‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدين والسياسة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدين والسياسة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 31 يوليو 2019

ما سبب استدارة الإمارات نحو طهران؟

    يوليو 31, 2019   No comments
 قاسم عز الدين
 

الاجتماع الخامس الأخير "لخفر السواحل بين الإمارات وإيران" يعود إلى عام 2013، ولم يكن من المتوقع قبل أسابيع قليلة انعقاد الاجتماع السادس الحالي في طهران بسبب التصعيد الأميركي في مياه الخليج وانخراط الإمارات والسعودية في صدارة "فريق الباءات"، بحسب تعبير وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

لكن لقاء وفد عسكري إماراتي في طهران بذريعة "خفر السواحل" لا يشير فقط إلى التراجع الإماراتي، بل يشير أيضاً إلى تجاوب إيران مع المساعي الإماراتية بعد أن أقفلت طهران الأبواب أمام محاولات أبو ظبي.

في العدوان على اليمن وفي التحريض على الحرب ضد إيران، ذهبت أبو ظبي أبعد من الخطوط الحمر حتى عبّرت طهران عن غضبها إثر إقلاع الطائرة الأميركية التي أسقطتها طهران من الأراضي الإماراتية.

فأمام هذه المشاركة الإماراتية في العدوان المباشر على إيران، أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى "المدن الزجاجية" في معرض حثّ السعودية والإمارات على التراجع عن المشاركة في تدمير المنطقة لخدمة مآرب ترامب و "إسرائيل".

انسحاب القوات الإماراتية من بعض مناطق اليمن، يدلّ في المقام الأول بين دلائل أخرى على أن الإمارات فقدت الأمل من المراهنة على الحماية الأميركية في الحرب على إيران. لكن أبو ظبي تأخرت في استكمال استدارتها نحو طهران، فحاولت إرسال رسائل سريّة عبر "أشخاص يتحدثون عن السلام"، بحسب تعبير المستشار الإيراني لشؤون الدفاع حسن دهقان، بينما تطلب إيران انفصال الإمارات والسعودية عن فريق "الباءات"، وفق وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

في سياق فشل المراهنة على الحماية الأميركية، يشير المندوب السعودي في الأمم المتحدة لأول مرة إلى استعداد الرياض لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد إفراج الرياض عن سفينة إيرانية تعرّضت للإصابة بعطل أمام الشاطىء السعودي ولم تفرج عنها مدة شهرين ونصف. وربما ما يجري تسريبه عن رسائل ترسلها الرياض عبر السفارة السويسرية إلى طهران، هو في هذا السياق.

في المقابل لم تنجح المحاولة الأميركية لإنشاء "تحالف الراغبين لحماية حرية الملاحة في الخليج". فدعوة مايك بومبيو إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا وألمانيا لحماية سفنها في مياه الخليج، لم تسفر عن خطوات ملموسة وهو ما حدا بوزير الخارجية الأميركية إلى الخلاصة بما تبيّن له بأن "تشكيل التحالف في مضيق هرمز يتطلب وقتاً أكثر مما كان مفترضاً". ولا سيما أن وزير الخارجية الألمانية يشير إلى رغبة ألمانيا بخفض التوتر والبحث عن حلول دبلوماسية.

بريطانيا التي تستجيب في العلن على الأقل إلى دعوة بومبيو، بإرسال المدمّرة "أتش أم أس دانكن"، تبالغ عمداً في ادعاءات لا تحظى بالصدقية بشأن حماية السفن. وهو ما كشفه حرس الثورة بالصوت والصورة حين أظهر أن السفينة البريطانية "إستينا أمبيرو" التي احتجزتها إيران كانت ترافقها الفرقاطة الحربية، ولم تكن بعيدة عنها بحسب الادعاء البريطاني.

فضلاً عن ذلك يشير بعض الخبراء إلى أن المدمّرة البريطانية التي وصلت إلى مياه الخليج كانت مدرجة لكي تحل محل الفرقاطة وليست دليلاً على استعداد بريطانيا لحماية السفن التي ترفع العلم البريطاني، كما يدّعي وزير الدفاع بن والس.

حزب المحافظين برئاسة رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون، يحاول الاصطفاف وراء جون بولتون في ادّعاء التصعيد ضد إيران في الخليج أملاً في مدّ يد العون الأميركي للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق وعقد صفقة موعودة مع ترامب. لكنه يراهن إلى جانب ذلك على أوروبا "لتشكيل مهمة بحرية أوروبية مشتركة".

وهذه المراهنة وتلك دونهما عقبات جمّة قد تؤدي إلى الإطاحة بحكم حزب المحافظين وتعريض بريطانيا إلى انفصال إيرلندا واسكوتلندا. لكن هذه المآلات قد تكون أقل خطورة على السعودية والامارات إذا لم يتراجعا عن فريق "الباءات" لحماية أمن الخليج وحرية الملاحة بين دول المنطقة.

الأحد، 30 يونيو 2019

الإخوان المسلمون في مصر يعلنون إجراء مراجعات داخلية

    يونيو 30, 2019   No comments

أعلن المكتب العامّ لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر تبنّي الجماعة توجهاً جديداً للفترة المقبلة، على خلفية ما وصفته بالواقع الجديد بعد وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي وبعد مراجعات داخلية متعددة.

ووصف بيان الجماعة الرئيس مرسي بأنه "رمز التجربة الديمقراطية المصرية"، متهمةً السلطات بـ "تعمد قتله عبر الإهمال الطبي" ومطالبة بمحاسبة جميع المتورطين في ما أسمته "الجريمة".

ورأى البيان أن ما حدث منذ الثالث منذ 3 تموز/يوليو 2013 هو "انقلاب عسكري نتج عنه حكم عسكري دموي يجب إنهاؤه فوراً"، في إشارة إلى الفترة التي تمت تنحية مرسي واستلام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي السلطة.

أما عن استراتيجية عملها المقبلة فأوضح البيان أن الخيار الاستراتيجي الأمثل والأبقى للإخوان هو الخيار الثوري الشامل عبر أدوات المقاومة المدنية المشروعة.

وفي ختام البيان أكدت الجماعة قيامها بمراجعات داخلية ووقوفها على الأخطاء، وخلصت إلى إعلان التفريق بين العمل السياسي العام وبين المنافسة الحزبية الضيقة على السلطة.

وطرحت الجماعة نفسها كتيار وطني عام ذو خلفية إسلامية، مؤكدة على التواصل خلال الفترة المقبلة مع كافة المنتمين للمعسكر المناهض للحكم العسكري "لتوحيد الأهداف والمنطلقات" وصنع أرضية فكرية مشتركة.

القيادي في الإخوان المسلمين، محمد سودان، أكد أن بيان الجماعة الأخير لم يصدر عن مكتب الإرشاد العامّ، بل عن جماعة الإخوان المسلمين المنفصلة عنه، وأضاف "نحن نختلف في عدد من النقاط الواردة فيه".

وفي اتصال مع الميادين قال سودان إن من ينتمون لجماعة الإخوان بشر ومن الطبيعي حصول بعض الأخطاء خلال فترة حكمهم، وتابع "عندما تطالب أي إنسان بمراجعة أخطائه وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه فهذا ظلم".

واتهم سودان النظام الحالي في مصر بأنه لم يسمح لأيٍ من أعضاء الإخوان المسلمين بالمشاركة في الحياة السياسية.
________________

نص البيان:
 
 إنَّ الحمدَ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه، وبعد،،


تتوجهُ جماعةُ الإخوان المسلمين بالتحية إلى الشعوب الحرة حول العالم التي حملت قضية استشهاد الرئيس الشهيد محمد مرسي لتسجل في التاريخ شهادة وإقرار شعوب العالم الحر على جريمة قائد الانقلاب العسكري ونظامه واغتيالهم لأولِ رئيس ديمقراطي منتخب في مصر في ظل تواطؤ دولي مريب.

إنَّ استشهاد الرئيس محمد مرسي قبل أيام من مرور ستة أعوام كاملة على الانقلاب العسكري قد فرض واقعًا جديدًا على شكل وطبيعة الصراع بين معسكر الثورة والانقلاب العسكري، يتوجب معه، إعادة تأطير الأجندة الثورية في مصر على محوري الفكر والحركة، لذا فإن المكتب العام للإخوان المسلمين حرص على إعلان موقفه من عدة أمور محورية وهي:

أولًا- الرئيس الشهيد محمد مرسي:
فترى جماعةُ الإخوان المسلمين أنَّ الرئيس الشهيد محمد مرسي هو رمز التجربة الديمقراطية المصرية، بوصفه أول رئيس ديمقراطي منتخب، ونتهم سلطات الانقلاب بتعمد قتله بالإهمال الطبي، وستظل كافة الانتهاكات في حقه سواء السياسية، أو القانونية، أو الإنسانية قائمة حتى محاسبة جميع المتورطين فيها، وسنقوم بدعم كل الجهود الهادفة؛ للتحقيق الدولي بشأن قتل الرئيس وسنناضل من أجل ذلك.

ثانيًا- السلطة الحاكمة في مصر:
ترى جماعةُ الإخوان المسلمين أنَّ ما حدث في مصر منذ ٣ يوليو ٢٠١٣م هو انقلاب عسكري نتج عنه حكم عسكري دموي، لا نعترف به، ولا نشتبك معه سياسيًا، ونرى السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي يعيشها الوطن هو إنهاء الحكم العسكري وهو ما يتحقق بمجموعة من المظاهر وهي:

استعادة الإرادةِ الشعبيةِ من جديد، والقصاص العادل للشهداء منذ يناير ٢٠١١، وعودة العسكرِ للثكناتِ بشكلٍ كامل وحظر اشتغالهم بالسياسة وتفكيك منظومتهم الاقتصاديةِ ودمجها بالاقتصاد الوطني، واستقلال وتطهير الإعلامِ والقضاء، والشفافية فى المعلوماتِ، وإعادة الأموال والأراضي والشركات المغتصبة، وقيام المؤسسةِ الأمنيةِ بدورها الوطني.

ثالثًا – استراتيجية النضال ضد الحكم العسكري:
إنَّ أطر التغيير في الدول وفقًا للتجارب عبر التاريخ لها ثلاث أشكال، إما النضال الدستوري، وإما النضال الثوري، وإما النضال العسكري، وترى جماعة الإخوان المسلمين أن الحكم العسكري في مصر وتكوين المجتمع المصري ونخبته السياسية والاتجاه الشعبي العام لا يتناسبُ معه إلا الخيار الثوري الشامل والتغيير الكلي لمنظومة الحكم في مصر، ومواجهة آلتها العسكرية بالمنهجية الثورية التي شهدها العالم بامتلاك أدوات المقاومة المدنية المشروعة للشعوب للخلاص من النظم الديكتاتورية العسكرية، والتي دعمتها قرارات الشرعية الدولية في عدة دول مرات عديدة، وهذا هو الخيار الاستراتيجي للإخوان المسلمين في مصر حتى وإن طال الزمن في ذلك الطريق.
وبناء على تلك المحددات، فإنَّ المكتب العام للإخوان المسلمين يرى أن المرحلة الراهنة يتحتمُ فيها التركيز على هدفين مركزيين ذوي أولوية في طريق امتلاك أدوات النضال الثوري وهما:

أولًا – العمل على تحرير سجناء الرأي في مصر بشكل منهجي وعاجل، وهو الملف الذي عمل العسكر على تضخيمه لكسر شوكة الحراك الثوري، وعمل على سجن قيادات العمل الثوري من الشباب والتيارات السياسية المتعددة والرموز الوطنية كرهائن لديه خاضعين للتعذيب والإخفاء القسري والقتل العمد بالتصفية أو الإهمال الطبي والأحكام المجحفة بالإعدام والسجن المشدد، هادفًا من كل ذلك إرهاب المجتمع من أي حراك ثوري، وهو ما يحتم العمل الموحد لكسر استراتيجية ”رهائن الثورة“ التي تنتهجها السلطة العسكرية، والعمل تحت هدف رئيسي، وهو تحرير كافة المعتقلين وليس تحسين شروط السجن والعبودية، وذلك بالعمل المشترك لطرح ملف سجناء الرأي على كافة برلمانات العالم، والمحافل الدولية، ومحاصرة سلطات الانقلاب في ملف حقوق الإنسان، والعمل على تحرير المعتقلين الذين يمثلون دعمًا حقيقيًا لأي عمل ثوري مرتقب، ودافع نفسي لكسر حاجز الخوف لدى المجتمع.

ثانيًا – توحيد المعسكر الثوري ونبذ الخلاف، وهو ما نقدمه كطرح عام إلى كل الرافضين للحكم العسكري بمختلف الأيدولوجيات والأفكار وفي القلب منهم إخواننا في الطرف الآخر من الإخوان المسلمين لتجاوز مرحلة الخلاف، وتركيز الجميع على توحيد المنطلقات والأهداف كأساس أولي ينتج عنه تفعيل حقيقي للكيانات والتحالفات الثورية القائمة أو إنشاء أوعية جديدة.

ويؤكدُ المكتبُ العام لجماعةِ الإخوان المسلمين أنه ومع تقديم هذا الطرح فإننا قد قمنا بمراجعات داخلية متعددة، وقفنا خلالها على أخطاء قد قمنا بها في مرحلة الثورة ومرحلة الحكم، كما وقفنا على أخطاء وقع فيها الحلفاء والمنافسون من مكونات الثورة، وقد تسببت تلك الأخطاء والخلافات في تمكين الثورة المضادة من زمام الأمور، لذا فإننا نعلنُ أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تقفُ الآن على التفريق بين العمل السياسي العام وبين المنافسة الحزبية الضيقة على السلطة، ونؤمن بأن مساحة العمل السياسي العام على القضايا الوطنية والحقوق العامة للشعب المصري، والقيم الوطنية العامة وقضايا الأمة الكلية، هي مساحة أرحب للجماعة من العمل الحزبي الضيق والمنافسة على السلطة، وسنعمل في مرحلة ما بعد إنهاء الانقلاب العسكري كتيار وطني عام ذو خلفية إسلامية، داعمين للأمة ونمارس الحياة السياسية في إطارها العام، وندعم كل الفصائل الوطنية التي تتقاطع مع رؤيتنا في نهضة هذا الوطن في تجاربها الحزبية، ونسمح لأعضاء الإخوان المسلمين والمتخصصين والعلماء من أبناءها بالإنخراط في العمل السياسي من خلال الانتشار مع الأحزاب والحركات التي تتقاطع معنا في رؤيتنا لنهضة هذه الأمة.

ويؤكد المكتب العام للإخوان المسلمين، أنه سيعمل على التواصل خلال الفترة المقبلة مع كافة المنتمين للمعسكر المناهض للحكم العسكري، لطرح رؤيته ”لتوحيد الأهداف والمنطلقات للثورة المصرية“ من واقع المسؤولية الوطنية والأخلاقية، لصنع أرضية فكرية مشتركة تعمل على إعادة النضال الثوري للمساحة الفاعلة من جديد.

المكتب العام للإخوان المسلمين
القاهرة – السبت 26 شوّال 1440هـ – 29 يونيو 2019م

السبت، 29 سبتمبر 2018

مع أم ضد؟ عن الجدل التونسي حول المساواة في الميراث

    سبتمبر 29, 2018   No comments
 عبد الوهاب الملوح*

ما أثار الضجة التي تبعها جدل حاد في جميع وسائل الإعلام وصل إلى درجة التظاهر والاحتجاج في الشوارع، هو مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، الذي أعاد النقاش في قضية المرأة في الإسلام إلى المربّع الأول.
لماذا يسمح الدين الإسلامي بتعدّد الزوجات؟ السؤال نفسه لم يبل بفعل الزمن وظل متجدّداً. وغالباً لا يقف عند هذا الحدّ، بل يتعداه إلى أسئلة أخرى تتمحور حول القضايا التي ما انفكّ يطرحها مفكّرون ومفكّرات والتي تتصل بوضعية المرأة في الإسلام.

هذه المسألة عادت إلى الواجهة في تونس اليوم لكن بحدّة مُضاعَفة عما كانت عليه سابقاً، وذلك بسبب ما باتت تفرضه التحوّلات الاجتماعية والسياسية، خاصة بعد التقرير النهائي الذي قدّمته "لجنة الحقوق والحريات الفردية والمساواة" في حزيران/يونيو الماضي، عِلماً أن اللجنة أطلقها الرئيس التونسي الباجي قايد السيسي في آب/أغسطس عام 2017 وتكوّنت من حقوقيين وأكاديميين وقضاة وعُلماء شرع.
 
جاء التقرير في 235 صفحة على جزءين. الجزء الأول مخصّص للحقوق والحريات الفردية، أما الجزء الثاني فتناول المساواة في الميراث بين المرأة والرجل. وتصدر التقرير توطئة عامة تستند إلى مقاربة اجتماعية ودينية.

