الاثنين، 23 ديسمبر 2013

سوريا من الإقصاء إلى قطع الرؤوس; علاج «داعش» للأقليّات: دروز إدلب يُشهرون إسلامهم!

    ديسمبر 23, 2013   No comments

1. سوريا من الإقصاء إلى قطع الرؤوس
سامي كليب

يسكن د. هيثم مناع في غرفتين متواضعتين في إحدى ضواحي باريس. في إحداهما كنبة فردية قديمة وبضعة كراسيّ وطاولة تتكدس عليها الكتب والملفات. فيها أيضاً رسومات لشقيقه الذي قتلته الحرب في درعا، وكوفية فلسطينية، وبعض ملصقات مهرجانات تضامن مع شعوب مقهورة. وفي الغرفة الثانية سرير تتوزع فوقه ثياب قديمة وشاله الأحمر وكتب وأوراق وأشياء أخرى. وفي إحدى الزوايا شيء يشبه المطبخ تفوح منه رائحة القهوة العربية. تحضر القهوة لتتوسط صحناً من التمر وآخر من البزورات الحلبية.
فوق كل هذا المشهد ترتسم ابتسامته الدائمة. لم تفارق هيثم الابتسامة رغم كل نوائب المهجر ومصائب الناس والمعذبين والمعتقلين. دافع عنهم في كل بقاع الوطن العربي من على منبر اللجنة العربية لحقوق الإنسان مع زوجته المناضلة اللبنانية فيوليت داغر.
في الجهة الثانية من باريس، كان الدكتور برهان غليون يسكن هو الآخر في منزل متواضع. عاش سنوات طويلة يعتاش من مهنة التعليم في الجامعات الفرنسية. ينشر عن الديموقراطية والحريات ومفهوم الدولة. كلما سنحت الفرصة، ينبري للدفاع عن قضايا العرب من فلسطين إلى المقاومة إلى معتقلي السجون المغربية.
مثل هيثم وبرهان، كثيرون عاشوا في المنافي. حلموا بغد أفضل. دغدغتهم أفكار الحرية والديموقراطيات الغربية. قالوا إن شعبهم السوري يستحق شيئاً أفضل من قبضة أمنية، أو من طبقة فاسدة تزداد غنى على حساب الفقراء والمزارعين. في مثل هذه الطبقة لا فرق بين علوي وسني ومسيحي ودرزي.

