأولى منذ قيام نظام تلك العائلة، بما تضمّنه من إدانة ذاتية. كل ذلك فيما عبدالله، رجل العائلة والنظام الأول، يكرر خطبه المنددة بإرهاب «داعش» ومشتقاتها، إما بلسانه ــــ كتابة طبعاً ـــ وإما بلسان مفتي النظام.

هي سلسلة من ردود الفعل السعودية غير العادية. لكنها ليست غير مسبوقة. إذ سبق لنظام العائلة نفسها أن اعتمد ردود الفعل نفسها مرة سابقة. كان ذلك بعد أحداث 11 أيلول 2001. يومها بلغ الحراك السعودي أن النظام راح يناقش مع جورج دبليو بوش مناهجه التربوية، وماذا يدرّس في صفوف تلامذته وطلابه، والعلاقة بين الإرهاب وبين نظام «المدارس» الدينية التي يرعاها في العالم. وصولاً إلى تعقب حركة الأموال السعودية فلساً فلساً أو برميلاً برميلاً. حتى طال ذاك التعقب فؤاد السنيورة، فحرم من سمة دخول واشنطن، قبل أن تتغير الأمور، ويتغير كل المعنيين بتلك الحقبة.
ما هو العنصر المشترك بين حراك الرياض سنة 2001، وحراكها نفسه سنة 2014؟ العلاقة واضحة بسيطة. ففي المرة الأولى، كان ثمة مسخ إرهابي متجمع تحت اسم تجاري من النوع «الجينيريك»، هو «القاعدة». وكان قد خرج من رحم نظام العائلة السعودية. وطبعاً بتعاون، أو رضى، أو غضّ نظر أميركي في أضعف الاحتمالات. وكان ذلك المسخ قد أعد لضرب عدو مشترك، اسمه موسكو السوفياتية. قبل أن يتفلّت من مهمته الأساسية، ويصاب بتحول جيني، ويرتدّ ضد الرياض وواشنطن، على طريقة العقدة الفرويدية في «قتل الوالد». هكذا صار السعودي والأميركي أمام حالة ذعر، تتراوح بين رؤية نفسيهما في المرآة، وبين إدراك ما جنته أيديهما. فتحرك الاثنان بهلع، باستنفار، وبجدية للخروج من المأزق الوجودي كما الأخلاقي.
اليوم، المشهد نفسه يتكرر. ثمة مسخ إرهابي أكثر توحشاً وبربرية، حمل تدريجياً، اسماً تجارياً آخر من النوع العام، هو «الدولة الإسلامية» أو حتى «الخلافة». وهو كان قد خرج أيضاً من الرحم السعودي. وبالتعاون الأميركي نفسه، أو غض النظر او التواطؤ أو الجهل أو الأحادية الفكرية العميقة لدى واشنطن. وهو مسخ كان معداً للقضاء على عدو مشترك آخر، يتراوح بين حزب الله ودمشق وطهران. قبل أن ترتدّ بعض مجسّات همجيته صوب الرياض، وصوب الغرب، ولو بداية عبر ضحايا مدنية بريئة. فاستنفر ثنائي واشنطن ــــ الرياض مجدداً، واستعاد ذاكرة تورا بورا وبرجي نيويورك. فأعاد نسج الغطاء الدولي نفسه، وقرر الدخول في السباق، على قاعدة قتل المسخ الذي خلقه، قبل أن يقتل المسخ الفرويدي والده مرة ثانية.
ما علاقة تلك المماثلة بمحكمة لاهاي؟ في المرة الأولى، وفي خضم تلك الحرب الأميركية الغربية ضد مسخ «القاعدة»، سقط رفيق الحريري غدراً وبوحشية مطلقة في قلب بيروت. في اليوم التالي مباشرة، كتب ألكسندر أدلر استناداً إلى أسرار باريس المخابراتية، أن سبب اغتيال الرجل هو عمله على استمالة القوى السنية المسلحة في شمال غرب العراق، لصالح نظام بغداد، وضد حالة الإرهاب الأصولي السني التي تستثمرها «القاعدة». وذلك بتكليف مشترك من الرياض وواشنطن. وأهل الاختصاص يعلمون من أين يأتي أدلر بمعلوماته، خصوصاً تلك الطازجة منها وكأنها المكتوبة قبل الاغتيال لتنشر بعده تواً.
اليوم ثمة حرب مماثلة ضد المسخ الثاني الإسمه «داعش». والرياض وواشنطن منخرطتان فيها بالكامل. والعراق مسرح لها، وصولاً إلى عرسال. وفي حمأة تلك الحرب، قيل إن واشنطن تمنّت على الرياض عودة سعد الحريري إلى بيروت. لكن الأخيرة لم تتجاوب. فهي تعرف الكثير عن حرب الـ 2001 وعن حرب الـ 2005 وعن حرب اليوم قطعاً. لكن المؤكد أن لبنان في حاجة اليوم إلى عودة الحريري الابن. أولاً كي لا يأكل المسخ الإرهابي كل القاعدة الحريرية، وثانياً كي لا يصبح لبنان أفغانستان. عودته مطلوبة، لأن المسخ بات في عرسال، ولأن مسرحية لاهاي مستمرة.

الخميس، 25 سبتمبر 2014

رسالة مفتوحة وجهها 126 عالما ومفكرا واكاديميا اسلاميا من مختلف دول العالم الى ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "ابو بكر البغدادي" والى جميع المقاتلين والمنتمين الى ما يسمى تنظيم داعش

    سبتمبر 25, 2014   No comments
https://docs.google.com/a/reasonedcomments.org/viewer?a=v&pid=sites&srcid=cmVhc29uZWRjb21tZW50cy5vcmd8cmVhc29uZWQtY29tbWVudHN8Z3g6Mzg1OTBlNzM2NjEyMDRlNQ

اكد علماء ومفكرون واكاديميون اسلاميون ان الله كتب على نفسه الرحمة لقوله تعالى "كتب ربكم على نفسه الرحمة"، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف "ان الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي"، وبالتالي فلا يجوز المساواة بين السيف والغضب والرحمة، ولا يجوز ان تكون الرحمة منوطة بجملة "بعث بالسيف".

وفي رسالة مفتوحة وجهها 126 عالما ومفكرا واكاديميا اسلاميا من مختلف دول العالم الى ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "ابو بكر البغدادي" والى جميع المقاتلين والمنتمين الى ما يسمى تنظيم داعش .اكد وا انه "من المستحيل ان يكون إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم منوطا ببعثه بالسيف لأنه يجعل (خطأ) السيف بمستوى الرحمة الإلهية"، ومؤكدين ان "الجهاد بدون سبب مشروع ليس جهادا بل حرابة وإجرام".

وفصل هؤلاء العلماء رأيهم من خلال 24 محورا، هي: الاصول والتفسير، اللغة، الاستسهال، الاختلاف، فقه الواقع، قتل الأبرياء، قتل الرسل (السفراء)، الجهاد، التكفير، أهل الكتاب، الرق، الإكراه، النساء، الأطفال، الحدود، التعذيب، المُثلة، نسبة الجرائم الى الله تعالى تحت عنوان التواضع، تدمير قبور الأنبياء والصحابة ومقاماتهم، الخروج على الحاكم، الخلافة، الانتماء الى الأوطان، وأخيرا الهجرة.

وشدد هؤلاء العلماء في محور التفسير على "ان جميع ما جاء في القرآن حق، وكل ما في الحديث الصحيح وحي، فلا يجوز ان يترك البعض، وبالتالي يجب التوفيق بين النصوص قدر المستطاع او ان يكون هناك سبب واضح لترجيح امر على امر".

وأضافوا ان "من اهم أركان الاصول فهم اللغة العربية، وهذا يعني فهم علوم اللغة والقواعد والنحو والصرف والبلاغة والشعر وأصل الكلمات والتفسير، وبدون هذه العلوم فإن الخطأ محتمل، بل مؤكد"، مشيرين الى ان إعلان ما سميتموه (الخلافة) كان بعنوان (هذا وعد الله) وقصد صاحب الإعلان "بوعد الله" الآية الكريمة "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأؤلئك هم الفاسقون".