ورغم تعرّض هذا التقرير للحقوق والحريات الفردية مقترحاً توصيات عدّة في هذا الشأن من قبيل الحق في الحياة والحرية والأمان والتفكير والعقيدة، غير أن ما أثار الضجة التي تبعها جدل حاد في جميع وسائل الإعلام وصل إلى درجة التظاهر والاحتجاج في الشوارع، هو مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، الذي أعاد النقاش في قضية المرأة في الإسلام إلى المربّع الأول.

في العام 1899 أصدر قاسم أمين كتاباً بعنوان "تحرير المرأة". العنوان وحده كان كافياً ليلفت الأنظار ويطرح عاصفة من الردود على شكل أسئلة موجِعة، ومنها تحرير المرأة ممن؟ من الرجل؟ من المرأة؟ من عقلية الذكورة؟ ناهيك أن عنوان الكتاب ينطلق من بديهة أساسية وهي أن المرأة سجينة. لم يكن بإمكان قاسم أمين حينها أن يتجرّأ  في الذهاب نحو الأبعد في محاربته التفكيكية لوضع المرأة في التشريع الإسلامي، رغم أن نظرة كبار عُلماء المسلمين في ذلك العصر من أمثال الكواكبي والأفغاني ومحمّد عبده ورشيد رضا كانت منفتحة وإصلاحية.

في تلك السنة خرج إلى الوجود الطاهر الحداد الذي قلب الطاولة على الجميع في كتابه "إمرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي صدر سنة 1930. لم يكن الحداد مُصلحاً اجتماعياً، كما لم يكن عالِم دين، بل ناشطاً في المجالين النقابي والسياسي باعتباره عضواً في الحزب الدستوري المعارض للاستعمار الفرنسي. غير أن ذكاءه الألمعي أوصله إلى أن صلاح هذه الأمّة لن يتم إلا بصلاح المجتمع، وبالأساس العائلة. لذلك اشتغل على وضع المرأة في المجتمع الإسلامي وأصدر كتابه الذي أعلن فيه عدم جواز تعدّد الزوجات، وأن المرأة مساوية الرجل في الكثير من الحقوق الاجتماعية.

في هذه البيئة تربّى فكر الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس بعد الاستقلال. ولا غرابة أنه لما عاد من المنفى في العام 1955 ترجم هذا الفكر بعد سنتين في مجلة الأحوال الشخصية في العام 1957 والتي كانت ثورة كبرى على الوضع النسوي حيث تضمّنت مسألة تعدّد الزوجات والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في مجالات عدّة. لقد شكّلت المجلة المذكورة ثورة حقيقية وإعلان بداية تمرّد على الوضع المتكلّس للاجتهاد، بل لقد ذهب بعض علماء الدين وقتها إلى تكفير الحبيب بورقيبة. غير أن المجلة كانت تعبيراً عن تحرير عقلية التونسي من التزمّت والتطرّف، وجاءت انسجاماً مع معاهدة حقوق الإنسان للأمم المتحدة. كما أتت نتيجة لتراكم تحرّكات المرأة التونسية خلال عقود من أجل تحرّرها من عقلية الذكورة. ولم تكتف المرأة بما جاء في مجلة الأحوال الشخصية بل واصلت نضالاتها وكانت لها مواقف ثورية في عهد زين العابدين بن علي، حتى أنها ضحّت بنفسها وسقط الكثير منهن الشهيدات في المواجهة مع بوليس بن علي أثناء ثورة 2011.

هذا يؤكّد قوّة التحدّي الذي انخرطت في سياقه المرأة التونسية التي لم تعد ترضى أن تكون مجرّد أنثى أو امرأة، بل تطالب أن تتم معاملتها كإنسان كامل للحقوق شأنها شأن الرجل. وفي هذا السياق يتجدّد السؤال في مُقاربة مُغايرة. هل أن توصيات لجنة الحريات الفردية والمساواة جاءت في حجم هذا التحدّي؟ ام أنها كانت لغايات أخرى لا يعلمها إلا السبسي؟ بكل الأحوال، نجح الرئيس التونسي على الأقل في توجيه أنظار الرأي العام في البلاد نحو ما جاء به تقرير اللجنة من توصيات، وذلك في ظل أزمة سياسية حادّة تعيشها الحكومة وتوقّف مسار ميثاق قرطاج وما أسفر عنه من طلاق غير مُعلَن لــ "الزواج العرفي" بين حزبي "النداء" و"النهضة". ولذلك جاءت ردود الفعل مُتباينة بخصوص التقرير بل رافضة حتى ممَن هم من غير المحسوبين على تيارات اليمين، ممَن يناضلون من أجل مدنية الدولة وحرية الفكر والمعتقد. هو ما تصرّح به الصحفية والروائية وحيدة ألمي للصفحة الثقافية في الميادين نت قائلة:

"لم يكن مطلب المساواة في الميراث حديث عهد بآلاف الأصوات المساندة التي يضجّ بها الشارع التونسي في كل مناسبة، وآخرها عيد المرأة الموافق ليوم 13 أغسطس. فهذا المطلب كان من بين أهم النقاط المطروحة في لائحة مطالب تقودها نساء حداثيات يطالبن بمساواة مُطلقة مع الرجل في الحقوق. غير أن الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم يتجرّأ على إدخال يده إلى غار النّمل وتحلّى بذكاء سياسي جعله لا يتورّط في وعود ولا التزامات بقبول المُقترح رسمياً، لإدراكه بأن هذا الموضوع المحسوم شرعاً يفتح أبواب الجدل واسعاً"، مُضيفة "غير أنه مع هشاشة الدولة بعد ثورة يناير عاد التأجيج على أشدّه للضغط على الحكومة وحسم الأمر. مسألة المساواة وغيرها من مطالب جاءت في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بما في ذلك إيجاد موضع قدم للمثليين داخل المنظومة الاجتماعية التونسية رسمياً، جاءت وفق إملاءات خارجية أخذت شكل "النضال الحقوقي". فهذه الأصوات المساندة تدخل في إطار النضال مدفوع الأجر من منظمات دولية تزرع أبواقها في كل دولة عربية لأجل إعادة هيكلة مجتمعاتها وتفتيتها قيمياً وإعادة بنائها تحت مظلّة الحداثة وحقوق الإنسان".

تواجه المرأة التونسية اليوم جملة من المطالب الحياتية التي لم تتحقّق رغم ترسانة من القوانين المُناصرة لها في الظاهر. ففي حالات الطلاق مثلاً تعجز الأمّ الحاضنة للأبناء عن الحصول على النفقة لإعالة أطفالها، وتصطدم منذ رفع القضية لدى المحاكم بصعوبات التأجيل وتنفيذ الأحكام. كما أنها غير قادرة اليوم على الطلاق للضرر النفسي والاستغلال الجنسي والاقتصادي، رغم إيجاد القانون المنظّم لذلك ودخوله حيّز التنفيذ في شباط/فبراير 2018.

المرأة التونسية تشكو أيضاً من التحرّش في العمل وتُساوَم في قوتها وترقياتها وتعيش على المحك رغم التبجّح بقانون يجرّم ذلك. غير بعيد من هذه الفكرة تقول خديجة معلى المستشارة الدولية إنه "صحيح أن واقع المعيشة حالياً في تونس يرزح تحت وطأة المشاكل الحياتية التي تتطلّب حلاَّ عاجلاً نظراً لتأثيرها السلبي على حياة المواطنين، وعلى أمن المجتمع وتقدّم الشعب"، غير أن تأصيل حقوق الإنسان، وخاصة المساواة بين الجنسين في كل المجالات بدءاً من الميراث هي حقوق لا ترتبط بوقت أو بظرف. علماً وأن لتونس أسبقية تاريخية في مجال تمتّع المرأة بحقها في التعليم، وفي العمل والتنظيم العائلي، وجميع الحقوق المدنية والسياسية".

معلى رأت أنه وبغضّ النظر عما قيل عن المبادرة الرئاسية الحالية من أنها "مناورة سياسية أم لا، إلا أنها بالتأكيد تُعبّر عن المرأة، لأن النضال من أجل استكمال حقوقها لم ينقطع حتى في عهد النظام السابق للثورة".

يتمثل ذلك، وفق معلى، في نضال شخصيات حقوقية ومنظمات المجتمع المدني مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وغيرها "من الذين لم ينقطعوا عن المُطالبة بجميع الحقوق والحريات الفردية والمساواة".

تكريس للمساواة؟

أما فتحية السعيدي، أستاذة العلوم الاجتماعية والقيادية في "حزب المسار" اليساري، فترى أن تونس "تعيش جدلاً اجتماعياً فريداً من نوعه تراوح بين النقاش الهادئ والرصين، وبين التعبيرات الانفعالية حول ما جاء في تقرير "لجنة الحريات"". فالتقرير برأيها "تناول عدداً من القضايا المجتمعية المهمة التي تستهدف تغيير التمثلات والتصوّرات الاجتماعية في اتجاه تطويرها ضمن مقاربة اتجهت إلى اعتماد القراءة المقاصدية المستنيرة والمتفتحة للنص الديني".

السعيدي أضافت إن من بين أبرز القضايا التي طرحها التقرير "مراجعة مختلف القوانين التي أصبحت مُتعارِضة مع دستور الجمهورية الثانية الصادر في العام 2014، علماً أنه قد أقر المساواة التامة بين النساء والرجال ومنع التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المعتقد، أو العرق، أو الجنس وهو ما يستلزم ملاءمة مختلف القوانين مع ما ورد في الدستور".

ذلك أن المبادرة التشريعية الأخيرة حول المساواة في الميراث تعدّ "أحد الخطوات المهمة في اتجاه تكريس المساواة بين النساء والرجال. فالقاعدة الأساسية هي المساواة واللامساواة هي الاستثناء"، بحسب وصف القيادية في "حزب المسار" التي أشارت إلى ضرورة مراجعة مجلة الأحوال الشخصية وخاصة الفصل 13 المتعلّق بالمهر والفصل 23 المتعلّق برئاسة الأسرة وكل ما يليه من مشمولات الحضانة والولاية".

بشكل عام، يمثل تقرير (لجنة الحريات) "خطوة عملاقة رغم كل الصخب الذي رافقها ورغم محاولات تسييس المطالبات الواردة فيه واعتبارها مناقضة للعادات وللتشريع الإسلامي"، كما تقول السعيدي مذكّرة بأن تونس "دولة مدنية تفرض علوية الدستور".

أغراض انتخابية؟

هل ما جرى يرتبط بشكل أو بآخر بحسابات انتخابية؟ المستشار السابق للإعلام والاتصال في حكومتي على العريض ومهدي جمعة، عبد السلام الزبيدي يؤيّد هذا الرأي. فهو يقول إن السبسي "لم يُخف أهدافه الحقيقية من مبادرته تشكيل لجنة الحريات الفردية والمساواة وتكليفها بإعداد تقرير في الغرض على أساس أحكام الدستور والالتزامات الدولية لتونس والتوجهات الحديثة في مجال الحريات الفردية والمساواة. فقراءة متأنيّة لمضمون خطابه في العيد الوطني للمرأة التونسية عام 2017 والذي أَعْتبِرُه خطاب التكليف الحقيقي، تجعلنا نقف على أنّ للرئيس ثلاثة أهداف جوهرية، الأوّل أن يكون ثالث إثنين هما المصلح الطاهر الحداد والزعيم الحبيب بورقيبة. أما الهدف الثاني فهو إعادة هندسة المشهد السياسي التونسي وهي أشمل بكثير من العبارة المتداولة المتمثّلة في "الأغراض الانتخابية"".

لكن كيف ذلك؟ يشرح الزبيدي "رئيس الجمهورية يريد أن يستردّ بيده اليُسرى ما فقده بيده اليُمنى، والمفقود المقصود هو الفشل الذريع في الخيارات السياسية وانقلاب رئيسيْ الحكومتين اللذين اختارهما شخصيّاً رغم أنّ الدستور لا يُخوّل له ذلك (الحبيب الصيد ويوسف الشاهد)، والعجز عن الإيفاء بتعهداته الانتخابية التي تتجاوز صلاحياته"، وذلك فإن مبادرة تشكيل اللجنة وتقريرها وما ترتب عنهما "من شأنه إعادة هندسة المشهد وذلك بوضع "حليف التوافق" أي حركة النهضة بين كماشتيّ الضغوطات الدولية وتوجّهات أنصارها. فهذا الحليف رفض مسايرة رئيس الجمهورية في مسعاه لإزاحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فأشهرَ له الباجي قايد السبسي ورقة مبادرة الحريات الفردية والمساواة في الإرث".

ويضاف إلى ذلك الهدف الثالث الذي يتمثل وفق الزبيدي في "إعطاء تأويل مستقر للدستور في فصوله ذات الصلة بالهوية والحريات، وهي التوطئة والفصلان الأول والثاني عن (طبيعة الدولة وعلاقتها بالإسلام) والفصول6-21-21-26-46-47-49 التي نصّت على رعاية الدين وحرية الضمير والحريات الفردية وحقوق المرأة".

على أية حال، وبغضّ النظر عن أهداف الرئيس التونسي يبقى من الضروري الاحتكام إلى مقتضيات دستور 2014 ومنطقه الداخلي وأولوياته الحقيقية. إذ إن تقديم مبادرة حول الحريات الفردية أو المساواة يتطلّب عرضها للاستشارة الوجوبية أمام الهيئة الدستورية لحقوق الإنسان والتنمية المُستدامة، في حين أنّ البرلمان لم ينظر أصلاً في النص المؤسّس لها. فضلاً عن انتخاب أعضائها، بالإضافة إلى أنّ من شروط المصادقة النهائية على مشروع قانون الميراث أو إمكانية عرضه على الاستفتاء يتطلّب مُصادقة المحكمة الدستورية التي لم تَر النور بعد.

وعليه، من الضروري إنشاء الهيئتين ثم إثر ذلك يكون عرض المبادرة التشريعية على البرلمان. أما في ما يتعلق بالمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى في ذاتها، يظل الفصل بين مسارين إثنين حاسماً. المسار الأول فكري وتقوده النخبة بمختلف توجّهاتها ضمن جدل له أوجهه الأكاديمية والمجتمعية، أما الثاني فسياسي وتشريعي يكون لاحقاً وليس سابقاً للمسار الفكري.
_________________
* كاتب وشاعر من تونس

الأحد، 2 سبتمبر 2018

ظاهرة الانتحار والتطرف عند "الجهاديين الجدد"

    سبتمبر 02, 2018   No comments
 د. هيثم مزاحم

يلاحظ الباحث الفرنسي أوليفييه روا أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

نشر الباحث الفرنسي المعروف والمختص بالشؤون الإسلامية أوليفييه روا، قبل سنتين كتابه المعنون "الجهاد والموت" باللغة الفرنسية ونقله إلى العربية صالح الأشمر ونشرته دار الساقي عام 2017. وقد حاول روا فهم ظاهرة التطرف الذي يقوم به تنظيما "داعش" و"القاعدة" وخاصة في الدول الغربية وهل سببها الدين الإسلامي أو الظلم السياسي والاجتماعي في الدول العربية والإسلامية أو الاستعمار والغزو الغربيان لهذه الدول؟ هل السبب هو العقيدة السلفية التي تحولت إلى سلفية جهادية؟ هل يعود السبب إلى عدم اندماج هؤلاء الشبان المسلمين في المجتمعات الأوروبية التي نشأوا فيها أو هاجروا إليها وإلى التمييز والعنصرية اللذين يعاملون بهما في هذه الدول؟.

يسعى الباحث إلى فهم هذه الظاهرة وتفسيرها استناداً إلى فكرة الانتحار، المتمثلة بالعمليات "الجهادية" المزعومة، والتي يبدو أن هدفها الأول هو موت المنفذ أكثر من تحقيق أي أهداف سياسية أو عسكرية استراتيجية. لكن هذه الدراسة تختص بالمجتمعات الأوروبية وبشكل خاص "المقاتلين الجهاديين" الفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية. وعلى أساس هذه القاعدة، أرسى الباحث تحليله، خصوصاً أنها معززة بقواعد البيانات الأخرى، وهو يعتبر أن مسارات "الجهاديين" متقاربة جداً وتنتمي إلى الفئات نفسها.

يقول روا إن من الشائع جداً النظر إلى الجهادية على أنها امتداد للسلفية. وليس كل السلفيين جهاديين، لكن كل الجهاديين سيصيرون سلفيين. إذن، السلفية ستكون ممراً للولوج إلى الجهادية. وبعبارة أخرى، سيكون التطرف الديني المرحلة الأولى للتطرف السياسي. لكن روا يرى أن الأمور أكثر تعقيداً. "فمن الواضح أن هؤلاء المتطرفين مؤمنون حقاً، يظنون أنهم سيذهبون إلى الجنة ومرجعيتهم إسلامية خالصة. فهم ينضمون إلى تنظيمات تريد إقامة نظام إسلامي، بل إعادة الخلافة بالنسبة إلى "داعش"". ويعتبر روا أن الخطأ يكمن في التركيز على اللاهوت ومن ثم على النصوص في فهم التطرف الإسلامي. لكن الجهاديين لا يقدمون على العنف بعد التأمل في النصوص، إذ ليس لديهم العلم الديني المطلوب، وقلّ ما يهتمون باكتسابها. فهم لا يصبحون متطرفين لأنهم أساؤوا قراءة النصوص، بل لأنهم اختاروا أن يكونوا متطرفين.


