‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر الإسلامي الحديث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفكر الإسلامي الحديث. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 2 يوليو 2014

حزب التحرير: إعلان دولة الخلافة لا قيمة له ... لغو لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة

    يوليو 02, 2014   No comments
 إعلان دولة الخلافة لا قيمة له ... لغو لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة
Hizb Tahrir main idea

اعتبر حزب التحرير الإسلامي إعلان تنظيم الدولة الإسلامية قيام دولة الخلافة الإسلامية "لا قيمة له"، واصفا الدعوة لبيعة أبو بكر البغدادي "أميرا للمؤمنين" بأنها "لغو لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة".

وقال الحزب -الذي يتبنى فكرة إعادة إحياء الخلافة الإسلامية- في تصريح صادر عن الناطق باسمه ممدوح أبو سوا قطيشات :

_______________
بسم الله الرحمن الرحيم


إن إعلان بيعة أمير تنظيم دولة العراق والشام بالخلافة هو لغو لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة بأنه حركة مسلحة قبل إعلان البيعة وبعد إعلان البيعة، وذلك لأنه لا سلطان حقيقي لهذا التنظيم على أرض سوريا أو أرض العراق، ولا يتحقق به الأمن والأمان في الداخل أو الخارج، ولا يمكن أن يكون لدولة الخلافة وجود حقيقي بدون سلطان حقيقي على الأرض وهكذا فإعلان التنظيم للخلافة هو لغو لا مضمون له، دون حقائق على الأرض ولا مقومات.

إن أي جهة تريد إعلان الخلافة في مكان ما فإن الواجب عليها أن تتبع طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومنها أن يكون لها سلطان ظاهر في هذا المكان يحفظ فيه أمنه في الداخل والخارج، وأن يكون هذا المكان فيه مقومات الدولة في المنطقة التي تعلن فيها الخلافة، فكيف يكون المكان دولة خلافة وليس هو دولة أصلا ولا توجد فيه مقومات الدولة.

فهذا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة: فقد كان السلطان فيها للرسول صلى الله عليه وسلم والأمان الداخلي والخارجي بأمان سلطان الإسلام، حيث كان صلى الله عليه وسلم يرعى الشئون، ويقود الجيش، ويقضي بين الخصوم، ويرسل الرسل، ويستقبلهم علناً دون خفاء وكان لها مقومات الدولة في المنطقة المحيطة.

ومع هذا فإن أمر الخلافة أعظم من أن يشوه من صورتها أو يغير من واقعها إعلان هنا أو إعلان هناك لأن أمر الخلافة ظاهر للعيان يعرفه المسلمون القاصي منهم والداني فهي دولة حقيقية وقد بيَّن الشرع طريقة قيامها وكيفية استنباط أحكامها في الحكم والسياسية والاقتصاد والعلاقات الدولية... ، وإن قيامها لا يكون خبراً تتندر به وسائل الإعلام المضللة، بل يكون بإذن الله زلزالاً مدوياً يقلب الموازين الدولية، ويغير وجه التاريخ ووجهته...
فهي ليست إعلاناً لاسم دون مسمى يُطلَق في المواقع الإلكترونية أو وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، دون أن يكون لذلك الإعلان أي واقع أو وقائع على الأرض.
وسيكون لإعلان قيام دولة الخلافة بإذن الله أثرا مزلزلا تهتز له عروش الطغاة في الغرب الكافر وأذنابهم في الشرق والغرب، فهي الدولة التي عرفها العالم وعرف وزنها ومعناها لأكثر من ثلاثة عشر قرنا فهي ليست كيانا كأي كيان ولا دولة كأي دولة.

إن إقامة الخلافة فرض على المسلمين جميعا وليست فرضا على حزب التحرير فحسب، فمن أقامها بحقها يُتَّبع، أما والأمر ليس كذلك، فلا مقومات دولة ولا سلطان على الأرض ولا أمن ولا أمان، فإن إعلان تنظيم الدولة إقامة الخلافة لا قيمة له ولا أثر، وذمة المسلمين ما زالت مشغولة بواجب إقامة دولة الخلافة حتى قيامها. وسيبقى حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله لا يخفي حقا ولا يمتنع عن الوقوف عنده، ولا يهادن ولا يجامل على حساب الحق والحقيقة، وسيبقى عاملا في الأمة ومعها لإقامة دولة الخلافة الإسلامية كما أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم دولة لها السلطان والأمان تحكم بالإسلام على منهاج النبوة.

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير
ممدوح أبو سوا قطيشات

3 رمضان 1435 هـ
1\7\2014 م
______________________________________________________________
البغدادي على «نهج بن لادن»: العالم مـقسوم إلى فسطاطين! 
صهيب عنجريني

نُشرت أمس كلمة صوتية مسجلة لزعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، حرص فيها على توجيه خطاب «شرعي» في كثير من مفاصله، وتمسّك بالظهور في مظهر «خليفة المسلمين»، وزعيمهم الأوحد، عبر «عولمة» مضامين الرسالة التي تضمنت «دعوة المسلمين إلى الهجرة نحو دولة الخلافة»، والتهديد بـ«الثأر للمسلمين في كل أصقاع الأرض»


على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل «التمدد» جاءت أمس كلمة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية». ورغم أنها إطلالته الصوتية الأولى بعد «مبايعته خليفةً»، لم يتطرّق إبراهيم السامرائي إلى «البيعة»، مؤثراً الخروج بكلمة «شرعية» العنوان والمضمون. هي «رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية في شهر رمضان».

المقدمة التي سبقت كلام البغدادي لم تأتِ بجديد أيضاً، في ما يتعلّق بالتعريف بالمُتحدث، فهو «مولانا أمير المؤمنين أبو بكر القرشي الحسيني البغدادي، حفظه الله»، على غرار الكلمات السابقة. ولولا أن البغدادي جاء على ذكر «الخلافة» في أواخر كلمته، لجاز التشكيك في موعد تسجيلها. وبدا جليّاً في الكلمة حرصُ «الخليفة» على الظهور بمظهر «زعيم إسلامي أوحد»، سواء لجهة اعتماده على «مرتكزات شرعية» في كلّ ما جاء فيها، أو لجهة «عولمة خطابها». فحثُّ مقاتلي «الدولة» على المضيّ في معاركهم جاء انطلاقاً من أن «الجهاد أفضل العمل». وعلى هذا المنوال استبعدَ البغدادي أيّ احتمال للمبادرة بوقف المعارك التي يخوضُها تنظيمه، واختار لمخاطبة جنوده في هذا الشأن الآية القرآنية: «فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون...». الملمحُ الأبرز في رسالة البغدادي كان إصراره على إظهار «دولته» في مظهر «مُخلص المسلمين» في شتى أنحاء العالم، فقال: «السلاحَ السلاح يا جنود الدولة، والنزالَ النزال (...) فإن لكم في شتى بقاع الأرض إخواناً يُسامون سوء العذاب...». وأضاف: «إخوانكم في كل بقاع الأرض ينتظرون نجدتكم، ويرقبون طلائعكم». وحرص على تعداد تلك البقاع: من الصين والهند، مروراً بفلسطين وجزيرة العرب والقوقاز، وليس انتهاءً بتونس وليبيا والمغرب. وأكّد البغدادي أنّ «دولة الخلافة» ستثأر للمسلمين في أصقاع الأرض: «والله لنثأرنّ ولو بعد حين. ولنردّ الصاع صاعات، والمكيال مكاييل».
وأضاف مشدّداً وعيده، ومُبشراً بزمانٍ جديد: «ألا ليعلم العالم أننا اليوم في زمان جديد. (...) إن للمسلمين اليوم كلمة عالية مدويّة. كلمة تُسمع العالم وتُفهمه معنى الإرهاب». وبدا لافتاً أن رسالة «الخليفة» خلت من مهاجمة «الروافض والنصيريين» كما جرت العادة في خطابات «الدولة». وحرصت في موازاة ذلك على تهديد «الصليبيين، والملحدين، واليهود»، و«عملائهم من الحكام الخونة»، بالقول إن «للمسلمين اليوم أقداماً تدوس وثن القومية، وتحطم صنم الديمقراطية». وبدت تلك المقدمات ضرورية لاستحضار «خطاب الفسطاطين» الشهير، الذي سبق أن أدلى به زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن. وعلى غراره، قسّم البغدادي العالم اليوم إلى «فسطاطين اثنين، وخندقين اثنين. فسطاط إسلام وإيمان، وفسطاط كفر ونفاق»، واضعاً في «الفسطاط الثاني» كلّ «أمم الكفر، وملله. تقودهم أميركا وروسيا، ويحركهم اليهود». ومضى البغدادي في تقليده لخطاب بن لادن، عبر التذكير بـ«الانتهاكات والممارسات ضدّ المسلمين»، في بورما، والفيليبين، وإندونيسيا، وكشمير، والقوقاز، إلى فلسطين، وتركستان الشرقية، وإيران، من دون أن ينسى فرنسا، ومنع الحجاب فيها». وعاد «الخليفة» مرة أخرى ليبشر المسلمين بأنّ لهم «بفضل الله دولةً وخلافة. (...) خلافة جمعت القوقازي، والهندي، والصيني (...) والأميركي، والفرنسي، والألماني، والأوسترالي»، داعياً الجميع إلى «الهجرة إلى دولة الإسلام»، إذ «ليست سوريا للسوريين، وليس العراق للعراقيين». وشدّد على أنّ «الهجرة إلى دار الإسلام واجبة على من استطاع». وبطريقة توحي بحرص «دولة الخلافة» على «الرعيّة»، خصّ البغدادي بندائه «طلبة العلم والفقهاء والدعاة، وعلى رأسهم القُضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والإدارية والخدمية. (...) فالنفير واجبٌ عليهم وجوباً عينيّاً». وضمّن دعوته إشارة إلى أن «أصحاب الكفاءات» سيحظون بمكانة خاصة، حيث «الناس متعطشون لمن يعلمهم، ويفقههم». ولأن «دولة الخلافة» هي «دولة جهاد»، فقد حرص «الخليفة» على إنهاء رسالته كما بدأها بمخاطبة «جنود الدولة»، فقال مؤكداً: «لا أخشى عليكم كثرة أعدائكم (...) وإنما أخشى عليكم من ذنوبكم، وأنفسكم». وبدا البغدادي متمسكاً بالنَفس الترغيبي في خطابه، فأوصى جنوده بـ«المسلمين، وعشائر أهل السنّة خيراً»، كذلك أولى «فكاك الأسرى» مرتبة الصدارة في أولويات «الجهاد»، ما يشي بأن مهاجمة السجون ستستمرُّ على رأس معارك التنظيم القادمة. وقال البغدادي في هذا الشأن إن «أفضل موطن تراق فيه دماؤكم في فكاك أسرى المسلمين». واختتم بالتأكيد على أن «هذه وصيتي لكم، فإن التزمتموها لتفتحُن روما، ولتملكُنّ الأرض إن شاء الله».
ورغم عدم التصريح بذلك، فإن كلمة البغدادي جاءت لتؤكد جنوح التنظيم نحو إلغاء «شرعية» كل التنظيمات والإمارات الأخرى، ما لم «تبايع الخليفة». يشتمل ذلك على «إمارة القوقاز»، وتنظيم «القاعدة»، وحركة طالبان التي يحظى زعيمها الملّا عمر بصفة «أمير المؤمنين» أيضاً، الأمر الذي أكّده مصدر مرتبط بـ«تنظيم الدولة» لـ«الأخبار». المصدر أكّد أنّ «لا إمامة لقاعد عن الجهاد، ولا يجوز لأمير أن يقتصر جهادُه على بقعة واحدة من بقاع الأرض». وأضاف: «إن دولة الخلافة هي القيّمة على الجهاد الحق، وإن للخلافة شروطاً اجتمعت في شخص أميرنا القُرشي، وإنّ التمكين والفتح من الله، يمُنّ بهما على من يشاء، وعلى من هو أهلٌ لهما. وقد منّ بهما على خليفتنا».

خطاب «الفسطاطين»

تطابقت كلمة البغدادي أمس، في كثير من مفاصلها، مع كلمة كان وجّهها زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن، إثر هجمات 11 أيلول 2001. ومما جاء في كلمة بن لادن في شأن «الإرهاب» حينها: «مليون طفل مِنَ الأطفال الأبرياء يُقتلون (...) في العراق، بلا ذنب جنوْهُ. (...) شعْبٌ في أقصى الأرض ــ في اليابان ــ قُتل منهم مئات الألوف! صغاراً وكباراً، فهذه ليست جريمة حرب، هذه مسألة فيها نظر. مليون طفل في العراق مسألة فيها نظر، أمّا عندما قُتل منهم بضعة عشر في نيروبي ودار السلام قُصفت أفغانستان وقُصف العراق، ووقف النفاق بأسره خلف رأس الكفر العالميّ، خلف هُبَل العصر أميركا ومَنْ معها». وحول انقسام العالم قال بن لادن: «إنّ هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط كُفْر». وفي شأن التوعد بالثأر: أقسم بالله العظيم (...) لن تهنأ أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن قبل أن نعيشه واقعاً...».
_____________

السبت، 28 يونيو 2014

مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة || البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني ... ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟

    يونيو 28, 2014   No comments
مملكة «داعش» الكارثة السعودية... السعودية الكارثة
جان عزيز

مع انتفاضة «داعش» العنفية الدموية من شمال غرب العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى قلب لبنان، تحركت الماكينة البروباغاندية السعودية لمعالجة الأضرار الجانبية التي يمكن للتنظيم التكفيري الإرهابي أن يكون قد ألحقها بصورة الدولة العائلية. خطة شاملة وممنهجة وضعت في الرياض، طالبة من ممثلياتها الدبلوماسية في العواصم المعنية، التحرك بسرعة وفاعلية.

الأهداف المعلنة هي إدانة ارتكابات «داعش» أولاً، تأكيد رفض مملكة العائلة السعودية لها ثانياً، العمل ثالثاً بكل الوسائل المتاحة على «تبييض» صورة العائلة ونظامها أياً كان الثمن. مع رصد إمكانات هائلة وضعت بتصرف حملة العلاقات العامة تلك، للتعاون مع صحافيين ووسائل إعلام وأقلام وصفحات ومواقع، وألسن وسياسيين وصانعي رأي عام... دفاعاً عن دولة العائلة.

وفي هذا السياق تشدد الحملة السعودية المضادة، على عدد من العناوين التسويقية لمعركتها الصعبة، خصوصاً في بيروت، وبالأخص بعد انكشاف التابعيات السعودية لعدد من المشتبه بارتكابهم الجرائم الداعشية الإرهابية. عنوان أول عام، هو أن مملكة العائلة تمثل إسلام الاعتدال في مواجهة إسلام الضلال الإرهابي. ثانياً، أن نظام العائلة نفسها كان قد صنف «داعش» تنظيماً إرهابياً منذ آذار الماضي. إضافة إلى سواها من التنظيمات، مثل «جبهة النصرة» و«الإخوان المسلمون» و«حزب الله السعودي» وغيرها. ثالث عناوين بروباغاندا العائلة السعودية، أنه من المرجح أن تكون خلايا الإرهاب الداعشي في بيروت تخطط لاستهداف مصالح العائلة السعودية نفسها، وعلى خلفية هذا التصنيف الإرهابي بالذات. مع تفصيل بليد مكمل لهذا العنوان، يحاول الإيحاء بأن «داعش» وأخواتها باتت متضررة جداً من قرار نظام العائلة المذكور. ذلك أنه حظر على أي سعودي تقديم أي دعم مالي لتلك الحركات. علماً أن هذه الحجة السمجة، تعتبر إدانة للعائلة أكثر مما هي إنجاز لسياساتها في مكافحة الإرهاب. وفي السياق نفسه، يأتي العنوان الأخير الذي تسعى الحملة الدعائية إلى تسويقه، وهو أن أي تحقيق لم يظهر مرة واحدة، منذ بدء الموجات التكفيرية والإرهابية، بأن أياً منها قد نال أي دعم مالي رسمي من العائلة السعودية كنظام دولة. مع ما يعني ذلك من إقرار بقنوات تمويل أخرى، ظلت تعتبر فردية وشخصية ومبادرات تلقائية لا علاقة لدولة العائلة بها.
اللافت في هذه الحملة، أنها تخاطب العقل الغربي، وخصوصاً الأميركي منه، في سطحيته وفي أحادية فكره السياسي. كأنما الفكر التكفيري والإرهابي هو مجرد عبوة، أو عبارة عن مادة «سي 4» وصاعق لا غير. وبالتالي كأنما الإرهاب التكفيري هو مختزل ومقتصر على حفنة البترو ـــ دولار التي اشترت المادة المتفجرة، أو دفعت ثمن الصاعق، أو أمنت بدل أتعاب الأصولي المفجر أو المتفجر. ولذلك نرى الأبحاث الغربية عموماً والأميركية تحديداً، تركز على الجانب التمويلي للإرهاب التكفيري لا غير. منذ 11 أيلول وإجراءات «باتريوت آكت»، وصولاً إلى كل تحقيقات وزارة الخزانة الأميركية، انتهاء بدراسات مراكز الأبحاث. فيما الحقيقة المركزية في مكان آخر.
 