وفي تفنيدهم لهذا الرأي قالوا انه "لا يجوز ان تُحمل آية من آيات القرآن الكريم بشكل خاص على حدث حصل بعد 1400 عام من نزول القرآن، فكيف يقول ابو محمد العدناني بأن وعد الله هو الخلافة المزعومة، فعلى صحة زعمه كان عليه أن يقول (هذا من وعد الله)".

واستشهدوا على خطأ الفكر الداعشي في هذه المسألة بقوله تعالى "عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون"، موضحين ان الاستخلاف يعني "انهم حلوا في الارض بدل قوم آخرين ولم يعن أنهم حكام على نظام معين سياسي".

وبينوا انه لا يجوز ان يؤخذ مقتطف من القرآن بدون فهمه في سياقه الكامل خاصة في مسألة الجهاد، ولذلك كانت قلة قليلة فقط من الصحابة مؤهلة للإفتاء، لقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، مشيرين الى انه "حينما يوجد اختلاف في الرأي فينبغي الأخذ بالأرحم ولا يشدد، ولا يظن ان الشدة هي معيار التقوى لقوله تعالى "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم".

ولفتوا الى ان "معظم الناس الذين اسلموا عبر التاريخ اسلموا بالدعوة الحسنة مصداقا لقوله تعالى "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن"، مشيرين الى ان هناك دولا كبيرة اسلمت بدون فتوحات نتيجة الدعوة مثل اندونيسيا وماليزيا وافريقيا الغربية والشرقية.

واكدوا ان كلمة الجهاد مصطلح اسلامي لا يصح ان يستعمل ضد اي مسلم، وهذا اصل وأساس، مشيرين الى ان الجهاد مشروط بإذن الوالدين.

وقالوا ان الجهاد في الاسلام نوعان: الجهاد الاكبر وهو جهاد النفس، والجهاد الاصغر وهو الجهاد ضد العدو، لافتين الى انه ربما يأتي وضع معين على المسلمين لا يُستلزم فيه قتال ولا يجب فيه جهاد، وبالتالي فإن الجهاد بدون سبب مشروع وغاية مشروعة ومن غير اسلوب مشروع ومن دون نية مشروعة ليس جهادا بل حرابة وإجرام.

واشاروا الى شدة حرمة قتل النفس بصفته من اكبر الموبقات لقوله تعالى "من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا".

وأما في مسألة التكفير فقد اجمع هؤلاء العلماء على ان "الأصل في الاسلام ان من قال لا إله الا الله محمد رسول الله لا يجوز تكفيره"، لافتين الى ان التكفير من اخطر المسائل لأن فيه استحلالا لدماء المسلمين وحياتهم وانتهاكا لحرمتهم واموالهم وحقوقهم لقوله تعالى "ومن يقتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".

___________

الجمعة، 29 أغسطس 2014

لا تخلطوا بين داعش والإسلام ، ولا بين الإسلام والسياسة وتخدموا كارِهيْ الإسلام

    أغسطس 29, 2014   No comments
بقلم : د. عبد الحميد سلوم

بين عامي 1991- 1993 كانت الأعمال التحضيرية للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد في صيف 1993 في فيينا .. وقد  أخفقتْ وفود العالم في جنيف بالتوصل إلى إجماع آراء حول مسودة الإعلان الختامي للمؤتمر لأسباب عديدة من بينها بعض العبارات التي سعتْ الوفود الغربية لإقحامها في الإعلان الختامي ولا تتناسب مع قيم الإسلام ، فانتقلتْ أعمال المؤتمر إلى نيويورك وتمَّ التوافُق !!

 كنتُ عضوا في وفد بلادي في جنيف ومُتابِع ومُنخرِط بكل الأعمال التحضيرية ، ولاحظتُ كم هناك صورة مُشوّهة وسلبية بأذهان الغرب عن الإسلام ( ولستُ الآن بصدد تفنيد من هو المسئول عن ذلك ،الغرب أم الشرق أم كلاهما) ، لدرجة أن إحدى المنظمات غير الحكومية ولها صفة استشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، المعروف اختصارا ( بالايكوسوك) ، وزُعت بيانا اعتبرت فيه الإسلام كله خرقا لحقوق الإنسان !!


 وللأسف الشديد لم يتحمّس وفدا واحدا، لا عربي ولا مسلم لتفنيد تلك البيان والرد عليه سوى الوفد الإيراني ، حيث كان سفير إيران يجول بقلب القاعة على الوفود العربية والإسلامية ، يتشاور معهم ، ولكن لا أعتقد أنه وجد الحماس الكافي للدفاع عن الإسلام وقيم الإسلام وتصحيح الصورة المُشوَّهة في العقل الغربي عن الإسلام !! فقام وفد إيران بمفرده بتوزيع وثيقة يدحض فيها كل مزاعم تلك المنظمة غير الحكومية ، ويتحدث فيها بشكل مُفصّل عن حقوق الإنسان في الإسلام !!.

الغرب لا يرى الإسلام إلا من المنظور الذي تطبّقه داعش اليوم والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي ترفع شعار ( أن تطبيق الإسلام لا يكون بالدعوات وإنما بالأشلاء )، فضلا عن بعض الملحدين  ، وبعض التكفيريين عبر التاريخ ، الذين قلّدوا سلوك الخوارج وهم أول من اخترع (سياسة التكفير ) !!

هؤلاء رسّخوا، ويرسخون لدى الغرب فكرة أن الإسلام لم يقم بالحوار والإقناع والإرادة والرضا والإيمان ، وإنما بالسيف والقتل وقطع الرؤوس ، ومن هنا فإنهم  بالغرب لا يعتبرونه دينا سماويا ولا يعترفون به ، بل لا يخفى علينا الرسوم الساخرة والأفلام المسيئة للإسلام !! والجميع يخلط بين قيم الإسلام ومعانيه الصحيحة وبين التشويه لهذه القيم والمعاني عبر التاريخ لأسباب سلطوية وسياسية ودنيوية ، كان الإسلام بريئ منها ، وأُلْصِقَت به ظلما وافتراء لتبرير ممارسات هذا الحاكم أو ذاك ، وكان لا بدّ من اختراع أحاديث عن الرسول(صلى الله عليه وسلم)

 لتعزيز فكرة هذا الحاكم  وذاك وموقفه من خصومه .. وكانت أحاديث تخالف جوهريا نصوص القرآن الكريم وآياته ، وحاشى للرسول (ص) أن يأتي بحديث يخالف نصوص القرآن الكريم ومعانيها !! وكل حديث لا ينسجم مع روح القرآن ، أو يتناقض مع آياته لا يمكن أن يكون صحيح مهما كان رواتِه وناقليه والإجماع عليهم . فالرسول (ص) لا يمكن أن يناقض القرآن .. ونقطة على السطر .. ومن يُورِد حديثا يخالف القرآن هو من يجبُ الحكم عليه بالمفتري، أي كان، وليس العكس ..فيوجد رسول واحد اسمه (محمد)ص، وليس اثنين كي ينزل القرآن على أحدهما ، بينما الآخر يطلق أحاديث مُغايرة !! .

 إن ما تقوم به داعش اليوم هو كل ما يعزِّز نظرة الغرب ورؤيته للإسلام من أنه كله خرق لحقوق الإنسان ، كما قالت تلك المنظمة غير الحكومية المُشارُ إليها أعلاه ... بل أكثر من ذلك ، دين اجرام وقتل وتوحش ، وهذه هي الصورة التي ينتظرها الغرب ليعزز موقفه من الإسلام وكراهية الإسلام !! وللأسف هناك بعض الغوغاء والجهلة من بين المسلمين من يساعد داعش بتعزيز تلك الصورة ويشهد لها بأنها تطبِّق(الإسلام الصحيح) وحاشى الإسلام الصحيح من داعش وأمثال داعش ومريدي داعش ..
فالإسلام ليس داعش ، وداعش ليست من الإسلام بشيء ، وإنما هي من فكر الخوارج ... والصراعات السياسية داخل الإسلام عبر التاريخ وما نجم عنها من قتل ودماء ، لا يجوز أن نُرجِعها للإسلام وإنما للسياسة والزعامة !! . بل لو احتكم الجميع للإسلام ومعاني الإسلام بشكل أمين وصادق لما كان حصل ما حصل .