الدواعش جهلة بالإسلام


فبين أربعة آلاف مجنّد غربي في "داعش" تظهر سجلاتهم أنهم ذوو مستوى تعليم جيد، معظمهم أنهوا الثانوية العامة، لكن 70% منهم صرّحوا أن ليس لديهم سوى معرفة أولية بالإسلام. لكن ما يعمل هنا هو التديّن وليس الدين، أي الطريقة التي يعيش بها المؤمن الدين، من العقيدة، والممارسات، والمتخيّلات، والشعائر، لكي يبني تساميه الذي يدفعه إلى احتقار الحياة، حياته وحياة الآخرين. وعلى الرغم من اعتماد "داعش" على التفاسير للحديث النبوي، إلا أن المتطرفين الغربيين المنتمين إلى التنظيم لا يعمدون إلى هذه الشروح المطوّلة. فهم أقل كلاماً عن الدين من السلفيين، وصفحاتهم الالكترونية ونصوصهم أكثر تركيزاً على العمل منها على الدين.

يرجع الإرهابيون دوافعهم للقيام بأعمالهم الإرهابية إلى الانتقام من الغرب بسبب الفظاعات التي ارتكبتها الدول الغربية ضد المسلمين، حيث يلعب الجهادي دور البطل المنتقم، إضافة إلى دافع الموت المودي إلى الجنة واستقبال النبي له والدرجة التي ينالها.

يلاحظ الباحث الفرنسي أن الغريب أن جميع المدافعين عن "داعش" لا يتحثون أبداً عن الشريعة ولا يأتون تقريباً على ذكر المجتمع الإسلامي الذي سيقوم في ظل "داعش"، كأن إرادة القيام بالجهاد وإرادة العيش في ظل الإسلام أمران متعارضان. فالعيش في مجتمع إسلامي لا يعني الجهاديين، فهم لا يهاجرون للجهاد من أجل الحياة، وإنما من أجل الموت.

ارتباط الإرهاب والجهادية في السعي المتعمد إلى الموت، هو محور الكتاب، ومنها استمدّ عنوانه. فمن عملية الجزائري خالد كلكال من "الجماعة الإسلامية المسلحة"، منفذ تفجيرات مترو باريس في 29 أيلول سبتمبر 1995 إلى تفجيرات مسرح باتكالان في باريس في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2015، نجد أن هؤلاء الإرهابيين أقدموا على تفجير أنفسهم أو الاشتباك مع الشرطة حتى الموت، من دون أن يحاولوا الهرب، بل حتى لم يكن موتهم ضرورياً على الدوام لإنجاز عملياتهم.

يقول روا إن العنف الإرهابي و"الجهادي"، الآخذ في الانتشار منذ عقدين من الزمن، ينطوي على حداثة متأصلة، برغم أن الإرهاب والجهاد ليسا بظاهرتين جديدتين، إذ ظهرت أنواع "الإرهاب العالمي" الذي "ينشر الرعب باختياره لأهداف ذات رمزية رفيعة، أو على العكس باستهداف مدنيين "أبرياء" من دون أن يعبأ بالحدود"، منذ سبعينيات القرن الماضي، حين نشأ تحالف بين عصابة "بادر" الألمانية وأقصى اليسار الفلسطيني والجيش الأحمر الياباني.

 السعي إلى الموت: انتحار أم شهادة؟

لتأكيد مقاربته عن سعي "الجهاديين" إلى الموت، يستشهد روا بكلام أحد "الجهاديين" الفرنسيين دافيد فالا، الذي اعتنق الإسلام وكان قريباً من خالد كلكال وزوّده بسلاحه، إذ يقول: "كانت القاعدة هي ألا يؤخذ حياً. فعندما رأى كلكال رجال الدرك علم أنه سيموت، وأراد أن يموت". وردد أحدهم قولاً منسوباً لمؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن: "نحن نحب الموت، أنتم تحبون الحياة".

إذاً، لم يعد موت الإرهابي مع "الجهاديين" احتمالاً بل أصبح في صلب مشروعه، وبخاصة مع المنضمين إلى تنظيم داعش الذين يعتبرون الهجوم الانتحاري الغاية المثلى لالتزامهم.

هذا الاختيار المنهجي للموت من قبل الجيل الجديد للجهاديين أمر مستجد، إذ كان منفذو الهجمات بين عامي 1970 و1980، سواء كانوا من الشرق الأوسط أم لا، يساريين أو إسلاميين، يرتبون عملية فرارهم بعناية، لأن الفقه الإسلامي وإن كان يقر بفضل الشهيد الذي يقتل في الجهاد، إلا أنه يحرّم الانتحار. من هنا يطرح الباحث روا أسئلة عن سبب اختيار هؤلاء "الجهاديين" الجدد الموت المنهجي، وتفسير ذلك بشأن التطرف الإسلامي المعاصر؟

يتبنى روا مقاربة جديدة في هذا الخصوص تربط بين حب الموت والسعي له، وبين كون "الجهادية" في الغرب والمغرب وتركيا هي حركة شبّان، لا تنفصل عن "الثقافة الشابّة" لهذه المجتمعات. فهذا البُعد الجيلي جوهري، لكنه على حداثته، ليس وقفاً على الجهاد الحالي. ويذهب بعيداً إلى أن التمرد الجيلي قد نشأ مع الثورة الثقافية الصينية، فهي للمرة الأولى في التاريخ لم تكن ثورة ضد طبقة، بل ضد فئة عمرية معيّنة، باستثناء زعيم الثورة ماو تسي تونغ. وقد استعاد كل من "الخمير الحمر" في كمبوديا بين عامي 1975 و1979، و"داعش" هذه الكراهية للآباء ذات البعد المرضي والكوني، الذي يتجلى في ظهور الجنود الأطفال وتدمير الآثار الثقافية. فلا يقتصر الأمر هنا على تحطيم الأجساد، بل كذلك على إتلاف التماثيل والهياكل والكتب، أي تدمير الذاكرة.

يرى روا أن بُعد إماتة الجسد لا علاقة له البتة بالصراعات الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، وهو غير منتج سياسياً واستراتيجياً. لكن هذا البُعد الانتحاري مرتبط بـخلافة "داعش"، وقبلها مشروع الجهاد العالمي مع "القاعدة"، التي ترفض أي حل سياسي أو تفاوض، لأن من يسعى إلى الموت لا يفاوض على شيء.

ويذهب الباحث الفرنسي إلى أن خلافة "داعش" وهم وخرافة وحدة أيديولوجية في توسع إقليمي مستدام، واستحالتها الاستراتيجية تفسّر لماذا كان أولئك المتماهون بها متعاقدين على الموت، بدلاً من نذر أنفسهم لمصلحة المسلمين، فلا وجود لأي أفق سياسي أو غد مشرق.

يرفض روا فكرة أن الإرهاب "الداعشي" أو "القاعدي" سببه الحرمان الاجتماعي والمظالم السياسية، لأن هذا الإرهاب يقتل السياسة قبل التساؤل عن الأسباب السياسية للنزوع نحو التطرف. وهذا الإرهاب "الانتحاري" ليس فعالاً من وجهة نظر عسكرية، بينما الإرهاب "البسيط" يتضمن بعض العقلانية المتعلقة بالحرب غير المتكافئة، حينما يقوم بعض الأفراد بإلحاق خسائر كبيرة بعدو أقوى منهم بكثير. بينما الإرهاب الانتحاري غير عقلاني بسبب استخدامه المقاتلين مرة واحدة وأخيرة، وهو يدفع المجتمعات الأوروبية إلى التطرف المضاد، ويقتل من المسلمين عدداً أكبر من عدد القتلى الغربيين.

يعتقد الكاتب أن الارتباط المنهجي مع الموت هو أحد المداخل لفهم التطرف الراهن، فالبُعد العدمي مركزي هنا، والعنف ليس وسيلة بل غاية، وهو عنف بلا مستقبل. يقول روا إنه بدلاً من اعتماد مقاربة عمودية تنطلق من القرآن لتصل إلى "داعش"، مروراً بإبن تيمية، وحسن البنا، وسيّد قطب، وابن لادن، على افتراض وجود ثابت "العنف الإسلامي" يظهر بانتظام، فقد فضّل اللجوء إلى مقاربة تحاول أن تفهم العنف الإسلامي المعاصر بالتوازي مع أشكال أخرى من العنف والتطرف، قريبة جداً منه(تمرّد جيلي، وقطيعة جذرية مع المجتمع، وجمالية الموت، واندراج الفرد المنقطع في سردية عالمية كبرى، وبِدع عالمية). فالإرهاب الانتحاري والظواهر من طراز "القاعدة" و"داعش" هي حديثة العهد في تاريخ العالم المسلم، ولا يمكن أن تفسّر بمجرد صعود الأصولية، ولذلك اعتبر روا أن "الإرهاب لا يتأتي من تطرف الإسلام، بل من أسلمة التطرف".

 هل الإسلام ينتج العنف؟
وإذ يقر الكاتب الفرنسي بوجود أصولية إسلامية تنتشر منذ أربعين عاماً، لكنها لا تكفي لإنتاج العنف. وقد تعرّضت هذه المقاربة لنقد كثير من زملائه بينهم الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا الذي أخذ عليه أنه لم يلحظ الأسباب السياسية للتمرد، وهي الإرث الاستعماري، والتدخلات العسكرية الغربية ضد شعوب الشرق الأوسط، والتهميش الاجتماعي للمهاجرين وأبنائهم. كما اتهمه الباحث الفرنسي جيل كيبل بأنه يتجاهل العلاقة بين العنف الإرهابي والتطرف الديني للإسلام متجلّياً في السلفية.

لكن روا يقول إنه لا يتجاهل أياً من هذه الأبعاد، لكنها لا تكفي لتفسير الظواهر التي يدرسها، لأننا لا نجد أي صلة سببية انطلاقاً من المعطيات التجريبية التي يملكها. فالباحث يرفض مسألة "التطرف الديني" لأن إلصاق عبارة تطرف بالدين أمر سيء، إذ يترتب على ذلك أننا نحدد حالة معتدلة للدين، فلا توجد أديان معتدلة. أكان كالفن ولوثر معتدلين؟ بالتأكيد لا فالكالفانية مثلاً في المفهوم اللاهوتي تعد "متطرفة". وتقوم فرضيته على أن التطرف العنيف ليس نتيجة التطرف الديني، وإن اقتبس منه الطرق والنماذج، وهذا ما يسمّيه "أسلمة التطرف". فالأصولية الدينية موجودة طبعاً وتطرح مشكلات اجتماعية مهمة، لأنها ترفض القيم القائمة على مركزية الفرد وحريته في جميع المجالات، لكن هذه الأصولية لا تُفضي بالضرورة إلى العنف السياسي. فيهودي أو مسيحي متزمتان هما مؤمنان "مطلقان" بدلاً من أن يكونا متطرفين، ويعيشان نوعاً من الانفصال الاجتماعي لكنهما ليسا عنيفين سياسياً، وغالبية السلفيين تندرج في هذا السجل غير العنيف.

وينتقد روا فرضية فرانسوا بورغا بأن المتطرفين تحفّزهم معاناة المسلمين، المستَعمرين سابقاً، أو ضحايا العنصرية والتمييز، وعمليات القصف الأميركية.. إلخ، وبالتالي فإن التمرد هو أولاً تمرد الضحايا. لكن روا يعتقد أن الصلة بين المتطرفين والضحايا صلة خيالية أكثر منها واقعية، والذين ينفذون التفجيرات في أوروبا ليسوا سكن قطاع غزة ولا الليبيين أو الأفغان، وما هم بالضرورة الأكثر فقراً، ولا الأقل اندماجاً. ويستدل الباحث بوجود 25% من المتحوّلين إلى الإسلام في صفوف "الجهاديين" على أن الصلة بين المتطرفين و"شعبهم" هي أيضاً من قبيل المتخيّل. فالثوريون لا ينحدرون مطلقاً من طبقات معذبة، إنما في تماهيهم في البروليتاريا و"الجماهير" والمستَعمرين، هي إعادة بناء خيالية لوجودهم في العالم وبلاغة للتعبير عنه. فقلة من المناضلين ينتمون إلى هذه البروليتاريا الافتراضية التي هم على استعداد للموت في سبيلها. فالمتمردون يعانون من معاناة الآخرين، وهم ليسوا ضحايا الظلم والاحتلال الإسرائيلي أو الغزو أو القصف الأميركي في أفغانستان أو العراق، لكنهم شاهدوا هذه المعاناة وتأثروا بها.

ولم تبدأ منهجة العمل الانتحاري إلا عام 1995، فقبل الثمانينيات، كان "الإرهاب العادي" سلاحاً تستخدمه مجموعات علمانية، قومية أو ثورية، بحسب تعبير روا، حيث اتسمت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بسلسلة هجمات في أوروبا، مرتبطة باستراتيجيات دولية، فكانت هجمات مؤيدة لفلسطين أو سوريا أو ليبيا أو إيران، في سياق الرد على السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط. حتى الهجوم الانتحاري ليس ابتكاراً إسلامياً، لقد بدأت منهجته منذ الثمانينيات على أيدي "نمور التاميل"، مخترعي الحزام الناسف.

ويلاحظ روا أن "الجهاديين" لا يترددون في ابتكار أشياء غير موجودة في العقيدة ويبتعدون عن النصوص المقدسة والتفاسير المجازة. فهذا النمط العملياتي للهجوم، أي موت المهاجم، يصير المعيار، وهو يتداخل مع إخفاق سياسي وتشاؤم عميق في الوقت نفسه، متأتٍ من مؤلفات سيّد قطب حول الجاهلية وتكفير المجتمع، وإضافة بُعد قيامي كامل وعدمي، والتفكير بالخلاص الشخصي بدلاً من التفرغ لبناء مجتمع أفضل، وهو خلاص يمر بالموت الانتحاري لأنه الطريق الأقصر والأضمن.

 المتطرفون الجدد
حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان الجهاديون الدوليون أفراداً قادمين من الشرق الأوسط، قد مارسوا الجهاد في أفغانستان قبل أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية لكي يباشروا العمل فيها، أو بحثاً عن أراضٍ جديدة للجهاد بعد سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان عام 1992. هؤلاء هم الذين نفذوا أول موجة تفجيرات عالمية. هؤلاء هم الجيل الأول من الجهاديين التابعين لأسامة بن لادن. لكن ابتداء من عام 1995، نشأ جيل جديد يسمّونه في الغرب "أبناء البلد"، ليس لهم علاقات مع بلدانهم الأصلية، وبينهم نسبة متزايدة من معتنفي الإسلام ومن النساء، ومجال عملهم عالمي تماماً. هم الجيل الثاني من الجهاديين، من خالد كلكال إلى الأخوين كواشي وعبد الحميد اباعود، ولهم الملامح نفسها. فهم قُتلوا كلهم أثناء العمل، إما قتلوا أنفسهم أم قتلوا خلال مواجهتهم مع الشرطة، ولم يهتموا بتدبير فرارهم.

يقول روا إن الإرهابيين الغربيين الذين نفذوا هجمات في أوروبا كلهم معروفون نتيجة وجود سجلات لهم لدى الشرطة وأجهزة الأمن الغربية، ويشير إلى وجود ملفات تضم أسماء 4118 جهادياً أجنبياً جنّدهم "داعش" بين عامي 2013 و2014. وهو يهتم في كتابه هذا خصوصاً بالفرنسيين والبلجيكيين الذين يشكّلون العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين، دون أن يغفل نظراءهم الأوروبيين. وهو يجد خصائص مشتركة بينهم وبعض الاختلافات. وينطلق روا من قاعدة بيانات كوّنها وتضم نحو مئة شخص متورطين في الإرهاب على الأراضي الفرنسية و/أو غادروا فرنسا للاشتراك في الجهاد "العالمي" بين عامي 1994 و2016، ومن ضمنهم جميع المشاركين الرئيسييين في هجمات ناجحة أو فاشلة استهدفت الأراضي الفرنسية والبلجيكية.

ولا يجد روا صورة نمطية للإرهابيين، لكنه يقع على مميزات متواترة. فخالد كلكال أول إرهابي من أبناء البلد(عملية ليون، 1995)، والأخوان كواشي (عملية صحيفة شارلي ايبدو، 2015)، بينهم أوجه شبه محددة: هم من الجيل الثاني، ومندمجون جيداً في المجتمع الفرنسي، ومروا بمرحلة جنوحية قصيرة، وصاروا متطرفين في السجن، قاموا بهجمات وقتلوا، وشهروا أسلحة في وجه الشرطة.

