‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشرق الأوسط. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشرق الأوسط. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 18 يناير 2017

الشيخ البشير “الصندوق الأسود” للمعارضة السورية لماذا قرر الحديث الآن وكشف المستور وفضح العديد من الاسرار والشخصيات القيادية؟ وهل سيكون “شاهد ملك” امام محاكمات “الإرهاب” الدولية مستقبلا للمتورطين والداعمين؟

    يناير 18, 2017   No comments

في بدايات “الازمة” السورية عام 2011، كان انشقاق الجنرالات والسفراء والمسؤولين عن السلطة السورية الحدث الأكبر الذي يحتل صدارة اهتمامات الفضائيات العربية الخليجية، على وجه الخصوص التي تدعم دولها المعارضة السورية، وتستعجل سقوط النظام في دمشق، وتبشر بحتمية هذا السقوط، لكن يبدو، وبعد ست سنوات، اننا نشهد حاليا ظاهرة انشقاق معاكسة، عن فصائل المعارضة وهيئاتها هذه المرة.
من تابع اللقاء الذي أجرته قناة “الميادين” الفضائية مساء امس مع السيد نواف البشير المعارض السوري “السابق”، وشيخ قبيلة البقارة السورية (تعدادها اكثر من مليون شخص)، الذي تحدث فيه بـ”اريحية” عن اسباب انشقاقه، وعودته الى حضن النظام عبر البوابة الإيرانية، لا بد يتفق معنا في هذا الاستنتاج.
الشيخ البشير، كان بمثابة “الصندوق الأسود” الذي يحتوي على الكثير من اسرار المعارضة السورية واتصالاتها وتحالفاتها وتمويلاتها، نظرا لتجربته في معارضة المنفى التي تعود الى اكثر من ست سنوات، وما كشف عنه في هذه المقابلة من رشاوى واختلاسات وفساد، ربما يكون قمة جبل الثلج.
ابرز ما كشفه الشيخ البشير اقدام بعض قيادات المعارضة على زيارات سرية متعددة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وحرصه ان يوضح انه لا يتحدث عن الزيارات العلنية التي قام بها اشخاص مثل كمال اللبواني ومحمد المصري، وانما عن آخرين ابقوا زياراتهم ولقاءاتهم مع المسؤولين الاسرائيليين طي الكتمان، كما كشف عن اختلاس قيادي معارض حوالي 116 مليون دولار هرب الى دولة عربية واسس حزبا، بينما حصل آخر على مطبعة لطبع الجوازات السورية المزورة لتسهيل وصول متطرفين الى عواصم أوروبية.
ولعل اخطر ما كشفه الشيخ البشير، هو الحديث عن مبالغ قدمتها دول عربية لدعم جماعات مصنفة على قائمة “الإرهاب” الأممية والدولية، مما قد يعرضها لملاحقات قانونية على درجة كبيرة من الخطورة، علاوة على الكلفة المالية والسياسية، اذا ما تقرر في “يوم ما” فتح هذا الملف.
تختلف الآراء حول أسباب انشقاق الرجل، فمعارضوه يقولون انه وبعد ست سنوات من التهميش السياسي، وعدم تحقيق مطالبه المالية وجد الرجل نفسه وحيدا مفلسا في تركيا، فقرر العودة الى مظلة النظام في دمشق عبر البوابة الايرانية، اما الذين يدافعون عنه فيؤكدون ان معارضته للنظام بدأت عام 2005، أي قبل الثورة السورية بستة أعوام، عندما انضوى في صفوف ما سمي في حينها حركة “اعلان دمشق”، حينما لم تكن هناك كعكة مالية خليجية يريد نصيبه منها.
ليس دورنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان نرجح كفة هذا المعسكر او ذاك في هذه المسألة، وانما دورنا هو التوقف عند هذه الظاهرة والتبصر بتداعياتها القانونية والسياسية في محاولة لقراءة المستقبل، مستقبل المعارضة والدول الداعمة لها على وجه الخصوص.
الشيخ البشير او “صندوق المعارضة” الأسود، ربما يتحول، في المستقبل القريب، الى “شاهد ملك” في حال فتح الملفات امام محاكم دولية يقف امامها المتهمون بالإرهاب ودعمه، لان ما قاله، اذا ما تأكدت صحته، يمثل وثائق على درجة كبيرة من الأهمية في هذا المضمار.
اما المسألة الأخرى اللافتة في حديثه المتلفز بالصوت والصورة، فهو ما كشف عنه حول وجود العديد من الشخصيات المعارضة التي تستعد للعودة الى دمشق لتسوية أوضاعها السياسية والقانونية، ونحن لا نستغرب ذلك، في ظل “مراجعات” اجراها كثيرون في هذا الصدد، أمثال معاذ الخطيب، واحمد الجربا، والعميد مصطفى الشيخ، قائد الجناح العسكري الأسبق للجيش السوري الحر الذي اصدر حكم بالاعدام في حقه، لانه أشاد بالتدخل العسكري الروسي في سورية، ويتواجد حاليا في موسكو.
كشف المستور جاء مبكرا، وبطريقة مفاجئة، واسرع مما توقعه الكثيرون، وربما نكون امام الفصل الأول من فصول عديدة أخرى وما علينا الا الانتظار.
____________

“راي اليوم”

الاثنين، 9 يناير 2017

فرنسا التي تغيّرها كلمة حق في حلب: زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سوريا

    يناير 09, 2017   No comments
قاسم عزالدين *

في مثل هذا المناخ الملوّث بالسموم لا ريب أن شهادات الوفد الفرنسي في سوريا وحلب تشير إلى هزّة عنيفة تخبط في السردية الرسمية خبط عشواء، أقلّها كما بدأت تسري في تعليقات بعض الجنرالات الديغوليين المتقاعدين الذين يتحمسون للإفصاح عن تشابك المصالح الإقليمية والدولية في الحرب على سوريا والمنطقة.

زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد، بدأت تداعياتها تتفاعل في خرق التضليل الإعلامي الفرنسي، وفي تلعثم خطاب الطبقة السياسية أمام شهادات الوفد في سوريا ولا سيما في حلب. فما ينقله رئيس الوفد تييري مارياني في مقابلاته مع الإذاعات الفرنسية من سوريا، يقع كالصاعقة على رؤوس في فرنسا محشوّة بالأضاليل المتعمّدة حتى انتفاخها بالأوبئة. لكن هذا التورّم الفاقع قد يكون سبباً في فرقعتها بوخزة دبوس حملته جملة واحدة على لسان مارياني ربما وردت عن عفو خاطر.

يقول مارياني نائب الفرنسيين في العالم من حلب: "لم يتعرّض سكان المدينة إلى الإبادة الجماعية كما تتداولون، ولم يتهدّم من مباني المدينة أكثر من 15% بينما لم يتعرّض حوالي 65% للضرر". وهذه الجملة المختصرة تقضّ الخطاب الرسمي الفرنسي الأكثر توتراً من أي بلد أوروبي آخر حيث لا يحتمل تحجّره ضربة مطرقة على رأس هرم الأكاذيب التي بلغت الذروة في كثافة دموع التمثيل المسرحي لنعي حلب. فسردية الدراما الجنائزية في الندب الفضائحي تملّقاً، منتشرة بين "الناشطين" من كل حدب وصوب وهي أشبه برقصة "هستيرية" كمن أصابه المسّ. ولعلّها المرّة الأولى التي يشعر فيها المرؤ القادم من بلاد الشام إلى باريس أنه في وسط حلقة دراويش عليه أن يترنّح على نغمات قرع طبولهم أو يترك الحلبة. وفي العادة كان القادم محط ترحاب للاستفسار والحوار في شؤون معقّدة، لكن المرّة هذه انقلبت العادات وبات القادم محط تحقيق استفزازي للإجابة بنعم أو لا بين تأييد الثورة أم تأييد إيران وموسكو وبشار الأسد في تدمير حلب وإبادة سكانها. وعبثاً تحاول أن تستنطق بعض الجهابذة بشأن مخيالهم لما يتصوّرون، فكل منهم يتخيّل أنه يأخذ معرفته الحقّة عن هذا "الناشط الكبير" في ندوات باريس أو ذاك، ويحفظ عن ظهر قلب عشرات المقالات الصحافية والصور التلفزيونية وغيرها. وفي مثل هذا المناخ الملوّث بالسموم لا ريب أن شهادات الوفد الفرنسي في سوريا وحلب تشير إلى هزّة عنيفة تخبط في السردية الرسمية خبط عشواء، أقلّها كما بدأت تسري في تعليقات بعض الجنرالات الديغوليين المتقاعدين الذين يتحمسون للإفصاح عن تشابك المصالح الإقليمية والدولية في الحرب على سوريا والمنطقة.

كبار الموظفين العرب في الهيئات الدبلوماسية والثقافية الغربية والعربية، يجدّون السعي في ترويج ادعاءات السردية الرسمية، وبعضهم يتمتع بصدقية قديمة في أوساط الناشطين على خلفية مناصرة السلطة الفلسطينية. والبعض الآخر جلّه من أصول لبنانية يطمح إلى دور مميّز في الاستشراق الجديد الذي تهتم به الدبلوماسية الغربية بتنشأته في الجامعات ومراكز الأبحاث. لكن الإعلام هو رأس الحربة في حرب ضروس لا تقتصر على الكذب والتضليل، بل تتعداها إلى الإرهاب الفكري وهدر دم الصحافيين المستقلين الذين يحاولون بإمكانيات متواضعة نقل بعض الحقيقة. فالصحافي البلجيكي ــ الفرنسي "ميشال كولون" على سبيل المثال يتعرّض إلى حملة إعلامية شخصية تخوضها ضد موقعه كبريات وسائل الإعلام الفرنسية مثل فرنس أنتر ولوموند وليبراسيون ولوبوان أو مجلة لونوفيل أوبسرفاتور وغيره. وهي تسعى بكل ما تملك إلى تحطيم موقعه "أنفستيج أكسيون" الذي يموّله القراء برموش العيون منذ عام 2004، لأن القراءة المغايرة للسردية السائدة كالنار تحت الرماد لا تلبث أن تحرق الأكاذيب في جفافها. وقد تكون بوادر زيادة قرّاء الموقع ومشاركيه كلما اشتدّت الحملة، إشارة في السياق الذي تنقلب فيه صفحة سوداء.

مثل "ميشال كولون" يتعرّض عالم الفيزياء ــ الفيلسوف "جان بريكمون" إلى حرب نفسية مشابهة تستهدف تشويه عضويته في الأكايمية الملكية البلجيكية للعلوم وإسكات موقعه "بلوغ رزيستانس" الداعم للمقاومة في لبنان في مواجهة إسرائيل وداعش" و"النصرة".

ولعل أكثر ما يفصح عن هشاشة سردية الخطاب الإعلامي والسياسي السائد في فرنسا على الرغم من عنجهيته العارية، هو عدم قدرته على هضم مقالة مغايرة كما حذف موقع "ميديابار" مقال الكاتب "برينو غويغ" (متعاون مع موقع الميادين نت) بعد ساعات على نشرها. فالموقع منظّم منذ 2008 بشكل يمكن أن يكتب فيه المشتركون الذين يدفعون اشتراكاتهم، وهو يضم 118 ألف مشترك كونه يزعم الانفتاح على تعدد الآراء والحرص على الاستقلالية عن الطبقة السياسة. لكن هيئة التحرير حذفت مقال برينو عن حلب على وجه السرعة ووضعت مكانها مقالة فاروق مردم بك أحد العالمين بتفاصيل مخيلته عن المريخ. ولا ضير فعلى الأرجح أن تذهب معظم هذه الجهود الهائلة سدىً تحت ثقل متغيرات كرّستها حلب على الأرض قبل أن تظهر على الألسن والرؤوس. ففرنسا تتغيّر بهدء لكن بثبات. حتى أن المنافسين على الرئاسة في الانتخابات التمهيدية "بينوا هامون وآرنو مونتبورغ" يوجهان نقداً لاذعاً لسياسة فرنسوا هولاند الخارجية ولوزير خارجيته لوران فابيوس. والتغيير الأكثر وضوحاً وصراحة هو ما يعبّر عنه "برينو لو مار" الذي كان منافساً لفرنسوا فيّون على الترشح للرئاسة/ إذ يقول "يجب علينا العودة إلى سوريا لمواجهة الإرهاب والمشاركة في الحل السياسي مع الرئيس الأسد، قبل أن تضعنا روسيا والصين والولايات المتحدة خارج اللعة وخارج ملعب الشرق الأوسط.

ضحايا التشويه الإعلامي بشأن ما يجري في حلب، بحسب تعبير مارياني، يحتاجون إلى ضوء شمعة وشعاع من الحقيقة، وفق جان لاسال، ونيكولا ذويك العضوين في الوفد البرلماني، إلى جانب منظمات مدنية وهيئات مسيحية. لكن بضوء شمعة أو من دونها تتغيّر الأرض ولا بد أن تتغيّر بعدها الأفكار والمقاربات في الرؤوس فدوام الحال من المحال.
_____________
 * قاسم عزالدين
أكاديمي وباحث، حائز على دبلوم في الدراسات الأنتروبولوجية المعمّقة من جامعة السوربون في باريس، وشهادة من معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس. يكتب في العديد من الصحف والدوريات في الشؤون الدولية واستراتيجيات البدائل.

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

رجب طيب اردوغان يجمع الوقاحة والكبرياء والإستعلاء والدهاء... طوبى لمن أراد رجلا بهذه الصفات صديقا وناطقا باسمهم

    أكتوبر 17, 2016   No comments
مقدمتنا: رجب طيب اردوغان يجمع الوقاحة والكبرياء والإستعلاء والدهاء... طوبى لمن أراد رجلا بهذه الصفات صديقا وناطقا باسمهم.
_______________________
 