أوروبا عانت من تشويه قيم السيد المسيح بالمحبة والتسامح ، وهيمنت الكنيسة حوالي خمسة عشر قرنا على شعوب الغرب بالخرافات والأضاليل البعيدة عن قيم المسيحية وجوهرها ( لا سيما صكوك الغفران، وبيع أماكن بالجنة، والامتيازات التي أعطاها رجال الكهنوت لأنفسهم باسم الدين ) .. وحصلت حروب دينية طاحنة منها (حروب الثلاثين عاما في الامبراطورية الرومانية)، (وحرب الثمانين عاما بين اسبانيا واتحاد الجمهوريات السبع الواطئة)..
ولكن كل هذا تم وضع حد له في صلح ويستفاليا حينما جلسوا مع بعض عام 1648 ووضعوا حدودا بين الدولة وقوانينها وأسسها وقواعدها ومعاييرها ،يتساوى الجميع أمامها بلا تمييز ، وبين الدين كخصوصية شخصية وعلاقة ربانية بين العبد وخالقه ، يمارسها بحرية فردية كاملة ، وأصبحت المُوَاطَنة والمساواة لديهم هي الهوية الجامعة.. فحينها فقط اهتدت أوروبا على طريق الدرب الصحيح وبدأ التقدم والتطور والاكتشاف والاختراع وتكافؤ الفرص ، وغير ذلك ..
وبدأت تتبلور لدى الغرب نظرة مستقلة وخاصة عن حقوق الإنسان والديمقراطية ، لا سيما بعد الثورة الإنكليزية عام 1688،واستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا عام 1776، والثورة الفرنسية عام 1789 !! وبقيت الكنيسة وبقيت المسيحية ،ولكن الكنيسة عَرِفت أين تبدأ حدود الدولة ،وأين تنتهي حدودها مع الدولة !! وأدركوا أنه لا يمكن قيام شيء اسمه (دولة دينية ) بسبب تعدد المذاهب والأديان وتشعبها ، فضلا عن تناقضات الأفكار والعقائد .. ولذا ليس من الغريب أن يكون أول المستفيدين من فكر داعش وسواها من التنظيمات المتطرفة هي (إسرائيل) لأن أولئك يخدمون استراتيجيتها بخلق دولة يهودية دينية خالصة ...

فمشكلتنا ليست بالإسلام ، وإنما في الفهم الخاطئ والمُشوّه للإسلام ، وبزج الإسلام بكل صراع وخلاف واختلاف ، بهدف كسب المنافسة أو المعركة أخيرا ... أليسَ هذا هو ما يحصل اليوم في عالمنا العربي وعالمنا الإسلامي ؟!.
هل هناك أجمل من الكلام الذي ورد في فحو صكوك حقوق الإنسان وموادها ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966 وإعلان طهران لحقوق الإنسان عام 1968، وإعلان فيينا لحقوق الإنسان عام 1993 ) ، اقرأوا ما ورد في تلك الصكوك ، هل هناك أجمل منه ؟ ولكن من هو الذي يطبِّقه بشكل صحيح داخل بلدانه ، أم في تعامله مع البلدان الأخرى ؟؟ لا أحد !! فهل نقول أن تلك الصكوك سخيفة وتافهة وغير صالحة وأنها هي المشكلة ، أم نقول أن التطبيق هو كذلك؟. وذات الأمر بالنسبة للإسلام ، فالتطبيق هو المشكلة !!.
لم يكن الإسلام في أي وقت دين تعصب وتطرف وقتل وتدمير ، كما تفعل داعش وأمثالها ، فهذا تدليس على الإسلام وتشويه له وحرف عن كل معانيه السامية .. والأصح كانت السياسات في الإسلام وصراعاتها هي من أخذت طابع القتل والعنف وسفك الدماء .. فمن لم يقرأ قول الإمام الشافعي (رضي الله عنه) : (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) فأين هذا من التعصب؟. وأين هذا من عقل الدواعش ؟.

 ألمْ يقل الله في كتابه الحكيم :( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ).. أين هذا من عقل الدواعش ؟. أليستْ هذه دعوة للحوار ؟. ألمْ يجري الحوار بين الله والملائكة وإبليس  حين طلب منهم أن يسجدوا لآدم ؟. أين الدواعش من أدب الحوار هذا ؟.  وحين استكبر إبليس واستخدم عنصريته في التمييز بين من خُلِق من نار ومن خُلِق من طين، لم يخسف الله به الأرض أو يضعه في الأغلال أو يقطع رأسه بالسكين، واكتفى بطرده من رحمته ومنحه حق المعارضة وكسْبِ الأتباع له (واليوم داعمي الشياطين كُثُر) ، وكان ذلك أول مُعَارضة بتاريخ الكون ، فأين داعش من كل تلك الثقافة ؟. الرسول عليه السلام قال :                                                      

(يا ايها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ،كلكم لآدم وآدم من تراب )، فأين الدواعش من هذا الكلام ؟.

 بل أين الدواعش من كل الآيات القرآنية التالية : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم .... لكم دينكم ولي دينِ ...... ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ....   أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ... لا إكراه في الدين ... لا تهدي من أحببت إن الله يهدي من يشاء ... من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. من كفر فعليه كفرُهُ ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمْهَدُون )... إلى عشرات الآيات القرآنية التي تدحض بالمطلق وترفض عقلية داعش وتفكيرها ...

فالمسألة ليست بالإسلام وإنما أولا : بالابتعاد عن جوهر الإسلام ومعانيه الصحيحة والسليمة التي تم تشويهها وحرفها لخدمة أغراض خاصة ومخططات هدّامه ، وهو ما تفعله داعش اليوم ..
وثانيا: بالخلط بين الإسلام والسياسة ، والخلط بين الدين والدولة ، لخدمة المصالح الخاصّة ومنها مصالح (رجال الطبقة الدينية والحكّام ،كما هو الحال اليوم في بعض البلدان) وكما كان الحال في أوروبا قبل ويستفاليا ، حينما كان التحالف قائما بين طبقة الأكليروس والأباطرة ..

 فمن لا يُفرِّق بين داعش والإسلام ، وبين تسخير الإسلام لأغراض السياسة ، خلافا لقيم الإسلام ، فهو أشبه بطفلٍ صغير لا يُفرِّق بين الجمرة والتمرة !! أو من لا يرى فرقا بين الشياطين والملائكة !!.. نعم أرغب أن أقرأ التاريخ ولكن أرفض أن أسكن به ، فبيتي هو الحاضر والمستقبل ..فإلى متى سيأسرنا التاريخ ؟!.

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

بيان مفتي السعودية عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ: تبصرة وذكرى || داعش والقاعدة عدو الإسلام الأول || جرائم ما يسمى بداعش والقاعدة وما تفرع عنها من جماعات ليس من الإسلام في شيء ||

    أغسطس 19, 2014   No comments
وجه مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ بياناً بعنوان "تبصرة وذكرى"  فيما يلي نصه :

الحمد الله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد :

http://www.google.com/reviews/polls/display/7754288029976286359/blogger_template/vote?lnkclr=%2355850d&hideq=true&font=normal+normal+13px+Arial,+Tahoma,+Helvetica,+FreeSans,+sans-serif&txtclr=%23333&chrtclr=%2355850d
أيها الإخوة والأخوات أحييكم بتحية الإسلام الخالدة , ذات المضامين الكريمة والمقاصد السامية .. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى , ومن اشتغل بتقوى الله فالله كافيه . ومع هذه الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية اختلت فيها كثير من الأوطان , ومعها اختلت كثير من الأفهام , ولا شك أن أكثر الأفكار خطراً أفكار تسوق باسم الأديان , ذلك أنها تكسبها قداسة تُسترخص في سبيلها الأرواح , وحينئذٍ ينتقل الناس ــ والعياذ بالله ــ من التفرق الذي يعصم منه الدين , إلى التفرق في الدين نفسه , وهذا الذي حذرنا الله عز وجل منه في قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) الأنعام: 159 .فإنه تعالى في هذه الآية يحذر المسلمين من أن يكونوا في دينهم , كما كان المشركون في دينهم , وتفريق دين الإسلام هو تفريق أصوله بعد اجتماعها , وهو كلّ تفريقٍ يفضي بأصحابه إلى تكفير بعضهم بعضاً , ومقاتلة بعضهم بعضاً في الدين , وليس في الإسلام جناية أعظم عند الله تعالى بعد الكفر من تفريق الجماعة , التي بها تأتلف القلوب , وتجتمع الكلمة , كما في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103 .
قال ابن مسعود رضي الله عنه ” يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة , فإنها حبل الله عز وجل الذي أمر به , وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة ”
والفرقة والخلاف لا تكون إلا عن جهل وهوى , كما أن الجماعة والائتلاف لا تكون إلا عن علم وتقوى .