وهي أن الإرهاب لا يبدأ في الذراع التي فجرت. بل في العقل الذي كفّر. وفي هذه النقطة الجوهرية بالذات تظهر المسؤولية الجرمية والجنائية، المعنوية والمادية الكاملة لنظام العائلة السعودية. من مصر إلى لبنان تتضح تلك الكارثة التي خلفتها ذهنية تلك المملكة وسلوكيتها. مصر ولبنان بالذات، لأنهما أبرز نموذجين لحداثة العالم العربي وحضارته وانفتاحه وثقافته وصحافته وتلاقحه مع العالم ومع العصر ومع رفاه الإنسان وحقوقه. فالقاهرة كانت ولا تزال وستظل رائدة العالم العربي وقاطرة فكره وسياسته وثقافته. ومن يشاهد فيلماً سينمائياً لمصر الخمسينات، يسأل نفسه أي كارثة حلت بهذا البلد في غضون نصف قرن، على صعيد حضارته وثقافته وفنونه وكل أنشطة العقل والحياة فيه. يروي الشاهد على كل حياة مصر، علاء الأسواني، أن تلك الكارثة بدأت بعد العام 1973. بعد الحرب وأزمة النفط واضطرار القاهرة إلى أموال الرياض، وسط بهلوانيات السادات ومنهجية النظام السعودي في اختراق الأفكار والعقول. دخل المال السعودي إلى مصر، ودخل معه العقل الوهابي إلى إسلام مصر. وبدأ الانهيار. بعدها جاءت الطامة الكبرى طبعاً، مع تنافس قطر والسعودية على سرعة العودة إلى الخلف وعلى تسارع التخلف. فصارت الكوارث العربية تتوالى بسرعة انقطاع الضوء.
في لبنان، العنوان نفسه، والانهيار نفسه. يروي الكاتب محمد أبي سمرا، في كتابه البحثي الموثق، «طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة»، كيف أن النواة الأولى للأصولية هناك بدأت بدعم سعودي وتمويل سعودي وإيعاز ونموذج سعوديين. من جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الوهابية السعودية، إلى «نواة الجيش الإسلامي» في لبنان، أول تسمية مذهبية عنفية دخلت تركيبة الشخصية اللبنانية، مثل فيروس معلوماتي لم يلبث أن شاع وشلع وشنع... حتى أن وزيراً طرابلسياً يروي طرفة أن أحد المتنورين الطرابلسيين ترشح قبل أعوام لانتخابات بلدية طرابلس. فجعل لبرنامجه الانتخابي عنواناً وحيداً: «أعدكم العمل على إعادة طرابلس نصف قرن إلى الوراء»!
مسؤولية نظام العائلة السعودية؟ ليست في التمويل ولا في جنسيات الإرهابيين ولا في إلغاء سمات الدخول ولا في الصراع المذهبي مع الشيعة ولا في التنافس الجيو استراتيجي مع إيران. مسؤولية نظام تلك العائلة هي أولاً وأخيراً في الفكر. هي في أن تكون دولة في الألفية الثالثة باسم عائلة، وأن يكون شعب رعية بلا هوية، وأن يكون الآخر ملغى، والعقل ملغى، والفن ملغى، والرب ملغى، والمرأة ملغاة... في الفكر والواقع، بالقوة وبالفعل. هنا تكمن الكارثة السعودية، التي لا بروباغاندا تنفع معها ولا دعاية تشفع في تسويقها.

______________
البغدادي يقترب من تحقيق ثأره من الجولاني 
محمد بلوط

أبو بكر البغدادي قريبا في عقر دار شقيقه اللدود أبو محمد الجولاني. فخلال الساعات الماضية وصلت طلائع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» إلى شمال الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، معقل «أمير جبهة النصرة».
والشحيل ليست معقل الجولاني وحصنه الأخير فحسب، بل هي مسقط رأسه أيضا، وهو ما يجعل المعركة من اجلها بين الجولاني والبغدادي، أمّ المعارك بين أخوة «الجهاد»، إذ لم يعد كافيا وحده، تفسير المذابح الواسعة التي يرتكبها بحق مقاتلي «النصرة» و«مجلس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية» ـ «مشمش»، بحاجة «داعش» إلى دير الزور ممرا بين جناحيها الشامي والانباري.
وبات مؤكدا أن معركة الشحيل ثأر شخصي للبغدادي مع الرجل الذي شد على يده ثلاثا خلال ثلاثة أعوام، لينقض ثلاثا «بيعته» على الولاء والطاعة. والأرجح ألا يسري إبهام الألغاز وضباب الألقاب التي يتخفى خلفها الرجلان إلا على الآخرين. أما أبو بكر البغدادي فليس سوى أبو دعاء، أو إبراهيم عواد السامرائي. أما أبو محمد الجولاني، فلا يناله من الجولان شيء، لأن كنيته الحقيقية قد تكون أسامة الحداوي «الشحيلي»، وهو ما يعرفه البغدادي.
فقبل أن يتفرغ الجولاني لبناء «أسطورته» خلال الحرب السورية، لم يكن سوى أسامة الحداوي، الطالب في كلية الطب الدمشقية حتى العام 2005، فيما كان شقيقه البكر سامر، ينال من علوم التجارة والاقتصاد في كلية مجاورة، على ما يقوله معارضون سوريون يتابعون مسارات «النصرة». والأرجح أن طريد «داعش»، وحبيس الشحيل، رجل لم يتجاوز الثلاثين من العمر بعد.
لم يتقمص طالب الطب الدمشقي في لثام الجولاني بالصدفة، فـ«الجهادية» السلفية مذهب أكثر مسقط رأسه الشحيل. فقبل أن يسقط الطب الدمشقي من سلة الحداوي، كان أكثر من 20 رفيقا له على ضفة الفرات، قد «انتحروا» بأحزمتهم في «الجهاد» العراقي، في ظلال «بيعة» أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم «القاعدة».
وكانت الشحيل قد فزعت لحماه في الثمانينيات، فقاتل العشرات من أبنائها قرب نواعيرها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، والطليعة المقاتلة، قبل أن يتفرقوا في السجون، وفي المنافي لمن أسعفه الحظ منهم. وعاد منها عمار الحداوي شيخ السلفية ورئيس «الهيئة الشرعية» في دير الزور اليوم، ليجعل منها، مع آخرين، بؤرة «جهادية»، بعد نفي دام نيفا وعقدين في العراق المجاور.
وخلال الحرب الأميركية على العراق اختارت المدينة، برضى دمشق، أن تكون ساحة تجمع لـ«الجهاديين» في دير الزور، قبل العبور إلى العراق. ومنها دخل مئات المقاتلين إلى معارك الانبار وتدفقت عبرها الأسلحة والعبوات والأحزمة الناسفة لقتال المحتل الأميركي أولا و«الصحوات» ثانيا. والحال، أن المدينة، التي تعد 30 ألف نسمة، وآلاف «الجهاديين» لم تشهد هدنة، ولا استراحة «مجاهد» في الأعوام التي سبقت اندلاع الحرب السورية. وعندما قامت «الثورة» المنتظرة في تخوم الشام، لم يفعل جهاديوها سوى إدارة بنادقهم نحو الداخل السوري، أسوة بأسامة الحداوي (أبو محمد الجولاني).
ولما بسط له أبو بكر البغدادي يد المبايعة في الأنبار في أيار العام 2011، للإتصال بخلايا الشام «القاعدية» النائمة، وإنشاء فرع شامي «للدولة» في أيار العام 2011، تحت مسمى «جبهة النصرة»، كان الحداوي قد أمضى ستة أعوام في معارك العراق. ويرجح معارضون سوريون أن يكون سامر، شقيقه البكر، الذي قاده نحو العراق قد استشهد قبل ذلك.
ووضع أبو مسلم التركماني، شيخ «الدولة» يده في البيعة، مزكيا لدى البغدادي «مجاهده» السوري الشاب، الذي بايع البغدادي على «جبهة نصرة» مؤقتة، تكون رهن إشارته، يعود بها إلى حضن «الدولة» الأم، عندما تحين الساعة. وكان أبو مسلم قد زكاه في العام 2009، للمرة الأولى، عندما دفع البغدادي لتعيينه «شيخا شرعيا لولاية نينوى»، رغم صغر سنه.
وراوغ الجولاني كثيرا قبل أن ينشق نهائيا عن البغدادي. وأرسل إلى «أميره» نهاية العام الماضي رسائل عدة تعد بحل «النصرة»، قبل أن يقرر أخيرا أن «حل النصرة لن يجعل أهل الشام ينضمون إلى الدولة».
وكان رئيس استخبارات «الدولة» أبو علي الانباري، وهو ضابط استخبارات بعثي عراقي سابق، قد أرسل تقارير كثيرة، ينصح فيها سيده بتصفيته. وكانت الشكوك قد ثارت عندما بدأ الجولاني بتعقب المقربين من البغدادي، كابي عمر القحطاني، وسجنهم. وعندما طلب أبو ماريا القحطاني إجازة من «الجهاد» لنقل زوجته إلى مستشفى في سوريا، أيقن البغدادي أن الجولاني لن ينصاع لطلبه، إذ اكتشفت استخباراته أن المتحدث باسم الجولاني، قد حمل معه إلى سوريا أموالا كثيرة تعود إلى «الدولة الإسلامية».
لم ينتظر البغدادي معركة الشحيل للتخلص من الجولاني، فعندما فشل في نيسان الماضي في إقناعه بالالتحاق بـ«الدولة»، أشار عليه رئيس «المجلس العسكري لـ«داعش» العقيد السابق في الجيش العراقي حجي بكر، ببدء عمليات اغتيال، واستجلاب فتاوى من مشايخ في السعودية، نجحت بقتل بعض المقربين من الجولاني، والاستيلاء على بعض مخازن الأسلحة، وشق «النصرة» نصفين.
ونجا الجولاني نفسه من القتل في الاجتماع، بعد أن تدخل أبو علي الانباري، ومنع أبو أيمن العراقي من قتله. وانضم إلى «داعش» المئات من «الجهاديين» القوقازيين والعرب. وفي الريف الشرقي لدير الزور، معقل «النصرة»، استجاب عامر الرفدان، عامل مصلحة المياه السورية السابق، لنداء البغدادي، وانشق عن الجولاني، ليصبح «والي ولاية الخير» (دير الزور) في «الدولة»، والمشرف على استغلال نفط المنطقة.
ويبدو أن البغدادي نفسه يشرف على المعركة الأخيرة في الشحيل، فليس حكم ناقض البيعة في عرف «الدولة» و«النصرة» سوى الذبح. وكلما اقتربت المعارك من الشحيل، شحذت السكاكين وسنت السيوف. فخلال اليومين الماضيين، ذبح «داعش» أربعة من المجلس العسكري في مدينة الموحسن رفضوا مبايعته، أما «النصرة» فردت بذبح من بايع منهم، فقطعت رؤوس قائد «لواء الصاعقة» أبو راشد، و«قائد المجلس العسكري» العقيد أبو هارون، وأبو عبد الله شلاش.
ويبدو البغدادي قريبا جدا من الإمساك بخصمه، وإنهاء «النصرة»، إذ لم يتبق للجبهة في دير الزور، معقلها الأساسي، أكثر من جيوب محاصرة، حيث يحاصر «داعش» أحياء دير الزور ومقاتلي المعارضة فيها، فيما يواجه هؤلاء الجيش السوري.
ومع تساقط قرى الريف الغربي، واختراق البوكمال، ومعظم الريف الشرقي، لم تعد «النصرة» تملك أكثر من نصف القورية، وجزء من الميادين. وكان «داعش» وجه انذارا ينتهي عصر اليوم يخير فيه «النصرة» وحلفاءها من ألوية «القادسية» و«عمر المختار» و«الله اكبر» بين التوبة او الموت. ويجنح وجهاء الميادين لتسليمها من دون قتال. واستطاع قائد «داعش» العسكري عمر الشيشاني إقناع «أميري النصرة» في البوكمال فراس السلمان وأبو يوسف المصري بخيانة الجولاني وتسليم المدينة وكتائبها من دون قتال.
وسلم «داعش» ولاية بادية حمص، التي تضم جزءا من دير الزور، إلى أبي أيمن العراقي، احد ألد أعداء الجولاني في «الدولة الإسلامية»، وأكثرهم دموية وعنفا، إمعانا في الحصار، والتهديد بأن معركة الشحيل ستكون معركة حياة أو موت لـ«النصرة» والجولاني.

_____________

ماذا يعني اعلان «الخلافة»؟  

رضوان مرتضى

راية «العُقاب» ترفرف. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تحوّلت إلى «خلافة إسلامية على كل الأرض». ١٤ شهراً استلزمت أبو بكر البغدادي كي يُنصّب نفسه حاكماً بأمر الله. لم يعد أميراً للمؤمنين فحسب، بل بات الخليفة. خلَف النبي محمد، بخطاب أعلن عنه في بداية شهر رمضان عام ١٤٣٥ هجري، سُجّل الحدث التاريخي. أصحاب الرايات السود يريدون تسليم راية دولتهم لعيسى بن مريم

لم يتأخّر «أبو بكر البغدادي» في إعلان خلافته. لم يكتف الشيخ العراقي بلقب «أمير المؤمنين» على «الدولة الإسلامية في العراق والشام». لم يستطع الانتظار أكثر من أربعة عشر شهراً حتى زفّ المتحدث باسم دولته «أبو محمد العدناني» خبر إعلان «الخلافة الإسلامية». أعلن الرجل عن «تحقّق حُلُم الجهاديين». ومعه تحقّق، ربما، حُلُم البغدادي الذي أصبح «خليفة المسلمين»، الحاكم بأمر الله على كل الأرض. ولأول مرة، أُعيد إعلان «الخلافة» منذ سقوطها على يد أتاتورك قبل نحو تسعين عاماً. هكذا كسر بضعة آلاف من جنود «الدولة» حدود «سايكس ــــ بيكو». أُلغيت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتُستبدل بـ«الدولة الإسلامية» في كل الأرض. وبعدما كانت «راية الدولة خفّاقة تضرب بظلالها من حلب إلى ديالى»، أصبحت خلافة عامة لا حدود لها. سلطتها مطلقة على كل بلاد المسلمين.

وباتت مبايعة الخليفة واجباً على كل مسلم. ومن لا يبايع يُعتبر مارقاً. من يتخلّف أو يرفض، يُحارب ويُضرب عنُقه. وهذا ما جاء صريحاً واضحاً بتهديد العدناني للمتخلّف عن البيعة بقوله: «إياكم وشقّ الصف. ومن أراد شق الصف، فافلقوا رأسه بالرصاص وأخرجوا ما فيه ولا كرامة لأحد».