سامي كليب


نشأته مثيلا لما قاله قبل يومين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لنظيره العراقي حيدر العبادي. بلغ الذل العربي مرحلة يستطيع فيها سليل السلطنة العثمانية مخاطبة رئيس وزراء دولة عريقة بحضارتها وتاريخها كالعراق بالقول: «إن صراخك يا سيد عبادي ليس مهمّاً بالنّسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولاً».. أما الرد العراقي الرسمي فكان أبيخ من أن يُذكر، وذكّرنا بشكاوى العرب ونحيبهم أمام مجلس الأمن ضد إسرائيل.
في الجانب القانوني، ما قاله اردوغان خرق فاضح لسيادة دولة مفترض انها مستقلة (حتى ولو أنها مشرّعة لكثير من الدول الإقليمية والدولية). وفي الجانب الأخلاقي هذه وقاحة. وفي الجانب السياسي والديبلوماسي، فان كلامه لا يدخل مطلقا في أصول المخاطبات. اما في الجانب المذهبي، فهذا جوهر الكارثة التي تحرق الوطن العربي من رأسه حتى أخمص قدميه. يريد اردوغان بكل بساطة ان يقول للعبادي، لن اسمح لك بان تُسكن الحشد الشعبي (ذا الغالبية الشيعية) مكان سنة الموصل. ليس في الأمر اذاً محاولة ابداء الحرص على السنة العرب والتركمان والكرد فقط وإنما فيه شيء من أحلام التاريخ حيث كانت الموصل جزءا من السلطنة العثمانية. هنا لا شك أن اردوغان يدغدغ مشاعر قسم لا بأس به من العراقيين تماما كما كان حاله في سوريا ومصر وغيرهما، فثمة من يرى فيه حاميا للسنة مقابل حماية ايران للشيعة. وهذه مصيبة. فكيف لا يسأل اردوغان: «هل يمكن تفريق غازي عنتاب عن حلب، وسيرت عن الموصل..؟».
العقل الاردوغاني لن يتغير. لنعد قليلا الى جوهر موقفه مثلا حيال سوريا. يقول:
يسألوننا عن أسباب انشغالنا بسوريا. الجواب بسيط للغاية، لأننا بلد تأسس على بقية الدولة العليَّة العثمانية. نحن أحفاد السلاجقة. نحن أحفاد العثمانيين.
هذا ما قاله مرارا أيضا احمد داوود اوغلو رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب العدالة والتنمية سابقا ومنظّر السياسة الخارجية التي اختصرها في كتابه المهم «العمق الاستراتيجي». قال اوغلو قبل ان يُلقي عليه اردوغان كل مصائبه ويُبعده:
إن «شرقًا أوسط جديدًا يولد في المنطقة، وفكر هذا الشرق الجديد سترسمه تركيا التي ستقوده إلى التغيير».
وها هو اردوغان يقول في نهاية الشهر الماضي إن معاهدة لوزان لعام ١٩٢٠ هزيمة وليست نصرا. ما يعني ان الرجل مهجوس فعلا بإعادة مناطق عربية او يونانية وغيرها الى السلطنة الجديدة. يبدو ان ضم أراضٍ جديدة هو شروط أساسية لترسيخ عهد أي سلطان، تماما كما ان التواجد في واحدة من المدن الثلاث بغداد ودمشق ومكة هو شرط لترسيخ أي خلافة عبر التاريخ.
اصطدم المشروع التركي بالانقلاب العسكري المصري على الاخوان المسلمين واطاحتهم من الحكم. واصطدم بصمود الجيش السوري ودخول «حزب الله» وإيران ثم روسيا على خط الحرب. واصطدم بخذلان حلفائه في الأطلسي وبتحول الحرب السورية الى ساحة صراع روسي أميركي. وأخيرا شعر بأن الفخ الكردي في الشمال السوري أكبر من أن يتحمل استمرار السياسة التركية على حالها. طوى الصفحة وذهب لعند الرئيس فلاديمير بوتين يطلب العون، ووجد روسيا أيضا بحاجة اليه في ملفات أمنية وسياسية واقتصادية ونفطية كثيرة.
لم يتخَلَّ أردوغان عن أحلامه في سوريا وحلب. لا يزال يجاهر بموقفه المطالب برحيل الرئيس الأسد، ولا يزال يراهن على تغيير بعض قواعد اللعبة عبر جمع مجموعات مسلحة في اطار واحد بالتنسيق مع بعض الدول الخليجية خصوصا في الريف الحلبي. لكنه مضطر لتغيير بعض الاتجاهات موقتا بسبب التقارب مع روسيا والهم الكردي. لا بد إذاً من مكان آخر وساحة أفضل في المرحلة الحالية. لعله يجد في العراق خير الساحات. علاقته بكرد الشمال ممتازة سياسة وأمناً ونفطاً، خصوصا مع مسعود برزاني. هو قادر على اختراق الأراضي العراقية لضرب حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا يقدم نفسه مجددا كقائد سني يغري جزءا من العرب بشعاره حماية سنة الموصل ومنع ايران من توسيع دورها. ألم يكن لافتا انه بعد تحقيره العبادي، سارع مجلس التعاون الخليجي لفرش السجاد الأحمر لوزير الخارجية التركي؟
قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم قبل أيام: «لا تَمَسّوا سكان الموصل الأصليين. ان الموصل للموصليين. يجب عدم تغيير ديمغرافية الموصل عبر جلب مدنيين من خارجها وتوطينهم فيها». كذلك فعل اردوغان بحديثه عن سبب بقاء جيشه في «بعشيقة»، مشيرا الى الحرص على «السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد».
قد يفهم المرء ان الرئيس التركي يريد وقف التقدم الشيعي الايراني في العراق. فبعض المتطرفين الايرانيين عبّروا هم أيضا عن أحلام توسعية حين صار بعضهم يتحدث عن السيطرة على ٤ عواصم عربية وغير ذلك من الكلام الاستعلائي. لكن هل في الأمر فعلا حرص على السنة ضد «تمدد» شيعة ايران وشيعة العراق عبر الحشد الشعبي وغيره؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الصراع السياسي المرير بين تركيا اردوغان ومصر عبد الفتاح السيسي منذ اطاحة الاخوان؟ وماذا فعل الموقف التركي فعليا للسنة في غزة المحاصرة والمدمّرة غير الكلام؟ لا بل ماذا فعل حين حوصرت وسحقت وقتلت مناطق سنية بكاملها في سوريا والعراق وليبيا وغيرها؟
الواضح ان الهدف التركي لا يختلف عن الهدف الاميركي ـ الخليجي في الموصل. يراد قطع الطريق على أي صلة وصل بين إيران وسوريا عبر العراق، كما يراد دفع مسلحي «داعش» وغيرهم من الأراضي العراقية صوب سوريا لاستكمال استنزاف روسيا وايران والجيش السوري و«حزب الله». ويراد كذلك إعادة رسم التوازنات المذهبية في العراق حتى لو رسخ ذلك احتمالات التقسيم التي تخدم إسرائيل قبل غيرها.
لكن هل يُلام فعلا اردوغان، ام يُلام قادة هذا النظام العربي المترنح في فِخَاخِ الفتن والاقتتال وأوهام الانتصارت على بعضهم البعض. فماذا فعلوا هم لغزة او اليمن او سوريا او ليبيا او حتى للصومال الجائع؟
لنتذكّر قليلا: قبل ساعات من غزو أميركا وبريطانيا للعراق وإعدام الرئيس صدام حسين، جرى الحوار التالي بين غوندوليسا رايس والأمير بندر بن سلطان، نقله حرفيا الكاتب الأميركي الشهير بوب ودوورد في كتابه «خطة الهجوم»:
قالت رايس وهي الصريحة والمرحة عادة (على حد تعبير ودوورد): «احبس أنفاسك، إننا مقتحمون، لا أحد يعرف ما سيحدث في نحو ٤٥ دقيقة، كيف سيتغير العالم».
سأل بندر: «أين هو الرئيس؟».
رايس: إنه يتناول طعام العشاء في هذا الوقت بالذات مع السيدة الأولى، وبعد العشاء قرر أنه راغب في أن يكون وحده».
بندر: «قولي له إنه سيكون في دعائنا وقلوبنا، فليباركنا الله جميعا»؛ أي ليباركه الله في المشاركة بتدمير واحد من أعرق وأكبر الدول العربية. ممتاز.
ثم اتصل الأمير بندر بولي العهد السعودي الأمير عبدالله، قائلا بالشيفرة حول قرب وقوع الغزو: «تقول النشرة الجوية الليلة إن مطرا غزيرا سيهطل على الروضة».
رد ولي العهد: «يا إلهي، سمعتك، سمعتك، هل أنت متأكد؟»
الأمير بندر: «نعم انا متأكد جدا، إن لدى الأميركيين قدرات عظيمة، أقماراً صناعية ومما اليها للتنبؤ بأحوال الجو».
من فعل هذا بشعبه، تخيل ما يمكن ان يفعله بالآخرين؟

لم تكن السعودية وحدها راغبة بتدمير نظام صدام حسين الذي ارتكب حماقة احتلال الكويت وهدد وتوعد دولا خليجية بعد انتهاء الحرب مع ايران. كانت أنظمة عربية كثيرة تريد ذلك وتعمل على ذلك وتساهم في ذلك. يجب ان نعترف بانه لولا التآمر العربي لما أعدم صدام (وبقي مرفوع الرأس في لحظة الإعدام)، ولولا التآمر العربي لما دُمِّر العراق ولما قُتل القذافي ودمرت ليبيا. ولولا التآمر العربي لما استشهد ياسر عرفات بطلا بالسم الإسرائيلي بعدما ساهم العرب ووهم السلام في عزله بمقاطعة العز في فلسطين، ولولا التآمر العربي لما غرقت سوريا وليبيا بالتدمير الممنهج بغض النظر عن أخطاء هذا الطرف او ذاك.
لا يلام اردوغان إذاً على طموحه بعد ان ساهم العرب بقتل بعضهم البعض. نكاد نقول اذاً: «برافو على اردوغان». هو يحاول إعادة المجد الى دولته. حقه ان يحلم ويعمل لحلمه. نقول أيضا إن إيران لا تلام على توسيع دورها، حقها ان توسّعه طالما ان العرب قرروا إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بالذل. اما الذي يُلام فهو هذا النظام العربي المهترئ الذي شرّع الأبواب لكل الغزاة. فكيف لا يقول رئيسٌ تركي لرئيس حكومة إحدى كبرى الدول العربية: «إلزم حدودك». هو يدرك انه من خلاله يقول لكل عربي: «إلزم حدودك» بغض النظر عما إذا كان هذا العربي شيعيا او سنيا او مسيحيا... انه من فتح كل الأبواب وشرعها لكل غازٍ وحالم.
يبدو بعد مرحلة تدمير الدول المركزية، ومن خلال الاشتباك التركي العراقي و«التلطيشات» التركية لإيران والادبيات الإسرائيلية الأخيرة، أن ثمة وقتا قد حان ربما لرسم خرائط ما بعد الدمار. يريد التركي ان يكون له نصيب ان لم يكن في سوريا فلا بأس في العراق.

متى يصحو العرب؟ او على الأقل: متى يوقفون التآمر على بعضهم البعض؟

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

انتخابات تركيا: الجميع في خدمة أردوغان... أردوغان، الفوز المشروط والإنتصار الممنوع... الانتخابات التركية: عودة إلى المربع الصفر

    نوفمبر 03, 2015   No comments
حسني محلي

بات الإخوان المسلمون، بكل تياراتهم وأجنحتهم السياسية والمسلحة، يرون في رجب طيب أردوغان زعيماً سياسياً وعقائدياً وعسكرياً، شأن السلطان سليم الأول الذي غزا سوريا في 1516، ودخل القاهرة في 1517، ليعود منها خليفة للمسلمين، بعد حملته على إيران الصفوية عام 1514

هنّأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو على انتصار حزبهما الكبير في الانتخابات التشريعية قبل يومين، «مغرّداً» عبر «تويتر» أنهما سيبقيان في السلطة حتى عام 2023، أي عام الاحتفال بالذكرى المئوية لقيام الجمهورية العلمانية الأتاتوركية.

وأحيت نتيجة الانتخابات حلم أردوغان بإعادة صياغة الجمهورية التي يعرف الجميع، منذ أن تسلّم زعيم حزب العدالة والتنمية السلطة في تشرين الثاني 2002، أنه ضدها عقائدياً وسياسياً. وسيسمح النجاح الانتخابي لأردوغان بأن يتخذ كل الإجراءات لضمان إعادة انتخابه رئيساً في صيف 2019، وبالتالي تكرار فوز «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني 2019 أيضاً. ويُحتمل أن ينجح أردوغان مباشرة في تغيير نظام الحكم في تركيا إلى رئاسي، وهو يحتاج لذلك إلى 13 مقعداً إضافياً فقط في البرلمان، بعدما حصل حزبه على 317 مقعداً، أي أقل بـ١٣ مقعداً من النصاب الدستوري المطلوب للدعوة إلى استفتاء شعبي مباشر حول تعديل الدستور.
ومن المتوقع أن ينجح أردوغان في تفجير صراعات داخلية في حزب الحركة القومية، بغية استقطاب 13 من نواب الحزب الذي يعيش صدمة حقيقية بعد تراجع مقاعده البرلمانية من 80 في حزيران الماضي إلى 40 مقعداً، بسبب السياسات الغريبة لزعيم الحزب، دولت بهجلي، الذي رفض الائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بحجة علاقته بحزب الشعوب الديمقراطي، اليساري وذي الغالبية الكردية. كذلك رفض بهجلي الائتلاف مع «العدالة والتنمية»، بحجة أن الأخير غير جاد في حربه ضد حزب العمال الكردستاني. وكانت هذه المواقف كافية لدفع عدد كبير من مناصري «الحركة القومية» إلى التصويت «للعدالة والتنمية»، بعدما حمّلوا بهجلي مسؤولية عدم الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي الاقتصادي.

كذلك حمّل عدد كبير من الذين صوّتوا لحزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات حزيران الماضي قيادات هذا الحزب، ومن ورائهم حزب العمال الكردستاني، مسؤولية التصعيد الأمني، فذهبوا إلى التصويت «للعدالة والتنمية»، على أمل عودة الاستقرار الأمني والاقتصادي. وفشل قادة «الشعوب الديمقراطي» و»الشعب الجمهوري» في دحض خطاب الثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو، خاصة بعدما تم تعويق وصولهم إلى الناخبين، إن كان عبر محطات التلفزيون التي كانت تبثّ خطابات الثنائي المذكور بمعدل 20 و30 ضعفاً أكثر عن خطابات قادة «الشعب الجمهوري» و»الشعوب الديمقراطي»، أو عبر الاتصال المباشر، حيث اضطر قادة هذين الحزبين إلى إلغاء تجمعاتهم الانتخابية في عموم البلاد، بسبب التهديدات الأمنية «الارهابية». كذلك استغربت غالبية أنصار الحزبين قبولهما المشاركة في الانتخابات، رغم قولهما إنها غير ديمقراطية وغير عادلة.
وكان «الإرهاب» وسيلة أردوغان الأفعل «لإقناع» الناخبين. فالهجومان الانتحاريان في مدينة سروج في 20 تموز الماضي، وفي أنقرة في 10 تشرين الأول الماضي، كانا من صنع عناصر «الدولة الإسلامية»، الذين غضّ الأمن التركي نظره عن جميع نشاطاتهم، حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت التفجيرات. وتحدث مراقبون عن «غرابة» الهجوم الذي استهدف عنصرين أمنيين في مدينة ديار بكر في 21 تموز الماضي، والذي اتهمت السلطات عناصر «الكردستاني» بتنفيذه، ليتحول الأخير فجأة إلى حديث الساعة. وبات واضحاً أن «العدالة والتنمية» استفاد من عودة القتال الذي أودى بحياة نحو 200 من عناصر الجيش والأمن، وأضعاف العدد من عناصر «الكردستاني» داخل تركيا وفي شمالي العراق. ويرى البعض أن «الكردستاني» منح الحزب الحاكم فرصة ثمينة ليسوّق نفسه لدى الناخبين، وخاصة القوميين، على أنه الوحيد القادر على القضاء على «الاٍرهاب» وتحقيق الاستقرار. ويرى هؤلاء أيضاً أنه لولا فشل أحزاب المعارضة، غداة انتخابات 7 حزيران الماضي، في الاتفاق في ما بينها على تشكيل حكومة ائتلافية، لما عاد «العدالة والتنمية» إلى الإمساك بالسلطة.

سمح كل ذلك للثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو بتحقيق انتصار الأحد الذي سيبقيهما في السلطة حتى عام 2019، وبعدها حتى 2023، ليمضيا في طريق أسلمة الدولة والأمة التركية. وتتوقع الدراسات ألا تعترض غالبية الأتراك على هذا النهج السياسي والعقائدي، ما دامت أمورهم اليومية ميسّرة، علماً بأن غالبية الشعب التركي محافظة ومتدينة، وقومية الجذور والطبع الفردي والاجتماعي. وما على الثنائي الحاكم إلا الاستعجال في القضاء على أشكال المعارضة كافة، السياسية والإعلامية والاجتماعية، وهو ما ينتظره الجميع خلال الايام المقبلة، ما دام حزب الشعب الجمهوري لا يملك مقومات التصدي للحملة الجديدة، التي لن يبالي أحد بها في الغرب، رغم تكرار الحديث عن معايير كوبنهاغن للانضمام إلى الاتحاد الاوربي. ولا يزال الاتحاد يكتفي بتوجيه انتقاداته التقليدية لأردوغان، في ما يتعلق باحترام الديمقراطية وحقوق الانسان، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن ما يهم عواصم الاتحاد، ومعها واشنطن، هو استثماراتها وأرباحها الخيالية في تركيا، بعدما وصل حجم الاستثمارات الأجنبية الى 2 تريليون دولار، خاصة في البورصة والقطاع المصرفي، التي باتت 70٪ من أموالها أجنبية.
ويعرف الجميع أيضاً أن هذه الأرباح جاءت نتيجة شبكة من العلاقات الشخصية، تجمع أردوغان وقيادات من حزبه بأصحاب الرساميل الخليجية خاصة. ويفسر ذلك قضايا الفساد الخطيرة التي تشمل صفقات يقدر البعض قيمتها بأكثر من ١٠٠ مليار دولار، حيث قامت حكومات «العدالة والتنمية» ببيع ما قيمته 150 مليار دولار من مؤسسات ومرافق القطاع العام، التي لم يبق منها إلا القليل، ويستعد أردوغان لبيعها خلال السنوات الأربع المقبلة. ويريد أردوغان بذلك أن يضمن، عبر مشاريعه، تمويل حركة الشارع الشعبي اليومي، الذي أثبت في انتخابات الأحد الماضي، وقبلها في انتخابات رئاسة الجمهورية في آب من العام الماضي، أنه غير مبال بقضايا الفساد والسرقات، ما دام هو أيضاً مستفيداً منها بشكل أو بآخر.
ويبقى الرهان على تحديات المرحلة القادمة، وخاصة في ما يتعلق بالملف الكردي، ببعديه الداخلي والخارجي، حيث تتحدث مصادر عن مساومات جديدة محتملة مع زعيم «الكردستاني»، عبد الله أوجلان، بالتنسيق مع واشنطن التي يتوقع البعض أن تسعى لسد الطريق على الروس في المنطقة، ومنعهم من لعب الورقة الكردية.