بدأ الربيع العربي. انتعش هيثم وبرهان ورفاقهما. حان الوقت للتغيير.
صار برهان ضيفاً على كل التلفزات. لمع نجمه مقابل احتجاب هيثم. اختار كل منهما طريقته في طريق العودة إلى سورية. تقاطر الدبلوماسيون على برهان. فتحت الأبواب. فرش السجاد الأحمر. تنافست وسائل الإعلام الأجنبية ثم العربية على طلب لقاءات مع الأستاذ الجامعي، تنافست الوسائل نفسها على منع اللقاءات مع الناشط الحقوقي.
تدهورت الاوضاع سريعاً. صار أزيز الرصاص ثم الاقتتال ثم التناحر فالتذابح أسياد الساحات. القاتل يبسمل ويحمدل، والقتيل يبسمل ويحمدل.
تباعدت طريقا هيثم وبرهان. رفع الأول لاءاته الثلاث: لا للسلاح، لا للتدويل، لا للأسلمة. رفع الثاني شعار التحالف مع الشيطان إذا كان سيؤدي إلى سقوط الرئيس بشار الأسد. أُغلقت الأبواب الغربية والخليجية والتركية أمام هيثم وفتحت واسعة في وجه برهان. قبل غليون تحالفاً عضوياً مع الإخوان المسلمين في المجلس الوطني الذي ترأسه برعاية غربية. تنافر مناع عضوياً مع الإخوان، فاستبعد من المجلس ومن كل العروض.
اليوم يقترب برهان مما قاله هيثم طويلاً. يقول: «أعتقد أن نزاعاتنا الداخلية من جهة، وأوهام بعضنا بتدخل أجنبي عسكري من جهة أخرى، أتاحا لخصومنا سحب البساط من تحت أقدامنا». هذا تقريباً ما يقوله النظام.
يبتسم هيثم في شقته المتواضعة. يقول إن الولاءات الخارجية لبعض أطراف المعارضة هي سبب ما وصلنا إليه. يرفض جمع كل المعارضة تحت راية الائتلاف. يعتبر أن ذلك يسقط قرارها في أيدي الاستخبارات السعودية والتركية عبر الأمير بندر بن سلطان وحقان فيدان، وبيد السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد. هذا بالضبط ما يقوله النظام.
يحذر رئيس المجلس الوطني جورج صبرا من احتمال أن تدفع المعارضة الثمن بعد الاتفاق الإيراني الغربي. يسبقه معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الذي آثر الابتعاد، قال الخطيب: «لا تثقوا بالدول. إن الأمر أكبر من الثورة وأكبر من النظام. هناك وطن لنا سيتركوننا نتصارع فيه حتى ينهار». قال أشياء أخطر عن احتقار الخارج لمعارضة الخارج. هكذا تقريباً يتحدث النظام.
يتفاقم التنافر بين المعارض اليساري ميشال كيلو وجماعة الإخوان المسلمين السوريين. يتبادلان الاتهامات الجارحة لكليهما. يكادان يصلان إلى مرحلة التخوين. ما عاد النظام بحاجة لأن يقول أكثر من ذلك حيال الإخوان.
يجري ذلك على وقع التنافر السعودي ــــ الإخواني. يزور كيلو السعودية فيُستقبل بترحاب كبير. المناضل الشيوعي في عرين الوهابية التي حاربها طويلاً. كل عرين جيد لمحاربة عرين الأسد. لا بأس إن جاءت طائرات الأطلسي وقصفت سوريا. قالها أكثر من مرة.
سقطت الأحلام في أتون الصراعات. تقدمت أطراف أخرى. فقد المسلحون ثقتهم بمعارضة الخارج. فقدوا مرجعيتهم الأولى. فتحت الأبواب على أطراف مسلحة أكثر راديكالية وخطورة. صار الإرهاب سيد الساحة. أعطى الجميع مبرراً لخطاب السلطة القائل إن الجيش يقاتل الإرهاب. صار الغرب أكثر ثقة بالجيش منه بالمعارضة المشتتة والمسلحين المتذابحين على الأرض.
بعد أسابيع قليلة، تذهب السلطة السورية إلى مؤتمر جنيف بوفد موحد وقرار موحد وخطاب موحد. ستقول إنها ضحية الإرهاب وإنها تقاتل لحماية الشعب. تذهب المعارضة متنافرة، كارهاً بعضها لبعض أكثر من كرهها للنظام. ستقول إن بطش النظام كان السبب.
سقطت أحلام المعارضين في مستنقع تنافسهم. سقطت أحلامهم ضحية الفتن المذهبية. قتلتها ردة الفعل الإقصائية على الفعل الإقصائي للنظام. نحرتها خناجر التكفيريين قبل أن تنحر الآخرين.
أما وقد وصلت الأمور إلى هذا الدرك الدموي، ثمة سؤالان لا بد من طرحهما:
ــــ هل باتت السلطة قابلة فعلاً بإشراك المعارضة في عملية تغيير واسعة؟
ــــ هل اقتنعت المعارضة فعلاً بأن إسقاط النظام بالقوة بات مستحيلاً ولا بد من حل تفاوضي.
والسؤال الأهم: هل أدرك الجميع أن سياسة الإقصاء لم تؤد في نهاية المطاف إلا إلى قطع الرؤوس وبقر البطون ودمار سورية وفتح الأبواب أمام أسوأ صراعات القرن وتنافسات القرن وتفاهمات القرن بالدم السوري؟
______________
 2. علاج «داعش» للأقليّات: دروز إدلب يُشهرون إسلامهم!

فراس الشوفي
احتضن دروز إدلب النازحين من دون التفريق بين موالٍ ومعارض (مروان طحطح)
لا يكفي دروز محافظة إدلب السورية أن يكون محمد نبيّهم ودين التوحيد دينهم ليكونوا مسلمين. حتى تصنيفهم الرسمي في الدولة السورية واللبنانية والمملكة العربية السعودية كمسلمين لا يعني أولياء الأمر في «الدولة الإسلامية في العراق والشام». توزيع شهادات الإسلام من عدمه بات حصرياً في أيدي ممثلي «الدولة الإسلامية»، وعليه، فإن دروز إدلب مضطرّون إلى إعلان إسلامهم، وإلّا!