فماذا تعني «الخلافة الإسلامية»؟ يجيب أحد المشايخ السلفيين أنها تعني أن «الحدود والسدود بين البلاد الإسلامية لاغية. وأن النظام الاقتصادي سيكون واحداً وستكون عملة واحدة تحمل شعار الإسلام ولديها جيش يدافع عنها». ويضيف: «وتعني أيضاً عدم التبعية لأي دولة، وتستوجب إنشاء مراكز وجامعات ومعامل تمهيداً لجعل المسلمين قوة عظمى في شتى المجالات». وفي الحالة الراهنة، قررت «الدولة»، ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، بعدما باتت تمتلك كل المقومات، إعلان قيام «الخلافة الإسلامية» وتنصيب «خليفة» للمسلمين. والمقوّمات بالنسبة إليها، هي المقومات نفسها التي كان يمتلكها الخلفاء منذ نحو ١٤٠٠ عام. وبحسب المشايخ السلفيين، المقومات تفرض أن يكون الخليفة حاكماً على أرض بكل معنى الكلمة، وليس بحكومة مؤقتة. ويرى هؤلاء أن «الدولة» انطلقت من سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة واعتبارها أن امتلاك المال والجيش والشعب، يخوّلها إقامة الخلافة، من دون أن تأخذ في الاعتبار أن كل زمن له مفهوم لمقومات الدولة. وقد حدد العدناني ذلك بفك الأسرى وتعيين الولاة والقضاة وجباية الضرائب ونشر التعليم الديني.

وهنا يؤخذ عليها إعلان الخلافة من دون حيازة «إجماع علماء الأمة». فهل فعلاً وافق أهل الحل والعقد أي العلماء والوجهاء على إقامتها؟ من هم هؤلاء؟ وإذا كان البغدادي خليفة على كل بلاد المسلمين، فهل تكفيه مبايعة علماء العراق والشام له، رغم انها لم تحصل؟ بالتأكيد إعلان قيام «الخلافة»، هي إحراج لجميع الفصائل الإسلامية المقاتلة. وقد خاطبت «الدولة» جنود الفصائل والتنظيمات قائلاً: «بطُلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم أن يبيت من دون أن يُبايع». ثم أضاف: «لا يؤخر النصر إلا مثل وجود هذه التنظيمات لأنها سبب للفرقة».

يتساءل أحد أنصار «جبهة النصرة» عن معنى إعلان «الخلافة». ثم يجيب نفسه قائلاً: ذلك يعني أن «حركة طالبان» و«تنظيم القاعدة» بكل فروعه وكل الحركات المجاهدة على مختلف الجبهات آثمة وقتالها وقتلها واجب إن لم تُبايع خليفة المسلمين البغدادي. بدوره، يروي أحد أفراد «كتائب عبدالله عزام» لـ«الأخبار»: «لا مصلحة في إعلان الخلافة في هذه الظروف بل يترتب عليها مفسدة توجب بطلانها». ويرى الشاب اللبناني المطلوب بمذكرات توقيف «لانتمائه إلى تنظيم إرهابي» أن «قيامها في هذا التوقيت تدمير لما بناه مجاهدو الإسلام في كل مكان»، كاشفاً أن «الإعلان يعني أن كل من لا يبايعهم سيُحكم عليه بالردة والقتل». وردّاً على سؤال إن كان سيُلبي الدعوة لبيعة الخليفة، قال: «لا أشق الصف، لكن بالتأكيد لا أبايع. ليُضرب عنقي ألف مرة أهون علي من أن أبايع، لأني لا أرضى بشريعة تستبيح دماء ألوف مؤلفة من المسلمين بغير وجه حق». وفي السياق نفسه، يرى أحد القياديين في «جبهة النصرة» أن «البغدادي حكم على الشيخ الجولاني بأنه مرتد لمجرّد تركه بيعة أمير الإمارة عندما كانت البيعة سنّة وليست فريضة»، كاشفاً أنهم بـ«إعلان الخلافة يفرضون على جميع تنظيمات العالم الإسلامي أن تكون مع «الدولة» في كل شيء، ومنها قتال «الجبهة» أو ستُعتبر متخلّفة مرتكبة لفعل الردّة يجب قتالها من قبل جنود الدولة نفسها». شيخ سلفي ثالث يعتبر أن «إعلان الخلافة قمة الغباء، إذ لا تمتلك «الدولة» مقومات دولة حقيقية. هل القوة العسكرية تقيم الدولة؟ أين خبراء الاقتصاد والتربية؟ بنظري هذا انتحار سيعجّل في انهيارها». ويسأل آخر: «فهمنا أن الأموال تتحصّل من بيع النفط، لكن إذا حوصرت وضُربت ماذا سيحصل. أين هذه الخلافة التي لا يعرف أحدٌ رأسها؟».

هكذا، وبعدما باتت «الخلافة الإسلامية» أمراً واقعاً، يقول جهاديون لـ«الأخبار» إن قبلة الأنظار ستكون مكة. كذلك الأمر هي مدينة رسول الله. وبالتالي، سيعين الخليفة مندوباً في كل ولاية. ومن يدري؟ قد يكون لـ(ولاية) لبنان أمير (مستقبلاً، لأن ما نُشِر أمس عن تعيين رجل يدعى عبد السلام الأردني اميراً لداعش على لبنان، غير صحيح، بحسب مصادر أمنية). وقد يكون الجواب في جعبة «حزب التحرير»، الحزب الإسلامي الذي يدعو منذ سنوات لإقامة الخلافة.

 

الخميس، 10 أبريل 2014

الإسلاميون ومفهوم الدولة: المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية

    أبريل 10, 2014   No comments
حسين العودات
رأى جان لوك أن الدولة هي تعاقد بين فئات المجتمع يتم برضاها، وتوضحت هذه النظرية لدى جان جاك روسو، الذي قال بضرورة توافق المجتمع على ما سماه “العقد الاجتماعي” كأساس لبنية الدولة ووظائفها وأهدافها، وضمنه مفاهيم سياسية وأخلاقية واجتماعية عدة، مثل المواطنة والدستور، والمساواة، وحقوق المواطن، والحرية والديمقراطية والقانون وغيرها، وما زال العقد الاجتماعي يعتبر في الدول الديمقراطية، فوق الدستور وله الأولوية واقعياً وأخلاقياً.

اتفق فلاسفة النهضة على أن الدولة هي دولة مدنية، وسلطة بشرية ديمقراطية، تتيح للعقول والعقلانية وللناس جميعاً المناخ الملائم للعمل، وتعتبر العقل والقانون أساس الممارسة الديمقراطية، ومفتاح الحقيقة والثورة العلمية، كما تعتبر الدولة الحديثة دولة المؤسسات والقانون الذي سيكون سيد الجميع، وتكفل سائر حقوق الفرد، لأنها دولة المواطنة، التي ترتكز على إرادة مواطنين أحرار، ترعى الدولة حقوقهم وتكفل حرياتهم.

تأثر النهضويون العرب بمفاهيم الدولة الحديثة هذه، ولكن تأثرهم بقي جزئياً، حيث اهتم كل منهم بجانب من معاييرها دون آخر، ولم يتبن أحد من النهضويين مفاهيم الدولة الحديثة أو معاييرها أو مكوناتها بكاملها، لكنهم جميعاً رفضوا الاستبداد وأدانوه، إلا أنهم لم يطرحوا بدائل له، لا الديمقراطية ولا غيرها، وحتى الشورى لم يعمقوا مفهومها ويطوروه ويحدثوه، ليصبح مكافئاً للديمقراطية أو بديلاً عنها.

لكنهم أجمعوا على مدنية الدولة وإبعاد الدين عن السياسة، ولخص الشيخ علي عبد الرازق بموضوعية وروية، آراءهم فقال: إنه لا وجود لما يسمونه المبادئ السياسية الإسلامية ونظام الحكومة النبوية، إذ لم تكن في الإسلام لا موازنة ولا إدارة نظام، ولم يرسل محمد (ص) ليمارس أي سلطة سياسية، ولم يمارسها في الواقع.

والحقيقة أن نهضويين عديدين قبل الشيخ علي عبد الرازق، مثل الشيخ عبد الرحمن الكواكبي والشيخ محمد عبده والشيخ قاسم أمين، وغيرهم من الفلاسفة الإسلاميين التقاة المتنورين، مالوا للدعوة إلى مدنية الدولة. تغير موقف الإسلاميين بعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، سواء ما يتعلق منه بفكرة الدولة أم بماهيتها أم وظيفتها.

فرغم أنهم قالوا في المراحل الأولى بإبعاد الدين عن السياسة، رأوا بعدها أن الدولة تضم أوطاناً وقوميات وأمماً عديدة، تجمعهم الخلافة (التي كان يطمح إليها الملك فؤاد)، فاعتبرها حسن البنا رمزاً للوحدة الإسلامية، ثم بالغ واعتبرها شعيرة إسلامية والخليفة “ظل الله في الأرض” و”الإسلام دين ودنيا”.

وكانت آراؤه هذه غير منسجمة مع أفكاره وطروحاته التي كانت عند تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان يعتبر السياسة شيئاً والدين شيئاً آخر، وهو الذي قال: “قلما تجد إنساناً يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سميت هذه الجمعية إسلامية لا سياسية..”. إن وظيفة الدولة لدى الإسلاميين هي إقامة الدين.. وهذه هي الغاية التي تهدف إليها الحكومة الإسلامية.

“ولا تحدد مصالح الناس في الدولة الإسلامية، لا رغبة بعض القوى السياسية في الدولة، ولا أهواء جماهير الناخبين أو آراءهم، وإنما هي سابقة على وجود الجماعة أو الدولة الإسلامية ذاتها، ولازمة لها بحيث تفقد هذه الدولة مبرر وجودها إذا تخلت عن غايتها أو تنكرت لها”. لقد بقيت علاقة الدين بالسياسة..

والدين بالدولة، تقف على رأس المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية، وقد وصف أصحاب الخطاب الإسلامي الحديث الدولة الإسلامية بالصفات الأخلاقية والفضائل والمثاليات، وبالغوا في شرح هذه الفضائل، سواء بالاستشهاد بما سموه الدولة الإسلامية أيام الرسول والخلفاء الراشدين، أم بتخيل مواصفات الدولة الإسلامية المحتملة التي يتصورونها. وفي جميع الحالات لم تخطر لهم العودة لمناقشة التساؤلات البديهية، وهي: ما هي أسس الدولة الإسلامية التي يتحدثون عنها؟

هل مرجعيتها دينية صرفة؟ وهل هي إعادة صياغة للشريعة على شكل قوانين؟ وهل كانت الظروف مماثلة لحاضرنا لتنطبق اجتهادات الماضي على الحاضر؟.. وعشرات الأسئلة الأخرى التي يفتح كل منها الباب على عشرات الأسئلة المماثلة.

إن تصور الإسلاميين للدولة يعود للفكرة المتداولة عن الدولة قبل حركة النهضة العربية، وهذه الصورة على نقيض مع فكرة الدولة، مع فلسفتها ووظائفها وهياكلها. فالدولة بمعناها الحديث لم تكن موجودة، وإنما كانت سلطة فقط وسوطاً تسوس به الناس. ومع التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، قرروا أن الدولة هي دولة الوحدة الإسلامية الجامعة، التي لها معاييرها ومفاهيمها المختلفة واقعياً وكلياً، عن معايير الدولة الحديثة…

فلا الوطن ولا القومية ولا اللغة ولا الأرض المشتركة، تشكل عناصر تكوين هذه الدولة أو مقوماتها، إنما هي دولة العقيدة وكفى، مهما تباعدت أوطان المسلمين واختلفت قومياتهم ولغاتهم وحتى مصالحهم. وهكذا فإن ما تم تحديثه من الدولة هو شكلها الخارجي، وبعض هيكليتها، والأساليب التنفيذية للحكم، وبقيت المعايير القديمة للدولة هي السائدة، ولم تؤخذ المعايير الحديثة بشكل منهجي وجدي، كما لم تهتم دولتهم بدور الديمقراطية في وحدتها وقوتها.

___________

«البيان»

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

من «الثورة العربية الكبرى» إلى «الثورة السورية»: ما أشبه اللـيلة بالبارحة!

    فبراير 25, 2014   No comments

صالح عبد الجواد*
«صحيح أن الدولة العثمانية ساعدت على إسقاط نفسها، لكنها كانت تمثل البقية الباقية من خلافة تربط وتوحد بين المسلمين، وكان استمرار وجودها عقبة في تهويد فلسطين، ولهذا السبب، وليس من منطلق حقوق الإنسان، كان رأسها مطلوباً للغرب» (المجاهد الشهيد الشيخ راغب حرب) 1

يُظهر هذا المقال بعض أوجه الشبه المفزعة بين ما يسمى «الثورة العربية الكبرى» عام 1916 و«الثورة السورية» الحالية في شقها المُعسكر المحبذ لتدخل أجنبي تقوده وتنفذه الدول التي ليس لها من تاريخ وسجل مع العالم العربي (بما في ذلك بلاد الشام) إلا سجل أسود من التفتيت والتقسيم والتدمير، كان زرع إسرائيل في قلبه وتدمير العراق وتقسيم السودان وتحييد مصر وتطويقها وتهديد شريان حياتها أبرز جرائمها.