_________________
أردوغان، الفوز المشروط والإنتصار الممنوع
أمين أبوراشد
قبيل إجراء إنتخابات الإعادة للبرلمان التركي، والتي فاز فيها "حزب العدالة والتنمية" بنسبة 49.41 % من الأصوات مما يكفل له تشكيل الحكومة منفرداً، ركَّز الرئيس رجب طيب أردوغان في الإطلالات الجماهيرية الداعمة للحزب، على ضرورة الفوز بما يكفل قيام نظام رئاسي في تركيا، وكرَّر صراحة  ما قاله في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي: "إن رئاسة تنفيذية على غرار النظام الأميركي ضرورية لتعزيز النفوذ الإقليمي والنجاحات الاقتصادية لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي" وتوجّه بالكلام الى خصومه: "يقولون، إذا حصل أردوغان على ما يريد يوم الأحد فإنه سيصبح شخصاً لا يقف شيء في طريقه، إنهم يقصدون أن تركيا لن يستطيع أحد إيقافها".

قراءة لنتائج هذه الإنتخابات مقارنة مع نتائج الإنتخابات السابقة التي جرت منذ خمسة أشهر تُظهر ما يلي:
حزب العدالة والتنمية حصل على 316 نائباً مقابل 259 في الإنتخابات الماضية، واستقرّ جزئياً وضع الحزب الجمهوري بحيث حصل على 131 نائباً بتراجع ثلاثة نواب عن السابق، وتعرَّض حزب الحركة القومية للنكسة الكبرى بالحصول على 41 نائباً مقابل 78 في الدورة السابقة، وتراجع حزب الشعوب الديموقراطي الكردي وحصل على 59 نائباً في مقابل 78 في الإنتخابات الماضية.

أولى القراءات لهذه النتائج التي يبدو فيها أردوغان فائزاً، تُظهر ما يلي:
1) يحتاج أردوغان الى نسبة 67% من إجمالي نواب البرلمان البالغ عددهم 550 نائباً ليتمكن من تعديل الدستور أي ما مجموعه 369 نائباً، مما يحتِّم عليه التحالف مع حزب يمنحه على الأقل 53 نائباً، وهذا ما لا يتوفَّر سوى لدى حزب الشعب الجمهوري الرافض لكافة سياسات أردوغان وبشكلٍ خاص جموحه الى السيطرة الشخصية عبر النظام الرئاسي، مما يعني أن أي تحوُّل من النظام البرلماني الى الرئاسي، سوف يُلزِم أردوغان باللجوء الى حكومة إئتلافية لإرضاء الخصوم وزارياً، أو تشكيل حكومة يتفرَّد بها حزب العدالة والتنمية ويجد أردوغان نفسه ملزماً باللجوء الى الإستفتاء الشعبي. 

2) إن تخطِّي حزب الشعوب الديموقراطي الكردي عتبة العشرة بالمئة التي خوَّلته للمرة الثانية في تاريخه من دخول البرلمان ولو بعدد أقلّ من النواب هو هزيمة استراتيجية لأردوغان، لأن كل محاولاته لإقصاء ممثلي الأكراد عن البرلمان قد فشلت، وأن اتهامه لحزب الشعوب الديموقراطي بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره إرهابياً والتحريض على أكراد الداخل قد ورَّط حزب الحركة القومية المناوىء للأكراد بأعمال عنف وإحراق مراكز الشعوب الديموقراطي بالتواطؤ مع العدالة والتنمية، مما انعكس سلباً على الحركة القومية واتَّهمها الناخبون باستفزاز أكراد الداخل وخسرت 37 نائباً لصالح العدالة والتنمية، في الوقت الذي خسر فيه أردوغان معركة إقصاء الأكراد بعدما تخطى حزب الشعوب الديموقراطي عتبة العشرة بالمئة ودخل البرلمان ثانية، رغم الإرهاب الذي مُورِس عليهم في ديار بكر بشكل خاص وإحراق 80% من مراكز الحزب في أنحاء تركيا.

3) إن أحزاب المعارضة الرئيسية على تشتُّتها وعجزها عن التوحُّد، فهي على حدّ قول محلِّل تركي محايد "تُجمع على الخوف من جموح السلطة لدى أردوغان، وتعتبره أقرب الشخصيات التركية الى آخر سلاطين بني عثمان عبد الحميد الثاني 1876 -1909، الذي اتَّصف بالمواقف المتقلِّبة والسياسات التي كان يعتمد سلطته الشخصية محوراً لها، وإذا كان عبد الحميد قد ورِث عن أجداده هذا النمط على مدى 400 عام، فإن أردوغان كان وسيبقى حالماً باستحضار زمن السلاطين، عبر نزعته للتفرُّد بكافة دوائر الحُكم وسعيه للحصول على الأغلبية البرلمانية تمهيداً لتحويل النظام من برلماني الى رئاسي لتوطيد سلطة سلطانه، وهذا ما يُشكِّل عائقاً أمام التطوُّر الديموقراطي الفعلي وخروج على قواعد الجمهورية وإرث مصطفى كمال أتاتورك.

4) إن خصوم أردوغان يعتبرون أنه استحضر النار السورية الى الداخل التركي، سواء عبر جعل تركيا معبراً للإرهاب أو عبر المنطقة العازلة التي يُطالب بها ويرفضها الأميركيون، ومسألة المنطقة العازلة التي يطالب بها أردوغان ليست فقط لإبعاد حزب العمال الكردستاني ولو عبر استخدام داعش في مقاتلته، بل لإعادة إيواء مليوني سوري باتوا عبئاً على تركيا وينافسون الأتراك في أسواق العمل، وهو أمام خيارين إما استعمالهم ورقة ضغط على أوروبا للمطالبة بمساعدات إيواء أو الدخول في حرب استحداث منطقة عازلة وهو ما بات مستحيلاً بعد الدخول الروسي الأجواء السورية.

5) إن الإنكماش الإقتصادي والضمور الإستثماري وانهيار الليرة التركية في المرحلة الماضية، لم يحصل بسبب غياب حكومة فاعلة بقدر ما هو زعزعة ثقة بالإستقرار داخل تركيا، ولن يتمكَّن أردوغان وحكومة العدالة والتنمية من استعادة هذا الإستقرار قبل إقفال الحدود أمام إستيراد وتصدير الإرهاب وأعتدته وسلاحه، وقبل وقف التدخُّل في الشأن السوري بشكلٍ خاص، وقبل الإقرار بحقوق الأكراد، وإذا كان الأكراد قد خسروا أمامه معركة انتخابية وحلم المطالبة سياسياً بإنشاء كيان مستقل، فإن كل بقعة يسكنها أكراد في الداخل التركي باتت تعيش حكمها الذاتي ضمن كانتونات صغيرة يخشى الجيش التركي دخولها، وكذلك الموظفون المدنيون من الأتراك، والمعركة طويلة في الداخل التركي وعلى الحدود، ولن يصمت الجيش طويلاً على تطوُّر الفلتان الأمني والإنهيار الإقتصادي سواء كانت البلاد ضمن نظام برلماني أو في ظل نظام رئاسي، وبالتالي إذا كان أردوغان يعتبر أن نقل البلاد من نظام برلماني الى رئاسي شبيه بنظام الحكم الأميركي هو حلمه الأعظم فأنه حتى ولو نجح في الإستفتاء فلن ينتصر على 50% من الشعب التركي صوَّت ضدّ طموحاته نحو السلطة والسلطنة.

_________

الانتخابات التركية: عودة إلى المربع الصفر

من المؤكد أن الليلة الماضية كانت الأكثر هدوءاً لرجب طيب اردوغان منذ السابع من حزيران الماضي، فقد نام الرئيس التركي على انتصار انتخابي استعاد خلاله حزبه الإسلامي المحافظ «العدالة والتنمية» الغالبية المطلقة في البرلمان، ما سيمكنه من تشكيل الحكومة التركية الجديدة بمفرده، ويعيد بذلك البلاد الى حكم الحزب الواحد، بعيداً عن إزعاجات معارضيه، المتعددي الانتماءات الأيديولوجية والمطالب السياسية.
وضرب حزب العدالة والتنمية كل التوقعات، امس الاول، فبعد فرز كل الاصوات تقريباً حصل على 49.4 في المئة منها ليشغل 316 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعداً، حسبما اعلنت شبكتا التلفزيون «ان تي في» و «سي ان ان - ترك».
ويشكل ذلك، بالنسبة الى اردوغان، انتقاماً بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها في الانتخابات السابقة، التي خسر فيها حزبه الهيمنة الكاملة على البرلمان التي كان يتمتع بها منذ 13 عاماً ما أسقط حلمه بتعزيز الصلاحيات الرئاسية.
وخلافاً لما جرى في اليوم الاول من انتخابات السابع من حزيران الماضي، حين توارى اردوغان عن الأنظار بعد تكبّد «حزب العدالة والتنمية» هزيمة انتخابية مدوّية، استفاق الرئيس التركي باكراً، ليحتفل رمزياً بالانتصار الانتخابي عبر الصلاة في مسجد ايوب في اسطنبول، كما كان يفعل السلاطين الجدد في السلطنة العثمانية.

وخلال هذا الاحتفال السلطاني الرمزي، اطلق اردوغان سلسلة مواقف، اكد فيها ان «الإرادة الوطنية عبَّرت عن نفسها في الأول من تشرين الثاني لمصلحة الاستقرار»، مضيفاً «لنتحد ولنكن أشقاء ولنكن جميعا تركيا».
لكن المواقف الاردوغانية لم تقتصر على ما قاله للصحافيين في مسجد أيوب، فقد كان لافتاً للانتباه أن الرئيس التركي لم يستطع فور صدور النتائج شبه النهائية للانتخابات أن يكبح رغبته في التعبير عن فرحته بأي طريقة، فاستخدم موقع «تويتر»، الذي طالما هدد بإقفاله لإسكات معارضيه، مطلقاً سلسلة تغريدات جاء في إحداها «أود أن أهنئ جميع الاحزاب التي شاركت في انتخابات الاول من تشرين الثاني، وجميع المواطنين الذين أعربوا عن إرادتهم القومية من خلال أصواتهم». وأضاف في تغريدة أخرى «أهنئ حزب العدالة والتنمية الذي سيتولى السلطة لوحده، وأهنئ شقيقي أحمد داود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء».
والجدير ذكره ان اردوغان لم يخف في السابق ازدراءه لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى انه تعهد بـ «القضاء» على تويتر قبل الانتخابات المحلية التي جرت في آذار العام 2014، وشبّه في آب من العام ذاته مواقع التواصل بأنها «سكين في يد القاتل»، مؤكداً انه «لا احب التغريد». وحجبت الحكومة التركية موقعي «تويتر» و «يوتيوب» لبضعة ايام قبل انتخابات آذارالعام 2014 بعد استخدامها لنشر سلسلة من التسجيلات الصوتية التي تدين اردوغان والدائرة المحيطة به في فضيحة فساد. إلا أن أردوغان بعث أول تغريدة شخصية له على الإطلاق من حسابه في شباط من العام الماضي ليدين التدخين في اليوم القومي التركي لمكافحة التدخين.
وكان رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو قد دعا، في كلمة ألقاها في مقر «حزب العدالة والتنمية» في انقرة ليل امس الاول الى الوحدة في بلد يشهد انقساماً وقلقاً، معتبراً أن «لا خاسر في هذا الاقتراع» وأن «تركيا بأكملها ربحت»، مؤكداً ان الحكومة المقبلة ستدافع عن «المكتسبات الديموقراطية»، وأن «حقوق 78 مليون نسمة تحت حمايتنا».
كما دعا داود اوغلو الأحزاب السياسية التركية إلى الاجتماع والاتفاق على دستور جديد بعد استعادة حزبه الحاكم الغالبية في البرلمان.
ولا يبدو ان التهاني العاطفية التي وجهها اردوغان وأركان «حزب العدالة والتنمية» للمواطنين الاتراك، وللاحزاب السياسية، ستترجم على مستوى الشراكة الوطنية، فبالإضافة الى التذكير بأن الحزب الاسلامي المحافظ سيحكم منفرداً، والتلويح بأن هذا الانتصار الانتخابي سيكون مقدمة لـ «إصلاحات» سياسية يسعى من خلالها اردوغان الى الانتقال بالبلاد من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، فإنّ بوادر معاقبة المعارضين لاحت في الأفق يوم امس، بعد إقفال صحيفة سياسية واعتقال صحافيين.
وذكرت وكالة «دوغان» التركية للأنباء ان قوات الأمن التركية، وبناءً على طلب من النائب العام، داهمت مكاتب صحيفة «نوكتا» في اسطنبول، وصادرت نسخ عددها الأخير بتهمة «الحض العلني على ارتكاب جناية». وأضافت الوكالة ان الشخصين اللذين اعتُقلا هما رئيس التحرير جوهري غوفن ومدير النشر مراد تشابان.
وفي عددها الذي صدر يوم امس، نشرت «نوكتا» في صفحتها الاولى صورة لأردوغان وكتبت تحتها «بدء الحرب الأهلية في تركيا».
وليست هذه هي المرة الاولى التي تداهم قوات الأمن مقر «نوكتا»، سبق للصحيفة ان تعرضت لملاحقات مشابهة قبل اسابيع. وتأتي هذه الخطوة في سياق مسلسل التضييق على الصحافيين، حيث داهمت قوات الأمن، الأسبوع الماضي، مقري شبكتي تلفزيون معارضتين، الأمر الذي وُوجه بتنديد واسع في تركيا وفي الخارج.
وتعكس خطوة مداهمة «نوكتا» انزعاج اردوغان من اي رأي يقول إن استمرار «حزب العدالة والتنمية» في الحكم سيجر تركيا الى مزيد من الاضطرابات.
وفي هذا الإطار، كان لافتاً ان مدينة ديار بكر، ذات الغالبية الكردية، قد شهدت فور ظهور النتائج الأولية للانتخابات مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن.
وانتقد صلاح الدين ديمرطاش، زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي الذي سجل تراجعاً كبيراً عن نتائج حزيران (13 في المئة مقابل اكثر بقليل من 10 في المئة) ما وصفه بالانتخابات «غير العادلة» التي جرت تحت التهديد الجهادي، لكنه أضاف أنه «انتصار كبير لنا على كل حال»، موضحاً «خسرنا مليون صوت لكننا بقينا واقفين في مواجهة المجازر (التي ترتكبها السلطة) والفاشية».
ويتفق كلام ديمرطاش مع تأكيد مراقبين دوليين، امس، ان حملة الدعاية للانتخابات البرلمانية في تركيا غير نزيهة وشابها الخوف والعنف.
وقال رؤساء البعثة المشتركة لمجلس اوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مؤتمر صحافي إن العنف كان له أثر كبير. وأشاروا الى اعتداءات وممارسة الترهيب ضد أعضاء في «حزب الشعوب الديموقراطي».
ولكن حتى الآن لم تقدم أي أحزاب شكاوى رسمية بشأن النتائج، وإن كان «حزب الشعوب الديموقراطي» قال إنه يعتزم الطعن على عدة مقاعد.
اما زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار اوغلو، فقال «نحن نحترم نتائج الانتخابات، السلطات التركية يجب ان تحترم غلبة القانون... لا أحد يجب ان يُعتبر فوق القانون».
وبرغم هذه التجاوزات فإن من غير المرجح ان تقود الانتقادات او الطعون الانتخابية الى نتيجة مغايرة، إذ بات الكل مقرّاً بأن اردوغان كرّس هيمنة «حزب العدالة والتنمية» على الحكم لأربع سنوات مقبلة.
ومع ذلك، يمكن القول إن كل القوى السياسية في تركيا قد طوت معركة الانتخابات وبدأت الاستعداد لمعركة أكبر، وربما اكثر خطورة، تتمثل في طموحات اردوغان الرئاسية.
وفي هذا الإطار، قال مصطفى سنتوب، وهو مسؤول كبير في «حزب العدالة والتنمية»: «لقد انهارت الرؤية بأن انتخابات السابع من حزيران هي رفض لمنصب الرئاسة التنفيذي».
وأضاف سنتوب، الذي سبق وقاد مساعي الحزب الحاكم لتعديل الدستور، أن «الأرقام غير كافية في تلك اللحظة لكنني أعتقد أن هذه الانتخابات تُظهر رغبة لتطبيق النظام الرئاسي. وقد يُنظر لها على أنها ضوء أخضر أو أصفر للرئاسة»، لكنه أشار الى انه لم يتضح بعد ما اذا كان الحزب الحاكم سيتمكن من إيجاد الأصوات الثلاثة عشر اللازمة لدعم الاستفتاء على الدستور الجديد.
وبرغم ذلك، فإن ثمة إجماعاً بين المراقبين على أن الطموحات الرئاسية لأردوغان قد تؤدي الى تعميق الخلافات داخل المجتمع التركي.
وفي هذا الإطار، قال الكاتب في صحيفة «جمهورييت» المعارضة كان دوندار «نحن نواجه الآن مجتمعاً منقسماً الى معسكرين يجلس اردوغان في وسطهما»، موضحاً أن المعسكرين هما «هؤلاء المستعدون للموت من أجل اردوغان، وهؤلاء الذين لم يعودوا يطيقونه. والانقسام أصبح أبدياً».
اما ناتالي مارتن، خبيرة السياسة التركية في جامعة نوتنغهام ترينت في بريطانيا، فاعتبرت ان اردوغان «اقترب خطوة من نقل النفوذ من البرلمان الى القصر الرئاسي وتعزيز سلطته بشكل دائم». وأضافت «بالرغم من أن (حزب العدالة والتنمية) لم يحصل على ما يسمى بـ (الغالبية السوبر)، التي كانت ستمكنه من تطبيق هذه الإجراءات، إلا أنه أصبح أقرب من تحقيق ذلك»، مشيرة الى ان «اردوغان حوّل الهزيمة الى انتصار خلال أشهر قليلة. أنا واثقة من أن عدداً قليلاً من الأصوات لن يوقفه الآن».
بدوره قال وليم جاكسون خبير اقتصاد الأسواق الناشئة في مؤسسة «كابيتال ايكونوميكس» إن الغالبية التي حصل عليها «حزب العدالة والتنمية» تبقى ضئيلة نسبياً ما سيؤدي الى ما يسمى بـ «الاقتصاد المعتدل»، مضيفاً أنه نتيجة لذلك «فيكون من الصعب على حزب العدالة والتنمية أن يطبق خططه لتعديل الدستور لتعزيز سلطات الرئيس، وهي الخطوة التي يخشى أن تقوي بعض التوجهات السلطوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لدى الرئيس إردوغان».
وفي ما يتعلق بالقضية الكردية، قال دوغو ايرغيل، الخبير في الشؤون الكردية في جامعة الفاتح في اسطنبول، إنه لا يعتقد أن الحكومة ستستأنف محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني»، مشيراً الى انه «بدلاً من ذلك أتوقع أن تتحدث الحكومة مباشرة مع ممثلين عن حركات كردية اخرى من بينها حزب الشعوب الديموقراطي... وإذا لم يحدث ذلك فإن المشكلة الكردية ستتفشى بشكل مميت».
كثيرة هي التساؤلات التي تحملها نتائج الانتخابات التركية، لكن الأكثر تعبيراً عن واقع الحال في تركيا اختزلته صحيفة «زمان» التركية المعارضة بعنوان: «العودة الى المربع صفر».