كانت الصورة النمطية للإرهابيين ثابتة حيث نجد فئتين أساسيتين: الجيل الثاني (60% منهم)، والمتحولون إلى الإسلام يشكلون 25% منهم، وعلى نطاق أضيق الجيل الثالث(25%). أما الجيل الأول فمحدود (محمد الحويج بوهلال، منفذ مجزرة نيس في يوليو 2016). يفسّر روا غلبة الجيل الثاني بحقيقة أن التطرف قد ظهر في الوقت الذي بلغ فيه أبناء المهاجرين سن الرشد، بعد جمع شمل العائلات عام 1974. فعلى مدى عشرين سنة ظلت الغلبة للجيل الثاني، فيما كان الجيل الثالث يقترب من سن الرشد.

ثمة ميزة أخرى مشتركة بين جميع البلدان الأوروبية هي أن المتطرفين فيها جميعهم تقريباً من "المولودين الجدد" الذين بعدما عاشوا حياة دنسة (ملاهٍ، وكحول، وجنوحية)، اهتدوا فجأة إلى الممارسة الدينية، بصورة فردية أو في نطاق مجموعة صغيرة، وليس في إطار منظمة دينية. ونجد أن معظم المتطرفين غائصون عميقاً في "الثقافة الشابة" المعاصرة، في تقنيات الاتصالات، وبكونهم قد قصدوا علب الليل، وغازلوا الفتيات، واحتسوا الكحول، وارتكب نحو نصفهم جنحاً صغيرة، وأزياؤهم مماثلة لأزياء أترابهم، ملابس الشارع من قبعات وبرانس وعلامات، وما عادت اللحية علامة على التقوى. فهم لا يرتدون أبداً اللباس السلفي، ويحبون الراب، ويتابعون أفلام العنف الأميركية وربما ألعاب الفيديو، وارتياد صالات الرياضة وخاصة بعض الرياضات العنيفة كالكونغ فو والملاكمة، وركوب الدراجات النارية. كما أن لغة المتطرفين هي لغة بلد الإقامة، وهي الفرنسية في هذه الحالة، وهم يتحدثون بلغة "شابة"، لغة الضواحي المحوّرة سلفياً.

لا شك أنه لا يمكن تعميم استنتاجات الباحث روا على جميع "الجهاديين" وبخاصة في الدول العربية والإسلامية، فدوافعهم مختلفة عن دوافع نظرائهم الغربيين، وتلعب العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقدية الدينية، فضلاً عن التحريض الإعلامي والمذهبي، والتوظيف السياسي الدولي والإقليمي لبعض التنظيمات "الجهادية"، كل ذلك تلعب دوراً في تغذية هذا التطرف وتوحشه، حيث يكون "الجهادي" العربي والمسلم ضحية لهذا الفكر المتطرف حيناً، وللتوظيف السياسي والتحريض المذهبي حيناً آخر.

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

تونس وشبح التفكيك الناعم في سوق الحرية والمساواة

    أغسطس 29, 2018   No comments
 صلاح الداودي*

يكمن الوهم الكبير في ادّعاء أن دستور تونس الجديد المُتشكّل من خليطٍ هجينٍ من عدّة مرجعيات مركّبة على بعضها البعض، قد حسم الجدل في عدّة قضايا ومن أهمها قضايا السيادة والاستقلال والهوية والعدالة، في حين أن الواقع يثبت في كل مرة أنه ما من قضية خلافية تُذكَر إلا ويصبح اختراق وتجاوز الدستور أمراً واقعاً ومن الجهتين إن كانتا حكماً ومعارضة أو كانتا "النهضة" أو"النداء". تكمن المُغالطة الكبرى في ادّعاء أن المسار الانتفاضي المُنقلب عليه أثناء وما بعد سنة 2011 كان حصراً وأولوياً من أجل الحريات كما أراد
ويريد التيار النيوليبرالي الموجّه لتونس بالإملاءات والمُهيمن عليها ثقافياً بواسطة هيمنته على نخب الاستعمار السياسية والفكرية. والحق أن  أول وأعمق ما قامت عليه الحركة الانتفاضية وتاريخها، كان ضد التبعية الاقتصادية والظلم الاجتماعي تحت ضربات تسلّطية حديدية تمنع الحقوق وتعدم الحريات، ولا تعترف بكل مستويات المساواة بسبب النظام الأمني والاقتصادي على وجه الخصوص ونظام الحُكم بوجهٍ عام.
ليس علينا عندما نعالج قضايا وطنية مصيرية في سياق الأزمات المركّبة خاصة، ليس علينا أن نرهن أوطاننا وشعوبنا للدوائر الأيديولوجية المُغلقة والحلقات السكتارية المُفرغة، والتوجيه الخارجي لرُعاة دوليين ماليين بلا همّ ولا رحمة. وليس علينا أن نستسلم لنزوات استعراضية لبعض الأفكار الوجودية النمطية لإثارة الإعجاب لدى البعض وإثبات النسب العقائدي السياسي لدى البعض الآخر.

لذلك يتوجّب أن نعاود التنبيه إلى خطورة التحشيد الإنتخابي-الأيديولوجي الأعمى من دون وعي عميق، والتحذير من الخوض العشوائي في موضوع الحريات والمساواة من دون رؤية فكرية ثابتة ومن دون تنزيل سياسي مناسب ومن دون تفكير في الأفق الإستراتيجي الذي ستلتئم أو تصطدم فيه الدولة والمجتمع والأفراد، زيادة على الآفاق الإقليمية والدولية المحفوفة بصراع إدارة الفوضى وإعادة تشغيلها في كل مكان. والحال، وبكل تكثيف، إننا نعيش تونسياً قلباً للآية تشريعياً وسياسيا حتى يختزل كل الأمر في الخوض الشكلاني في الشكليات، ومنع تنفيذ النموذج السيادي الذي يبُدع تحقيق الأهداف الوطنية والاقتصادية والاجتماعية في المجالات العامة والشخصية كلها.
نحن على قناعة تامة أن أمراً حساساً مثل تقرير الحريات والمساواة لا يحسم إلا في الوعي وضمن الرؤية الوطنية الإستراتيجية الشاملة لرسم مسار ومعالم استكمال التحرّر، وخطط الانعتاق الثوري والبناء المستقل والسيادي الذي يضع نُصب عينيه كل المجتمع وليس بعض فئات المجتمع، ومستقبل أجيال تونس وليس بعضهم وحسب توازن استراتيجي وطني ومجتمعي متكامل، وليس حسب مزاج أحدنا. كما إننا على قناعة واثقة أن الأسلم والأحكم والأقوم والأعدل هو حسم الخلافات على قاعدة الاختيار الحر والتدريجي والمنصف، وليس بالتدافُع وعلى الهوى بإلهاب سوق الأهواء المُستعرة بمقتضى مقولات غرائزية ومزاجية وسوقية، وموغلة في الفردانية والعدوانية مثل مقولة الشبيه المستوحشة ومقولة الغريب المتوحشة.
في الواقع، نحن لسنا حضارة خاصة مقتطعة من كل جذورها ومن كل المتغيّرات والمآلات، ونحن لسنا قطعة من أمّةٍ تذهب إلى مزيد التقطّع وترنو إلى مجتمع معلّق على حبال أفراده كل يقطع منه ما يريد ومتى يريد. وفي الحقيقة، نحن لا نطمح أن نكون حديقة خلفية للاتحاد الأوروبي ولا مجرّد ملهى ليلي لإمارات ومملكات ومشيخات الخليج. كما ولا نظن أن غالبية مجتمعنا عازمة بحق ووعي على تحويل نفسها إلى مجتمع شُذّاذ آفاق لا يجمعها إلا عقد تبعية متعدّد التبعيات ، أو عقد إرهاب وفساد مُتعدّد المُشغّلين يحطّم أية إمكانية لنهوض مشروع وحدة المصير، والاندماج والتعاون والشراكة الإستراتيجية لا الإلحاق القسري المعولم لبعضنا ، والشتات العالمي لمن سوف يتبقّى منا في لعبة التفكيك الناعم والصلب.  

وعلى ذلك نرى أنه علينا مواجهة أي مشروع فئوي وقُطري محلي تابع بصيغته المعولمة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتجريبي مختبري بصيغته العولمية الثقافية والقانونية، وهنا الفرق الفارق بين من لديه مشروع وطني جامع يمتد إلى أبعاده العروبية والإسلامية والعالمية الإنسانية التحرّرية والثورية ومن لا ينظر إلا من ثقب نفسه الفردية ومن يشبهها.
إن ما يحدث في تونس هذه الأيام من تخبّط وتمزّق وصراع للأحقاد سيجعل مع مرور الوقت من المجاميع المحلية اليسارية الليبرالية الملوّنة على مستوى الهوّة الهويّاتية الوطنية في السياسة والمجتمع، أشبه بما يُسمّى اليمين في أميركا الجنوبية من دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بالأجندات الأجنبية الاستخباراتية، وسيجعل من مجاميع البورقيبية الدستورية أشبه ما يكون بمجاميع الأقليات في أوروبا وأميركا من دون أن تكون بالضرورة من دون غالبيات انتخابوية، وسيجعل من مجاميع الإسلامويين شعوباً على طريقة توزّع الإخوان المتأسلمين في تركيا والأردن وغيرهما. وسيلتقي الجميع ضد نواة التيار الوطني المقاوِم الذي يرفض فصل المجتمع عن نفسه وعن تطوّره التفاعلي الذاتي الحر والمستقل، ويرفض فصل المغرب العربي عن محيطه ويرفض التفريط في تونس لفلسفة مجتمع وسياسة وفلسفة قانون واقتصاد وأمن نيوليبرالية تهدف إلى اللامساواة والانتداب الناعم وإدامة الوصاية والاستعمار والقضاء على الدولة وتعويضها بتوحّش سوق رأس المال المعولم والتابع. ويلتقي الجميع من حيث يريدون أو لا يريدون  ضد وطنهم قبولاً أو صمتاً في كل قضايا السيادة الوطنية وعلى رأسها النظام الاقتصادي والعقيدة الأمنية والتطبيع مع العدو والعدالة التوزيعية الإنمائية، وبالتالي كل مستويات الحقوق والحريات والمساواة.
________

* كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.

الاثنين، 13 أغسطس 2018

بغداد والعقوبات الأميركية: العبادي يدفع ثمن موقفه؟

    أغسطس 13, 2018   No comments
بغداد والعقوبات الأميركية: العبادي يدفع ثمن موقفه؟ 

 نور أيوب

«تصريحه حُرّف»، هذا ما يؤكّده مقربون من حيدر العبادي، في تعليقهم على موقفه من العقوبات الأميركية على إيران. موقفٌ «كان بالغنى عنه»، إذ تسبّب بفتح اشتباكٍ سياسي محليّ يحمل بُعداً إقليمياً، تحت عنوان: من «الوفي» لطهران؟ حربٌ من البيانات «خوّنت» العبادي أمس، وإذا ما جُمعت مع أحداث الأيّام الماضية، فإن ما جرى يدور في فلك «الولاية الثانية»، والتي تبتعد عن الرجل شيئاً فشيئاً، فهل يدفع العبادي ثمن موقفه الرمادي؟

مفاجئاً كان موقف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إزاء العقوبات الأميركية على إيران. حلفاء الأخيرة في «بلاد الرافدين» لم يستسيغوا موقف رئيسهم، متخذين من عبارة الشاعر الأموي الفرزدق «قلوبهم معك... وسيوفهم عليك» توصيفاً لقرار العبادي الداعي إلى الالتزام بالعقوبات الأميركية من دون أن «يتعاطف» معها. العبادي، الطامح لنيل «الولاية الثانية»، والمدرك جيّداً أن حلمه مرهونٌ بتوافقٍ غير مباشر بين واشنطن وطهران على شخصه، بات بعيداً نوعاً ما من السباق الرئاسي، ليس من موقفه الأخير فحسب، وتداعياته، بل إنّ الرجل أبدى أمام عددٍ من زوّاره «تفهّمه» للموقفين الإقليمي والدولي، إذ وقع «الخيار» على شخصٍ آخر لتبوّؤ منصبه، الأمر الذي فسّره البعض شعور العبادي بأن «أيّامه معدودة».

العبادي، وفي مطالعةٍ أمام زوّاره لتجربة سلفه نوري المالكي، أكّد أن «عهداً مليئاً بالإنجازات» أفضل من «ولايةٍ ثانية قد تأتي بكارثة»، في إشارةٍ منه إلى القضاء على «داعش» مطلع العام الحالي من جهة، وخوفاً من أن تكون ولايته الثانية كارثيّةً كسقوط مدينة الموصل، في حزيران 2014. كذلك، فإن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حرص قبيل إجراء الانتخابات النيابية (12 أيّار الماضي) على إطلاق حملةٍ للقضاء على الفساد والفاسدين في مؤسسات الدولة، إلا أنّه اكتفى بالشعارات حينهاـ ليعود مطلع الأسبوع الحالي إلى إطلاقها مجدّداً، في محاولةٍ منه لامتصاص غضب الشارع المتزايد (تدخل التظاهرات اليوم شهرها الثاني) والمندّد بسوء الخدمات الحكومية، والفساد المستشري في أجهزة الدولة وإداراتها، وارتفاع نسبة البطالة، عدا عن أن الموقف الأخير لـ«المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) كان حازماً بضرورة تلبية المطالب الشعبية، والقضاء على الفساد والفاسدين، وإلا فإن «الغضب السلمي» سيأخذ مساراً تصاعدياً و«عندئذٍ سيكون للمشهد وجهٌ آخر مختلفٌ عما هو عليه اليوم».

إذاً، موقف العبادي لا يُحسد عليه: محليّاً، و«شرعيّاً»، وإقليميّاً أيضاً. محليّاً، بات واضحاً أن الشارع ناقمٌ على أدائه في الفترة الأخيرة، محمّلاً إيّاه مسؤولية الفشل في تحسين الواقع المعيشي بمختلف جوانبه. الأزمة الكهربائية والمائية كانت «القشّة التي قسمت ظهره». انفجر الشارع الجنوبي، وما زال؛ حيث كان لافتاً أمس، تظاهر العشرات من جرحى الجيش، في محافظة الديوانية، للمطالبة بحقوقهم المالية والإدارية، مهددين بـ«الاعتصام المفتوح» إن لم تستجب الحكومة لمطالبهم. وفي تطوّرٍ لافتٍ أيضاً، قرّرت وزارة الداخلية أمس، «حظر تنظيم الاعتصامات المخالفة للقانون»، من دون أن تقدّم تفاصيل إضافية، ما ينذر بإمكان وقوع مواجهةٍ بين القوى الأمنية والمتظاهرين، الأمر الذي سيزيد المشهد الجنوبي تعقيداً وخطورة. «شرعيّاً»، وهو ما يمكن أن يُستشّف من المطّلعين على موقف «المرجعية»، أن الأخيرة غير راضيةٍ عن أدائه، وأداء الطبقة السياسية أيضاً. خطاباتها تشي بذلك، والمعايير التي حدّدتها للرئيس المقبل (شخصية قوية، حازمة، شجاعة) لا تنطبق على شخص العبادي الباحث دائماً عن حلولٍ ترضي جميع القوى (محليّاً، وإقليميّاً، ودوليّاً)؛ وعليه، فإنّ الرجل بات خارج «خيارات» النجف. إحالة العبادي الأخيرة لعددٍ من المسؤولين إلى «هيئة النزاهة» حاول فيها إثبات «قوّته وعزمه»، وأنّه المرشح «الأنسب» لرئاسة الوزراء، إلا أن حديث «الأروقة السياسية» يؤكّد أن «الوقت قد فات... والحديث عن خياراتٍ أخرى قد انطلق».

إقليميّاً، موقف العبادي إزاء العقوبات الأميركية جاء مخالفاً لما اشتهاه. حلفاء إيران ــ ومنافسوه ــ من قوى «البيت الشيعي» في بيانات الأمس، سعوا إلى استثمار موقف العبادي للطعن في «وفائه» للعرفان الإيراني، وتحريضاً ناعماً لطهران على رئيسٍ يتماشى مع الرغبات الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية. فموقف «حزب الدعوة» (الحزب الحاكم، وينتمي العبادي إليه) جاء مخالفاً لموقف العبادي، وموقف المالكي أيضاً ودعوته لخلفه أن «لا يكون طرفاً في العقوبات على إيران»، إلى جانب مواقف الفصائل المقاومة التي أعربت عن «صدمتها» تجاه موقف الحكومة الاتحادية، وتأكيدها أن «هذا الموقف هو غير ملزم للحكومة العراقية المقبلة».
طهران، لم تخرج بموقفٍ رسمي تردّ فيه على بغداد، إلا أن العارفين بطبيعة العلاقة القائمة بين بغداد وطهران، يؤكّدون أن دوائر قرار الأخيرة «متأسفة» على موقف العبادي، في وقتٍ ينفي مقربون من العبادي أي حديثٍ من هذا النوع، بل يلفتون إلى أن العبادي «ملتزمٌ بالعقوبات الخاصّة بالتعامل بالدولار»، لأن «التعامل بالدولار مع إيران سيعرضنا للعقوبات، ويضر بشعبنا... ولا يمكن أي دولةٍ أن تتحدى ذلك، حرصاً على ثبات عملتنا».