أما الهدف من هذا المقال، فهو فتح باب حوار مع القوى الإسلامية التي تتبنى الثورات المسلحة، لعلها ــ رغم انزلاقها في عدائها للنظام السوري إلى درجة ضاعت فيها المسلمات والمبادئ ــ تعود عن غيها، فيكون ذلك «كلمة سواء بيننا وبينكم».
كلتا «الثورتين»، العربية والسورية، استندتا إلى ظلم واقع لا ننكره، وإن كان هذا الظلم مبالغاً فيه، وهو في أحسن الأحوال «كلمة حق يراد بها باطل» 2.
وكلتا «الثورتين» عانتا انفصام الهوية. فالأولى، دشنها شريف مكة الحسين بن علي، أحد أهم الرموز الدينية في العالم الإسلامي، ورغم أنه كان من معسكر رجعي ومحافظ، فقد حارب، ويا للمفارقة، تحت راية القومية العربية، التي كانت في حينها إيديولوجية مقصورة على قلة من مثقفي المدن الشامية العصريين المتأثرين بالأفكار الغربية. والفكرة القومية ظل تأثيرها بعيداً عموماً عن متناول «مثقفي» مكة 3، وعن القاعدة البدوية «للثورة»، حيث لم يعرفها البدو أو حتى سمعوا بها. وفي الثورة الثانية، استطاع من أرادوا عسكرة الانتفاضة وتجييرها لأعداء سوريا اختطاف انتفاضة شعبية سلمية ذات مطالب عادلة في البداية، فأمسكوا بزمامها، فحرفوها عن مسارها السلمي العفوي وعسكروها، مدعين أنهم محاربون تحت راية الإسلام لتحقيق الديموقراطية والعدل.
وكلتا «الثورتين» استندتا إلى دعم العدو الخارجي نفسه (المثلث إياه: أميركا وفرنسا وبريطانيا) لإسقاط وتغيير النظام، وهو عدو، كان بما لا يقارن، أشد خطراً وظلماً من الأتراك العثمانيين أو النظام السوري.
وكلتا «الثورتين» جَيّرتا، بوعي أو دون وعي، مشروع «الثورة» لمصلحة أعداء الأمة وأجندتهم. الأولى، قادها لورنس «العرب» الذي وجه فيصل الأول كما تُحرك الدمى، ولم تكن صفة العروبة التي ألحقت باسمه، إلا تغطية وتضليلاً لما هو عليه في واقع الأمر: مجرد صهيوني مسيحي، عراب اتفاقية فيصل ــ وايزمن (1919) التي تنص على التخلي عن فلسطين لليهود، في مقابل دولة شريفية مستقلة. أما الثورة الثانية، التي روج لبدايتها الصهيوني العتيد برنارد ليفي، فقد أعماها الحقد عن أن ترى كيف تسلم «رقبة وطنها» لأجندة حلف الناتو وإسرائيل. وكلتاهما تحالفت مع الغرب الاستعماري وهو ينخر في أوطانهم. الأولى تحالفت مع الفرنسيين بعد عامين من احتلال فرنسا للمغرب عام 1812، ومع الإيطاليين بعد 3 سنوات من احتلال ليبيا، وكان من خلفهم وأمامهم سجل حافل من تدمير الجزائر ومحاربة إسلامه وعروبته وعبودية أبنائه ومن ابتلاع تونس. أما «الثورة السورية» (كحال الثورة الليبية)، فقد تحالفت مع نفس القوى العظمى الاستعمارية التي هودت فلسطين ودمرت العراق وليبيا والسودان، وعملت على تفتيتها.
وكلتا «الثورتين» طالبتا بتدخل أجنبي مسلح وبحصار اقتصادي لإضعاف النظام ودفع الشعب للتمرد عليه استجلاباً لهذا التدخل. قبل عشرين عاماً من الثورة العربية الكبرى، كتب السير فيليب كوري المفوض السفير البريطاني في إسطنبول إلى حكومته تقريراً بتاريخ الثامن والعشرين من شهر آذار/ مارس 1894 عن الثورات والهبّات في أرجاء الدولة العثمانية، التي مهدت لتفتيتها النهائي، يقول فيه:
«الهدف المباشر للثوار التحريض على الفوضى، مستفزين الدولة العثمانية لإنزال عقوبات شديدة، تجرّ تدخل القوى [الأوروبية] باسم الإنسانية» 4. (هل ضروري أن نذكر أن هذا هو بالتحديد نفس دور المعارضات العراقية والليبية والسورية الخارجية؟).
في الثورة الأولى، أدى الحصار البحري البريطاني الذي صادف فرضه موسمي قحط وجراد، إلى وقف وصول إمدادات الحبوب والمواد الغذائية إلى بلاد الشام، ما أدى إلى مجاعة وأوبئة اودت بحياة 20% من سكان بلاد الشام بين أعوام 1915 - 1918. أما في الثانية، فلم تتكشف آثار الحصار الاقتصادي بعد، وإن كان من غير المرجح أن يؤدي إلى نفس النتائج، نظراً إلى اعتماد سوريا على نفسها، ورفض عراقي وإيراني وروسي وصيني لهذه السياسة.
وكلتا «الثورتين» تتشاركان في حساب جردة الخسائر والأرباح: جرّ الكوارث إلى شعوبهما وشعوب العالم العربي. الأولى أدت إلى كوارث ما زلنا نعيش تداعياتها حتى اليوم تحت عنوان سايكس - بيكو. وفي الحالة الثانية - إن نجحت - سنكون إزاء كوارث لن نستفيق منها أبداً. فالأولى، دمرت من خلال «هدم دولة الخلافة» كل ما بقي للمسلمين من رابطة تجمع في ما بينهم، رغم ما وصلت إليه هذه الخلافة من «رجل مريض». كذلك أسهمت في تقسيم العالم العربي وتجزئته وإضعافه، ورسم حدود التجزئة التي أضرت بالتكامل والتبادل وحرية الحركة بين الشعوب والأقطار العربية. وأدت دوراً أساسياً في تهويد فلسطين، فما كان للمشروع الصهيوني أن ينجح ابداً لولا زوال الدولة العثمانية.
زئيف جابوتنسكي مؤسس وزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية (منظّر اليمين والأب الروحي لبيغن وشارون ونتنياهو)، كان على قناعة تامة «بأن مصير المشروع الصهيوني مشروط بتدمير الدولة العثمانية، فهذا التدمير وحده الكفيل بتحرير أرض إسرائيل لمصلحة اليهود. وعليه، يجب الإسهام في المجهود الحربي إلى جانب الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى» 5.
أما «الثورة الثانية»، فستؤدي لا محالة - إن نجحت - إلى تفتيت سوريا بعد العراق والسودان وليبيا، ولا يبقى على المستعمرين بعد ذلك، إلا تفتيت مصر، حتى لا تقوم لنا قائمة من بعد إلى عقود طويلة قادمة.

ما أشبة الليلة بالبارحة!

البارحة، هو يوم الخامس من حزيران 1916، وهو يوم شؤم على الأمة 6. نجلا الشريف حسين، فيصل وعلي، يعلنان باسم والدهما وباسم الحركة القومية العربية، «استقلال العرب عن الأتراك» وبدء «الثورة العربية الكبرى» التي قال عنها المؤرخ الفلسطيني الراحل إميل توما: «لا ثورة، ولا عربية، ولا كبرى، ولا يحزنون».
وهم يعلنونها ثورة مقدسة على «الاحتلال التركي» وعلى «ظلم الأتراك واستبدادهم». ومن أين؟ من المدينة المنورة، وتحديداً بالقرب من قبر حمزة أمير الشهداء. المدينة المنورة لا أقل ولا أكثر، المدينة التي احتضن أهلها الرسول، فآوته بعد خوف، وتقاسم أهلها مع إخوانهم المهاجرين السراء والضراء، والتي صاغ فيها النبي دستور الأمة، وأُسس لما سيكون عليه دولتها.
وهما (أي نجلا الشريف حسين فيصل الأول وعليّ) يعلنان «الثورة» ممتطيين صهوة الجياد، رمز فروسية العرب وتحت «الراية الشريفية» المقصورة على اللون الأحمر الداكن وحده 7 التي كان يرفعها الهاشميون حتى تلك اللحظة رمزاً للحجازيين، والتي استُبدل بها بعد عام من «الثورة» علمٌ، هندسه وصممه مارك سايكس، مهندس اتفاقية سايكس/ بيكو 8!
دُشنت «الثورة» بإطلاق «الرصاصة الأولى»، وهي رصاصة جاءت من صناديق ذخيرة وصلت للتو، من حلفائهم الإنجليز عن طريق البحر مع صناديق محملة ذهباً وبنادق ورشاشات. في صناديق المال ليرات ذهبية تلمع، تحمل صورة فارس: (القديس جورج) يطعن بحربته ومن فوق سرجه رمز الشر: التنين 9 .
تُفتح الصناديق ويوزع الذهب والبنادق على «الثوار» كما هي تفتح اليوم صناديق الأسلحة في المفرق الأردنية على يد الملك عبد الله الثاني ابن حفيد الشريف، ثم يبدأ الثوار ثورتهم «العربية الكبرى» تحت قيادة لورنس «العرب» 10 بالتخريب والتدمير. وكان أهم ما قاموا بتخريبه، خط سكة حديد الحجاز الذي يربط المدينة المنورة بدمشق وإسطنبول، وهو خط أنشأه السلطان عبد الحميد بأمواله الخاصة وباكتتاب المسلمين، وخصوصاً مسلمي الهند. جاد فقراء المسلمين قبل أغنيائهم بالمال، وتبرعت النساء بحليهن الذهبية وحرم الكثيرون أولادهم لقمة العيش حتى تكتحل عيونهم بالطواف حول الكعبة وزيارة قبر الرسول. كان خط سكة حديد الحجاز يعني اختصار رحلة الثلاثة أشهر الطويلة، المحفوفة بالمخاطر والمعاناة والعطش واحتمال الضياع، إلى أيام معدودة. تمثلت أبرز هذه المخاطر، في القبائل البدوية التي امتهنت بالأساس سياسة قطع طريق الحج ونهب (وأحياناً قتل) الحجاج. «تعلمنا» كتب التاريخ المزور، أن هؤلاء الأعراب – قتلة الحجاج وعبدة الذهب الأصفر – هم داعمو الثوار الجدد 11. واليوم، في ضوء ما يجري في سوريا، أليس من الشرعي أن نتساءل: هل نـحن أمة بلا ثقافة أو ذاكرة؟

*كاتب عربي
__________

المراجع
1- الاقتباس مستلّ من مقطع وثائقي لفيلم عن حياة الشيخ راغب حرب وكفاحه، بثته قناة المنار على عدة حلقات بعنوان «عمامة المجد» 14-18 شباط/فبراير 2012. لاحظ موقف الشيخ راغب الذي أدرك الفارق بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية.
2- سأعالج ذلك في دراسة مستقلة، وإن تطرقت عرضاً لذلك لأغراض التحليل. قد يقول قائل إن الشريف حسين وأولاده قضوا شطراً من حياتهم في مدينة حضرية كوزموبوليتية (إسطنبول)، لكن هذا الأمر رغم صحته، لا يغير من جوهر ما قلناه شيئاً، بناءً على شهادات المؤرخين الذين عايشوا وعرفوا الشريف الحسين وشخصيته عن قرب.
3- «The immediate aim of the revolutionists has been to incite disorder, bring about human reprisals and so provoke the intervention of the powers in the name of humanity»
4- Sir Philip Currie British embassy Constantinople March 28,1894
5- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) رام الله، 1 كانون الثاني 2006.
http://www.madarcenter.org/databank/TopicView.asp?TopicID=364&SubID=12
6- أيضاً ذكرى حرب الخامس من حزيران عام 1967.
7- عوني الجيوسي: «انتحار المفارقة ومصرع السخرية هل صمم مارك سايكس علم العرب؟»
8- المصدر نفسه.
9- سمع أحد الإنجليز، البدو يحيون الكابتن لورنس بقولهم: «مرحباً أبا الخيال»، فسأل الإنجليزي عربياً: «لماذا يدعون لورنس أبا الخيال؟»، فأجابه العربي سائلاً: «ألم ترَ الجنيه الإنجليزي الذهبي الذي يحمل صورة الخيال؟ الذهب البريطاني، أكثر من أي شيء، هو ما دفع أبناء الصحراء من مكة إلى الشمال» [ للقتال].
10- لإضفاء عروبة زائفة ترضي العربان، يرتدي لورنس كواحد من المستعربين الأوائل العباءة متمنطقاً بخنجر يماني متزيناً بكوفية وعقال.
11- مئة عام أو تكاد، تفصلنا عن «الثورة العربية الكبرى»، وما زال خط سكة حديد الحجاز مدمراً، رغم العائدات النفطية السعودية الفلكية.
_________
الأخبار

الاثنين، 17 فبراير 2014

السلفيون: ضدّ التفجيرات.. وخصومتنا مع حزب الله ليست حرباً

    فبراير 17, 2014   No comments
غسان ريفي 

يدرك السلفيون خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان اليوم، خصوصاً بعدما بدأت العمليات الانتحارية تتخذ أشكالاً متعددة، وتطال الأبرياء، وتهدد بتمدد رقعتها الى مناطق أخرى.
ويدرك بعض المشايخ أيضا أن درجة الغليان المذهبي الناتجة من الحرب السورية قد وصلت الى الذروة، ما يجعلهم يفقدون السيطرة على كثير من المجموعات التي تجنح نحو التطرف وتدخل الى سوريا لمساندة التنظيمات الإسلامية المتشددة وتنفذ بعض العمليات الانتحارية، وهي لا تتوانى منذ فترة عن شن الهجوم على المشايخ واتهامهم بالتقصير حينا، وبالكفر أحيانا.

وجاء موقف السعودية الأخير حول رفض القتال في سوريا، ليعيد كثيراً من مشايخ الحالة السلفية الى المربع الأول المتعلق بدعم المعارضة السورية سياسياً وإنسانياً فقط.
ويخشى هؤلاء المشايخ من أن تشكل بعض المجموعات وأفكارها وبعض ممارساتها سبباً في جعل الحالة السلفية كبش محرقة في التسوية المقبلة على المنطقة، وهذا ما اعتاده السلفيون في محطات سابقة ودفعوا خلالها أثماناً باهظة.
لذلك ثمة تراجع تكتيكي ملحوظ من قبل رموز الحالة السلفية في لبنان، وفي طرابلس تحديداً، عن تقدم الصفوف أو قيادة أي تحركات داخلية، كما كان يحصل سابقاً، مع تمسك هؤلاء بالمبادئ والثوابت المتعلقة بدعم المعارضة في سوريا، ورفض مشاركة "حزب الله" بالحرب الى جانب النظام، وانتقاد "ممارسات السلطتين السياسية والعسكرية بحق السنّة في لبنان".
أمام هذا الواقع، وبعد تنامي العمليات الانتحارية وتنقّل المزنرين بالأحزمة الناسفة بين الضاحية والهرمل والشويفات وحصدهم الأبرياء، يرى كثير من المشايخ السلفيين أن خصومتهم السياسية مع "حزب الله" لا تعني إعلان حرب عليه من هذا النوع، وأن ما تتبناه "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" من عمليات انتحارية في مناطقه، يختلف شكلاً ومضموناً عن المواجهة التي يريدها السلفيون مع الحزب الذي يأخذون عليه مشاركته في الحرب السورية وتوريط لبنان فيها.
ويعتبر هؤلاء أن انغماس الحزب بالكامل الى جانب النظام هو الذي يشجع بعض المتحمسين من الشبان اللبنانيين على الذهاب الى سوريا، ويؤدي بالتالي الى قدوم الانتحاريين الى مناطقه، وهم يشددون في الوقت نفسه على رفض كل العمليات الانتحارية وإدانتها، لأن المواجهة الفعلية لا تكون بقتل الأبرياء، داعين في ذلك الى تطبيق القاعدة الشرعية: "لا تزر وازرة وزر أخرى".
ويشير عضو "هيئة علماء المسلمين" الشيخ زكريا المصري الى أن "ما تشهده الضاحية الجنوبية وسائر المناطق من تفجيرات، هو ناتج من ردة فعل على مشاركة الحزب في القتال الى جانب النظام"، ويرى أن "حزب الله يجني على نفسه وعلى جمهوره، لأن الدخول بحرب من هذا النوع لن تكون نزهة"، مؤكدا "أننا بموقفنا هذا نقوم بتوصيف ما يحصل، ولا نتبنى هذه التفجيرات أو من يقوم بها، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نمنعها، وعلى القوى الأمنية أن تأخذ دورها، وعلى الحزب أن ينسحب فورا من سوريا".
ويقول شيخ قراء طرابلس بلال بارودي "إن الحالة الاسلامية، والسلفيين تحديدا، ضد كل عمل أمني يطال الأبرياء مهما كانت مبرراته وأسبابه، لأن الجرأة تكون بالمواجهة وليس بالتفجيرات في المناطق الآمنة، لذلك نحن ندين بشدة كل التفجيرات ونعتبرها أنها لا تمت الى إسلامنا بصلة".
ويرى بارودي "أن الذين تسببوا بقدوم التفجيرات الى الأرض اللبنانية هم الذين شاركوا فعلياً بمساندة النظام السوري، وربما من تعرض للظلم على يد النظام وشركائه استجابوا لنداء العاطفة وليس لنداء العقل"، مشيراً الى أن "ما يحصل في لبنان هو عمل أمني مخابراتي بامتياز، على غرار ما يحصل في العراق، وهناك مجرم كبير يريد أن ينشر الدم والدمار في الساحة الإسلامية".
ويضيف: "نحن في حالة خصومة مع حزب الله نابعة من مواقفه، لكننا نرى أن ما يحصل في الضاحية لا يجوز، وقلنا بعد تفجيرَي مسجدي التقوى والسلام أن من فجر في طرابلس هو الذي يفجر في الضاحية، ونحن نحرص على استخدام المفردات التي توحد الكلمة والصف وتبلسم الجراح، وقد رفضنا كل التسجيلات المجهولة والمقنعة التي صدرت من بعض المجموعات، لكننا لا نلقى تجاوبا من حزب الله، بل على العكس فإنه يتهمنا بأننا بيئة حاضنة للإرهاب، ويدفع بعض الأبواق عبر وسائله الإعلامية لتهديدنا واستفزازنا وهدر دمنا". لافتا الانتباه الى أن "الفتنة السنية ـ الشيعية إذا حصلت في لبنان، فإنها ستطال الجميع ولن ينجو منها أحد".
ويؤكد بارودي "أننا سنبقى بيئة حاضنة للاعتدال، ونمد أيدينا للجميع بالإنصاف والعدالة والحق، لكننا لا نتراجع عن حقنا مهما حصل، ونقول إن الشعب السوري مظلوم ويجب مساندته، ولا يجوز مساندة النظام، ونعتبر أن السكوت عن ظلم النظام هو ظلم".
ويؤكد عضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ نبيل رحيم أن "السلفيين ليسوا في حالة حرب مع حزب الله، بل هم في حالة خصومة، انطلاقاً مما حصل في 7 أيار، وهيمنة الحزب على الحياة السياسية وعلى المفاصل الأساسية في الدولة، وتدخله في سوريا الى جانب النظام ضد الشعب السوري"، معتبراً أن "كل ذلك يسعّر الفتنة ويثير النعرات".
ويقول رحيم: "نحن لسنا مع أي تفجيرات تحصل في الأراضي اللبنانية أو تطال أي فريق، وندعو الى أن يكف جميع اللبنانيين عن تدخلهم العسكري والأمني في سوريا، ونؤيد في ذلك خيار الشعب السوري فقط".
ويضيف: "نحن لسنا مع التكفير ولسنا مع التفجير، وندين التفجيرات وهي تستهدف الأبرياء والآمنين، وهذه الاعمال ليست من الاسلام في شيء، وأخشى أن تتسع هذه العمليات. لذلك فإن انسحاب حزب الله من سوريا هو الحل الوحيد لمنع هذه العمليات من الانتقال الى لبنان".