إن المسلمين اليوم ــ والحال كما يعرف الجميع ــ في حاجة متأكدة إلى أن يتضلعوا علماً ومعرفة بهذا الدين القويم قبل أن يعرفوا به غيرهم , ليس ذلك في المسائل والأحكام فحسب , وإنما في مقاصده العظيمة الواسعة التي من أجلها شُرع , وعليها أُنزل , فإن الله تعالى ما أرسل الرسل , وشرع الشرائع إلا لإقامة نظام البشر كما قال تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد: 25 وشريعة الإسلام هي أعظم الشرائع وأقومها كما دلَّ عليه قوله تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) آل عمران: 19 وقد جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل .
والمقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها .
ومن أسس القرآن الواسعة : أن الأصل في الأشياء الإباحة ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ) البقرة: 29 وأن الأصل في الإنسان البراءة : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) الروم: 30 وهاتان القاعدتان هما أساس كل تشريع وحرية.
ولا تتم كل الأسس وتقوى على النهوض إلا بمعرفة أن سماحة الإسلام هو أول أوصاف الشريعة الإسلامية وأكبر مقاصدها . كما في قوله تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة: 185 وقوله ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج وقوله ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) البقرة: 286 وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ” أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ” . والحنيفية ضد الشرك , والسماحة ضد الحرج والتشدد . وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم : ” إن الدين يسر , ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه ” .
واستقراء الشريعة يدل على أن السماحة واليسر من مقاصد هذا الدين . وقد ظهر للسماحة أثر عظيم في انتشار الإسلام ودوامه , فعلم أن اليسر من الفطرة , لأن في فطرة الناس حب الرفق . وحقيقة السماحة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط , والوسطية بهذا المعنى هي منبع الكمالات , وقد قال الله تعالى في وصف هذه الأمة : ( وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) البقرة: 143 .

وعلى ضوء هذه المقاصد العظيمة , تتجلى حقيقة الوسطية والاعتدال , وأنها كمال وجمال هذا الإسلام , وأن أفكار التطرف والتشدد والإرهاب الذي يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل ليس من الإسلام في شيء , بل هو عدو الإسلام الأول , والمسلمون هم أول ضحاياه , كما هو مشاهد في جرائم ما يسمى بداعش والقاعدة وما تفرع عنها من جماعات , وفيهم يصدق قوله صلى الله عليه وسلم : ” سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان , سفهاء الأحلام , يقولون من خير قول البرية , يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة”.
وهذه الجماعات الخارجية لا تحسب على الإسلام , ولا على أهله المتمسكين بهديه, بل هي امتداد للخوارج الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب , فاستحلت دماءهم وأموالهم .
وندعو في هذا الصدد إلى توحيد الجهود وتنسيقها التربوية والتعليمية والدعوية والتنموية لتعزيز فكر الوسطية والاعتدال النابع من شريعتنا الإسلامية الغراء بصياغة خطة كاملة ذات أهداف واضحة مدعمة بخطة تنفيذية تحقق تلك الأهداف المنشودة واقعاً ملموساً .
هذا وإن العالم اليوم وهو يضطرب من حولنا , علينا في المملكة العربية السعودية وقد أنعم الله علينا باجتماع الكلمة ووحدة الصف حول قيادتنا المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين وولي ولي العهد حفظهم الله , علينا أن نحافظ على هذا الكيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً , وألا نجعل من أسباب الشقاق والخلاف خارج الحدود أسباباً للخلاف فيما بيننا , فكلنا ولله الحمد في المملكة العربية السعودية موحدون ومسلمون , نحافظ على الجماعة , ونلتزم الطاعة في المعروف , ونحمل أمانة العلم والفكر والرأي والقلم ويوالي بعضنا بعضاً ولاءً عاماً , ويعذر بعضنا بعضاً فيما أخطأنا فيه , سواء في ذلك العلماء والأساتذة والكتاب والمثقفون وسائر المواطنين , ندير حواراتنا حول ما يهمنا من قضايا الدين والوطن بأسلوب الحوار الراقي الذي لا يُخوَّن ولا يَتَّهم , فكلنا في هذا الوطن سواء , لنا حقوق وعلينا واجبات . نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وأن يقيَنا وإياهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح أحوال المسلمين إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .


المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ

________________________________________________________________________________
رأي وتحليل

لماذا هو خطر على السعودية؟ داعش... الوعد الوهابي المؤجّل

 فؤاد إبراهيم *

من أجل تقدير دقيق للخطورة المتمثّلة في مشروع «داعش»، لا بد من قراءة إجمالية للعقل السياسي السعودي. فالدولة السعودية الوهابية التي نشأت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي عقب تحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود عام 1744 والذي أسّس لدولة دينية تقوم على تقاسم السلطة بين الشيخ والأمير، أريد لها الانفراد بالتمثيل السياسي السني، بما يحول دون نشوء أي كيان آخر منافس داخل المجال الإسلامي العام.

في داخل المجال الديني الوهابي، خاض حرّاس المذهب تحديّات متعاقبة لجهة إبقاء الدولة السعودية داخل نطاق تأثير التعاليم الوهابية التي وضعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسائله ومصنّفاته وسيرته. وجرت محاولات فردية أحياناً وجماعية أحياناً أخرى لجهة إعادة وهبنة الدولة السعودية ولكن باءت المحاولات بالفشل.
من بين المحاولات الفردية، ما قام به الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان بمثابة المفتي العام في الدولة السعودية الثانية، وقد بعث رسائل الى الأمير فيصل بن تركي آل سعود (1788 ـ 1865) يذكّره بالأساس الديني الذي قامت عليه الدولة السعودية: «وأهل الاسلام ما صالوا على من عاداهم، الا بسيف النبوة، وسلطانها، وخصوصاً دولتكم، فإنها ما قامت الا بهذا الدين...» (الدرر السنية في الاجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن محمد النجدي، الطبعة السابعة، 2004، الجزء 14 ص 70).