_____________

العبادي في أنقرة: لماذا لم تفتح إيران أبوابها؟



بعدما أَعلن عن زيارتَين إلى كل من طهران وأنقرة، يزور حيدر العبادي الأخيرة دون الأولى، بعدما بدا أن إيران غير مُرحِّبة به. موقف فسّره البعض على أنه ردّ على موقف العبادي إزاء العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية. وأياً تكن خلفية ذلك، إلا أن حراك العبادي لا يمكن عزله عن السياق السياسي في بلاد الرافدين، والذي تشكل هوية رئيس الوزراء المقبل عنوانه الرئيس راهناً

حراك دبلوماسي غير مفهوم يقوده رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. زيارة إلى العاصمة التركية أنقرة، وعزم على زيارة العاصمة الإيرانية طهران. الزيارة الأولى حُدّد موعدها غداً الثلاثاء، أما الثانية فقد ألغيت لـ«عدم تكامل استعدادات الزيارة، وزحمة جدوله»، وفق ما نقلته وكالة «فرانس برس» عن مسؤول عراقي رفض الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن «العبادي سيبحث قضايا اقتصادية مع الحليف الاقتصادي الذي يتعرّض لعقوبات أميركية جديدة». الساعات الماضية حملت «سخونة» في التصريحات المتبادلة بين طهران وبغداد. الأخيرة أعلنت أن العبادي سيزور العاصمتين التركية والإيرانية، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، نفى علمه بذلك، مؤكداً أن بلاده «ليست لديها معلومات عن زيارة مماثلة». نفي سرعان ما عادت بغداد على إثره لـ«توضح» أن الزيارة المرتقبة ستقتصر فقط على أنقرة.

تحرك العبادي تجاه الجارين له دلالاته ومقدماته المرتبطة بالمشهد السياسي المعقد في بلاد الرافدين. وفق معلومات «الأخبار»، ثمة إجماع إقليمي ــ دولي على أن تشكيل الحكومة المقبلة، من تسمية رئيسها حتى توزيع حقائبها الوزارية، مسألة «تحتمل التأجيل»؛ فـ«لا واشنطن ولا طهران، ولا العواصم الدائرة في فلكيهما، حاضرة لإنجاز هذا الاستحقاق»، بتعبير مصدر دبلوماسي مطلع. يدرك المسؤولون الأتراك والإيرانيون أن الزيارة «شكلية»؛ فالرجل على رأس حكومة تصريف أعمال، وعليه فإن أي نقاش أو توقيع اتفاق سيكون بمثابة «حبر على ورق».

قبل شهر تقريباً، ومع اندلاع الحراك المندّد بسوء الواقع المعيشي والخدمي في المحافظات الجنوبية، أخبر عدد من قادة «حزب الدعوة الإسلامي» الفاعلين على خطّي النجف وطهران، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، أن إمكان نيله ولاية ثانية بات ضعيفاً. قال له أحدهم إن الظرف السياسي «لا يدعو إلى بقائكم في منصبكم لسنوات أربع أُخر». حينها، أدرك العبادي أن النقمة الشعبية تَرجمت ــ بشكل أو بآخر ــ السخط المتراكم للمرجعية الدينية (آية الله علي السيستاني) على أداء حكومته والحكومات السابقة، وهو الذي يعرف جيداً أن طهران لا يمكن أن تسير بخيار لا ترضاه النجف. إدراك العبادي هذا لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليه، إذ إنه يعلم أن لحظة سطوع نجمه في آب/ أغسطس 2014 جاءت نتيجة رفض «المرجعية» التمديد لسلفه نوري المالكي.

منتصف تموز/ يوليو الماضي، طلب العبادي - وفقاً لمعلومات «الأخبار» - موعداً لزيارة العاصمة الإيرانية، لكن المعنيين في طهران رفضوا استقباله، لجملة من الأسباب:
- أوّلاً: توقيتها السيّئ، والمتزامن مع اشتعال المحافظات الجنوبية بالتظاهرات الشعبية من جهة، والجدل حول الانتخابات التشريعية التي لم تكن نتائجها قد حُسِمت بعد من جهة ثانية.
-ثانياً، الحرج الايراني من زيارة قد تُفسرّ على أنها تنسيق لمنح العبادي ولاية ثانية، بأسلوب يتعارض مع «السياقات الكلاسيكية».
- ثالثاً، طبيعة منصب العبادي بوصفه رئيس حكومة تصريف أعمال، وما تستشعره طهران والحال هذه من أن مستقبل الضيف بات مجهولاً فعلاً.
تبريرات لم يستسغها العبادي، الذي ظلّ يحاول بشتى الطرق التمسك بـ«حبل النجاة»، وإثبات حضور أمام الشارع الهائج، وهو ما دفعه في وقت من الأوقات إلى تكليف وزيرَي الكهرباء والتخطيط بالتوجه إلى السعودية لتوقيع مذكرة تعاون في مجال الطاقة، قبل أن يُعلَن تأجيل الزيارة حتى إشعارٍ آخر. ومع دخول العقوبات الأميركية على إيران حيّز التنفيذ، أدلى العبادي بتصريحه الشهير الأسبوع الماضي، والذي أعلن فيه الالتزام بتلك العقوبات. بدا ذلك ردّاً على «الجفاء» الإيراني، ومحاولة من قبل رئيس الوزراء لإعادة الاعتبار لنفسه، والتأكيد أنه ما زال مرشحاً من البوابة الغربية. «نتعاطف مع طهران، ولكن سنلتزم بالعقوبات، حفاظاً على المصلحة العليا للبلاد». موقف كان كفيلاً بتوتير العلاقة بين العبادي وطهران، رغم رفض الأخيرة الردّ بأي تصريحٍ من شأنه تعزيز الشرخ، إلا أن ما خرج به ممثل المرشد الإيراني في العراق، مجتبى الحسيني، أمس، يترجم حجم «الصدمة» من موقف العبادي، إذ وصف تصريحاته بـ«اللامسؤولة»، معتبراً أنها «لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرّفة للجمهورية الإسلامية التي قدمت للدفاع عن العراق، وتطهير أرضه من داعش». وقال في بيان له إن «العبادي يعبّر عن انهزامه تجاه أميركا».

حتى اللحظة، يبدو العبادي أكثر المتضررين. خسر الاحتضان الإيراني، وأظهر شرخاً في الرؤى بين الأجهزة الرسمية، التي سارعت إلى «توضيح» موقف رئيس الوزراء، فضلاً عن أن قوى «البيت الشيعي» المحسوبة على طهران أخرجته بدورها من خياراتها لمنصب يأمل الرجل الحفاظ عليه. أما أميركياً، وإن راهن العبادي على أنه «الخيار الأنسب» لواشنطن، إلا أن الإدارة الأميركية ــ في الوقت الحالي ــ «لا يعنيها الشخص، بقدر ما يعنيها تقاطع المصالح، والحفاظ على قواعد الاشتباك الحالي بين طهران وواشنطن في العراق بالدرجة الأولى، والعملية السياسية بالدرجة الثانية»، وفق مصادر دبلوماسية تؤكد أن الإدارة الأميركية لن تدخل في لعبة التسمية، بل «ستقبل بخيار العراقيين، شرط الالتزام بقواعد الاشتباك تلك». وما بين واشنطن وطهران، وتصارع مشروعَيهما في العراق، ثمة في النجف من يُعتبر قادراً على حسم الوجهة النهائية، ولذا يظهر الجميع داخل الإدارتين في انتظاره.
_______________

«الأخبار»

الأربعاء، 13 يونيو 2018

تونس تعلن رسمياً عن النتائج النهائية للانتخابات البلدية.. وتصدّر قائمات المستقلين تليها حركة النهضة الإسلامية وحركة نداء تونس بالمركز الثالث

    يونيو 13, 2018   No comments
أعلنت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات البلدية بعد ان صادق مجلس الهيئة خلال اجتماعه أمس على القرارات النهائيّة لنتائج الانتخابات البلدية بـ 28 دائرة انتخابية.

وقد أقرت المحكمة الإدارية جميع النتائج التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وأعلن محمد التليلي المنصري ان اكثر عدد من الطعون تقدم به حزب نداء تونس وهو 11 طعنا في الطور الابتدائي و20 طعنا في الطور الاستئنافي ثم الحبهة الشعبية تقدمت ب 5 طعون وحركة النهضة ب 3 طعون، أما القائمات المستقلة فتقدمت ب 14 طعنا في الطور الابتدائي وطعنان في الاستئنافي.

وقدرت نسبة المشاركة في التصويت بـ 35.6% ، وأحتسبت 35753 ورقة بيضاء، و71517 ورقة ملغاة و1806969 عدد الاصوات المصرح بها.

في حين سجلت أعلى نسبة مشاركة بولاية المنستير ببلدية مزدور ومنزل حرب واقل نسبة مشاركة ببلدية حي التضامن باريانة، وقد تحصلت 93.5 % من القائمات المترشحة على مقاعد، و115 قائمة تحصلت على اقل من 3% من الاصوات.

وفي ما يلي التوزيع النهائي للمقاعد: 

القائمات المستقلة 2373
حركة النهضة 2193
حركة نداء تونس 1600
الجبهة الشعبية 261
التيار الديمقراطي 205
مشروع تونس 124
حركة الشعب 100
افاق تونس 93

في حين بلغت نسبة الفائزين بمقاعد من الذكور 53% ، و47% من الاناث، فيما بلغت نسبة رؤساء القائمات من الذكور الذين تحصلوا على مقاعد 70 بالمائة، مقابل 30% فقط من النساء.

السبت، 3 مارس 2018

سلفيون جهاديون من «عين الحلوة» يراجعون أدبياتهم

    مارس 03, 2018   No comments
رضوان مرتضى

قرّرت قيادات سلفية بارزة في مخيم «عين الحلوة»، ارتبطت بتنظيمي «جبهة النصرة» و«القاعدة»، إعلان «مراجعة» أدت إلى اتخاذ قرار «بتصويب البندقية باتجاه الصهاينة في فلسطين المحتلّة». يُريد هؤلاء السلفيون الجهاديون دحض التهمة التي التصقت بهم طوال السنين الماضية.

وبعدما قاتلوا في كل أصقاع الأرض ونسوا بيت المقدس، قرروا أن وجهتهم، اليوم، «ستكون القدس وحدها». لماذا الآن؟ هل يرتبط هذا القرار بالقيادة المركزية لتنظيم القاعدة؟ ماذا عن الصراع بين جبهة النصرة وقيادة «القاعدة» على الساحة السورية؟ هل مراجعتهم مرتبطة بالنكسة التي مُني بها تنظيم الجهاد العالمي على أرض الشام، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من إقامة دولته في سوريا، بانشقاق أبو بكر البغدادي عن القاعدة، ثم ابتعاد الجولاني عن التنظيم الأم، في ظل الصراع على الترِكة؟ وهل نشهد قريباً عمليات استشهادية في العمق الفلسطيني بتوقيع هؤلاء «الجهاديين الجدد»؟


على عجل، طلب أحد مشايخ السلفيين الجهاديين الشيخ أسامة الشهابي، اجتماعاً طارئاً في عين الحلوة. «الموضوع في غاية الأهمية»، قالها الرجل عبر الهاتف. في اليوم التالي، جرى اللقاء ليلاً. داخل منزله المتواضع في حيّ الصفصاف، تحت رسم لبيت المقدس تظلله رايات الإسلام، جلسنا جنباً إلى جنب مع المرشد السابق لـ «تجمّع الشباب المسلم» الشيخ جمال حمد المشهور بـ «أبو محمد» وأسامة الشهابي الذي يحمل فكر «تنظيم القاعدة» - أسامة بن لادن وشاب ثالث يكنّى «أبو عبيدة».
الثلاثة فلسطينيون يعيشون على أمل استعادة أرضهم المحتلّة. اثنان منهما لم يغادرا المخيم منذ أكثر من عشرين عاماً بعد اتهامهما بالإرهاب. الثلاثة ينضوون ضمن مجموعة أكبر من حَمَلَة الفكر السلفي الجهادي الذين أجروا «مراجعة، وليس تراجعاً»، كما يبررون خطوتهم، والهدف منها «إعادة تصويب بوصلة البندقية».
ما الموضوع الطارئ يا شيخ؟ تساؤلٌ يجيب عنه الشهابي بأنّه «فلسطين ولا شيء سوى فلسطين». ينطق بها كمن يزفّ بشرى، كاشفاً عمّا يسميها «دراسة ومراجعة عمرها أشهر لمعاني ومباني وعقبات المشروع الذي قرروا المضي فيه».
ينطلق الشهابي من هذه المقدمة ليتحدث عن «تحوّل جديد» بشأن «أولوية أرض القتال». يتحدث عن «وجهة واحدة هي القدس وفلسطين»، قبل سوريا والعراق. يرى الشيخ الجهادي أنّ باقي الجبهات، «وإن كان محرّك انطلاقها الظلم، ونحن نعتقد بذلك، ولأجله خرجنا وخرج شبابنا، إنما لدينا يقين أنّ لأمريكا يداً في توجيه الثورات لحرف الصراع عن وجهته الحقيقية».
يشرح الشهابي أن «الجهاد في عقيدتنا ليس غاية،بل وسيلة. لا نُمانع إن سقط منا آلاف الشهداء، لكن نريد أن يكون ذلك من أجل هدف. من أجل غاية. نريد أن نأكل الثمرة، لا أن نُحرق الشجرة». يتحدث الشيخ، الذي يُعدّ من أحد رجالات «القاعدة» في «عين الحلوة»، عن خريطة طريق عملانية سيبدأ العمل بها. يتحفّظ عن الإجابة عن أسئلة ذات طابع أمني أو عسكري، لكنه يقطع بأن المشروع «سيطاول كل السُّبل».