الجمعة، 7 فبراير 2014

رسائل الأمر الملكي: السعودية تتخلّى عن مقاتليها

    فبراير 07, 2014   No comments
ما أعلنته السعودية بداية الأسبوع في شأن مقاتليها في سوريا ليس تفصيلاً. هو مؤشر بالغ الخطورة إلى مدى الضغط الأميركي، والتهديد بإلغاء زيارة مرتقبة لباراك أوباما للسعودية. للقصة بعد آخر أيضاً: تخشى الرياض عودة غير منظمة لهؤلاء المقاتلين إلى بلادهم.
لا يصدر أمر ملكي في السعودية إلا حين يتعلق بإعفاء أمير أو تعيينه، أو بأمر له صلة بقضايا سيادية تتطلب قراراً من أعلى سلطة في الدولة. الأمر الملكي الصادر الاثنين الماضي، وهو الموعد الثابت لانعقاد الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء السعودي، يؤشّر بوضوح إلى أن القضية التي صدر الأمر الملكي في شأنها تتجاوز سلطة المجلس، وتستوجب ما يمكن وصفه بـ «تعهّد خطيّ» من الملك نفسه. في رسائل الأمر الملكي، يمكن التوقّف عند ثلاث منها:

الأولى: أن الأمر الملكي صدر في سياق تجاذب إعلامي حول زيارة مفترضة للرئيس الأميركي باراك أوباما للرياض نهاية آذار المقبل. صحف أميركية، مثل «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز»، نشرت مطلع هذا الشهر خبراً عن الزيارة المرتقبة، فسارعت السفارة الأميركية في الرياض إلى الرد في اليوم التالي مؤكّدة «أن البيت الأبيض لم يتحدث عن شيء في هذا الشأن». وأوضح مساعد الملحق الاعلامي في السفارة الأميركية في الرياض ستيوارت وايت «أن ليس لدى السفارة أي معلومات حول هذه الزيارة، ولا يمكنها التعليق على ذلك».

ولكن مع صدور الأمر الملكي في الثالث من شباط الجاري، أعلن البيت الأبيض، في اليوم نفسه، عن زيارة أوباما للرياض في نهاية آذار المقبل. خلاصة الأمر الملكي (وهو للمناسبة يعتبر الأطول في تاريخ الأوامر الملكية، ولا يضاهيه سوى الأوامر الملكية المتعلقة بالميزانية): إدانة شاملة للأعمال الإرهابية بكل أصنافها، التي ثبت فيها تورّط مواطنين سعوديين، من مدنيين وعسكريين ودعاة محرّضين ومنتمين ومتبرّعين، وممجّدين لجماعات دينية وفكرية متطرّفة، وإنزال أقصى العقوبات بهم.

وفي المعلومات، عرض مسؤولون أميركيون على السعوديين ملفاً ضخماً نهاية العام الماضي يشتمل على وثائق دامغة تدين ضلوع السعودية في الإرهاب الذي يضرب العراق وسوريا ولبنان واليمن، وصولاً الى روسيا، وأن الملف بات في تصرّف المجتمع الدولي الذي قد يدفع في اتجاه استصدار قرار إدانة من مجلس الأمن، وتصنيف السعودية دولةً راعية للإرهاب في العالم.

وصلت الرسالة الأميركية بوضوح الى السعودية، ومفادها أن من غير الممكن إدخال ملف الارهاب ضمن معاهدة الحماية والدفاع الاستراتيجي التي وقعت في الأربعينيات من القرن الماضي بين الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلن روزفلت، ولا بد من التصرّف على أساس أن قضية الإرهاب ذات طابع دولي، وخارج المعاهدات الثنائية.

شعرت السعودية بأن الخطر يحدق بالمصير، وتطلّب الأمر موقفاً عاجلاً ومن أعلى مستوى في البلاد، بل هناك من العائلة المالكة من فهم الرسالة الأميركية على أنها شرط لازم لزيارة أوباما للرياض، لإزالة الحرج أمام حلفاء الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بصورة عامة الذي لم يعد مرتاباً في شأن تورّط السعودية في غالبية الأنشطة الارهابية التي تجري في المنطقة وفي العالم كافة.

الرسالة الثانية: وجّه الأمر الملكي رسالة واضحة إلى المقاتلين السعوديين، المدنيين والعسكريين على السواء، في سوريا أولاً، وفي العراق ولبنان وغيرهما ثانياً، مفادها أن ثمة خاتمة وخيمة تنتظرهم في حال قرروا العودة الى الديار. وللحيلولة دون مواجهة المصير الحالك والعقاب العسير، عليهم البقاء خارج الحدود، واستكمال المسيرة حتى الفناء المبرم أو الانتشار في ساحات قتال أخرى، كما فعل الفوج الأول من الافغان العرب وما بعده من أفواج نشأت في العراق بعد عام 2003، ولبنان بعد معارك نهر البارد أواخر 2007، وحالياً في سوريا بعد اتفاق بندر ــ بترايوس صيف عام 2012.

لا ريب أن أمراً ملكياً بهذه القساوة يمثّل طعنة سامّة في الظهر، يصوّبها الراعي الرسمي، ممثلاً في بندر بن سلطان، الذي وضع الأمر الملكي نهاية لمهمته. تنطوي ردود فعل مناصري «القاعدة»، كما تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، على غضب عارم من السعودية لخداعها للمقاتلين المرة تلو الأخرى، منذ أفغانستان مروراً بالعراق ولبنان وصولاً الى سوريا. ولذلك، ينظر الكثيرون من السعوديين المقاتلين والمناصرين إلى الأمر الملكي على أنه عمل استفزازي، وقد يدفع بالمقاتلين الى ارتكاب حماقات أمنية لإحباط الهدف من الأمر، أي تشويه صورة المملكة، وترسيخ الانطباع بأنها داعمة للإرهاب.

بطبيعة الحال، بإمكان النظام السعودي التلطّي وراء ذريعة أنه لم يكن في أي يوم داعماً للقتال في الخارج، ولم يسمح بجمع التبرعات ولا بالتحريض على الهجرة للجهاد. في الشكل، يبدو الاحتجاج مقنعاً، فقد خضع دعاة محرّضون وأئمة مساجد للتحقيق لمنع جمع التبرعات للقتال في سوريا، كما صدرت فتاوى تعتبر ما يحدث في سوريا «فتنة»!

في المقابل، في إمكان المراقب حشد فيض من الأدلة على ضلوع المؤسسات السعودية السياسية والاعلامية والدينية في هجرة آلاف السعوديين الى ما يصفه دعاة التحريض بـ «أرض الرباط» في سوريا، وإلا كيف نفسّر مشاركة مئات العسكريين في القتال هناك، مع أن هؤلاء لا يمكنهم السفر إلى الخارج إلا بإذن خاص من القيادة العسكرية.

لم يكن ذكر العسكريين والعقوبة القاسية التي تنتظرهم مجرد نافلة، لولا وجود تقارير موثّقة عن انخراط عدد كبير من العسكريين في القتال في سوريا، وهم الذين كانوا يتدفقون من الأراضي الأردنية برعاية نائب وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن سلطان، الأخ غير الشقيق لعرّاب الحرب في سوريا الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة.

والحال أن السعودية أتقنت اللعبة المزدوجة؛ في العلن تبدي تشدّداً مفتعلاً في موضوع مشاركة سعوديين في القتال في الخارج، وفي جمع التبرعات لتنظيم «القاعدة» وفروعه القديمة والجديدة، وفي السر يتدفق المال والرجال والسلاح على سوح القتال من دون رقيب أو حسيب.

الرسالة الثالثة: ثمّة مؤشرات ثانوية في الأمر الملكي تفيد بأن الحرب في سوريا شارفت على نهايتها، وعلى الجماعات المسلّحة تدبّر أمرها، بعد فقدانها الرعاية المالية والتسليحية والتدريبية المطلوبة. وهذا يعني بالضرورة، وبحكم الواقع، أن لا دور بعد الآن يمكن أن يلعبه الأمير بندر بن سلطان الذي غادر الى الولايات المتحدة تحت عنوان العلاج، في اجازة مفتوحة.

نشير الى المقترح الايراني ــ التركي بتوفير مخرج لائق للسعودية من الوحل السوري، على أن تتخلى تدريجاً عن دعم المسلّحين. فمن الواضح أن الثنائي بدأ تنسيقاً مشتركاً عالي المستوى من أجل مواجهة ملف الإرهاب الذي تردّدت أنقرة في مقاربته سابقاً بصورة جدّية بحسب الرؤية الايرانية، ولكنها تعود الآن، بعد زيارة رجب طيب أردوغان الأخيرة لإيران، لفتحه على أوسع نطاق.

في النتائج، السعودية خائفة من عودة مواطنيها المقاتلين، ولذلك قرّرت أن تضع قائمة عقوبات صارمة درءاً للارتدادات العنيفة التي تصيبها في مرحلة الحساب. ولكن الأخطر من ذلك، من وجهة نظرها، هو العقاب الدولي الذي ينتظرها في حال لم تدفع أثمان خسارتها الحرب في سوريا، وتفجّر ظاهرة الارهاب على مستوى دولي، ما اضطر أجهزة الاستخبارات الأوروبية الى تكثيف حضورها في المنطقة لمواكبة عودة مواطنيها المقاتلين إلى الديار.

لا بد من لفت الانتباه الى ما قدّمته السعودية من تنازلات لإبعاد شبح اتهامها برعاية الإرهاب. في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري للرياض، وصف موقف القيادة السعودية من موضوع التسوية الاسرائيلية الفلسطينية بعبارة لافتة، حيث قال إنه لمس «حماسة عالية» لديها في هذا الشأن، في وقت لم يكن فيه ما يدفع إلى مثل هذه الحماسة.

هنا تتقاطع المعلومات: ملف الإرهاب الذي عرضه الأميركيون على نظرائهم السعوديين، وملف التسوية الفلسطينية ــــ الاسرائيلية، حيث ذكرت مصادر مقرّبة من السلطة الفلسطينية في رام الله أن كيري طلب من رئيس السلطة محمود عباس الإقرار بيهودية الدولة الإسرائيلية في مقابل إقامة دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها، على أن يتم التخلي عن مبدأ حق العودة، مقابل العمل على إحياء مشروع التوطين على نطاق واسع، بحيث يشمل استيعاب قسم منهم في دول عربية إضافة إلى أستراليا وكندا.

تضيف المصادر الفلسطينية أن الرئيس محمود عباس تردد في الإعلان عن الموافقة ما لم يحصل على غطاء من دول عربية وازنة، وعلى رأسها السعودية. بادر كيري إلى طمأنة عباس بأنه سيتولى هذه المهمة بنفسه. فهل ثمة علاقة بين طمأنة كيري وحماسة الملك عبدالله؟

في المجمل، الأمر الملكي يؤذن بمرحلة جديدة، قد تؤكل فيها العصي بدلاً من عدّها!

مفتي السعودية: أمر وليّ الأمر... سمعاً وطاعة
شدّد مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، على ضرورة الامتثال للأمر الصادر بمنع السعوديين من القتال في الخارج، مشيراً إلى أن الشباب الذين يخرجون للقتال «غُرّر بهم من أعداء الإسلام»، وباتوا «يُباعون في سوق النخاسة».

وقال آل الشيخ، في لقاء مع التلفزيون السعودي الرسمي قبل أيام: «ما أمرنا به وليّ أمرنا مما لا يخالف شرع الله واجب علينا السمع والطاعة، لأنه لا يريد إلا الخير والمصلحة. الله جعله راعياً لهذه الأمة، هو مسؤول عن أمنها ودفع كل شيء عنها وحماية دينها وعرضها واقتصادها».

وقال إن «وليّ الأمر»، الملك عبد الله، «يخشى على شبابنا الوقوع فريسة لسهام هؤلاء وهؤلاء، لذلك جاء الأمر الملكي بمنع الخروج للقتال خارج البلد، وأن من يفعل ذلك يعدّ مخطئاً، لأن خروجه ضرر عليه»، مشيراً إلى وجود «سباع تنهش» المتورطين في تلك النزاعات.

مقتل 250 سعودياً من أصل 2000 في سوريا
كشفت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية في تقرير نشرته أمس أن 250 سعودياً قتلوا في سوريا من بين 2000 انضموا لـ«الجهاد» والقتال في صفوف الجماعات المسلحة المعارضة، وتحديداً تلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة».

وذكر التقرير أنّ بعض المتطوعين أطلقوا من السجن شرط الذهاب إلى سوريا، غير أنه منذ عام، تضاعف السلطات تحذيراتها للسعوديين الذي يميلون إلى الانضمام للجماعات المسلحة السورية، لكن المهمة صعبة، حيث يجري تمويل المجموعات الجهادية أقله جزئياً من المملكة. وأضاف التقرير: «هذا إضافة إلى الدور الذي أدّاه رئيس الاستخبارات الأمير بندر بن سلطان. فهل هي صدفة؟ الأمير موجود في مستشفى أميركي منذ ثلاثة أسابيع. وبالنسبة إلى البعض، إنه في حال خزيّ بعد فشله في إطاحة الرئيس بشار الأسد كما تعهّد». ورأى التقرير أنّ القرار الذي أصدره الملك السعودي، والذي يقضي بمعاقبة من يقاتل خارج المملكة بالسجن مدة تراوح بين 3 سنوات و20 سنة، قد يكون «نتيجة أولى لإخراج بندر من دوائر القرار».
___________

المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبناني

الأحد، 22 سبتمبر 2013

حوار ومصارحة بين «حماس» و«حزب الله» وإيران

    سبتمبر 22, 2013   No comments
شهدت بيروت وطهران في الأسبوعين الماضيين سلسلة لقاءات على مستوى قيادي بارز بين «حزب الله» وحركة «حماس» والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتركّز البحث في هذه الاجتماعات على العناوين التالية: تقيّيم التطورات الاخيرة في مصر وسورية وفلسطين، المتغيّرات التي حصلت بعد إسقاط حكم «الاخوان المسلمين» في مصر، ما يتعرّض له قطاع غزة من حصار جديد، التهديدات الأميركية لسورية وأزمة السلاح الكيماوي، إضافة إلى البحث حول العلاقة بين قوى «محور المقاومة»، وكيفية إعادة ترتيب العلاقة بين القوى الإسلامية الفاعلة وبين هذه القوى والقوى القومية واليسارية والليبرالية، والتي كانت شهدت انتكاسات كبيرة بسبب الأوضاع في مصر وتونس.

وتؤكد المصادر أن هذه الإجتماعات حفلت بإجراء مراجعة نقدية صريحة لكلّ ما حصل في السنتين الماضيتين، إنّ على صعيد الوضع المصري وأداء «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس»، أو لجهة التطورات السورية ومواقف إيران و«حزب الله» والتي أدّت الى تفكك محور المقاومة وتدهور العلاقات بين القوى الإسلامية ولا سيما بين إيران و«حزب الله» و«الإخوان المسلمين».

كما جرى إستعراض الأحداث التي حصلت وتحصل في اكثر من بلد عربي يشهد هجمة قاسية من «محور الاعتدال»، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وبدعم إقليمي ودولي، والهادف للقضاء على الثورات الشعبية العربية وتصفية القضية الفلسطينية وتشويه وضرب القوى الإسلامية وافشال تجربة الإسلام السياسي.

وأبدى المجتمعون تخوفاً من التطورات المقبلة التي تؤشر لمحاولات محاصرة قوى المقاومة، والإستفادة من الضغوط الأميركية والدولية من أجل محاصرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وادخال المنطقة في صراعات مذهبية وعرقية تمهيدا لتقسيمها إلى دويلات صغيرة، بما يحقق أهداف المشروع الصهيوني ــ الأميركي التفتيتي.