 
كانت معركة السبلة عام 1929 مواجهة بين الدولة السعودية المحدّثة وحرّاس الوهابية

وقد حذّر علماء المذهب الوهابي أمراء الدولة السعودية الثانية من العواقب الوخيمة التي آلت اليها أمور الدولة السعودية الأولى، حين غيّر الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد طريقة والده (وبغاها ملكاً) بتعبير الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، أي حين «طغت أمور الدنيا على امر الدين»، بحسب قوله (الدرر السنية في الاجوبة النجدية، ج14 ص 123). فقد أراد الشيخ عبد الرحمن تأكيد دور الدين في بقاء واستقرار وقوة الدولة ووحدتها وتمركزها النجدي، ولذلك طالبه بشدة بأن يجعل الحكم أمر دين (الدرر السنية، ج14 ص 124).
تكشف رسائل المشايخ في سنوات لاحقة عن إحباط شديد إزاء جنوح الدولة السعودية بعيداً من المبادئ الوهابية، واتسعت هوّة الخلاف بين الطرفين، وفيما كان الحكّام السعوديون يصرّون على بقاء مصدر المشروعية الدينية فاعلاً في البيئة الشعبية الحاضنة لحكمهم، أي نجد، فإنهم في المقابل واجهوا تحدّيات جمّة تفرضها متطلبات التحديث، بما في ذلك استعارة أنظمة وتشريعات غير مستمدة مباشرة من الكتاب والسنّة، واعتبره العلماء اختراقاً لمجالهم السيادي، كون التشريع يمثّل امتيازاً خاصاً لهم، وهو ما دفع المفتي الأكبر ورئيس القضاة في عهد الملك فيصل، الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ لوضع «رسالة في تحكيم القوانين» (مكة 1960) جاء فيها ما نصّه «أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل، لا ينقل عن الملة». وسئل المفتي السابق، الشيخ عبد العزيز بن باز (1999): هل يعتبر الحكّام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفاراً...؟ فأجاب: فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر (انظر: مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز، المجلد الرابع، ص 416).
وقد فهم طلاّب الشيخ بن باز ومن جاء بعدهم، خصوصاً من «الجهاديين» في «القاعدة» و «داعش» تلك الفتاوى على أن النظام السعودي في مقدمة المستهدفين بفتاوى الشيخين ابن ابراهيم وبن باز. وقد أسست تلك الفتاوى لتكفير الدولة السعودية كونها حكّمت قوانين وضعية في المحاكم.
وكان أول خلاف بين آل سعود وقاعدتهم الشعبية برز في النزاع بين ابن سعود وجيشه العقائدي المتمثل في «الاخوان»، حول إبقاء الصلاحية العملانية للتصوّر العقدي الوهابي القائم على التكفير والهجرة والجهاد مفتوحة، وقد أخذوا عليه أنه «عطّل فريضة الجهاد» الى جانب إدخاله البدع «اللاسلكي والتلغراف» الى بلاد الإسلام.
كانت معركة السبلة عام 1929 بين ابن سعود والاخوان مواجهة بين الدولة السعودية المحدّثة وحرّاس الوهابية في نسختها الأصلية. قُضِيَ على الإخوان بدعم عسكري بريطاني وجرى استيعاب فلولهم داخل مؤسسات الدولة.
وجرت محاولة أخرى في منتصف الستينيات من القرن الماضي من قبل شباب يتحدّر بعضهم من «الإخوان» بتأسيس جماعة دعوية أطلقت على نفسها «الجماعة السلفية المحتسبة»، واختارت المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، مرشداً لها، وما لبث أن طوّر قادة الجماعة من أفكارها وأساليبها وراحوا يصوغون رؤية دينية وسياسية والانتقال من مرحلة الدعوة السلمية الى مرحلة المواجهة المسلحة لناحية ليس إعادة وهبنة الدولة السعودية فحسب بل والانتقال الى مرحلة متقدّمة في الصراع الكوني، والذي توّج باندلاع حركة تمرّد مهدويّة داخل الحرم المكي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 بقيادة جهيمان العتيبي الذي قتل ورفاق دربه وفشلت الحركة في تحقيق اهدافها.
من يقرأ سيرة أفراد الطبقة القيادية في التنظيم يجد أن هؤلاء تشرّبوا العقيدة الوهابية

لا بد من الإشارة الى أن رسائل جهيمان باتت مكوّناً أساسياً في أدبيات السلفية الجهادية الممثلة حالياً في «القاعدة» و»داعش». حدّد جهيمان في «رسالة الإمارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام على طلبة العلم والعامة»، وظيفة الحاكم وقال بأن «واجب الخليفة هو تحكيم الشريعة»، وإلا «فقد ضل عن سبيل الله...». وكان يعتقد جهيمان بأن واقع حال المملكة السعودية هو «تعطيل الحكم بكتاب الله». وبحسب مقاربة الشيخ محمد بن ابراهيم والشيخ بن باز فإن من هذه حاله يعتبر كافراً.
توارى جهيمان جسداً وبقيت أفكاره تتفاعل في طبقات المجتمع الوهابي، وبعد غزو نظام صدام حسين للكويت في آب 1990، ولدت حركة اعتراضية من داخل المجتمع الوهابي عرفت لاحقاً بتيار الصحوة بقيادة مشايخ من الطبقة الثانية في التراتبية الوهابية في المملكة السعودية أمثال: سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر وعايض القرني وعادل الكلباني وغيرهم، وزوّدوا الساحة المحلية بفيض من الخطابات الاحتجاجية ضد المخالفات الشرعية للنظام السعودي في ضوء ما ورد في رسائل جهيمان. وكان إصدار «مذكرة النصيحة» في يوليو/ تموز 1992 والتي حملت توقيعات 108 من المشايخ والقضاة والدعاة وأساتذة الجامعات الدينية والأكاديميين والأطباء والمهندسين المصنّفين على التيار الديني الوهابي، يعتبر ذروة النشاط الاحتجاجي الوهابي في المملكة، حيث طالب الموقّعون بإعادة أسلمة الدولة السعودية على منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وكان المطلب الرئيسي في «المذكرة»: «وجوب التحاكم الى شرع الله وتحكيمه في جميع شؤون الفرد والأسرة والدولة وفي علاقة الأمة بالدولة، وفي علاقة الدولة والأمة بغيرهما من الدول والأمم...». وبالعودة الى أدبيات القاعدة، سوف يظهر بأن التركة الصحوية، خصوصاً ما يتعلق منها بالسعودية، شكّلت الخلفية الفكرية والسياسية لتنظيمات السلفية الجهادية في الجزيرة العربية المرتبطة بالقاعدة، واندغمت بصورة تلقائية وسلسة في البنية الإيديولوجية لدى «داعش».
من الضروري لفت الانتباه الى أن عقيدة «داعش» لا تختلف عن عقيدة أي تنظيم سلفي جهادي أو صحوي. وعودة سريعة الى المكتبة العقدية المثبتة على المواقع الاكترونية لتنظيم «داعش» سوف تنفر الهوية العقدية لدى التنظيم. من نافل القول، إن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب مثل «كتاب التوحيد» و»كشف الشبهات» و»نواقض الاسلام»، وغيرها يجرى توزيعها في المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش»، ويتم تدريسها وشرحها في الدروس الدينية الخاصة التي يعقدها الجهاز التربوي في التنظيم.
علاوة على ذلك، من يقرأ سيرة أفراد الطبقة القيادية في تنظيم «دولة العراق الاسلامية» وتالياً «الدولة الاسلامية في العراق والشام» أو «الدولة الاسلامية» سوف يجد وبسهولة متناهية أن هؤلاء تشرّبوا العقيدة الوهابية وأتقنوا العمل بكل تفاصيلها... بل يتعمَّد كتّاب سيرهم التشديد على عبارة «يسير على منهج السلف»، أي يعتنق المذهب الحنبلي الوهابي. هذا ما نقرأه في سيرة: ابو عمر البغدادي وخلفه ابو بكر البغدادي، ووزير الحرب السابق ابو حمزة المهاجر المصري، ووزير الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الدولة أبو محمد العدناني الشامي وغيرهم.
أبو عمر البغدادي، أول أمير للمؤمنين في «دولة العراق الاسلامية» عام 2006، صاغ على سبيل المثال ثوابت دولته المأمولة فكانت سلفية وهابية، وهو من أعدّ الوثيقة التعريفية بعقيدة «الدولة» ومن بين أهدافها: أولاً: إقامة الدين ونشر التوحيد «الذي هو الغاية من خلق الناس وإيجادهم والدعوة إلى الإسلام...». وهو التعريف الذي يمكن العثور عليه في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وشروحات كتاب التوحيد من مشايخ الوهابية.
إذاً مشروع «داعش» ليس شيئاً آخر غير إعادة إحياء وهابية الجيل المؤسس، وهو ما يبعث القلق لدى آل سعود، لأن التصحيح في المشروع الوهابي يأتي هذه المرة من خارج الدولة السعودية، ويبطن تقويضاً لمشروعيتها.
وشأن كل التنظيمات السلفية الوهابية، فإن تكفير الآخر، مسلماً كان أم كتابياً، بات سمة راسخة في عقيدتها، ببساطة لأن المواصفات الصارمة المطلوبة في الانسان المسلم بحسب رؤية هذه التنظيمات لا تنطبق سوى على المنضوين تحت راية الوهابية. الطريف أن قيادة تنظيم «داعش» تلوذ بالمنطق ذاته لدى محمد بن عبد الوهاب حين وجّهت له تهمة التساهل في تكفير المخالفين. يقول ابو عمر البغدادي في بيان عقيدة «الدولة» في كلمته بعنوان: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي) في 13 مارس/ آذار 2007:
«وقد رمانا الناس بأكاذيب كثيرة لا أصل لها في عقيدتنا، فادَّعوا أننا نكفر عوام المسلمين ونستحل دماءهم وأموالهم».
وحين رد التهمة لجأ البغدادي الأول لمنهجية محمد بن عبد الوهاب نفسها في تكفير الآخر ولكن بطريقة مواربة. وحين نعود الى المصنّفات الوهابية في التكفير لا نجد البغدادي إلا مقلّداً ومردّداً لمقولات الوهابية في التفكير.
ثوابت «الدولة» كما حدّدها أبو عمر البغدادي تكاد تكون منقولة حرفياً من المرجعيات الوهابية مثل «وجوب هدم وإزالة كل مظاهر الشرك، وتحريم وسائله...»، و»من نطق بالشهادتين وأظهر لنا الإسلام ولم يتلبس بناقض من نواقض الإسلام عاملناه معاملة المسلمين...»، وأن «الكفر كفران: أكبر وأصغر»، و»وجوب التحاكم إلى شرع الله من خلال الترافع إلى المحاكم الشرعية في الدولة الإسلامية، والبحث عنها في حالة عدم العلم بها، لكون التحاكم إلى الطاغوت من القوانين الوضعية والفصول العشائرية ونحوها من نواقض الإسلام...». والنقطة الأخيرة تبدو واضحة في أن من يتحاكم الى غير محاكم «الدولة» يكون قد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام وبذلك يصبح كافراً، وبالتالي فإن الغالبية الساحقة من المسلمين هم كفّار كونهم يتحاكموا في غير محاكم «الدولة»!
كخلاصة، فإن داعش وفق المعطيات سالفة الذكر يمثّل أشد الجماعات التكفيرية إسرافاً في إطلاق أحكام التكفير حتى لا تكاد تجد مسلماً خارج نطاق «داعش»، وفي ذلك التزام أمين بالتصوّر الوهابي الأول للعالم.