لماذا قد تقرر مجموعة قيادات تحمل فكر السلفية الجهادية وتنظيم «القاعدة» فجأة أن تحوّل البندقية؟ وما هو موقف الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والسياسية من إعلان كهذا؟
تزدحم الأسئلة ليبرز بينها سؤال أساسي: هل هناك تنسيق مع القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة»؟ هل لحمزة بن أسامة بن لادن علاقة بذلك؟
السؤال الأول يجيب عنه الشيخ بأن الاتصالات مقطوعة مع قيادة التنظيم، مشيراً إلى أنّ المحرّك «ذاتي». ويلفت إلى أن الاستشارة والاستخارة شملت القيادات الإسلامية والوجوه السلفية داخل مخيم عين الحلوة. أما عن نجل أسامة بن لادن، فيردّ الشهابي بأن الشعار الذي يرفعه ابن زعيم «القاعدة» هو «مقاتلة الأميركيين أينما وُجِدوا»، لكنه يؤكد أنه لا يعلم شيئاً عن مكان وجوده وتوجهاته وأبجدياته «في الفترة الأخيرة».
«فلسطين لنا»، يقول الشهابي ويضيف: «هكذا كانت البوصلة، وهكذا يجب أن تعود». يخلُص إلى أنّ «ما قبل اليوم، لن يكون كما بعده». يتحدّث عمّا يسميه «مشروع مواجهة جديد، موجود في القلوب، لكنه يولد اليوم على أرض الواقع». لماذا الآن ياشيخ؟ وهل الهزيمة التي مُني بها مشروع «القاعدة» على أرض الشام دفعتكم إلى إجراء المراجعة لتحديد العدو؟
يردّ الشيخ بأن «فكرة قتال اليهود قديمة جداً، وكنا نحلم بأن نقاتل اليهود في مشروع كبير، لكن هذه المشاريع كلها باءت بالفشل». لكن لماذا التحول الآن بالتحديد، وليس قبل سنة أو سنتين؟ «كان هناك نوع من عدم الجرأة في التخلي عن بعض المفاهيم القديمة. نحن أهل فلسطين وأصحاب الحق والواجب شرعاً على أصحاب أهل الأرض أن يدافعوا عنها. وإن عجزوا تأتي باقي الدول لمساعدتهم».
وفي السياق نفسه، يرفض الشيخ جمال حمد ربط التحوّل بحدث بعينه، إنما يتحدث عن «نقاط تحول كبرى». يعتبر أن أبرزها «إعلان يهودية الدولة الذي يعني طرد كل من هم من غير اليهود وأن تُصبح فلسطين يهودية خالصة». يُضاف إلى هذه النقطة، قضية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، معتبراً أنّ ذلك «معناه هدم الأقصى ومعناه بناء الهيكل ومعناه أيضاً تحقيق نبوءة اليهود التوراتية بأنّ أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». يرى الشيخ حمد الذي يحمل الفكر السلفي الجهادي أنّ «هذا يعني أننا مقبلون على حرب طاحنة، ونحن ندعو المليار ونصف المليار مسلم، شباباً بمئات الملايين، ندعوهم لأخذ دورهم بتحرير فلسطين». وينطلق حمد، الذي قاتل ابنه تحت راية تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا قبل أن يعود إلى المخيم، من حديث نبوي يقول: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون»، ليعقّب قائلاً: «أدعو الشباب المسلم لكي يكون من أهل هذا الوعد ومن أهل الجهاد لتحرير فلسطين وقتال اليهود».
لماذا الآن؟ سؤال لا بدّ من إعادة طرحه، يجيب عنه حمد بالقول: «تمّ تعطيلنا تاريخياً ووُرّطنا بمسائل لا ناقة لنا بها ولا جمل. البندقية التي سنحملها منذ اليوم هي بندقية قتال المشروع الصهيوني الصليبي». وفي هذا السياق، يقول الشهابي: «سننأى عن الصراع داخل المخيم والساحة اللبنانية. سنتحوّل للدفاع عن الأقصى الأسير». من يحمل هذا المشروع غيركم أنتم؟ يجيب: «هناك الكثير من الشباب الذين كانوا ضمن الشباب المسلم، وآخرون لا يُريدون الكشف عن أنفسهم، عاهدنا أنفسنا على المضي في هذه الطريق». ويضيف الشيخ المعروف بلقب «أبو الزهراء الزبيدي»: «مشروعنا أن نقاتل اليهود لتحرير ديارنا، أولاً، نحن نسعى لتحرير فلسطين لأننا مسلمون، وثانياً، لأن الأقصى أقصانا ونحن أهل فلسطين. والأولى بنا في ظل هذه الظروف التي يسعى فيها اليهود لتهويد القدس أن تكون القبلة فلسطين وليس أي مكان آخر».
هذه الخطوة توقفت عندها الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولا سيما أنها تعدّ «تحوّلا تاريخياً في خطاب السلفيين الجهاديين» على حد تعبير أحدهم. ورغم أن المصادر تقرأ هذا التحول منذ أشهر، تكشف عن اقتراح قدمه مطلوبو الإرهاب في عين الحلوة للدولة اللبنانية طلبوا فيه فتح طريق لهم للذهاب إلى الجولان لتشكيل «لواء غرباء فلسطين». تقول المصادر اللبنانية إن هؤلاء «تعهدوا بأنهم لا يريدون التورط في المستنقع السوري، بل يريدون إعداد العدة لجهاد فلسطين الذي يرونه قريباً. لكن الدولة اللينانية رفضت هذا الطرح الذي قُدِّم في سياق صفقة تبادل مرتبطة بمعركة عرسال».
غير أن التساؤلات التي يطرحها الأمنيون تتعلق بكيفية ترجمة هذه الخطوة؟ ماذا يعني إعداد العدة، وهل سنشهد مجدداً إطلاق صواريخ بشكل عشوائي باتجاه الأراضي المحتلة على طريقة «كتائب عبدالله عزام»؟ هل يعني ذلك فتح الحدود أمام الجهاديين؟ ماذا عن حزب الله؟ هل يقاتل جنباً إلى جنب الجهاديين في وجه العدو الإسرائيلي؟
«الجهاديون الجدد» يؤكدون أنهم لن ينتهكوا السيادة اللبنانية، لكنهم يجزمون «سنقاتل اليهود جنباً إلى جنب كل من يحمل السلاح لتحرير الأقصى». هم يرون أن الحرب المقبلة ستقسم العالم إلى معسكرين، «أحدهما سيكون الصهاينة، فيما سيضم المعسكر الآخر المسلمين».

أبرز من أعلن عن التوجّه الجديد للسلفيين الجهاديين في مخيم عين الحلوة هو الشيخ أسامة الشهابي، أحد قيادات السلفية الجهادية. في ما يأتي مقال كتبه الشهابي ليشرح فيه القرار الجديد:
العودةإلى القدس

لم نتراجع ولن نتراجع، لكننا أجرينا مراجعة لإعادة تصويب البندقية. نحن ثلة من الشباب المسلم المتعطّش لقتال اليهود المجرمين الذين احتلوا ديارنا وطردونا منها وحكموا علينا بالقتل والتشريد والظلم والسجون، لذلك قررنا بعد البحث والتنقيب والقراءة والاستشارة والاستخارة ما يأتي:

إعداد العدة بقدر استطاعتنا لمواجهة اليهود الصهاينة المجرمين، وهذه العدة هي مطلب شرعي وواقعي، لأن اليهود لا ينفع معهم مفاوضات ولا اعترافات ولا تنازلات، فالطلقة بحاجة لطلقة. إن إعداد العدة من المنطلق الشرعي هو أمر واجب، لأن قضية فلسطين والأقصى هي قضية كل المسلمين. ففلسطين أرض خِراجية فتحها المسلمون فتحاً، وتعاقب للحفاظ عليها القادة المسلمون، وإن اختلفت لغاتهم وجنسياتهم.
وإعداد العدة هو ضروري وواقعي علينا لأننا أهل فلسطين. فالواجب علينا مضاعف، والجهد علينا أكبر لأن الواجب على أهل البلد المحتل أن يجاهدوا بكل طاقتهم، فإن عجزوا انتقل الأمر إلى البلاد المجاورة. نحن سنعدّ العدة الفكرية لتاريخ اليهود ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ماذا يخططون وما هي أهدافهم وكيف يرسمون سياساتهم ومن يعينهم ويؤيد قراراتهم الظالمة، وكيف يحاربوننا حرباً عقائدية، ولماذا نجحوا وفشلنا؟ سنبدأ بأنفسنا وأهلينا، ولأن المعركة طويلة الأمد، سنهيئ للجيل القادم الأساليب والطرق لقتال اليهود من أجل أن يسيروا على بيّنة وأهداف واضحة. فالحرب طويلة، وهي ستكون محور الصراع المستقبلي مع الأمة لقتال اليهود. فالأمة عندها حبّ الدين والأقصى، وعندها إرادة التضحية والبذل، ولكن تنقصها القيادة المخلصة المضحية والوعي الشرعي والسياسي.
نحن سننأى عن الصراع داخل مخيم عين الحلوة، ولن نكون طرفاً في أي صراع. وإن استطعنا وقف أي إشكال سيحدث سنسعى بكل طاقاتنا وجهدنا لحفظ أمن الناس بالمخيم. فقد تعب الناس من الاشتباكات التي يُقتل فيها البريء ويصاب فيها الآمن. وهذه الاشتباكات ما زادت الناس إلا خوفاً وهلعاً وتهجيراً لهم وتهديماً لمساكنهم وإهداراً للطاقات التي لو وجهت لقتال اليهود، لكنا في أحسن حال اليوم. ومنذ ثلاثين عاماً من هذا الصراع داخل المخيم الذي تتوارثه الأجيال لا يُولِّد إلا الثأر وردات الفعل والمستفيد الأول هم اليهود وأعوانهم. نحن لن نتدخل في الصراع اللبناني، وسيكون هدفنا الدفاع عن الأقصى الذي يُراد تهويده وهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه. ومَن تتبع السياسة الأميركية الظالمة بقيادة ترامب (الأحمق المطاع) تجاه الأقصى يعلم خطورة الهجمة القادمة لإذلال الأمة الإسلامية وجعلها أمة مستسلمة للواقع خانعة خاضعة للأوامر اليهودية الأميركية.
نحن لا تربطنا علاقات خارجية ولا داخلية مع أية جهة، ولن نكون أداة بيد أحد، فالأقصى بالنسبة إلينا قضية دين وعقيدة ومبدأ وليس حجارة وطين، ونحن على استعداد لمدّ يد العون لكل مخلص يريد قتال اليهود والدفاع عن الأقصى الأسير.
البناء والتأسيس لمثل هكذا مشروع فيه صعوبة وعقبات كؤودة، ولكننا توكلنا على الله وانطلقنا من منطلقات شرعية ولن يُضيعنا الله، ولئن نبدأ متأخرين خير لنا من أن لا نبدأ، فأهل القوة والمنعة في بلادنا قد سكتوا عن اليهود وتآمروا على فلسطين وأهل فلسطين وبيع الأقصى بسوق النخاسة، لذلك سنصبر ونحن نسير في الطريق ولسوف نحفر بالصخر حتى نصنع لأمتنا مجداً قد ضُيّع.
والله نسأل أن يكتبنا من الصادقين وأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا.
أسامة الشهابي
_______
عن
الأخبار

الجمعة، 15 سبتمبر 2017

مراجعات فكرية داخل السجون: ”إعادة تأهيل المتشددين“

    سبتمبر 15, 2017   No comments
 يرى باحثون وعلماء دين أن مشروعا أطلقته دار الإفتاء المصرية تحت عنوان (تشريح عقل المتطرف) ويهدف إلى وضع دليل لكيفية ”إعادة تأهيل المتشددين“ قد يكون نواة لإطلاق مراجعات فكرية داخل السجون على غرار ما حدث في التسعينيات وساهم في إخماد موجة عنف عاتية.

المشاركون في المشروع لديهم قناعة بأن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي للتصدي للعنف المتصاعد وإنما لا بد أن تمضي جنبا إلى جنب مع المواجهة الفكرية حتى لا تصبح السجون ”مفرخة للإرهابيين“.

ويهدف مشروع دار الإفتاء إلى إعداد دليل استرشادي يوضح ما يصفه بأنماط ”الإرهابيين“ ومراحل نشأتهم وتحولهم إلى العنف والتعرف على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المصاحبة لذلك.

وتخوض مصر معركة ضارية مع متشددين إسلاميين منذ عزل الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه.

وقُتل المئات من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها بعد عزل مرسي في مواجهات أمنية. وسُجن آلاف بتهم من بينها التظاهر وممارسة العنف والانتماء لجماعات تأسست على خلاف القانون.

وتحذر تقارير ومراقبون من اعتناق العديد من المحتجزين أفكارا متطرفة نتيجة الإحساس بالظلم أو اختلاطهم بمتشددين داخل السجون أو تعرضهم لانتهاكات وإساءة المعاملة.

ولا يقتصر تركيز مشروع (تشريح العقل المتطرف) على تحديد كيفية التعامل مع السجناء الإسلاميين فحسب، بل يهدف إلى وضع منظومة متكاملة للتعامل مع المتطرفين بشكل عام والحيلولة دون وقوع آخرين فريسة للتطرف. ... رويترز

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

أحداث وأزمات ما بعد الربيع العربي فرصة لمراجعات شاملة وكاملة ويبدو أن قيادة حزب الله --على عكس الإخوان والسلفية والقوميون--وعت هذه الحقيقة

    سبتمبر 12, 2017   No comments
المحرر: 
 لا شك أن أحداث وأزمات ما بعد الربيع العربي الذي لم يزهر خلقت وضعا جديدا وحقاق جديدة لكن قليلون هم من وعى حجم التغييىرات المستحقة على خلفية المتغيرات. لقد أزاحت هذه الأزمات ورقة التوت التي كانت تستر العورة المذهبية والدينية والأثنية والقومية والإيديولوجية التي نقصت من قداسة الكرامة الأنسانية. لكن هناك من رأى في هذه المحن فرصة لمراجعات شاملة وكاملة ويبدو أن قيادة حزب الله--على عكس الإخوان والسلفية والقوميون--وعت هذه الحقيقة ودعت لمراجعة وفية لبعض الشعائر الدينية والممارسات الشعبوية.
_________
وفيق قانصوه

شدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على اهمية إحياء ذكرى عاشوراء كمناسبة «استنهاضية» وعلى ضرورة حضور المجالس مع مراعاة المحيط، داعياً قرّاء العزاء الى تجاهل «الأمور الخاطئة» و«تجنّب المبالغات»، و«عدم طرح مواضيع ذات اشكاليات عقائدية». وحثهم على التركيز على أن ثورة الإمام الحسين «لم تكن رفضاً للظلم فحسب، بل كانت أيضاً إطاعة للتكليف الالهي بالقتال» في وقت وظرف محدّدين. كما شدّد على ضرورة «الابتعاد عن المبالغة في التفجّع، والتركيز على الصلابة والتمسك بالمبادئ اللذين نتعلمهما من مدرسة كربلاء، خصوصاً في ما يتعلق بقضية السيدة زينب». ولفت الى أنه «مع تطور الأبحاث والدراسات في الحوزات العلمية وعند المحققين ظهرت نقاشات جديدة حول بعض ما هو متعارف عليه في المجالس. هناك بعض الأمور التي نحتاج أن نصححها، لكن من دون مهاجمة الأفكار السابقة. يمكننا بكل بساطة أن نقول ما هو الصحيح، من دون التعرض للاقوال المغايرة حتى لا نتسبب بصدمة عند المستمع أو نثير الخلافات».
 ...
     
 وأكّد السيد حسن نصرالله «أننا على بصيرة من أمرنا في هذه المعركة (في سوريا)، وشهداؤنا وجرحانا وأسرانا وناسنا يغيّرون معادلات ويصنعون تاريخ المنطقة وليس تاريخ لبنان». وشدد على «أننا انتصرنا في الحرب (في سوريا)... وما تبقّى معارك متفرقة»، مشيراً إلى أن «المشروع الآخر فشل ويريد أن يفاوض ليحصّل بعض المكاسب». وجزم بأن «مسار المشروع الآخر فشل، ومسار مشروعنا الذي تحمّلنا فيه الكثير من الأذى مسار نصر ونتائج عظيمة ستغيّر المعادلات لمصلحة الأمة».

 وفي لقائه السنوي مع قراء العزاء والمبلّغين، عشية حلول شهر محرم، قال نصرالله إن قتال «داعش» و«النصرة» كان «أكبر محنة عشناها منذ 2010، وأخطر من حرب تموز 2006». وأضاف: «منذ 2011، كنا على يقين بأن ما يجري فتنة كبرى، وأن هناك مشروعاً أميركياً ــــ إسرائيلياً ــــ قطرياً ــــ سعودياً بهدف القضاء على المقاومة وتسوية القضية الفلسطينية».

وروى أنه عقب بداية الأحداث السورية زار إيران والتقى المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي الخامنئي. «يومها، كان الجميع مقتنعاً بأن النظام سيسقط بعد شهرين أو ثلاثة. أوضحنا له رؤيتنا للمشروع المعادي، وأننا إن لم نقاتل في دمشق فسنقاتل في الهرمل وبعلبك والضاحية والغازية والبقاع الغربي والجنوب... فأكمل القائد موافقاً: ليس في هذه المناطق فقط بل أيضاً في كرمان وخوزستان وطهران... وقال إن هذه جبهة فيها محاور عدة: محور إيران ومحور لبنان ومحور سوريا، وقائد هذا المحور بشار الأسد يجب أن نعمل لينتصر وسينتصر». ولفت الى انه «بعد المعركة بسنة ونصف سنة أو سنتين ارسلت السعودية إلى الرئيس الأسد أن أعلِن في مؤتمر صحافي غداً صباحا قطع العلاقة مع حزب الله وإيران وتنتهي الأزمة».

ولفت الأمين العام لحزب الله إلى «أننا حذّرنا إخواننا العراقيين، منذ البداية، من أنه إن لم يقاتلوا تنظيم داعش، وتمكّن من السيطرة على دير الزور، فإن هدفه التالي سيكون دخول العراق. وقد صدقت توقعاتنا بعدما تمكّن هذا التنظيم الارهابي من السيطرة على ثلثي العراق وبات على مسافة عشرين كيلومتراً من كربلاء و40 كلم من بغداد و200 متر من مقام الامام العسكري في سامراء». وسأل: «لو تخلفنا عن الجهاد والتكليف ما الذي كان يمكن ان يحصل في لبنان، ولو تخلف أهل العراق عن الاستجابة لفتوى (الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع السيد علي السيستاني عام 2014 لقتال تنظيم داعش)، ما الذي كان سيحصل في العراق؟».

وقال: «هذه المعركة مباركة، ونحن ذهبنا الى سوريا لأداء تكليفنا. وإلا ما الذي يأخذ شاباً إلى حلب أو دير الزور حيث كان لنا اخوان محاصرون منذ ثمانية أشهر، وكلهم من الكوادر والقيادات؟»، مشيراً الى أن «البعض في لبنان لن يرضى مهما فعلنا، فلا تعذبوا أنفسكم وليشربوا مليون محيط... والمهزوم والمكسور يمكنه أن يرفع صوته قليلاً».
البعض في لبنان لن يرضى مهما فعلنا، فليشربوا مليون محيط


______________

الخميس، 10 أغسطس 2017

اتجاهات الإخوان المسلمين في ظل المتغيرات الدولية

    أغسطس 10, 2017   No comments
عمر الردّاد

محطتان بارزتان في التاريخ السياسي المعاصر لجماعة  الإخوان  المسلمين أسهمتا  في دخول الإخوان السياسة الدولية, باعتبارها جماعة سياسية ذات مرجعية دينية  لها ثقلها , نجحت في إقناع  أوساط غربية بأنها  الخيار الأنسب لتامين مصالحه من جهة ,والتقليل من خطر الإرهاب الإسلامي, الأولى كانت 11 سبتمبر, والثانية مخرجات “الربيع العربي”.