الاثنين، 3 أغسطس 2015

الجار ثم الدار: دعوة إيرانية إلى احترام سيادة الدول والامتناع عن التدخل بشؤونها الداخلية

    أغسطس 03, 2015   No comments
في مبادرة لافتة للانتباه تأتي في توقيتها غداة التفاهم النووي وزيارته التي شملت الكويت وقطر والعراق، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقالة خص بها "السفير" بعنوان "الجار ثم الدار"، إلى البحث عن آليات تساعد جميع دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها.
واقترح ظريف تشكيل مجمع حواري إقليمي ومن ثم إسلامي يرتكز على جملة أهداف ومبادئ أبرزها: احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلمياً، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.
وقال ظريف في مقالته ـ رسالته بوجوب عدم إنكار الحاجة إلى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها وأحدها موضوع محاربة الإرهاب.
واعتبر ظريف أن اليمن يمكن أن يشكل نموذجاً جيداً للخوض في ما أسماها "مباحثات جدية" بين طهران ودول الجوار، وذكّر بخطة بلاده هناك وقبلها بخطة إيران لحل الأزمة السورية، وقال إنه يمكن استخدام هذه المباحثات الإستراتيجية لتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية والارتقاء بالعلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة.
وفي ما يلي النص الكامل لمقالة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف:


"في تقاليدنا العريقة وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذي يجمعنا معا) توصية حكيمة تقول: الجار ثم الدار، وهي توصية أخلاقية ذات رؤية عميقة، وصلتنا عبر القرون، وباتت ضرورة لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر؛ إن الرفاه والأمن يتحققان فقط في البيئة التي يمكن أن تحظى بهاتين النعمتين العظيمتين.
إن أولى أولويات إيران منذ البداية، هي أنها تنشد علاقات طيبة ووطيدة مع جيرانها، وهذا ما أُعلن عنه بصراحة وتمت متابعته على الأخص منذ تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، وان جولتي الإقليمية إلى ثلاث دول جارة هي الكويت وقطر والعراق مباشرة بعد حصول الاتفاق النووي التاريخي بفيينا بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، إنما جاءت تأكيدا لهذه الإستراتيجية التي توليها السياسة الخارجية الإيرانية اهتمامها.
إن منطقتنا في الوقت الراهن تمر في اضطرابات، وتواجه مخاطر جدية تهدد أسس المجتمع والثقافة فيها. ومع أن إيران التي تعتمد على شعب يمتاز بالمرونة والصمود في مواجهة النزعة السلطوية، تعيش بفضل الله في استقرار وأمن، وقدمت آفاقاً جديدة عن التعامل البناء، فإنها لا يمكنها الوقوف موقف اللامبالاة أمام الدمار الهائل في أطرافها، لا سيما أن التجربة تقول لنا إن الفوضى والاضطرابات لا تعرف حدوداً، وانه من غير الممكن ضمان أمن أي بلد في بيئة مضطربة في هذا العالم السائر نحو العولمة.
إن اتفاق فيينا كان بداية ضرورية للمنطقة، فهو ليس فقط لا يشكل أي ضرر لجيراننا، بل إنه مكسب لمنطقتنا برمّتها لأنه وضع نهاية لتوتر كنا في غنى عنه دام اثني عشر عاما، هدد المنطقة أكثر من غيرها، وقد حان الوقت للتفرغ الى أعمال أهم وفي مقدمتها البحث عن آليات، تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها.
إن تشكيل مجمع للحوار الاقليمي في منطقتنا ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، لغرض تسهيل التعامل، حاجة ماسة كان ينبغي المبادرة اليه قبل هذا بكثير، ولا بد من أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة، وأهمها:
احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلميا، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.
علينا جميعا أن نقبل حقيقة انقضاء عهد الألاعيب التي لا طائل تحتها، واننا جميعا إما رابحون معاً أو خاسرون معاً، فالأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين، وان أي شعب لا يمكنه تحقيق مصالحه من دون الأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين، وهذا هو مصيرنا شئنا أم أبينا: (..وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ) (الانفال، الآية 46).
وبالطبع إن هذا التعاون الذي لا بد منه، ليس من نوع التعامل المرّ مع الأعداء، بل هو مسار ذو مذاق حلو للإصلاح والمودة بين إخوة وأعضاء أسرة واحدة ابتعدوا عن بعضهم البعض منذ فترة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ..) (الحجرات، الآية 10).
أهمية ممارسة هذه الآليات في منطقتنا، ثم في الشرق الاوسط عامة تفوق أهميتها في أية منطقة في العالم. ولا يمكن إنكار الحاجة الى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها، ومحاربة الإرهاب واحد من هذه المواضيع. فلا أحد بمستطاعه أن يحارب الجماعات المتطرفة، كالتي تسمى "الدولة الإسلامية" ـ التي لا هي بدولة ولا هي بإسلامية ـ في العراق، في حين تنتشر في اليمن وسوريا.
واذا كان مقرراً أن نختار موضوعاً من بين الفجائع في المنطقة للبدء في مباحثات جدية، فإن اليمن سيكون نموذجاً جيداً، وقد اقترحت إيران حلا معقولا وعمليا لتسوية هذه الأزمة المؤلمة وغير الضرورية. فالخطة الرباعية التي قدمتها تدعو الى وقف إطلاق النار فوراً، وإرسال مساعدات إنسانية الى المدنيين اليمنيين، وتسهيل الحوار بين المجموعات اليمنية داخل البلاد، وفي نهاية الأمر توجيههم الى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة.
وقبل عامين ايضاً، تم اقتراح خطة مماثلة بعد مشاورات مع سوریا وبعض الدول المجاورة وسائر الفاعلين من أجل إعادة السلام والأمن الى سوريا، بالإمكان إدراجه على جدول الأعمال، الى جانب الجهود المبذولة لتسوية الازمة اليمنية، وذلك بالتعاون مع الدول الإسلامية الاخرى وتحت إشراف آليات منظمة الامم المتحدة.
وتزامنا مع ذلك، يمكن استخدام هذه المباحثات الإستراتيجية، للقيام بخطوات محددة لتحقيق تفاهم أفضل لدراسة ولتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف، ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية، ولتنويع أشكال التعاون العلمي والصناعي والتنموي وللارتقاء بمستوى العلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة.
وقد يكون التعاون النووي للأغراض السلمية، نموذجا بارزا لمثل هذا النمط من التعاون، فمن حق إيران وجميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط الحصول على فوائد التقنية النووية السلمية طبقا للمقررات الدولية، ولا بد من أن تتعاون جميع دول المنطقة من أجل بلوغ هذه الأهداف، ومن الحالات التي يمكن متابعتها في هذا النمط من التعاون يشار الى:
ـ الإفادة من إمكانيات التخصيب، على شكل مركز إقليمي لتوليد الوقود النووي عبر تعاون الدول الإسلامية بالمنطقة في الجانب التقني، وفي الجانب السياسي تكثيف الجهود الدولية لإقامة منطقة منزوعة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
في الخاتمة: إننا، بلدان هذه المنطقة والشرق الأوسط، الذين تشدنا قواسم مشتركة كثيرة ومتنوعة في الدين والثقافة والسياسية والجغرافيا، نملك جميع المستلزمات لإقامة تعاون بناء ومفيد لجميع شعوبنا وشعوب العالم. فالتحديات الكثيرة القائمة في منطقتنا، مهمة وخطيرة الى درجة لا ينبغي لنا معها أن ننشغل بمجادلات مذهبية وخلافات شخصية وان نقدم بشجاعة وبصيرة على مثل هذا التعاون الحيوي لمعالجة جذور الازمات في منطقتنا، وان لا نعقد الآمال على ان يحل مشاكلنا من كان لهم الدور الأساس في خلقها.
إنها الفرصة الوحيدة للتعامل، وشعوبنا تنتظر منا عن حق بأن لا نضيّع هذه الفرصة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..) (التوبة، الآية 105).".

السبت، 28 مارس 2015

إسلاميّو القاهرة يلتحقون بالسعودية: هل نسيتم عزل مرسي؟

    مارس 28, 2015   No comments
أحمد سليمان

لم يتجمع الفرقاء الإسلاميون في مصر على رأي واحد منذ «30 يونيو» 2013 كما تجمعوا على مساندة التدخل العسكري في اليمن ضد «أنصار الله»، معتبرين إياها حلقة مهمة في كسر «الهيمنة الإيرانية» على المنطقة.
باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي لم تعلن موقفاً واضحاً ومحدداً، فإن الطيف السياسي الإسلامي ــ بما في ذلك أنصار «الإخوان» وحلفاؤهم منذ عزل الرئيس محمد مرسي ــ بارك وساند أي تدخل مصري عسكري محتمل في اليمن، وبارك أيضاً الضربات التي وجّهتها الطائرات السعودية لـ«أنصار الله»، برغم اختلاف النيات والدوافع.

لم يتأخر السلفيون، مدفوعين بنزعة مذهبية واضحة، في إعلان التأييد لأي تدخل عسكري ضد «قوات الحوثيين» في اليمن. تأييد السلفيين غير منفصل عن مواقفهم الممتدة منذ «30 يونيو» 2013؛ منذ ذلك التاريخ والسلفيون يسيرون في ركاب النظام، مؤيدين ومباركين كل خطواته، كذلك فإن العلاقات القوية التي تربط بين الدعوة السلفية والنظام السعودي تعتبر أحد الدوافع المهمة لتأييد هذا التدخل، إضافة إلى نزعة الكراهية المذهبية التي يفسح لها السلفيون مساحة واسعة في خطابهم الفقهي والعقدي.
«الإخوان»: الانشغال السعودي في اليمن سيرتد على النظام المصري

رئيس «حزب النور» السلفي، يونس مخيون، قال إنهم «في الحزب والدعوة السلفية» يرون أن «الحوثيين خطر على المنطقة، وأن تحكّمهم في مضيق باب المندب يهدد الامن القومي المصري تهديداً مباشراً، وأن إيران عبر الحوثيين تسعى للتحكم في مصير العرب ومصر، وأنهم سيتصدون للتمدد الإيراني بكل قوة».
المباركة السلفية للتدخل العسكري نصرةً لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وتأييدهم السابق لعزل الرئيس محمد مرسي، يكشفان حجم الخلافات البينية بين أكبر فصيلين إسلاميين في مصر، وهو خلاف أكبر من أن يتم جسره أو احتواؤه. كل طرف (الإخوان والسلفيون) يرى في خصمه مهدداً وجودياً له. السلفيون الذين أيّدوا عزل مرسي وباركوه، انتفضوا لليمن، وهو ما أعاد الجدل بشأن ما قالته القيادات السلفية لـ«الإخوان» في مسارهم الذي اتخذوه عقب عزل مرسي: لو كانوا يطلبون شريعة لساندوهم، لكنهم يطلبون «شرعية» وهي أمر دنيوي؛ فهل التدخل العسكري في اليمن أمر نصرة لشريعة؟
حتى «الجماعة الإسلامية»، الحليف الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» منذ عزل مرسي عن سدة الحكم، أعلنت، في بيان رسمي، دعمها لـ«عاصفة الحزم» من أجل «وقف مغامرات الحوثيين، وقف أطماع إيران والشيعة في المنطقة»، في مفارقة تكشف أن الإسلاميين يعارضون نظام السيسي في مصر، ويباركونه في اليمن، فيما تدعم السعودية ما وصفته بـ«الشرعية» في اليمن في حين أنها الداعم الأكبر لعزل مرسي من رئاسة مصر.
الفتاوى الدينية كانت حاضرة في المشهد بقوة. بخلاف فتاوى «الدعوة السلفية»، كان للأزهر حضوره عبر علمائه الذين رأوا، على لسان محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، أن «من الواجب على مصر والدول العربية كلها، باعتبارهم أهل سنّة وجماعة، مواجهة المدّ الشيعي». وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه محمد يسري إبراهيم، وهو أمين عام «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تشكلت بدعم من جماعة الإخوان المسلمين عقب خلع الرئيس حسني مبارك بهدف تكوين جبهة «مشيخية» قادرة على تأمين دعم إضافي للتوجهات السياسية للجماعة وقادرة أيضاً على التغلب على السطوة الإعلامية الرهيبة التي كان يتمتع بها الدعاة المحسوبون على «الدعوة السلفية» في حينه.
وحدها جماعة الإخوان المسلمين لم تعلن موقفاً واضحاً من العمليات العسكرية في اليمن، إلا أن المعلومات الواردة تشير إلى أن الجماعة ترى في الانشغال السعودي باليمن أمراً سيكون له مردوده بتخفيف الدعم السعودي للنظام المصري، وهو ما سيهزّ النظام الذي يعتمد منذ «30 يونيو» بشكل كبير على المساعدات المالية الخليجية. كذلك ترى الجماعة أن هناك حاجة ضرورية للأطراف المعنية في التنسيق معها في اليمن عبر فرعها «حزب الإصلاح»، وهو ما قد يكون أحد أثمانه ضغطاً سعودياً ــ خليجياً على النظام المصري بضرورة تراخي القبضة الأمنية المشددة على الجماعة وأنصارها. وتنظر الجماعة إلى التقارب السعودي التركي القطري بشأن اليمن على أنه منفذ لها للولوج مرة أخرى إلى خريطة التفاعلات في المنطقة، ولعب أحد أدوار الفاعلين، بعدما اقتصر وجودها على مدار أكثر من عامين على دور المفعول والمنكل به.