من التوحش الى التمكين

يصوغ منظّرو «القاعدة» و»الدولة» استراتيجية شاملة للتغيير تقوم على ثلاث مراحل: النكاية والإنهاك، التوحش، التمكين (= قيام الدولة). وتشتمل مرحلة التوحّش على مهمات كثيرة منها رفع الحالة الايمانية لتسهيل استقطاب الناس الى صفوف العاملين: «عبر توجيه رسول من التنظيم للإدارة المسؤولة عن المناطق المجاورة لدعوتها للدخول في ولاء أهل التوحيد والجهاد...» (أبي بكر ناجي، إدارة التوحش، سلسلة مقالات في فقه التغيير، الحلقة الاولى من سلسلة تحفة الموحدين في طريق التمكين، مركز الدراسات والبحوث الاسلامية، د.ت، ص47).
وفي نهاية المطاف، فإن استراتيجية السلفية الجهادية تقوم على رؤية عقدية وهو ما ينعكس على تصوّرها للمعركة «أن معركتنا هي معركة توحيد ضد كفر وإيمان ضد شرك، وليست معركة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية...» (أ.ناجي، إدارة التوحّش، مصدر سابق ص112).
ويرسم الشيخ أبي بكر ناجي صورة مثالية لمهمات إدارة التوحش، من بينها: إقامة القضاء الشرعي بين الذين يعيشون في مناطق التوحش، العمل على بث العلم الشرعي الفقهي (الأهم فالمهم) والدنيوي (الأهم فالمهم). وخصائص مرحلة التوحّش تكاد تشبه خصائص الإمارة الدينية التي أقامها محمد بن عبد الوهاب في الدرعيّة، وسط نجد، حين طبّق رؤيته الدينية الصارمة في إدارة شؤون العباد، لتطبيق الشريعة وإقامة الحدود، وجبي أموال الزكاة والغنائم.
وهنا مكمن الخطورة على الدولة السعودية التي تمثّل الوهابية، الإيديولوجية المشرعنة لها، حيث يعتنق «داعش» مشروعاً أممياً ناضلت الوهابية منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي من أجل تحقيقه ولكن تمّ القضاء عليه نتيجة إذعان عبد العزيز آل سعود لقوانين النظام الدولي حينذاك.
قيام «الدولة الاسلامية» وفق رؤية عقدية وهابية، يشكّل خطراً جديّاً بالنسبة إلى السعودية التي تسعى إلى تقويض أي مشروع أممي قد يصل الى داخل حدودها... في واقع الأمر، أن «داعش» هو البديل العملاني من شبكة «القاعدة» التي تخسر فروعها لمصلحة «الدولة الاسلامية» التي لم تعد مقتصرة على العراق والشام، وإنما باتت مفتوحة على المكان، فكل أرض خضعت تحت سيطرة «الدولة» باتت جزءاً من سيادتها.
ويعطي أبو محمد العداني توصيفاً خاصاً للدولة بما نصّه: «الدولة الإسلامية ما وُجِدت قديماً وحديثاً إلا لتحقيق هذه الغاية التي هي حمل الناس كافةً على التوحيد والاحتكام بشرع الله ليكونوا أمةً واحدة...».
إنها بكلمات أخرى دولة حرب، تستمد وجودها ومشروعيتها من إيديولوجية الفتح، أي النزاعات مع الدول الأخرى وعلى القطيعة والخصومة معها، فهي تريد أن تحكم بالسيف لتطبيق الشرع!
ولذلك، نلحظ كيف تدرّج مشروع «الدولة» من كونه خاص بالعراق ولأهل السنة فيه على وجه الخصوص حين أعلن عن «الدولة الاسلامية في العراق» (تشرين الأول/ أكتوبر 2006)، ثم تحوّل الى مشروع يضم العراق والشام (داعش)، أي «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (9 نيسان 2013)، وأخيراً أصبح مشروع خلافة إسلامية وصار اسمها «الدولة الاسلامية» (29 حزيران 2014)، وهذه مفتوحة على الأرض.
لمعرفة أهداف «الدولة» نعود الى كلمة الأمير السابق للدولة الاسلامية في العراق ابو عمر البغدادي في سياق رصده لمكاسب «مجاهدي» الدولة بعد أربع سنوات من ولادتها، ويضع في الناحية العقدية «ففي فترة زمنية قياسية درب جيل كبير من الشباب على عقيدة الولاء والبراء المنسية...»، ولا تتحقق هذه العقيدة إلا في وجود جماعة، وتعليل ذلك: «أن الجماعة هي تجسيد عملي لحقيقة الولاء والبراء في الإسلام، فارتباط المؤمنين في جماعة واحدة بعد ارتباطهم بالتوحيد هو الذي يجسد هذا الإيمان في واقع الحياة». فهي إذاً دولة دعوية لا صلة لها بالدول المتعارف عليها.
في ضوء الأدلجة الفارطة للدولة، نجد أنفسنا أمام الرؤية الوهابية النقيّة التي صاغها محمد بن عبد الوهاب حين أقام إمارة دينية تكون منصّة لإطلاق مشروع الخلافة الاسلامية القائمة على: التوحيد، والولاء والبراء، والهجرة والجهاد.
ثمة دلالة كبيرة في دعوة أبي بكر البغدادي، خليفة «الدولة الاسلامية» في خطبته في المسجد الكبير في الموصل في 4 تموز الماضي المسلمين عموماً بالانضواء في الدولة والهجرة اليها، «فيا أيها المسلمون في كل مكان؛ مَن استطاع الهجرة إلى الدولة الإسلامية فليهاجر، فإن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة... ففرّوا أيها المسلمون بدينكم إلى الله مهاجرين...».
إن عبارة «الهجرة الى دار الإسلام واجبة...» كفيلة بالكشف عن حقيقة عقدية لدى البغدادي وأهل دعوته، فمجرد الدعوة الى الهجرة يعني أن ثمة دار شرك يراد الهجرة منها الى مكان آخر، كالهجرة من مكّة الى المدينة، وأن تكون الهجرة واجبة تعني أن المشروعية الدينية باتت محصورة في النطاق الجغرافي للدولة الاسلامية التي يتولى أمرها ابو بكر البغدادي. هنا نستحضر تجربة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتقاله من العيينة الى الدرعيّة وسط نجد، حين دعا أنصاره بالهجرة الى الدرعية باعتبارها دار الإسلام وأن الهجرة اليها واجبة، وما عداها يصبح تلقائياً دار كفر.