ففي الأولى ،قدم الإخوان أنفسهم باعتبارهم يمثلون الإسلام المعتدل وأنهم يرفضون الإرهاب ويستنكرون ما قامت به القاعدة, وفي ظل اندفاعه غربية في أمريكا وأوروبا لفهم الإسلام والمسلمين وجد الإخوان المسلمون ضالتهم ,وركزوا على تفسير ظاهرة الإرهاب بدكتاتوريات وفساد أنظمة الحكم العربية والإسلامية وفشلها، وبالتزامن قدّمت إيران نفسها باعتبارها تمثل الإسلام الصحيح , وتم بعناية إنتاج مقاربة الوهابية وتحميلها المسؤولية وحيدة عن 11 سبتمبر, وبعد دراسات مستفيضة تولدّت مقاربات في أمريكا وأوروبا، عنوانها ان الإخوان المسلمين جماعة إسلامية معتدلة ,وبحال دعمها يمكن ان تحقق مصالح الغرب ,بمكافحة التطرف والإرهاب,والبدء ببناء أسس الديمقراطية ,فكانت التسهيلات التي قدمت للأمريكان من قبل الإخوان المسلمين وإيران في أفغانستان والعراق ,دليلا على تلك المقاربة.
أما في المحطة الثانية وهي الربيع العربي , فكان انكشاف النظام الرسمي العربي وفي ظل ثبوت ان الدولة العربية التي نشأت, بعد الاستعمار العربي هشة وان كل ما نشا في ظلالها من مؤسسات وجيوش وأحزاب , كانت هياكل بلا جذور حقيقية ,حيث برزت مؤسستا القبيلة والدين باعتبارهما المرجعية الحقيقية , ورغم أن أيا ممن خرجوا الى الشوارع في الربيع العربي لم يرفعوا شعار المطالبة بعودة الخلافة الإسلامية , وكما حدث إبان الثورة الإيرانية على الشاه,نجح الإخوان ومعهم القاعدة وداعش, في اختطاف الثورات,فيما غاب العلمانيون والقوميون والمستقلون ,لأسباب مرتبطة في جلّها بالتنظيم والتخطيط, ودعم جهات عربية وأجنبية للإخوان ,فغابت شعارات وأهداف هذا الربيع  ,فكانت النهضة في تونس والتنظيم الدولي في قيادة مصر, ولاحقا قيادة الحكومة في المغرب, وحمل الإخوان السلاح بالثورة الليبية ,والثورة السورية, والمشاركة بفاعلية في انتخابات المجالس النيابية وغيرها من المؤسسات التمثيلية,في العديد من الدول العربية والإسلامية, في ظل شعور عارم بالنصر,وقناعات ان هناك لحظة تاريخية لاستلام السلطة, بصيغ تعكس الخلافة الإسلامية.
لكن تجارب الإخوان في الحكم خاصة في مصر,وتطورات الإرهاب لاحقا , طرحت شكوكا عميقة حول وعودهم للغرب,وإمكانية الركون لاعتبارهم الجهة التي يُعول عليها في إمكانية إحداث التغيير المنشود,فموقفهم تجاه الإرهاب موضع شكوك في ظل ليس فقط عدم إدانتهم له ,بل في تبريره وترديد مقولات الإرهابيين انه رد فعل على استبداد الأنظمة او سياسات الغرب,وخاصة دعم إسرائيل , والموقف من الديمقراطية والتعددية والأخر ,حيث استحوذ الإخوان على كامل السلطة في مصر,واستقطبوا إرهابيين الى السلطة , فيما كانت تجربتهم مختلفة في تونس ,إضافة لعدم امتلاكهم برامج اقتصادية وخدمية وتنموية حقيقية, وان مخرجات سياساتهم هي ذاتها مخرجات القاعدة والإرهاب المرتبطة بالخلافة بمفهومها الشامل,وكانت جماعة الإخوان وسعّت دوائر اتصالها ,خلال الربيع العربي ,وفق خطابين: الأول مع الغرب يؤكد في حال وصولهم إلى السلطة التزامهم بالديمقراطية, بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات المسيحية والتشاركية والحرية ,والثاني خطاب محلي يجّرم الغرب الكافر ويدعو للقضاء على إسرائيل ويُحرض على العنف باسم المقاومة , فيما أسهمت المراكز والجمعيات والهيئات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين , في أمريكا وأوروبا واستراليا, من خلال خطاب تحريضي في إنتاج متطرفين إسلاميين ,انضموا لداعش وقبلها القاعدة في العراق وسوريا.
وخلافا لقناعات الإدارة الأمريكية السابقة , ولأدراك الغرب عموما خاصة في أوروبا, بعد العمليات الدامية في العواصم الأوروبية , وشيوع مقاربات وأفكار مرتبطة بالاسلاموفوبيا,ان الإرهاب الإسلامي مرتبط بايدولوجيا تحريضية , متورط فيها الإخوان المسلمون, إضافة لكون عدد غير قليل من التنظيمات الإرهابية كانت اخوانية بالأصل, برزت أسئلة كبرى حول علاقة الإخوان المسلمين بالإرهاب , لدرجة ان الإدارة الأمريكية الجديدة تقترب من اعتبارهم تنظيما إرهابيا,فيما تزداد احتمالات اتخاذ دول أوروبية القرار نفسه, ترافق ذلك مع انشقاقات في صفوف تنظيمات الإخوان المسلمين في الدول العربية والإسلامية جماعات وأفراد ,كشف كثير منها جوانب التنظيم السري للجماعة ومخططاته ,وخاصة علاقة الإخوان بالتنظيمات الإرهابية ,وانفتاح أوساط اخوانية على إيران , في إطار تحالفات  بالنزاعات الإقليمية .
ورغم محاولات التجديد داخل الجسم الاخواني , والقناعة بضرورة الاستجابة للمتغيرات الدولية والإقليمية ,خاصة بعد مصير تجربة الحكم الاخواني في مصر,والشكوك الأوروبية والأمريكية بالتجربة الإسلامية في تركيا,كعنوان لتجربة حكم إسلام حداثي, وأخيرا النزاع بين قطر ودول عربية ,لأسباب عديدة, من بينها دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين, إلا أن النجاحات كانت محدودة, وعمليا ما زالت هناك شكوك في استجابة قيادات الجماعة  لتلك الدعوات وإصلاح برامجها وهياكلها وطرق عملها لعل أولها وأهمها الفصل بين السياسي والدعوي, لدرجة يمكن معها القول ان الربيع الذي شهده الجسم الاخواني ,حقق نتائج اقل بكثير من الربيع العربي.
مؤكد ان تنظيم الإخوان المسلمين مرّ بظروف وأزمات عديدة , خلال تاريخه خاصة صراعه مع الدولة المصرية في أوائل خمسينات القرن الماضي , الا انه تمكن من الصمود وإعادة البناء في ظل ظروف دولية, تغيرت منذ انهيار الشيوعية العالمية ,ويبدو ان الإطراف الدولية التي أسهمت في إنتاج ودعم الإخوان والإسلام السياسي, جادة اليوم في الإطاحة بالطرفين, بعد انتهاء الدور الوظيفي لهما,حيث بدأت خلايا تفكير غربية بإعداد دراسات لما بعد الإسلام السياسي” الاسلاموية”في ظل سقوط الايدولوجيا والأفكار الكبرى ,تؤيدها وقائع تشير الى تراجع شعبية الإخوان المسلمين,تتزامن مع أحاديث عن “صفقات كبرى” وحلول لازمات المنطقة ,مؤكد ان الإسلام السياسي وأطيافه ليس جزءا منها , فهل تدرك قيادات الإخوان إن هوامش المناورة تضيق لأسباب مختلفة,وان ما يشغل الشعوب الإسلامية اليوم ليس إغلاق خمارة في حيّ بمدينة كبيرة,وان قضايا المرأة اكبر من حصرها بالحجاب , وان  البني الفكرية والسياسات الاخوانية الحالية ،غير قادرة على ترجمة  شعارات الربيع العربي (الإصلاح ,الحرية, مكافحة الفساد…)  , وان رسالة البوعزيزي ,مُفجر ثورات الربيع العربي فهمها الغرب:نحن نحرق أنفسنا ,لكي نعيش مثلكم!

الجمعة، 23 يونيو 2017

مطالب دول حصار قطر

    يونيو 23, 2017   No comments
الكويت سلمت قطر قائمة بمطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
 
__________
1- إعلان قطر رسميا عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دوليا وأمريكيا على إيران، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران.

2- قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشؤها، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.

3- إعلان قطر عن قطع علاقاتها مع "كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية"، وعلى رأسها (الإخوان المسلمين — داعش — القاعدة — فتح الشام — حزب الله)، وإدراجهم ككيانات إرهابية وضمهم إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع، وإقرارها بتلك القوائم.

4- إيقاف كافة أشكال التمويل القطري لأي أفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية، وكذا المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع، وكذا القوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها.

5- قيام قطر بتسليم كافة العناصر الإرهابية المطلوبة لدى الدول الأربع، وكذا العناصر الإرهابية المدرجة بالقوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها، والتحفظ عليهم وعلى ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة لحين التسليم، وعدم إيواء أي عناصر أخرى مستقبلا، والالتزام بتقديم أي معلومات مطلوبة عن العناصر، خصوصا تحركاتهم وإقامتهم ومعلوماتهم المالية وتسليم كل من أخرجتهم قطر بعد قطع العلاقات وإعادتهم إلى أوطانهم.

6- إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها.

7- وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية، ومنع التجنيس لأي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع، وإعادة كل من تم تجنيسه في السابق بما يخالف قوانين وأنظمة هذه الدول وتسليم قائمة تتضمن كافة من تم تجنيسه وتجنيده من هذه الدول الأربع، وقطع الاتصالات مع العناصر المعارضة للدول الأربع، وتسليم كل الملفات السابقة للتعاون بين قطر وتلك العناصر مضمنة بالأدلة.

8- التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر.

9- أن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي، على كافة الأصعدة بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي، وقيامها بتفعيل اتفاق الرياض لعام 2013 واتفاق الرياض التكميلي لعام 2014.

10- تسليم قطر كافة قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين الذين قاموا بدعمهم، وإيضاح كافة أنواع الدعم الذي قدم لهم.

11- إغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر.

12- كافة هذه الطلبات يتم الموافقة عليها خلال 10 أيام من تقديمها وإلا تعتبر لاغية.

13- سوف يتضمن الاتفاق أهداف واضحة وآلية واضحة، وأن يتم إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.

الأربعاء، 3 مايو 2017

عقيدة التكفير ترتد على معتنقيها ومسايريها: يمهل ولا يهمل

    مايو 03, 2017   No comments
«حرب الوجود» في الغوطة: النار تلتهم «الإخوة الأعداء»

 صهيب عنجريني

الاقتتال الذي تشهده الغوطة الشرقيّة بين «جيش الإسلام» من جهة، وكل من «فيلق الرّحمن» و«جبهة النصرة/ فتح الشّام» ليس عابراً ولا يمكنه أن يكون. وليست معارك الأيّام الأخيرة بين الفريقين سوى جولات جديدة في سياق «معركة هيمنة ووجود» تعود جذورها إلى سنواتٍ خلت، وتُغذّيها خلافات «منهجيّة عقائديّة» تستندُ بدورها إلى ارتباطات إقليميّة.

يُعدّ «جيش الإسلام» ممثلاً لـ«وهابية سوريّة» تعزّز حضورها في خلال السنوات الأخيرة بفضل الحرب، فيما يرتبط «فيلق الرحمن» بشكل غير معلنٍ رسميّاً بجماعة «الإخوان المسلمين». أمّا «النصرة»، فـ«الفرع السوري لتنظيم القاعدة» من دون أن يغيّر «فك الارتباط» من حقيقة الأمر شيئاً. بطبيعة الحال يرتبط «جيش الإسلام» ارتباطاً وثيقاً بالسعوديّة بفضل المقوّمات «العقائدية» المذكورة، علاوةً على التمويل المفتوح الذي توفّره له المملكة. أمّا «فيلق الرحمن» فبتركيا ارتباطه الوثيق، وإلى «الهوى الإخواني» الذي وفّر له بيئة حاضنة في غير منطقة من الغوطة يعود الفضل في تحقيقه حضوراً «عسكريّاً» حاول أن ينازع «جيش الإسلام» هيمنته عليها. وبدورها تحافظ قطر على تأثير ونفوذ كبيرين داخل «النصرة»، ولا سيّما في صفوف منتسبيها الجدد الذين انضمّوا إليها في خلال الحرب السوريّة، متموّلين برواتب وأسلحة يوفّرها «الراعي القطري». وكما ترك صراع النفوذ التقليدي بين «مثلث الدعم الإقليمي» أثره في معظم تفاصيل الحرب السوريّة (وخاصّة فصول الحرب والاحتراب المتتالية بين المجموعات المسلّحة) تبدو بصماته حاضرة ومؤثّرة في مُجريات الغوطة الأخيرة. ولعلّ أوضح انعكاسات هذه البصمات تلك التي يُعبّر عنها اصطفاف «فيلق الرّحمن» و«جبهة النصرة» جنباً إلى جنب (أنقرة والدوحة) في مواجهة «جيش الإسلام» (الرّياض). ثمّة في العمق عوامل أخرى شديدة التّأثير، من بينها الاصطفافات «المناطقيّة» داخل الغوطة (وهي اصطفافات قامت في الدرجة الأولى على الانتماء الأيديولوجي)، علاوةً على سباق الهيمنة الداخلي. ومنذ بواكير الظهور المسلّح بصورته «الفصائليّة» العلنيّة نظر «جيش الإسلام» ومؤسّسه زهران علّوش إلى كل مجموعة تُشكَّل خارج عباءته على أنّها تهديد لسطوته ونفوذه، وحجر عثرة في طريق هيمنته على الغوطة الشرقيّة.