الثلاثاء، 20 مايو 2014

ليبيا في مربع النار: الحرب على السلاح بالسلاح... انتقام العسكر... المسلحون يتوعدونه بمصير "القذافي"

    مايو 20, 2014   No comments
هي التجربة نفسها، تتكرر في أكثر من دولة في المنطقة لمعالجة ذيول ما عُرف بـ«الربيع العربي». عودة إلى دعم القوات المسلحة في مواجهة الإسلاميين. حصل هذا في الجزائر قبل عقود، وفي مصر قبل أشهر، واليوم في ليبيا، التي بات واضحاً أنها تحولت إلى مصنع للمجموعات التكفيرية، تصدّر الإرهابيين والسلاح إلى جميع أنحاء المعمورة. لكن لا شك في أن أمرين استعجلا «انقلاب حفتر»: الأول، تجمع عشرات آلاف التكفيريين المسلحين على الحدود مع مصر، كمحطة انطلاق نحو أرض الكنانة انتقاماً لحكم إسلامي زال. واقع دفع الحكم المصري ممثلاً بعبد الفتاح السيسي إلى تنسيق الجهود مع الجزائر بدعم غربي واضح لتصفية المجموعات الإسلامية في هذا البلد. والثاني حجم الخطر الذي وجد ضباط الجيش السابق أنفسهم فيه، بعد تصفية أعداد كبيرة منهم على أيدي الإسلاميين.

هي انتفاضة العسكر إذن، بل انتقامهم، مما حل بهم بعد رحيل معمر القذافي، حاضنتهم القبائل التي كانت ركيزة حكم العقيد!

لم تكن الصورة أول من أمس في طرابلس تشبه التي بثّها اللواء الليبي خليفة حفتر حين أعلن انقلاباً عبر مؤتمر تلفزيوني في شباط الماضي. الانقلاب الآن أصبح فعلاً على الأرض. أنصار حفتر وجنوده يقولون إنهم أتوا بعملية «كرامة ليبيا» ليخلصوها من فوضى السلاح والمجموعات الإسلامية المتشددة. الطرف الآخر يرى أن هذا التحرك مدعوم خارجياً من أجل مآرب أخرى.

خريطة الجماعات المسلحة

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد الكتائب المسلحة في ليبيا قد يصل إلى 300 ميليشيا مختلفة التسليح والأعداد، وبعضها يتبع أشخاصاً وأخرى تيارات سياسية مثل جماعة الإخوان المسلمون والقاعدة، أو تتبع مدناً ومناطق وحتى قبائل. كل هذه المجموعات ليس لديها وضع قانوني واضح في ظل غياب دور فعال للجيش الليبي وقوات الأمن التابعة للحكومة.

في خضم الصراع الحالي، تبدو أطراف الصراع في الشرق الليبي، خاصة مدينة بنغازي، غير واضحة التحالفات بسبب الخلاف في الرؤى وتقدير الموقف من وقت إلى آخر بل من يوم إلى ثانٍ، لكن العملية الجارية تظهر أن هناك ثلاثة تكتّلات بارزة في بنغازي ودرنة، يمكن تحديدها كالآتي:

أولاً: قوات اللواء خليفة حتفر

تضم في الأساس ضباطاً سابقين في الجيش الليبي ممن شاركوا تحت قيادته في حرب تشاد خلال الثمانينيات، وهؤلاء رفضت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي دمجهم في الجيش مجدداً، وكتيبة «حسن الجويفي» في برقة الحمراء وهي أكبر كتائب الجيش الليبي في الشرق، وكتيبة أولياء الدم الذين قتل عدد منهم على أيدي الجماعات الإسلامية.

أطراف الصراع غير واضحة... التحالفات وتتغيّر ارتباطاتها بسرعة
كذلك تحالَف حتفر مع القبائل الكبرى في الشرق الليبي (العبيدات والبراعصة والعواقير والعرفة) بعد أن تمكن من إقناعهم بالانضمام إلى صفه، وهناك تأييد له من أنصار الحراك الفدرالي في البلاد. أما في غرب ليبيا الذي يتصف بالصراعات القبلية أكثر منها مع المتطرفين، فتمثل التشكيلات المحسوبة على «الزنتان» القوى الضاربة للتيار المدني في مواجهة الإسلاميين، وهي تؤيد عملية حفتر، ولا سيما أنها أعلنت سابقاً رفضها التمديد للمؤتمر الوطني الذي انتهت ولايته في السابع من شباط الماضي.
ثانياً: القوى المتشددة المستهدفة

على رأس القوى المستهدفة تنظيم أنصار الشريعة، وكتيبة شهداء 17 فبراير، وكتائب شهداء أبوسليم، وكتيبة شهداء راف الله السحاتي، ومتشددون آخرون في درنة التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة (جيش الشورى الإسلامي)، وأصبحت تلك المدينة معقلاً للتيار الجهادي وتعلن تحديها لبناء الدولة الليبية.
وقد أعلنت الولايات المتحدة أواخر العام الماضي أن «أنصار الشريعة» تنظيم إرهابي، وتتهم ما لا يقل عن 15 من قياداته بالضلوع في الهجوم على قنصليتها في بنغازي (11 أيلول 2012)، كذلك خطف التنظيم عدداً من عناصر الأمن الرسمية وبادلهم بزملائهم قبل أيام قليلة من انطلاق عملية «كرامة ليبيا».
أما كتيبتا «شهداء 17 فبراير» و«راف الله السحاتي» المعروفتان بقربهما من جماعة الإخوان الليبية، فهما تشكيلان مسلحان مثيران للجدل، وقد أصدرت رئاسة أركان الجيش قراراً يقضي بإخلاء مقر «شهداء 17 فبراير» قبل خمسة أيام، لكن الأخيرة لم تمتثل للقرار. أخيراً يبرز تنظيم «جيش الشورى الإسلامي» الذي أعلن أنه لن يخضع لسيطرة الدولة ووصفها بالكافرة، إضافة إلى جماعة تطلق على نفسها اسم «جيش تحكيم الدين»، وأعلنت أخيراً تبنّيها الهجوم على كتيبة الصاعقة 21 المعروفة بـ«شهداء الزاوية».

ثالثاً: القوات الحكومية

قوات الشرطة التابعة لمديرية أمن بنغازي وتشكيلاتها المختلفة من قوات الأمن والإسناد، وكذلك «قوات الصاعقة» التي يقودها العقيد ونيس بوخماده، وهي المتبقية من الجيش الرسمي، إضافة إلى قوات «الغرفة الأمنية المشتركة» التي تضم عناصر من الثوار والجيش والشرطة، ويقدر تعدادها بـ6 آلاف عنصر. كل هذه القوات لم تفرض يدها على المدينة وتعاني من «ظاهرة الولاءات الرخوة» وتضارب القرارات الصادرة من الجهات العليا في البلاد، أكانت الحكومة المؤقتة أم المؤتمر العام.
ولا يغفل دور قوات «درع ليبيا» المكونة من عدد من المجموعات المسلحة التي يبدو أنها تنتشر في ليبيا كلها، حتى إن مظهرها وسلوك أفرادها يشبه وحدات الجيش النظامي، وهي تتلقى فعلياً دعماً من وزارة الدفاع، لكن هناك من يحسبها على جماعة الإخوان، وتتهم بأنها ارتكبت جرائم حرب.
*****
هكذا انتقم العسكر من الإسلاميين

إيمان إبراهيم 

 في عرف الدول لا تستطيع دولة النظر إلى خطر محدق بأمنها من دون تصرف. رغم ذلك، تحافظ القاهرة على مسافة للتدخل في المشهد الليبي المتأزم، مع أن قيادياً عسكرياً يكشف أن تحرك حفتر يصبّ في مصلحة مصر

القاهرة | لا ترى الأوساط الأمنية المصرية أن حالة الاستنفار على الحدود مع ليبيا وليدة الأيام الماضية، فعناصر القوات المسلحة المنتشرة على الحدود الغربية يعيشون هذه الحالة منذ أن ظهرت «الميليشيات المسلحة» وقسمت ليبيا جغرافيّاً إلى مناطق نفوذ، لكنها تنظر «بعين الاطمئنان إلى الاستعدادات العسكرية في تأمين تلك الحدود» إلى جانب التنسيق على المستويات كافة بين قوات حرس الحدود والقوات الجوية والبحرية ووحدات التدخل السريع.

وتفيد مصادر عسكرية مصرية لـ«الأخبار» بأن «الجيش يتحمل مسؤوليته كاملة في ضبط المناطق المتاخمة للحدود الليبية أو حتى تأمين امتداده الاستراتيجي في الأراضي الليبية إذا تطلب الأمر ذلك، وخاصة مع استمرار محاولات تسلل بعض العناصر المسلحة إلى الداخل لتنفيذ عمليات تفجير وإرباك المشهد قبل الانتخابات الرئاسية».
على الصعيد السياسي، ابتعدت الخارجية المصرية خطوة عن الموقف الذي أفادت به المصادر السابقة، فقد أعلنت الوزارة أنها تتابع باهتمام التطورات المتسارعة في ليبيا، لكنها استنكرت في بيان صحافي أمس «محاولات من داخل ليبيا وخارجها للزج باسم مصر في التطورات الجارية هناك التي تعتبرها القاهرة شأناً ليبياً خالصاً». وأكدت الخارجية في البيان أن «مصر حكومة وشعباً مع إنهاء الانقسام الجاري على الساحة الليبية وحقن الدماء مع رفض أي تدخل خارجي في قضايا ليبيا الداخلية»،
وكان وزير الخارجية المصرية نبيل فهمي قد التقى نظيرة الليبي محمد عبد العزيز السبت الماضي قبل اقتحام مبنى المؤتمر الليبي العام (البرلمان)، وتحدثا عن اهتمام مصر بعقد «مؤتمر أمن الحدود» الذي كان من المخطط أن تستضيفه القاهرة. على جانب آخر، يشرح قيادي عسكري ليبي الأبعاد التي دفعت اللواء السابق في الجيش الليبي وقائد التحرك العسكري الحالي خليفة حفتر إلى التحرك نحو ملاحقة «الميليشيات التي تتشح بالثوب الإسلامي وباطنها جماعات مسلحة إرهابية»، ويقول لـ«الأخبار»، مفضلاً ألا يذكر اسمه تجنباً لأي تصفية جسدية قد تستهدفه، إن تلك الجماعات المسلحة بسطت سيطرتها على مساحات كبيرة من الأراضي الليبية ثم أقالت قرابة 2000 ضابط ليبي، بمن فيهم حفتر نفسه خلال توليها إدارة البلاد عام 2011».
وأضاف القيادي الليبي: «بعدما تمكنوا، نفذوا تصفية منهجية لكل المتقاعدين والمقالين من الجيش المنتشرين في مناطق شرق ليبيا ووسطها، وهو الأمر الذي دفع حفتر وعناصره إلى اتخاذ موقف ضد هذه المجرزة التي تعرض لها الضباط»، راصداً قتل الميليشيات قرابة 150 ضابطاً خلال الشهور الماضية، «كذلك قتلوا ضابطات سيدات متقاعدات منذ 10 سنوات، ثم هددوا حفتر وعناصره الموالية مباشرة».
ويزيد على أسباب التحرك الأخير الذي وصفه معارضوه والحكم المؤقت بالانقلاب، أن «الجماعات الإسلامية المسلحة وقعت في شرك الخوف بعد نجاح المتظاهرين المصريين في «30 يونيو» في القضاء على حلم جماعة الإخوان المسلمين وأملها في إقامة حكم إسلامي في مصر»، مشيراً إلى أن كل التيارات المسلحة المتحكمة في ليبيا قريبة من مشروع الإخوان رغم اختلاف مسمياتها وأفكارها ما بين جيش النصرة ودروع الإسلام وغيرها.
واتهم القيادي العسكري الليبي، وكيل وزارة الدفاع الليبية خالد شريف الذي يترأس حالياً الحرس الوطني بأنه يمول كل عمليات التسليح بين قطر وتركيا والجيش الحر في مدينة درنة، «والأخير يحتجز كل قادة الجيش كرئيس الاستخبارات العسكرية عبد الله السنوسي، ورئيس الأمن الخارجي أبو زيد دورده». واستطرد قائلاً: «النقاش حالياً يدور حول رد الاعتبار إلى بعض القبائل التي يمكن أن تدعم الجماعات الموالية لحفتر، وغالبيتها من أنصار القذافي وعلى رأسها قبائل بني وليد والمقارحة والجميل والعجيلات والقذاذفة؛ ليتصدوا جميعاً للتنظيمات المسلحة وتلك التابعة لتنظيمي القاعدة والإخوان، وخاصة أن هذه القبائل تتسم بالتعداد السكاني الأكبر والمهارة القتالية الأعلى بحكم رعاية القذافي لها واهتمامه بها». وشدد أخيراً على أن أنصار حفتر يحتاجون دعماً خارجياً من دول الجوار، ولاسيما في التسليح «لأنهم مجموعات تعتمد على الباقي من الأسلحة التي سرقت من مخازن القذافي، فيما تعتمد التنظيمات المسلحة على أسلحة تأتي لهم عبر الجسور البحرية والجوية من قطر وتركيا».
*****
تفاصيل «الانسحاب التكتيكي» من بنغازي

رغم إخفاق محاولته الأولى قبل أشهر، لم يكف اللواء خليفة حفتر عن التحشيد تمهيداً لعملية عسكرية كبيرة في المنطقة الشرقية من ليبيا بعد أن حصل على دعم من بعض القبائل وضباط قدامى. وبدأت محاولات حفتر في الانقلاب على السلطات المؤقتة ببيان تلاه عبر التلفاز وأحدث ضجة إعلامية، لكن لم يكن له صدى على الأرض.

وقالت مصادر في المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت إن معلومات استخبارية وصلت إلى رئيس المؤتمر وتفيد بوجود محاولة انقلاب، لكن قوة من الثوار مكلفة من الدولة أحبطت المحاولة بدهم القاعة التي أعلن منها البيان، ليصدر بعدها أمر من النائب العام بالقبض على حفتر الذي فرّ إلى الشرق حيث يواليه عناصر هناك.
عقب الحدث الأخير بأسابيع، بدأت تحركات اللواء من مدينة بنغازي لتجميع قوة عسكرية من ضباط متقاعدين وبعض من طاولهم قانون العزل السياسي وأبرزهم العقيد صقر الجروشي آمر القوات الجوية السابق.
فجأة برزت مدينة المرج التي تبعد ١٠٠ كم شرق بنغازي على سطح الأحداث، وتقول التقديرات إن جل قوة حفتر من تلك المدينة إضافة إلى ضواحي بنغازي كبنينا والرجمة والأبيار أو ما كان يعرف في عهد القذافي بالحزام الأخضر.
وقبل شهر احتل الموالون لحفتر قاعدة الرجمة الاستراتيجية، وأصدر آنذاك بعض ضباط القاعدة المعارضين بياناً يخلون فيه مسؤوليتهم عن الأسلحة والغازات الموجودة فيها، ثم استشعرت المجموعات المسلحة الخطر فاستدعت كل منتسبيها وحددت بعض المحاور التي يمكن عناصر حفتر الدخول منها.
صباح الجمعة الماضية، شنّ حفتر هجوماً استعمل فيه طائرة حربية أقلعت من قاعدة بنينا الجوية كما صرح بذلك المتحدث باسم القاعدة صالح الحاسي، واستهدفت الطائرة معسكر ١٧ فبراير بستة صواريخ نو «سي فايف» لكنها لم تحدث أضراراً، واستمر تحليقها مدة ساعتين في سماء بنغازي، الأمر الذي رأى فيه محللون أنه عملية لإرباك الخصم إلى حين استكمال العملية البرية.
لاحقاً بدأت العملية البرية التي انطلقت من الرجمة وبنينا لتشتبك العناصر بعضها مع بعض في منطقتي سيدي فرج والهواري، فتكبدت قوات حفتر خسائر في الأرواح بلغت نحو أربعين قتيلاً مقابل ثلاثين في الطرف الآخر.
وبعد هجوم آخر نفذته قوات حفتر في بنغازي، كلف رئيس المؤتمر الوطني العام باعتباره القائد الأعلى للجيش أحد القادة الميدانيين، هو زياد بلعم التنسيقَ مع الغرفة الأمنية المشتركة لتأمين المدينة وردع القوات المهاجمة، ولاحقاً أعلن اللواء المنشق انسحابه من المدينة لإعادة ترتيب صفوفه.
وتلفت التقديرات الأمنية إلى أنه يصعب على حفتر دخول بنغازي، لكن الساعات القليلة القادمة ستوضح مدى قدرة الأخير على تنفيذ عمليته وفق أهدافها في ظل انقسام الشارع بين مؤيد له ومعارض.