السعودية... في مرمى «الدولة»

باتت السعودية اليوم من بين مجموعة دول تضم الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان واليمن، من ضمن الدول المرشحة لأن تكون ضمن مناطق التوحش، لوجود عمق جغرفي وتضاريس تسمح بإقامة مناطق تدار بنظام إدارة التوحش، وضعف النظام الحاكم وضعف حضوره العسكري في الأطراف، وجود مد إسلامي جهادي واعد، طبيعة الناس في هذه المناطق، انتشار السلاح بأيدي الناس فيها (أ. ناجي، طريق التمكين، مصدر سابق 8 ـ9).
ومن الضروري الإشارة الى أن مرحلة إدارة التوحش تكون تمهيدية لمرحلة التمكين، وإن ادخال السعودية ضمن استراتيجية التغيير يعني أن داعش يستعد لتحقيق الوعد الوهابي المؤجل بإقامة الخلافة.
استبشر كثير من المقرّبين من النظام السعودي بسيطرة «داعش» على الموصل وتمدّده الى محافظات عراقية أخرى، وبالغ البعض في وصف ذلك، فبين من أسبغ على مقاتلي داعش صفة «الثوار»، وبين من اعتبر فعله «حركة تحرير»، ولكن ما لبّث أن انقلب المزاج العام بصورة دراماتيكية، منذ الإعلان عن إقامة «دولة الخلافة»، وبدء الحديّث عن تمدّد «الدولة» الى الجنوب، الى حيث «الجزيرة العربية».
فوجئت السلطات السعودية بالمنسوب المرتفع من التعاطف مع «دولة الخلافة» وسط القاعدة الشعبية الوهابية، إلى درجة أن حملات الكترونية انطلقت بصورة متزامنة تشيد بإعلان الدولة وتعلن البيعة لأميرها أبي بكر البغدادي.
اكتشفت السعودية بأن ثمة مجتمعاً داعشياً ثاوياً وسط المجتمع الوهابي الذي تعتقد بأنها تديره وتسيطر عليه. تنبّه آل سعود الى أن انبعاثاً وهابياً انطلق من خارج الحدود هذه المرة ويمثّل أكبر وأخطر تهديد واجهه النظام السعودي منذ نشأته.
خطورة «الدولة الاسلامية» تكمن في اعتناقها ذات المدّعيات العقدية وتبشيرها بنفس التعاليم الدينية التي صاغها المؤسس محمد بن عبد الوهاب، وتزيد على ذلك أنها تحمل في طياتها الوعد المؤجل منذ قرنين، أي إقامة دولة الخلافة، وصنع ما أخفق في صنعه مشايخ الوهابية و»الاخوان» و»حركة جهيمان» و»مشايخ الصحوة» و»قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» وغيرها من المحاولات الفردية والجماعية.
حارب آل سعود أنظمة الحكم الدينية بعد اندلاع الربيع العربي، وخصّصوا ميزانيات ضخمة لإسقاط حكم الاخوان في مصر كي لا ينشأ نموذج حكم إسلامي ينافس ويقوّض مشروعية النظام السعودي، ولكن برز إليهم من داخل المجال الوهابي من يحمل مشروعاً منافساً ويملك من الأفكار التحريضية، والمبررات الدينية، والقوة العسكرية والبشرية ما يجعله بديلاً محتملاً، وسط بيئة بدت كما لو أنها منقسمة على ذاتها، يكشف عن ذلك توجيه شباب على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة الى أمير المؤمنين في «الدولة الاسلامية» للقدوم الى الحجاز لتحرير مكّة من آل سعود!

___________________________
* باحث وناشط سياسي ــ السعودية
___________________________



للنقاش: هل «داعش» نبتة سلفية؟


تغريدة لامام الحرم المكي السابق الكلباني يؤكد “ سلفية داعش تثير جدلا

ـ اثارت تغريدة إمام المسجد الحرام في مكة المكرمة السابق الشيخ عادل الكلباني تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حين وصف تنظيم «داعش» بأنه نبتة سلفية وتلك حقيقة يجب مواجهتها بشفافية، حسب ما نقلت صحيفة المرصد.
حيث عقب الدكتور دايل الشهراني بحسب صحيفة “الجزيرة” قائلا (داعش صناعة استخباراتية يا شيخ عادل بارك الله فيك)، فقال الكلباني (كل ما فعله العدو هو استغلال للفكر). ومضى الكلباني في القول: إن (فرعونية الفكر لا بد أن يكون نتاجها داعشية الفعل)، وفي تغريدة أخرى أورد الكلباني: (لم أقل سلفية، قلت نبتة سلفية وفرق بينهما واضح)، وتابع (التبديع والتفسيق والتضليل نواة للحكم بالردة والتكفير، ومن ثم استحلال الدم والمال والعرض).

وتحت وسم (‫#‏الكلباني_داعش_نبتة_سلفية) تباينت التعليقات بين مؤيد ومعارض لوجهة نظر الشيخ الكلباني، فبدا الكاتب محمد علي المحمود مؤيدا حين قال في تغريدة له (قلناها حتى قبل أن توجد داعش، عندما كنا نؤكد أن ترك السلفية تنمو بلا حدود، لا بد وأن تؤدي إلى ما هو أبشع من القاعدة)، وفي تغريدة أخرى أورد المحمود (منذ ظهر هذا التنظيم القذر داعش ونحن نقول إنه التطبيق العملي للتنظير السلفي.. بدري يا كلباني!)، وتابع المحمود (قبل عشر سنوات قلناها صريحة إن الإرهاب الذي يضربنا في العمق هو نتاج الوعي السلفي قبل أن يكون نتاج أي فكر آخر)، وواصل إن (سلفية داعش لا تحتاج لشيخ! افتح أي كتاب عقائدي سلفي، سترى برنامج العمل الداعشي بالتفصيل مدعوما بالأدلة)، ومضى المحمود في القول (الفرق بين داعش وبين بقية السلفيين التقليديين أن الدواعش امتلكوا شجاعة التطبيق بينما جبناء السلفية يكتفون بالتصفيق)، وأضاف (كتبت عشرات المقالات قبل عدة سنوات تتحدث عن كون السلفية التقليدية هي أيديولوجيا كراهية الآخرين)، وفي تغريدة أخرى أورد المحمود (هل لا بد أن يأتي شيخ سلفي، يعترف لنا صراحة بإرهابية المنظومة السلفية، حتى نعرف أن السلفية هي أيديولوجيا الإرهاب؟!).
من جانبه، قال عبدالله الكويليت (هذا النقد الاجتماعي العارم لكل مسببات ومظاهر «التدعشن» سيقودنا إلى الصحوة الحقيقية نحو المستقبل.. كفى تغييباً).
وفي الجانب المعارض علق محمد المهنا على الشيخ الكلباني (السلفية يا أبا عبدالإله هي منهج السلف، ونسبة أهل الغلو إليها ظلم وافتراء، بنانك وفقك الله يحتاج إلى زمام وخطام)، حسب تعبيره.
من جانبه، قال فهد العوين إن (تغريدة الشيخ الكلباني سيتم توظيفها بصورة سيئة بدوائر صنع القرار الغربي بتحشيد رافضي ضد الإسلام والسلفية باعتبارها شهادة من أهلها)، على حد قوله.
في حين قال عبدالعزيز الشهري (التطبيقات الخاطئة لمنهج لا تُحمل المنهج تبعتها وإنما يتحملها الأفراد المخطئون، وإلا لحمل الإسلام شطحات الفرق)، عبدالله الهدلق أورد تغريدة بنص (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.. على المرء من وقع الحسام المهند)، حسب وصفه.