وقد إتفق المشاركون في اللقاءات على ضرورة استمرار التواصل المباشر وعقد لقاءات دورية لبحث التطورات الجارية، والإتفاق على خطة عمل مشتركة من أجل اعادة تفعيل وتعزيز محور المقاومة وترتيب العلاقة بين كل مكوّناته، والإستفادة من الأخطاء التي حصلت، وكذلك العمل لإعادة مدّ الجسور بين القوى والحركات الإسلامية، وبينها وبين بقية التيارات القومية والناصرية والليبرالية والتي تلتقي معها في رؤية موّحدة بشأن ما يجري في المنطقة.

وتكشف مصادر إسلامية أن حركة «حماس» تلعب حالياً دوراً محورياً واساسياً على صعيد التواصل بين القوى والحركات الإسلامية، وبينها وبين إيران، وهي تنشط في لبنان والمنطقة من أجل ترتيب العلاقة بين الإسلاميين، ومن أجل إعادة إبراز أولوية الصراع مع العدو الصهيوني وتفعيل دور المقاومة.

وتؤكد المصادر أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعادت تعزيز دعم حركة «حماس» وحكومة غزة، وأن المسؤولين الإيرانيين يعقدون لقاءات متواصلة مع قيادات إخوانية بارزة لدراسة مختلف التطورات وتقييّم ما جرى والعمل من أجل مواجهة التحديات المقبلة.

وأشارت المصادر إلى أن اجواء اللقاءات التي عقدت اتسمّت بالصراحة والوضوح وتحديد الأخطاء التي حصلت، وكانت وجهات النظر متقاربة في قراءة التطورات وتحديد المخاطر الآتية.
_____________
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية

الخميس، 4 يوليو 2013

الشعب أسقط «الإخوان»

    يوليو 04, 2013   No comments
وائل عبد الفتاح
السقوط كبير
ليس رئيسا اراد تأسيس ديكتاتورية بائسة.
ولا جماعة احتلت دولة وأرادت اعادة بناء ديموقراطيتهم المستبدة.
لكنه سقوط مشروع دولة الفرعون الاسلامي ...وإعادة «الخلافة « وسلطة الفقهاء.
محمد مرسي في ٣٦٥ يوما انهى مشروعا ظهر في مصر منذ ٨٥ عاما وصدّره الى العالمين العربي والاسلامي ، ثم اسقطته مصر ايضا... بخروج اكثر من ٣٣ مليون مواطن، أي اسقطه المجتمع لا السلطة المنافسة.
التنظيم الذي عاش باسطورة المضطهد من دولة الجنرال اراد خطف موقع الجنرال وإقامة دولته، لتكون مقدمة لدولة الشيخ / الفقيه، فقد كل هذا الان في مواجهة جماهير خرجت كما لم تخرج من قبل لتعلن كونها شعبا... لا قطيع ورعيّة... جماهير ترفض فخ الهوية المغلقة / هوية التمييز على اساس ديني، الخروج الكبير رمم شرخا في الذات الجماعية للمصريين، وأنهى عقودا من الابتزاز باسم الدين، وسلطة مهاوييس الفاشية الدينية، هؤلاء الذين استثمروا وديعة مبارك (الجهل والتخلف والفقر) لتكوين قطعان من المؤمنين بأن الدفاع عن كرسي مرسي دفاع عن الاسلام... هؤلاء كانوا آخر حائط بشري أقام بجوار مسجد رابعة العدوية في اقصى درجات البؤس الانساني ينتظرون ظهور جبريل (عليه السلام) وأوباما في يوم واحد.
انقلاب أم ثورة؟ 

لم يعد لديهم غير الراعي الاميركي يحاولون معه احياء «شركة الحكم».
مرسي ظهر في فيديو متلفز بعد اذاعة بيان ازاحته، يكلّم راعيه الاميركي وبقايا جمهوره، ويحاول الدفاع عن كرسيه الى آخر مدى (الدم)، ويمارس ابتزازا يختصر فيما حدث في أنه انقلاب عسكري.
الترتيبات تأخرت لكي لا تظهر علامات قد توحي بأنه انقلاب. وعلى عكس ظهور المجلس العسكري بعد تنحي مبارك، وطبيعته العسكرية، فقد ظهر الفريق أول عبد الفتاح السيسي وسط ما يسمى كلاسيكيا قوة مصر الناعمة (الازهر، الكنيسة، القضاء، الشباب... وقبلهم نساء ومثقفون)، وهي القوة التي كادت تختفي كلها في ظل طغيان حكم الجماعة.
كان هؤلاء يعلنون انتصار الشعب / المجتمع على الجماعة، ويتخلص من حكم الفاشية الدينية، بينما الجماعة / العصابة تواجه مصيرها كقبيلة ملعونة، مطاردة، ليس امامها الا تحريض جمهورها من الانتحاريين لاشعال الاقتتال الاهلي، او لتحريض العالم على من ثاروا على حكمهم.
رواية الاخوان ستقود رواتها الى السجن، حتى مرسي نفسه تنتظره محاكمة على جرائم قد تصل الى الخيانة العظمي (بتعريضه السلم الاجتماعي للخطر وتحريضه على العنف واتصاله بإرهابيين في اتصالات مرصودة بالفعل).
مرسي ظل يفاوض طويلا على مصير مكتب الإرشاد، لكن الأوامر صدرت بمنع ٢٧٠ من قادة الاخوان والمتحالفين معهم من السفر، تمهيدا للسيطرة عليهم، وتقديمهم الى محاكمات على أطول سنة في تاريخ مصر.
هذه هي الموجة الثالثة للثورة
الأولى قامت ضد حكم الجنرال المقنّع (نصف المدني/ نصف العسكري).
والثانية أنهت أسطورة حكم العسكر (أو بمعني أدق وصاية مؤسسة العسكر المستمدة من انتصار الضباط الاحرار في يوليو ١٩٥٢).
والثالثة تنهي على الهواء مباشرة دولة الفقيه / المرشد وتنظيمات الابتزاز ونشر الكآبة العمومية وإرهاب الناس باسم الله والاسلام.
مع كل موجة كنا نصل الى مرحلة أفضل... لكن أخطر.
التحديات تكبر ولا تتوقف.
والمؤسسات المعادية أو المضادة للثورة (دولة قديمة / اخوان / تحالفات المال والسلطة) تحاول تطوير وجودها للتوافق مع كل موجة.
في كل مرة تتصور إحدى هذه القوى إمكانية ركوبها الدائم على الثورة، وفي كل مرة ينتهي هذا الى تفكيك الاساطير القديمة او تحطيمها / تدميرها.
هكذا مثلا تصور المجلس العسكري (القيادة العجوز/ بمصالحها القديمة المتهالكة) أن طلبها من مبارك الرحيل، يمكن أن يتحول الى صك مبايعة يعود فيه الشعب الى النوم مبكراً ليتفرغ العسكر في غزل ونسج دولة على هواهم ومزاجهم الأبوي الخالص.
تصور المجلس في مرحلة (المشير والتماسيح العجوزة) أنهم سيمدّون في عمر «دولة يوليو» التي تحتضر منذ يونيو ١٩٦٧.
انتهى الصدام بين التماسيح والثورة الى تهشّم أسطورة الوصاية العسكرية / الكاكي وإلى مسار ١٩ آذار الذي صاغه التقارب بين الاخوان ومجلس المشير ومهد الارض لحكم وحلم الاخوان في تأسيس ديكتاتورية مماليك إخوانية.
عبر هذا المسار الملعون دخلت مصر إلى متاهات شركة الحكم بين العسكر والاخوان الى أن اعلن مرسي انقلابه في ٢١ تشرين الثاني بالإعلان الدستوري الملعون ايضا... هنا تكشّف الوجه القبيـــح تحـــت الابتســـامة الباهـــتة... وتشققـــت الشــركة بعــد الكشـــف عن الشهـــوة والطمع.
ومع كل شهيد يسقط في طريق الثورة كانت اللعنة تصيب المؤسسات التي تريد اعادة بناء دولة الاستبداد والتسلط والوصاية.
لم يفهم ركاب الموجتين السابقتين معنى التغيير في المجتمع من الثبات الى الحركة.
لم يعد المجتمع ثابتا ينتظر التغيير من أعلى
أو بمعنى أدق لم يعد يحتمل التغيير القائم على الخداع، ربما يفعل هذا بدون خبرات سابقة أو بمساحة كبيرة من عدم الثقة في النخب السياسية الجديدة، وهذا ما يدفعه الى المؤسسات المستقرة (الجيش والإخوان).
لكن المجتمع يجرّب...
يجرّب وفي خبراته ووعيه مكتسب جديد وهو أنه كلما أراد التغيير فإن الشارع ملك له.
هكذا تسلّم كل موجة للموجة التالية دروساً وخبرات وقوى جديدة وطاقات قادرة على إثارة الدهشة، بينما الدولة القديمة لم يعد باقيا منها إلا كيانات عفنة متناثرة، ليست قادرة على أن تصبح جسما، ولم تعد لديها القدرة على إقناع المجتمع بخطاباتها المتهالكة. تبحث فقط عن جسم كبير تعيش داخله.
الثورة تخلصت كما لم يتوقع أحد من مشروع تدميري، حملته على ظهرها، واستخدمته الدولة القديمة في تعطيلها.
وهذا يمنح الأمل... أو مزيداً من الثقة
كما يُعلي من درجة الخطر.

الجمعة، 21 يونيو 2013

مورو ينتقد القرضاوي ويعتبر فتاوى الجهاد في سورية خاطئة

    يونيو 21, 2013   No comments
نائب رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ عبد الفتاح مورو ينتقد الدور الذي يقوم به مشايخ السعودية من خلال حلقاتهم الدعوية في تونس، ويدعو الشيخ القرضاوي لمراجعة فتواه المتعلقة بالجهاد في سورية.

حذر نائب رئيس حركة النهضة في تونس، عبد الفتاح مورو، مما أسماه "موضة دعاة الخليج الذين يقيمون الحلقات الدعوية في تونس"، واعتبرها "مفتاحاً للفتنة والفوضى".

وخلال مشاركته في منتدى لصحيفة "الشروق الجزائرية" تحفظ مورو على فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي الأخيرة والتي من بينها إعلان الجهاد في سورية، متوجهاً إليه بالقول "إن علمت شيئاً غابت عنك أشياء، لنا ثقة في علمك وعقلك، ولكن عليك بمراجعة بعض الأمور، خاصة الدعوة إلى الجهاد في سورية"،

كما اعتبر أن العلماء الذين اجتمعوا في الفترة الماضية في القاهرة "أخطأوا في فتواهم" المتعلقة بالدعوة للجهاد في سورية.

وخاطب مورو "دعاة الخليج" بالقول "إذا كنتم تعتقدون أن تونس دولة غير إسلامية فأنتم مخطئون"، معتبراً أن "لا حاجة للتنصيص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع في الدستور الجديد، من منطلق أن تونس دولة مسلمة، ويستند في موقفه على أن غالبية القوانين المسيرة للشأن التونسي نابعة من الشريعة الإسلامية".

وعن موقفه من الحلقات الدينية التي يقيمها مشايخ من السعودية على وجه التحديد في تونس، قال مورو "هنالك خطورة من تلك الزيارات، فهم يأتون ويروجون لخطاب وفكر لا ينسجم مع واقعنا، كما أنهم يروجون للمذهب الحنبلي على حساب المذهب المالكي، وبهذه الطريقة فهم يبثون الفتنة" متسائلاً "هل يقبلون بإلقائي لحلقات دعوية في السعودية، المؤكد أنهم لن يقبلوا بذلك".

يذكر أن عبد الفتاح مورو هو أحد القادة التاريخيين لحركة النهضة التونسية الحاكمة، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الحركة راشد الغنوشي وهو عضو مجلس شورى الحركة.
________________________
المصدر: صحيفة الشروق الجزائرية

السبت، 1 يونيو 2013

القرضاوي: إن الذين يؤيدون بشار سيصب الله عليهم لعناته وغضبه وسينتقم منهم

    يونيو 01, 2013   No comments
دعا يوسف القرضاوي يوم السبت الى "الجهاد" ضد الحكومة السورية.

وقال بيان بث في موقعه الالكتروني إن القرضاوي يدعو "كل قادر على الجهاد والقتال للتوجه إلى سوريا للوقوف إلى جانب الشعب السوري المظلوم الذي يقتل منذ سنتين على أيدي النظام.. ويقتل حاليا على يد مليشيات ما أطلق عليه (حزب الشيطان)."

ونقل البيان عن القرضاوي قوله "إن الذين يؤيدون بشار سيصب الله عليهم لعناته وغضبه وسينتقم منهم."

وقال البيان ان القرضاوي "أقسم بالله أن الشعب سينتصر على حسن نصر الشيطان وحزب الطاغوت وبشار الوحش وسيقتلهم السوريون شر قتلة."

ودعا جميع المسلمين في كل الدول للتوجه الى سوريا إذا أمكنهم ذلك للدفاع عن الشعب السوري.

وجاء في موقعه على الانترنت ان القرضاوي دعا "جميع المسلمين في كل البلاد أن يذهبوا إلى سوريا إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا ليدافعوا عن إخوانهم هناك ومن يستطيع القتال فليذهب ليقاتل. وأقسم أنه لو كان يستطيع ذلك لفعل دون تردد."

الأربعاء، 24 أبريل 2013

لا اجماع حمساوياً على مشعل: جناح غزة اشترط مغادرته الدوحة ورَفَض القناة القطرية للمصالحة

    أبريل 24, 2013   No comments
إيلي شلهوب 
 
قياديون حمساويون يتساءلون: ماذا جنت يداك يا خالد مشعل؟ (أحمد جادالله - رويترز)
تعيش حركة «حماس» هذه الفترة أياماً عصيبة. تعاني عوارض انفصام في الشخصية. صراع مصالح وهوية وانتماء. تتلاطمها أمواج «الإخوان» السياسية وضغوط قطر المالية وطموحات شخصية صغيرة وفوقها كلها تعب السنين. يتناتشها حنين إلى ماض عزيز وتثقلها عقيدة مقاومة تعوق حراكها خارج المسار. صراع ينعكس تنظيمياً حدة في المواجهة بين تيار مستسلم لنزعات التيار الأخواني في المنطقة ومآربه السياسية، وآخر عصبه غزّاوي رموزه من الصقور الذين يخوضون معركة تثبيت خيار المقاومة باعتباره السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، كل فلسطين. مواجهة بلغت بعض الأحيان حد التجريح الشخصي، وتساؤلات من نوع: ماذا جنت يداك يا خالد مشعل؟

النيران تستعر تحت رماد التوافق الظاهر داخل «حماس». في العلن، تبدو الحركة حريصة على ألا يصدر عنها أي مؤشر إلى خلافات ربما تكون الأعمق بين أجنحتها منذ تأسيسها. أما في الغرف المغلقة، فالسائد ليس أقل من عواصف سياسية، لا تزال حتى اليوم تحت السيطرة، وإن كان المستقبل يحفل بالمجهول.
الجلسة الشهيرة للتجديد لخالد مشعل على رأس المكتب السياسي في الرابع من نيسان الحالي في القاهرة، ربما تكون خير مصداق لما سلف. الإعلان الرسمي الذي صدر عن الحركة تحدث عن «إجماع» على أبو الوليد، الذي «انسحب كل من اسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق لصالحه».