*****
ليبيا..حفتر يتوعد الإخوان والمسلحون يتوعدونه بمصير "القذافي"
قال اللواء خليفة حفتر , القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي ان "عملية الكرامة" التي تشنها قوات عسكرية موالية له منذ يوم الجمعة الماضي تهدف الى تطهير ليبيا من المتطرفين وجماعة الاخوان المسلمين.
وتوعد حفتر في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته اليوم الثلاثاء ، بتقديم كبار مسؤولي المؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت) والحكومة وجماعة الاخوان للمحاكمة في حال اعتقالهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي خلال فترة توليهم السلطة.
وانطلقت العملية التي يقودها حفتر من بنغازي, متجهة  الى العاصمة طرابلس , بينما تواصلت الاشتباكات المتقطعة في المدينتين منها مواجهات حول مبنى البرلمان في العاصمة ومواقع استراتيجية أخرى.
وفي تطور لاحق اقترحت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني , مبادرة مفاجئة مساء أمس لحل الأزمة الراهنة في البلاد , تضمنت عشر نقاط , وطالبت المؤتمر الوطني العام (البرلمان) بوقف عمله لحين اجراء الانتخابات العامة المقبلة.
ولم يصدر على الفور أي تعليق مباشر من نوري أبو سهمين رئيس البرلمان الذي أصدر قرارا مثيرا للجدل بتكليف قوة تضم مسلحين بالتمركز داخل العاصمة طرابلس.
في المقابل توعد تنظيم “أنصار الشريعة” الليبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمصير الديكتاتور المقتول معمر القذافي.
وقال التنظيم في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه اليوم “سنتعامل مع أي تحرك عسكري داخل بنغازي (شرق)، كما فعلنا مع القذافي وكتائبه خلال الثورة الليبية عام 2011 “.
وقتل القذافي بعد حكمه ليبيا لأكثر من 40 سنة في مسقط رأسه بمدينة سرت (شرق)، بعد أسره من قبل ثوار ليبيا، في أكتوبر/ تشرين أول 2011 .
ووجَّه التنظيم عبر بيانه رسائل إلى الليبيين وخاصة سكان بنغازي، قائلا “نقف مع مطالب شعبنا المسلم في مطالبته بالأمن والاستقرار تحت راية الشريعة الإسلامية، لا تحت راية ديمقراطية أو علمانية أو دساتير وضعية، كما ننادي قبائلنا الشريفة عريقة النسب أن تعلن صراحة مطالبتها إقامة الشريعة الإسلامية وأن تتبرأ من سفك دماء المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب”.
وتابع “لطالما كنا أحرص الناس على دماء المسلمين، لكن على الرغم من ذلك استمر إعلام التضليل في هجومه الشرس علينا بقيادة العلمانيين، وأتباع النظام السابق بتأييد من الغرب وبعض الدول العربية”.
هذا وتتابع الولايات المتحدة عن كثب الاوضاع في ليبيا الا انها لم تقرر بعد ما اذا كانت ستغلق سفارتها في طرابلس ام لا، حسبما اعلن مسؤول اميركي الاثنين.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي "نحن قلقون جدا ازاء اعمال العنف التي وقعت نهاية الاسبوع في طرابلس وبنغازي"، ودعت كل الاطراف الى "الامتناع عن اللجوء الى العنف".
وبينما اعلنت السعودية الاثنين اغلاق سفارتها في طرابلس واجلاء دبلوماسييها، اضافت بساكي "لم نتخذ اي قرارات حول اخراج طاقمنا من ليبيا".
والولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب في ليبيا منذ مقتل السفير كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين اخرين في هجوم في 2012 على القنصلية الاميركية في بنغازي.

______
(الأخبار) +وكالات

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

اليس من المفروض ان يجلس عقلاء المعارضة السورية سويا لاجراء مراجعة شاملة لتجربة السنوات الثلاث الماضية

    أبريل 29, 2014   No comments
عبد الباري عطوان
 وضع المعارضة السورية المسلحة بات “مقلقا” هذه الايام حيث بدأت الاضواء تنحسر عنها تدريجيا، وبشكل متسارع، في ظل تصاعد الانقسامات فيما بين قياداتها وفصائلها، وتقدم قوات النظام في بعض المناطق على الارض، ومضي الرئيس بشار الاسد قدما في خوض انتخابات رئاسية سيكون حتما هو الفائز فيهان دون اي اعتبار للانتقادات وحملات التشكيك في نزاهتها.
مؤتمر جنيف بنسختيه الاولى والثانية التي راهنت عليه المعارضة كسلّم للوصول الى هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة في حال موت سريري، ولا يزوره احد، وبدأ داعموه في الغرب يترحمون على روحه استعدادا لتكفينه ودفنه، اما منظومة اصدقاء سورية التي بدأت بمئة وستين دولة وانكمشت الى اقل من 11 دولة فقط، لم تجتمع منذ اشهر، واكتفت في الفترة الاخيرة باصدار البيانات الانشائية المكررة، واذا انتقلنا الى جامعة الدول العربية فانها تغيرت، بفعل عودة النفوذ المصري المتحالف ضمنيا مع النظام السوري، وتراجع النفوذ الخليجي نتيجة الازمة القطرية السعودية الى الانسحاب تدريجيا من الملف السوري، والتراجع عن منح الائتلاف المعارض مقعد سورية “الشاغر” فيها.

ولعل التطور الابرز هذه الايام هو كشف الدكتور احمد طعمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة رفض الولايات المتحدة الامريكية تسليم الجيش الحر صواريخ “مان باد” المضادة للطيران واعترافه في حديث لصحيفة “عكاظ” السعودية في الوقت نفسه بان الجيش الحر تسلم مضادات للدبابات والدروع، ولكنه طالب في الوقت نفسه بعقد مؤتمر للمعارضة تتم فيه مناقشة القضايا الخلافية لحل الخلاف بين الاركان الجديدة بقيادة العميد عبد الاله البشير والواء سليم ادريس قائد الاركان السابق.
***
المعارضة السورية كانت تأمل ان تتسبب اتهاماتها للنظام باستخدام غازات سامة ضد بعض المدنيين في مناطق سورية عديدة، في حشد العالم الغربي الى جانبها على غرار ما حدث اثناء اتهامات مماثلة باستخدام النظام اسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية قبل بضعة اشهر، ولكن هذه الآمال لم تتحقق، لان العالم الغربي مشغول بازمة اوكرانيا اولا، ولانه بات يتشكك بمصداقية هذه الاتهامات مثلما تبين من المقالة الطويلة الموثقة التي كتبها الصحافي الامريكي سيمون هيرش في صحيفة “لندن ريفيو اوف بوكس″ واتهم فيها تركيا بتزويد فصائل اسلامية متشددة لهذه الاسلحة الكيماوية، وان الادارة الامريكية تراجعت عن توجيه ضربات عسكرية لسورية بعد اضطلاعها على هذه الحقائق.
امريكا تعارض بشراسة تسليم المعارضة المسلحة لصواريخ مضادة للطائرات على عكس ما فعلت في افغانستان حيث زودت المجاهدين الافغان بصواريخ “ستينغر” الذين كانوا يقاتلون لاسقاط النظام الشيوعي وهزيمة وحلفائه السوفييت، فهي تدرك جيدا ان تسليم هذه الصواريخ يمكن ان يشل فاعلية الطيران الحربي السوري بأنواعه كافة، ويحسن موقف قواته المعارضة في ميادين الحرب، ولكنها تخشى ان تسقط هذه الصواريخ في ايدي الجماعات الاسلامية الجهادية وتستخدم بالتالي ضد طائرات مدنية وعسكرية اسرائيلية لاحقا.
افغانستان ليست مجاورة لاسرائيل، ولهذا لم تتردد واشنطن في تسليم صواريخ مضادة للطائرات السوفيتية الى المجاهدين، ورغم ذلك شقت هذه الصواريخ طريقها الى دولة قطر التي رفضت الادارة الامريكية في حينها بيعها لها، وعرضتها، اي دولة قطر، في عرض عسكري في منتصف الثمانينات كنوع من “المناكفة” للامريكان، الذين استشاطوا غضبا وطالبوا باستلامها فورا وكان لهم ما ارادوا.
المعارضة السورية جرى استخدامها كورقة ضغط من قبل حلفائها العرب والغربيين على حد سواء، ويبدو ان العمر الافتراضي لهذه الورقة بدأ يقترب من نهايته، ولعل تصريحات توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الاسبق، وممثل المعسكر الغربي في الشرق الاوسط، التي قال فيها انه يجب التوصل الى اتفاق مع الرئيس الاسد، واقامة تحالف جديد مع روسيا لمواجهة التطرف الاصولي الاسلامي تؤكد مجددا “انقلاب” سلم الاولويات بالنسبة الى الغرب، بحيث تراجع هدف اسقاط النظام السوري الى الاسفل، بينما صعدت اولوية مواجهة الجماعات الاسلامية في سورية وغيرها من دول المنطقة (العراق، ليبيا، اليمن، مصر) الى قمة السلم.
***
عندما كانت الثورة السورية سلمية تطالب بالتغيير الديمقراطي قال السيد زهير سالم مسؤول العلاقات الخارجية في حركة الاخوان المسلمين في سورية عندما زارني في مكتبي قبل عامين ونصف العام تقريبا بصحبة السيد حاتم الراوي، ان حركة الاخوان، وهو شخصيا، يعارض تسليح الثورة السورية، ويصر على التمسك بابقائها ثورة مدنية، لان النظام السوري سيكون المستفيد الاول من عملية التسليح هذه، واكد ان حركة الاخوان تعلمت دروس مجزرة حماة عام 1982، واتفقت معه في هذا الرأي.
كلام السيد سالم يتحقق، ولو جزئيا، على الارض هذه الايام، عسكريا، وسياسيا، بعد ثلاثة اعوام من انطلاق الثورة السورية، سؤالي هو: اليس من المفروض ان يجلس عقلاء المعارضة السورية سويا لاجراء مراجعة شاملة لتجربة السنوات الثلاث الماضية، وممارسة النقد الذاتي، واعادة النظر في كل السياسات والخطوات السابقة، وفحص نقاط الضعف والقوة وبناء استراتيجيات جديدة على ضوء ذلك؟
ربما يكون سؤالنا هذا سابقا لاوانه ولكن نجد لزاما علينا طرحه نحن الذين نقف في خندق سورية الشعب والتاريخ والحضارة حقنا للدماء وتقليصا للخسائر المادية والبشرية فكل سوري عزيز علينا ايا كان موقعه وعقيدته.

الثلاثاء، 18 مارس 2014

خيوط اللعبة | قطر والسعودية وأوكرانيا وواشنطن ساهمت في سقوط يبرود 

    مارس 18, 2014   No comments
سامي كليب
سقطت يبرود. لم يُحدث سقوطها ضجّة كبيرة في الإعلام العربي والغربي. كأنما أُريد لهذا السقوط أن يمرّ بأقل ضجة إعلامية ممكنة. الضجيج الإعلامي يُحرج حلفاء المعارضة السورية والمسلّحين. كيف ستُبرر دول كالسعودية وقطر وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها هذا الاختراق الاستراتيجي في صراع المحاور؟
جاء حدثان ساهما في تحويل الأنظار عن السقوط: استفتاء في القرم لمصلحة روسيا، وتفجير إرهابي في البقاع.
يطرح سقوط يبرود بهذه السرعة القياسية جملة من الملاحظات، أبرزها الآتي:

ــــ بات الجيش السوري وحليفه الأبرز حزب الله قادران، ببساطة لافتة وبأقل خسارة ممكنة، على السيطرة على منطقة استراتيجية كيبرود حين يقرران ذلك.

هذا يعني أن استراتيجيتهما القتالية تطوّرت على نحو كبير في العام المنصرم. يعني، أيضاً، أن هذا التطور ينذر باحتمال السيطرة قريباً على مناطق أخرى في سوريا. هذا سيحدث.
ــــ باتت الجماعات والكتائب العسكرية الأخرى في وضع معنوي صعب. ساهم في الأمر اقتتال هذه الجماعات لأشهر طويلة قبل يبرود، والعجز عن توحيد قيادة عسكرية، واشتداد عصب الجيش السوري، وانحسار البيئة الحاضنة التي باتت تريد عودة الدولة، واختفاء الفساد لدى بعض ضباط الجيش السوري. فساد ساهم في بداية الحرب السورية بتسليم مناطق ومستودعات كاملة.
ــــ ثمة تخلٍّ أميركي سيزداد في المرحلة المقبلة عن هذه الجماعات المسلحة لثلاثة أسباب، أولها العجز عن إسقاط النظام بالقوة، وثانيها القلق الكبير من الإرهاب الذي استحكم بالمسلحين، وثالثها عدم الثقة بالدول المموّلة لجهة التمييز بين الإرهابي وغير الإرهابي. فضلاً طبعاً عن رغبة واشنطن بعدم قطع خيط التفاوض والتقارب المهمين مع إيران.
ــــ مبادرة السعودية إلى وضع «النصرة» و«داعش» و«القاعدة» على لوائح الإرهاب ساهمت في تشتيت المسلحين وزرع البلبلة بينهم وارتفاع منسوب القتال. كانت الرياض راغبة في سحب ورقة محاربة الإرهاب من يد السلطة السورية وإيران وحزب الله، فإذا بها تضعف القدرات القتالية للمسلحين وتزعزع معنوياتهم.
ــــ الاشتباك السعودي ــــ القطري الذي انتهى بسحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، وإدراج الرياض جماعة «الإخوان المسلمين» على لائحة المنظمات الإرهابية، أحدثا بلبلة في صفوف معارضة الخارج التي كانت تمر عبرها عمليات التمويل والتسليح. ما يتسرب عن اجتماعات المعارضة يوضح حجم التباغض وتبادل الاتهامات حول المسؤولية عن الخسارة.
ــــ إرسال قطر إشارات إلى احتمال تغيير الرياح حيال سوريا والتقارب الكبير مع إيران، جعلا «جبهة النصرة» وبعض التنظيمات المسلحة التي قيل إنها قريبة من الدوحة تعتقد أنها باتت بلا غطاء ولا تمويل. بدأ قسم من الجهاديين يعودون إلى بلادهم أو يهربون من ساحات القتال لمجرد رؤية جنود الجيش السوري أو مقاتلي حزب الله.
ــــ نجاح إيران في جذب تركيا صوبها، إضافة إلى الأزمات المتلاحقة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الداخل، بدأ يلقي بظلاله على الدور التركي الفاشل في سوريا. كان من نتيجة ذلك أن الجيش التركي صار يضيّق الخناق على المقاتلين السوريين الموسومين بالإرهاب. ثمة معلومات عن أن الأمن التركي بدأ يضرب بعض العابرين عبر حدوده، حتى ولو لم تثبت ضدهم تهمة الإرهاب.
ــــ التحوّل الإعلامي والسياسي الدولي صوب أوكرانيا جعل الجيش السوري وحلفاءه يشعرون بأن الفرصة مناسبة لتسريع وتيرة الحسم من جهة، كذلك إن المعلومات المسرّبة من مقربين من الرئيس فلاديمير بوتين توحي بأن الرجل صار يرى في ورقة الحسم العسكري في سوريا سنداً له في معركته في القرم.
من المفترض، وفق الاستراتيجية العسكرية السورية، أن تستمر وتيرة إسقاط المناطق الكبرى على نحوها الراهن. سيكون ذلك بعمليات عسكرية نوعية كالتي شنها الجيش السوري وحزب الله، أو عبر مصالحات وعمليات استسلام. القرار المركزي هو السيطرة على المناطق الكبرى والاستراتيجية قبل الانتخابات الرئاسية في الصيف المقبل.
إذا كان البعض يرى في إسقاط يبرود ومناطق القلمون مشروعاً تقسيمياً عبر ربط الساحل السوري بدمشق، فإن خريطة المعارك المقبلة تناقض ذلك. حلب مقصودة بالخطط المقبلة، وكذلك دير الزور، وغيرهما. لا رغبة في إجراء الانتخابات الرئاسية من دون حلب.
بناءً على ما تقدّم، تبدو المنظومة العسكرية للمسلحين في وضع صعب، والغطاء الدولي والإقليمي في وضع أصعب. لكن السؤال الأخطر المطروح حالياً: ماذا ستفعل إسرائيل بعدما رأت أن تحالف إيران وسوريا وحزب الله وحلفائهم ضَمِن لجيوش هذه الدولة ومقاتليها قدرة عالية على القتال في مناطق صعبة أو في غير أرضهم المعهودة؟
لا شك في أن إسرائيل وحلفاءها أكثر القلقين، ذلك أن الحسم العسكري في سوريا يعني، أولاً، انتصاراً لمحور المقاومة من إيران إلى الضاحية الجنوبية، وثانياً إن إسرائيل ستكون في مواجهة جيوش ومقاومات لم تعهدها من قبل.
تحرّشت إسرائيل قبل فترة بسوريا وحزب الله لرصد احتمالات الرد. جاءها الرد من قلب فلسطين عبر صواريخ الجهاد الإسلامي المدعوم إيرانياً ثم من حدود لبنان. كانت الرسالة واضحة: نقل المعركة مجدداً إلى قلب إسرائيل قائم إذا ما سعت إلى قلب التوازن العسكري على الأرض السورية.
بهذه المعاني، بالضبط، كانت معركة يبرود استراتيجية بامتياز ،حتى ولو أن بعض الرد عليها سيكون عبر عمليات إرهابية في لبنان وسوريا. القيادة السورية تقول إن ما قبل يبرود ليس كما بعدها.