ولا تجافي هذه النظرة الواقع في شيء، نظراً إلى أنّ عدداً من المجموعات المسلّحة التي شُكّلت في الغوطة قد اتّخذ من «مجابهة علوش» عموداً أساسيّاً من أعمدة إنشائه. تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إنّ أوّل «احتراب» داخلي شهدته الغوطة (قبل ما يزيد على أربعة أعوام) كان فاتحةً لمسيرة بلا أفق واضح. وبغض النظر عن فصول «الحرب والسلم» التي تمرّ بها العلاقة بين المجموعات المتناحرة تبعاً لجملة ظروف محلية وإقليمية، فقد أثبتت التجارب المماثلة السابقة أن النسبة العظمى من «حروب الإخوة الأعداء» لم تعرف نهايةً حقيقيّة إلا بنجاح طرفٍ في إلغاء وجود الطرف الآخر، أو تصفية وجوده في منطقة بعينها على أقل تقدير.
وبات معروفاً أن معارك اليوم بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» ليست سوى فصل جديد من فصول العداء المستحكم بين الطرفين. ويبدو لافتاً أنّ آخر حلقات هذه السلسلة (قبل المعارك الحاليّة) كانت قد شهدت اصطفافاً مماثلاً لاصطفاف اليوم (راجع «الأخبار»، العدد 2875) . لكن تصفية وجود «النصرة» في الغوطة الشرقيّة كانت هدفاً سريّاً على قوائم «جيش الإسلام» حينها، بينما باتت اليوم مطلباً واضحاً أُعلن في «بيان رسمي». البيان الذي صدر أمس جاء في صورة «رسالة» من «القيادة العامة لجيش الإسلام» إلى «فيلق الرحمن»، وقالت إنّ «جيش الإسلام قد عقد العزم على حل جبهة النصرة في الغوطة الشرقية وتقديم متزعميه إلى القضاء». واتهمت الرسالة «الفيلق» بتقديم «المؤازرة إلى النصرة» وحوت تهديدات مبطّنة في حال عدم وقوفه «على الحياد». فيما أكّد «بيان مضاد» أن «جيش الإسلام اتخذ من القضاء على هيئة تحرير الشام (تحالف عموده الأساس «النصرة») ذريعة للهجوم على مقار ومستودعات (فيلق الرحمن) والاعتداء على عناصره». وواصل «جيش الإسلام» اتهاماته لـ«الفيلق» بـ«إيواء عناصر من (النصرة) ومن بينهم قادة أردنيون»، علاوة على «تسليح بعضهم وتجنيدهم للقتال في صفوف الفيلق ضد الجيش، وخاصة في بلدة المحمديّة». وقال مصدر من «فيلق الرحمن» لـ«الأخبار» إنّ «هذه الاتهامات كاذبة جملة وتفصيلاً، وهي مجرّد محاولات واهية للتعمية على الهدف الأساسي من عدوانهم الآثم». وأكّد المصدر أنّ الهدف المذكور ليس سوى «التخفيف عن ميليشيات النظام، في مواصلة لمهمات عمالة قيادات «جيش الإسلام» التي لم تعد تخفى على أحد». في المقابل، طغت على كلام مصادر «جيش الإسلام» نبرة «قويّة» بدت واثقة من أنّ تصفية وجود «أذناب القاعدة» (المقصود «النصرة») في الغوطة باتت «مسألة وقت»، مع التلويح بمصير مماثل لـ«فيلق الرحمن» إن لم «يلتزم الحياد».
وفي تكرار للسيناريوات المعهودة في حالات مماثلة، برزت أمس محاولات للتوسط بين الأطراف قام بها هذه المرة «مجلس شورى أهل العلم». وقال «المجلس» في بيان له إنه شكّل لجنة استمعت إلى طرفي النزاع وخرجت بجملة توصيات منها «وقف كافة مظاهر الاقتتال وإطلاق سراح المعتقلين والخضوع لحكم الشرع»، و«رد الحقوق المالية والعينية لفيلق الرحمن من جيش الإسلام». علاوة على «تشكيل لجنة لتقدير الأضرار بين الطرفين» تضم ممثلاً عن كلّ منهما، وثالثاً عن «شورى أهل العلم». وبدا لافتاً أنّ البيان المذكور لم يشر إلى «النصرة» على الإطلاق، فيما خصّص بنداً لتأكيد «حرمة مسألة تغلّب فصيل على آخر».
و«التغلّب» في جوهره هو «فتوى» تتيح للمجموعة الأقوى فرض سيطرتها وإخضاع سواها بالقوّة، ويُتَّهَم «جيش الإسلام» بأنّه يسعى إلى تطبيقها في الغوطة. وتعليقاً على البيان، قال مصدر من «جيش الإسلام» لـ«الأخبار» إنّ «استجابتنا لأي مبادرة شرعية لحقن الدماء بين الإخوة أمر مسلّم به، لكنّ أذناب القاعدة خارج هذه المعادلة حتماً». المصدر أعرب عن «عدم ارتياحه الشخصي لبعض ما ورد في البيان»، ولمّح إلى ارتباط بعض «مشايخ المجلس» بـ«حركة أحرار الشام» التي «يتحكم ببعض مشايخها هوى قاعدي»، لكنه أكد في الوقت نفسه أنّ «هذا ليس موقفاً رسميّاً، والموقف الرسمي سيصدر عن القيادة بالطرق التي تراها مناسبة». ميدانيّاً، استمرّ الاستنفار في صفوف الأطراف بعد صدور «بيان أهل العلم» بساعتين ولم ينعكس أي أثر له. فيما بدا لافتاً بدء حملة هجوم إعلامية قوية ضد «جيش الإسلام» على خلفيّة قيام عناصره بتفريق مظاهرة خرجت ضدّه في عربين بالرصاص الحيّ، ما أدى إلى «سقوط جرحى».
______________
«جيش الإسلام» يحارب «القاعدة»: حرب «الفصائل» و«النصرة» انطلاقاً من الغوطة؟

 صهيب عنجريني

الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠١٦


معارك حامية الوطيس تشهدها مناطقُ عدّة في غوطة دمشق الشرقية بين «جيش الإسلام» من جهة، و«جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» من جهة ثانية. ورغم أنّ حدوث اشتباكات بين المجموعات في الغوطة بات أمراً معهوداً بين فترة وأخرى، غيرَ أنّ المشهد يبدو مختلفاً هذه المرة، سواء من حيث طبيعة المعارك وشدّتها أو من حيث عدد المجموعات المنخرطة في الحدث واتّساع رقعة الاشتباكات.

للوهلة الأولى، توحي المُجريات بأنّ ما تشهدُه الغوطة أشبه بـ«ثورة فصائل» ضدّ «جيش الإسلام»، لكن المعلومات المتوافرة تؤكّد أنّ الأمور ذاهبة في اتجاه فتح حرب تصفية ضد «جبهة النصرة» في الغوطة. المتحدث الرسمي باسم «جيش الإسلام» إسلام علّوش سارع إلى إصدار بيان يتهم فيه «النصرة» ومجموعات أخرى بمهاجمة مقار «جيش الإسلام» في كلّ من: زملكا، جسرين، حمورية، عين ترما، مسرابا وكفربطنا. وبدا لافتاً أنّ البيان حرص على الزج باسم «حركة أحرار الشام»، علاوة على «لواء فجر الأمة» بوصفهما مُساهمَين في الاعتداءات، كما حرص على الإشارة إلى ارتباط «النصرة» بتنظيم «القاعدة». مصدر مرتبط بـ«حركة أحرار الشام» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «عناصر الحركة لم يتدخلوا في الاشتباكات»، موضحاً أنّ «عدداً من قادة الحركة باشروا اتصالات مكثفة سعياً إلى احتواء الوضع ومنع تفاقمه»، وهو كلامٌ أيّده ناشطان إعلاميّان من داخل الغوطة (كلّ على حِدة) لـ«الأخبار». وفيما تعذّر التواصل مع أحد الناطقين الرّسميين باسم «جيش الإسلام» (إسلام علّوش، وحمزة بيرقدار) أكّد مصدر ميداني داخله لـ«الأخبار» أنّ «الأحرار (أحرار الشام) لم ينخرطوا بشكل مباشر في الاعتداءات، لكننّا نعتبرهم مشاركين في الاعتداء ما لم يصدروا توضيحاً رسميّاً يتبرّأ ممّا حصل». المصدر ردّ هذا الموقف إلى أنّ «اعتداءات النصرة علينا تمّت تحت راية جيش الفسطاط الذي يضمّ أيضاً الأحرار وفجر الأمّة والفيلق (فيلق الشام)». وعبرَ صفحتيهما على موقع «تويتر» حرص الناطقان (علّوش وبيرقدار) على الإشارة إلى ارتباط «النصرة» بـ«الفسطاط» كما اتّهما «المعتدين» بـ«منع وصول مؤازرات أرسلها جيش الإسلام إلى جبهتي المرج وبالا».

وتحمل هذه التصريحات اتهاماً مبطّناً بإضعاف موقف «جيش الإسلام» على هاتين الجبهتين في مواجهة الجيش السوري. ولم تبق التهمة مبطّنة، إذ سارعت عشرات المصادر إلى تبنّيها علناً عبر صفحات إعلامية عدّة. وخلال الساعات الأخيرة، بدا أنّ مناطق الغوطة تشهد سباقاً في «الحشد والتجييش»، حيث أوردت مصادر من السكّان معلومات متقاطعة عن استعدادات ضخمة في صفوف كل الأطراف المتقاتلة. ولم ترشح معلوماتٌ دقيقة عن عدد القتلى الذين قضوا في معارك أمس، فيما بات مؤكّداً أنّ ثلاث نقاط اشتباك (على الأقل) شهدت استخدام أسلحة ثقيلة من الطرفين. كما أدّت التطورات إلى حدوث انشقاقات داخل «فيلق الرّحمن» لمصلحة «جيش الإسلام»، كان أبرزها إعلان «كتيبة الدفاع الجوي في فيلق الرحمن» انضمامها إلى «جيش الإسلام، ومبايعة الشيخ عصام البويضاني على السمع والطاعة». في الوقت ذاته، باشر عدد من «رجال الدين المحايدين» حملة اتصالات في مسعى لـ«الحيلولة دون اشتعال الغوطة»، حسب تعبير أحد «وجهاء» بلدة جسرين لـ«الأخبار». المصدر امتنع عن الكشف عن النتائج الأوليّة للمساعي، وعزا الأمر إلى ضرورة «التريّث قبل الخوض في أحاديث من هذا النوع منعاً لإفشال المساعي». وأضاف «هذه فتنة كبرى، وإذا لم يتمّ احتواؤها سريعاً فالنتائج لا تُحمد عقباها».
ولا يبدو «جيش الإسلام» وحيداً في مواجهة «اعتداءات النصرة»، إذ أصدرت «قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية» بياناً أكّدت فيه أنّ «عناصر جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة اعتدوا على دورية لقيادة الشرطة في بلدة مسرابا». وفي تطوّر يبدو مؤشّراً على تصعيد وشيك للأحداث دخل «المجلس العسكري لدمشق وريفها» على خط الأحداث عبر بيانٍ اتّهم فيه «جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» بالاعتداء على مقارّ تابعة له. وقال البيان الذي تداولته بعض الصفحات المعارضة وحمل توقيع «أمين سر المجلس» إنّ قوة تابعة للطرفين «اقتحمت مركز قائد المجلس العسكري (عمّار النمر) من دون مراعاة أي حرمة». ومن المعروف أنّ النمر «قائد المجلس العسكري» يحتفظ بعلاقات جيّدة مع «جيش الإسلام»، فالمجلس المذكور أعلنت ولادتُه قبل عام تحت إشراف «القيادة الموحدة للغوطة الشرقيّة» التي تزعّمها مؤسّس «جيش الإسلام» المقتول زهران علّوش (راجع «الأخبار»، العدد 2570). وعلى نحو مماثلٍ لبيان «جيش الإسلام»، حرص بيان «المجلس» على اتهام مبطّن لـ«المعتدين» بالتواطؤ مع الجيش السوري عبر «تزامن هذا الاعتداء الغاشم مع حشود لميليشيات الأسد على أطراف الغوطة».

_____________
رجل السعوديّة يظهر في تركيا... «طبخة إقليمية عسكريّة» قيدَ الإعداد؟

صهيب عنجريني

الاثنين ٢٠ نيسان ٢٠١٥


من جديد نجح زهران علّوش في التحوّل إلى نجم المشهد. قائد «جيش الإسلام» الذي أثار الجدل منذ بروزه على مسرح الحدث في مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، وتحوّله من شخص «يتحاشاه الجميع» (وفقاً لأحد جيرانه في السنوات التي سبقت اعتقاله، أي قبل 2009) إلى «قائد القيادة الموحّدة للغوطة الشرقيّة». قصص عدة حُكيت عن علوش، وأسباب إطلاق سراحه من سجن صيدنايا العسكري (مثله مثل عدد من متزعّمي المجموعات الجهاديّة).

قيل الكثير عن «ارتباطه بالمخابرات السوريّة»، وهو أمر عاد إلى التداول خلال اليومين الماضيين، بعد الكشف عن وجوده في تركيا، حيث انشغل الجميع بالبحث عن الطريقة التي خرج بها من الغوطة المُحاصرة والطريق الذي سلكه، «فهل مرّ عبر مناطق سيطرة الدولة السوريّة، أم عبر مناطق سيطرة تنظيم داعش؟». ومن منهُما سهّل خروجه؟
لكنّ حصر وسائل الخروج من الغوطة بالطريقتين المذكورتين هو أمر يخالفُ الواقع، فليسَ من المستبعد (بل هو مرجّح) وجود طرق سرّية تُستخدم عند الضرورة، وهو أمرٌ لمّح إليه شخص مرتبط بـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، من دون أن يخوض في تفاصيله، إذ قال عمار كريّم عبر صفحته في «تويتر»: «لولا أنك أخي في الإسلام لكشفت طريقك الذي خرجت منه (...) زهران علوش في تركيا... خرج من الغوطة قبل أيام». وفي هذا السياق، قال ناشط مُعارض لـ«الأخبار» إن «الوسائل موجودة دائمة، لكنها تنطوي على مخاطرة طبعاً»، مضيفاًَ: «سبق لي أن خرجت من الغوطة، ودخلتُها منذ حوالى شهرين ونصف الشهر». ومن المرجّح أن الأراضي الأردنية كانت محطة عبرها زهران، ليغادرها جوّاً إلى تركيا. ومن الملاحظات الجديرة بالتوقف عندها في هذا السياق، أنّ الحفاظ على سرّية تحركات علّوش يؤشّر على مستوى «أمني» متقدّم يقودها، ودائرة محيطة موثوقة، خاصة أن هذه الرحلة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق له أن زار السعودية عام 2013، وزار الأردن مرتين على الأقل بين عامي 2013 و2014، كما يُرجّح قيامه بزيارات سابقة لتركيا. ورغم اختلاف الظروف الميدانية بين الزيارات السابقة والحاليّة، غير أنّ جميعها لم يُكشف عنها إلّا بعد حدوثها.
على أنّ السؤال الأهم من طريقة خروج علّوش هو السؤال عن أسباب خروجه، وظهوره الاستعراضي في تركيّا في هذا التوقيت بالذات، وهو المحسوب في الدرجة الأولى على السعوديّة. ورغم أن بعض المصادر ذهبت إلى ترويج أن «علوش خرج بشكل نهائي من سوريا»، غير أن هذه الفرضيّة أضعفُ من أن تؤخذ في عين الاعتبار. فمن المُسلّم به أن طريقة عمل «جيش الإسلام» تجعلُ من غياب قائده مقدمةً لتفكّكه. ومن المعروف أن «جيش الإسلام» استمرّ على مدار السنوات الماضية في تعزيز قدراته، من دون أن يخوض معارك تستنزفه بشكل كبير. ودأبت مصادر «الإسلام» بين وقت وآخر على تأكيد أنّ «معركة دمشق الكبرى هي الغاية، ومن أجلها يتم الحشد». هذه المعطيات تجعل من المسلّم به أن «طبخةً» ما تُعدّ في المطابخ الإقليمية، وأن علّوش أحد مكوّناتها، خاصة أن تقارير عدّة تحدثت عن مرحلة تنسيق جديدة بين اللاعبين السعودي والتركي، تجعل من الرياض المهندس الأول لمشهد المعارضة المسلّحة في سوريا، ومن أنقرة لاعباً مُساعداً. وهو ما أفضَى على الأرجح إلى تفكك «الجبهة الشاميّة» في الشمال السوري أخيراً، مطيحاً «جماعة الإخوان المسلمين» من قمّة الهرم في الشمال من دون محاولة إقصائهم كليّاً، ما يوحي بأن طبيعة وجودهم في المرحلة القادمة ستكون خاضعة لجملة معايير توافقُ «المرحلة السعودية». وثمّة مُعطيات ترتبط بالمشهد في الغوطة ينبغي أخذها في الاعتبار، يبدو أنّها جاءت كتمهيدٍ لما يُعدّ في «المطبخ الإقليمي»، وعلى رأسها يأتي الإعلان عن ولادة جديدة لـ«المجلس العسكري في دمشق وريفها» أواخر الشهر الماضي. ولادة تمّت تحت إشراف «القيادة الموحدة للغوطة الشرقيّة» التي يتزعّمها علّوش. وكان الأخير قد تصدّر مشهد الإعلان عن «المجلس»، وقال في كلمة له إنّه «منظومة واحدة تعمل مع القيادة العسكرية الموحدة وضمن التوجيهات التي تصدر من القيادة العسكرية الموحدة»، كما أكّد أنه يُمهد لـ«بناء مرحلة جديدة من مراحل العمل الثوري وفي ظروف بدأت فيها عجلة العمل الثوري تندفع نحو الأمام»، وينسجم مع طبيعة مرحلة «الانتقال من حرب العصابات إلى الحرب النظامية». ومن المؤشرات التي قد تشي بملامح المرحلة القادمة، أنّ «رئيس المجلس» عمّار النمر أعلن في مؤتمر صحافي أول من أمس «تأييد المجلس لعملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن»، وتمنّى على القائمين عليها أن «تتمدد إلى سوريا».
وفي السياق التمهيدي ذاته يُمكن إدراج المعارك الأخيرة التي خاضَها علّوش ضدّ تنظيم «الدولة الإسلاميّة». وهي معارك تضمن إعادة التذكير بما روّج له طويلاً من أن «جيش الإسلام حجر زاوية في محاربة تطرف داعش»، وتصلحُ بالتالي لتلميع قائده للعب دورٍ يحظى بدعمٍ يتجاوز الإقليمي إلى الدولي. وتنسجم هذه المعطيات مع ما أكده مصدر محسوب على «أجناد الشام» من أنّ «علوش ليس القيادي الوحيد الموجود في تركيا حاليّاً». المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «معظم القادة المعروفين وصلوا أو على وشك الوصول، تمهيداً لسلسلة اجتماعات سيشارك فيها سليم إدريس وعسكريّون آخرون».

ابحث عن مقالات مثل التي قرأت

Advertise Here

المقالات الأكثر قراءة

_____________________________________________________
حقوق التأليف والنشر © مراجعات. جميع الحقوق محفوظة.