لم ينتظر دروز إدلب أن يشتد عود «جبهة النصرة» أو «الدولة الإسلامية» حتى يعلنوا حيادهم في الحرب الدائرة على الأرض السورية. منذ بداية الأزمة، وقف الدروز في المحافظة البعيدة في أقصى الشمال السوري على الحياد، في واقعية تحتّمها أعدادهم الضئيلة وقراهم الصغيرة الفقيرة، إذ لا يتجاوز عددهم 30 ألفاً. بل أكثر من ذلك، احتضنت قرى الدروز الـ14 في إدلب (بعض المصادر الصحافية تذكر أنها 18) أكثر من خمسين ألف نازح من القرى المحيطة، معارضين وموالين، بعد المعارك الطاحنة بين الجيش السوري والمسلحين.
أمس، انتشر خبر «إعلان 18 قرية درزية في إدلب دخولها الإسلام» على مواقع إلكترونية سعودية. وبمعزلٍ عن النقاش عن كون أبناء طائفة الموحدين فرعاً أو مذهباً من فروع أو مذاهب الدين المحمدي، كالعلويين والشيعة وسواهم، فإن شحّ المعلومات لا يؤكّد ولا ينفي هذه الحادثة.
الصمت سيّد الموقف عند المعنيين في طائفة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا. لا أحد يريد التعليق، لا نفياً ولا تأكيداً. وربما ليس من باب الكتمان فحسب يحجم المعنيون عن التصريح لصعوبة التواصل وانقطاع شبكات الهاتف في مساحة واسعة من المحافظة، لكن يدرك هؤلاء أيضاً أن «وضع دروز إدلب لا يحسدون عليه». وحده النائب طلال أرسلان استغرب إعلاناً كهذا، مؤكّداً لـ«الأخبار» أن «الدروز مسلمون كباقي المذاهب، يؤمنون برسالة نبيّنا محمد».
مصادر مطلعة من داخل محافظة إدلب أكدت أن «القرى الدرزية في المحافظة لطالما كانت جزءاً من نسيج المحافظة، كما هي حال الدروز في كل سوريا، يعيشون منذ قرون بوئام وسلام مع القرى المجاورة». وتشرح المصادر واقع هذه القرى التي يعتاش أهلها بشكل عام على زراعة الزيتون والكمون، ومعدل بُعد أغلبها عن مدينة إدلب (لا تزال تحت سيطرة الجيش السوري) هو 14 كلم، والطريق إليها من المدينة تقع تحت سيطرة مسلحي المعارضة السورية. تقول المصادر إن «أهالي كفتين وبيرة كفتين ومعارة الإخوان وكفرمارس وتلتيتا وقلب لوزة وكفركيلا وعبريتا وجدعين والقرى الأخرى احتضنوا النازحين من القرى المجاورة منذ بداية الأزمة وأسكنوهم في بيوتهم من دون التفريق بين موالٍ ومعارض، حتى إن الرجال افترشوا أسطح منازلهم وتركوا غرفهم للنساء من النازحين مع زوجاتهم وأطفالهم، ولم تسجل أي مشكلات على خلفية مذهبية أو طائفية». وتشير مصادر أخرى إلى أن « مقاتلي الجيش الحر لم يدخلوا إلى هذه القرى أو يهددوا أهلها لأنهم يعلمون أن أقاربهم يعيشون فيها عيشاً كريماً، وتجنّبوا نقل المعارك إليها لتبقى ملاذاً آمناً لعائلاتهم». كل هذا تغيّر مع دخول «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الخط، إذ تؤكد المصادر أن 90% من المناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة السورية المسلحة وقعت تحت سيطرة «الدولة الإسلامية»، ولم يتبق سوى مدينة كفرتخاريم المحاذية للقرى الدرزية تحت سيطرة من تبقى من مقاتلي «الجيش الحر»، إضافة إلى بعض الجيوب، فيما أحكمت «الدولة» سيطرتها العسكرية على باقي المناطق، وتتولى هيئة شرعية إدارة أمورها الحياتية.
وتشير المصادر إلى أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام تطلب من كل القرى إجمالاً إعلان ولائها لها، وفي أغلبيتها قرى سنيّة، وهي تتعامل مع القرى بسياسة العصا والجزرة، فمن يلتزم ويعلن ولاءه للدولة لا يصيبه ضيم، فيما يتعرّض المعارضون للتنكيل والتهجير والقتل الممنهج ومصادرة الأراضي والممتلكات». وتؤكّد المصادر أن بعض الأمراء في «الدولة» تعاملوا في بداية سيطرتهم على إدلب بنحو إيجابي مع القرى الدرزية، لمعرفتهم أن الدروز لم ينحازوا منذ بداية الأزمة إلى جانب النظام السوري، بينما تغيّرت الحال قبل فترة ليصل الأمر بالهيئة الشرعية إلى الطلب من الدروز «إشهار إسلامهم»، فيما تقول مصادر أخرى إن «الهيئة طلبت من المسؤولين عن خلوات الدروز إضافة قباب ومآذن إلى مباني الخلوات، لتصبح رسمياً مساجد للمسلمين، وكذلك الطلب إليهم التقيّد بالأحكام الشرعية المتعلّقة بالأزياء عند الذكور والنساء، وحفّ الشوارب عند الذكور». وتشير المصادر إلى أن «غالبية السكان التزموا بقرارات الهيئة».
هذه حال قرى «جبل السّماق» إذاً، مسلمون قاتلوا الصليبيين في جيش المماليك تحت راية الظاهر ركن الدين بيبرس والمظفّر سيف الدين قطز، وثاروا ضد الاحتلال الفرنسي، يُضطّرون إلى إعلان إسلامهم مرة جديدة أمام «دولة»، لا ترى من الإسلام سوى قطع الرؤوس.

ISR Weekly

About ISR Weekly

هيئة التحرير

Previous
Next Post
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات


ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.