الجمعة، 11 يوليو 2014

خلفيات الصراع بين المجموعات الإسلامية في الغوطة

    يوليو 11, 2014   No comments
عبد الله سليمان علي

تختلط في معركة الغوطة الشرقية في ريف دمشق بين «جيش الإسلام» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» من جهة ثانية، الأبعاد الدينية والسياسية والعسكرية والشخصية.
وبينما سارع «جيش الإسلام» إلى التسويق عبر ماكينته الإعلامية لانتصارات حققها في المنطقة ضد «داعش»، تدل المؤشرات على أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، لا سيما في ظل أنباء تتحدث عن تعزيزات يحشدها «داعش» بقيادة أبو أيمن العراقي.
وأيّاً كانت المعطيات الميدانية الحالية، وحتى على فرض صحة الانتصارات التي يسوق لها زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش، فإنه من المتوقع أن تشهد مناطق الغوطة الشرقية، الواقعة تحت سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة، تصعيداً عسكرياً كبيراً في المرحلة المقبلة، لأن ما حدث ويحدث فيها ليس سوى بداية أو مجرد تسخين لأحداث جسام، قد لا تقل ضراوة عن أحداث المنطقة الشرقية.

وإذا كان لا يوجد في الغوطة آبار نفط تستحق استعار القتال من أجلها، إلا أن لها أهمية دينية قد تعوض غياب النفط؛ إذ يعتقد «الجهاديون»، على مختلف انتماءاتهم التنظيمية، أن الغوطة الشرقية ستكون المنطقة التي يتجمع فيها المسلمون لمواجهة أعدائهم في الحرب الفاصلة الموعودة، والمسماة «يوم الملحمة الكبرى». ويستندون في ذلك إلى أحاديث مرويّة عن الرسول محمد كقوله: «يوم الملحمة الكبرى يكون فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ»، وقوله في تعداده لبعض مؤشرات اقتراب قيام الساعة «هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، يسيرون إليكم على ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة ويقال لها: دمشق». لذلك يتمسك هؤلاء «الجهاديون» بأن يكون لهم ولو موطئ قدم في الغوطة، كي يساهموا بحسب اعتقادهم في الملحمة الكبرى ضد بني الأصفر!
وإذا كانت بعض الفصائل تستخدم الأحاديث النبوية السابقة لغرض التحريض وشحذ الهمم، من دون قناعة تامة بصحة إسقاطها على الواقع الحالي، فإن فصائل أخرى يأخذها إيمان مطلق بحرفية تلك الأحاديث، ولا تقبل أي جدل في صحتها وصحة إسقاطها، مثل «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» ذات الانتماء السلفي «الجهادي القاعدي».
ولم يعد خافياً أن الغوطة الشرقية كانت من أوائل المناطق السورية التي شهدت حشداً كبيراً لـ«جهاديي» العالم من مختلف الجنسيات، وهو ما رشّحها خلال السنتين الماضيتين لتكون ميدان معارك عدة مهمة وقاسية خاضها الجيش السوري ضد هذه الفصائل، التي كانت تتلقّى دعماً غير محدود من قبل أجهزة استخبارات عديدة بهدف إسقاط مدينة دمشق، وبالتالي إسقاط نظام الحكم.
ورغم الحروب المستعرة مع الجيش السوري طوال الوقت تقريباً، إلا أن الغوطة كانت كذلك الميدان الذي شهد الولادة غير العلنية لأول الخلافات بين الفصائل «الجهادية» بعضها بالبعض الآخر، وتحديداً بين «جيش الإسلام» (كان اسمه «لواء الإسلام») من جهة، وبين «جبهة النصرة» قبل وقوع الخلاف بينها وبين «داعش» من جهة أخرى.
فقد كان «مفتي جيش الإسلام» أبو عبد الرحمن الكعكي أول من اتهم «جبهة النصرة» بأنهم خوارج العصر وينبغي التخلص منهم، بل إنه في إحدى خطبه وصف زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني بأنه «شاب متمايع يرتدي الجينز». في المقابل كان «أمراء» من «جبهة النصرة»، وعلى رأسهم عبدالحكيم الموحد (الذي قتل في جوبر في تموز الماضي) يتهمون زهران علوش بالانسحاب الدائم من أرض المعركة، وتسليم أكثر من منطقة للجيش السوري، تاركاً «المجاهدين» مكشوفي الظهر، كاتهامه بالانسحاب من دير سلمان العام الماضي مع بداية حملة الجيش السوري على الغوطة. وأشار الموحد إلى أن تكديس علوش للأسلحة في مخازنه ليس له سوى هدف واحد هو قتال «المجاهدين».
ورغم أن زهران علوش حاول، قبل يوم واحد من الإعلان عن تأسيس «الجبهة الإسلامية» في تشرين الثاني الماضي، ترطيب الأجواء مع «جبهة النصرة»، كونها ستكون حليفة «الجبهة الإسلامية»، وإن لم تنتمِ إليها رسمياً، وذلك من خلال لقاء صحافي مسجل قال فيه ما معناه إن «النصرة» إخوان لنا، وأنه اجتمع مع الجولاني، مقللاً من أهمية كلام مفتيه الكعكي، لأن المقصود من وصف الخوارج بحسب تفسيره هم عناصر «داعش» الذين انشقوا عن «النصرة» بعد الخلاف (الفتنة) الذي حدث في نيسان العام 2013، ولكن فات علوش أن «مفتيه» لم يوفر الجولاني نفسه حيث وصفه بالمتمايع، مع أن الجولاني لم ينشق عن «النصرة»!
ولأن علوش يدرك تماماً أن تصريحاته التي اضطر إليها لتمرير صفقة إنشاء «الجبهة الإسلامية» بتوجيهات مباشرة من الاستخبارات السعودية، التي كانت تخطط في تلك الفترة لمواجهة مؤتمر جنيف ومسار مكافحة الإرهاب، لم تقنع قادة وعناصر «جبهة النصرة» في الغوطة، وبقيت نار الخلافات كامنة تحت رماد المصالح الوقتية، فقد اتخذ منذ بداية مواجهته الحالية مع «داعش» موقفاً رافضاً لمشاركة «جبهة النصرة» في قتال «داعش»، متخوفاً من صحة ولائهم، لا سيما بعد مبايعة «أمراء النصرة» في البوكمال لزعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، وما استتبع ذلك من سقـوط كامــل ريف دير الزور بيد من يصفــهم بالخوارج.
والأنكى بالنسبة لعلوش أنه لا يستطيع كذلك أن يثق بعناصر «أحرار الشام»، وإن كان يثق بقيادتهم، لأنه يعرف أن الكثير من «الأحرار» ما زالوا ينظرون إلى «داعش» على أنهم «إخوة في المنهج» ولا يجوز قتالهم.
لكل ذلك يسعى علوش جاهداً لإنهاء معركة الغوطة الشرقية ضد «خوارج العصر» كما يسميهم، قبل أن تتطور الأمور وتتقلب القلوب وتتغير الولاءات ويحدث في الغوطة سيناريو المنطقة الشرقية نفسه. ولكثرة حماسة علوش، بدا في الأيام الأخيرة كمن يقاتل طواحين الهواء وينسب لنفسه انتصارات كبيرة، لمجرد اقتحام مقر صغير من مقار «داعش»، بينما تشير المعطيات كافة إلى أن «داعش» لم يلتفت بعد لما يجري في الغوطة بسبب انشغاله في الموصل وترتيب الأوضاع في دير الزور.
ولكن قد يكون تسريب إعلاميي «داعش» أمس خبر إرسال أبو أيمن العراقي إلى الغوطة، في تذكير واضح ببداية الأحداث في دير الزور عندما أرسل العراقي من الساحل السوري إلى المنطقة الشرقية ليقود المعارك فيها، بداية التفات «داعش» إلى أحداث الغوطة الشرقية. فهل يشعل أبو أيمن العراقي الغوطة كما أشعل المنطقة الشرقية؟

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.