التحليلات التي بنيت على ذلك، تحدثت عن أن مشعل اشترط منذ البداية أنه لن يخوض تجربة كهذه انتخابياً، وأنه يرفض الولاية الجديدة ما لم تأت مكللة بالتوافق. بل ذهب البعض إلى حد التأصيل لهذا الحدث بدءاً من «الربيع العربي» وهيمنة «الإخوان» فيه واعتمادهم مبدأ «التمكين» لترسيخ حكمهم، ولو كان الثمن فلسطين. بعض آخر استنتج أن ما عزز فرص عودة مشعل بصفته «الرجل القوي» في حماس أنه مرن مع محمود عباس، ما يفتح الباب أمام المصالحة الفلسطينية، كما أنه يعطي أبو مازن الضوء الأخضر لمفاوضة الاحتلال، أو على الأقل لا يعارضه. وصوّر المشهد وكأن «حماس» تقف صفاً واحداً في هذا التوجه.
مصادر قيادية في «حماس» شاركت في جلسات انتخاب أعضاء المكتب السياسي الجديد، تكشف عن مشهد مغاير. تؤكد أن الجلسة كانت عاصفة، بلغ مستوى التوتر فيها ذروته، ووصل تبادل الاتهامات حد كيل الشتائم. تنفي المصادر نفياً قاطعاً حصول أي توافق على مشعل. تقول «صحيح أن مشعل أعاد طلبه عدم حصول انتخاب. لكن فريقاً وازناً رفض الإذعان لرغباته، بحجة أن النظام الداخلي للحركة ينص على وجوب الاقتراع في حال وجود أكثر من مرشح». وتضيف أنه «في الجولة الأولى، حصل الاقتراع على مشعل واسماعيل هنية وموسى ابو مرزوق، ففاز الأولان بالعدد الأكبر من أصوات مجلس الشورى المؤلف من 60 عضواً. عندها حُصرت المنافسة بين هنية ومشعل الذي فاز بفارق سبعة أصوات».
وتؤكد المصادر أن «جلسة الانتخاب هذه كان ستتفجر لولا تدخل (زعيم حركة النهضة التونسية راشد) الغنوشي و(المرشد العام للأخوان محمد) بديع و(الداعية الإسلامي يوسف) القرضاوي». وتضيف أن هذا التدخل لم يحل دون شن تيار الصقور في غزة هجوماً عنيفاً على مشعل، انطلاقاً من محورين: الأول عبر التأكيد له أن ما كان يقولوه حول أن إقامته في دمشق تحرجه، فـالآن «عليك أن تفهم أن إقامتك في الدوحة تحرجنا، وعليك أن تتدبر أمر انتقالك إلى مكان آخر في أسرع وقت ممكن». أما الثاني فاحتجاج شديد اللهجة على توريط مشعل للحركة في مسار المصالحة عبر القناة القطرية التي تُرجمت في القمة العربية الأخيرة في الدوحة دعوة إلى قمة عربية مصغرة في مصر لتحريك هذا الملف. ويرى أنصار هذا الطرح أن قطر «ليست سوى أداة إقليمية تمتلك ما يكفي من المال والماكيافيللية لتكون أداة تنفيذ المشروع الأميركي الذي يرمي إلى تقويض المقاومة». وكان لافتاً أن هذا التيار أبى إلا أن يُسجل في محضر الجلسة هذين الاحتجاجين، مع النص على «مهلة» لم تحدد زمنياً لأبو الوليد لمغادرة الدوحة. وتكشف هذه المصادر عن أن تيار الصقور المتمسك بالمقاومة وبالبقاء جزءاً أساسياً من محور المقاومة، نجح في تحقيق أمرين: الأول، إيصال أربعة من فريقه الأكثر تصلباً، هم عماد العَلمي وخليل الحيّة ويحيى السنوار وروحي مشتهى، إلى المكتب السياسي، ومعهم العضو الجديد أيضاً عن غزة نزار عوض الله. أما الثاني، فالنجاح في إقصاء مجموعة من فريق مشعل عنه، في مقدمهم عزت الرشق وأسامة حمدان.
وكان لافتاً الموقف الذي اتخذه محمود الزهار في اجتماع انتخاب أعضاء المكتب السياسي. فبعدما فشل في أن يكون أحد الأعضاء الثلاثة الذين ينتخبهم مجلس إقليم غزة منفرداً، أعلن رفضه أن يكون من الثلاثة الباقين الذين يتم اختيارهم بالتوافق مع رئيس المكتب السياسي لأنه «لا يريد أن يكون لمشعل أي دور في وصوله إلى المكتب السياسي»، على ما تفيد المصادر نفسها.
وفي حديثها عن موسى ابو مرزوق، الذي كان من أوائل من غادر دمشق إلى القاهرة للإقامة، ترى المصادر أنه «يمكن تصنيفه في منطقة وسط بين مشعل وبين هنية». وتضيف «لا شك في أنه مصري الهوى، لكنه لم يبتعد بنفس قدر مشعل». وأشارت إلى أن أبو مرزوق، على سبيل المثال، قام بزيارة معلنة إلى طهران في الخامس من الشهر الماضي، التقى خلالها الرئيس محمود أحمدي نجاد وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي ووزير الخارجية علي أكبر صالحي ورئيس البرلمان علي لاريجاني. وكان لافتاً أن زيارة أبو مرزوق تزامنت مع زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران، لكن المعنيين في إيران يؤكدون أنهما لم يلتقيا، وإن كشفوا أن «القيادي الفلسطيني طلب من السلطات الإيرانية أداء دور في خفض التوتر الذي يشوب علاقته بالنظام السوري». كما كان لافتاً تشديد أبو مرزوق، من طهران، على أن «الانتصار الذي حققته المقاومة الإسلامية الأخير في غزة على الكيان الصهيوني أكد لجميع الفلسطينيين أن المقاومة هي السبيل الوحيد للنصر على الصهاينة وتحرير الأراضي المحتلة، وأن حرب الـ8 أيام وضعت الشعب الفلسطيني على مسار الانتصارات»، مضيفاً «نشعر بأن الوقت قد حان لقطف ثمار مسيرة الجهاد التي بذلتها المقاومة وعلينا أن نضاعف جهودنا في سبيل إيجاد الوحدة بين المسلمين».
يشار في هذا الصدد إلى أن زيارة طهران كانت أخيراً محور خلاف بين قادة «حماس». ففي وقت وافق فيه هنية على دعوة إيران إلى حضور قمة عدم الانحياز، طالبه مشعل وقتها برفضها. لكن هذه الزيارة لم تتم بسبب ضغوط مورست على طهران، هدد فيها الرئيس محمود عباس بمقاطعة القمة في حال حضرها هنية الذي سبق أن زار الجمهورية الإسلامية في ذكرى الثورة في شباط 2012.

المكتب السياسي يوزع الحقائب

عقد المكتب السياسي لحركة «حماس» نهاية الاسبوع الماضي أول اجتماعاته في الدوحة حيث جرى توزيع المسؤوليات بين أعضائه. وسُربت معلومات أنه على الرغم من أن محمود الزهار وعزت الرشق لم يفوزا بعضوية المجلس، إلا أنه جرى خلال تلك الاجتماعات التي بدأ الخميس وانتهت مساء السبت، إعادتهما إلى موقعهما في محاولة على ما يبدو لخفض حدة الخلافات داخل الحركة. ويتألف المكتب السياسي لحركة حماس من 18 عضواً، ستة عن كل من مجالس شورى الأقاليم الثلاثة، غزة والضفة والخارج. وبحسب النظام الداخلي للحركة، فإن مجلس شورى كل أقليم ينتخب ثلاثة أعضاء للمكتب السياسي. بعدها يلتئم مجلس شورى الحركة، الذي يتألف من مجلس الأقاليم الثلاثة بما يشكل مجموعه 60 عضواً، ويُنتخب رئيس ونائب رئيس للمكتب السياسي، من بين مجموعة مرشحين، يتقدمون بناءً على طلبهم أو بناء على ترشيح أعضاء آخرين من مجلس الشورى.
وفي المرحلة الثالثة، يتم انتخاب الأعضاء الثلاثة الآخرين عن كل إقليم بالتوافق مع رئيس المكتب السياسي الجديد، بمعنى أن يسميهم مجلس الإقليم ويوافق عليهم رئيس المكتب السياسي أو العكس. أما ولاية المكتب السياسي فتمتد على أربع سنوات.

السبت، 13 أبريل 2013

الفرنكفونية والاغتصاب الثقافي

    أبريل 13, 2013   No comments
حافظ البناني
وعاد الحديث عن فرنسا وعلاقتها بتونس ليحتل مكانه في طاحونة الجدل الدائر منذ مدة بين النخب والسياسيين حول قضايا الثقافة والهوية والسيادة الوطنية المهددة والمستباحة، في نظر البعض، بسبب تغلغل الفرنكفونية ولوبيّاتها التي تحول دون إعادة الاعتبار للغة العربية،( وهي اللغة الرسمية للبلاد كما ينص عليه دستورها).

ومنذ نشأتها والفرنكفونية ما انفكت تثير التساؤل تلو الآخر حول حقيقتها وطبيعة أهدافها وغاياتها المعلنة والخفية.

سنحاول في هذا العدد الاضاءة على هذا الموضوع الهام، لكن قبل ذلك سنمهد بمقدمة حول اللغة والثقافة.

اللغة والثقافة والهوية:

يؤكد المختصون أنّ اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب والتواصل فحسب، بل هي أداة لنقل الثقافة، ووعاء لجميع ما تشمله من تقاليد وأعراف وعادات، وعقائد وتصورات، وقيم ومناهج للحياة، وطرق للتفكير، وأساليب للتعبير.

واللغة بهذا المعنى وعاء للثقافة والتاريخ، والمشاعر والأحاسيس، وهي الأداة الأساسية في عملية التطبيع والتنشئة الاجتماعية التي يتم في ضوئها بناء الفرد وإعداده بما يتلاءم وتاريخه، وانتماءه، وواقعه، ومستقبله. فاللغة إذن ذات علاقة وثيقة بالثقافة، والثقافة ذات رباط متين بالهوية والشخصية الوطنية، ومن فقد لغته فقد هويته وتاريخه، وتعثر في بناء مستقبله. ويتأثر الفرد باللغة التي يتكلمها ويتواصل بها أبلغ تأثير، ويمتد هذا التأثير ليشمل تفكيره وتصوراته وعقائده، ومشاعره وعواطفه، وسلوكه وإرادته وجميع تصرفاته.

ولما كانت اللغة هي أداة الثقافة والحضارة، وعنوان التمدن والعمران لم تتوان الدول المستعمرة، ومنها فرنسا، على فرض لغتها وثقافتها لضمان هيمنتها على البلاد المستعمرة (بفتح الميم)، وكان لزاماً على هذه الأخيرة، في نظر فرنسا، أن تتخلى عن لغتها وثقافتها وتتعلم لغة المستعمِر وتتشرب ثقافته.

وهكذا فإنّ فرنسا بتطبيقها لهذا الخيار الثقافي الاستعماري نجحت في مسخ الشخصية الثقافية واللغوية للمجتمعات الإفريقية التي استعمرتها. ويكاد لا يوجد اليوم مجتمع إفريقي باستثناء المغرب العربي لا تمثل اللغة الفرنسية لغته “الوطنية” الجامعة.

ومع أن فرنسا فشلت في أن تئد اللغة العربية أو تخرجها من الميدان في بلدان المغرب العربي، كما فعلت بنجاح في سائر مستعمراتها الافريقية، إلا أنه من المكابرة الادعاء بأنها لم تحرز نجاحات كبيرة في مجال تحقيق هدف الاغتصاب الثقافي واللغوي في بلداننا، والشواهد على ذلك اليوم كثيرة: يكفي أن لسان فرنسا ما زال، حتى الآن، لسان الإدارة في هذه البلدان، ولسان التعليم فيها من الطفولة حتى الكهولة، والرأسمال الأمثل لتنمية الموقع الاجتماعي.

 نشأة الفرنكفونية:

 يُعتبر الجيولوجي الفرنسي “أونيسيم ريكلوس” (Onesime Reclus) أول من استخدم مصطلح “الفرنكوفونية” وذلك في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي (1880). ثم أتى عليه حين من الدهر ظل خلاله مغموراً إلى أن ظهر من جديد على الساحة السياسية وذلك سنة 1962 على يد أشد الزعماء الأفارقة تحمساً للفكر الفرانكفوني وهو الرئيس السنغالي “ليوبولد سنغور”. غير أن الحركة الفرنكوفونية عرفت انطلاقتها الحقيقية غداة استقلال الدول الإفريقية التي كانت تحت السيطرة الفرنسية، إذ ظهرت مع بداية الستينيات كثير من المنظمات الفرنسية الإفريقية الهادفة إلى تقوية العلاقات الثقافية والاقتصادية بين الطرفين. وليس غريباً أن يعمل كثير من الزعماء السياسيين آنذاك مثل الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة” والسنغالي “سنغور” والنيجيري “حماني ديوري” على الدعوة إلى الفرنكوفونية بمباركة خفية من وزارة الخارجية للدولة الفرنسية.

وقد عرفت الفرنكوفونية تكيفات عدة في صورة: بعثات، وجمعيات، واتحادات، ومجالس عالمية، ومعاهد، وكليات، وجامعات، ومؤتمرات وقمم، تُوّجت بإيجاد أمانة عامة للفرنكفونية، وتعيين ناطق رسمي سياسي وممثل لها على الصعيد الدولي، وإنشاء الوكالة الفرنكوفونية العامة.

وشيئا فشيئا تحولت الفرنكفونية من فكرة إلى مشروع، إلى جملة من الوسائط المادية، بهدف ظاهر، يتمثل في تسهيل التعاون بين الناطقين جزئيا أو كليا بالفرنسية، وأغلبهم مستعمرات قديمة لفرنسا، إلى واجهة للهيمنة اللغوية والثقافية أولاً، والهيمنة السياسية في نهاية المطاف.

 بورقيبة والفرنكفونية

يُعتبر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الأب الروحي والمؤسس الحقيقي للفرنكفونية، وقد تحدث عن ذلك مفتخراً، في معرض حديثه عن تاريخه ومسيرته الشخصية، فقال في لقاء صحفي له مع إحدى الصحف الفرنسية: «إن مستقبلنا مرتبط بمستقبل الغرب عموماً ومتضامن مع مستقبل فرنسا خاصة… ونحن نتجه اليوم من جديد إلى فرنسا. إنني أنا الذي تزعمت الحركة المنادية بالفرنكوفونية، فالرابطة اللغوية التي تجمع بين مختلف الأقطار الإفريقية أمتن من روابط المناخ أو الجغرافيا».

و في مقابلة أخرى له مع صحيفة ” لوفيغارو” قال: «… إننا لا نستطيع الإعراض عن الغرب، إننا متضامنون مع الغرب بأكمله، متضامنون بصورة أخص مع فرنسا. وتدعيم الروابط مع فرنسا وبصورة أخص في ميدان الثقافة، وفكرة بعث رابطة للشعوب الفرنكوفونية تولدت هنا».

هكذا يفتخر بورقيبة بلغته الفرنسية وأساتذته الفرنسيين وثقافته الفرنسية وبحبه ووفائه لفرنسا الذي دفعه إلى رد الجميل بتزعم حركة الفرنكوفونية وتأسيس رابطة الشعوب الناطقة بالفرنسية.

ماهية الفرنكفونية:

الفرنكفونية هي حركة فكرية ، ذات بعد أيديولوجي ، تهدف إلى تخليد قيم (فرنسا الأم) في كل مستعمراتها التي انسحبت عنها عسكريا، ومدافعة التيارات القومية واللغوية الأخرى، وذلك من خلال اعتماد اللغة الفرنسية باعتبارها ثقافة مشتركة بين الدول الناطقة بها كليّاً أو جزئيا.

* الفرنكوفونية هي حلم فرنسا في تحقيق الإمبراطورية الكبرى:

يرى البعض أنّ الفرنكوفونية ليست سوى حلم فرنسي قديم، غارق في الرومانسية والخيال، يؤمن بتحقيق الإمبراطورية الفرنسية في إفريقيا، ويتحقق الحلم حين تتقابل فرنسا الأوروبية مع فرنسا الإفريقية وهي التي يطلقون عليها فرنسا الأم الأخرى (France L’autre mère La)، لكن السياسة الفرنسية التي نهجتها حكومة الاستعمار في البلدان الإفريقية لم تحقق لا الإمبراطورية الفرنسية الخيالية، ولا الوحدة ولا الازدهار لإفريقيا الفرنسية. إنما الذي تحقق هو الزوابع الثقافية، والهزات الفكرية، والنعرات الإقليمية الدامية، والانقلابات السياسية، ناهيك عن الاضطرابات الاجتماعية المتتالية.. !