الجمعة، 14 مارس 2014

مشروع للمعارضة السورية: رحيل نظام الأسد مقابل اتفاقية سلام مع إسرائيل

    مارس 14, 2014   No comments
"ترحيل النظام + اتفاق سلام" مشروع طرحه منذ أيام المعارض السوري الدكتور كمال اللبواني، وتسرّبت معلومات عن تنسيق مسبق بشأنه مع أطراف عربية وإقليمية عديدة ودور للكونغرس الأميركي في الإعداد والتحضير له.
في هذا الحوار، نحاول مناقشة المعارض السوري كمال اللبواني في الورقة التي تم تسريبها مؤخرا، وتتبع الطريق التي مرّ بها قبل أن يتم إعلانه بالطريقة التي عرض بها، وآفاق القبول الشعبي والعربي والدولي لأكثر الملفات حساسية في التاريخ العربي المعاصر (العلاقة مع إسرائيل).

...

ويرى اللبواني أن “إسرائيل دولة توسعية، كما يقال، وهذا صحيح ولكن ما هي القدرات التوسعية لإسرائيل؟ عدة قرى حول القدس؟ أجزاء من وادي عربة؟ ولكن أنظر إلى القدرات التوسعية الإيرانية، التي تصل إلى اليمن والسعودية وسوريا ولبنان والعراق والبحرين وبقية الخليج، من هي الدولة التوسعية؟ إيران أم إسرائيل؟ هذا هو السؤال؟”. ويضيف : “القضية الفلسطينية، أو قضية العرب المركزية، التي حمل الشعب السوري مسؤوليتها طيلة السنوات الطويلة الماضية، تخلى عنها الجميع بمعناها النظري. فكان السادات أول من تمرّد على تلك الثوابت ووقع اتفاقية كامب ديفيد، ثم ياسر عرفات ذاته، والأردن، وكثير من الدول العربية والإسلامية، لماذا تريد أن يتحمّل المواطن السوري المسكين الفقير الذي فقد أسرته تحت قصف براميل الأسد، وتم تدمير بيته ومدينته، وصار مشردا في الأرض، لماذا تريده أن يتحمّل عبئا فوق كل أعبائه، بعد أن احترقت حمص وحلب ودير الزور وإدلب، على الشعب السوري أن يتحمّل وزر العروبة والقومية؟ ويؤلمني أن أسأل.. لماذا حين قام بشار الأسد بقصفنا بالسلاح الكيميائي لم تخرج عاصمة عربية واحدة بمظاهرات تندد بتلك الجريمة البشعة؟ بالنسبة إلي، الحق في الحياة هو الحق الأول، أمّي في عمّان تقول لي لا أريد منك شيئا سوى أن أموت في بلدي، يعني الحق في الدفن!”.

...

واصل القراءة »

الجمعة، 7 مارس 2014

السعودية تتبنى “القبضة الحديدية”.. وتتخلص من ارث الامير بندر بن سلطان في سورية.. قطر و”الجزيرة” قد تجرمان قريبا جدا بتهمة دعم “الارهاب الاخواني”.. و”دعاة التويتر” تنتظرهم اياما عصيبة وربما السجن

    مارس 07, 2014   No comments
عبد الباري عطوان
عندما تساوي المملكة العربية السعودية بين حركة الاخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة”، وتضعهما جنبا الى جنب في قائمة “الارهاب” التي تضم ست جماعات اخرى، فان هذا لا يعني، ومنذ الوهلة الاولى، انها قررت اعلان الحرب عليها، اي حركة الاخوان، وكل الدول الداعمة لها (تركيا وقطر)، وكل من يعتنق فكرها داخل المملكة وخارجها.

هذا القرار السعودي غير المسبوق صدر عن وزارة الداخلية السعودية ظهر الجمعة، وجاء بعد بضعة اسابيع من زيارة الامير محمد بن نايف وزير الداخلية الى واشنطن، ولقائه مع اركان الادارة الامريكية، وقادة اجهزتها الامنية على وجه الخصوص.

الامير محمد بن نايف الذي حل محل ابن عمه الامير بندر بن سلطان في الاشراف على الملف الامني السعودي بكل جوانبه الداخلية والخارجية، اراد ان يحكم قبضته على الداخل السعودي، ويقتلع جذور “الاسلام السياسي” الذي يشكل الخطر الاكبر على حكم آل سعود من وجهة نظره، بسبب تغلغه في المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تستطيع السلطات الامنية حجبها او السيطرة عليها بشكل كامل.

وصم حركة الاخوان المسلمين بالارهاب يعني تجريم معظم الدعاة السعوديين الكبار والصغار، وتشريع اعتقالهم، وتطبيق احكام القوانين الجديدة عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاث وعشرين عاما.
ومن ابرز هؤلاء الشيوخ محمد العريفي، سلمان العودة، ناصر العمر، محسن العواجي، عايض القرني، عبد الله المحيسني والقائمة طويلة.
وربما يجادل بعض هؤلاء بانهم ليسوا اعضاء في تنظيم الاخوان المسلمين، وهذا صحيح، فالتنظيم لا يصدر بطاقات عضوية فعلا وقد صرح رضا فهمي عضو مجلس شورى الاخوان ان الجماعة ليس لها اي تنظيم في السعودية، ولمنه اعترف “ان هناك من يؤمن بافكار الجماعة المعتدلة شأن الكثيرين في الدول العربية”، ولكن القانون نص صراحة على الصاق تهمة الارهاب بكل “من يقوم بتأييد التنظيمات او الجماعات او التيارات، او التجمعات، او الاحزاب او اظهار التعاطف معها، او الترويج لها، او عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة او خارجها”.
***
ولعل الفقرة الاخطر في البيان السعودي تلك التي تقول “يشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الاعلام المسموعة، او المقروءة، او المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى انواعها، المسموعة او المقروءة، او المرئية، ومواقع الانترنت، او تداول مضامينها بأي صورة كانت، او استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، او اي رموز تدل على تأييدها او التعاطف معها”، وهي فقرة اغلقت كل الثقوب والثغرات في وجه اي محاولة للتعبير خارج اطار وسائل الاعلام الرسمية!
بمعنى آخر ان مشاركة دعاة سعوديين في اجتماعات ولقاءات هيئة كبار العلماء المسلمين الذي يتزعمه الشيخ يوسف القرضاوي تضعهم تحت طائلة قانون الارهاب، والشيء نفسه ينطبق على كل من يظهر على قناة “الجزيرة” او يضع شعار ميدان رابعة العدوية الاصفر بالاصابع الاربعة، وهناك عشرات الآلاف من السعوديين يضعون هذه الشعار على صدر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي مثل “التويتر” و”الفيسبوك” وغيرها، ومن بين هؤلاء دعاة كبار وصغار وطلاب علم.
السلطات السعودية تشعر فيما يبدو ان الخطر بدا يطرق ابواب بيتها الداخلي بقوة، وان اعمال التمرد والعنف قد تتصاعد داخل العمق السعودي، بعد ان طال امد الازمة السورية، ودخول الحرب فيها عامها الرابع، وتقدم اولوية مكافحة الارهاب على الارض السورية على اولوية اطاحة النظام التي كانت تتقدم على ما عداها في بداية الازمة.
المملكة العربية السعودية ونظام الرئيس بشار الاسد اصبحا في خندق واحد في مواجهة “الارهاب”، والقوانين الجديدة تؤكد هذه الحقيقة الصادمة بشكل او بآخر، بما في ذلك تجريم مشاركة المواطنين السعوديين في القتال على الارض السورية، واعطائهم مهلة اسبوعين للعودة فورا والا واجهوا عقوبات بالسجن تصل الى عشرين عاما.
من الواضح ان الامير محمد بن نايف الذي يقف خلف هذه القوانين ومراسيمها قرر التخلص بصورة نهائية من ارث ابن عمه بند بن سلطان، وان واعادة النظر في مفهوم التدخل السعودي العسكري تدريجيا في سورية، وان يزيل عن بلده اي شبه بدعم الارهاب لما يمكن ان تنطوي عليه هذه التهمة من عواقب قانونية دولية مستقبلا.
مسؤول امارتي قال لي قبل عشر سنوات، ان بلاده خسرت اكثر من 15 مليار دولار لتنفي عن نفسها هذه التهمة بسب مشاركة مواطن يحمل جنسيتها في هجمات الحادي العشر من سبتمبر (مروان الشحي)، فترى كم خسرت المملكة التي شارك 17 من حملة جنسيتها في هذه الهجمات؟
وما دمنا نتحدث عن الازمة السورية، فان السؤال الذي يطرح نفسه سيكون عن موقف المملكة من الائتلاف الوطني السوري الخيمة التي تنضوي تحتها معظم فصائل المعارضة السورية، ومن بينها حركة الاخوان المسلمين السورية، فهل ستسحب اعترافها بهذا الائتلاف، ام انها ستشترط استمرار اعترافها بطرد جميع الاعضاء المنتمين لهذه الحركة في هيئة قيادة المعارضة؟ سننتظر لنرى!
وومن غير المعتقد ان التجريم بتهمة الارهاب لن ينطبق حتما على الافراد والجماعات فقط، وانما على الدول ايضا، والمقصود هنا دولة قطر التي تقدم الدعم المالي والاعلامي والسياسي لحركة الاخوان المسلمين وتعترف بذلك علنا وترفض كل الضغوط لتغيير موقفها هذا، مثلما تقدم المأوى والحماية لقياداتها التي لجأت اليها، فاذا كانت جريمة الفرد الذي يجمع المال لحركة الاخوان السجن عشرين عاما فما هي عقوبة الدول التي تقدم لهم المليارات؟
لا نستغرب، بل لا نستبعد، اذا ما قامت القوات السعودية باقتحام الحدود القطرية “يوما ما” بسبب دعم دولة قطر لحركة “ارهابية” تهدد امن واستقرار المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر ومصر ايضا، سواء كانت هذه الحركة هي الاخوان المسلمين او حركة “الحوثيين” في شمال اليمن التي وضعت على قائمة الارهاب السعودية ايضا، وقال الامير سعود الفيصل في اجتماع وزراء الخارجية لدول الخليج  الاخير في الرياض ان بلاده تملك وثائق رسمية بدعم قطر لهذه الحركة بالمال والسلاح.
***
محطة “الجزيرة” القطرية ربما تكون اول محطة ستوضع على قائمة المحطات “الارهابية”، لانها تستضيف يوميا قيادات في حركة الاخوان المسلمين وتغطي احتجاجاتها المناهضة للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر، ولن يكون مفاجئا بالنسبة الينا اذا ما تعرضت مكاتبها للاغلاق اليوم قبل غدا، او حتى تعرضت مقراتها للقصف، الم يفكر الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش بقصفها، وتشاور مع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا جديا حول هذا الامر، حسب ما جاء في وثائق ويكيليكس؟ الم يطالب ملك عربي الرئيس بوش نفسه بتوجيه واحد من الصواريخ الذاهبة الى العراق لقصف مقر “الجزيرة” في الدوحة؟
نشم رائحة حرب في منطقة الخليج، حرب اعلامية وربما تتبعها حرب عسكرية، فالتوتر في ذروته، ووساطات “بوس اللحى” السابقة لم تعد تجدي نفعا، فقد اتسع الخرق على الراقع.
السلطات السعودية تقدم على مغامرات خطيرة جدا وتستعد للمواجهة على اكثر من جبهة، وتلجأ وبصورة اكثر قوة للقبضة الحديدية، لتكتيم الاصوات، وتقييد الحريات، في وقت تثور فيه الشعوب من اجلها، ولا بد ان هناك اسباب لا نعرفها تدفعها للذهاب الى هذه الدرجة من التشدد في هذا المضمار.
منطقة الخليج تقف حاليا على حافة تطورات غير مسبوقة لا يستطيع احد التنبؤ بنتائجها مهما اوتى من علم وبعد بصيره، فيبدو ان سياسة محاربة الثورات المطالبة بالديمقراطية في نهدها كأسلوب وقابة قد فشلت ولا بد من سياسة جديدة بديلة لتحصين الداخل من خلال القبضة الحديدية، السياسة التي اتبعها النظام السوري، ولكن باساليب غير دموية، وهذا لا يعني انها قد لا تتطور الى الحلول الامنية العسكرية لاحقا.
السعودية التي كنا نعرفها طوال الثمانين عاما الماضية تقف على ابواب مرحلة جديدة من التغيير، سنترك الحكم للمستقبل عما اذا كان هذا التغيير للافضل او الاسوأ.

الأربعاء، 26 فبراير 2014

«الجماعة» غاضبة من الحريري: انقلب على مبادئه

    فبراير 26, 2014   No comments
غسان ريفي

تتسع الهوة تدريجياً بين الرئيس سعد الحريري وبين «الجماعة الإسلامية» التي تعتبر قيادتها أن «رئيس الحكومة السابق يضع نفسه، عن قصد أو عن غير قصد، في مواجهة المشروع الإسلامي في المنطقة، بعدما شكل الإسلاميون في لبنان رافعة سياسية أساسية له بعد استشهاد والده، وقد استخدمهم منذ العام 2005 في مواجهة خصومه».
حتى الأمس القريب، كانت «الجماعة» تغض النظر عن برقيات التهنئة المتكررة التي أرسلها إلى «الانقلابيين» في مصر وفي أكثر من مناسبة. وقد حاولت البحث عن «أسباب تخفيفية» لموقف الحريري من «الانقلاب على الشرعية الدستورية في مصر الكنانة»، وبذلت جهوداً لإقناع قواعدها أن المواقف يتّخذها تيار «المستقبل» لا تعبّر عن حقيقة الموقف الضمني للرئيس الحريري. خصوصاً أن الحريري نفسه ونواب «المستقبل» والرئيس فؤاد السنيورة كانوا من طلائع المؤيدين للثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، رغم تحالفهم معه قبل ذلك!