الفرنكفونية، على حدّ تعبير البعض، هي اللغة والثقافة الفرنسية مؤدلجة، ومرتدية لباس الميدان. ولا يهم، بعد هذا، إن كان الميدان ميدان حرب بالمعنى الناعم أو بالمعنى الفعلي ما يفيد البحث المضني والاستراتيجي لفرنسا لحيازة مربعات ومستطيلات جغرافية من خلال الإبقاء على جذوة الثقافة الفرنسية مشتعلة في المستعمرات القديمة في أقل تقدير.

لقد ظلت الثقافة الفرنسية على الدوام جزءا من آلة قمعية تفرض على شعوب المنطقة، حيث لم تقدم نفسها كضرورة تعددية وإنما صورة للسيد الذي يسخّر آلته السياسية والفكرية لفرض لغته ونموذجه الحضاري.

 أهداف الفرنكوفونية:

 تتمثل الأهداف المعلنة للفرنكفونية، في التأكيد على مبدأ تحقيق التقارب بين الناطقين بالفرنسية، لكن الأهداف البعيدة، في نظر المتابعين، تتجلى أولا في وجود موقف من اللغات الإفريقية الأم، وفي النظر وبصورة ضمنية إلى الفرنسية باعتبارها لغة متفوقة على كل اللغات الأخرى، وذلك بالرغم من شعارات التعددية والاختلاف. وهي شعارات تتردد في أرجاء اللقاءات الفرنكفونية، التي تعمل بما يناقضها كلية وبصورة قطعية، الأمر الذي يبرز تماما، ازدواجية وتناقض المشروع الفرنكفوني في أبعاده السياسية الفعلية.

 الفرنكفونية والاستعمار الجديد

يرى بعض الباحثين أنّ فرنسا قد تمكنت من الجمع، ما بين الانسحاب الشكلي والإبقاء على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، و ذلك بالاعتماد على خدامها الأوفياء من المستعمرين (بفتح الميم)  الذين سيحملون راية الفرنكفونية عاليا. و يتشكل هؤلاء –في الأغلب- من النخبة السياسية الحاكمة، و كذلك من النخبة الثقافية التي دافعت على مصالح فرنسا في المنطقة، بادعاء الدفاع عن قيم الحداثة، التي لا يمكنها أن تتجسد إلا عبر اللغة الفرنسية..!

و قد اعتمدت فرنسا، في استعمارها الجديد على النخبة السياسية والثقافية، التي استفادت من الاستعمار ماديا ورمزيا، وكانت أول المتضررين من الانسحاب الاستعماري الفرنسي، لذلك كانت هذه النخبة أول حاضن لهذه الطموحات الاستعمارية، وأول مروج لها، وذلك تحت يافطة الانفتاح اللغوي، والتبادل الثقافي، وترويج قيم الحداثة..!

ويحتل نظام التربية والتعليم ضمن هذا التوجه موقعاً أساسياً كخطة تعتمدها فرنسا لبسط فرنكوفونيتها، ولذلك فهي تعمل في كل المناحي، وبكل الوسائل للنهوض بلغتها وحماية ثقافتها في مختلف مَحمياتها ومستعمراتها الإفريقية التي ترى فيها امتداداً لوجودها.

إن ما يفسر هذا الحضور القوي للغة الفرنسية ضمن مناهج التدريس في مجموعة من الدول العربية، يرتبط في العمق بأبعاد إيديولوجية ومصلحية،  ترتبط بالهيمنة التي أصبحت تمارسها الفرنكفونية على مستعمرات فرنسا السابقة، من خلال الحضور القوي للوبي الفرنكفوني، الذي يتشكل من نخب ثقافية وسياسية واقتصادية، لا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها الخاصة، في علاقتها بالمستعمر السابق، الذي نسجت معه شبكة من المصالح، الأمر الذي يحوّل اللغة لديها إلى إيديولوجيا، تتجاوز كل حدود المنطق، ومن هذا المنظور الإيديولوجي الصرف، انبرت النخبة الفرنكفونية للدفاع عن الاستعمار الجديد.

 الفرنكفونية والنظام الدولي الجديد

دخلت الفرنكوفونية القرن الحادي والعشرين في صيغة جديدة كشفت عنها قمة هانوي المنعقدة سنة 1997، حيث عهدت فرنسا إلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة د. بطرس غالي بمنصب الأمين العام لمؤسسة الفرنكوفونية. ويتمثل الوجه الجديد أو الصيغة الجديدة التي تلون اليوم المشروع الفرنكوفوني في إبراز البعد السياسي باعتباره مكملاً مركزياً للملامح اللغوية والثقافية. ومعنى ذلك أن الطابع المؤسسي الجديد يتجه لتحويل الفرنكوفونية إلى تنظيم دولي مكافئ للمنظمات الدولية والاقليمية المعروفة، كالجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية، ثم المنظمات المرتبطة بالأمم المتحدة مثل اليونسكو.

في ظل النظام الجديد تقدم الفرنكوفونية نفسها بديلاً حضارياً، ومشروعاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً ترعاه دولة فرنسا، وتسعى إلى توظيفه كسلاح تشهره في وجه العولمة، لتضمن به بقاءها على الساحة الدولية، وتفتح من خلاله فضاءات لإنعاش اقتصادها وتعزيز موقعها في وجه النزعة الأنجلو – أمريكية.

 أي مصلحة لدول المغرب العربي في التشبث بالفرنكوفونية؟

أمام الانحسار المريع للفرنكوفونية، وأمام الزحف الهائل للغة الإنجليزية وما تحمله معها من بشائر للمنظومة الإنجلوفونية متمثلة أساساً في أمريكا وبريطانيا، خاصة بعد انخرام ميزان المعادلة الدولية لصالح أميركا بسقوط القطب الروسي وانتهاء الحرب الباردة، وتزعم أمريكا لنظام العولمة الجديد، لم يعد هناك أي مبرر للدول المغاربية للتشبث بالفرنكوفونية، والدفاع عنها، وتبنيها على صورتها التقليدية المعروفة.

لم يعد هناك أي مسوِّغ ولا أي مصلحة في الاستمرار في اعتماد سياسة التعليم المزدوج على الإطلاق، وينبغي وضع حد لسياسة التذيل، والتبعية، والإلحاق الثقافي والحضاري هذه. ولم يعد هناك أي حجة لكي تحافظ اللغة الفرنسية على هذه المكانة المرموقة في المناهج التعليمية بالدول المغاربيةـ في الوقت الذي تحتل فيه المرتبة التاسعة بين اللغات الأجنبية على الصعيد العالمي..لقد أصبح تعريب التعليم، والكف عن سياسة ازدواجية اللغة في مناهج التعليم مطلباً لا مناص منه.

لكن رغم ذلك فإنّ تأثير الفرنكفونية ولوبيّاتها في الدول المغاربية لا يزال يحول دون تطبيق هذه الدول لروح دساتيرها التي تنص على أن اللغة العربية هي لغتهم الرسمية والوطنية، ويستمر تفريط هذه الدول في رمز سيادتها وهويتها الوطنية.

 تونس والفرنكفونية

لم تكن تونس بمنأى من التدخلات الفرنسية الساعية إلى استعادة وجه فرنسا الإستعماري، ولعل تصريح وزير خارجيتها في أعقاب اغتيال المناضل شكري بلعيد، خير دليل على ذلك، فلقد أعرب الوزير المذكور، في سقطة دبلوماسية ربما، عن حقيقة كامنة في دواخل السياسة الفرنسية وهي الدفاع عن العلاقة الحميمية بالنخبة الفرنكفونية التي تحكم بأمرها، بعد أن خلطت أحداث الربيع العربي كل حسابات سادة الإيليزيه وأجبرتهم على الاعتراف برفض الشعوب  للاستبداد ومن يقف خلفه.

وفي الختام يبدو أنّ هناك توجها سياسيا في تونس لتخفيض مستوى الاندماج في الفرنكفونية والانفتاح على ثقافات أخرى ورفع مستوى وجود اللغة الإنجليزية في البلاد، التي ما زالت تستخدم اللغة الفرنسية بكثافة توازي اللغة العربية رغم خروج المستعمر الفرنسي منها منذ أكثر من خمسة عقود.

السبت، 19 يناير 2013

العصر الذهبي لتنظيم القاعدة

    يناير 19, 2013   No comments
 عبد الباري عطوان - القدس العربي

تنظيم 'القاعدة' الذي بشّرنا الرئيس الامريكي باراك اوباما بأنه بات في حكم الماضي، وشبه منقرض بعد اغتيال زعيمه الشيخ اسامة بن لادن قبل عام ونصف العام تقريبا، في عملية نفذتها فرقة العجول الامريكية على مخبئه في مدينة ابوت اباد قرب العاصمة الباكستانية، هذا التنظيم يعود بقوة هذه الايام في اكثر ثلاث جبهات سخونة في العالم: سورية ومالي والعراق.

هذه العودة القوية للتنظيم، والجماعات الجهادية التي تعمل تحت مظلته، الى صدارة الاحداث في العالم تأتي نتيجة لسوء تقدير القوى الاقليمية والعالمية لقوة هذا التنظيم، والعوامل السياسية، والاخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها هذه القوى في مناطق عديدة من العالم الاسلامي غزوا وقتلا وتدخلا، وتجاهلا لمظالم الشعوب، والشعب الفلسطيني على قمتها.

فإذا كان الغزو الامريكي للعراق جاء بمثابة انقاذ للتنظيم من النكسة الكبرى التي تعرض لها بعد تدمير بناه التحتية في حرب افغانستان، بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 والهجوم الامريكي الانتقامي، فإن التورط العسكري الفرنسي في مالي قد يقدم له هدية كان ينتظرها بشغف منذ سنوات من اجل محاربة 'الصليبيين' على ارضه وملعبه، على حد تعبير ادبياته وبياناته.


القاعدة الاساسية التي تخدم تنظيم 'القاعدة' وتزيد من قوته وتوسع فروعه، انه في كل مرة يتدخل الناتو عسكريا في دول عربية او اسلامية، بشكل مباشر او غير مباشر، يخلق حالة من الفوضى، ويحوّل دولا مستقرة الى فاشلة، وهذه الدول الفاشلة تشكل دائما دعوة مفتوحة للتنظيم لتجميع صفوفه، والهجرة اليها لنصب خيامه، والتوسع بطريقة مدروسة، مجندا الآلاف في صفوفه لتحقيق طموحاته في اقامة المجتمع الاسلامي الجهادي، الذي يعتبر العمود الفقري لاستراتيجيته التي وضعها زعيمه وشيخه بن لادن.

طائرات الناتو لم تتدخل في ليبيا من اجل حقوق الانسان والديمقراطية ومصالح الشعب الليبي في العدالة والتخلص من ديكتاتورية فاسدة، فهذه اهداف شكلية، وانما من اجل النفــــط والغـــاز، وقد اعترف سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا السابق وأحد الشركاء الرئيسيين في هذا التدخل، بأن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق 'فبرك' الاسباب لهذا التدخل، وبدأت طائراته تقصف ليبيا قبل صدور قرار مجلس الأمن، والطائرات الفرنسية التي تقصف الاسلاميين الجهاديين في شمالي مالي لم تتدخل حرصا على وحد الشعب المالي، وانما من اجل تأمين مصادر اليورانيوم في دولة النيجر المجاورة والمصالح النفطية في ليبيا، وهزّ استقرار الجزائر.

تنظيم 'القاعدة' يتوسع، ويستفيد بطريقة ذكية من اخطائه واخطاء الغرب معا، بينما لا يتعلم الغرب مطلقا من اخطائه، والا لاستفادت فرنسا من دروس افغانستان والعراق وليبيا وامتنعت عن الوقوع في مصيدة مالي التي نصبها التنظيم لها ببراعة، وهي التي اعترفت بالهزيمتين في افغانستان والعراق مسبقا وقررت سحب قواتها تقليصا للخسائر، وانتقدت الغزو الامريكي لهما صراحة او على استحياء.

التقارير الاخبارية الواردة من سورية تؤكد هذه الحقيقة، ونعني هنا نجاح جبهة النصرة في اقامة علاقات وثيقة مع الاهالي في شمالي سورية، وحلب وادلب ومعرّة النعمان على وجه الخصوص. فبينما يعاني الجيش السوري الحر من انقسامات واتهامات بالفساد، والاقدام على تجاوزات ازعجت الاهالي واثارت سخطهم، تعزز الجبهة وجودها، وتقدم خدمات جليلة للسكان وتحمي اعمالهم التجارية، وتفصل بين نزاعاتهم من خلال محاكم شرعية، وتنتصر للمظلومين وتبت حتى في الخلافات الزوجية وقضايا الإرث، اي انها تعلمت ان لا تكون عبئا على مضيفيها.

وجاء في تقرير في صحيفة 'الغارديان' البريطانية امس ان جبهة النصرة تقوم الان ببرامج مساعدات للمجتمعات التي تعاني من الحرب، وتلعب في ذات الوقت دورا في الجبهات والعمل المدني، حيث تقوم بملء الفراغ في المناطق التي خرجت من يد النظام السوري.

ومؤخرا شعرت جبهة النصرة بالجرأة الكافية وخرجت للعلن حيث اقامت عددا من المكاتب في المدن والقرى الممتدة من حلب حتى الحدود مع تركيا تحت راية النصرة السوداء اللون. وتستقبل كوادر النصرة في هذه المكاتب المواطنين الذين يريدون فضّ النزاعات، او الذين يطلبون بطاقات اعانة من الغذاء والوقود.

لا نبالغ اذا قلنا ان الدول الغربية التي دعمت الثورة في سورية ستجد نفسها تواجه عدوا اخطر من النظام السوري التي تعمل على اطاحته، عدو يريد ان يقاتل اسرائيل، ويسعى للحصول على العتاد والاسلحة بما في ذلك الاسلحة الكيماوية اذا تمكن من الوصول اليها.

ولا نبالغ ايضا اذا قلنا ان الغرب ودولا عربية متحالفة معه، ستلجأ الى تكوين قوات صحوات على غرار ما حدث في العراق لمحاربة تنظيم القاعدة، ولكن مع فارق اساسي وهو ان تجربة العراق لا يمكن ان تتكرر في سورية، فمن الصعب خداع الناس مرتين وفي منطقتين متجاورتين، فصحوات العراق منيت بهزيمة مريرة، وجرى التخلي عنها وبيعها لحكومة المالكي بأرخص الاثمان، بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق، حيث تركها الجنرال بترايوس تواجه مصيرها المظلم وحيدة، اي انتقام تنظيم القاعدة من جهة، وحكومة المالكي التي اعتبرتها 'خائنة' لا يمكن الثقة فيها، وبالتالي عدم استيعابها في قوات الامن والجيش من جهة اخرى.

تنظيم القاعدة في المقابل تعلم من تجربته في العراق، ولم يعد يقطع اصابع المدخنين، بالصورة التي كان عليها الحال في العراق، وبدأ يتبنى تجربة حركة طالبان في بداية انطلاقتها في قندهار افغانستان، عندما طبقت الشريعة وطردت لوردات الحرب وفرضت الامن والامان، الامر الذي دعا الافغان الى تكرار الشيء نفسه في مدنهم الاخرى.

عندما قلنا في مقالات سابقة ان تنظيم القاعدة سيكون من اكثر المستفيدين من 'الربيع العربي' اختلف معنا الكثيرون، وها هي الايام تثبت كم كانت صادقة هذه المقولة، ولنا في ليبيا ومالي وسورية واليمن بعض الأدلة في هذا الخصوص.

الدكتور ايمن الظواهري زعيم التنظيم استشعر هذه الحقــــيقة من مخبــــئه، واصدر بيانه يوم امـــس يطالب جميع الجماعات الجهادية بالانضواء تحت خيمة القاعدة. انه العصر الذهبي لهذا التنظيم، اختلفنا معه او اتفقنا.

نحن مع الربيع العربي، وضد الانظمة الدكتاتورية الفاسدة دون اي تحفظ،ولكننا نشرح الواقع دون مواربة، فهذا من واجبنا حتى لو ازعج هذا الكلام الكثيرين.


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.