في رأي قيادات من «الجماعة الإسلامية» أن مواقف تيار «المستقبل» المتقلّبة مما يحصل في مصر هي تعبير عن عدم وجود استراتيجية واضحة وموقف ثابت، أو أنها تعبير عن «انتهازية» في «المستقبل» الذي يبدو أنه ينقلب على نفسه وعلى تحالفاته ويلتحق بـ«القوي».
ويعتقد أصحاب هذا الرأي في «الجماعة الإسلامية» أن تيار «المستقبل» لا يعبّر عن «براغماتية» في التعاطي مع ما يجري في مصر، وإنما يعبّر عن نزعة قادة «المستقبل» بـ«أن يلتحقوا بالواقع الذي يمكنهم الاستفادة منه».
ويذكّر أصحاب هذا الرأي بأن «الحريري خاصم سوريا واتهمها باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم عندما أدرك أن المزاج الدولي مع بشّار الأسد ذهب إليه وتبادل معه القبلات واعتذر عما أسماه يومها الاتهام السياسي، ومنحه صك براءة من التهمة، ثم لما حصلت الثورة في سوريا عاد وانقلب مجدداً على مواقفه. كما أن الحريري كان حليفاً للرئيس المخلوع حسني مبارك حين كان في السلطة وكان نظام مبارك حليفاً استراتيجياً له، حتى أن القاهرة صارت آنذاك قبلة الحريري والمستقبليين، ولما سقط مبارك سرعان ما تبرأ منه الحريري والسنيورة وبالتالي كل الذين كانوا يصفقون له، وساروا مع ثورة مصر التي انتخبت محمد مرسي رئيساً وصاروا حلفاء وشركاء في الغنم مع ثورة مصر، ولما حصل الانقلاب على الشرعية ساروا مع الانقلابيين».
تبعاً لذلك، تنظر قيادة «الجماعة الإسلامية» بعين الغضب إلى الزيارة التي قام بها الحريري الى مصر ولقائه رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور ووزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي. وهي إذا كانت غضت الطرف عن مواقف الحريري الإيجابية ممن تسميهم «الانقلابيين» على حكم الرئيس محمد مرسي في مصر، فان هذه الزيارة كانت بمثابة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» وهي دفعت عدداً من قياداتها الى المطالبة بإعادة النظر في العلاقة التي تربط الجماعة بالحريري.
ومما يثير استغراب قيادات «الجماعة»، هو أن الحريري «لم يكن مضطراً للقيام بهذه الزيارة على رأس وفد نيابي من تيار المستقبل، خصوصا أنه ليس رئيساً للحكومة، وليس ممثلاً للسلطة في لبنان، لكي يدفعه البروتوكول أو العلاقات بين الدول الى زيارة مصر في هذا الوقت بالذات، علماً أن أكثر الحكومات العربية لا تتواصل مع المشير السيسي، والدليل على ذلك ندرة زيارات المسؤولين العرب الى مصر».
وتعتقد هذه القيادات أن «السيسي يفتش اليوم عمن يزوره في مصر بهدف توسيع باب الاعتراف بالانقلاب على حكم الاخوان المسلمين، وأن زيارة الحريري لم تكن موفقة، لكونها جعلته ينقلب على مبادئه وعلى مبادئ ثورة الربيع العربي، وهي ستؤدي الى محاصرته في الشارع العربي».
ويقول رئيس المكتب السياسي لـ«الجماعة الإسلامية» عزام الأيوبي لـ«السفير»: «إن الزيارة جاءت ترجمة لمواقف سعد الحريري الإيجابية من الانقلابيين على الشرعية في مصر، وهو سيدفع ثمن هذه التصرفات في الساحة اللبنانية نتيجة انقلابه على المبادئ التي لطالما نادى بها، حيث يعتبر نفسه لبنانياً في مواجهة السلاح الذي ينقلب على الإرادة الشعبية، بينما هو في مصر يدعم السلاح الذي انقلب على الإرادة الشعبية، وهو في لبنان مع شرعية الدولة والمؤسسات، بينما في مصر يقف الى جانب من انقلبوا على الدستور والمؤسسات، فضلاً عن أن الساحة الإسلامية في لبنان ترى أن السيسي ومن يقف وراءه من قوى إقليمية ودولية، يحضرون لهجمة شاملة على المشروع الإسلامي في المنطقة العربية ككل، وبالتالي فإن الحريري وعبر الخطوات التي يتخذها يضع نفسه في مواجهة المشروع الإسلامي ومن يؤمن به».
ويلفت الأيوبي الى أن الحريري «يقوم، عبر مواقفه وتصرفاته، بتضييق المساحات المشتركة التي كانت تجمعه مع كثير من المكونات الإسلامية، وإن استمراره بهذا السلوك يؤدي الى محاصرته، وسيجعل تصريحاته وطروحاته الانفتاحية مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق».
ينفي الأيوبي قيام تحالف سياسي بين «الجماعة» والحريري، معتبراً «أننا نتعاون في بعض الملفات المحددة، وأن استمرار هذا التعاون رهن بالظروف القائمة»، منتقداً «عدم ثبات الحريري على موقف محدد».
ويضيف: «لقد كنا من المنادين بضرورة السعي لتشكيل الحكومة، لكن سعد الحريري رفع السقف في هذا الإطار الى أعلى المستويات، ومن ثم تراجع عند أول محطة تفاوضية وفاجأ كل من سار خلفه، وبالتالي فهو لم يكن مضطراً للتصعيد ومن ثم التراجع، خصوصاً أن جمهوره لم يعد راضياً عن هذه التناقضات التي تضيّع بوصلة تحركاته».
ويؤكد الأيوبي أن «ليس من مصلحة الحريري دعم من يقوم بمحاربة المشروع الإسلامي في المنطقة، وأن يتبرأ في كل مناسبة وعند كل محطة من الإسلاميين الذين دعموا مسيرته»، مشيراً الى أن «هذا المشروع يتعرض اليوم لكل أنواع المؤامرات بهدف ضربه وإضعافه»، معرباً عن رفضه «لكل الأعمال التخريبية والإرهابية التي تنسب الى الساحة الإسلامية في المنطقة، والتي تصب جميعها في استهداف مشروعها».
__________
  جريدة السفير

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

«النصرة» تتحالف مع «الجبهة الإسلامية» برعاية سعودية... «الجيش الحر» يتلاشى ... و«داعش» ينعزل

    ديسمبر 17, 2013   No comments
ما حدث في منطقة باب الهوى بريف إدلب على الحدود مع تركيا من سيطرة الإسلاميين المتشددين على مقار ومستودعات «الجيش الحر»، لم يكن سوى الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة من المهانات والهزائم التي تعرّض لها هذا «الجيش» في محاولته إيجاد مكان له تحت شمس «التنظيمات الجهادية» التي انتشرت كالسرطان فوق الأراضي السورية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
تداولت الفصائل الإسلامية، «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«أحرار الشام»، التلاعب بمكوّنات «الجيش الحر» غير المتناسقة أساساً، فأنهكته من الداخل عبر الانشقاقات الكثيرة التي تعرّض لها من ألوية وكتائب كانت تعتبر جزءاً مهماً منه، قبل أن تنقضّ «الجبهة الإسلامية»، بعد تشكيلها بحوالي الأسبوع، على ما تبقى منه وتوجه له الضربة القاضية في معبر باب الهوى.

لم يكن «الجيش الحر» في حاجة إلى من ينعاه، فقد نعى نفسه بنفسه عندما خرج قائده اللواء سليم إدريس وأقرّ بأنه هو من طلب الحماية من «الجبهة الإسلامية»، فـ«الجيش» الذي لا يحمي نفسه هو «جيش» ميت بلا خلاف.
ولا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة، أن توجه الضربة القاضية إلى «الجيش الحر» في هذا التوقيت الحساس الذي يسبق انعقاد مؤتمر «جنيف 2» في 22 كانون الثاني المقبل، لا سيما أن «الجبهة الإسلامية» التي تولّت تنفيذ هذه الضربة، ترفض انعقاد المؤتمر وتسعى إلى إفشاله بأي طريقة ممكنة، لأنها ترى فيه توافقاً دولياً على بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة كغطاء لشن حرب ضروس على الجماعات الإسلامية المتشددة، أو ربما هي تتذرع بذلك بينما وراء رفضها للمؤتمر الدولي أسباب أخرى تتعلق بطبيعتها الرافضة للديموقراطية والمدنية والمشاركة في الحكم مع العلمانيين. فكان القضاء على «الجيش الحر» وإخراجه من المشهد، هو السبيل لإفشال المؤتمر، فـ«الجيش الحر» هو الجناح العسكري لـ«الائتلاف الوطني» المعارض الذي يفترض أن يشكل وفد المعارضة إلى جنيف، فمن سيرضى التفاوض مع «ائتلاف» لا يملك شيئاً على الأرض؟ وماذا بإمكان «الائتلاف» أن يقدم بعدما تلاشى جناحه العسكري؟
ولأن السعودية هي الدولة الإقليمية الأكثر تشدداً في رفض «جنيف 2»، وسعياً إلى إفشاله من جهة، وهي راعية «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش، الذي يعتبر أحد أهم مكونات «الجبهة الإسلامية» من جهة ثانية، فإن ما حدث عند معبر باب الهوى لا يمكن أن يكون قد جرى من دون ضوء أخضر سعودي، إن لم تكن هي التي خططت ودعمت وحرّضت على ذلك.
وللإشارة فإن الحديث عن «جيش موحد»، يضم كبرى الفصائل الإسلامية لم يبدأ جدياً إلا بعد زيارة زهران علوش إلى السعودية في موسم الحج الماضي. وقد تسرّبت معلومات كثيرة عن هذه الزيارة، سواء لجهة لقاء علوش مع ضباط استخبارات سعوديين، واجتماعه مع شيوخ ورجال أعمال داعمين للفصائل المسلحة، أو اجتماعه الملتبس مع الشيخ سليمان العلوان، الذي يعتبر من أكبر مؤيدي تنظيم «القاعدة» في السعودية. وبعد عودة علوش من زيارة الحج بدأ الحديث عن سعي الفصائل للتوحد ضمن «جيش واحد» أو جبهة واحدة أطلق عليها لاحقاً اسم «الجبهة الإسلامية»، وضمت «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«لواء التوحيد» و«صقور الشام» و«لواء الحق»، وهي مكوّنات غير متناسقة عقائدياً وإيديولوجياً، إذ بينما تنتمي «أحرار الشام» إلى تيار السلفية «الجهادية»، فإن صقور الشام أقرب إلى فكر جماعة «الإخوان المسلمين»، بينما «جيش الإسلام» خليط هجين بين «الإخوان» و«السرورية» و«الجامية» (تياران دينيان في السعودية)، أما «لواء التوحيد» فما زال يعاني من العشوائية والفوضى ولم يستطع أن يحسم انتماءه بسبب تكوينه الهجين من ألوية وكتائب فرض عليها التوحد في بداية معركة حلب منذ عام ونيف.
وكان من أبرز ثمرات زيارة علوش إلى السعودية، التقارب الذي حصل بينه وبين «جبهة النصرة»، وذلك بعد عامين من الخصومات وتبادل الاتهامات، حتى أن مفتي «جيش الإسلام» الشيخ أبو عبد الرحمن الكعكي طالما وصف «جبهة النصرة» بأنهم خوارج، ولكن على ما يبدو فإن علوش سمع في السعودية كلاماً واضحاً بضرورة التقارب مع «تنظيم القاعدة في بلاد الشام» (جبهة النصرة)، وقد يكون لقاؤه مع الشيخ سليمان العلوان، أحد أكثر المغضوب عليهم من السلطات السعودية (هو بانتظار تنفيذ حكم يقضي بحبسه 15 عاماً)، البوابة التي أتاحت لهذا التقارب أن ينجح، كما لا يمكن التصديق بأن علوش التقى بالعلوان فوق الأراضي السعودية من دون ضوء أخضر أو مباركة من استخباراتها.
وبينما خرج علوش قبل يوم واحد من إعلان تأسيس «الجبهة الإسلامية»، كي يفسر الخلافات السابقة مع «النصرة» ويعلن أنهما في صف واحد وأنه سبق والتقى بزعيمها أبو محمد الجولاني، كانت «جبهة النصرة» في اليوم التالي ترد التحية بمثلها حيث باركت تأسيس «الجبهة الإسلامية»، ورأت فيها عبر لسان مسؤولها «الشرعي» أبو ماريا القحطاني جهداً مشكوراً لتوحيد صفوف المسلمين.
علاوة على أن العديد من المصادر تحدثت أن «جبهة النصرة» كانت في صلب المفاوضات بين الفصائل الإسلامية بخصوص تأسيس «الجبهة الإسلامية»، وأنه كان يجري إطلاعها على المجريات أولاً بأول، ما يشير إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين «الجبهة الإسلامية»، المدعومة سعودياً، و«النصرة - فرع القاعدة في الشام».
كذلك فإن التقارب بين «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، رغم الاختلاف العقائدي بينهما، يأتي في إطار الرغبة السعودية بمثل هذا التقارب لمواجهة استحقاق «جنيف 2». وقد يكون السؤال عن سبب عدم توحد «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» قبل عام من الآن، كاشفاً عن المصلحة التي استجدت ودفعتهما إلى التوحد بعدما كان كلّ منهما ينتمي إلى جبهة مختلفة، فـ«أحرار الشام» كانت خلال العام الماضي ضمن «الجبهة الإسلامية السورية»، بينما كان «لواء الإسلام» ضمن «جبهة تحرير سوريا الإسلامية»، وكان بينهما من المشاحنات والخلافات الكثير. ويكفي أن نشير الى أنه قبل أسابيع من تشكيل «الجبهة الإسلامية»، كان «أحرار الشام» قد انسحب من غرفة العمليات الرئيسية في دمشق بعد أسبوع من تشكيلها بالاشتراك مع «لواء الإسلام»، وفي اليوم الذي تلى إعلان تشكيل «جيش الإسلام» من اتحاد ما يزيد عن ستين كتيبة ولواء.
ومرةً أخرى نجد أن تنظيم «القاعدة» يكون هو المستفيد من هذا التقارب، لأن حركة «أحرار الشام»، علاوة على انتمائها لتيار السلفية «الجهادية»، فإنها تنطوي على تيار كبير يتبع «القاعدة» في خراسان، والذي يقوده أيمن الظواهري. ويكفي كدليل على ذلك أن نشير إلى أن أبا خالد السوري، الذي اختاره الظواهري ليكون منتدباً من قبله للإشراف على حل الخلاف بين الجولاني وأبي بكر البغدادي، ووصفه الظواهري بأنه «من خير من عرفنا وخبرنا»، وكذلك كان ثاني شخصية بعد عطية الله الليبي يقوم أبو مصعب السوري بإهدائه كتابه الشهير «دعوة إلى المقاومة الإسلامية». وهو في الوقت ذاته قيادي كبير في «أحرار الشام»، ولا يخاطبه «المسؤول الشرعي لتنظيم القاعدة في بلاد الشام» أبو ماريا القحطاني إلا بقوله «شيخنا»، إضافة إلى أن «كتيبة الفرقان» تنتمي إلى «أحرار الشام» ومعظم عناصرها من «المهاجرين» أتباع تنظيم «القاعدة» والمقاتلين السابقين في أفغانستان والبوسنة والعراق. فهل يعقل أن يتقارب زهران علوش رجل السعودية الأول في سوريا مع «القاعدة» وقادته ورجاله من دون موافقة من داعميه ومموّليه وضباط الاستخبارات المشرفين عليه؟
وحده «داعش» كان خارج المعادلة السعودية الجديدة، لكنه مع ذلك كان مفيداً لها، لأن الحملة الإعلامية التي شنت على التنظيم بهدف شيطنته وتسليط الأضواء على أخطائه وجرائمه، انعكست إيجاباً على سمعة «جبهة النصرة»، وهو أتاح لبعض التشكيلات أن تتخذ قرار التقارب مع «النصرة» بعد أن كانت ترى في بيعة الجولاني للظواهري خدمة للنظام السوري فقط، كما في بيان «أحرار الشام» في نيسان الماضي على سبيل المثال. وأدّى ذلك في النتيجة إلى انعزال «داعش» عن باقي الفصائل في ظل رأي عام ينظر إليه على أنه أسوأ من تنظيم «القاعدة».
هذه العزلة، سواء اعترف بها أنصار البغدادي أم لا، فإنها موجودة وأصبح بالإمكان ملاحظتها من دون بذل جهد كبير، وقد تكون ترجمتها الأهم هي ذلك الانطباع المنتشر عن أتباع «داعش» في سوريا حيث يجري تصويرهم على أنهم متوحشون ملثمون مجهولون، ديدنهم التكفير وسفك الدماء، وقد دخلت مؤخراً وسائل إعلام كبيرة لتعزيز هذا الانطباع وتسويقه، في مقابل تبييض صفحة باقي الفصائل الإسلامية المتشددة التي لا تختلف كثيراً في سلوكياتها عن «داعش».
والبغدادي يعرف أنه في مواجهة صعبة، وقد تكون أصعب بكثير من مواجهة «الصحوات» في العراق خلال السنوات الماضية، لأن من يواجهه هذه المرة هم أرباب «الجهاد» وأمراؤه وقادته التاريخيون. ويوماً بعد يوم يغرق البغدادي في تفاصيل هذه المواجهة التي تشكل هاجسه الأكبر، وهو ما ينذر بتطورات خطيرة على الساحة السورية، لأن هذه الساحة تشكل حالياً المنفذ الوحيد أمام البغدادي ليثبت صحة توجهاته ومصداقية بيعته ومشروعية دولته، وسوف يضرب بلا هوادة يميناً وشمالاً، غير عابئ ببحر الدماء التي تسيل من ضرباته، ما دام بريق الخلافة يلمع أمام عينيه من وراء كل هذه الدماء.

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.